|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الكتاب المقدس بين ضياع الأصول وتحريف النسخ د. يزيد حمزاوي قُبيل أن يموت شنودة الثالث بابا الكنيسة القِبطية المرقسية المصرية بأسابيع قليلة، سمعتُه وهو يجيب عن أسئلة الناس من كنيسة العبَّاسية بالقاهرة في لقائه الأسبوعي، طُرح عليه سؤال مفادُه: "لقد كثُرت ترجمات ونسخ الكتاب المقدس وهي مختلفة فيما بينها، فما هي النُّسخة الصحيحة منها؟" فردَّ بابا الأقباط على السائل بقولِه: "إن النسخ التي لا توجد فيها العقيدة التي نُعلِّمها في كنيستنا هي نسخ "غلط"! ما يمكن استنتاجُه من هذه الإجابة المختصرة، هو أنَّ رأس الكنيسة القِبطية المصرية يُقر بوجود نسخ "غلط" للكتاب المقدس، ولفظة "غَلَط" كلمة لا تحمل أكثرَ من دَلالة واحدة، وهي أنها نُسَخٌ محرَّفة، لكنَّ الحديث عن تحريف الكتاب المقدس في النَّصرانية والكنيسة يُثير الحساسيات والمخاوف، خاصَّةً أنها كلمة قرآنيةٌ بامتياز في وصف إنجيلِ النصارى؛ لذا فضَّل البابا استعمالَ كلمة النُّسخ "الغلط" بدل النُّسخ المحرفة. ودَعُونا لا نخرجْ عن كلمة البابا: نسخ "غلط"، إنَّ السائل الذي يبحث عن النُّسخة الصحيحة لم يستفِدْ شيئًا من الإجابة المُبهَمة للبابا؛ لأن المفهوم العمليَّ من إجابة هذا الأخير، هو أن يأخذَ كلُّ نصراني أرثُوذكسي قبطي المئاتِ من النُّسخ والترجمات الموجودة في الساحة، ثم يُجريَ عليها دراسة نصية، وتحليلَ محتوًى، وبحثًا مقارنًا مع عقائد الكنيسة التي يتْبَعُها، ليصلَ أخيرًا بعدَ إقصاء النسخ "الغلط" إلى معرفةِ النُّسخة الصحيحة! إنَّ البابا بهذا الجواب يطلب من شعب الكنيسة كلِّه أن يصبح عالِمًا في نقد النص textual critic، وخبيرًا في المخطوطات manuscripts expert؛ حتى يستطيعَ أن يصل إلى المخطوطة أو النُّسخة الصحيحة للكتاب المقدس، بل ولا يكفي ذلك؛ لأنه بعدها عليه أن يكون لاهوتيًّا مبرَّزًا؛ ليتمكن من فكِّ أحجية العقائد الكنسية ليحكم في ختامها على أحجيةٍ بعينِها أنها هي العقيدة المستقيمة، التي تتَّفق مع عقائد الكنيسة الأرثوذوكسية القبطية. ولا يخفى أنَّ هذه الخطوات المنهجية والعلمية لا يقدِر عليها إلا مَن فاض زادُه من إتقان اللغات القديمة، واتسعتْ مداركُه في تِقنيات النقد النصي، وامتلك ناصية العلوم الكثيرة والدقيقة، وحاز المهاراتِ الفكريةَ والبحثيَّة التي تتيح له فهمَ عقائدَ أشبهَ بالطلاسم، واستيعاب نصوصٍ أقرب ما تكون مكتوبة بالحبر السري. وفي الحال هذه، كيف يطلب البابا من عوامِّ الناس الذين لا يُحسن أحدُهم يكتب اسمه وعنوانَ بيته أن يقتحم مَيدان الهوجاء هذا بلا سلاحٍ، إلا سلاح الإيمان الأعمى الموروث بالهُوية والبطاقة؟ لماذا يزيد شنودة الثالث كلَّ هذا العناء والعبء على الناس من شعب الكنيسة، وإنني أجزم من كثرةِ ما خالطت النصارى أن فراغَهم الرُّوحي الموحشَ يحولُ دون الإنصات لأي أمر جَديٍّ مثل هذا في الكنيسة، وما درى البابا أنَّ كثيرًا ممن يحضر إلى كنيسة العباسية هو لمجرَّد الولولة والتصفيق والقهقهة لبعض النوادر التي يطلقها البطريرك المحبوب؛ لتخفيف جوِّ الكنيسة المكفهرِّ والثقيل، كمحاولة للهروب النفسي من وخْز الفطرة التي تؤنِّب كلَّ نصراني، فليت شعري كيف يُكلَّف هذا النوعُ من الحضور بإخراج نسخة الكتاب المقدس الصحيحة الوهمية، من كومة أطنان النُّسخ "الغلط" المكدَّسة تحت ألفَيْ سنة من التزوير والتحريف؟ ألا تكفي الناسَ أعباؤهم اليوميةُ الثقيلة وهموم القُوت والرغيف والبوتاجاز... حتى يزيدَهم البابا عبء الدراسات اللاهوتية المتخصِّصة لمعرفةِ النسخة الصحيحة من النسخ "الغلط"؟ لماذا لا يقدِّم البابا اسم النسخة الصحيحة، وبجانبها قائمة للنسخ "الغلط" على حدِّ تعبير البابا، فيريح ويستريح، وكفى الله المؤمنين القتال؟ أيها البابا، أو خليفته، إنَّ في الإسلام مبدأ هامًّا، وهو عدمُ جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة، واليوم كما عرفنا في الكنيسة حاجة ماسَّة لمعرفة النسخة الصحيحة من النسخ "الغلط" السقيمة؛ فالأمر دِينٌ، والمصير إما ملكوت السماء أو ظلمة الجحيم، فلمَ الانتظار واللَّفُّ والدوران في الإجابة عن السؤال؟ فما هي النسخ "الغلط"؟ إن بعض النسخ اليوم التي تطلع كل صباح في شتى اللغات ومن البلدان العديدة - تتنافس فيما بينها لتحذفَ نصوصًا من هنا، وإضافة أخرى هناك، لم يعد الأمر خفيًّا، فيبدو أنَّ اللِّجان الكِتابية المكلَّفة بتنقيح كتاب الإله المخلص، تتبارى فيما بينها لضرب رقمٍ قياسي جديد في الحذف والإضافة، وإذا سمينا هذه التَّغييرات والتبديلات بالتحريف، فإنَّ هذا التحريف تجاوَزَ مستوى "التحريف بالمفرق" إلى "التحريف بالجملة"، فمرة يُحذف إصحاحٌ كامل، ومرة قصة كاملة، ومرة يضاف سِفر أو أكثرُ إلى العهد القديم، ومرة يشار في أقدم المخطوطات أن العهد الجديد تنقصه بعض الأسفار، أو أنه يُشَكُّ في مصداقيةِ أخرى... وكلُّ هذه التعليقات نجدها في الحواشي على متون الكتاب المقدَّس، ويعلم الله أنَّ النسخ الحديثة باللغات المختلفة أصبحت حواشيها أكبرَ من متونِها، وحتى يسع المجال لحواشٍ إضافية تعمد النُّسخ الحديثة إلى تصغير حجم الخط لحدٍّ يتعذَّر قراءتها، حتى إنها تصيب من يدمن قراءتها بضعف البصر بعد حين! أيها البابا - والآن بعد أن انتقل إلى الدار الآخرة؛ حيث سيعرف هناك الغلط من الصحيح - فإنني أخاطب خليفتَه أيًّا كان، دعني أقدِّم يد العون ببعض التساؤلات البريئة، والتعليقات المتواضعة، التي قد تكون مفيدةً لإقصاء النسخ "الغلط"، ولأنني مسلمٌ؛ فاسمح لي أن أضيف مصطلحًا إسلاميًّا إلى مصطلح "الغلط"، وهو المحرَّفة؛ أيْ: دعنا نتعاوَنْ لوضع قائمة من النسخ "الغلط" المحرَّفة؛ حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود، وفي الأخير نخرج بالنسخة الوحيدة الصحيحة غير "الغلط" وغير المحرَّفة، والتي توافق عليها الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية،وإذا كنتَ موافقًا فدعنا نبدأ، ولا أظنُّك ترفض وأنت تقرأ في العهد الجديد تلك النصوصَ التي تدعو إلى البحث والدراسة، وتقديمِ الدليل والبرهان على صحة دينكم، وهذه بعض تلك النصوص: بطرس الأولى 3: 15 (قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ). يوحنا: 39:5 (فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي). تسالونيكي الأولى 5: 21 (امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ، تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ). إذًا، الطريق واضحة: الاستعدادُ للإجابة بوداعة، التفتيش والبحث، امتحان الأدلَّة، إقصاء الغلط، والتمسك بالحسن الصحيح. لنبدأ.. تعلمت ممن سبقني في البحوث العلمية ألا نبدأ في البحث عن أيِّ شيء قبل تحديد المفاهيم الإجرائية؛ أي: تحديد المصطلحات وتعريفها بدقة؛ حتى نضع معالِمَ لطريق البحث؛ فلا نضيع في جنباتِه وتضيع الحقيقة معه، وإنَّ أهمَّ مصطلح وأخطرَ مفهوم في بحثِنا الصغير هو كلمة "الغلط"، على حدِّ تعبير البابا شنودة، أو التحريف في نسخ الكتاب المقدس على حدِّ تعبير الإسلام وكثير من الباحثين. تعريف "الغلط" أو التحريف: هو أي تغيير - صغيرًا كان أم كبيرًا - بالحذف أو الإضافة أو التبديل، أو التقديم أو التأخير، يطرأ على النصِّ الأصلي للكتاب المقدَّس، سواءٌ كان ذلك التغيير الطارئ متعمَّدًا أو سهوًا، بحسن نية أو بسوء نية. آه!! يبدو أن نيَّتي السليمة في تقديم يدِ العون كُبَّتْ في أول الطريق، لقد تبجحتُ بأنني على استعداد لتقديم يد العون للتفتيش في الكتب، كما يوصي العهد الجديد بقوله في يوحنا 5: 39 "فَتِّشُوا الْكُتُبَ..."