|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أهمية العلم والحث عليه واتباع العلماء علم الشريعة هو العلم الذي ورثه الأنبياء -عليهم السلام- وليس غيره، وهم لم يورثوا للناس علم الصناعات وما يتعلق بها من علوم الدنيا قال صلى الله عليه وسلم : «إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»، لايستوي الذي يعلم والذي لايعلم كما لايستوي الحي والميت يقول الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}(الزمر: 9). ويقول تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(المجادلة: 11). وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء: 59). وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين», وقال أيضا: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ...» الحديث؛ فإن من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة, وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم, وللعلماء مكانة عظيمة في الشريعة الإسلامية؛ لأنهم أهل التقوى والخشية, وهم من ورثة الأنبياء والمرسلين, وإن من في السموات والأرض ليستغفر لطلبة العلم والعلماء حتى الحيتان في البحر. إن العلم أصل كلِّ شيء، فهو يحرِّر العقول من القيود ومن الأوهام و يُدِير حركة النهضة وعجلة الإنتاج، كما يَقضِي على الكساد والفساد، ويقضي على أمنيات الشيطان، فهو أساس كل عبادة، وعلينا أن نأخذ بأصول العلم ونترك الفروع؛ حيث إن هناك كثيراً من العلماء يأخذون بفروع العلم، ويتركون الأصول؛ فيحدث هدمٌ في الدين؛ لأن بناءه غيرُ مكتمل، فالدين مبني على الأصول والفروع، وعلى ذلك فالعلماء أنواع: منهم الربانيون، وهم المخلصون، ومنهم المخرِّبون يستخدمون علمهم في هدم الدين، وهم أصحاب القلوب الضعيفة، ينظرون إلى العلم على أنه وسيلة للشهرة والنفوذ وجمع المال، ومنهم العلماء السطحيون يأخذون قشور العلم، فيعلِّمون الناس علمًا ناقصًا مشوهاً غير كامل، فيقع الخلل والمصائب باسم الدين، كما يحدث الآن من قتل للأبرياء، ويتوهم قاتلوهم أنهم على حق، ويرضون الله - تعالى - وهذا ما حدث في قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وأيضًا قتل الخليفة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- وما حدث من فتنٍ كانتْ سببًا في حدوث انشقاقات بين المسلمين مزَّقت الأمة إلى فتات، فاستغلها الغرب واليهود، وانتصروا علينا؛ لأنهم لم يجدوا أمة قوية تواجههم، وعلى ذلك؛ فإن العلم لا يؤخذ إلا من العلماء الربانيين؛ حتى لا تحدث فتن وفوضى بسبب أنصاف العلماء، فالعلم الصحيح يأخذنا إلى النصر، فلا نصر بدون علم. وقد أحسن القائل: هل العلم في الإسلام إلاّ فريضة وهل أمّة سادت بغير التعلّــــــــــم وقال آخر:- فإنّ فقيها واحدا متورّعا أشدّ على الشيطان من ألف عابد مفهوم العلم والعلماء - المطلب الأول: مفهوم العلم في اللغة والاصطلاح. أولاً: مفهوم العلم في اللغة. العلم لغة من مادة علم (ع ل م), يقال: ما علمت بخبرك: ما شعرت به.، وكان الخليل علّامة البصرة, وتقول: هو من أعلام العلم الخافقة، ومن أعلام الدّين الشاهقة. وهو معلم الخير, ومن معالمه أي من مظانّه. وخفيت معالم الطريق أي آثارها المستدلّ بها عليها. وقولك: فارس معلم, وتعلّم أن الأمر كذا أي اعلم , وعلمته الشيء فتعلم ذكر ذلك إسماعيل بن حماد الجوهري في كتابه الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية. والعلم نقيض الجهل وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازما. ثانياً: مفهوم العلم في الاصطلاح. العِلْـمُ، بالمفهوم الشامل للكلمة، هو كل نوع من المعارف أو التطبيقات، وهو مجموع مسائل وأصول كليّة تدور حول موضوع أو ظاهرة محددة، وتعالج بمنهج معين، وينتهي إلى النظريات والقوانين، ويعرف أيضا بأنه (الاعتقاد الجازم المطابق للواقع وحصول صورة الشيء في العقل). وعندما نقول: إن «العلم هو مبدأ المعرفة، وعكسه الجَهـْلُ» أو «إدراك الشيءِ على ما هو عليه إدراكًا جازمًا». يشمل هذا المصطلح في استعماله العام أو التاريخي مجالات متنوعة للمعرفة ذات مناهج مختلفة، مثل: الدين (علوم الدين) والهندسة (علم الهندسة) والفلك (علم الفلك) والنحو (علم النحو). وبتعريف أكثر تحديدًا، العِلْـمُ هو منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على المنهج العلمي دون سواه، أو مجموعة المفاهيم المترابطة التي نبحث عنها ونتوصل إليها بواسطة هذه الطريقة. قال بعضهم: إن العلم هو المعرفة وهو ضد الجهل, وقال آخرون من أهل العلم: إن العلم أوضح من أن يعرف, والذي يعنينا هنا هو العلم الشرعي, فقد عرفه بعض العلماء بأنه: «علم ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى». فالعلم الذي فيه الثناء والمدح هو علم الوحي, علم ما أنزله الله فقط, قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» ولم يقل: يحفظه؛ لأن الفقه هو: الفهم، والفهم ثمرة الحفظ، كما جاء في الحديث: «رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه»، قال الإمام النووي: «فيه فضيلة العلم والتفقه في الدين والحث عليه وسببه أنه قائد إلى تقوى الله». وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: «إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما, وإنما ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر». من المعلوم أن علم الشريعة هو العلم الذي ورثه الأنبياء -عليهم السلام- وليس غيره, وهم لم يورثوا للناس علم الصناعات وما يتعلق بها, أو علم الزراعة ولا علم الدنيا وما يلحق به مما لم يكن له علاقة بالعلم الشرعي. ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد الناس يؤبرون النخل فقال لهم لما رأى من تعبهم كلاما يعني أنه لا حاجة إلى هذا، ففعلوا وتركوا التلقيح, ولكن النخل فسد، ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : «أنتم أعلم بشؤون دنياكم». المطلب الثاني: مفهوم العلماء في اللغة والاصطلاح الأول: مفهوم العلماء في اللغة: لقد سبق أن بينا أن العلم في اللغة من كلمة علم وهو نقيض الجهل، فكلمة علماء جمع ومفردها عالم وهو نقيض جاهل, والجاهل هو الذي لم يكن لديه علم، أو هو الذي لم يدرك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا, بخلاف العالم, فالعالم هو الذي يدرك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازما. ثانياً: مفهوم العلماء في الاصطلاح. العالم هو الذي يدرك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازما, والعالم الشرعي هو العالم بما أنزل الله على رسوله من البينات والهدى, لهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين», قال الإمام النووي: «فيه فضيلة العلم، والتفقه في الدين، والحث عليه، وسببه أنه قائد إلى تقوى الله»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: «إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما, وإنما ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر». وقد ذكر في القرآن الكريم أن أهل العلم والعلماء هم أحد صنفي ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء: 59)، «فإن ولاة الأمور هنا تشمل ولاة الأمور من الأمراء والحكام, والعلماء وطلبة العلم, فولاية أهل العلم في بيان شريعة الله ودعوة الناس إليها وولاية الأمراء في تنفيذ شريعة الله وإلزام الناس بها». من هنا نفهم أن عالم الشريعة هو الذي يبين شريعة الله وأحكامها، ويدعو الناس إليها, ويمكن القول أيضا: إن أهل العلم هم القائمون على أمر الله تعالى حتى تقوم الساعة. وبعد هذه التعريفات للعلم والعلماء يتبين لنا أن للعلم أهمية بالغة في الإسلام، ويحث الرسول صلى الله عليه وسلم ، كل مسلم على طلب العلم دائما؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم : «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، وأن يسلك طريقه لأجل نيْله والعمل به، وبالعلم الشرعي يهتدي الإنسان وبدونه يضل ويشقى؛ حيث إن أول آية نزلت في كتاب الله كانت تدعو للتعلم (اقرأ)، وآيات القرآن المكية كلها تدعو للتدبر والتفكر والسير في الأرض، ولا يكون ذلك إلا بالعلم والتعلم وبناء المسجد وهو أول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بعد الهجرة مباشرة، وكان حرية أسرى الكفار في بدر أن يفتدوا أنفسهم بأن يعلموا عشرة من أولاد المسلمين القراءة والكتابة (لكل أسير عشرة). فمنفعة العلم في استعمال الفضائل عظيمة، وهو أنه يعلم حسن الفضائل فيأتيها ولو في الندرة، ويعلم قبح الرذائل فيجتنبها ولو في الندرة، ويسمع الثناء الحسن فيرغب في مثله، والثناء الرديء فينفر منه. ويمكن أن نستعرض أهمية العلم في الإسلام من خلال عرض النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال السلف الصالح على النحو الآتي: يبين الله َمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر: 9)، لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، كما لا يستوي الحي والميت، والسميع والأصم، والبصير والأعمى، فالعلم نور يهتدي به صاحبه إلى الطريق السوي، ويخرج به من الظلمات إلى النور، كما أن الله يرفع الذي يطلب العلم والذي يعمل به كما يشاء، قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(المجادلة: 11). أي يرفع الذين أوتوا العلم من المؤمنين بفضل علمهم وسابقتهم درجات، أي على من سواهم في الجنة. قال القرطبي: «أي في الثواب في الآخرة وفي الكرامة في الدنيا، فيرفع المؤمن على من ليس بمؤمن، والعالم على من ليس بعالم» وقال ابن مسعود: مدح الله العلماء في هذه الآية، والمعنى: أنه يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم (درجات) أي درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به. إن العلم نور يبصر به المرء حقائق الأمور، وليس البصر بصر العين، ولكن بصر القلوب، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}(الحج: 46)؛ ولذلك جعل الله الناس على قسمين: إمَّا عالم أو أعمى فقال الله تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}(الرعد: 19)، فالعلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه؟ وكيف يعامل عباده؟ فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة. وفي الحديث حث النبي صلى الله عليه وسلم : أمته على العلم والتزود منه والعمل به، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن العلم إرث الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام - فقال صلى الله عليه وسلم : «إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»، فالأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ولا منصبا دنيويا وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ بالعلم فقد أخذ بما ورثه الأنبياء، ولذلك لم يترك نبينا دينارا ولا درهما وإنما ترك علما، فأي طالب علم مخلص أخذ بالعلم؛ فإنه يرث محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهذا من أكبر فضائل الأعمال. ومن هنا يتبين أن العلم الشرعي فيه الثناء والمدح، ومن تعلم هذا العلم ينال المدح والثناء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين», قال الإمام النووي: «فيه فضيلة العلم والتفقه في الدين والحث عليه وسببه أنه قائد إلى تقوى الله»، ومع ذلك فإننا لا ننكر أن يكون للعلوم الأخرى فائدة. إن بقية العلوم فيها فائدة، ولكنها ذات حدين، فإن أعانت على طاعة الله وعلى نصر دين الله وانتفع بها عباد الله، فيكون ذلك خيرا ومصلحة، وقد يكون تعلمها واجبا في بعض الأحيان إذا كان ذلك داخلا في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}(الأنفال: 60). اعداد: محمد مالك درامي
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() أهمية العلم والحث عليه واتباع العلماء 2 الإخلاص في النية شرط لأنواع العبادات، ومنها التعلم والتعليم؛ فإن طلب العلم عبادة عظيمة، وينبغي لطالب العلم أن يخلص في طلبه كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر كل مسلم أن يطلب العلم مستمرا في حياته، لا ينقطع عنه إلا إذا جاءه الأجل، فقال صلى الله عليه وسلم : «طلب العلم فريضة على كل مسلم». من هنا نقول: إن طلب العلم الشرعي فرض كفاية إذا قام به من يكفي صار في حق الآخرين سنة، وقد يكون طلب العلم واجبا على الإنسان عينا أي فرض عين، وضابطه أن يتوقف عليه معرفة عبادة يريد فعلها أو معاملة يريد القيام بها، فإنه يجب عليه في هذه الحال أن يعرف كيف يتعبد الله بهذه العبادة؟ وكيف يقوم بهذه المعاملة؟ وما عدا ذلك ففرض كفاية. وكذلك إن طلب العلم طريق إلى الجنة، كما دل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة»، وهذا الحديث يشعر بالرحلة في طلب العلم، فطلب العلم خير عظيم، وأوسع أفقا، ويستطيع طالب العلم أن ينتفع وينفع الناس؛ ولذا جاء الحث على طلب العلم، وهذا باب واسع جدا، فما سلك إنسان طريقا يلتمس فيه علما إلا سهل الله له طريقا إلى الجنة.ومن أقوال السلف في العلم، قال ابن كثير عند قوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(الزمر: 9). أي: هل يستوي هذا والذي قبله ممن جعل لله أندادا ليضل عن سبيله؟! {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} أي: إنما يعلم الفرق بين هذا وذاك من له لب وهو العقل. قال البيضاوي: نفي لاستواء الفريقين بعده القوة العلمية بعد نفيه باعتبار القوة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم، وقيل: تقرير للأول على سبيل التشبيه أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصون. قال الزجاج: أي كما لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. وقال غيره: الذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم ويعملون به، فأما من لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به فهو بمنزلة من لم يعلم. {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى}(الرعد: 19)، أي أصحاب العقول من المؤمنين. قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(فاطر: 28)، قال: العلماء بالله الذين يخافونه، وقال أيضا: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير. وأخرج ابن أبي حاتم وابن عدي عن ابن مسعود -رضي الله عنه - قال: ليس العلم من كثرة الحديث ولكن العلم من الخشية، وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن صالح أبي الخليل -رضي الله عنه - في قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} قال: أعلمهم بالله أشدهم له خشية. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سفيان عن أبي حيان التيمي عن رجل قال: كان يقال المنهجية الصحيحة في طلب العلم الشرعي. أولاً: عدم القول والعمل بغير علم أو الفتوى بغير علم هناك أدلة كثيرة من القرآن الكريم على تحريم القول والعمل بغير علم، وعلى وجوب العلم قبل القول والعمل, ومنها: قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}(الأعراف: 33)، وقول الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}(الإسراء: 36)، وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة -رضي الله عنه - في قوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}(الإسراء: 36)، قال: لا تقل سمعت ولم تسمع، ولا تقل: رأيت ولم تر، فإن الله سائلك عن ذلك كله. وهكذا كل إنسان سيسأل عما قال وعمل، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }(الإسراء: 36)،َ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا. قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا». فالواجب على الإنسان ألا يفتي إلا بعلم، وإذا سئل ولم يكن بالجواب عالماً فلا عيب أن يقول: الله أعلم، أو يرشد إلى غيره، أو يطلب وقتاً يبحث فيه المسألة، والإمام مالك رحمه الله ورضي عنه كان كثيراً ما يقول الله أعلم، فما هو العيب في ذلك؟ العيب أن يتكلم الإنسان بدون علم فيقتحمَ بذلك نار جهنم والعياذ بالله. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل أحياناً فلا يرجع بجواب حتى ينزل القرآن عليه، إنّ أحداث هذه القصة شاهدة بخطورة الفتوى بدون علم، فالمفتي بدون علم قد يخرب بيتاً، ويدمر أسرةً، ويعين على باطل، ويحمل على كفر. ثانياً: تجديد النية والإخلاص في طلب العلم وتقوى الله. الإخلاص في النية شرط لأنواع العبادات، ومنها التعلم والتعليم؛ فإن طلب العلم عبادة عظيمة، وينبغي لطالب العلم أن يخلص في طلبه للعلم لله تعالى؛ إذ قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة: 5)، وطلب العلم إذا أخلص في طلبه النية واحتسب فيه الأجر من الله فهو عبادة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من تعلم علما يبتغي به وجه الله - عز وجل - لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» عرف الجنة: يعني ريحها، وقال كذلك: «لا تَعَلّموا العلمَ لِتُباهوا به العلماءَ، ولا تُماروا به السُّفَهاءَ، ولا تُخَيِّروا به المجالسَ، فمن فعل ذلك فالنَّارَ النَّارَ». والإخلاص هو انبعاث القلب إلى جهة المطلوب التماسًا، أو تغميض عين القلب عن الالتفات إلى سوى الله تعالى، فالإخلاص سر بين الله وبين العبد، لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله. فالإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين، فمتى أفردت ربك بالطاعة، ونسيت رؤية الخلق بدوام نظرك إلى الخالق، فقد تحقق لك الإخلاص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الأعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه». ومن طلب العلم رياء أو جاهد رياء أو عمل عملا رياء، فكل هذا عمله غير صالح والعياذ بالله وهو مردود عليه؛ لقول الله تعالى في الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك به معي غيري تركته وشركه»، بعض الناس يبدأ في طلب العلم بنية فاسدة، كأن يتمنى أن يكون شيخا كبيرا وعالما جليلا ومفتي الديار، وهذه النية ما لم يبتغ بها الآخرة فهي نية فاسدة، وعمله هذا مردود إليه. وأما تقوى الله والخوف منه يزيد من علمك، ففي يوم رأى الإمام الشافعي أن ذكاءه لم يعد في الدرجة التي كان عليها من قبل، فذهب إلى أستاذه الإمام وكيع، وشكا له سوء حفظه، وقد أشار إلى هذا بقوله: شكوتُ إلى وكيعٍ سُوءَ حِفظي فأرشــدني إلى تــركِ الـمعـاصي وأخـبـرني بـأنَّ العلـمَ نــورٌ ونـورُ اللهِ لا يُـهـدَى لـعـاصي وكذلك حينما جلس الإمام الشافعي وهو غلام صغير في مجلس الإمام مالك بالمدينة المنورة، وكان الإمام مالك يقرأ في درسـه أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده، وكانت عادته إذا ذكر الحديث أن يقول: عن فلان، عن فلان، عن صاحب هذا المقام، ثم يشير إلى قبر الرسول، فرأى وهو يشير إلى القبر الشافعي يعبث بثمرة من الحصير؛ بعد أن بلها بريقه فوق يده! فحزن الإمام مالك، ثم انتظر حتى أنهى درسه الذي قرأ فيه أربعين حديثًا، ثم ناداه، فأقبل وجلس بين يديه، فعاتبه قائلاً: لماذا كنت تعبث أثناء تلاوة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: يا سيدي! ما كنتُ أعبث ولكني كنتُ أسجل بريقي ما تقول حتى لا أنسى؛ لأنني فقير، ولا أملك الدرهم الذي أشتري به القرطاس والقلم.فتعجب الإمام مالك، وقال له: إذا كنتَ صادقًا فاقرأ ولو حديثًا واحدًا من الأربعين التي قرأتُها في درس الليلة. فجلس الشافعي كما كان يجلس أستاذه الإمام، وقال: عن فلان، عن فلان، عن صاحب هذا المقام؛ وأشار إليه كما أشار الإمام، ثم قرأ الأربعـين حديثًا. فأعجب الإمام مالك بذكائه، وقال له: إني أرى الله قد ألقى في قلبك نورًا، فلا تُطفئه بظُلمة المعاصي. وأخيرا.. نستخلص أن تعلم العلم عبادة من العبادات، وقربة من القرب، فإنْ أخلصت فيه النية واتقيت الله قُبِل وزكى، ونمت بركته، وإن قصد به غير وجه الله تعالى حبط وضاع، وخسرت صفقته. اعداد: محمد مالك درامي
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() أهمية العلم والحث عليه واتباع العلماء (الأخيرة) التـــأدب مـع الـمعـلم لا يدرك العلم إلى بالصبر والكد والتعب والمشقة والسهر؛ فإن العلم لا ينال براحة الجسم، بل لابد من الجد آداب المتعلم مع أستاذه أو معلمه:- بما أن العلم لا يؤخذ ابتداء من الكتب بل لا بد من شيخ تتقن عليه مفاتيح الطلب، لتأمن من العثار والزلل، فعليك إذاً بالتحلي برعاية حرمته، فإن ذلك عنوان النجاح والفلاح والتحصيل والتوفيق، فليكن شيخك محل إجلال منك وإكرام وتقدير وتلطف، فخذ بمجامع الآداب مع شيخك في جلوسك معه، والتحدث إليه، وحسن السؤال والاستماع، وحسن الأدب في تصفح الكتاب أمامه ومع الكتاب، وترك التطاول والمماراة أمامه. وعدم التقدم عليه بكلام أو مسير أو إكثار الكلام عنده، أو مداخلته في حديثه ودرسه بكلام منك، ومقاطعته في الحديث، ولقد ذكر لنا القرآن الكريم قصة موسى عليه السلام مع الخضر , وأن تعجله في طلب العلم قد حرمه من تعلم ما قد يعود عليه بالخير والصلاح , عَنْ سَعِيد بن جُبَيْر: قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ، لَيْسَ هُوَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَمَّا هُوَ مُوسَى آخَرُ؟ فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ، حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: بَلَى، لِي عَبْدٌ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، قَالَ: أَيْ رَبِّ، وَمَنْ لِي بِهِ، وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: أَيْ رَبِّ، وَكَيْفَ لِي بِهِ؟ قَالَ: تَأْخُذُ حُوتًا، فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ، حَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهُْوَ ثَمَّ، وَرُبَّمَا قَالَ: فَهُْوَ ثَمَّهْ، وَأَخَذَ حُوتًا، فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَفَ تَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ، وَضَعَا رُؤُوسَهُمَا، فَرَقَدَ مُوسَى، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ، فَخَرَجَ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنِ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءِ، فَصَارَ مِثْلَ الطَّاقِ، فَقَالَ هَكَذَا مِثْلُ الطَّاقِ، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا، وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ، قَالَ لَهُ فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا، وَلَهُمَا عَجَبًا، قَالَ لَهُ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا، حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ، فَسَلَّمَ مُوسَى، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ؟! قَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا، قَالَ: يَا مُوسَى، إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ، عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لاَ تَعْلَمُهُ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ، عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لاَ أَعْلَمُهُ، قَالَ: هَلْ أَتَّبِعُكَ؟ قَالَ:إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)، (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا)، إِلَى قَوْلِهِ:إِمْرًا)، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ، كَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ، فَحَمَلُوهُ بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ جَاءَ عُصْفُورٌ، فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً، أَوْ نَقْرَتَيْنِ، قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى، مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلاَّ مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا ا لْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ، إِذْ أَخَذَ الْفَأْسَ فَنَزَعَ لَوْحًا، قَالَ: فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى إِلاَّ وَقَدْ قَلَعَ لَوْحًا بِالْقَدُّومِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: مَا صَنَعْتَ؟! قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ قَالَ: لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا، فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا، فَلَمَّا خَرَجَا مِنَ الْبَحْرِ مَرُّوا بِغُلاَمٍ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَلَعَهُ بِيَدِهِ هَكَذَا - وَأَوْمَأَ سُفْيَانُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ يَقْطِفُ شَيْئًا - فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، قَالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي، قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا، فَانْطَلَقَا، حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ، مَائِلاً، أَوْمَأَ بِيَدِهِ هَكَذَا (وَأَشَارَ سُفْيَانُ، كَأَنَّهُ يَمْسَحُ شَيْئًا إِلَى فَوْقُ، فَلَمْ أَسْمَعْ سُفْيَانَ يَذْكُرُ مَائِلاً إِلاَّ مَرَّةً) قَالَ: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا، وَلَمْ يُضَيِّفُونَا، عَمَدْتَ إِلَى حَائِطِهِمْ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ، سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا. قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : «وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ، فَقَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا».قال سُفْيان: قال النَّبِي صلى الله عليه وسلم : «يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، لَوْ كَانَ صَبَرَ، يُقَصُّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا». وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَامَهُمْ مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤ ْمِنَيْنِ.قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ: ثُمَّ قَالَ لِي سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ، وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ.قِيلَ لِسُفْيَانَ: حَفِظْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْمَعَهُ مِنْ عَمْرٍو، أَوْ تَحَفَّظْتَهُ مِنْ إِنْسَانٍ؟ فَقَالَ: مِمَّنْ أَتَحَفَّظُهُ، وَرَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ عَمْرٍو غَيْرِي؟! سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا، وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ. فقد تعلمنا من هذه القصة عدم الاستعجال في طلب العلم والصبر على المعلم وعدم مقاطعته , وكلها آداب يجب أن يعرفها المتعلم قبل طلب العلم.وكذلك الإلحاح عليه في جواب، متجنباً الإكثار من السؤال، ولاسيما مع شهود الملأ، فإن هذا يوجب لك الغرور وله الملل. ولا تناديه باسمه مجرداً، أو مع لقبه كقولك: يا شيخ فلان! بل قل: يا شيخى! أو يا شيخنا! فلا تسمه، فإنه أرفع في الأدب، ولا تخاطبه بتاء الخطاب، أو تناديه من بعد من غير اضطرار. وانظر ما ذكره الله تعالى من الدلالة على الأدب مع معلم الناس الخيرصلى الله عليه وسلم في قوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (النور: 63). كما لا يليق أن تقول لوالدك ذي الأبوة الطينية: «يا فلان» أو: «يا والدي فلان» فلا يجمل بك مع شيخك.والتزم توقير المجلس، وإظهار السرور من الدرس والإفادة منه. وإذا بدا لك خطأ من الشيخ، أو وهم فلا يسقطه ذلك من عينك، فإنه سبب لحرمانك من علمه، ومن ذا الذي ينجو من الخطأ سالماً؟ واحذر أن تمارس معه ما يضجره، ومنه ما يسميه المولدون: (حرب الأعصاب) بمعنى: امتحان الشيخ على القدرة العلمية والتحمل. وإذا بدا لك الانتقال إلى شيخ آخر، فاستأذنه بذلك؛ فإنه أدعى لحرمته، وأملك لقلبه في محبتك والعطف عليك، واعلم أنه بقدر رعاية حرمته يكون النجاح والفلاح، وبقدر الفوت يكون من علامات الإخفاق. سابعاً: الصبر أيها الأخ الكريم والأخت الكريمة.. إن طلب العلم من معالي الأمور، والعُلَا لا تُنال إلا على جسر من التعب. قال أبو تمام مخاطباً نفسه:- ذريني أنالُ ما لا يُنال من العُلا فصَعْبُ العلا في الصعب والسَّهْلُ في السَّهل تريدين إدراك المعالي رخيـصة ولا بد دون الشهد من إبَر النحـــل (الشَّهد هو العسل ) وقال آخر: دببت للمجد والساعون قد بلغا جُهد النفوس وألقـوا دونـه الأُزرا وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهم وعانق المجد من أوفى ومن صبرا لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تَلْعَقَ الصَـبِرَا (الصَبِردواءٌ مُرٌّ) قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(آل عمران: 200)، فاصبر وصابر، فلئن كان الجهاد ساعةً من صبر، فصبر طالب العلم إلى نهاية العمر. فلا يدرك العلم إلى بالصبر والكد والتعب والمشقة والسهر؛ فإن العلم لا ينال براحة الجسم، بل لابد من الجد، وهذا الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه في أبواب المواقيت من كتاب الصلاة لما ساق أسانيد عدة ذكر فيها عن يحيى بن أبي كثير -رحمه الله- أنه قال: «لا ينال العلم براحة الجسم»، ومقصوده رحمه الله من هذا التنبيه على أن تحصيل العلم والتفقه في الدين يحتاج إلى صبر ومثابرة، وعناية وحفظ للوقت، مع الإخلاص لله، وإرادة وجهه سبحانه وتعالى. ثامناً طلب العلم بالدعاء كما أنه على طالب العلم أن يستعين بالله دائما ويدعو الله أن يفقهه في الدين دعاء لطلب العلم. من الأذكار الواردة قوله: «بسمِ اللَّهِ، توَكلتُ علَى اللَّهِ، اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِك أن أضلَّ أو أُضَلَّ، أو أزلَّ أو أُزَلَّ، أو أظلِمَ أو أُظلَمَ، أو أجهلَ أو يُجهَلَ عليّ». اعداد: محمد مالك درامي
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |