|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() من القلب إلى الجنة الشيخ د. : علي بن عمر با دحدح عناصر الخطبة 1/ خطورة أمراض القلوب المادية المحسوسة 2/ سلامة القلب أدل الدلائل على الصحة والسلامة 3/ وجوب تصفية القلوب من الحقد والغل والبغضاء 4/ صور من صفاء القلوب 5/ أفضل طريق للجنة سلامة الصدر 6/ أسباب حصول الشحناء والبغضاء 7/ الوسائل المعينة على تحقيق صفاء القلوب ونقائها. اقتباس إن الغل يتعذب به الإنسان، نعم الذي يحمل الغل في قلبه والحسد لا يرتاح، يبقى دائماً مهموما مغموماً، مشتعل القلب، فيه نار متقدة لا تطفأ والعياذ بالله، لماذا؟ لماذا تعذب نفسك؟ وتجعل كل أمر حولك يدخل الغم والهم على قلبك، بدلاً من أن تنظر إلى نعمة الله -عز وجل- عليك، وإلى فضل الله -عز وجل- على خلقه، وإلى نعمة الله -سبحانه وتعالى- في هذا الكون الفسيح، تضيق كل هذه الدنيا، ويضيق كل هذا الفضل، ويضيق كل هذا الخير فلا يبقى عندك في قلبك إلا سواد كالح، وظلم فادح، وحقد أسود لماذا؟ لماذا لا تنظر إلى حالك قبل أن تُصاب بالمرض العضال، الذي قد يتسبب في موت قلبك، كما قد تتسبب جراحة القلب المفتوح أحياناً في موت صاحبها… الخطبة الأولى: إخوة الإسلام والإيمان: وصية الله سبحانه وتعالى لنا ولكم وللمسلمين في آيات القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]. معاشر المسلمين: جراحة القلب المفتوح تعد من أخطر وأدق العمليات، وهي من أخطر وأصعب ما يصيب الإنسان مما يهدِّد حياته، ولذا تكون التعليمات بعدها بترك العمل المرهق، ومراعاة التغذية، والكثير والكثير من الوصايا، حتى قسطرة القلب التي تطورت بمجرد أن يحتاج إليها الإنسان، وهي قد لا تستغرق إلا يوماً، لكننا نجد أنه يجدها مؤشر خطر، ويبدأ يلتفت إلى نفسه وصحته وأمره. هذا الأمر معروف في شأن أمراض القلوب المادية المحسوسة، ويشدني مرة أخرى حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، الملامس لهذه الأيام وهذا التاريخ، لأجدد التاريخ عنه باستفاضة، وهو الحديث المروي عن عدد غير قليل من الصحابة، فهو بهذا اللفظ مروي من حديث أبي هريرة وحديث أبي موسى الأشعري وحديث معاذ ابن جبل -رضي الله عنهم أجمعين- عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ, فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ, إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ". ووقفتنا مع المشاحنة مع هذا القلب الذي يحتاج إلى ما هو أكبر من عملية جراحة القلب المفتوح أو قسطرة القلب، وإذا سلم القلب في الجسد كما نعرف كان أدل الدلائل على الصحة والسلامة، ونحن كذلك ينبغي أن ندرك أن سلامة القلب وسلامة الصدر هي أعظم أسباب نجاتنا، وأكبر أسباب راحتنا، وأنجع وسائل تواصلنا مع غيرنا، سلامة القلب المذكورة بالعنوان العظيم في القرآن الكريم (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:89]. قال الشوكاني -رحمه الله-: "أي: بقلب فيه عدم الحقد والغل والبغضاء" سلامة القلب أي صحته، وبرؤه من الأسقام وجميع الأمراض، سواءً كانت غلاً أو حقداً أو حسداً أو غير ذلك، لأننا ندرك كما قال أئمتنا وعلمائنا أن سلامة الصدر ذات منزلة عالية، قال ابن رجب -رحمه الله- : "أفضل الأعمال سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها". ثم فصّل وقال: "سلامة القلب من الشحناء لعموم المسلمين، وإرادة الخير لهم، ونصيحتهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه"، وقد وصف الله المؤمنين عموماً بأنهم يقولون: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر:10] هذا الدعاء لا شك أنه يمثل أنموذج طموح المؤمن صورة أمله لنفسه ولقلبه، إنه يريد قلباً خالياً من الغل والحسد للمؤمنين، إنه يدعو لجميع من سبقه ليدعو له جميع من يأتي بعده، تلك الصلة القلبية في الصفاء والنقاء والحب والود، تضمر الخير وتحبه لكل أحد بدون سبب، فكيف إذا كان هناك سبب من أخوة إسلام أو صلة قرابة أو صلة رحم، أو غير ذلك. روى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أمراً فريداً جميلاً يصور لنا روح الإنسان المسلم وقلبه وصدره المحب للخير، قال: "إني لأسمع بالقطر يصيب بلاداً – أي المطر – فأفرح وليس لي فيها سائمة ولا زرع"، ليس له فيها مصلحة ستكون له زراعة أو عنده بهائم سائمة، وإنما يفرح للنعمة التي أصابت الناس، وإن لم يكن له بها صلة، قال: "وإني لأفرح بالقاضي يعدل في بلاد من البلاد وليس لي فيها قضية ولا خصومة" يفرح لشيوع العدل بين الناس وانتشاره عندهم. وإنه قد قال كذلك -رحمه الله-: "ما من آية تمر بكتاب الله إلا وأنا أحب أن يعلم منها كل أحد ما أعلم"، وهو كما نعلم حبر الأمة، وترجمان القرآن، انظروا إلى هذه النفس المحبة للخير، إلى هذا القلب الواسع الذي يسع جميع الناس، دون أن يكون له بهم أي صلة من قريب أو بعيد. وانظروا إلى سلامة القلب والصدر وأهميتها ومكانتها، فيما ذكره الله -عز وجل- في شأن يوم القيامة: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ) [الأعراف:43] وفي الآية الأخرى (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) [الحجر:47] ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أن أهل الإيمان أن الجنة لا يبقى فيها ولا يستحق دخولها ولا يكون من أهلها، من في قلبه غل، فمن كان عنده ذلك يطهر منه قبل دخول الجنة (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ) قال بعض أهل العلم: "الغل يتعذب به الإنسان والجنة ليس فيها عذاب" ولذا ينزع منه الغل. تأمل قوله: "إن الغل يتعذب به الإنسان"، نعم الذي يحمل الغل في قلبه والحسد لا يرتاح، يبقى دائماً مهموما مغموماً، مشتعل القلب، فيه نار متقدة لا تطفأ والعياذ بالله، لماذا؟ لماذا تعذب نفسك؟ وتجعل كل أمر حولك يدخل الغم والهم على قلبك، بدلاً من أن تنظر إلى نعمة الله -عز وجل- عليك، وإلى فضل الله -عز وجل- على خلقه، وإلى نعمة الله -سبحانه وتعالى- في هذا الكون الفسيح، تضيق كل هذه الدنيا، ويضيق كل هذا الفضل، ويضيق كل هذا الخير فلا يبقى عندك في قلبك إلا سواد كالح، وظلم فادح، وحقد أسود لماذا؟ لماذا لا تنظر إلى حالك قبل أن تُصاب بالمرض العضال، الذي قد يتسبب في موت قلبك، كما قد تتسبب جراحة القلب المفتوح أحياناً في موت صاحبها. وأنتقل بكم إلى الصور التفصيلية التوضيحية من هدي سيد البرية -صلى الله عليه وسلم-، وصف جميل بكلام بليغ لمن أوتي جوامع الكلم، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، يقول في حديثه الذي رواه أبو داود في سننه والترمذي والإمام أحمد في مسنده والحاكم وصححه، قال: «الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ» ما معنى ذلك، قال النووي في المؤمن غر قال: "الغر الذي لا يعرف الشر، وليس بذي مكر، ولا فطنة للشر، فهو قد ينخدع لسلامة صدره وحسن ظنه، لكن ليس عن جهل وسذاجة، وإنما عن حب للخير، وترفع عن الشر، وأما الآخر فهو جريء يسعى في الأرض بالفساد، وعنده من المكر والكيد ما يجعله يلحق الأذى بالناس، بإصرار وترصد وبخبث ودهاء والعياذ الله". إذاً المؤمن صفته سمته الدائمة التي تحقق انعكاس إيمانه على سلوكه، أنه ليس برجل يدرك الشر ويعرف تفاصيله، ويسبق إلى ذهنه، ويتعلق به قلبه، ويفكر فيه ويخطط له والعياذ بالله، بل هو سليم الصدر حسن النية لعل أبلغ صورة تحضرني الآن في هذا، ما ورد في قصة الإفك لأمنا أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، سبحان الله عندما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- مولاتها، قالت: ما أعيب عليها شيئاً إلا أنها كانت تعجن العجين، ثم تتركه فتأكله الداجن، سليمة الصدر، أم مسطح ومسطح ابن أثاثة كان ابن خالة لأبي بكر، وقد خاض فيمن خاضوا في عرض أم المؤمنين -رضي الله عنها-. خرجت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- مع أم مسطح في الليل لقضاء الحاجة، فعثرت أم مسطح، فقالت: تعس مسطح؛ لأنها تعلم أن ابنها قال هذه المقولة وهي غاضبة، وهي مع أم المؤمنين عائشة، فقالت أم المؤمنين الصفية التقية النقية ذات القلب الطاهر: بئس ما قلتِ عن رجل من أهل بدر، لماذا تقولين هذا عن رجل من أهل بدر؟ سبحان الله وهي لم تكن تعلم وحتى بعد أن علمت. والرسول -صلى الله عليه وسلم- وأم المؤمنين عائشة ضربوا بالصفح عمن قال ذلك، تأثراً بالمقولات، وهنا التلقائية ليست أمراً مذموماً، ولا حسن النية أمر مذموم، لكن في الأمور التي يترتب عليها مضرة المؤمن كما قال ابن الخطاب رضي الله عنه: "لست بالخب ولا الخب يخدعني" المؤمن فَطِن، لكنه ليس بذي مكر وكيد والعياذ الله. وهنا أنتقل بكم إلى صورة أدنى وأعلى، أخبرنا بها النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور لما قال: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، وتكرر ذلك ثلاث مرات وصحب الرجل الصحابي راوي الحديث، ثم كانت النتيجة ليس عندي شيء إلا "أني أبيت وليس في قلبي غل ولا غش لأحد من المسلمين". خذ هذه الحبة، يقولون الآن بعد الأربعين خذ حبة من الأسبرين حتى لا يحصل عندك سكتة قلبية أو جلطة قلبية، هذه وصفة نبوية، كل يوم قبل أن تنام صفي قلبك، قل اللهم إني قد سامحت كل من أساء إليَّ، اللهم نقِّ قلبي على كل مَن حملت عليه ضغناً، عوِّد نفسك حتى لا تتراكم هذه الأحقاد، فيزداد بها قلبك ظلمة وسواداً، ويزداد بها علةً ومرضاً، كل ليلة يبيت وليس في قلبه غشّ ولا غل على أحد من المسلمين. وتأملوا معي هذه الصورة المثلى العظمى لقدوتنا وأسوتنا عليه الصلاة والسلام، انظروا ماذا يطلب الرسول الأعظم والنبي الأكرم عليه الصلاة والسلام يقول: «لاَ يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ» (رواه أبو داود والترمذي في سننهما والإمام أحمد في مسنده وحسنه أحمد شاكر). يطلب أن لا تنقلوا لي القول حتى لا يتأثر القلب فإن القلب يتأثر عندما تخبرني بأن فلان فعل كذا ونحن ننقل الكثير والكثير، ونكون جسراً أحياناً من حيث نشعر أو لا نشعر بإثارة الضغائن وإشعال الأحقاد، والرسول -صلى الله عليه وسلم- بعظمته وصفاء قلبه ورحمته يقول لا تنقلوا لا تبلغوني حتى أخرج وأنا سليم الصدر، لا يريد أن يكون هناك أمر يكدر أو يؤثر على قلبه فيتغير على إخوانه. وأعظم من هذا الوصف الذي ورد في حديث عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ" قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: "هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لاَ إِثْمَ فِيهِ، وَلاَ بَغْيَ، وَلاَ غِلَّ، وَلاَ حَسَدَ" (رواه ابن ماجه في سننه وسنده صحيح). مخموم القلب لما شرح أهل العلم قالوا: هو سليم القلب من خممت البيت إذا كنسته، والمقصود أن يكنس القلب من كل الأقذار، ومن كل هذه الأمراض، مخموم القلب الذي يطهِّر قلبه وينظِّفه كما ننظِّف بيوتنا ونكنسها كل يوم ونلمِّعها، فلننظف قلوبنا وأن نجعلها مشرقة بالصفاء والنقاء والحب والمودة وعدم الحقد وعدم البغضاء على غيرنا، وهذا أمره ظاهر وكثير، وبه قال بعض أهل العلم: "أصل الدين الورى، وأفضل العبادة مكابدة الليل، وأفضل طريق للجنة سلامة الصدر". قد لا يكون عندك كبير عمل، كما رأينا في قصة الرجل الذي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه من أهل الجنة، "لكنك تضمر الخير للناس وتحب لهم ما تحب لنفسك"، فيكون لذلك أثر عظيم في هذا، وقال السقطي: "من أجلّ أخلاق الأبرار سلامة الصدر لإخواني ونصيحتهم والنصيحة لهم". وهنا وقفتنا الأخيرة، ما الذي يحول بينك وبين ذلك؟ ما الذي يوقعك في هذا الأمر الخطير والعلة المميتة؟ التي قد تصل بها -والعياذ بالله- إلى موت القلب، كما يصل المريض بالقلب إلى جلطة أو سكتة تؤدي بحياته سلمنا الله وإياكم. أولاً: نزغ الشيطان، نزغ الشيطان الذي يستثير الحفيظة ويدفع إلى الغضب ويدعو إلى الانتقام ويسهل الكيد والمكر وإلحاق الأذى بالناس، كما قال الحق -سبحانه وتعالى-: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ) [الإسراء: 53]، وكلنا يعرف الحديث "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ". والله -جل وعلا- في آخر قصة يوسف بعد كل ما مضى من الأحداث فيها جاء التلخيص: (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) [يوسف:100] كل هذه الأحداث الطويلة، كل تلك المؤامرات، كل تلك الأعمال القبيحة التي حصلت تفسيرها: (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي). الثاني: التنافس في الدنيا: فإنه من أعظم أسباب حصول الشحناء والبغضاء، وقد أشار إليه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور: "فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"، واليوم أغلب الخصومات ليست في شأن الدين، وليست في شأن الأمور الاجتماعية، جلها في هذا الميدان من تنافس الدنيا وشهواتها وأموالها وجاهها وغير ذلك، وقد حذرنا من ذلك رسولنا -صلى الله عليه وسلم-. والثالث: حب الشهرة والصدارة: فإنه يورث كل هذه الأحقاد. ومنه -وأختم به- كثرة المزاح وكثرة الجدال الذي يصل أحياناً كثيرة إلى ما يوغر الصدور. نسأل الله أن يسلم قلوبنا من الشحناء والبغضاء، وأن يمن عليها بالصفاء والنقاء، وأن يجعل فيها الحب والمودة لإخواننا المسلمين. إنه ولي ذلك والقادر عليه، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: إخوة الإسلام والإيمان: أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإنها أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه. وإن صفاء القلوب وسلامة الصدور من أعظم مراتب التقوى وأجلها، وهنا أختم بأمور تقودنا إلى هذا الصفاء والنقاء، وأحسب أن من أهمها أن ندرك أهمية صفاء القلب في راحتنا وسلامتنا، وفي فوزنا ونجاتنا، ذلك في الدنيا وذاك في الآخرة، إن أردنا أن نعرف ذلك، فلننظر إلى آيات القلب في القرآن، وإلى الأحاديث التي وصفت قلوبنا وكيف ينبغي أن تكون، وهذا الذي ذكرته إنما هو غيض من فيض، فإن أدركنا الأهمية وعرفنا المسئولية ونظرنا إلى الرتبة وعرفنا المكانة، توجهنا حينئذ إلى الخطوات التي تقودنا إلى صفاء قلوبنا، ونقاء سرائرنا، وسلامة صدرونا. أولها: حسن الظن وحب الخير: حسن الظن بالمسلمين وحب الخير لهم، لماذا تحرم نفسك من ذلك؟ ولا تنتبه إلى ما حذرنا منه النبي -صلى الله عليه وسلم- في البداية في أول حديثه لما قال: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ". حذرنا من الظن السيئ، ولا يسبق الظن السيئ إلا لمن في قلبه مرض، لماذا؟ لأنه يرى إنساناً فيقول هذا لعله كذا؟ يصفه بصفات سيئة، لماذا؟ لأنه قد خالط قلبه وعقله هذه الصور السيئة فهي تسبق إلى ذهنه، طهّر نفسك وقلبك بإحسان الظن، وكلما رأيت أمراً قل بعكسه وضده، فإن كان هو فخير، وإن كان غير ذلك فلست محاسباً ولا مسئولاً عن خلق الله، وعندك من النصح والوعظ أبواب كثيرة للإصلاح، وحب الخير هو نفسية كما أشرت إلى ما قاله ابن عباس؛ نفسية من أوتيها وسعى إليها جعل الناس كلهم يحبونه، ويقبلون عليه، ويتعاملون معه؛ لأنهم يدركون ويلمسون ويشعرون بأنه يحب لهم الخير، ويتمنى لهم ما يتمنى لنفسه كما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في دلائل الإيمان: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِه". الثاني: ضبط اللسان وترك الانفعال: هذا اللسان هو الذي يورد المهالك، اضبط لسانك، لا تنل أحداً بسوء، لا تتكلم بنميمة، لا تتلفظ بغيبة، لا تنفعل فتشتم، فإن ذلك كله سهام تذهب إلى قلوب الناس وتزرع هذه الشحناء والبغضاء، عفوا اللسان وانظروا إلى قوله (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة:83] لماذا؟ إن لم تفعلوا (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ) [الإسراء:53]، إذا لم يكن كلام طيب، فسيكون للكلام السيئ أثر في القلوب غير محمود. الثالث: المبادرة إلى الاستغفار وتعود العفو: قد تنفعل فاستغفر من وقتك، قد تخطئ فاعتذر في حينك، وتعود على العفو، وتأمل ما خاطب الله به المؤمنين عموماً، وكان الخطاب لأبي بكر في قصة حادثة الإفك (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) [النور:22] فليعفوا وليصفحوا فالمبادرة إلى العفو والصفح هي خير لك، وهي ثواب لك، وهي أمر تعيد به العلاقة مع قريبك وذي رحمك، ومع أخيك المسلم ومع كل أحد من الناس. الرابع: التأني والتثبت: فإن العجلة هي من موارد الهلاك، نسمع المقولة من هناك سيما اليوم مع وسائل التواصل، كل خبر نصدقه ونبدأ نبني عليه بأنه صحيح، وأن هذا قال كذا وهذا فعل كذا، والله -عز وجل- كما نعلم ينادينا يقول: (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6]. الخامس: الارتقاء إلى درجة مقابلة الإساءة بالإحسان: وليس هذا بصعب على من يسره الله عليه، وهذا الوصف هو الذي دعينا إليه في القرآن: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت:34] هذا الذي وصف به الأصفياء الأتقياء الأنقياء من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9]. السادس: المواظبة على الدعاء: ادع الله -عز وجل- أن يطهِّر قلبك من كل ما لا يحب ويرضى، سواء من أمر متصل بالله -عز وجل- في توكل أو محبة أو رهبة أو خوف أو رجاء أو غير ذلك أو في ما يتصل بعباده من هذه الأدواء والأمراض، فالدعاء من أعظم الأسباب التي نستعين بها على صفاء قلوبنا. ولنعلم أيها الإخوة الكرام أن هذا الأمر –أي: أمر الشحناء والبغضاء– من أسباب الحرمان، فإنه يحرم من المغفرة، كما رأينا في نص هذا الحديث، وأحاديث أخرى كما قلنا في يوم الخميس والاثنين «أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا»، ثم هو أيضاً من أسباب قوة أمة الإسلام، لأنها إذا تحابت توحدت، وقويت شوكتها، وعظمت وحدتها، وهابها عدوها، ولكن عكس ذلك، كما قال جل وعلا: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46] فالقوة في الألفة والمودة والمحبة ونحن بين يدي شهر كريم. ونصف شعبان يحل بنا في هذه الأيام، وتذكرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث باقية إلى قيام الساعة، ونموذجه الأعظم والأمثل في عفوه وصفحه، حتى بمن آذاه وقصد به السوء عليه الصلاة والسلام، لما تعالى عن كل ذلك بعد فتح مكة وعفا عمن عفا عنهم ليس واحداً ولا اثنين بل عشرات ومئات، وكان لذلك أثره، ولذا ونحن في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بأمتنا فلنعلم أن من أسباب دفع البلاء علاج الأدواء والأمراض، إذا صحت الأجساد وسلمت القلوب سنكون قادرين على المواجهة. أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يردنا إلى دينه ردا جميلاً، اللهم طهر قلوبنا وزكِّ نفوسنا وهذِّب أخلاقنا وأخلص نياتنا، وحسن أقوالنا وأصلح أعمالنا، وضاعف أجورنا وارفع درجتنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. اللهم يا أرحم الراحمين يا أكرم الأكرمين تولنا برحمتك وأعزنا بدينك، واجعلنا اللهم من عبادك المؤمنين ومن ورثة جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |