ثق واطمئن.. أنت على الطريق - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 188 - عددالزوار : 16957 )           »          ألا تحب أن تُذكر في الملأ الأعلى؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          شرح وترجمة حديث: ألا تسمعون؟ إن البذاذة من الإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          التوفيق بين الزهد في الدنيا وإظهار العبد نعم الله عليه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          بساطة العيش (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          فوائد من التفسير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أوهام الحياة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          يأخذ بقلبي مطلع سورة صٓ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          ثمرات التقوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          الرحمة في الحدود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-07-2020, 03:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,312
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ثق واطمئن.. أنت على الطريق


وإنَّ الكثيرين ليُشفِقون من اتِّباع شريعة الله والسير على هُداه، ويُشفِقون من عَداوة أعداء الله ومكرهم، ويُشفِقون من تألُّب الخُصوم عليهم، ويُشفِقون من المُضايَقات الاقتصاديَّة وغير الاقتصادية! وإنْ هي إلاَّ أوهامٌ كأوهامِ قريش يومَ قالَتْ لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ï´؟ إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ï´¾ [القصص: 57]، فلمَّا اتبعت هدى الله سيطرت على مَشارِق الأرض ومَغارِبها في رُبع قرْن أو أقل من الزمان.





وقد ردَّ الله عليهم في وَقتِها بما يكذب هذا العذر الموهوم.





فمَن الذي وهبَهم الأمن؟ ومَن الذي جعَل لهم البيت الحرام؟ ومَن الذي جعَل القلوب تَهوِي إليهم تحمل من ثمرات الأرض جميعًا؟ تتجمَّع في الحرم من كلِّ أرضٍ، وقد تفرَّقت في مَواطِنها ومَواسِمها الكثيرة؛ ï´؟ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ï´¾ [القصص: 57].





فما بالهم يَخافُون أنْ يتخطَّفهم الناس لو اتَّبَعُوا هُدَى الله، والله هو الذي مكَّن لهم هذا الحرم الآمِن منذ أيَّام أبيهم إبراهيم؟ أفمَن أمَّنهم وهم عصاة، يَدع الناس يتخطَّفونهم وهم تُقاة؟!





ï´؟ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ï´¾ [القصص: 57].





لا يعلمون أين يكون الأمن، وأين تكون المخافة، ولا يعلمون أنَّ مردَّ الأمر كله لله.





فأمَّا إنْ أرادوا أنْ يتَّقُوا المهالك حقًّا، وأنْ يأمَنُوا التخطُّف حقًّا، فها هي ذي علَّة الهلاك فليتقوها؛ ï´؟ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ï´¾ [القصص: 58].





إنَّ بطر النِّعمة، وعدَم الشُّكر عليها، وإبعادَ شَرْعِ الله وإقصاءَه عن الحياة لَأَشدُّ مقتًا، وإقصاء أهل الحق وتقريب أهل الباطل، وإيذاء المطالبين بالحق ومكافأة المزوِّرين والساكِتين عن البَطش والظُّلم بالمال وأعلى المَناصِب هو سبَبُ هَلاك القُرَى.





أيَّتها الشعوب المخمومة في أهل الباطل، إنهم ونحن وأنتم معهم جميعًا يأخُذون بنا إلى الهاوية، إلى التهلُكة، فلنُدرِك أبعادَ هذه القضية، وأهل مكة وقد أُوتُوا من نِعمَة الله ذلك الحرم الآمِن؛ فليحذَرُوا إذًا أنْ يبطروا وألاَّ يشكروا، فيحل بهم الهلاك كما حلَّ بالقرى التي يرَوْنها ويعرِفُونها، ويرَوْن مساكن أهلها الداثرين خاوية خالية ï´؟ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ï´¾ وبقيت شاخصةً تحدِّث عن مصارع أهلها، وتَروِي قصَّة البطر بالنعمة؛ وقد فني أهلُها فلم يعقبوا أحدًا، ولم يرثها بعدَهم أحدٌ ï´؟ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ï´¾.





على أنَّ الله لم يُهلِك تلك القُرَى المتبطِّرة إلاَّ وقَد أرسَلَ في أمِّها رسولاً، فتلك هي سُنَّته التي كتَبَها على نَفسِه رحمةً بعباده؛ ï´؟ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ï´¾ [القصص: 59].





والقرآن إذ يُنذِركم بالتِّيه والزَّيغ والضلال لِمَن ينبذون القرآن وراءَهم ويتَّخِذون غيره منهجًا ودستورًا.





ï´؟ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ï´¾ [القصص: 60]، خيرٌ في طبيعته وأبقى في مدَّته ï´؟ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ï´¾؟





وتلك نهاية المَطاف في الردِّ على مَقالَتهم: ï´؟ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ï´¾ [القصص: 57]، فحتى لو كان ذلك كذلك فهو خيرٌ من أنْ يكونوا في الآخِرة من المُحضَرين! فكيف واتِّباع هدى الله معه الأمنُ في الدُّنيا والتمكين، ومعه العَطاء في الآخِرة والأمان؟ ألاَ إنَّه لا يترك هدى الله إذًا إلاَّ الغافلون الذين لا يُدرِكون حقيقةَ القوى في هذا الكون، ولا يعرفون أين تكون المخافة وأين يكون الأمن، وإلاَّ الخاسرون الذين لا يُحسِنون الاختيارَ لأنفسهم ولا يتَّقُون البوار.





أين قارونُ ومُلك قارون ومال قارون، وخدمه وجنده وحشمه؟


ï´؟ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ï´¾ [القصص: 76 - 77].





انظُر لعظيم ملكه وكثْرة ماله، وما أغنَتْ عنه من قدر الله شيئًا!





تَجِيء هذه القصة - قصة قارون - لتعرض سُلطان المال والعلم، وكيف ينتَهِي بالبَوار مع البغي والبطَر، والاستكبار على الخلق وجُحود نعمة الخالق، وتقرر حقيقة القِيَمِ، فتُرَخِّص من قِيمة المال والزِّينة والسُّلطان، والدنيا بما حوت وما عليه اشتملت إلى جانب قيمة الإيمان والصَّلاح والإصلاح، وحمل الخير للناس والتواضُع وخفْض الجانب، وإرجاع الفضل إلى الله صاحب الفضل والمنَّة، مع الاعتدال والتوازُن في الاستِمتاع بطيِّبات الحياة دون علوٍّ في الأرض ولا فَساد.





وقصَّة قارون تُقرِّر أنَّ مَسلَكه مع قَومِه، وهو مَسلَك البغي، وتُشِير إلى سببِ هذا البغي وهو الثَّراء، ولا يذكر فيمَ كان البغي، ليَدَعه مجهولاً يشمَلُ شتَّى الصُّور، فربما بغى عليهم بظُلمِهم وغصبهم أرضهم وأشياءهم، كما يصنع طغاة المال في كثيرٍ من الأحيان، وربما بغى عليهم بحرمانهم حقَّهم في ذلك المال، أو سرقة أقواتهم، ونهب ثرواتهم وترْك الفتات لهم.





ï´؟ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ï´¾، إنما أُوتِيت هذا المال استِحقاقًا على علمي الذي طوع لي جمعه وتحصيله، إنها قولة المغرور المطموس الذي يَنسَى مصدر النِّعمة وحِكمتها، ويَفتِنه المال ويعميه الثراء، وربما وجَد التِفاف المستنفعين بماله من الخَدَمة والجند والرعاع والمرتزقة، فظنَّ أن الله حَباه هذه النعمة عن استحقاق، ولولا إخلاصه وصدقه ما كان صاحب هذا الفوز العظيم، فكذب وظل يكذب حتى صدَّق نفسه ولم يشعُر بنعمة ربه، ولم يخضع لمنهجه القويم، وأعرض عن هذا كله في استكبارٍ لئيم وفي بطر ذميم، ومن ثَمَّ جاءَه التهديد قبل تمام الآية، ردًّا على قولته الفاجرة المغرورة: ï´؟ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ï´¾ [القصص: 78]، أين مَن سبَقُوه؟ أين قوم عاد وثمود الذين امتلَكُوا من القوة ما امتلَكُوا؟ فإنْ كان ذا قوة وذا مال فقد أهلك الله من قبله أجيالاً كانت أشدَّ منه قوة وأكثر مالاً، وكان عليه أنْ يعلم هذا، فهذا هو العلم المنجي، فليعلم وليعلم أنَّه هو وأمثاله من المجرمين أهون على الله حتى من أنْ يسألهم عن ذنوبهم؛ فليسوا هم الحكم ولا الأشهاد!





ï´؟ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ï´¾، هنا يَجِيء المشهد الثاني حين يَخرُج قارون بزينته على قومه، ها هم الخدم والحشم والحراس والمراكب الفارة والنساء الجميلات، وكل لون من ألوان الزينة والبهجة والترف والنعيم، وكأنه يستعرض قوَّته ويظهر عن عضلاته ليغيظ بها قومًا ظنَّ أنهم له حاسدين ولمكانه متمنين، فتَطِير لها قلوبُ فريق منهم، وتتهاوى لها نفوسهم، ويتمنون لأنفسهم مثل ما أوتي قارون، ويحسبون أنه أوتي حظًّا عظيمًا يتشهَّاه المحرومون.





ذلك على حين يستيقظ الإيمان في قلوب فريقٍ منهم فيعتزون بالإيمان الذي ملأ قلوبهم وعرفوا به الأشياء على حقيقتها، ورأوا من خِلاله الأمور من كَوامِنها؛ فاعتزُّوا بإيمانهم على فتنة المال وزينة قارون، ويُذكِّرون إخوانهم المبهورين المأخوذين، في ثقةٍ وفي يقينٍ، وهكذا وقفتْ طائفة منهم أمام فتنة الحياة الدنيا وقفةَ المأخوذ المبهور المتهاوي المتهافت، ووقفت طائفةٌ أخرى تستَعلِي على هذا كله بقيمة الإيمان، والرَّجاء فيما عند الله، والاعتزاز بثواب الله، والتقت قيمة المال وقيمة الإيمان في الميزان لنرى مَن يرجح؛ كفة الإيمان والخير والمبادئ، أم كفة المال والدنيا والزخارف؟ ï´؟ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ï´¾، وفي كلِّ زمان ومكان تستَهوِي زينة الأرض بعضَ القلوب، وتبهر الذين يريدون الحياة الدنيا، ولا يتطلعون إلى ما هو أعلى وأكرم منها؛ فلا يسألون بأيِّ ثمن اشترى صاحب الزينة زينته؟ ولا بأيِّ الوسائل نال ما نال من عرض الحياة؛ من مال أو منصب أو جاه أو كرسي؟





ومِن ثَمَّ تتهافتْ نُفوسهم وتتهاوى كما يتهافت الذباب على الحلوى ويتهاوى! ويسيل لعابهم على ما في أيدي المحظوظين من متاع، غير ناظرين إلى الثمن الباهظ الذي أدوه، ولا إلى الطريق الدَّنِس الذي خاضوه، ولا إلى الوسيلة الخسيسة التي اتَّخذوها.





فأمَّا المتَّصلون بالله فلهم ميزان آخر يقيم الحياة، وفي نفوسهم قيم أخرى غير قيم المال والزينة والمتاع، وهم أعلى نفسًا، وأكبر قلبًا من أن يتهاووا ويتصاغروا أمام قيم الأرض جميعًا، ولهم من استعلائهم بالله عاصمٌ من التخاذل أمام جاه العباد، وهؤلاء هم ï´؟ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ï´¾، العلم الصحيح الذي يقومون به الحياة حق التقويم.





ï´؟ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلاَ يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ ï´¾، ويلكم لو تهافتُّم على الدنيا والزينة واستعجلتم ثمارًا قبل أوانها، فدعوا القدر هو الذي يخطِّط لكم ويرسم لكم دروبكم، وتيقَّنوا أنَّ ثواب الله خير من هذه الزينة، وما عند الله خيرٌ ممَّا عند قارون، وخيرٌ ممَّا أوتي كلُّ صاحب زينة مزيفة ونعمة في ظاهرها النعمة وفي باطنها العذاب الأليم والخسران المبين.





والشعور على هذا النحو درجة رفيعة لا يلقاها إلاَّ الصابرون، الصابرون على معايير الناس ومقاييسهم، الصابرون على فتنة الحياة وإغرائها، الصابرون على الحرمان مما يتشهَّاه الكثيرون، وعندما يعلم الله منهم الصبر كذلك يرفعهم إلى تلك الدرجة، درجة الاستعلاء على كل ما في الأرض، والتطلع إلى ثواب الله في رضًا وثقة واطمئنان.





وعندما تبلغ فتنة الزينة ذروتها، وتتهافتْ أمامها النفوس وتتهاوى، تتدخَّل يد القدرة لتضع حدًّا للفتنة، وترحَم الناس الضعاف مِن إغرائها، وتحطم الغُرور والكبرياء تحطُّمًا، ويجيء المشهد الثالث حاسمًا فاصِلاً، هكذا في جُملة قصيرة، وفي لمحةٍ خاطفة: ï´؟ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ï´¾ فابتلعته وابتلعتْ داره، وهوى في بطن الأرض التي علا فيها واستَطال فوقها جزاء وفاقًا.





ï´؟ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ï´¾، ما أغنى عنه مالُه وما جَمَعه، ولا خدمه ولاحشمه، ولا دفعوا عنه نقمة الله وعذابه ونكاله، ولا كان هو في نفسه مُنتصرًا لنفسه، فلا ناصر له لا مِن نفسه، ولا من غيره!





ï´؟ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ï´¾، ها هم فهموا ولكن بعد وقتٍ طويل، وها هو الندم قد أصابهم على ما كانوا يتمنون، وعلموا أنَّ الله يعطي ويمنع، ويضيق ويوسع، ويخفض ويرفع، وله الحكمة التامة والحجة البالغة؛ أي: لولا لُطف الله بنا وإحسانه إلينا لخسَف بنا، كما خسَف به؛ لأنَّا وَددْنا أن نكون مثله.





ï´؟ لَوْلاَ أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ï´¾ يا لله! أصبح الفقر منة، وأصبحتْ زينة الحياة الدنيا نقمة، فليتنا نعلم أنَّ تقدير الله دائمًا هو الحكمة البالغة ï´؟ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ï´¾ [القمر: 55]، إنَّه الله المقتدر الذي يتَصرَّف في الأمور على اقتدار على قدرة وحكمة في تصريف القدرة.





ï´؟ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ï´¾، يخبر - تعالى - أنَّ الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعَلَها لعباده المؤمنين المتواضعين، الذين لا يريدون علوًّا في الأرض؛ أي: ترفُّعًا على خلق الله وتعاظُمًا عليهم وتجبُّرًا بهم، ولا فَسادًا فيهم، والفصل بينكم في الآخرة؛ ï´؟ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ï´¾ [القصص: 84].





ثم يتوجَّه الخطابُ إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومن خلفه القلَّة المسلمة التي كانت يومَها بمكة، يتوجه الخطاب إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو مخرجٌ من بلده، مطاردٌ مِن قومه، وهو في طريقه إلى المدينة لم يبلغها بعدُ، فقد كان بالجحفة قريبًا من مكَّة، قريبًا من الخطر، يتعلَّق قلبُه وبصره ببلده الذي يحبُّه، والذي يعزُّ عليه فراقه، لولا أنَّ دعوته أعزُّ عليه مِن بلده وموطن صِباه، ومهد ذِكرياته، ومقر أهله، يتوجّه الخطاب إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو في موقفه ذاك: ï´؟ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ï´¾ [القصص: 85].





فما هو بتارِكك للمشركين، وقد فرَض عليك القرآن وكلَّفك الدعوة، ما هو بتاركك للمشركين يخرجونك من بلدك الحبيب إليك، ويستبدُّون بك وبدعوتك، ويفتنون المؤمنين من حولك، إنما فرض عليك القرآن لينصُرك به في الموعد الذي قدَّره، وفي الوقت الذي فرَضَه؛ وإنَّك اليوم لمخرجٌ منه مطارد، ولكنك غدًا منصورٌ إليه عائد.





وهكذا شاءَتْ حكمة الله أنْ ينزل على عبده هذا الوعد الأكيد في ذلك الظرف المكروب ليمضي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في طريقِه آمنًا واثقًا، مطمئنًّا إلى وعد الله الذي يعلم صدقه، ولا يستريب لحظة فيه.





أيها السالكون طريق الإصلاح ونشر الخير والفضيلة، اعلَموا علم اليقين، ولترى قلوبكم عين اليقين، أنَّ وعد الله قائمٌ لكلِّ السالكين في الطريق، وإنَّه ما مِن أحدٍ يُؤذَى في سبيل الله فيصبر ويستيقن، إلاَّ نَصَره الله في وجه الطُّغيان في النهاية، وتولَّى عنه المعركة حين يبذل ما في وسعه، ويخلي عاتقه، ويؤدِّي واجبه.





ï´؟ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ï´¾. إن الذي فرض عليك النضال والجهاد والصبر والمصابرة في وجه الطغيان بلا كلل ولا ملل ولا يأس ولا قنوط ولا استعجال لثمرة، لرادُّك إلى النصر المحقق والفوز المبين في الدنيا وفي الآخرة، ولقد ردَّ موسى - عليه السلام - من قبلُ إلى الأرض التي خرَج منها هاربًا مطاردًا، ردَّه فأنقذ به المستضعفين من قومه، ودمَّر به فرعون وملأه، وكانت العاقبة للمهتدين، فامضِ إذًا في طريقك، ودَع أمرَ الحُكم فيما بينك وبين قومك لله الذي فرض عليك القرآن.





فزت ورب الكعبة:


عن أنس - رضِي الله عنه - قال: بعث النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أقوامًا من بني سليم إلى بني عامر في سبعين، فلمَّا قدموا، قال لهم خالي: أتقدمكم، فإن أمَّنوني حتى أبلغهم عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإلا كنتم مني قريبًا، فتقدم، فأمنوه، فبينما يحدثهم عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ أومَؤُوا إلى رجلٍ منهم، فطعنه فأنفذه، فقال: الله أكبر، فزتُ ورب الكعبة، ثم مالوا على بقيَّة أصحابه فقتلوهم، إلاَّ رجلاً أعرج صعد الجبل، قال همام: فأراه آخر معه، فأخبر جبريل - عليه السلام - النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنهم قد لقوا ربهم، فرضي عنهم وأرضاهم، فكنَّا نقرأ أنْ بلِّغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنَّا وأرضانا، ثم نسخ بعدُ، فدعا عليهم أربعين صباحًا، على رعل وذكوان وبني لحيان وبني عصية الذين عصوا الله ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم؛ البخاري واللفظ له ومسلم.





عن أنس بن مالك - رضِي الله عنه - قال: لما طعن حَرام بن ملحان - وكان خاله - يوم بئر معونة قال بالدم هكذا، فنضحه على وجهه ورأسه، ثم قال: فُزتُ ورب الكعبة؛ البخاري واللفظ له ومسلم.





الطعن في سبيل الله هو الفوز العظيم، لا النصر في سبيل الشيطان فهو الخسران المبين.





أيها الأحباب، إنَّ إخوانكم لما رأوا من النعيم المقيم، ولما رأوا من وعد الله الصادق - يُبلِّغونكم حتى تلحَقُوا بهم بتمسُّككم بطريقهم، فاحيوا على ما حيا عليه أصحاب رسولكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وموتوا يوم أنْ تموتوا على طريقهم وعلى منهجهم الذي استقَوْه من ربهم ورسولهم - صلَّى الله عليه وسلَّم.





نسأل الله - تبارك وتعالى - الإخلاصَ في القول والعمل، والسر والعلن، ونسألكم الدعاء.





ï´؟ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الصافات: 180 - 182].


والصلاة والسلام على مَن:




بَلَغَ العُلَا بِكَمَالِهِ

كَشَفَ الدُّجَى بِجَمَالِهِ




عَظُمَتْ جَمِيعُ خِصَالِهِ

صَلُّوا عَلَيْهِ وَآلِهِ









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 73.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 71.71 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.33%)]