؛ إذ إنه بعد التحديد الإجرائي والاصطلاحي لتعريف كلمة "الغلط" أو التحريف، تبيَّن لي أنني عاجز عن الإيفاء بوعدي بالمساعدة؛ لأن التَّعريف الإجرائي الذي ذكرته عن "الغلط" والتحريف في نسخ الكتاب المقدس، يحدِّد ويشير إلى أنَّه يجب أن يتوفَّر لدى الباحث النُّسخة الأصلية للكتاب المقدس، التي ستُعتبر المعيار أو المقياس الذي يُحكم به على أيِّ نص آخر، من حيث مدى تطابقِه أو مخالفته للنص الأصلي، وإنني أُقرُّ أنه مع كثرة نسخِ ووفرةِ ترجماتِ الكتاب المقدس الموجودة في مكتبتي البيتية، إلا أنني لا أملك النسخة الأصلية للكتاب المقدس حتى أبدأ في الدراسة! ولأننا في زمن الإنترنت وعصر شبكة الشبكات الإلكترونية، التي لا تترك شاردة ولا واردة إلا وكلَّمتْك عنه، فقد ترددت على الشبكة العنكبوتية متفائلاً لعل وعسى أن تزوِّدني محركاتُ بحثه العربية والعالمية بنسخة الكتاب المقدس الأصلية؛ لأبدأ بحثي الذي طال انتظاره، لكنَّ الإنترنت بخل وضنَّ عليَّ، ولم يزوِّدني حتى اليوم بنسخة واحدة، ولم يأبَهْ بتوسلي ولم يَجُدْ عليَّ رغم كثرة إلحاحي، فيئست منه؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه. واليوم أقف أمامكم وأناشدكم أن ترسلوا إليَّ صورة للنسخة الأصلية لكتابكم المقدس، إذا كانت بحوزة كنيستكم، فلا شك أنه من مصلحة الكنيسة أن تُفرِج عن النسخة الأصلية من مَحبسها؛ ليهتدي بها شعب الكنيسة - بل والعالم - إلى رسالة المسيح الصافية! وبينما أنا أنتظر ساعيَ البريد أن يدق بابي حاملاً معه نسخة مصورة عن المخطوط الأصلي، فوجئتُ ببرامج تلفزيونية وكتيبات كنسية ودراسات إكليريكية... تجزم أن النسخ الأصلية للكتاب المقدس مفقودة، فالكنيسة للأسف لا تملك اليوم إلا نسخًا من نسخٍ تعود إلى القرن الرابع على أبعدِ تقدير، مع ما في هذه النسخِ من تشويهٍ وإضافة وزيادة، والأهم من ذلك التَّعديلات المتتالية التي تُجرى على تلك النسخ، ولم يتوقف سيل تلك التعديلات إلا قبل قرن فقط من يوم الناس هذا، مما يعني استغراق 19 قرنًا من الزمن في التعديل! ولَمَّا كنت أتفهم أسَفَ الكنيسة؛ فإنني سأتنازل عن طلب النسخة الأصلية للكتاب المقدس كاملاً، خصوصًا العهد الجديد، فالذين ألَّفوا هذه الأناجيل والرسائل الإنجيلية، تفرَّقوا في الأصقاع والأمصار، فبولس وبطرس ماتا في روما، ويوحنَّا رحل بمريم إلى تركيا، ومتَّى ولوقا توجَّها شرقًا أو شَمالاً، كما قيل... إلا إنني لا يمكنني استثناء مرقس، فهذا الأخير هو صاحب أول وأقدم إنجيل، كما أنه رحل إلى مصر، وأنشأ الكنيسة الأرثوذوكسية المرقسية في الإسكندرية، ولا يمكنني تخيُّل أنه دخل مصر خاليَ الوفاض، فلا بد أنه جلب معه إنجيلَهُ ليبشِّر ويكرز به؛ لذا لن أطالب بأكثرَ من نسخة أصلية من إنجيل مرقس، وحالَ بقاءِ أصل هذا الإنجيل مختفيًا أو مخفيًّا، فمعنى ذلك أحدُ أمرين: إما أنه موجود لكنَّه محظور عن شعب الكنيسة؛ لأن نصوصَه تدعو إلى التوحيد النقيِّ كما يدعو إليه الإسلام، وهي دعوة عيسى - عليه السلام - أو أن الإنجيل كان موجودًا ثم ضاع في غياهب الزمان والمكان، مما يعني ضياع كلام الإله المخلص العاجز عن حفظ كلمته من الضياع! يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |