|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا (1) الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل وجوب الإيمان به الحمد لله اللطيف الخبير؛ خلق الجن والإنس لعبادته، وكلفهم بحمل أمانته، وأوجب عليهم التزام شريعته، نحمده على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أرسل رسله لتبليغ رسالته، وهداية خلقه، فمنهم من قبل عن الله تعالى هدايته، والتزم شريعته، ومنهم من حقت عليه الضلالة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله بالهدى ودين الحق هاديا ومعلما، وبشيرا ونذيرا؛ فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله تعالى حق جهاده حتى أتاه اليقين فجزاه الله تعالى عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ خير صحب لخير نبي، ترضى الله تعالى عنهم في كتابه العزيز، وذكر مناقبهم، ومدح صفاتهم، وأثنى على من أحبهم ممن جاءوا بعدهم {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى - أيها المسلمون - واعملوا صالحا؛ فإن الدنيا ليست لبقائكم، ولا هي منتهى آمالكم، وإن الآخرة هي داركم، ولن تنفعكم فيها آباؤكم ولا أبناؤكم، وإنما ينفعكم إيمانكم وتقواكم، فتزودوا بالإيمان والتقوى {يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور}. أيها الناس: من رحمة الله تعالى بعباده هدايتهم وتعليمهم، وإرسال الرسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم، وبيان الحق لهم، فمن العباد من قبل رحمة الله تعالى وهدايته، فاتبع رسله، وصدق كتبه، والتزم شريعته؛ فله سعادة الدنيا وفوز الآخرة. ومنهم من أبى رحمة الله تعالى، فعارض رسله، وكذب كتبه، واستنكف عن عبادته؛ فله شقاء الدنيا وعذاب الآخرة. ورسولنا محمد عليه الصلاة والسلام هو خاتم الرسل فلا نبي بعده، أوجب الله تعالى على كل المكلفين منذ بعثته عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة الإيمان به، وتصديقه واتباعه؛ فلا دين يوصل إلى الله تعالى إلا دينه، ولا شريعة يحبها الله تعالى ويرضاها لعباده إلا شريعته {إن الدين عند الله الإسلام} وفي الآية الأخرى {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}. وجاءت الآيات القرآنية آمرة أمته بالإيمان به {يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم} وفي آية أخرى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله} وفي ثالثة {فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا}. وتوعد الله عز وجل من لم يؤمن به سبحانه وبرسوله صلى الله عليه وسلم بنار جهنم {ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا}. والإيمان به عليه الصلاة والسلام هو التصديق مع الإقرار بنبوته، وذلك يقتضي محبته وطاعته، والقبول به، والانقياد له، والإذعان لدينه، والاستسلام لشريعته. وقد أخبرنا الله تعالى أن النبي عليه الصلاة والسلام قد أُرسل إلى الناس كلهم إلى قيام الساعة، وهذا يقتضي بأنه ليس رسولا إلى أمة دون أمة، أو إلى جنس دون جنس، أو رسولا في زمن دون زمن، بل هو رسول الله تعالى إلى العالمين منذ بعثته إلى قيام الساعة في كل زمان ومكان {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا} وأمره الله تعالى أن يخاطب الناس بذلك {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا} وفي الآية الأخرى {وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} وقد دلت هذه الآية الكريمة على أن الإنذار به عام لكل من بلغه، وهي مثل قوله سبحانه {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} وقال عليه الصلاة والسلام: ((بعثت إلى الأحمر والأسود وكان النبي إنما يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة)) رواه أحمد. ولوازم هذه النصوص الكثيرة: أن كل من بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يستجب لها، ولم يؤمن به فهو من الكافرين، ومأواه النار خالدا فيها؛ كما جاء مصرحا به في قوله عزوجل {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} وفي الآية الأخرى {ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون} وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار} رواه مسلم. ومن أصول الإقرار برسالته عليه الصلاة والسلام الاعتقاد بأنه آخر الرسل، وخاتم النبيين فلا نبي بعده، فمن ادعى النبوة بعده فهو كاذب، أو ادعى أن له ما للأنبياء من التشريع باسم الولاية أو غيرها فهو كاذب كذلك {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} وقال عليه الصلاة والسلام ![]() ولابد أن يقر العبد بأن ما جاء به من القرآن هو من عند الله تعالى مصدقا لما قبله من الكتب والرسل، وقاضيا على كل الشرائع السابقة، فناسخ لبعضها، ومكمل لأكثرها {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}. وهذا يقتضي طاعته عليه الصلاة والسلام، والاستسلام لشريعته {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} وفي آية أخرى {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} وبين سبحانه أن الهداية إنما تكون بطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام {وإن تطيعوه تهتدوا}. ولا يسع مؤمنا الخروج عن طاعته، أو التحاكم إلى غير شريعته، وإلا لم يكن مؤمنا به {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} وفي الآية الأخرى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. والذين لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم على أقسام؛ فقسم منهم كذبوه، وزعموا أن الله تعالى لم يرسله إلى الناس نبيا ورسولا، مع قيام الأدلة الواضحة، والبراهين الساطعة على صدقه ونصحه لأمته عليه الصلاة والسلام، وهذا القسم هم أكثر أمم الأرض في الماضي وفي الحاضر من أنواع الوثنيين والملحدين، ومن طوائف أهل الكتاب. وقسم آخر زعموا أنهم يصدقونه، ولكنهم جعلوه نبيا لأمة العرب فحسب، وبعضهم يحصرون نبوته في زمن بعثته وحياته، دون القرون التي بعده، أو يحصرونها فيمن هم في مكة أو في جزيرة العرب دون غيرهم. وهؤلاء متناقضون، فإن آمنوا أنه نبي لزمهم أن يصدقوا ما جاء به عن الله تعالى، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام بالقرآن وأنه كلام الله تعالى، وفي القرآن أنه عليه الصلاة والسلام مرسل إلى الناس كافة، ورسول الله تعالى إلى الناس جميعا، في كل زمان ومكان؛ فإن آمنوا بنبوته لزمهم تصديق خبره هذا وإلا كانوا متناقضين. وقسم ثالث أظهروا تصديقهم بنبوته عليه الصلاة والسلام لكنهم زعموا أن الطرق كلها موصلة إلى الله تعالى، وأن الأديان كلها مرضية عنده سبحانه، وهم من يسمون بالروحانيين، وكثير منهم يخصون ذلك بما يسمونه الأديان السماوية أو الأديان الإبراهيمية؛ ليدخلوا اليهودية والنصرانية في الدين الصحيح. وهؤلاء إن كانوا يصدقون بنبوته عليه الصلاة والسلام لزمهم أن يصدقوا بخبره، وقد أخبر عن الله تعالى أن من ابتغى غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، كما أخبر أن من لم يؤمن بما جاء به فهو من أهل النار، ومما جاء به إبطال اليهودية والنصرانية وسائر الأديان والملل سوى دينه عليه الصلاة والسلام؛ فلزمهم تصديقه في ذلك واتباعه، أو تكذيبه، وإلا كانوا متناقضين. وقسم رابع أظهروا إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم زعموا أن لشريعته باطنا وظاهرا، وأن باطن شريعته لا يعرفه إلا هم ومشايخهم، فخرجوا على ظاهر شريعة النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الباطن الذي اخترعوه، وزعموا اختصاصهم به دون سائر الناس، وكل الفرق الباطنية التي أبطلت دين النبي صلى الله عليه وسلم، وقدحت في أزواجه وأصحابه رضي الله عنهم، وغالت في رؤوسها ومشايخها هم من هذا القسم، وإيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم منقوض بإبطالهم لشريعته عليه الصلاة والسلام، وإحداثهم لدين آخر زعموا أنه باطن دين محمد صلى الله عليه وسلم. وقسم خامس أظهروا تصديقهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ويزعمون الإيمان به وتعظيمه، ويصلون عليه إذا ذكر، ولكنهم يعتقدون أو يظنون أن بوسعهم الخروج عن شريعته، وأن ما جاء به من الدين يختص بما يتعلق بالآخرة من العبادات المحضة والأخلاق ونحوها دون ما يتعلق بالدنيا التي يزعمون أنها متروكة للناس، وكثير من أصحاب الاتجاهات العلمانية هم من هذا القسم، وهم متناقضون أيضا لأنهم إن آمنوا به وصدقوه لزمهم أن يقبلوا أخباره، ويذعنوا لأحكامه المتعلقة بأمور الدنيا وأمور الآخرة ولا فرق، وإلا لم يكونوا مستسلمين لشريعته، وعدم استسلامهم لشريعته قادح في إيمانهم بنبوته عليه الصلاة والسلام. وكثير منهم يلجأ في تنصله من أوامر الشريعة إلى التحريف والتأويل؛ فما لا يوافق أهواءهم يزعمون خصوصيته في زمن الرسالة دون هذا الزمن، أو يدعون أنه كان لظروف خاصة، أو أنه من قبيل العادات المتروكة للناس، ولا سيما إذا كان الحكم الشرعي متعلقا بالحرية أو الديمقراطية أو له صلة بما يدعونه حقوقا للإنسان أو للمرأة أو نحو ذلك. وسبب ضلالهم هذا أنهم آمنوا بالمناهج الغربية المعاصرة إيمانا مطلقا ثم حاكموا شريعة محمد صلى الله عليه وسلم إليها، فإن وافقتها الشريعة المحمدية انقلبوا إلى علماء ووعاظ وخطباء يدعون الناس إليها، ويستدلون لها، وإن عارضتها الشريعة رفضوها أو تأولوها أو حرفوها أو كذبوها، ومن رفض شيئا مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقد نقض إيمانه به. ومع التجييش الإعلامي للمناهج الغربية المنحرفة عن دين الإسلام، والدعاية لها، وإظهار محاسنها؛ قد يجد بعض الناس حرجا في قلبه من أحكام الشريعة، أو عدم انقياد لها، أو تمنٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت بها، وهذا الضيق والحرج والتمني مما يقدح في الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يتعارض مع التسليم المطلق له عليه الصلاة والسلام. إن النتيجة الحتمية للإيمان به عليه الصلاة والسلام، والرضى به نبيا ورسولاً التسليم المطلق فيما جاء به، أو أخبر عنه، وطاعته فيما أمر به أو نهى عنه، من غير ضيق أو حرج أو تعقيب أو جدال أو مناقشة، أو أخذ بالبعض وترك للبعض؛ إذ إن من التناقض أن يزعم العبد أنه مؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ثمَّ يتمرَّد على بعض ما جاء به، أو ينازعه فيه، أو لا يرضى به، أو يُنصِّب نفسه معقِّبًا عليه، أو نحو ذلك ممَّا ينقض الإيمان برسالته عليه الصلاة والسلام. ألا فاتقوا الله ربكم - أيها المسلمون - وأسلموا له قلوبكم، وأخلصوا له دينكم، واستسلموا لشريعة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن الإيمان لا يكون إلا بذلك. واحذروا مناهج المنحرفين ولو كثروا، ولو زخرفوا كلامهم بلحن القول، وحسن البيان، ولو ملكوا نواصي الإعلام في الأرض، وكانت أصواتهم عالية منتشرة؛ فإن الباطل باطل ولو كثر أتباعه وعلت أصواتهم، وإن الحق حق ولو قلَّ أتباعه وضعفت أصواتهم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}. بارك الله لي ولكم... الخطبة الثانية الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}. أيها المسلمون: أرسل الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق؛ رحمة للعالمين، وهداية للناس أجمعين، فكان من قبول رحمة الله تعالى: الإيمانُ به عليه الصلاة والسلام، وقبول شريعته، والتزام سنته. كماكان تكذيبه أو رفض شريعته رفضا لرحمة الله تعالى. ولذا كان أسعد الناس برحمة الله تعالى يوم القيامة هم من قبلوا رحمته في الدنيا، فاتبعوا رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام، وكان أبعد الناس عن رحمة الله تعالى في الدار الآخرة هم من لم يقبلوا رحمته في الدنيا، فلم يتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم. وما طعن الطاعنين في شخص النبي صلى الله عليه وسلم أو في رسالته أو شريعته أو سيرته من قبل كفرة أهل الكتاب، أو من ملاحدة الغرب، أو من زنادقة العرب إلا طعن في الله تعالى، ورفض لرحمته، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، وتنزه رسوله صلى الله عليه وسلم عن ما يقولون ويفترون. ويلهم كيف يطعنون في النبي صلى الله عليه وسلم، ويكذبونه، ويسخرون منه، ويرفضون شريعته، وهو رحمة الله تعالى للناس كلهم إنسهم وجنهم، عربهم وعجمهم، مؤمنهم وكافرهم، بل تعدت الرحمة به إلى العجماوات من الطير والحيوان، بما جاء به من دين الإسلام الذي حفظ الحقوق، وأوفى العهود، وأعطى كل ذي حق حقه؛ فكان رحمة لمن على الأرض أجمعين كما قال الله تعالى {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}. لقد رحم الله تعالى به المؤمنين بما ينالونه من السعادة والسكينة والطمأنينة في الدنيا، والفوز العظيم في الآخرة. ورحم الله تعالى به الكفار بما حفظ لهم من الحقوق، وأوفى لهم من العهود، فلا يكرهون على الإسلام، ولا يغدر بهم لكفرهم، ومن دخل في عهد ذمة أو أمان كان له الأمان في نفسه وأهله وماله، لا يتعدى عليه ولا يظلم ما دام ملتزما عهده، ومن خانه خان دين الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة)) رواه البخاري. بل رحم الله تعالى به الكفار المحاربين للإسلام بما شرع لهم من حقوق وهم محاربون، من دعوتهم إلى الإسلام، وتخييرهم قبل الحرب بينه وبين الجزية، ورحم به نساءهم وذراريهم ورهبانهم وشيوخهم فلا يقتلون في الحرب إلا إذا شاركوا في محاربة المسلمين. وكانت الرحمة بالحيوان والطير في دين محمد صلى الله عليه وسلم متممة للرحمة بالعالمين، فلا يجوز تعذيبها ولا تجويعها ولا تكليفها ما لا تطيق، ولا اتخاذها هدفا يرمى إليه، ولا ذبحها إلا بحقها، وحقها أن يأكلها ولا يرميها، وقد دخل النار امرأة في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا أطلقتها، ودخل الجنة بغي في كلب سقته فشكر الله تعالى لها فغفر لها. فاعرفوا رحمكم الله تعالى قدر نعمة الله سبحانه عليكم ببعثة خاتم النبيين وإمام المرسين محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، واحمدوا الله تعالى على نعمته ببعثته إليكم نبيا ورسولا، واشكروه على أن هداكم لدينه، واعرفوا لوازم الإيمان به عليه الصلاة والسلام، واتبعوا سنته، والتزموا هديه، واقبلوا حكمه، ولا تجدوا في صدوركم حرجا من أي شيء جاءكم به نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الحق من عند الله تبارك وتعالى، وما عارضه فهو الباطل أيا كان مصدره، ومهما كان وزن قائله {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}. وصلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم بذلك ربكم....
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا (3) الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل وجوب محبته الحمد لله؛ هدانا صراطه المستقيم، ومنَّ علينا ببعثة سيِّد المرسلين؛ {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران: 164].أحمده عددَ ما خلق، وملْء ما خلق، وأشكره عدد ما أحْصى كتابه، وملْء ما أحصى كتابه، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، أنصح النَّاس للنَّاس، وأتقاهم لله؛ {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128]، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليْه، وعلى آله وأصحابه؛ آمنوا بالله ورسولِه وعزَّروه ونصروه واتَّبعوا النُّور الذي أنزل عليْه، أولئك هم المفلحون، الأنصار منهم والمهاجرون، والتَّابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين. أمَّا بعد: فأوصيكم - أيها النَّاس - ونفْسي بتقوى الله - عزَّ وجلَّ - فاتَّقوه حقَّ التَّقوى واستمْسِكوا بالعروة الوثقى، واعلموا أنَّكم إلى ربكم راجِعون، وعلى أقوالكم وأفعالِكم محاسبون، فحاسِبوا أنفسكم قبل الحساب، وزِنوا أعمالَكم قبل الميزان؛ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18]. أيُّها النَّاس: اختار الله - تعالى - لهذه الأمَّة أفضلَ رسُله، واختار له من الأسماء ما يدلُّ على الحمد والثَّناء، فسمَّاه محمَّدًا، فهو - صلَّى الله عليه وسلَّم - محْمود عند الله تعالى، محمود عند ملائكته، محمود عند إخوانه المرْسلين - عليهم الصَّلاة والسلام - محْمود عند أهل الأرْض كلِّهم، وإن كفر به بعضهم؛ لأنَّ صفاتِه محْمودة عند كلِّ ذي عقْلٍ وإن كابر وجحد، فصدق عليْه وصفه نفسه حين قال - عليْه الصَّلاة والسَّلام -: ((أنا سيِّد ولدِ آدمَ يومَ القيامة ولا فخر، وأوَّل من تنشقُّ عنْه الأرض، وأوَّل شافع، بيدي لواء الحمد، تحته آدم فمَن دونه))؛ رواه ابن حبَّان. أغاث الله - تعالى - به البشريَّة المتخبِّطة في ظلُمات الشِّرْك والجهل والخرافة، فكشف به الظُّلمة، وأذْهب الغمَّة، وأصلح الأمَّة، فهو الإمام المطْلق في الهدى لأوَّل بني آدم وآخرهم. هدى الله تعالى به من الضلالة، وعلَّم به من الجهالة، وأرشد به من الغَواية، وفتح به أعيُنًا عمْيًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، وكثَّر به بعد القلَّة، وأعزَّ به بعد الذلَّة، وأغنى به بعد العيلة. عرّف الناسَ ربَّهم ومعبودَهم غايةَ ما يمكن أن تناله قُواهم من المعرفة، ولم يدَع لأمَّته حاجة في هذا التَّعريف، لا إلى من قبله، ولا إلى مَن بعده، بل كفاهم وشفاهم، وأغناهم عن كلِّ مَن تكلَّم في هذا الباب؛ {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51]، وعرَّفهم الطَّريق الموصِّلة إلى ربِّهم ورضوانه، ودار كرامته، ولم يدَع - صلَّى الله عليه وسلَّم - حسنًا إلاَّ أمر به، ولا قبيحًا إلاَّ نَهى عنْه. وعرَّفهم حالهم بعد القدوم على ربِّهم أتمَّ تعريف، فكشف الأمر وأوضحه، ولم يدَعْ بابًا من العِلم النَّافع للعباد، المقرِّب لهم إلى ربِّهم إلاَّ فتحه، ولا مشكِلاً إلاَّ بيَّنه وشرحه، حتَّى هدى به القلوبَ من ضلالها، وشفاها به من أسْقامها، وأغاثها به من جهْلِها، فأيّ بشرٍ أحقّ بأن يُحب؟! جزاه الله عنَّا وعن أمَّته أجْمعين أفضل الجزاء. محبَّته - عليه الصَّلاة والسَّلام - واجبةٌ على كلِّ مسلم؛ إذْ هي من محبَّة الله تعالى، وكذَب مَن زعَمَ أنَّه يُحب الله - تعالى - وهو لا يحبُّ خليلَه وصفيَّه من العالمين، محمَّدًا - عليْه الصَّلاة والسَّلام. إنَّ محبَّة الله ورسولِه من أعظم واجبات الإيمان، وأكبر أُصوله، وأجلّ قواعده، بل هي أصْل كلِّ عملٍ من أعمال الإيمان والدين، كما أنَّ التَّصديق أصلُ كلِّ قول من أقْوال الإيمان والدِّين. دلَّ على ذلك نصوص الكتاب والسنَّة، وأطبقت عليه الأمَّة؛ {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} [التوبة: 24]، فالآية نصٌّ على أنَّ محبَّة الله - تعالى - ومحبَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَجب أن تقدَّم على كلِّ محبوب مهما كان. قال القاضي عياض - رحِمه الله تعالى -: "كفى بِهذا حضًّا وتَنبيهًا، ودلالة وحجَّة على إلزام محبَّته، ووجوب فرضِها وعِظَم خطرِها، واستِحقاقه لها - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ قرَّع الله مَن كان مالُه وأهله وولده أحبَّ إليْه من الله ورسوله، وتوعَّدهم بقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}، ثمَّ فسَّقهم بتمام الآية، وأعلَمَهم أنَّهم ممَّن ضلَّ ولَم يهده الله تعالى". وهذه المحبَّة العظيمة للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لازمُها أن يكون النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أوْلى بالمؤْمِن من أيِّ أحدٍ من النَّاس مهْما كان قربه منه ومحبَّته له، بل هو - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أوْلى بالمؤمن من نفسِه التي يحبُّها أعظم المحبَّة، ويقدِّمُها على كل شيء. روى الشَّيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما من مُؤْمِنٍ إلاَّ وأنا أَوْلَى النَّاس بِهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقرؤوا إن شِئْتُمْ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}))، وروى مسلم من حديث جابر - رضِي الله عنْه - عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنَّه قال: ((أنا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ من نَفْسِهِ)). إنَّ المحبَّة الكاملة للنَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - الَّتي ينجو بها العبدُ من العذاب، ويستحقُّ عليها النَّعيم - يجب أن تتجاوز محبَّة المؤمن لنفسه، وتتخطَّى محبَّته لوالديْه وأهلِه وأولاده وأمواله. ففي شأن تقْديم محبَّته - صلَّى الله عليْه وسلَّم - على محبَّة الأمِّ والأب، والزَّوجة والولد، وكلّ محبوب سوى الله تعالى - ورد الخبرُ عن أنسٍ - رضِي الله عنْه - قال: قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم: ((لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِه))؛ متَّفق عليْه. وفي شأن تقْديم محبَّته على محبَّة النَّفس، روى البُخاري من حديث عبدالله بن هشام - رضِي الله عنْه - قال: كنَّا مع النبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وهُو آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بن الخَطَّابِ، فقال له عُمَرُ: يا رَسُولَ اللَّه، لأَنْتَ أَحَبُّ إليَّ من كل شَيْءٍ إلاَّ من نَفْسِي، فقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا وَالَّذِي نَفْسِي بيده، حتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ من نَفْسِكَ))، فقال له عُمَرُ: فإنَّه الآنَ والله لأَنْتَ أَحَبُّ إليَّ من نَفْسِي، فقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الآنَ يا عُمَرُ))؛ أي: الآن عرفت فنطقت بما يجب. وإذا حقَّق المؤمن هذه المحبَّة للرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - واستولتْ محبَّته على قلبِه فقدَّمه على كلِّ محبوب، قطف ثمرة ذلك بحلاوة يجدُها في قلبه، وأنس كبير يَجتاح نفسه، لا يناله بِجاه، ولا يشتريه بمال، ولا يتحصَّل عليه العبد إلاَّ باستيلاء محبَّة الله ورسوله على قلبه؛ كما قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((ثَلاثٌ من كُنَّ فيه وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكُونَ الله وَرَسُولُه أَحَبَّ إليه مِمَّا سِوَاهُمَا، وأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلاَّ لله، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ))؛ رواه الشيخان. وبهذه المحبَّة الخالصة للرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ينال العبد شفاعتَه، ويُحشر في زمرته، ويُرافقه في الجنَّة؛ كما روى أنس - رضِي الله عنه - فقال: جاء رَجُلٌ إلى رسول اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رَسُولَ اللَّه، مَتَى السَّاعَةُ؟ قال: ((وما أعْدَدْتَ لِلسَّاعةِ؟)) قال: حُبَّ اللَّهِ ورَسُولِه، قال: ((فإنَّكَ مع من أحْبَبْتَ))، قال أنَسٌ: فما فَرِحْنا بَعْدَ الإسْلامِ فَرَحًا أشَدَّ من قَوْلِ النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ((فإنَّكَ مع من أحْبَبْتَ))، قال أنَسٌ: فأنا أُحِبُّ اللَّهَ ورَسُولَهُ وأبا بَكْرٍ وعُمَرَ، فأرْجُو أنْ أكُونَ مَعَهُمْ وإنْ لم أعْمَلْ بِأعْمَالِهِم؛ رواه البُخاري ومسلم. ولا يظنَّن ظانٌّ أنَّ هذه المحبَّة لا يحقِّقُها إلاَّ الصَّحابة - رضِي الله عنْهم - أو أهل القرون المفضَّلة، فييْئس من تحْقيقها، ويقصِّر في تحصيلها؛ فإنَّها وإن كانت في أهل الصَّدر الأوَّل من الإسلام أكثر منها في غيرِهم، إلاَّ أنَّ أفرادًا من متأخِّري هذه الأمَّة يحقِّقونَها، ويقدِّمون محبَّة الله تعالى ومحبَّة رسولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - على كلِّ محبَّة، وودُّوا لو فدَوا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأرواحهم، ويتمنَّون رؤيته بأهلِهم وأموالِهم؛ كما روى مسلم من حديث أبي هريرة - رضِي الله عنْه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مِن أشَدِّ أُمَّتِي لي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بِأهْلِه ومَالِه)). فنسأل الله - تعالى - أن يجعلنا منهم، وأن يَملأ قلوبَنا محبَّة لله تعالى، ولرسولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولِما يحبه الله ورسولُه، آمين يا ربَّ العالمين. وأقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم. الخطبة الثانية الحمدُ لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرْضى، أحمده وأشكُره، وأتوبُ إليْه وأستغْفِره، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابِه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أمَّا بعد: فاتَّقوا الله - عباد الله – وأطيعوه؛ {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]. أيُّها المسلمون: محبَّة النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قربةٌ وعبادة يتقرَّب بها المؤمن لله تعالى، والعبادة التي أرادها الله تعالى ويحبُّها ويرضاها من العبد هِي ما ابتُغِي به وجْهه - عزَّ وجلَّ - وكانت على الصِّفة التي شرعها في كتابِه العظيم، وعلى لسان نبيِّه الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعِمادها الإخلاص لله تعالى، ومُتابعة رسولِه - صلَّى الله عليْه وسلَّم. فأمَّا الإخلاص في الأعمال، وابتِغاء وجه الله بها، فهو مقتضى شهادة أن لا إلهَ إلاَّ الله؛ لأنَّ معناها: لا معْبود بحقٍّ إلاَّ الله - سبحانه وتعالى. وأمَّا متابعة النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهِي مقتضى الشهادة بأنَّ محمَّدًا رسول الله، ولازم من لوازمها؛ إذ معنى الشهادة له بأنَّه رسولُ الله حقًّا: طاعتُه فيما أمر، وتصْديقه فيما أخبر، واجتِناب ما عنْه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله تعالى إلاَّ بِما شرع - صلَّى الله عليه وسلَّم. فمن حقَّق ذلك فقد حقَّق كمال المحبَّة للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكمال تعظيمِه، وغاية توْقيره. وأيّ تعظيم أو توْقير للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لدى مَن شكَّ في خبره، أو استنْكَفَ عن طاعته، أو ارتكب مُخالفتَه، أو ابتدع في دينه وعبدَ الله تعالى من غير طريقه؟! وكثيرٌ ممَّن ضلُّوا في هذا الباب يعبدون الله تعالى بمحْض أهوائهم، ويعبِّرون عن حبِّهم للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بما لا يحبُّه الله ورسوله من الأقوال والأفعال، ومن ذلك: ما يفعلُه كثيرٌ من المسلمين في هذا الزَّمن من الاحتِفال بالمناسبات النبويَّة: المولد والإسراء والهجرة ونحوها، وجعْل الأيَّام الموافقة لها من كلِّ عامٍ موسِمًا وعيدًا يَجتمعون فيه لتذاكُر أحْوال النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وتلاوة سيرته، وإلقاء القصائد في مديحه، وإطرائه على نحوٍ يُخالف سنَّته الَّتي جاء فيها قوله - عليْه الصَّلاة والسَّلام -: ((لا تُطْرُونِي كما أطْرَت النَّصَارَى ابن مَرْيَمَ؛ فإنَّما أنا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عبد الله ورَسُولُه))؛ رواه البخاري. وقد أمرنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - بلزوم سنَّته، واتِّخاذ طريقتِه وطريقة خلفائه الرَّاشدين المهديِّين من بعده، وأوصانا بذلك؛ فقال - عليه الصَّلاة والسَّلام -: ((فعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ المَهْدِيِّينَ الرَّاشِدينَ، تَمَسَّكُوا بها وعَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ، وإيَّاكُمْ ومُحْدَثَاتِ الأمُورِ؛ فإنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ))؛ رواه أبو داود. ولا يشكُّ كلُّ مطَّلع على سنَّة النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قارئٍ لسيرتِه، وسيرة خلفائه الرَّاشدين من بعده، لا يشكُّ أنَّ هذه الاحتِفالات بمولده أو إسرائه أو هجْرته - عليْه الصَّلاة والسَّلام - محدثة بعد زمنِه وزمن خلفائه من بعده - رضِي الله عنْهم - وفيها من المخالفة لسنَّته وسيرته ما فيها، وإن رأى أصحابُها خلافَ ذلك؛ جهْلاً منهم أو هوى، ولو كان منهم مَن يُحبُّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حقيقةً فإنَّهم قد أخطؤوا الطَّريق في تعْبيرهم عن هذه المحبَّة، والصَّواب في ذلك اتِّباع سنَّته - صلَّى الله عليه وسلَّم - واجتِناب ما أحدثه النَّاس عن جهل أوهوى؛ {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الكَافِرِينَ} [آل عمران: 31، 32]، {مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} [النساء: 80]، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ} [الحشر: 7]. وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّكم كما أمركم ربُّكم بذلك...
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |