دروس ووقفات للأمة من تحويل القبلة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5079 - عددالزوار : 2318815 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4665 - عددالزوار : 1603306 )           »          تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 39 - عددالزوار : 435 )           »          الوقفات الإيمانية مع الأسماء والصفات الإلهية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 153 )           »          مناقشة شبهات التكفيريين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 89 )           »          تكنولوجيا النانو ما لها وما عليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 535 )           »          الألباني.. إمام الحديث في العصر الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11 - عددالزوار : 5453 )           »          تجديد الإيمان بآيات الرحمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 2898 )           »          نور الفطرة ونار الشهوة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 110 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 65 - عددالزوار : 42560 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #2  
قديم 17-02-2022, 07:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,207
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس ووقفات للأمة من تحويل القبلة

أيها المسلمون؛ ونتعلم من الصحابة أيضًا:

ومن الصحابة نتعلم درسًا في معنى الأخوة:

أظهر تحويل القبلة حرص المؤمن على أخيه وحب الخير له، فحينما نزلت الآيات التي تأمر المؤمنين بتحويل القبلة إلى الكعبة، تساءل المؤمنون عن مصير عبادة إخوانهم الذين ماتوا وقد صلوا نحو بيت المقدس، فأخبر الله عز وجل أن صلاتهم مقبولة، فعَنِ ابْنِ عَباسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: لَما تَوَجهَ النبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى الْكَعْبَةِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ: فَكَيْفَ الذِينَ مَاتُوا، وَهُمْ يُصَلونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾؛ (رواه أبو داوود والترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي).



- وهكذا الأخوة الصادقة لا تنقطع بالموت، بل لا تنقطع في أحلك الظروف في عرصات القيامة، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر شفاعة بعض المؤمنين لإخوانهم، فقال: (فيقولون: رَبنَا إِخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ)؛ (رواه البخاري).



لذلك قال الحسن البصري: استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعة يوم القيامة؛ (تفسير البغوي).



وقال ابن الجوزي - رحمه الله - بعد ذكره هذا الخبر: "إن لم تجدوني في الجنة؛ فاسألوا عني فقولوا يا ربنا عبدك فلان كان يذكرنا بك، ثم بكى رحمه الله".



عظِّموا أخوة الدين على أخوة النسب: قول مصعب بن عمير - رضي الله عنه - لأخيه المشرك يوم بدر: "إن هذا الأنصاري هو أخي دونك!".



الأخوة الصادقة تعني أن نفرح لفرح إخواننا ونحزن لحزنهم، دخل عمر - رضي الله عنه - على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وهما يبكيان، فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَي شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا؛ (رواه مسلم).





الوقفة الخامسة: قبلتنا تذكرنا:

أيها المسلمون، إن قبلتنا تذكرنا دائمًا بوحدتنا؛ حيث جمع الله به شتات المؤمنين، ووحدهم بعد تفرقهم امتثالًا لقوله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَينُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103 ]، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: إن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج، وذلك أن رجلًا من اليهود مَر بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هُمْ عليه من الاتفاق والألْفَة، فبعث رجلًا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بُعَاث وتلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبُه حتى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم، وتواعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم فجعل يُسكنهم ويقول: أبِدَعْوَى الجَاهِلِيةِ وأَنَا بَيْنَ أظْهُرِكُمْ؟ وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا، وألقوا السلاح، رضي الله عنهم.



أيها الكرماء الأجلاء عباد الله، لقد جمع الله شتات المؤمنين من كل اتجاه، في أنحاء الأرض جميعًا، قبلة واحدة تجمع هذه الأمة وتوحد بينها على اختلاف مواطنها، واختلاف مواقعها من هذه القبلة، واختلاف أجناسها وألسنتها وألوانها، قبلة واحدة، تتجه إليها الأمة الواحدة في مشارق الأرض ومغاربها، فتشعر أنها جسم واحد، وكيان واحد، تتجه إلى هدف واحد، وتسعى لتحقيق منهج واحد، منهج ينبثق من كونها جميعًا تعبد إلهًا واحدًا، وتؤمن برسول واحد، وتتجه إلى قبلة واحدة، فالمسلمون يتعلمون من وحدة القبلة، وحدة الأمة في الهدف والغاية، وأن الوحدة والاتحاد ضرورة في كل شؤون حياتهم الدينية والدنيوية، قال تعالى: ﴿ إِن هَذِهِ أُمتُكُمْ أُمةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92].



قبلتنا تذكرنا أنه عندما تُبتلى النفوس يتبين مَنْ يعبد الله ممنْ يعبد هواه، عن سعيد بن جبير، قال: لقيني راهبٌ فقال: يا سعيد، في الفتنة يتبين من يعبد الله ممن يعبد الطاغوت.



وعندما تُبتلى النفوس يظهر مَن يعبد الله على حرفٍ ممن رسخت أقدامه في الإيمان، قال تعالى: ﴿ وَمِنَ الناسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَن بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11].



وعندما تُبتلى النفوس يتبين مَن يعبد الله رجاءَ ما عند الله، ممن لا يريد إلا الدنيا، عَنِ ابْنِ عَباسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ الرجُلُ يَقْدَمُ المَدِينَةَ، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلاَمًا، وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ، قَالَ: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ، وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ، قَالَ: هَذَا دِينُ سُوءٍ؟؛ (رواه البخاري).



أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.



الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

فيا أيها الكرماء الأجلاء عباد الله، ما زلنا مع الوقفة الخامسة لنقول: إن هذه الذكرى تجعلنا دائمًا وأبدًا.



نتذكر المؤامرة على هذه الأراضي المقدسة وعلى المسجد الأقصى الأسير، هذا المسجد الذي حكم عليه بالأسر على أيدي أعداء الله.



وكان احتلاله على أيدي الصليبيين الذي انطلقوا من جميع دول أوروبا في أشرس حملة ضد الإسلام والمسلمين،

فاستولى الصليبيون عليه سنة 1099م، وقتلوا في جوار البيت المقدس أكثر من سبعين ألفًا من المسلمين، ثم قيض الله المجاهد صلاح الدين الأيوبي الذي حرره من أيدي الصليبيين في سبعة وعشرين رجب سنة 583هـ، يوم الجمعة أكتوبر 1187م بعد 88 عامًا من الاحتلال، فكان يومًا مشهودًا..



وقد خطب الجمعة الأولى فيه القاضي محيي الدين قاضي حلب، فمما قال فيها:



"أيها الناس أبشروا برضوان الله لما يسره على أيديكم من استرداد هذه الضالة من الأمم الضالة بعد ابتذالها في أيدي الصليبيين قريبًا من مائة عام، واحذروا بعد أن شرفكم الله بهذا الفتح الكبير وخصكم بهذا النصر المبين أن تقترفوا الذنوب والآثام، فتكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا، فالجهاد الجهاد أفضل عباداتكم، وأشرف عاداتكم، انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم".



لقد هنأ القاضي المجاهدين بتحرير القدس، ووضع يده على الداء الذي قد يعيدها إلى الأسر مرة أخرى؛ الذنوب والآثام، فهل عملنا بما نصحنا به قاضي حلب؟



إن الذي حدث هو أن فلسطين عادت إلى الأسر مرة أخرى، وأقام أعداء الإسلام فيها وطنًا لألد أعداء الإسلام، وجاؤوا بهم إليه.





قبلتنا تذكرنا بحقيقة الصراع وأن اليهود قوم بُهت:

قال تعالى في معرض حديث الآيات عن القبلة ﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُل آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ﴾، ومن هنا ندرك أصالة عدوان هؤلاء للإسلام والمسلمين، فقد شنوا حربًا إعلامية ضارية في أمر القبلة قبل وبعد التحويل، ولقد فُتن ضعاف الإيمان بقولهم، فقالوا: "يجحد ديننا ويتبع قبلتنا"، وقولهم: "اشتاق إلى بيت أبيه ودين قومه".



وقول المشركين: "يدعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته".



وقولهم: "رجع إلى قبلتكم فيوشك أن يرجع إلى دينكم".



وكان مما انطلق به أبواق أعداء الله قولهم: "إن كان التوجه أولًا إلى المسجد الأقصى باطلًا، فقد ضاعت صلاتكم إليه طوال هذه الفترة، وإن كان حقًّا فالتوجه الجديد إلى البيت الحرام باطل وضائعة صلاتكم إليه".



عن ابن عبَّاسٍ: «إن يهودًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد، ما ولَّاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنَّك على ملَّة إبراهيم ودينه، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتَّبعك ونصدِّقك، وإنَّما يريدون فتنته عن دينه، فأنزل الله: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ [البقرة: 142].



وفي سيرة ابن هشام عن ابن عباس أيضًا، قال: ولما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة أتى رفاعة بن قيس، وكعب بن الأشرف، وابن أبي الحقيق، وهم زعماء اليهود، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم، عليه السلام، ودينه، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك، وإنما يريدون فتنته عن دينه، فأنزل الله تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 142]، ثم قال المسلمون: يا رسول الله، كيف بمن مات من إخواننا استقبال الكعبة. فأنزل الله تعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم، يعني: صلاتكم إلى بيت المقدس: إن الله بالناس لرؤوف رحيم".



وإن المتأمل لآيات تحويل القبلة - وهي ترد شبهات اليهود - يتبين له مدى ضراوة الحرب الإعلامية والفكرية التي شنها اليهود، وما زالوا إلى اليوم يسيطرون على القنوات والأبواق الإعلامية المسموعة والمرئية، وكل همهم هو تشويه صورة المسلمين وتشتيت شملهم، وحالهم كما قال الله تعالى: ﴿ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ﴾ [المائدة: 33].



ويتضح لنا أن اليهود أهل جحود وإنكار وهم قوم بهت كما وصفهم حبرهم السابق عبدالله بن سلام رضي الله عنه حينما أسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إن اليهود قوم بُهْت، فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي، فجاءت اليهود، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟!، قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟!، قالوا: أعاذه الله من ذلك، فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك، فخرج إليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، قالوا: شرنا وابن شرنا، وتنقصوه، قال: هذا كنتُ أخاف يا رسولَ الله)؛ رواه البخاري.



قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: ﴿الذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ﴾، أحبار اليهود وعلماء النصارى: يقول: يعرف هؤلاء الأحبار من اليهود، والعلماء من النصارى: أن البيت الحرام قبلتهم وقبلة إبراهيم وقبلة الأنبياء قبلك، كما يعرفون أبناءهم؛ (تفسير الطبري).



ولولا موقف اليهود الجاحد المنكر لدعوة الإسلام، ما حدثت الفتنة التي حدثت بهذا الحجم، ذلك أن العرب كانوا لا يعرفون عن الأمر شيئًا إلا ما أخبرهم به اليهود، مع أنهم كان لديهم علم بنبوته صلى الله عليه وسلم وهو الذي عرفوه بمجرد قدومه عليهم، يروى أن عمر رضي الله عنه قال لعبدالله بن سلام: أتعرف محمدًا صلى الله عليه وسلم كما تعرف ولدك ابنك، قال: نعم وأكثر، نزل الأمين من السماء على الأمين، في الأرض بنعته فعرفته، وإني لا أدري ما كان من أمره.



يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسيره التحرير والتنوير: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146].



جملة معترضة بين جملة ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب.. إلخ، وبين جملة ولكل وجهة إلخ اعتراض استطراد بمناسبة ذكر مطاعن أهل الكتاب في القبلة الإسلامية، فإن طعنهم كان عن مكابرة مع علمهم بأن القبلة الإسلامية حق.





قبلتنا تذكرنا: بضرورة تميز المسلمين عن غيرهم:

- لم يكن بُدٌّ من تمييز المكان الذي يتجه إليه المسلم في الصلاة والعبادة وتخصيصه؛ كي يتميز المسلم وينفرد بتصوره ومنهجه واتجاهه، فهذا التميز تلبية للشعور بالامتياز والتفرد؛ كما أنه بدوره ينشئ شعورًا بالامتياز والتفرد.

ومن هنا كذلك كان النهي عن التشبه بغير المسلمين في خصائصهم التي هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنة، عن شَدادِ بْنِ أَوْسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنهُمْ لَا يُصَلونَ فِي نِعَالِهِمْ، وَلَا خِفَافِهِمْ)؛ (رواه أبو داود وصححه الألباني).



وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفرُوا اللحَى، وَأَحْفُوا الشوَارِبَ)؛ (رواه البخاري ومسلم).



وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (جُزوا الشوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ)؛ (رواه مسلم).



ولقد أدرك اليهود مدى حِرْص الرسول - صلى الله عليه وسلم - على هُوية الأمة وتميزها، والإمعان في مخالفتهم حتى قال قائلهم: مَا يُرِيدُ هَذَا الرجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلا خَالَفَنَا فِيهِ؛ (رواه مسلم).



قبلتنا تذكرنا بتخليص القلوب من نعرات الجاهلية:

- كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم، ولما كان الإسلام يريد استخلاص القلوب لله وتجريدها من التعلق بغيره، وتخليصها من كل نعرةٍ، وكل عصبيةٍ لغير منهج الله تعالى، فقد انتزعهم من الاتجاه إلى البيت الحرام، وشاء لهم الاتجاه إلى المسجد الأقصى لفترةٍ ليست بالقصيرة، وما ذاك إلا ليخلص نفوسهم من رواسب الجاهلية.



ثم لما خلصت النفوس وجهها الله تعالى إلى قبلةٍ خاصةٍ تخالف قبلة أهل الديانات السماوية الأخرى.



وقد وصف الله تعالى هذه القدرة على تخليص النفوس بأنها "كبيرة": ﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى ﴾ [البقرة: 143].



قبلتنا تذكرنا: أن مَن عاش على القبلة مات عليها:

عن عبدالرحمن بن الحارث المخزومي، قال: اشتد وجعُ سعيد بن المسيب، فدخل عليه نافع بن جبير يعوده، فأُغمي عليه، فقال نافع: وجهوه إلى القبلة. ففعلوا، فأفاق، فقال: مَن أمركم أن تُحولوا فراشي إلى القبلة، أنافعٌ؟ قال: نعم، قال له سعيد: لئن لم أكن على القبلة والملة والله لا ينفعني توجيهُكم فراشي؛ (سير أعلام النبلاء).



وأخيرًا: التطبيق العملي من هذه المناسبة (تحويل القبلة) هو: تحويل حالنا مع الله؛ تحويل حالنا من العقائد المنحرفة والخرافات الضالة والشعارات الخادعة إلى العقيدة السليمة المستقيمة.

تحويل حالنا من ارتكاب المعاصي والخنا والمسكرات المخدرات والجرائم والفجور إلى العبادة والطاعة والعمل ليوم النشور.



تحويل حالنا من الكسل والخمول والتسكع إلي السعي والكسب والاجتهاد وابتغاء الرزق.



تحويل حالنا من الظلم والقهر والاستبداد، إلى العدل والحرية والمساواة.



تحويل حالنا من التشرذم والتحزب والتشتت والاختلاف إلى الوحدة والاتحاد والاعتصام والائتلاف.



تحويل حالنا من الحقد والغل والحسد والبغضاء لبعضنا البعض، إلى الحب والنقاء والإيثار والإخاء والتراحم فيما بيننا، ولا سيما ونحن مقبلون على شهر كريم؛ وقد سئل ابن مسعود: كيف كنتم تستقبلون رمضان؟ قال: ما كان أحدنا يجرؤ على استقبال الهلال وفي قلبه ذرة حقد على أخيه المسلم.



وبالجملة تغيير وتحويل شامل جمعه الله في قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].



أيها المسلمون، ألا فلنتحول كما تحول الصحابة في حادث تحويل القبلة، نتحول بكل قوة وثقة إلى منهج الإسلام بكلياته وجزئياته، كما تحول الغر الميامين وهم ركوع.




وختامًا، أسأل مولانا الجليل، أن يغفر لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير.



سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وأقم الصلاة.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 113.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 111.33 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.52%)]