|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() المداومة على العمل الصالح الشيخ أحمد الزومان إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71]. أمَّا بعد: نحن في هذه الحياة نسير إلى ربِّنا، فكل يوم يقرِّبنا من الآخرة، ويبعدنا من الدنيا، والطريق إلى الله مدةُ قطعه العمرُ كله، فما أحوَجَنا في سيرنا إلى ربنا أن نقطع مراحل الطريق في سير متواصل غير منقطع، من غير كلل ولا ملل! ولا يكون ذلك إلا إذا استحضرنا طول الطريق، ولم نستنفذ الجهد كله في بعض مراحل الطريق، فاستبقَيْنا جهدنا لبقية الطريق، فالعمل الصالح محبوب إلى الله، وأَحبُّ العمل إلى الله أدومُه وإن قلَّ؛ فلذا كان عمل النبي دِيمَةً، فكان النبي إذا عمل عملاً أثبَتَه، وداوَمَ عليه، فالعمل وإن كان قليلاً دائمًا، خير من الكثير المنقطع، فلنعمل الأعمال الصالحة التي نرى أننا نستطيع أن نداوم عليها، من صلاة، وصيام، وذِكر، وتعلم، وتعليم، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وبذل الخير للناس، وغير ذلك مما يحبه الله ويرضاه، فالعبادة ليست مخصوصة بوقت دون آخر، وإن كان في بعض الأوقات تستحب مضاعفة العمل؛ لشرف الزمان أو المكان، لكن الأصل أن العمر كله وقت لعبادة لله - عز وجل -: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]. ولو تأملنا واقِعَنَا، لوجدنا بعضنا ينشط في العبادة فترة من الفترات، قد شمر عن ساعد الجد، يُشار إليه بالبنان في الخير، ثم ما يلبث أن يخبو؛ بل ربما فرط في الواجبات، وظهرتْ عليه آثارُ المعاصي. إخوتي: كم من شمس كانت ساطعة في باب الدعوة إلى الله، والنصح للأمة، ثم ما لبثت أن انكسفت فذهب ضوءُها، كم من شمس كان لها أثر في تربية الشباب وتوجيههم، وردِّ الضالِّ منهم، ثم ذهب ضوءها، وأظلمت سماؤها، كم من شمس سطعت في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاحتساب على الفساق، ثم آل الأمر بها إلى أن احتاجت هي مَن يحتسب عليها، ويأمرها بالمعروف، وينهاها عن المنكر، كم من شمس سطعت في باب التعبُّد والتنسك، ثم آل بها الأمر أن قصرت في الواجبات، كم من شمس سطعت في باب طلب العلم، وأكبت على الكتب بحثًا وحفظًا، ثم تركت الكتب والدروس، واستبدلتْ بها الذي هو أدنى. إخوتي: لو تأملنا حال أصحاب النبي الذين تربَّوا على يديه، لوجدناهم في ثبات، حتى في أحلك الظروف، حينما يتعرضون للمصائب، ويتسلط الأعداء عليهم، وحينما فُتحت لهم الدنيا، وأينعت ثمارُها، حينما أصبحوا قادة، وتقلَّدوا الولايات، لم يُعرَف عنهم التلوُّنُ والتقلُّب، فهم كما وصفهم ربهم - عز وجل – بقوله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23]، إنما التلون، وعدم الثبات، في طائفتين: طائفة ممن دخلوا في دين الله أفواجًا، راغبين أو راهبين، فلم يتربَّوُا التربية المحمدية، وطائفة تُظهِر الإسلام، وتُبطِن الكفر، فعن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا بموعظة، فقال: ((إنه سيجاء برجال من أمَّتي، فيُؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربِّ، أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 117، 118]، قال: فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتَهم))؛ رواه البخاري (6526)، ومسلم (2860). إخوتي: من لزم ما جاء به النبيُّ، وما سار عليه أصحابه، لا يمكن أن يتلوَّن، أو أن يتبدل، فالطريق واحد، وهو ما كان عليه النبي وأصحابه، وما عداه فرق هالكة، متوعَّدة بالنار، فلا عزَّ للمسلمين، ولا نجاة لهم - أفرادًا وجماعات - إلا بسلوك طريق النبي وطريق أصحابه. الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قدوة السالكين، وآله وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين. وبعد: فالثبات على الخير الذي اعتاده الشخص من الطاعات وأعمال البر - له أسباب، الثبات على المنهج الحق، وعدم التلون - له أسباب، فمِن أهم أسباب الثبات الالتجاء إلى الله بالدعاء، والخوف أن يُسلب الشخصُ هذا الخيرَ الذي أنعم الله به عليه، فيحور بعد الكور، فسادةُ العبادِ والمصلحين الأنبياء، كانوا يخافون من التحول من الخير والاستقامة إلى ضدهما، فخليل الرحمن إمام الموحدين يخاف الشرك، ويدعو ربه أن يجنبه إياه: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]. وخليله الآخر سيدُ ولدِ آدمَ، محمدٌ، يخاف من التحول من الخير إلى ضد ذلك، ويسأل ربَّه الثباتَ حتى الممات، فعن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُكثر أن يقول: ((يا مقلِّبَ القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))، فقلت: "يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟"، قال: ((نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله، يقلِّبها كيف يشاء))؛ رواه الترمذي (1140) وحسنه. ومن أسباب الثبات: إخلاص العمل لله، والتجرد من حظوظ النفس، فيكون العمل كله لله، لا تتشوف النفس فيه لرفعة وثناء، أو تحصيل منفعة دنيوية، أما إذا كانت النفس تتطلع لأمر آخر، فربما طال عليها الأمد في تحصيله، ففترتْ وتركت العملَ، أو غيَّرت الطريق؛ رجاء تحصيله في وسيلة أخرى، وإذا حصلت على ما تريد، فترت عن العمل. ومن أسباب الثبات: معرفة إلى أي نوع من أنواع الخير تميل النفس، ثم تُحمل عليه، فهذا مظِنة الاستمرار والثبات، فخَلَق الله عبادَه متفاوتين في قدراتهم وميولهم، فمن حمل نفسه على ما لا تميل إليه، ربما انقطع عن العمل بعد حين، وما ضار أصحابَ النبي تباينُهم في أبواب الخير، فهذا سعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد، وأبو عبيدة قادةَ الجيوش، ورؤوسًا يرجع إليهم عندما تدلهمُّ الخطوب، ويلتحم الصفان، وهذا ابن عباس وأبو هريرة حملةَ الإرث النبوي، وأوعية العلم، وهذا عثمان بن عفان إمامًا في البذل والعطاء، وهذا الفاروق قوة على الباطل، وحربًا على الشيطان، وهذا أبو بكر صلبًا في الثبات على دين الله، لا ينثني في رد الضال إلى الدين، وهذا حسان شاعر الإسلام منبرًا إعلاميًّا ينافح عن الإسلام بلسانه، وهذا أبو ذر إمامًا في الزهد، وهذا عبدالله بن عمرو العابد الناسك، وفي كلٍّ خير، وما ضارهم أن برز بعضهم في باب من أبواب الخير، وكان عنده قصور في بعض الجوانب، فكل ميسر لما خُلق له. ومن أسباب الثبات على الخير: عدم تحميل النفس ما لا تطيق الاستمرار عليه من العمل، سواء كان في باب التعبد المحض، أو إنكار المنكر، أو الدعوة، أو غير ذلك، فعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟))، قلت: "إني أفعل ذلك"، قال: ((فإنك إذا فعلت ذلك، هَجَمَتْ عينُك، وَنَفِهَتْ نفسك - أي تعبت وكلت - وإن لنفسك حقًّا، ولأهلك حقًّا، فصُم وأفطرْ، وقُم ونَم))؛ رواه البخاري (1153)، ومسلم (1159)، فالنفس تكل وتمل إذا حمِّلت ما لا تستطيع الاستمرارَ عليه من الخير، ومع الملل تترك النفس العملَ كله، فأرشد النبي إلى الاعتدال في العمل، وإعطاء النفسِ حظَّها من الراحة التي تتقوَّى بها على الخير. ومن أسباب الثبات: تعظيم النصوص الشرعية، والوقوف عند حدودها، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع أصحابه على الالتزام بأحكام الإسلام في المنشط والمكره، والعسر واليسر، فالنفس إذا كان سائقُها ابتغاءَ مرضاة الله، ثبتتْ على الأمر، وسلَّمت زمامها للأمر والنهي {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، فلا تُقابَل النصوصُ الشرعية برأي البشر، أو تُترك بزعم المصلحة، أو تلوى أعناق النصوص لتوافق هوى النفس، وقد كان أصحاب النبي يتغيظون ويشتد نكيرُهم على مَن يعارض النصَّ الشرعي برأي الرجال، فحينما حدَّث عمران بن حصين بحديثِ ((الحياء خير كله))، قال له بُشَيْرُ بن كعب: "إنا لَنجدُ في بعض الكتب أو الحكمةِ أن منه سكينة ووقارًا لله، ومنه ضعفٌ"، قال: "فغضب عمران حتى احمرَّتا عيناه، وقال: ألا أُراني أحدِّثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعارض فيه"؛ رواه البخاري (6117)، ومسلم (37). ومهما علا قدرُ الرجل، وكان إمامًا في الدين، فلا أحد أفضل من أصحاب النبي، ولا أفضل من أبي بكر وعمر، ومع ذلك أنكر ابنُ عباس مَن يقابل قولهما بقول النبي، قال ابن عباس: "أراهم سيهلكون؛ أقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم – ويقولون: نهى أبو بكر وعمر"؛ رواه الإمام أحمد (3111). من أسباب الثبات: التواضع، وعدم ازدراء الناس واحتقارهم، فما أخرج إبليسَ من الجنة، وحل عليه اللعنة، وجعله مذمومًا مدحورًا، إلا اعتدادُه بمادة خلقه، وتكبُّره، ومَن تأمل حال كثير ممن فتروا - بل من انتكسوا - وجد عندهم الاعتداد بالنفس والزهو، واحتقارهم لغيرهم ممن لم يسلكوا طريقهم، ويوافقوهم في نظرتهم، فأرداهم كِبرُهم واحتقارهم إخوانَهم المسلمين، فأصبحوا من الخاسرين، فبحسبهم من الشر احتقارهم لإخوانهم المسلمين. وفي الختام إخوتي: من العدل والإنصاف أن نرى لهؤلاء الذي انقطعت بهم رواحلهم في أثناء الطريق، أن نرى لهم سابقتهم للخير، وما قدموه لأنفسهم خاصة، أو للمسلمين عامة، فلا نبخسهم حقهم، ونغمِطهم ما لهم من خير متقدم، فقد غفر النبي لحاطب بن أبي بلتعة جسَّه على المسلمين؛ لسابقته للإسلام، ولشهوده بدرًا. وها نحن أخي المنقطع ندعوك لمواصلة الطريق، واستعادة العمل مرة أخرى، واللحوق بقافلة الأتقياء الأنقياء، بعد أن تستفيد من أخطأ الماضي، وتصحح المسار إلى ربك.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |