|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() العلم إمام العمل موقع السكينة أصدق الأسماء كما ورد في الحديث الصحيح: ((حارث وهمام)) وذلك لأنها تعطي الصورة الصحيحة للإنسان؛ وتعطي التطابق التام بين الاسم والمسمى. فالإنسان خلقه الله -عز وجل- وخلق معه الحركة والعمل فهو ليس كالجماد الذي لا يتحرك مكانه؛ بل الحركة والذهاب والإياب والهم والاهتمام من الصفات اللازمة للإنسان؛ ولو كان هذا الإنسان مشلولا أو مقعداً؛ فهو لا ينفك عن الهم؛ لأن العمل أوله هم وهذا لا يحتاج لعمل بدن. ولما كان الهم والعمل مرتبطاً بالإنسان ارتباط الظل بصاحبه أتت الشرائع الربانية لتهذيب هذا العمل؛ وليكون نافعاً غير ضار؛ وهادياً غير ضال؛ وبانياً غير هادم، وقيدت هذه الشرائع الربانية العمل؛ ليكون تابعاً لها، ومسترشداً بها. والعلم المحمود الذي يهدي الإنسان إلى أحسن الأعمال والأخلاق هو العلم الذي نبع من الشريعة؛ واستقى أصله منها؛ ولم يخرج عن أساسها. والتنبيه إلى أن العمل تابع للعلم قد ورد في غير آية من كتاب الله تعالى؛ قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) [محمد: 19]. ففي هذه الآية الكريمة نبه -تبارك وتعالى- إلى أهمية العلم قبل الإقدام على أي عمل مهما عظم؛ فالتوحيد وهو أعظم مطلوب ومأمور به لا بد من العلم به؛ ثم تتبعه سائر الأعمال المبنية على العلم. ولهذه الأهمية أشار الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه لهذه المسألة وأفرد لها باباً عنونها بقوله: بَاب الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ، قال الحافظ ابن حجر في التعليق على مراد الإمام البخاري في إفراده لهذه الترجمة: قَالَ اِبْن الْمُنِير: أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْعِلْم شَرْط فِي صِحَّة الْقَوْل وَالْعَمَل، فَلَا يُعْتَبَرَانِ إِلَّا بِهِ ، فَهُوَ مُتَقَدِّم عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ مُصَحِّح لِلنِّيَّةِ الْمُصَحِّحَة لِلْعَمَلِ، فَنَبَّهَ الْمُصَنِّف عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لَا يَسْبِق إِلَى الذِّهْن مِنْ قَوْلهمْ: "إِنَّ الْعِلْم لَا يَنْفَع إِلَّا بِالْعَمَلِ" تَهْوِين أَمْر الْعِلْم وَالتَّسَاهُل فِي طَلَبه. فتح الباري لابن حجر (1/ 108). وقال العلامة ابن القيم في كتابه النفيس مفتاح دار السعادة عند تعداده لأوجه تفضيل العلم، وأنه قائد العمل: الوجه الثالث والسبعون: أن العلم إمام العمل وقائد له، والعمل تابع له، ومؤتم به، فكل عمل لا يكون خلف العلم مقتدياً به فهو غير نافع لصاحبه، بل مضرة عليه، كما قال بعض السلف: من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح. والأعمال إنما تتفاوت في القبول والرد بحسب موافقتها للعلم ومخالفتها له، فالعمل الموافق للعلم هو المقبول؛ والمخالف له هو المردود. فالعلم هو الميزان وهو المحك، قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور) قال الفضيل بن عياض: هو اخلص العمل وأصوبه، قالوا يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً، ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً وصواباً. فالخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة، وقد قال تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) فهذا هو العمل المقبول الذي لا يقبل الله من الأعمال سواه، وهو أن يكون موافقاً لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مراداً به وجه الله. ولا يتمكن العامل من الإتيان بعمل يجمع هذين الوصفين إلا بالعلم، فإنه إن لم يعلم ما جاء به الرسول لم يمكنه قصده، وإن لم يعرف معبوده لم يمكنه إرادته وحده، فلولا العلم لما كان عمله مقبولاً. فالعلم هو الدليل على الإخلاص، وهو الدليل على المتابعة، وقد قال الله تعالى: (إنما يتقبل الله من المتقين) وأحسن ما قيل في تفسير الآية: أنه إنما يتقبل الله عمل من اتقاه في ذلك العمل، وتقواه فيه أن يكون لوجهه على موافقة أمره، وهذا إنما يحصل بالعلم. وإذا كان هذا منزلة العلم وموقعه علم انه أشرف شيء وأجله وأفضله، والله أعلم. الوجه الرابع والسبعون: أن العامل بلا علم كالسائر بلا دليل، ومعلوم أن عطب مثل هذا اقرب من سلامته، وأن قدر سلامته اتفاقاً نادراً فهو غير محمود، بل مذموم عند العقلاء. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: من فارق الدليل ضل السبيل، ولا دليل إلا بما جاء به الرسول. قال الحسن: العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح، فاطلبوا العلم طلباً لا تضروا بالعبادة، واطلبوا العبادة طلباً، لا تضروا بالعلم، فإن قوماً طلبوا العبادة، وتركوا العلم، حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا. والفرق بين هذا وبين ما قبله أن العلم مرتبته في الوجه الأول مرتبة المطاع المتبوع المقتدى به المتبع حكمه المطاع أمره، ومرتبته في هذا الوجه مرتبة الدليل المرشد إلى المطلوب الموصل إلى الغاية. [مفتاح دار السعادة: 85-86]. هذا وقد ذم الله -عز وجل- في كتابه طوائف من الناس قدموا العمل على العلم؛ ولم يهتموا بموافقة العمل للعلم، فكان عملهم وبالاً عليهم وطريقاً لسلوك سبل الغواية، ومؤدياً بهم إلى طرق الضلالة ومنتهياً بهم إلى قعر الهاوية. ومن ذلك ما ذم الله به النصارى بوصفهم بالضلال، حيث أنهم أصحاب عمل بلا علم، ولا هدى، ولا على صراط مستقيم؛ فقال تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة: 6، 7]. قال الحافظ ابن كثير عند تفسير هذه الآية: فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل به، واليهود فقدوا العمل، والنصارى فقدوا العلم؛ ولهذا كان الغضب لليهود، والضلال للنصارى؛ لأن من علم وترك استحق الغضب، بخلاف من لم يعلم. والنصارى لما كانوا قاصدين شيئًا لكنهم لا يهتدون إلى طريقه؛ لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه، وهو اتباع الرسول الحق، ضلوا، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب، كما قال فيهم: ( مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) (6) [المائدة: 60] وأخص أوصاف النصارى الضلال، كما قال: (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل)] (7) [المائدة: 77] وبهذا جاءت الأحاديث والآثار. وذلك واضح بين. [تفسير ابن كثير (1/ 141)]. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِفِعْلِ مَا أَمَرَ وَتَرْكِ مَا حَظَرَ وَتَصْدِيقِهِ فِيمَا أَخْبَرَ وَلَا طَرِيقَ إلَى اللَّهِ إلَّا ذَلِكَ وَهَذَا سَبِيلُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ وَحِزْبِ اللَّهِ الْمُفْلِحِينَ وَجُنْدِ اللَّهِ الْغَالِبِينَ". وَكُلُّ مَا خَالَفَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ طُرُقِ أَهْلِ الْغَيِّ وَالضَّلَالِ، وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَنْ هَذَا وَهَذَا، فَقَالَ تَعَالَى: (وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى) (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) (إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى) وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ نَقُولَ فِي صَلَاتِنَا: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ). وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: ((الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ)) قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة: كَانُوا يَقُولُونَ مَنْ فَسَدَ مِنْ عُلَمَائِنَا فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ الْيَهُودِ وَمَنْ فَسَدَ مِنْ عُبَّادِنَا فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ النَّصَارَى. وَكَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ يَقُولُ: احْذَرُوا فِتْنَةَ الْعَالِمِ الْفَاجِرِ، وَالْعَابِدِ الْجَاهِلِ، فَإِنَّ فِتْنَتَهُمَا فِتْنَةٌ لِكُلِّ مَفْتُونٍ. فَمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ أَشْبَهَ الْيَهُودَ الَّذِينَ، قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ). وَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِغَيْرِ عِلْمٍ بَلْ بِالْغُلُوِّ وَالشِّرْكِ أَشْبَهَ النَّصَارَى الَّذِينَ، قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل) فَالْأَوَّلُ مِنْ الْغَاوِينَ وَالثَّانِي مِنْ الضَّالِّينَ. فَإِنَّ الْغَيَّ اتِّبَاعُ الْهَوَى؛ وَالضَّلَالَ عَدَمُ الْهُدَى، قَالَ تَعَالَى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). وَقَالَ تَعَالَى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) وَمَنْ جَمَعَ الضَّلَالَ وَالْغَيَّ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ. [مجموع الفتاوى (1/ 198)]. والغرض من إيراد هذا البيان هو التنبيه على قاعدة مهمة؛ وهي: أن العمل أيا كان توجهه يجب أن يكون تابعاً للعلم ومستنيرا به؛ وأن لا يقدم المسلم على خطوة إلا وله عليها برهان ودليل؛ وهذه القاعدة رغم وضوحها وبيانها إلا أن فئام من المسلمين أعرضوا عنها؛ ورموها خلف ظهورهم؛ وأصبح شغل الواحد منهم أن ينفس عما في صدره؛ وافق الحق أو خالفه؛ ولم يعد العلم قائداً وحاكما على العمل. والشريعة والحمد لله كافية شافية؛ فما من فعل إلا وسيجد العلماء الفقهاء له دليلاً؛ صريحاً كان أو خفياً؛ وهذا ما يوجب على المسلمين الرجوع إلى أهل العلم الراسخين فيه؛ ليبنوا لهم ما يخفى عليهم من أمور دينهم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |