دغدغة الأحاسيس في التحذير من الجواسيس - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الطعن في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          النقد العلمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          لماذا يشعر بعض المسلمين أحيانا بثقل بعض الأحكام الشرعية وعدم صلاحيتها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          وحدة الأمة الإسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          التراجم: نماذج من المستشرقين المنصِّرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 8501 )           »          أبرز المعالم التاريخية الأثرية والدينية في قطاع غزة كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 581 - عددالزوار : 304905 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 45 - عددالزوار : 37746 )           »          هل الخلافة وسيلة أم غاية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-12-2021, 09:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,121
الدولة : Egypt
افتراضي دغدغة الأحاسيس في التحذير من الجواسيس

دغدغة الأحاسيس في التحذير من الجواسيس
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد



إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.



﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].



﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].



﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].



أما بعد؛ فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.



أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين، آمين يا رب العالمين.



نهانا ديننا في كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم عن التجسس على عورات المسلمين، فـقد قال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].



والتجسس عبارة عن رفع الأخبار من إنسان إلى آخر، فإذا كان رفع مثل هذا الخبر إلى عثمان بن عفان لا يجوز، فكيف بغيره، وهذا ما ثبت عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ =بن اليمان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه=، فَقِيلَ لَهُ: (إِنَّ رَجُلًا يَرْفَعُ الحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ)، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ»، (خ) (6056)، وعند مسلم: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ"، (م) 168- (105). والنمام والقتَّات هو الذي ينقل الأخبار بين الناس على جهة الإفساد، يريد أن يفسد بين المسلمين.



فلا ينبغي التجسُّس بين المسلمين أنفسهم، ولا رفعُ الأخبارِ إلى مسؤوليهم، لكن؛ إن ظهرَ منكرٌ من فاسقٍ أُخِذ به، جاء عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: (أُتِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ =رضي الله عنه= فَقِيلَ: هَذَا فُلَانٌ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا)، =يعني ما تجسَّسوا عليه وإنما هو ظاهر، فلو شربها سِرًّا بينه وبين الله لا نبحث عنه، لكن هنا جاؤوا به إلى عبدالله بن مسعود تقطر لحيته الخمر والعياذ بالله،= فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ: (إِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنِ التَّجَسُّسِ، وَلَكِنْ إِنْ يَظْهَرْ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذْ بِهِ)، (د) (4890).



وجاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ =رضي الله تعالى عنه= عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا»، (خ) (6064)، (م) 28- (2563).



(وَلَا تَجَسَّسُوا)؛ بِالْجِيمِ؛ التجسس نقل الأخبار إلى الآخرين، والتحسس نقل الأخبار إلى النفس، يريد أن يتسمع ويعرف لنفسه، فالتجسس؛ تَتَبُّعُ الشَّخْصِ لِأَجَلِ غَيْرِهِ، والتحسُّس بالحاء المهملة؛ تَتَبُّعُهُ لِنَفْسِهِ؛ أَيْ: لَا تَبْحَثُوا عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، وَلَا تَتَّبِعُوهَا، قَالَ الله تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ يَعْقُوبَ عليه السلام =لأبنائه=: ﴿ يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ﴾ [يوسف: 87]، بتصرف من فتح الباري لابن حجر (210/ 482).



يعني ليس على جهة الإفساد، وإنما من باب التحسس لنفع الأخبار، ولكن أنت ما ينبغي أن تتبع عورات أخيك المسلم للتشفي، وتعلم أخبارهم وما شابه ذلك، ماذا تستفيد من ذلك يا عبد الله؟



وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ =يعني إنسان يقول: رأيت في المنام كذا وكذا، وهو كاذب لم ير شيئًا،= كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ =لا يريدون أن يسمعوه،= صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ»، (خ) (7042)، (حم) (10549).



والآنُك: القصدير أو الرصاص المذاب في النار ويوضع في الأذن، هذا الذي يتسمع إلى أقوال الآخرين.



أيها الجاسوس ماذا تفعل؟

وجاء أيضا عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَكَلَ بِمُسْلِمٍ أَكْلَةً =يعني عَرَض عِرضَ أخيه المسلم، ونقل عنه أخبارًا ليأخذ مالًا أكلًا وشربًا ونحو ذلك،= أَطْعَمَهُ اللهُ بِهَا أَكْلَةً مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ اكْتَسَى بِمُسْلِمٍ ثَوْبًا؛ كَسَاهُ اللهُ ثَوْبًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ قَامَ بِمُسْلِمٍ مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ، أَقَامَهُ اللهُ مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، (د) (4881)، (ك) (7166)، (حم) (18011)، صَحِيح الْجَامِع: (6083)، الصَّحِيحَة: (934).



من أجل دريهمات أو دنانير أو دولارات، من أجل لقمة أو ثوب، من أجل الرياء والسمعة يبيع عرض أخيه المسلم، ويخبر عن أسراره، فسيجزيه الله يوم القيامة أَكلة من نار، ويكسوه ثوبًا من النار، ويقيمه مقام سمعة ورياء فيفضحه يوم القيامة أمام الأشهاد.



ويدخل في ذلك من يرسل التقارير المكذوبة والكيدية، ليقطع رواتب المظلومين، ومعايش المساكين! وليرتقي هو ويعتلي المناصب والمكانات في الوظائف العليا، نسأل الله السلامة.



هذا إذا نقلت الأخبار بيننا نحن المسلمين، فكيف إذا نقلت أخبار المسلمين وخصوصيات دولِهم، وأسرارُ حكوماتهم إلى أعدائهم؟ فالجريمة أكبر، والجريرة أعظم، والذنب أضخم.



فناقل أخبار المسلمين إلى أعدائهم إما أن يكون فردًا عاديًّا، أو مواطنًا محتاجًا للنقود، فتسوِّل له نفسه هذا العمل الدنيء، أو يكون فردًا مسؤولًا عن عمل عظيم في الدولة، أو في وظيفة حساسة في الحكومة، فينقل ما يعلم من أخبار شَرَهًا في حب المال أو الجاه، أو وعد بمنصب أو مكانة مرموقة، أو استعمل معه التهديد والوعيد، أو فضيحته بكشف أسراره، وهتك أستاره، وهؤلاء من السهل احتواؤهم، بالإعلان من قِبَل المسؤولين عن قبول توبتهم إن تابوا قبل أن يُمسَكَ بهم، واعترفوا بما نقلوا، ويوعدون إن صدَقوا بالعفو عنهم، وإغرائهم بأضعاف أو مثل ما وُعدوا به من أعدائهم، أو استخدامهم كعميل مزدوج، فالمسؤولون أعلم بذلك.



هذه عمالة على مستوى فردي، أما على مستوى العمالة والجاسوسية على مستوى جماعة؛ كأن تقوم مجموعة تدَّعي الخيرَ، وتقدم النفع للشعب، وتتكفل بتقديم المشاريع المتنوعة، فتقوم هذه الجماعة بإنشاء مكاتبَ محليَّةٍ أو أجنبيةٍ أو حقوقية، أو مؤسساتٍ تعليميةٍ أو نسويةٍ أو اجتماعية، أو أنشطةٍ رياضيةٍ أو تثقيفيةٍ أو تراثيةٍ، أو جمعياتٍ خيريةٍ أو تعاونيةٍ أو تنمويةٍ، أو تجمعاتٍ شبابيةٍ أو أهليةٍ أو مدنية، وتكون مخترقةً أساسًا أو تُخترق فيما بعد، وذلك خدمةً للعدوِّ، وتيسيرًا لجمع ما شاؤوا من أخبارٍ هامَّةٍ سرِّيَّةٍ، ومعلوماتٍ دقيقةٍ مخفيَّةٍ، فتصبح هذه المعلوماتُ والأخبارُ لقمة سائغة بين يدي العدوِّ.



وعلاج هؤلاء: الرقابةُ المستمرة، والإجراءاتُ الصارمة، تجاه من يشتبه بهم، وتحذيرهم، فإن لم يرتدعوا توقَع بهم العقوبة الرادعة لأمثالهم.



وبالمقابل علينا وعلى المسؤولين تشجيعُ أهل الإخلاصِ والعِفَّة والنزاهةِ والأمانة، ومن يحبون أوطانهم ويدافعون عنها وينافحون، وتسهيلُ أمورِهم، وتسييرُ شؤونهم، ومكافأتهم، ليتشجَّعَ غيرهم على فعل الخيرات، وترك المنكرات.



ففي عهد النبوة لا يعرفون المكاتب ولا الجمعيات، ولا المؤسسات ولا التجمعات، فالجواسيسُ والعملاء ينقلون الأخبار للأعداء آنذاك بأمور أخرى؛ لذلك اتخذوا مكانًا يتوجَّهُ إليه المسلمون، لا شبهةَ فيه؛ بل فيه الخيرُ فيما يظهرُ للناس؛ لينطلقوا منه آمنين، فيجمعون الأخبارَ والمعلوماتِ والتحركاتِ عن المسلمين، ويرسلونها إلى الأعداء؛ من فارس والروم، فبنوا لذلك العمل الدنيء مسجدًا، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا ﴾؛ أي: إنَّ النية ليست فيه للعبادة وإنما ليضارُّوا به المؤمنين. ﴿ وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ يفرقون جماعتهم وصفهم. ﴿ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ أي: مكتبًا من المكاتبِ يستوعب أعداء الله فيه، ويرسل إليهم التعليمات والتقريرات. ﴿ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا؛ لا تتوجهوا إلى هذه الأماكن المشبوهة، التي فيها طعنٌ في الدين والوطن والعروبة. ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ ﴾؛ يريد التقوى من الله والرضوان. ﴿ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا.



والله إنَّ الجواسيس والعملاءَ في مكاتبهم وجمعياتهم ومؤسساتهم الآن، في أوطاننا العربية والإسلامية غير مطمئنين، يخافون في كل لحظة أن تكشفَ أمورهم فيفتضحوا، فأصبح ما يخططون له ﴿ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ؛ وشكا ورَيبًا. ﴿ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ؛ أي: يريدوا أن يرجعوا فيتوبوا إلى الله عز وجل، وتتقطع قلوبهم ندمًا وتوبةً، للرجوع إلى الله عز وجل. ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ؛ بالخفايا كلها ﴿ حَكِيمٌ[التوبة: 107- 110]؛ يضع الأمور في مواضعها.



قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: "يستفادُ من هذه التعاليل المذكورة في الآية، أربع قواعد مهمة، وهي:

كل عمل فيه مضارة لمسلم، أو فيه معصية لله، فإن المعاصي من فروع الكفر، أو فيه تفريق بين المؤمنين، أو فيه معاونة لمن عادى الله ورسوله، فإنه محرَّم ممنوع منه، وعكسه بعكسه...



ومنها: أن العملَ المبنيَّ على الإخلاص والمتابعة =الإخلاص لله ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم= هو العمل المؤسَّس على التقوى، الموصِّلُ لعامله إلى جنات النعيم.



والعملَ المبنيَّ على سوء القصد وعلى البدع والضلال، هو العمل المؤسس على شفا جرف هار، فانهار به في نار جهنم، والله لا يهدي القوم الظالمين". تفسير السعدي (ص: 352) بتصرف.



أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.



الخطبة الآخرة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

أما التجسُّس لحماية بلاد المسلمين وأوطانهم، وشعوبهم وأمتهم، ونقلُ أخبارِ العدوِّ لأولياءِ أمورِ المسلمين، فهذا أمر محمود ممدوح، مأجور صاحبه، فقد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم عيونًا عدة، فاستعدادًا لغزوة بدر الكبرى، قَال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: (بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُسَيْسَةَ عَيْنًا يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ...)، (م) 145- (1901)، وفي رواية أبي داود: (بُسْبَسَةَ) (د) (2618)، سواء بسيسة أو بسبسة هو رجل بُعِث ليتفقد وينقل أخبارَ العدو، وعينًا وجاسوسًا ليبحث عن عيرِ أبي سفيان أين وصلت.



وثبت أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا =أي: ترى وتتجسس للمسلمين= وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ =رضي الله تعالى عنه=...) (خ) (3045).



وكذلك يا عباد الله! إخبارُ المسؤولين عن الجواسيس والعملاء، والمفسدين في الأرض؛ من تجارِ الحشيشِ والمخدرات، وأماكنِ الزنا وبيوت الدعارة، كلُّ ذلك من واجبات المواطنِ نحو شعبه وبلده.



وكذلك الإخبارُ عمَّن يحملُ أفكارًا ضالةً وينشرُها بين أبناء الشعب؛ من الإلحاد والكفرِ والزندقة، وتكفيرِ المسلمين، والخروجِ عليهم بالتفخيخِ والتفجير والاغتيالات، فالتبليغُ عن هؤلاءِ المفسدين الذين يفسدون عقائدَ المسلمين ويشكِّكونهم في دينهم، ويحكمون على المخالفِ بالقتل، التبليغ عنهم واجب من الواجبات على كل فرد نحو أمته.



قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رضي الله =تعالى= عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" (م) 78- (49).



فإنكار المنكرِ؛ المنكر الظاهرِ يكون تغييرُه باليد لولي الأمر، للسلطة للشرطة، للمباحث للأمن، هذا هو عملهم يغير المنكر بيده، والتغييرُ باللسان للعلماءِ والدعاةِ والخطباء على المنابر وغيرها، فيتكلَّمون للناس عن مفاسدِ الخمر والمخدراتِ مثلًا، أو مفاسدِ العمالةِ والجاسوسية، أو مفاسدِ الزنا والدعارة وغيرِها، دون ذكر الأسماء؛ بل بالنصيحة العامَّة دونَ الفضيحة، أو بتبليغِ وإخبارِ المسؤولينَ من أجهزة الأمن والشرطة والمباحث ونحو ذلك.



فأنت عليك دورٌ مهم يا عبد الله، إمَّا بيدك؛ إن كنت مسؤولًا وتستمع إليَّ الآن، وإما بلسانك إن لم تستطع بيدك، وإما بقلبك، فأنت جندي في هذه الأمة مسؤول عن خيرها، ومسؤول عن أن تسعى في خيرها، ومسؤول عن أن تبعد عنها الشرَّ على قدر طاقتك واستطاعتك ولو كان بقلبك، وهذا هو أضعف الإيمان.



صلوا على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

وعلى الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.



اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.



اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا مبتلًى إلا عافيته، ولا غائبًا إلا رددته إلى أهله سالمًا غانمًا يا رب العالمين.




﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 62.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 61.17 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.72%)]