|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الخَصَائِصُ الفريدة للعَقِيدَةِ الإِسلَامِيَّةِ وآثارها العجيبة في الفرد والمجتمع د. راجح إبراهيم السباتين إنَّ الإِنْسانَ مَخْلوقٌ مُتَمَيِّزٌ عَنْ غَيرِهِ مِن المَخلُوقَاتِ، فَمِنْ بَيْنِ مَخلُوقَاتِ اللهِ التي لُا تُعَدُّ ولَا تُحصَى اختَارَ اللهُ سُبحَانَهُ هَذَا الإِنسَانَ فِي جُرمِهِ الصَّغِيرِ وتَكوِينِهِ العَجِيبِ وجَعَلَ فِيهِ مِن صِفَاتِ النُّطْقِ والبَيَانِ والإِرَادَةِ والتَّفكِيرِ مَا لَم يَتَيَسَّرْ لِغَيرِهِ مِن المَخلُوقَاتِ. لَقَد وَهَبَ اللهُ الإِنسَانَ مِن الخَصَائِصِ والمَزَايَا الكَثِيرَ الكَثِيرَ إِلَى حَدِّ أَنَّهُ لَم يَستَطِعْ أَنْ يَتَوَصَّلَ إِلَى حَقِيقَةِ هَذِهِ المَزَايَا، وأَخَذَتْ دِرَاسَةُ الإِنسَانِ وعَالَمِهِ المَادِّيِّ والرُّوحِيِّ ولا زَالَتْ تَأخُذُ جَانِبًَا كَبِيرًَا مِنْ هَذَا الإِنسَانِ وتَفكِيرِهِ؛ يُفَكِّرُ فِي ذَاتِهِ مَنْ هُوَ؟ ومَا طَبِيعَتُهُ؟ وَمَا هُوَ السِّرُّ الذي يَحْمِلُهُ؟ مَا العَقلُ؟ مَا الرُّوحُ؟ ومِنْ أَينَ أَتَى؟ ولِمَ أَتَى؟ وإِلَى أَيْنَ سَيَذهَبُ؟ ومَا عَلَاقَتُهُ بِالأَشيَاءِ والأَحيَاءِ والأَحدَاثِ مِنْ حَولِهِ؟ وهَلْ هُوَ مُطْلَقُ الحُرِّيَّةِ فِيمَا يَفعَلُ أَو يَتركُ؟ أَمْ أَنَّ هُنَاكَ قُوَّةً تَتَحَكَّمُ فِي إِرَادَتِهِ واختِيَارِهِ؟ كُلُّ هذِهِ التَّساؤُلاتِ طَرَحَها العَقْلُ الإِنْسانِيُّ في تَاريخِهِ الطَّويلِ. وقَدْ أَجابَتْ العَقيدَةُ الإِسْلامِيَّةُ عَنْ كُلِّ هذِهِ التَّساؤلاتِ وحَلِّ هذِهِ الأَلْغازِ وأَعْطَتْ رُؤيةً واضِحَةً عَنْ طَبيعَةِ الإِنْسانِ وحَياتِهِ بدايَةً ونِهايَةً وبَيَّنَت مَوْقِعَهُ في هذا الوُجودِ ومَصيرَهُ بَعْدَ هذا الوُجود. بَيَّنت العَقيدَةُ الإِسْلامِيَّةُ أَنَّ الإِنْسانَ لَيْسَ هذا الجَسَدَ المادِّيَّ الظَّاهِرَ فَحَسْب بَلْ هُوَ جَسَدٌ ورُوحٌ وعَقْلٌ، ولِكُلٍّ خَصائِصُهُ واحْتِياجاتُهُ. ورغْمَ مُحاوَلاتِ الفَلاسِفَة الإِجابَةِ على هذِهِ التَّساؤلاتِ التي طَرَحَها العَقْلُ البَشَرِيُّ إِلَّا أَنَّها لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُقَدِّمَ الجَوابَ الشَّافي هذا عَلاوَةً على اخْتِلافِها وتَناقُضِ إِجاباتِها، فَقَدْ زادَتْ الحِيرَةَ والشُّكوكَ حَتّى أَصْبَحَ الشَّكُّ بِذاتِهِ فَلْسَفَةً وظَهَرَتْ نَظَريَّاتُ العَدَمِيَّةِ وعَبَثِيَّةِ الكَوْنِ. وَنسْتَعرِضُ تَاليًا أبرز الخصائص التي تتميَّزُ بها العقيدةُ الإسلاميّة عن غيرها من العقائد، مع التأكيد على أنَّ هذه الخصائص لم تجتمع في غيرها من العقائد أبدًا[1]: 1- العَقِيْدَةُ الإِسلَامِيَّةُ رَبَّانِيَّةٌ: تَمْتَازُ الْعَقِيدَةُ الإِسْلَامِيَّةُ بِأَنَّهَا، بِجَمِيعِ أَرْكَانِهَا، عَقِيدَةٌ رَبَّانِيَّةٌ، مُوحَىً بِها مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ. قالَ تَعالَى: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ ﴾. [البقرة: 138]. وَإِنَّنَا لَنُدْرِكُ هَذِهِ الْمَيِّزَةَ حِينَ نُجِيبُ عَنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ التَّالِية: 1- مَنْ عَرَّفَنا بِحَقِيقَةِ وُجُودِ اللهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَحَقِيقَةِ الْكَوْنِ وَالْإِنْسَانِ وَالْحَيِاةِ؟ 2- مَنْ أَخْبَرَنَا بِحَقِيقَةِ يَوْمِ الْقِيامَةِ وَأَحْوالِهِ وَمَا فَيهِ مِنَ الحِسَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ؟ 3- مَنْ أَعْلَمَنَا بِحَقِيقَةِ وُجُودِ الْمَلائِكَةِ وَالْجَنَّةِ وَسَائِرِ الأُمُورِ الغَيبِيَّةِ؟ 4- مَنْ أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ اْلكُتُبَ وَطَلَبَ الْإِيْمانَ بِأَرْكَانِ الْعَقِيدَةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَعَنَاصِرِهَا؟ إِنَّ هَذِهِ الْحَقَائِقَ، وَغَيْرَهَا مِنْ أَمُورِ العَقِيدَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، مَصْدَرُهَا اللهُ وَحْدَهُ. وِقَدْ هَدَانَا إِلَى الإِيْمَانِ بِها عَنْ طَرِيقِ مَا أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ مِنْ آيَاتِ القُرآنِ الكَرِيمِ بِوَاسِطَةِ أَمينِ الوَحِي جِبْرِيلَ عَلَيهِ السَّلَام. فَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا مُحَمَدٌ مُتَلَقِيًّا عَنْ رَّبِهِ، وَمُبَلِّغًا عَنْهُ لِلنَّاس. قال تعالى: ﴿.... إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾. [يونس: 15، 16]. فَالرَّسُولُ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ مُبَلِّغٌ لِهَذِهِ العَقِيدَةِ لِلنَّاسِ كَافَّةً كَمَا أَوحَاهَا اللهُ إِلَيهِ فِي كِتَابِه الكَرِيم. قَالَ تَعَالى: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْانٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [يونس: 15]. وَلِهَذَا كَانَتِ العَقِيدَةُ الإِسلاَمِيَّةُ، هِيَ العَقِيدَةَ الوَحِيدَةَ، الَّتِي تُلَبِّي حَاجَاتِ الإِنسَانِ وَمَطَالِبَهُ، لِأَنَّهَا بِجَمِيعِ تَفصِيلَاتِهَا مِنْ عِندِ اللهِ تَعَالَى، الَّذِي خَلَقَ الإِنسَانَ وَيَعلَمُ مَا يُوَافِقُ فِطرَتَهُ. وَيَنبَثِقُ (أَيّ: يَصْدُرُ) عَنِ العَقِيدَةِ الإِسلَامِيَّةِ نِظَامٌ كَامِلٌ لِلحَيَاةِ البَشَرِيِّةِ، يَشتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ جَوَانِبِ الحَيَاةِ: الفِكرِيِّةِ والسِيَاسِيَّةِ والاقتِصَادِيَّةِ وَغَيرِهَا. وَهَذَا النِّظَامُ يُطَالِبُ المُسلِمِينَ بِاتِّبَاعِهِ دُوْنَ غَيرِه. قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]. 2- اتَّفَاقُ العَقِيدَةِ الإِسلاَمِيِّةِ مَعَ الفِطْرَةِ الِإنسَانَيَّةِ: تَمْتَازُ العَقِيدَةُ الإِسلاَمِيَّةُ، بِأَنَهَا مُوَافِقَةٌ لِلفِطرَةِ الإِنسَانِيَّةِ، فَهِيَ تُلَبِّي ذَلِكَ الإِحسَاسَ الّذِي يَدْفَعُ الإِنسَانَ إِلَى العِبَادَةِ وَالَّذِي يَكْمُنُ فِي أَعْمَاقِ نَفْسِهِ، وَيُشَكِّلُ جُزْءًَا مِنْ ذَاتِهِ وَهُوَ مَا يُسَمّى بِالفِطْرَةِ الإِنسَانِيَّةِ، فَالإِنسَانُ بِفِطْرَتِهِ يَحسُّ بِوُجُودِ اللهِ تَعَالَى وَيَشْعُرُ بِالحَاجَةِ إِلَى الاِعتِمَادِ عَلَيهِ، فَيَعْبُدُهُ وَيَتَقَرَّبُ إِلَيهِ. فَإِذَا كَانَ الإِيمَانُ بِاللهِ فِطْرَةً فِي النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ، فَإِنَّ كُلَّ حَقِيقَةٍ مِنْ حَقَائِقِ العَقِيدَةِ الإِسلاَمِيَّةِ تَنْسَجِمُ مَعَ هَذِهِ الفِطرَةِ فَتَتقَبَلُهَا النَّفْسُ بِرَاحَةٍ وَطُمَأنِينَةٍ، وَلَا تَتَعَارَضُ مَعَهَا، فِي أَيِّ جَانِبٍ مِن جَوَانِبِهَا. فَاللهُ تَعَالَى الَّذِي أَنْزَلَ العَقِيدَةَ هُوَ نَفْسُهُ الَّذِي خَلَقَ النَّفْسَ الإِنسَانِيَّةَ، وَأَوْجَدَ فِيهَا تِلكَ الخَاصِّيَّةَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ [الروم: 30]. وَالفِطْرَةُ البَشَرِيَّةُ تَحُسُّ بِأَنَّ إِرسَالَ الرُّسُلِ عَلَيهِمُ السَّلاَمُ ضَرُورَةٌ لَازِمَةٌ، ذَلِكَ لِأَنَّ الإِنسَانَ عَاجِزٌ عَنْ رَسْمِ طَرِيْقِ السَّعَادَةِ الَّتِي تُرضِي اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَتُحَقِّقُ لَهُ الخَيرَ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَة. وَمَا دَامَ أَنَّ النَّفسَ الإِنسَانِيَّةَ قَد اطْمَأَنَّتْ إِلَى الخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَى صِدْقِ أَنبِيَائِهِ، فَإِنَّهَا - بِحُكْمِ ذَلِكَ - تُصَدِّقُ بِجَمِيعِ الأُمُورِ الغَيبِيَّةِ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا اللهُ عزَّ وَجَلَّ فِي كُتُبِهِ السَّمَاوِيَّة. وَتَنْسَجِمُ نَظْرَةُ العَقِيدَةِ الإِسلَامِيِّةِ إِلَى الإِنسَانِ مَعَ فِطرَتِهِ وَواقعِهِ. فَهِيَ تُقَرِّرُ أَنَّ الإِنسَانَ جِسْمٌ وَعَقْلٌ وَرُوْحٌ، وَهَذِهِ الجَوَانِبُ تُشَكِّلُ النَّفْسَ الإِنسَانِيَّةَ المُتَكَامِلَةَ، وَلَا تَرَى تِلْكَ العَقِيدَةُ أَيَّ انْفِصَالٍ بَيْنَ هَذِهِ المُكَوِّنَاتِ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 71، 72]. وَالعَقِيدَةُ الإِسلِامِيَّةُ جَعَلَتْ العَقْلَ مَنَاطَ التَّكلِيفِ، فَجَمَعَتْ بِذَلِكَ بَيْنَ المُكَوِّنَاتِ الأَسَاسِيَّةِ لِلنَّفْسِ الإِنسَانِيَّةِ، وَبِالتَّالِي تَتَوَافَقُ مَعَ وَاقِعِ تِلكَ النَّفسِ وَحَقِيقَتَهَا. وَالَّذِي نَرَى أَنَّهُ لَو تُرِكَ الإِنسَانُ عَلَى فِطْرَتِهِ دُوْنَ تَدَخُّلٍ مِنَ العَوَامِلِ الخَارِجِيَّةِ (أَيّ: عَوَامِل طَمْسِ الفِطْرَةِ وَتَشوِيهِهَا) لَاهْتَدَى إِلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلآمَنَ بِاللهِ رَبًَا، وَبِالإِسلَامِ دِينًَا، وَبِمُحَمَدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ نَبيًّا وَرَسُولًا. 3- اقْتِنَاعُ العَقْلِ بِالعَقِيدَةِ الإِسلَامِيَّةِ: إِنَّ إِيمَانَ المُسلِم يَقُومُ عَلَى دَلِيلٍ قَاطِعٍ يَعْتَمِدُ عَلَى البَرَاهِينِ: العَقْليَّةِ، وَالنَّقْلِيَّةِ (أيّ؛ الَّتِي نُقِلَتْ إِلَينَا عَنْ طَرِيقِ القُرآنِ وَالسُّنَةِ) الثَّابِتَةِ. وَمِنْ هُنَا فَقَدْ حَارَبَ الإِسلَامُ الإِيمَانَ القَائِمَ عَلَى التَّقلِيد لِأَنَّهُ سُرعَانَ مَا يَتَزَعْزَعُ مِثْلُ هَذَا الإِيمَانِ، وَلَا يَدْفَعُ صَاحِبَهُ إِلَى العَمَلِ بِهِ، وذَلِكَ لِعَدَمِ قِيَامِ المُبَرِّرَاتِ الكَافِيَةِ لِلتَّمَسُّكِ بِه، فَضْلًا عَنْ حَمْلِهِ وَدَعْوَةِ النَّاسِ إِلَيهِ. لِذَلِكَ نَرَى أَنَّ القُرآنَ الكَرِيمَ يَسْتَنْكِرُ التَّسوِيَةَ بَيْنَ الإِيمَانِ المُبْصِرِ الوَاعِي الَّذِي يَقُومُ عَلَى الدَّلِيلِ وَبَيْنَ الإِيمَانِ الأَعمَى الَّذِي لَا يَقُومُ عَلَى دِلِيلٍ، قال تعالى: ﴿ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾ [الرعد: 19]. وَقَالَ تَعَالَى يَلفِتُ نَظَرَ الإِنسَانِ إِلى اسْتِعمَالِ العَقْلِ فِي التَّعَرُّفِ عَلَى الغَايَةِ مِنَ الحَيَاةِ: ﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191]. وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ مُوَجِّهًا عِبَادَهُ إِلى التَّفَكُّرِ فِي أَنفُسِهِم لِيُؤمِنُوا بِاللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، إِيمَانًا قَلبِيًّا عَن دَلِيلٍ، وَاقْتِنَاعٍ عَقْلِيٍّ: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَـبْلُغُواْ أَشُدَّكُـمْ ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخًا وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُواْ أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [غافر: 67]. وَمَعْرِفَةُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَقُومُ عَلَى قَوَاعِدَ عَقلِيَّةٍ ثَلَاثٍ لَا يُخَالِفُ فِيهَا أَحَدٌ وَهِيَ: أَوَلًا: لِكُلِّ فِعْلٍ فَاعِلٌ... فَالعَدَمُ لَا يَفْعَلُ شَيئًا. ثَانِيًا: الفِعْلُ مِرآةٌ لِقُدْرَةِ فَاعِلِهِ. ثَالِثًا: لَيْسَ الفَاعِلُ مَنْ لَا يَمْلِكُ القُدْرَةَ عَلَى الفِعْلِ، لِأَنَ فَاقِدَ الشَّيءِ لَا يُعْطِيهِ، وَحِينَ تُوَجِّهُنَا العَقِيدَةُ الإِسْلَامِيَّةُ لِنُفَكِّرَ فِي هَذَا الكَونِ، وَنُشَاهِدَ مَا فِيهِ مِنْ أَحْدَاثٍ وَخَصَائِصَ مَبْنِيَّةٍ عَلَى أَسبَابٍ وَقَوَاعِدَ، فَإِنَّنَا نَحْكُمُ مُبَاشَرَةً وَبِالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ لِهَذَا الكَوْنِ خَالِقًَا مُدِبِّرًَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ ﴾ [الطور: 35-36] يَسْتَطِيْعُ العَقْلُ أَنْ يَتَعَرَّفَ عَلَى بَعْضِ صِفَاتِ الخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، حِيْنَ يَتَفَكَّرُ فِي هَذَا الكَونِ، فَيَرَى الأَحْدَاثَ الكَونِيَّةَ مُحكَمَةً فِي نِظِامِهَا، فَيَشْهَدُ أَنَّهَا مِنْ صُنْعِ حَكِيمٍ عَلِيْمٍ، مُوَجَّهَةً فِي مَسِيْرِهَا، فَيُقِرُّ بِأَنَّهَا مِنْ صُنْعِ مُرِيْدٍ قَدِيْرٍ، عَظِيْمَةً فِي تَكْوِينِهَا فَيُصَدِّقُ أَنَّهَا مِنْ صُنْعِ قَوِيٍّ عَزِيْز، خَاضِعَةً لِنِظَامٍ مُوَحَّدٍ، فَيَشْهَدُ أَنَّهَا مِنْ صُنْعِ الحَكِيمِ المُهَيْمِنِ. وَكُلَّمَا ازْدَادَ الإِنْسَانُ مَعْرِفَةً بِالكَوْنِ وَبِنَفْسِهِ، ازْدَادَ مَعْرِفَةً بِاللهِ سُبْحَانَهُ وَقُرْبًَا مِنْهُ. وَكُلُّ هَذِهِ الأَشْيَاءِ يَجِدُ العَقْلُ فِيْهَا رَاحَتَهُ وطَمَأنِينَتَهُ وَسَعَادَتَهُ. وَلَا نُبَالِغُ إِذَا قُلْنَا: "إِنَّ العَقِيدَةَ الإِسلَامِيَّةَ تَكَادُ تَنْفَرِدُ بِأُسلُوبِهَا مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ العَقَائِدَ؛ إِذْ أَنَّهَا تُخَاطِبُ العَقْلَ دَائِمًَا وَتَقرنُ بَيْنَ دَعْوَةِ الإِنْسَانِ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَبَيْنَ لَفْتِ نَظَرِهِ إِلَى آثَارِ هِدَايَةِ اللهِ تَعَالَى لِكَثِيرٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ. وَتَدْعُو العَقْلَ إِلَى التَّأَمُّلِ فِي نِظَامِ الكَونِ المُحْكَمِ المُتَنَاسِقِ، فَتَجْعَلُ آثَارَ قُدْرَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي المَحْسُوسَات (الأُمُورِ الحِسِّيَّةِ) دَلِيلًا عَلَى الإِيمَانِ بِه، والالتِزَامِ بِتِلكَ العَقِيدَةَ". وَمِثَالٌ عَلَى ذَلِكَ قولُهُ تَعَالَى: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ [الذاريات: 47-50]. وَإِنَّ مَنْ يَتَدَبّرُ القُرآنَ الكَرِيمَ، المَصدَرَ الأوَّلَ لِهَذِهِ العَقِيدَةِ السَّامِيَةِ، لَيُدْهَشُ مِنْ كَثرَةِ التَّوجِيهَاتِ إِلى اسْتِعمَالِ العَقْلِ وَالدَّعوَةِ إِلَى النَّظَرِ فِي الكَونِ، وَمُحَاكَمَةِ الأَشْيَاءِ وَتَعْلِيلِ الظَّوَاهِرِ، وَأَثَرِ ذَلِكَ فِي بِنَاءِ العَقِيدَةِ الإِسلَاميِّةِ بِنَاءً قَوِّيًا مَتِينًَا، يَبْعُدُ بِنَا عَنِ الجُمُودِ وَالتَّقلِيدِ، وَإِنَّ مَا وَضَعَهُ الإِسَلامُ مِنْ قُيُودٍ وَحُدُودٍ لِلعَقْلِ، إِنَّمَا تَتَمَثَّلُ فَقَطْ بِاستِعمَالِهِ فِي مَجَالِهِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُبدِعَ فِيهِ، وَمَجَالُهُ وَاسِعٌ جِدًَا. وَهَذَا مَا دَفَعَ "جوستاف لوبون" إِلى أَنْ يَقُول: "قَدْ أَكُونُ غَيرَ مُسلِمٍ، وَلَكِنَّنِي مُضْطَرٌّ إِلى القَولِ بِأَنَّ الإِسلَاَمَ وَحدَهُ هُوَ الدِّينُ الَّذِي يَجِدُ الإِنسَانُ فِيهِ رُوحَهُ وَأَشوَاقَهُ وَمُستَقبَلَهُ"[2]. 4- الوُضُوحُ والبَسَاطَةُ: تَمْتَازُ العَقِيدَةُ الإِسلَامِيِّةُ بِوُضُوحِهَا وَسُهُولَتِهَا وَيُسْرِهَا، إِذْ يِستَطِيعُ أَنْ يَفْهَمَهَا النَّاسُ عَلَى اخْتِلَافِ مُسْتَوَيَاتِهِم العَقْلِيَّةِ وَالثَقَافِيِّةِ وَالاجتِمَاعِيِّةِ، وَيَجِدَ كُلٌّ فِيهَا مُتْعَةً فِي دِرَاسَتِهَا وَفَهْمِهَا، فَهِيَ لَيْسَتْ رُمُوزًَا مُعَقَّدَةً، تَحْتَاجُ إِلى مَنْ يُفَسِّرُهَا، وَلَا فُرُوضًَا عَقْلِيَّةً جَافَّةً لَا يَستَطِيعُ أَن يَتَصَوَّرَهَا إِلَّا القِلَّةُ مِنَ النَّاسِ. وَهِيَ تَقُومُ عَلَى حَقَائِقَ وَاضِحَةٍ، يَرَى الإِنسَانُ آثارَهَا فِي وَاقِعِ الحَيَاةِ، فَأَسَاسُها التَّوحِيدُ الَّذِي يُوَضِّحُ العَلَاقَةَ بَيْنَ الإِنَسَانِ وَرَبِّهِ، وَيُوَضِّحُ الطَّرِيقَةَ الَّتِي يَتِمُّ فِيهَا إِيصَالُ الهَدْيِ الرَّبَانِيِّ إلى النَّاسِ عَن طَرِيقِ الأَنبَيَاءِ عَلَيهِمُ السَّلام، وَهِيَ تَتَجَاوَبُ - كَمَا قُلنَا - مَعَ الفِطرَةِ الإِنسَانِيَّةِ، وَلَيسَ فِي قَضَايَاهَا مَا يَصْطَدِمُ بِالعَقلِ، أَو يُخَالِفُ فِطْرَةَ الإِنسَان. فَاللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ لَيسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي الخَلْقِ، وَهُوَ مَالِكُ كُلِّ شَيءٍ لَيسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلك، وَهُوَ الرَّزَّاقُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، وَهُوَ الحَاكِمُ عَلَى عِبَادِهِ، وَهُوَ صَاحِبُ السُّلطَانِ عَلَى كُلِّ شَيءٍ لِأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيء. وَتُقِيمُ العَقِيدَةُ الإِسلَامِيَّةُ عَلَاقَةً وَاضِحَةً بَيْنَ العَبْدِ وَرَبِّهِ؛ فَاللهُ هُوَ المَعبُودُ وَالإِنسَانُ هُوَ العَابِدُ، فَالصِّلَةُ بَيْنَ العَبْدِ وَخَالِقِهِ هِيَ صِلَةُ العُبُودِيَّةِ للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. فَيَتَّجِهُ العَبْدُ إِلَى رَبِّهِ مُبَاشَرَةً، فَلَا وَسَاطَةَ بَيْنَ العَبدِ وَخَالِقِهِ لِأَيِّ مَخْلُوقٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ زَعِيمًَا أَمْ هَيئَةً دِينِيَّةً، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]. فَبَابُ الرَّحمَةِ مَفْتُوحٌ لِلجَمِيعِ، والعِبَادَةُ وَالاستِغفَارُ وَالتَّقّرُبُ تَصِلُ إِلَى اللهِ مُبَاشَرَةً. وَالإِسلَامُ، كَذَلِكَ، يَعْرِضُ العَقِيدَةَ بِأُسلُوبٍ سَهْلٍ مَيسُورٍ، يَعْرِضُهَا تَارَةً مِنْ خِلَالِ المَشَاهِدِ الكَونِيَّةِ، الَّتِي تُظْهِرُ قُدْرَةَ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، كَمَا فِي قَولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيْهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيب * وَنَزَّلْنِا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًَا لِلّعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الخُرُوجُ ﴾ [ق: 6-11]. وَتَارَةً أُخرَى يَعْرِضُهَا مِنْ خِلَالِ النَّفسِ الإِنسَانِيَّة، وَمَا فِيهَا مِن عَجَائِبَ وَخُطُوطٍ مُتَقَابِلَةٍ: كَالفَرَحِ وَالغَضَبِ وَالحُبِّ وَالكُرْهِ وَالشَّجَاعَةِ وَالخَوفِ، وَالتَّضحِيَةِ وَحُبِّ الحَيَاةِ، إلخ.[3]. "وَتَارَةً مِنْ خِلَالِ القَضَايَا الاجتِمَاعِيَّةِ، مِن خِلَالِ مَسِيرَةِ المُجتَمَعِ الإِسلَامِيِّ، لِتُؤْتِيَ العَقِيدَةُ ثِمَارَهَا سُلُوكًَا وَخُلُقًَا وَالتِزَامًا". وَتَارَةً مِنْ خِلَالِ المُقَارَنَةِ مَعَ العَقَائِدِ الأُخرَى بِأُسلُوبٍ سَهْلٍ وَاضِحٍ مَيْسُورٍ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ العَقِيدَةَ الإِسلَامِيَّةَ تَخْلُو مِنَ التَّعْقِيدِ، وَلَا تُكَلِّفُ الإِنسَانَ فَوقَ طَاقَتِهِ، يَظْهَرُ مِن قَولِهِ تَعَالى: ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]. 5- الإِيجَابِيَّةُ: إِنَّ هَذِهِ العَقِيدَةَ بِمُجَرَّدِ أَنْ تُلَامِسَ القَلْبَ وتَستَقِرَّ حَقِيقَتُهَا فِي وُجدَانِ المُسلِمِ، تَظهَرُ آثارُها أَعمَالًا في حَيَاةِ الإِنسَانِ وَوَاقِعِ مُجتَمَعِهِ، فَالعَقِيدَةُ الإِسلَامِيَّةُ لَا تَكتَفِي بِمَعلُومَاتٍ مُجَرَّدَةٍ تَحفَظُهَا الذَّاكِرَةُ وَيَعِيشُهَا العَقلُ آمَالًا وَتَأمُّلَاتٍ، وَإِنَّمَا هُنَاكَ تَلَازُمٌ بَينَ العِلمِ وَالعَمَلِ، وَبِمُجَرَّدِ اعتِنَاقِهَا تَنطَلِقُ قُدرَاتُ الإِنسَانِ وَاستِعدَادَاتُهُ لِلعَمَلِ، فَيَتَحَوَّلُ مِنْ تَائِهٍ إلى عَابِدٍ لِلهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وَيَتَحَوَّلُ مِنْ تَوَاكُلِهِ إِلى اتِّخَاذِ الأَسبَابِ وَتَحَمُّلِ المَسؤوليَّةِ، وَتَدْفَعُهُ إلى أَنْ يَشْعُرَ بِأَنَّهُ وُجِدَ لِيَقُومَ بِرِسَالَةٍ تَتَطَلَّبُ مِنهُ العَمَلَ والتَّضحِيَةَ، وَالجِهَادَ وَالاندِفَاعَ فِي سَبِيلِ الخَيرِ، وَتُقِيمُ عَلَاقَةً بَينَهُ وَبَينَ خَالِقِهِ تَقُومُ عَلَى الحَبِّ وَالمَوَدَةِ وَالاعتِزَازِ بِاللهِ سُبحِانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي يُشْعِرُ المُسلِمَ أَنَّهُ بِجَانِبِهِ يُعِينهُ وَيُسَهِّلُ لَهُ الصَّعبَ وَيُيَسِّرُ لَهُ طَرِيقَ النَّجَاةِ، فَهُوَ يَتَعَامَلُ مَعَ إِلَهٍ حَيٍّ قَادِرٍ يَسْتَمِعُ فَيُجِيبُ، لَا مَعَ طَبِيعَةٍ جَامِدَةٍ خَرْسَاءَ أَو صُدفَةٍ عَميَاء. إِنَّ إِيجَابِيَّة العَقِيدَةِ تُشعِرُ المُسلِمَ بِتَسخِيرِ اللهِ تعالى لِهَذَا الكَون لِمَصلَحَتِهِ، وَتُشْعِرُ المُسلِمَ كَذَلِكَ بِأَنَّ كُلَّ مَا فِي الكَونِ إِنَّمَا وُجِدَ لِيَستَفِيدَ مِنهُ وَيَنتَفِعَ، وَبِالتَّالي فَإِنَّهَا تُحَقِّقُ التَّفَاعُلَ بَيْنَ الإِنسَانِ وَالكَونِ الَّذِي يُحِيطُ بِهِ، وَيَندَفِعُ الإِنسَانُ بِكُلِّ طَاقَاتِهِ لِلعَمَلِ. فَتُصْبِحُ العَقِيدَةُ هِيَ المُحَرِّكَ لِلإِنسَانِ، تُحَوِّلُهُ مِنْ إِنسَانٍ مُعَطَّلِ القُوَى وَالطَّاقَاتِ، إِلى إِنسَانٍ مُؤَثِّرٍ يَتَفَاعَلُ مَعَ الأَحدَاثِ يُوَجِّهُهَا وَيَتَأَثَّرُ بِهَا. وَتُشعِرُهُ بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِالعَمَلِ، فَيَندَفِعُ إِلى أَخذِ مَكَانِهِ فِي هَذَا الكَونُ وَتُشعِرُهُ أَيضًَا بِأَنَّ عَمَليَّةَ التَّغييرِ فِي الوَاقِعِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِهِ، وَبِمِقدَارِ مَا يَبذُلُ. قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]. وَكَذَلِكَ فَإِنَّ العَقِيدَةَ الإِسلَّاميِّةَ، تُشْعِرُ المُسْلِمَ بِأَنَّ كُلَّ اكْتِشَافٍ عِلمِيٍّ يَصِلُ إِلَيهِ الإِنسَانُ بِجُهُودِهِ وَبِخَصَائِصِهِ الَّتِيِ أَودَعَهَا اللهُ فِيهِ، هِيَ نِعْمَةٌ تُوجِبُ شُكرَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَلَا مَجَالَ لِلتَّوَاكُلِ وَالعَجْزِ وَوَضْعِ المَسْؤُولِيَّةِ عَلَى الآخَرِينَ، بَل يَتَحَمَّلُ المُسْلِمُ المَسْؤُولِيَّةَ كَامِلَةً مُقَابِلَ الجَزَاءِ الأَوْفَى يَومَ القِيَامَةِ قَالَ صَلَّى اللهُ عِلَيهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". وقال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]. وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ الَّذِي جَعَلَ العَرَبِيَّ الأَوَّلَ - وَقَدْ كاَنَ مُتَقَوقِعًَا عِلِى نِفْسِهِ فِي الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ وَيَعِيشُ عَلَى هَامِشِ الحَيَاةِ - يَنْطَلِقُ إِلَى الدُّنيَا كُلِّهَا مُعْلِنًا رَايَةَ "لَا إِلَه إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهَ"، بَاذِلًا كُلَّ جُهْدٍ مِن أَجْلِ تَحرِيرِ الشُّعُوبِ مِنَ العُبُودِيَّةِ... نَعَمْ إِنَّ الإِسلَامَ هُوَ الَّذِي دَفَعَ ذَلِكَ العَرَبِيَّ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى بِلَادِ الشَّامِ وَإِلَى مِصْرَ وِالهِنْدِ وَالصِّينِ وَإِفْرِيقْيَا، فَمَا أَنْ تَطَأَ قَدَمُ مُسْلِمٍ مُلْتَزِمٍ بِدِينِهِ أَرْضًَا سَوَاءٌ أَكَانَ تَاجِرًَا أَمْ طَالِبًَا أَمْ عَامِلًا، إِلَّا وَيَنْدَفِعُ لِنَشْرِ دِينِهِ، وَالدِّفَاعِ عَنِ المَظلُومِينَ وَإِنقَاذِ المَحْرُومِينَ وَالتَّصَدِّي لِلْمُنْكَرِ، وَالعَمَلِ عَلَى إِقْرَارِ المَعْرُوفِ. وَهَكَذَا فَإِنَّ المُسْلِم يَنْدَفِعُ بِكُلِّ طَاقَاتِهِ وَاسْتِعْدَادَاتِهِ إِلى العَمَلِ لِلدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَحَمْلِ الرِّسَالَةِ السَّمَاوُيَّة، الَّتِي كَانَ شِعَارُ أَتْبَاعِهَا عَلَى لِسَانِ "رِبْعِيِّ بِن عَامِرٍ" (ابْتَعَثَنَا اللهُ لِنُخْرِجَ العِبَادَ مِن عِبَادَةِ العِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّ العِبَادِ، وَمِنْ جَوْرِ الأَديَانِ إِلَى عَدْلِ الإِسلَامِ، وَمِنْ ضِيْقِ الدّنُيَا إِلَى سَعَةِ الآخِرَةِ). وَهُنَا نُشِيرُ إِلَى أَنَّ كُلَّ الجَوَانِبِ الفِكْرِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّةِ وَالاقْتِصَادِيَّةِ، وَالقِيَمِ الَّتِي تَمَثَّلَتْ فِي الدَّورِ التَّارِيخِيِّ لِلإِسلَامِ، كَانَتْ بِفَضْلِ تِلكَ العَقِيدَةِ الفَاعِلَةِ المُؤَثِّرَةِ. وَلَولَا تِلْكَ العَقِيَدَةِ لَمَا كَانَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ تِلْكَ الأَمْجَادِ الحَضَارِيَّةِ الَّتِي نَفْخَرُ بِهَا إِلَى اليَوم. 6- الشُّمُول: قال تعالى: ﴿ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54]. لَمَّا كَانَت هَذِهِ العَقِيدَةُ مُوحَىً بِها مِنْ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَقَدْ جَاءَتْ بِتَصَوُّرٍ شَامِلٍ وَتَعْرِيفٍ كَامِلٍ عَنْ حَقِيقَةِ الخَالِقِ الرَّازِقِ المُّحْيِي المُمِيتِ، وَأَعْطَتْ الإِنسَانَ تَصَوُّرًا شَامِلًا عَنِ الكَونِ وَالحَيَاةِ وَالإِنسَانِ، وَكَشَفَت لِلمُسلِمِ عَنْ تِلْكَ الحَقَائِقِ وَجَعَلَتْهُ يَعِيشُ فِي النُّور. وَمِنْ عَنَاصِرِ خَصِيصَةِ الشُّمُولِ فِي العِّقِيدَةَ الإِسلَامِيَّة مَا يَلِي: يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |