الاشتقاق من حكاية أصوات الأحياء - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 843 - عددالزوار : 118406 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 40083 )           »          التكبير لسجود التلاوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          زكاة التمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          صيام التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          كيف تترك التدخين؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          حين تربت الآيات على القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3096 - عددالزوار : 366679 )           »          تحريم الاستعانة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          فوائد ترك التنشيف بعد الغسل والوضوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النحو وأصوله
التسجيل التعليمـــات التقويم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 23-08-2022, 05:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,219
الدولة : Egypt
افتراضي الاشتقاق من حكاية أصوات الأحياء

الاشتقاق من حكاية أصوات الأحياء
د. سيد مصطفى أبو طالب




اشتق العرب من حكايات الأصوات التي تصدر عن الإنسان وغيره من الكائنات الحية - أسماء وأفعالًا ومصادرَ وغيرها، اشتقاقًا صريحًا.
وقد ورد هذا النوع كثيرًا في كتب غريب الحديث موضع البحث.

قال أبو عبيد في حديثه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، كلما سمع هَيْعَةً طار إليها"[1].

قال أبو عبيد: الهيعة: الصوت الذي تفزع منه وتخافه من عدو، هذا رجل هاعٌ لاعٌ وهائعٌ ولائعٌ، إذا كان جبانَا ضعيفًا، وقد هَاعَ يَهِيْعٌ هُيُوعًا وهَيَعَانًا[2].

ذكر أبو عبيد أن الهيعة الصوت الذي تفزع منه وتخافه من عدو، وفيه يقال: هَاعَ يَهِيْع هيعانًا وهُيُوعًا، وهذا رجل هاعٌ.
وقد ذكر الخليل هذا المعنى، فقال: (كلما سمع هيعةً.... )؛ أي: صوتًا يُفْزَع منه ويُخافِ[3].
وزاد ابن فارس ذِكْر بعض اشتقاقات منه، فقال: الهاء والياء والعين كلمةٌ واحدة، وهي الهَيْعة: الصَّوْت الذي يُفْزَع منه ويُخاف، يقال: رجلٌ هاعٌ وهائِع، وقد هاعَ يَهِيعُ[4].
وفي اللسان: والهَيْعةُ صوتُ الصَّارِخ للفَزَع، وقيل: الهَيعة الصوت الذي تَفْزَعُ منه وتخافُه من عدو، وبه فسر قوله صلى الله عليه وسلم (خير الناس.....)، ومنه الحديث: (كنتُ عند عمر، فسَمِع الهائعة، فقال: ما هذا؟ فقيل: انْصَرَف الناسُ من الوتر)[5]؛ يعني: الصياح والضجَّة[6].

وعلى ذلك: فيمكن القول بأن الهيع حكاية الصوت عند الفزع يخاف منه الإنسان، ومنه يقال: هاع يهيع هيعانًا وهيوعًا وهائعة، فهي اشتقاقات صوتية.

قال أبو عبيد في حديثه صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المِرْجَل من البكاء)[7].
قوله: أزيز، يعني: غليان جوفه بالبكاء، والأصل في الأزيز: الالتهاب والحركة، وكأن قوله: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ﴾ [مريم: 83]، من هذا؛ أي: تدفعهم وتسوقهم، وهو من التحريك[8].

بيَّن أبو عبيد أن الأزيز: صوت غليان الجوف بالبكاء، وهو مشبه بالقدر في الغليان في حركته والتهابه.
وما ذهب إليه أبو عبيد محل اتفاق بين علماء اللغة والغريب.
يقول الخليل: والأَزيزُ: صوتُ النَّشِيش وفي الحديث: (لجَوْفِهِ أَزيزٌ كأَزِيزِ المِرْجَل)[9].
ويقول ابن الجوزي: أزيز، أي: خَنين من الخوف، والخنين: هو صوت البكاء[10].
وفي اللسان: والأَزِيزُ: صوت غليان القدر، والأَزِيزُ: صوت الرعد من بعيد[11].
وفي الوسيط: أزَّ أزًّا وأزيزًا وأزازًا: تحرك واضطراب، وصَوَّت من شدة الحركة أو الغليان[12].

وتأسيسًا على ذلك، فإن الأزيز هو الصوت المنبعث من مطلق الحركة في الحسيات؛ كالمرجل و(القدر)، و(الرعد)، أو في المعنويات، كتحرك القلب وجيشان الصدر (الجوف) بالبكاء، ومنه يقال: أزَّ أزًّا وأزيزًا وأزازًا، ويَؤزُّ.

قال أبو عبيد: في حديثه صلى الله عليه وسلم حين قال لبلال رضي الله عنه: (ما عملك؟ فإني لا أراني أدخل الجنة، فأسمع الخشفة، فأنظر إلا رأيتك)[13].
قال الكسائي: الخَشْفَةُ الصوت، قال أبو عبيد: أحسبه ليس بالشديد، وقال الكسائي: يقال منه: خَشَفَ يَخْشِفُ خَشْفًا، إذا سمعت له صوتًا أو حركة[14].
بيَّن أبو عبيد أن الخشفة الصوت ليس بالشديد، ومنه يقال: خشف يخشف خشفًا.
قال الخليل: وخَشَفَ يَخْشِفُ خشوفًا إذا ذَهَبَ في الأَرْض، ويُقالُ: سَمِعْتُ خَشْفَتَهُ؛ أي: حِسًّا منه حَرَكَةً أو صوتًا خَفِيًّا[15].
قال الجوهري: الخَشْفَةُ: الحِسُّ والحركة، تقول منه: خَشَفَ الإنسانُ يَخْشُفُ خَشْفًا، وخَشَفَ الثلجُ في شدة البرد، تَسمع له خَشْفَةً عند المشي[16].
وفي شرح النووي على مسلم: الخشفة هي حركة المشي وصوته[17]، ومعنى الحديث هنا: ما يسمع من حس وقع القدم[18].
وعلى ما سبق: فإن الخشفة صوت وقع القدم وغيرها، ومنه يقال: خشف يخشف خشفًا، إذا صوَّت، فهي اشتقاقات صوتية.

قال أبو عبيد: في حديثه صلى الله عليه وسلم أنه سأل رجلًا، فقال: (ما تدعو في صلاتك)؟ فقال الرجل: أدعو بكذا وكذا، وأسأل ربي الجنة وأتعوَّذ به من النار، فأما دندنتك ودندنة معاذ، فلا نحسنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (حولهما نُدَنْدِن)، ورُوِي: "عنهما ندندن"[19].
قال أبو عبيد: الدندنة: أن يتكلم الرجل بالكلام تسمع نَغمته ولا تفهم عنه؛ لأنه يُخفيه، وإنما أراد أن هذا الذي تسمعه منا إنما هو من أجل الجنة والنار، فهذه الدَّنْدَنَةُ، والهَيْنَمة نحو من تلك وهي أخفى منها، ومن ذلك حديث عمر رضي الله عنه الذي يروى عنه في إسلامه: أنه أتى منزل أخته فاطمة امرأة سعيد بن زيد وعندها خباب، وهو يُعَلِّمها سورة طه، فاستمع على الباب، فلما دخل قال: ما هذه الهينمة التي سمعت؟[20].
يقال منه: هينم الرجل يُهَيْنِم هينمة[21].
ذكر أبو عبيد حكاية صوتين: الدندنة، وهي: أن يتكلم الرجل بكلام يسمع نغمته ولا يفهم لخفائه، والهينمة مثلها، إلا أنها أخفى منها.

يقول ابن فارس: (دن) الدال والنون أصلٌ واحد، يدلّ على تطامُن وانخفاض، ومن ذلك: الدَّنْدَنَة، وهو أنْ تُسْمَع من الرَّجل نَغمةٌ لا تُفْهَم، وذلك لأنه يخفِض صوتَه بما يقوله ويُخفيه[22]، وقال: الهينمة: الصوت الخفي[23].
وهذا التفريق الذي ذكره أبو عبيد نص عليه الثعالبي، فقال: الهَيْنَمَةُ وهيَ شِبْهُ قراءَةٍ غيرِ بَيِّنَةٍ، ثُمَّ الدَّنْدَنَة، وهي أن يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ بالكلام تَسْمَعُ نَغْمَتَهُ وَلا تَفْهَمُهُ؛ لأنه يُخْفِيهِ[24].

وعلى ذلك؛ فإن الدندنة المذكورة في الحديث الشريف هي أن يتكلم الرجل بالكلام تسمع نغمته ولا تفهمه؛ لأنه يخفيه، والهينمة أخفى منها، ومنهما يقال: دندن، وهينم.

قال أبو عبيد: في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يخرج قوم من المدينة إلى اليمن والشام يُبِسُّون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)[25].
قوله: يُبِسّون هو أن يقال في زجر الدابة: بَسْ بَسْ أو فَعْ فَعْ، وأكثر ما يقال بالفتح، وهو
صوت الزجر للسوق إذا سُقْتَ حمارًا أو غيره، وهو كلام أهل اليمن[26].
ذكر أبو عبيد معنى (يبسون) وهو أن يقال في زجر الدابة وحثها على السير أثناء سوقها: بِسْ بِسْ – فتقول بس بس حكاية صوت الزجر، ويبسون فعل منه.
قال الخليل: بس بِس زجْرٌ للحمار تقول منه بِس بِس وبَسَسْتُ وأبْسَسْتُ وهم يَبُسُّون ويَبسون[27].
ويقول ابن الأثير في (يبسون): يقال: بَسَسْت الناقة وأبْسَسْتها، إذا سُقْتَها وزجَرْتَها وقلت لها بِسْ بِس[28].
ومن هذه النقول يستفاد أن قولهم: بس بس، حكاية زجر الحمار أو الدابة، ويشتق منه، وبسست وأبسست ويبسون، وغير ذلك، فهي اشتقاقات صوتية.

قال أبو عبيد: في حديثه صلى الله عليه وسلم (من وجد في بطنه رِزًّا فَليَنْصرِفْ ولْيَتوضَّأ)[29].
قال أبو عمرو: إنما هو الأُرز، مثل أُرزِ الحَيَّة، وهو دورانها وانقباضها، فشبَّه دوران الريح في بطنه بذلك، وقال الأصمعي: هو الرز، يعني الصوت بالبطن من القَرْقرَة ونحوها، قال أبو عبيد: والمحفوظ عندنا ما قال الأصمعي، وعليه جاء الحديث إنما هو الرز، وكذلك كل صوت ليس بالشديد؛ نحو: ذلك من الأصوات فهو رِزّ[30].
لقد ذكر أبو عبيد أن الرز الصوت ليس بالشديد يكون بالبطن من القرقرة ونحوها، وكذلك كل صوت ليس بالشديد فهو رز.
يقول الثعالبي: من الأصوات الخفية الرِّزُّ[31].
وفي اللسان: والرِّزُّ - بالكسر - الصوتُ، وقيل: هو الصوت تسمعه من بعيد، وقيل: هو الصوت تسمعه ولا تدري ما هو[32].
وليس في هذه النصوص اشتقاق، لكن الزمخشري ذكر بعضًا منها، فقال: وسمعت رز الأنيس: صوتهم من بعيد، وقد رزَّت السماء ترز[33].
وبين كذلك في الفائق اشتقاقه، فقال: هو القرقرة، من رزت السماء، إذا صوتت[34].
وعلى ذلك: فإن الرزّ صوت بالبطن نحو القرقرة، وليس بالشديد، ومنه يقال: رزَّت ترزُّ رزًّا.

قال ابن قتيبة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (مَنْ حَفِظَ ما بين فُقْمَيْه وَرِجْلَيْه؛ دَخَل الجَنَّة)[35].
الفُقْمان ها هُنا اللِّحْيَان.... ويقال: من وُقيَ شَرَّ لَقْلَقِهِ وشرَّ قَبْقَبه وشَرّ ذَبْذَبه؛ فقد وُقِيَ، وقال الأصمعي: اللَّقْلَق: اللِّسان، والقَبْقَب: البَطْن، والذَبْذَب: الفَرْج، وقال غيره: إنَّما قيل للسان لَقْلَق، من اللَّقْلَقة وهي الجَلَبة، وكأنَّ اللقلقة حِكاية الأصوات إذا كثُرت، ومنه حديث عُمَر رضي الله عنه "ما على نِساء بني المُغَيرة أنْ يَسْفِكْن من دُموعهنّ على أبي سُليْمان، ما لم يكن نَقْع ولا لَقْلَقة "[36]، وقال: إنَّما قيل لِلبَطْن: قَبْقب من القَبْقَبة، وهو صوت يُسْمَعُ من البَطْن، وكأنَّ القَبْقبة حكاية ذلك الصوت[37].
ذكر ابن قتيبة تفسير كلمة فقميه وأنهما اللحيان، وفسر اللقلق باللسان، وذكر أن اللقلقة: الجلبة، وهي حكاية الأصوات إذا كثرت، والقبقبة: حكاية صوت البطن.
يقول أبو عبيد: وأما اللقلقة فشدة الصوت[38].
ويقول الثعالبي: الخَضِيعَةُ والوَقِيبُ صَوتُ بطْنِهِ، وكَذَلِكَ البَقْبَقَةُ والقَبْقَبَةُ[39].
وفي اللسان: والقَبْقَبُ: البطْنُ، وفي الحديث: من كُفِيَ شَرَّ لَقْلَقِه وقَبْقَبه وذَبْذَبه؛ فقد وُقِيَ، وقيل: للبَطْنِ قَبْقَبٌ مِن القَبْقَبَةِ وهي حكاية صوت البَطْنِ[40].
وفي مادة (لقق) يقول: اللَّقْلقةُ: الجلبة، كأَنها حكاية الأَصوات إِذا كثرت، فكأَنه أَراد الصياح والجبلة عند الموت، وقيل: اللَّقْلقةُ: تقطيع الصوت، وهو الوَلْوَلَةُ، وقيل اللَّقْلقةُ واللَّقْلاق الصوت والجلبة [41]، وفي المعجم الوسيط: قبقب الفحل أو الأسد ونحوهما قبقبة وقبقابًا: ردد صوته في حنجرته، وسحق أنيابه، فسمعت لها صوتًا، وتقبقب: قبقب[42]، وفي لقلق، اللقلقة: الصوت في حركة واضطراب[43].

وبناءً على ذلك، فإن القبقبة: حكاية صوت البطن، وسُمِّي البطن بها، ويقال منها: قبقب، وتقبقب قبقبة وقبقابًا، واللقلقة: حكاية الأصوات إذا كثرت واختلطت، ومنها اللقلق، وهو اللسان، سمي بها، ويقال منها: لقلق لقلقة، وكل هذه الاشتقاقات اشتقاقات من حكاية هذه الأصوات.

قال ابن قتيبة في حديث أم معبد، وهي تصف رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وفي صوته صَحَل)[44].
وقولُها: وفي صَوْتِه صَحَل، تريد فيه كالبُحَّة، وهو أنْ لا يكون حادَّا، والصَّحَلُ: البَّحَّة، وفي الحديث " إنَّ ابن عمر كان يرفع صوته بالتّلبية حتى يَصْحَل صوته"[45].
وقال الشاعر:[46] (الوافر)
فقد صَحِلَتْ من النَّوْح الحُلُوقُ[47]
ذكر الشارح أن الصحل: صوت كالبحة ولا يكون حادًّا، وذكر حديث ابن عمر وفيه: (يصحل)، وفي البيت (صحلت)، فيفهم أنه يشتق منه.
يقول الخليل: الصحلّ: صَوْت فيه بحَّة، صَحِل صوتُه فهو أصحَلُ الصَوْت[48].
ويقول ابن فارس: (صحل) الصاد والحاء واللام كلمة، وهي بَحَحٌ في الصَّوت؛ يقال للأَبحِّ: الأصحل، والمصدر الصَّحَل[49].
وفي الفائق: الصَّحِل: الذي في صوتِه ما يذهبُ بحدته من بحَّةٍ وهو مُسْتَلذٌّ في السمع[50].
وذكر ابن منظور بعض اشتقاقاته، فقال: صَحِل الرَّجُلُ بالكسر وصَحِلَ صوتُه يَصْحَل صَحَلًا فهو أَصْحَلُ وصَحِلٌ: بَحَّ[51].
وعلى ذلك: فإن الصحل: حكاية صوت فيه بحة، حيث لا يكون حادًّا، فيستلذه السمع، ويشتق منه، فيقال: صَحِلَ يَصْحَل صَحَلًا وهو أَصْحَلُ وصَحِلٌ، فهي اشتقاقات صوتية.

قال ابن قتيبة في حديث عمر بن الخطاب ط: (إنّه رأىَ رجلًا يأنحُ ببطْنه فقال: ما هذا؟ فقال: بَرَكَةٌ من اللّهِ فقال بَلْ هو عَذاب يُعَذِّبك اللّه به)[52].
قولُه: يَأنح ببطنه، هو من الأنوح، صوت يُسْمعَ من الجَوْف ومعه نَفَس وبُهْر، يَعْتري السمين من الرجال إذا مشى، والفَرس الخَوْار الثَّقيل، يقال: أنَج يَأْنِح أُنُوحًا وهو رجُل أَنُوح وفَرَس أَنوح[53].
ذكر الشارح معنى الأنوح، وهو صوت يسمع من الجوف ومعه نفس وبهر. ومنه يقال: أنح يأنح أنوحًا ورجل أنوح، أي أن هذه اشتقاقات منه.
يقول الخليل: أَنَحَ الرّجلُ يَأْنِحُ أنيحًا وأَنْحًا، إذا تَأَذَّى من مَرَضٍ أو بُهرٍ يَتَنَحْنَحُ ولا يئنُّ أنينًا[54].
ويقول ابن فارس: (أنح) الهمزة والنون والحاء أصلٌ واحدٌ، وهو صوتُ تنحنُح وزَفير، من مَرضٍ أو بُهْرٍ ولم يَئِنَّ[55].
وفي النهاية: (يَأنحُ ببطْنه) أي يُقلُّه مُثْقَلًا به من الأُنُوح، وهو صَوْت يُسْمع من الجوف معه نَفَس وبُهْر ونَهيج، يَعْتَرِي السَّمين من الرجال. يقال أنَح يأنِحُ أنُوحًا فهو أنُوحٌ[56].
وعلى ذلك: يمكن القول بأن الأنوح حكاية صوت يسمع من الجوف معه نفس ونهيج يعتري السمين من الرجال، والخوار من الخيل، ومنه يقال: أنح يأنح وأنوح وآنح وغيرها. فهي اشتقاقات من حكاية صوت.

قال الحربي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَّه أَمَر قُطْبَةَ أَنْ يَسِيرَ اللَّيْل ويكْمُنَ النَّهَارَ فَأَقْبَلَ القَوْمُ يَدِبُّونَ ويُخْفُونَ الجَرْسَ)[57].
وقوله: يُخْفُونَ الجَرْسَ، هو الصَوْتُ الخَفِيُّ، يُقال: أَجْرَسَ الطائِرُ والسَّبُعُ إِجْرَاسًا، إِذَا سَمِعْتَ جَرْسَهُ وجِرْسَهُ، وَهُوَ صَوْتُه، وهو صوت أكِل النّحْلِ الوَرَقَ. وَأَجْرَسَ الطاّئِرُ إَذا ظَهَرَ جَرْسُه، أَيْ: صَوْتُه [58].
ذكر الحربي معنى الجرس، وأنه صوت خفي. ثم ذكر اشتقاقات منه.
يقول الخليل: الجَرْسُ: مصدر الصَّوْتِ المجروس والجَرْسُ: الصَّوْتُ نفسُه، وجَرَسْتُ الكلامَ: تكلَّمْتُ به وجَرْسُ الحَرْف: نَغْمةُ الصَّوْتِ[59].
ويقول ابن السكيت: والجرس: أكل النحل الشجر، يقال: جرست تجرِس وتجرُس جميعًا، والجرس والجريس: الصوت، يقال: قد أجرس الطائر، إذا سمعت صوت قَره، وقد أجرس الحي، إذا سمعت صوت جرسه[60].
والجرس: صوت الطير وهي تنقر الحب، يقول الزمخشري: وأما الجْرس، فهو أن ينقر الطير الحبّ فيُسْمَع له جَرْسُ، أي: صوت[61].
وعلى ذلك: فإن الجرس حكاية صوت خفي، أو حكاية صوت الطير وهو ينقر الحب، ومنه يقال: أجرس ويجرس جرسًا، وغير ذلك.

قال الحربي في حديث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: (أَنَّه بَعَثَ خَيْلًا فَأَشْهَرَتْ لَمْ يَأْتِهِ مِنْهَا خَبَرٌ فَنَزَلَتْ ﴿ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ﴾ [العاديات: 1] [62].
وعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: ضَبْحُهَا: نَفَسُهَا بِمَشَافِرهَا[63]، وعَنِ الفَرَّاءِ: الضَّبْحُ: أَصْوَاتُ أنفاس الخَيْلِ إِذا عَدَوْنَ[64]،[65].
بَيَّن الحربي أن الضبح أصوات الخيل عند العدو من مشافرها، ولم ينص على اشتقاقات منه؛ يقول الخليل: والخَيْلُ تَضْبَحُ في عَدوِها ضَبْحًا: تسمعُ من أفواهِها صوتًا ليس بصهيل ولا حَمْحَمة[66].
ويقول ابن فارس: الضاد والباء والحاء أصلانِ صحيحان: أحدهما صوتٌ ... فالأَوَّل قولُهم: ضَبَحَ الثّعلبُ يَضْبَح ضَبْحًا، وصَوْتُهُ الضُّبَاح، وهو ضابح[67].
وفي النهاية: (ضَبْحَة) أي: صَيْحةٍ يسمَعُها، فلَعلَّه يُصِيبه مكرُوه، وهو من الضُّباح صَوْت
الثعلب، والصَّوت الذي يُسْمع من جَوف الفَرَس [68].
وبعد: فإن الضبح حكاية صوت أنفاس الخيل إذا عدون، ومنه يقال: ضبح يضبح ضبحًا وهو ضابح. فهي اشتقاقات صوتية.

قال الحربي: عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ط: (نَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ)[69].
قوله: سَمِعْتُ غَطِيطَهُ: صَوْتٌ يُخْرِجُهُ النَائِمُ مَع نَفَسِهِ. يُقَالُ: غَطَّ النَائِمُ يَغِطُّ غَطِيطًا[70].
ذكر الحربي ها هنا أن الغطيط صوت يخرجه النائم مع النفس، ومنه يقال: غط يغط غطيطًا.
يقول الخليل: غَطَّهُ في الماءِ يَغُطُّهُ غَطًّا، والنائِمُ يَغطُّ غَطيطًا، والغَطْغَطَةُ: حِكايةُ ضَرْبٍ من الصَّوْتِ[71].
ويقول ابن الأثير: الغَطِيط: الصَّوت الذي يَخْرج مع نَفَس النائم، وهو تَرْديدُه حيث لا يَجِد مَساغًا. وقد غَطَّ يَغِط غَطًّا وغَطِيطًا [72].
وعلى ذلك: فإن الغطيط حكاية صوت النائم مع نفسه حيث لا يجد مساغًا له. ومنه يقال: غط يغط غطًّا وغطيطًا، وهذه اشتقاقات من حكاية هذا الصوت.

قال السر قطي في حديث أبي بكر ط: (أن عائشة دخلت عليه، فرأت به الموت، فقالت: هيج هيج، من لا يزال دمعه مقنعا، فإنه مرة مدفوق..)[73].
وقولها: هَيْج هَيْج، ويقال: هِيج هِيج، وهو حكاية لصوت بكائها، ويقال: هجهج الرجل، إذا صاح بالأسد، وجهجه، ويقال: هجهجت بالناقة وبالجمل، إذا زجرته، فقلت:
هيج، وقال ذو الرمة[74] (البسيط ):
أَمْرَقْتَ مِن جَوْزِه أعناقَ نَاجِيَهٍ *** تَنْجُو إذا قال حَادِيها لها هِيج[75]
لقد ذكر الشارح معنى لفظ (هيج)، وأنه حكاية صوت البكاء أو حكاية صوت الزجر بالأسد أو الناقة، ثم ذكر منه: هجهجت، وهو اشتقاق من هذا الصوت.
قال الأزهري: هَجْهَجْتُ بالسبع وهوَّجت به، كلاهما إذا صِحْت به. ويقال لزاجر الأسد: مهجهجٌ ومُجَهْجهٌ،... وهَجْهجت بالجمل، إذا زجرته، فقلت: هِيْج....[76].
وفي المقاييس: الهاء والجيم: أصلٌ صحيح يدلُّ على غُموضٍ في شيءٍ واختلاط، ومنه ما يدلُّ على حكايةِ صوت ... والباب الآخَر قولهم: هَجْهَجْتُ بالسَّبع: صحتُ به. وهَجْهَجَ الفحلُ في هديره[77].
وبناء على ذلك، يمكن القول بأن كلمة (هيج) حكاية صوت زجر الأسد، أو البعير، أو البكاء، ومنها يقال: هجهجت، ومهجهج، فهي اشتقاقات صوتية.

قال السرقسطي في حديث عثمان: (أن صعصعة بن صوحان كلمه، فقال: من هذا البَجْبَاج النَّفَّاج؟)[78].
قال بعض الناس: البجباج النفاج: الكثير الكلام: قال: هو من البجبجة، مثل: مناغاة الصبي في كلام لا يُعْقَل ولا يُفْهَم، يقول: فهذا مثل ذلك، لا يُوقَف على كلامه ولا يَعْقَل[79].
ذكر الشارح أن معنى (البجباج) هو الذي يتكلم بكلام كثير، فلا يبين ولا يعقل، مثل من يفعل مع الصبي عند مناغاته، ويسمى هذا الفعل(البجبجة).
فالبجبجة حكاية صوت مناغاة الصبي ومنها قيل: البجباج.
قال الخليل: والبجبجة: شيء يفعله الإنسان عند مناغاة الصبي[80].
وفي اللسان: والبجبجة: شيء يفعله الإنسان عند مناغاة الصبي بالفم .. وفي حديث عثمان: (أن هذا البجباج النفاج لا يدرى أين الله) من البجبجة التي تفعل عند مناغاة الصبي[81]، وفي المعجم الوسيط: بجبج الصبي: ناغاه [82].
وعلى ذلك، يقال: إن (البجبجة) حكاية صوت الإنسان عند مناغاة الصبي ومنها يقال: بجبج، والبجباج، فهذه اشتقاقات صوتية.

قال الخطابي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه مكث في الغار وأبو بكر رضي الله عنه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه وهو غلامٌ شابّ لَقِنَ ثَقِف يُدْلِج من عندهما فيُصبح مع قريش كبائِتٍ، ويَرْعَى عليهما عامر بن فُهَيْرة مِنْحَة، فيبيتان في رِسْلِها ورَضِيفِها حتى يَنْعِق بها بغَلس)[83] ... والنعق دعاء الغنم بلحن تزجر به؛ قال الشاعر: [84] ( الكامل ):
فانعق بضأنك يا جرير فإنما = مَنَّتك نفسك في الخلاء ضلالا
يهجو جريرًا وجعله راعيًا؛ لأن بني كليب أصحاب غنم[85].
أوضح الخطابي أن النعق: صوت زجر الغنم، وقد ورد في الحديث بصيغة المضارع، وفي البيت بصيغة الأمر منه؛ يقول الخليل: نَعَقَ الراعي بالغَنَم نَعيقًا: صاحَ بها زَجْرًا، ونَعَقَ الغُرابُ يَنْعِقُ نُعاقًا ونَعيقًا[86].
وفي الفائق: نعق الراعي بالغنم نعيقًا، إذا صاح بها فهو ناعق[87].
وقد نطق به القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 171].
قال البغوي: والنعيق والنعق: صوت الراعي بالغنم [88]، والمعنى - والله أعلم - مثل الذين كفروا (كمثل البهائم) التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت، فلو قال لها: ارعَيْ أو اشربي، لم تَدْرِ ما يقول لها. فكذلك مَثَل الذين كفروا فيما يأتيهم من القرآن وإنذار الرسول صلى الله عليه وسلم. فأضيف التشبيه إلى الراعي، والمعنى -والله أعلم - في المَرْعِي[89].
وتأسيسًا على ما ذكر: فإن النعق صوت الراعي يزجر الماشية، ومنه يشتق: نعق ينعق نعاقًا ونعيقًا وناعق...، فهي اشتقاقات صوتية.

قال الخطابي في قصة حنين: أنهم أخرجوا دريدًا يوم حنين يُقَاد به في شجار، فقال: بأي واد أنتم؟ قالوا.... قيل: ساق مالك بن عوف مع الناس الظعن والأموال، فقال: ما هذا يا مالك؟ قال: أردت أن أحفظ الناس، وأن يقاتلوا عن أهليهم وأموالهم، فأنقض به....[90].
وقوله: أنقض به، أي: صفق بإحدى يديه على الأخرى حتى سمع لها نقيض، وهو الصوت.
ويقال: بل أراد بالإنقاض أن ينقر بلسانه في فيه، كما يزجر الحمار ونحوه[91].
ذكر الخطابي أن معنى (أنقض) صفق بإحدى يديه على الأخرى، فيصدر من ذلك صوت. أو هو النقر باللسان في الفم، فيصدر صوت كزجر الحمار.
قال الخليل: والنَّقيضُ: صَوْتُ الأصابعِ والمفَاصِلِ والأضلاعِ وأَنْقَضَتِ الأضْلاعُ والأصابعُ إنقاضًا ورأيتُه يَنْقِضُ ويُنْقِضُ أصابعَه، ونقيضُ المِحْجَمةِ: صَوْتُها إذا شَدَّها الحجّامُ بمَصِّه[92].
قال الأزهري: أنقضتُ بالحمار، إذا ألصقت طرف لسانك بالغارِ الأعلى، ثم صوت بحافتيه، من غير أن ترفع طرفه عن موضعه، وكذلك ما أشبهه من أصوات الفراريج والرِّحال[93].
وفي اللسان: والإِنْقاضُ والكَتِيتُ: أَصوات صغار الإِبل، وتنَقَّضت عِظامُه، إِذا صوَّتت.

أَبو زيد: أَنْقَضْتُ بالعنز إِنْقاضًا، دَعَوْتُ بها، وأَنْقَضَ الحِمْلُ ظهرَه: أَثقله وجعله يُنْقِضُ من ثِقَله، أَي: يُصَوِّتُ. وفي التنزيل العزيز: ﴿ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ [الشرح: 2، 3]؛ أَي: جعلَه يُسْمَعُ له نَقِيضٌ من ثِقَلِه، أَي صوت خفي كما يُنْقِض الرَّجل لحماره إِذا ساقَه، قال: فأَخبر اللّه عزّ وجلّ أَنه غفر لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم أَوزارَه التي كانت تراكمت على ظهره حتى أَثقلته، وأَنها لو كانت أَثقالًا حملت على ظهره؛ لسمع لها نقيض، أَي: صوت[94].
فكل صوت لمفصِل وإِصْبَع، فهو نَقِيضٌ، ونَقِيضُ المِحْجَمةِ: صوتها إِذا شدَّها الحَجّامُ بمَصِّه، وأَنْقَضَ الرَّحْلُ إِذا أَطَّ...[95].
وتأسيسًا على ما مر: فإن الإنقاض حكاية صوت غير واحد من الأشياء، ويشتق منه: نقض ينقض، وأنقض إنقاضًا، وتنقض...، وكلها اشتقاقات صوتية.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 144.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 142.65 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (1.19%)]