|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() إهمال الأب لأسرته عبد الغني بن عثمان الغامدي الخطبة الأولى أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]. الأسرة المسلمة نواة المجتمع الصالح، فصلاح الفرد من صلاح الأسرة، وصلاح المجتمع بأسره كذلك من صلاح الأسرة. اهتم الإسلام اهتماماً لا مزيد عليه بشأن الأسرة، وأُسُسِ تكوينها، وأسباب دوام ترابطها، لتبقى الأسرة المسلمة شامخة يسودها الوئام، وترفرف عليها المحبة، وتتلاقى فيها مشاعر المودة والرحمة، قال - تعالى -: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21]، ولتعيش الأسرة المسلمة وِحْدة شعور ووِحدَة عواطف قال - تعالى -: ( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ )[البقرة: 187]. بيَّن القرآن للأزواج أن كلا منهما ضروري للآخر ومتمم له، قال - تعالى -: ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الأعراف: 189]، ولا يتصور أن تقوم حياةٌ إنسانية على استقامة إذا هُدمت الأسرة، والذين ينادون بحلّ نظام الأسرة لا يريدون بالبشرية خيراً، وقد كانت دعوتهم ولا زالت صوتاً نشازاً على مرّ التأريخ. تقوم الأسرة على أساس التفاهم، وتمارس أعمالها بتشاور، ويبني حياتها على التراضي، هذا بيان قرآني بليغ يجلي هذه المبادئ السامية، فعند رضاع الأولاد، وفطامهم ولو بعد الانفصال يقول - تعالى -: ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ) [البقرة: 233]. الأسرة التي تروم السعادة، وتبحث عن الاستقرار، تبني حياتها على أسس راسخة، أبرزها رعاية واحترام الحقوق بين الزوجين، المعاشرة بالمعروف، فتح آفاق واسعة من المشاعر الفياضة، ليتدفق نبع المحبة وتقوى الرابطة، وهنا يجد الأزواج السكن النفسي الذي نصّ عليه القرآن. بمثل هذا الرسوخ تؤمّن الأسرة من التصدّع، وإذا نشأ خلاف فإن المحبة الصادقة والمودة ستذيبه. حدثني أحد الإخوة وهو من جماعة المسجد بحديث قبل أيام، وقد كان حديثه مخلوط بالحسرة والأسى على حال ابنته التي تعيش معه هي وأبنائها منذ فترة طويلة وزوجها لا يسال عنها ولا عن أبنائها، فهو لاه في دنياه ومع أصدقائه، وكأن الأمر لا يعنيه، وكان شيئا لم يكن، ما ذنب أولئك الأطفال الذين حرموا من حنان الأب وجو الأسرة السعيدة والحياة الهانئة مع الأبوين، مع أنهم يعيشون في بيت جدهم ويلقون الرعاية ولاهتمام، لكن لا يماثل جو الأسرة المتزن مع أبوين بينهما مودة ورحمة ومهما يكن سبب الخلاف فإنني أذكر هذا الزوج وأمثاله بأن الحكيم الخبير علمنا أن النفس قد تثور أحياناً فينشأ الخلاف، وفي أجواء الخلاف مشاعر الكراهية، فيجد الشيطان ضالته المنشودة لهدم كيان الأسرة، فكان التوجيه القرآني لتنقية المشاعر وليعود للحياة صفاؤها، وللأسرة بهاؤها، قال - تعالى -: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19]، ولذلك قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "أي فعسى أن يكون صبركم في إمساكهن مع الكراهية فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة"[1]. قد يجني الجاهل على نفسه، ويدمّر حياته بطوعه واختياره، حين يستبدل المحبة والمودة والرحمة بالعناد والتحدي، وهذا نذير شؤم، وبداية تصدع، ولا يدمر الأسرة شيء كما يدمرها العناد والتحدي، فالخلافات الصغيرة تصبح بالعناد كبيرة، والخلافات الكبيرة تغدو باللين والصبر صغيرة. كم نسمع ونشاهد تصدّع أسر وهي في مهدها، قبل أن يكتمل البناء، نتيجة لهذه الاعتبارات. وقد قرر كثير من الباحثين أن التفكك الأسري سببٌ رئيس في انحراف الأهداف والسلوك من طريق الجنوح، ولهذا فإن الأسرة مطالبة بحماية نفسها قبل حدوث الشقاق، ولا يخفى أن الحياة لا تصفو دائماً، بل هي معرضة للسراء والضراء. إن أي تقصير أو إخفاق في قيام الأسرة بدورها التربوي ستكون له عواقب وخيمة على سلوك الأبناء والبنات، ومن ثم على المجتمع في بنائه وفكره وأمنه. القيام بالواجبات الأسرية أمانة سيسأل عنها الزوجان يوم القيامة، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)) [أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما][3]. إن من أجل المصائب أن يكون مصدر الخوف هو المسئول عن الأمن؛ ووسيلة الهدم يستخدمها المسئول عن البناء، فهذا شرٌ لا يحتمل، ومصدر قلق لا يتوقف، وأن يكون مبعث المشاكل من موقع الحل فيعني الحريق والدمار. ولذلك فإن من أسوأ ما يمر بالبيوت أن يكون سبب الداء والبلاء والشر فيها هو الزوج أو الأب. هناك من الأزواج من يسعى لحتفه بظلفه ولعذابه من بابه، فكم من بيت دُمر، وأسرة شردت، وأبناء انحرفوا، ونساء أهينت، بسبب الأب أو الزوج وتصرفاته وأخلاقه وطريقة إدارته لبيته وأسرته. وتختلف الأساليب والأسباب والطرق التي يسلكها الأزواج المخربون في تخريب بيوتهم - قصدوا أو لم يقصدوا بل شعروا أو لم يشعروا - فالحقيقة أنهم يهدمون بيوتهم بأيديهم، ومن أبرز تلك الأساليب: 1- الشك: إذا دخل الشّكُ بيتا من الباب فرّ الاستقرار الأسري من النوافذ والشقوق ولا يعرف بعد ذلك معنى للراحة والطمأنينة والجو العائلي، فالزوج إذا بدأ يساوره الشك في زوجته وأنها تخونه أو أن تصرفاتها مريبة، فهنالك القِ على السعادة السلام وكبر عليها أربعا، وكم يعيش الزوج المتعوس الذي أبتلي بالشك في عناء ومكابدة وهموم ووسواس فهو في حياة صعبة وقاسية ويمر بساعات يتمنى فيها الموت، ويتخذه الشيطان كرة يتسلى بها وينزل بها من الهموم ما الله به عليم، ففي كل لحظة يخرج بها من بيته يتخيل الآف التخيلات الشيطانية عن حال بيته وأهله، وكم من موقف بريء أو كلمة عابرة من زوجته يجعل منه أصل انحراف ومنهج فساد. الزوج الشكاك يهدم بيته بيده ويسعى لدمار أسرته بقديمه، وغالبا ما ينتهي الأمر بعد أن تتحول الحياة إلى جحيم لا يطاق ينتهي بتدمير نفسية الأولاد، وتشويه سمعة الأسرة، وأما الضحية الكبرى وهي الزوجة البريئة فقد حكم عليها بالإعدام العرفي والمؤبد الاجتماعي، ويتحمل كل هذه الظلمات الزوج الذي يستسلم للشك دون أن يبحث لنفسه عن علاج من البداية، ولا يستنصح الصادقين الثقات، أو يصبر حتى يتيقن إن كان ولا بد مصر على شكه، نسأل الله العافية. 2- الإهمال: إهمال الزوج لزوجته أو الأب لأسرته عبارة عن الحكم بالموت السريري والإعدام البطيء لروح الأسرة، فالزوج الذي لا يدري عن حال بيته، فلا يسمع لأبنائه، ولا يتحاور مع زوجته، ولا يشارك في حل مشكلاته، ولا يشجع انجازاته، ولا يقوّم المعوج، ولا يهتم بالطلبات، وهمّه مُتوجه إلى نفسه فقط وملذاته وجلساته وأصدقائه، ولا يعرف من البيت إلا أنه مكان للنوم وتغيير الملابس والطعام أحيانا، هذا إذا أبقاهم في البيت ولم يرسلهم إلى أهل الزوجة، ولا يقبل النقاش في هذه القضية بل ربما يكون النقاش معه فتح باب مشاكل لا نهاية لها و الصبر على إهماله أخف منها، ويتعلل بالانشغال أو الحرية الشخصية أو الخصوصية والعلاقات الخاصة ونحوها مما يبرر إهماله، فهو وإن صدق في بعضها فلا يقبل ولا يصح أن تكون حالة دائمة ومستمرة وفي كل الظروف فالمسئولية الأولى للأسرة تحتم عليه أن يغير من أسلوب حياته بما يحفظ كيان الأسرة ويحقق سعادتها. إن هذا الإهمال يجر الأسرة إلى انحرافات خطيرة في بعض الحالات كما يزرع حاجزاً نفسياً بين أفراد الأسرة وخاصة بين الأب والأبناء، وإذا وصل الإهمال إلى سن مراهقة الأبناء فاحتمال الانحراف يتقوى وتزداد المشاكل تعقيداً، إلا إذا كانت الأم تقوم بدورها ودور الأب وقلما يكون. ويحتج بعض المهملين بأنهم يقومون بتوفير حاجات الأسرة من طعام وشراب وكساء وملذات وربما يتوسعون في ذلك، وهذا يدل على جهلهم بحقيقة أو بشمولية الحاجات والتي تأتي في قمتها الحاجات النفسية والعاطفية والأبوية وهذه لا يعوضها شيء من الأموال. 4- التكلّف: أي زوج يقوم بإدارة أسرته وبيته بقانون التكلف فقد أدخل نفسه ومن معه معركةً خاسرة لا حدّ لخسائرها ولا توقف لضحاياها، فالتكلف مرهق مادي ومعنوي، ولذلك تعيش كثير من الأسر في حالة حرب مع الحياة؛ لأنها تتعامل بالتكلف في كل قضية، فتتكلف في أحزانها كما تتكلف في أفراحها، ويعتبر الظهور بمظهر متكلف أهم قضية في حياتها، فتجد من يتكلف حتى في كلامه وحديثه عن حياته ونفسه ومن أقبح صوره أن يتكلف الزوجان الظهور بمظهر الود والمحبة والعلاقة الحسنة وهما - في الحقيقة يعيشان طلاقا صامتا أو هجران طويل، وفي داخلهما من الكره والبغض والتنافر ما لا تطيقه الجبال، ويزداد الأمر سوءا أن يتكلفوا ذلك حتى أمام أقرب الناس إليهم والذي يمكن أن يكون عونا لهم في حل مشكلتهم. التكلف في الحياة يجعل الأعصاب مشدودة دائماً، ويرفع وتيرة مراقبة ومتابعة ما يصدر من الآخرين من حكم وتقييم، والتكلف المادي يعني أن الديون لا تتوقف فضلا عن أن تُقضى. ومن الآثار السيئة للتكلف عموماً على الأبناء أنهم يشعرون بكذب أسرتهم ويتطور الأمر إلى أن يمارس الأبناء الكذب على أسرتهم قبل غيرهم مثل أن يُظهروا لأسرتهم بطولات من خيالهم مع أصدقائهم، ويفتخرون بأعمال قاموا بها في مدرستهم لا حقيقة لها في الواقع. الزوج المتكلف يهدم بيته وأسرته في سلوكها وأخلاقها بحيث يجرها إلى الكذب الاجتماعي ويستحسنه، ويهدمها ماديا بتحمل ما لا يطيق ليظهر بغير حقيقته أو فوق حقيقته، ويتعبها نفسياً فالمتكلف يعيش حرباً نفسية غير عادية؛ لأنه يعيش في داخله صراعاً بين الحقيقة التي يعرفها والتكلف الذي يظهره. وعند حصول خلاف عادي بين الزوجين مثلا في بيت ينتهج التكلف يسعى كل طرف لفضح الأخر وتذكيره بحقيقته ويعيره بما يعرفه عنه ويظن أنه يخفيه؛ لأن الحقائق أصلاً لا تظهر في البيت المتكلف فتصبح عاراً ومعيبة. 5- الإعلام: ليس بيد أي زوج أن يمنع قناة فضائية أو موقع انترنت أو مجلة أو أي وسيلة إعلامية من ألا تبث ما تشاء وألا تنشر ما تريد، لكنه بيده أن يدخل إلى بيته ما يناسبه وما يرغب فيه ويمنع ما لا يريده. إن السماح للقنوات الفضائية ومواقع الانترنت بالدخول إلى غرف البيوت دون أي ضبط أو قانون أو مراقبة أو انتقاء معناه زرع قنابل وألغام في البيت تنتظر ساعة الصفر لتفجيرها. كم من بيت فسد وتغيرت علاقة الزوج بزوجته بسبب غرف الشات، أو رسالة إيميل، أو محادثات أصدقاء المنتديات ونحوه، وكم فعل من فيلم أو مسلسل في فضائية بأسرة من أفاعيل. ليست دعوة لمحاربة الإعلام ورفضه كلية لكنها نداء لعدم الغفلة عنه ولاستخدامه بما ينفع وألا يفتح له الباب على مصراعيه، ولست بحاجة إلى التنبيه على وجود قنوات تنشر الرذيلة وتفسد البيوت ولا على مواقع الانترنت غير الأخلاقية فهذا أمر من الشهرة بما يغني عن ذكره لكن كلامنا في تحرز الزوج والأب من مفاسدها. فحتى لا يهدم الزوج بيته بيده ويدفع مقابل هذا الهدم أموالا عليه أن يتعرف كيف يستفيد وكيف يمنع الضرر من هذه الوسائل والتي أصبحت جزءا من حياة الناس ومشاركا رئيسا لهم في بيوتهم. هذه بعض ما يمكن أن يكون سببا في هدم البيوت وخراب الأسر والتي يقوم بها الزوج أو هو السبب الرئيس في حصولها، ومما يضاف إلى ذلك إجمالاً: ضعف الشخصية وترك القوامة، الاختلاط، تدخل الأقارب في خصوصيات الزوجين، غياب الزوج الكثير وغير المبرر عن البيت، عدم وجود جلسات حوار أسرية، المبالغة في الحزم، الإفراط في الليونة، التدليل، التوسع غير المنضبط في العلاقات، التضييق في التواصل حتى مع الأقارب، المقارنة الدائمة بالآخرين، وعلى رأس المصائب التي تقلب الحياة في البيوت وتجعلها جحيما وتهدمها من أساسها: الذنوب والمعاصي والبعد عن الخالق - سبحانه وتعالى - وانتهاك حدود الله ومواثيقه ومن أعظم الحدود والمواثيق ما يخص العلاقة الزوجية. نسأل الله أن يتوب علينا ويحفظ علينا أمننا ويهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ويجعلنا للمتقين إماما. وصلى الله وسلم على محمد وآله
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |