|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
![]() ![]() الموافقات أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الجزء الرابع الحلقة (151) صـ161 إلى صـ 170 وأيضا ; فإن جميع ما يحكى فيه من شرائع الأولين وأحكامهم ، ولم ينبه على إفسادهم وافترائهم فيه ; فهو حق يجعل عمدة عند طائفة في شريعتنا ، ويمنعه قوم ، لا من جهة قدح فيه ، ولكن من جهة أمر خارج عن ذلك ; فقد اتفقوا على أنه حق وصدق كشريعتنا ، ولا يفترق ما بينهما إلا بحكم النسخ فقط ، ولو نبه على أمر فيه لكان في حكم التنبيه على الأول ; كقوله تعالى : وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه الآية [ البقرة : 75 ] وقوله : يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه [ ص: 161 ] الآية [ المائدة : 41 ] وكذلك قوله تعالى : من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين [ النساء : 46 ] فصار هذا من النمط الأول . ومن أمثلة هذا القسم جميع ما حكي عن المتقدمين من الأمم السالفة مما كان حقا ; كحكايته عن الأنبياء والأولياء ، ومنه قصة ذي القرنين ، وقصة الخضر مع موسى عليه السلام ، وقصة أصحاب الكهف ، وأشباه ذلك . فصل ولاطراد هذا الأصل اعتمده النظار ; فقد استدل جماعة من الأصوليين على أن الكفار مخاطبون بالفروع بقوله تعالى : قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين الآية [ المدثر : 43 44 ] إذ لو كان قولهم باطلا لرد عند حكايته . واستدل على أن أصحاب الكهف سبعة وثامنهم كلبهم بأن الله تعالى لما حكى من قولهم أنهم : ثلاثة رابعهم كلبهم [ الكهف : 22 ] وأنهم خمسة سادسهم كلبهم [ الكهف : 22 ] أعقب ذلك بقوله : رجما بالغيب [ الكهف : 22 ] أي : ليس لهم دليل ولا علم غير اتباع الظن ، ورجم الظنون لا يغني من الحق شيئا ، ولما حكى قولهم : سبعة وثامنهم كلبهم [ الكهف : 22 ] لم يتبعه بإبطال بل قال : قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل [ الكهف : 22 ] ; دل المساق على صحته دون القولين الأولين [ ص: 162 ] وروي عن ابن عباس أنه كان يقول : أنا من ذلك القليل الذي يعلمهم . ورأيت منقولا عن سهل بن عبد الله أنه سئل عن قول إبراهيم عليه السلام رب أرني كيف تحي الموتى [ البقرة : 260 ] فقيل له : أكان شاكا حين سأل ربه أن يريه آية ؟ فقال : لا ، وإنما كان طلب زيادة إيمان إلى إيمان ألا تراه قال : أولم تؤمن قال بلى [ البقرة : 260 ] فلو علم شكا منه لأظهر ذلك ; فصح أن الطمأنينة كانت على معنى الزيادة في الإيمان . بخلاف ما حكى الله عن قوم من الأعراب في قوله : قالت الأعراب آمنا [ الحجرات : 14 ] فإن الله تعالى رد عليهم بقوله قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم [ الحجرات : 14 ] [ ص: 163 ] ومن تتبع مجاري الحكايات في القرآن عرف مداخلها ، وما هو منها حق مما هو باطل . فقد قال تعالى : إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله [ المنافقون : 1 ] إلى آخرها فإن هذه الحكاية ممزوجة الحق بالباطل فظاهرها حق وباطنها كذب ، من حيث كان إخبارا عن المعتقد وهو غير مطابق ; فقال تعالى : والله يعلم إنك لرسوله [ المنافقون : 1 ] تصحيحا لظاهر القول ، وقال : والله يشهد إن المنافقين لكاذبون [ المنافقون : 1 ] إبطالا لما قصدوا به وقال تعالى : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة الآية [ الزمر : 67 ] وسبب نزولها ما خرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس ; قال : مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له النبي : حدثنا يا يهودي فقال : كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه ، والأرضين على ذه ، والماء على ذه ، والجبال على ذه ، وسائر الخلق على ذه ؟ وأشار الراوي بخنصره أولا ، ثم تابع حتى بلغ الإبهام ؟ فأنزل الله : وما قدروا الله حق قدره [ الزمر : 67 ] وفي رواية أخرى : جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ; فقال يا محمد ! إن الله يمسك السماوات على أصبع ، والأرضين على أصبع ، والجبال على أصبع ، [ ص: 164 ] والخلائق على أصبع ، ثم يقول : أنا الملك فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه قال : وما قدروا الله حق قدره [ الزمر : 67 ] وفي رواية : فضحك النبي تعجبا وتصديقا . والحديث الأول كأنه مفسر لهذا ، وبمعناه يتبين معنى قوله : وما قدروا الله حق قدره [ الزمر : 67 ] ; فإن الآية بينت أن كلام اليهودي حق في الجملة ، وذلك قوله : والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه [ الزمر : 67 ] وأشارت إلى أنه لم يتأدب مع الربوبية وذلك والله أعلم لأنه أشار إلى معنى الأصابع بأصابع نفسه وذلك مخالف للتنزيه للباري سبحانه ; فقال : وما قدروا الله حق قدره [ الزمر : 67 ] وقال تعالى : ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن [ التوبة : 61 ] أي : يسمع الحق والباطل ، فرد [ ص: 165 ] الله عليهم فيما هو باطل ، وأحق الحق ; فقال : قل أذن خير لكم ، ورحمة للذين آمنوا منكم الآية [ التوبة : 61 ] ولما قصدوا الإذاية بذلك الكلام قال تعالى : والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم [ التوبة : 61 ] وقال تعالى : وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه [ يس : 47 ] فهذا منع امتناع عن الإنفاق بحجة قصدهم فيها الاستهزاء ; فرد عليهم بقوله : إن أنتم إلا في ضلال مبين [ يس : 47 ] ; لأن ذلك حيد عن امتثال الأمر ، وجواب أنفقوا أن يقال : نعم أو لا ، وهو الامتثال أو العصيان ، فلما رجعوا إلى الاحتجاج على الامتناع بالمشيئة المطلقة التي لا تعارض ; انقلب عليهم من حيث لم يعرفوا ; إذ حاصله أنهم اعترضوا على المشيئة المطلقة بالمشيئة المطلقة ; لأن الله شاء أن يكلفهم الإنفاق ، فكأنهم قالوا : كيف يشاء الطلب منا ولو شاء أن يطعمهم لأطعمهم ؟ وهذا عين الضلال في نفس الحجة . وقال تعالى : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إلى قوله وكلا آتينا حكما وعلما [ الأنبياء : 78 ] فقوله : ففهمناها سليمان [ الأنبياء : 79 ] تقرير لإصابته عليه السلام في ذلك الحكم وإيماء إلى خلاف ذلك في داود عليه السلام ، لكن لما كان المجتهد معذورا مأجورا بعد بذله [ ص: 166 ] الوسع قال : وكلا آتينا حكما وعلما [ الأنبياء : 79 ] وهذا من البيان الخفي فيما نحن فيه . قال الحسن : والله لولا ما ذكر الله من أمر هذين الرجلين ; لرأيت أن القضاة قد هلكوا ، فإنه أثنى على هذا بعلمه ، وعذر هذا باجتهاده والنمط هنا يتسع ، ويكفي منه ما ذكر ، وبالله التوفيق . فصل وللسنة مدخل في هذا الأصل ; فإن القاعدة المحصلة أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يسكت عما يسمعه أو يراه من الباطل ; حتى يغيره أو يبينه إلا إذا تقرر عندهم بطلانه ، فعند ذلك يمكن السكوت إحالة على ما تقدم من البيان فيه ، والمسألة مذكورة في الأصول . [ ص: 167 ] المسألة الرابعة إذا ورد في القرآن الترغيب قارنه الترهيب في لواحقه أو سوابقه أو قرائنه وبالعكس ، وكذلك الترجية مع التخويف ، وما يرجع إلى هذا المعنى مثله ، ومنه ذكر أهل الجنة يقارنه ذكر أهل النار وبالعكس ; لأن في ذكر أهل الجنة بأعمالهم ترجية وفي ذكر أهل النار بأعمالهم تخويفا فهو راجع إلى الترجية والتخويف . ويدل على هذه الجملة عرض الآيات على النظر ; فأنت ترى أن الله جعل الحمد فاتحة كتابه ، وقد وقع فيه : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم [ الفاتحة : 6 7 ] إلى آخرها فجيء بذكر الفريقين ، ثم بدئت سورة البقرة بذكرها أيضا فقيل هدى للمتقين ثم قال إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم [ البقرة : 6 ] ثم ذكر بإثرهم المنافقون ، وهو صنف من الكفار فلما تم ذلك أعقب بالأمر بالتقوى ثم بالتخويف بالنار ، وبعده بالترجية ; فقال : فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار إلى قوله : وبشر الذين آمنوا الآية [ البقرة : 24 25 ] ثم قال : إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا الآية [ البقرة : 26 ] [ ص: 168 ] ثم ذكر في قصة آدم مثل هذا ، ولما ذكر بنو إسرائيل بنعم الله عليهم ثم اعتدائهم وكفرهم ; قيل : إن الذين آمنوا والذين هادوا إلى قوله هم فيها خالدون [ البقرة : 62 81 ] ثم ذكر تفاصيل ذلك الاعتداء إلى أن ختم بقوله : ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون [ البقرة : 102 ] وهذا تخويف . ثم قال ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة الآية [ البقرة : 103 ] وهو ترجية ثم شرع في ذكر ما كان من شأن المخالفين في تحويل القبلة ، ثم قال : بلى من أسلم وجهه لله الآية [ البقرة : 112 ] . ثم ذكر من شأنهم الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون [ البقرة : 121 ] ثم ذكر قصة إبراهيم عليه السلام وبنيه ، وذكر في أثنائها التخويف والترجية ، وختمها بمثل ذلك ، ولا يطول عليك زمان إنجاز الوعد في هذا الاقتران ; فقد يكون بينهما أشياء معترضة في أثناء المقصود ، والرجوع بعد إلى ما تقرر [ ص: 169 ] وقال تعالى في سورة الأنعام ، وهي في المكيات نظير سورة البقرة في المدنيات : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض [ الأنعام : 1 ] إلى قوله ثم الذين كفروا بربهم يعدلون [ الأنعام : 1 ] وذكر البراهين التامة ، ثم أعقبها بكفرهم وتخويفهم بسببه ، إلى أن قال : كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه [ الأنعام : 12 ] فأقسم بكتب الرحمة على إنفاذ الوعيد على من خالف ، وذلك يعطي التخويف تصريحا ، والترجية ضمنا ثم قال : إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم [ الأنعام : 15 ] فهذا تخويف . وقال : من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه الآية [ الأنعام : 16 ] وهذا ترجية . وكذا قوله : وإن يمسسك الله بضر الآية [ الأنعام : 17 ] ثم مضى في ذكر التخويف ، حتى قال : وللدار الآخرة خير للذين يتقون [ الأنعام : 32 ] ثم قال : إنما يستجيب الذين يسمعون [ الأنعام : 36 ] ونظيره قوله : والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات الآية [ الأنعام : 39 ] ثم جرى ذكر ما يليق بالموطن إلى أن قال وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح الآية [ الأنعام : 48 ] [ ص: 170 ] واجر في النظر على هذا الترتيب ، يلح لك وجه الأصل المنبه عليه ، ولولا الإطالة لبسط من ذلك كثير . فصل وقد يغلب أحد الطرفين بحسب المواطن ومقتضيات الأحوال : فيرد التخويف ويتسع مجاله ، لكنه لا يخلو من الترجية ، كما في سورة الأنعام ; فإنها جاءت مقررة للخلق ، ومنكرة على من كفر بالله ، واخترع من تلقاء نفسه ما لا سلطان له عليه ، وصد عن سبيله ، وأنكر ما لا ينكر ، ولد فيه وخاصم ، وهذا المعنى يقتضي تأكيد التخويف ، وإطالة التأنيب والتعنيف ; فكثرت مقدماته ولواحقه ، ولم يخل مع ذلك من طرف الترجية لأنهم بذلك مدعوون إلى الحق ، وقد تقدم الدعاء ، وإنما هو مزيد تكرار إعذارا وإنذارا ، ومواطن الاغترار يطلب فيها التخويف أكثر من طلب الترجية ; لأن درء المفاسد آكد . ![]()
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |