عموم الرضا بالزمان والمكان واللون والجنس والنسب والزوج والولد والرزق وسائر أحوال الدن - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 339 - عددالزوار : 43202 )           »          مدرسة رمضان ووحدة التوجه إلى الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          الإسلام في أفريقيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 16 - عددالزوار : 2180 )           »          رمضان صفحة جديدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          دستور النقد وتقويم الأفكار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          حتمية السنة النبوية وضمان استمرارها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 123 )           »          الحافظ ابن كثير الدمشقي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          من فضل الله ولطفه بعباده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          معارك حاسمة في رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          كيف تجعل من رمضان نقطة إنطلاق للتغيير وإلى الأبد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 11-09-2022, 07:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,210
الدولة : Egypt
افتراضي عموم الرضا بالزمان والمكان واللون والجنس والنسب والزوج والولد والرزق وسائر أحوال الدن

عموم الرضا بالزمان والمكان واللون والجنس والنسب والزوج والولد والرزق وسائر أحوال الدنيا
إبراهيم الدميجي

الحمدُ لله الذي أنشأ وبَرَأ، وخلق الماء والثَّرى، وأبدع كل شيء ذَرَا، لا يغيب عن بصره دبيبُ النمل في الليل إذا سرى، ولا يعزب عن علمه شيءٌ في الأرض ولا في السما، اصطفى آدم، ثم عفا عمَّا جرى، أحمده ما قُطِع نهارٌ بسيرٍ وليلٌ بسُرى، وأصلي على رسوله محمدٍ المبعوثِ في أُمِّ القُرى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وبالخير جرى؛ أما بعد:

فيا عبادَ الله، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، واعلموا أن الله تعالى أرحمُ بعبده من نفسه، وأعْلَمُ بما يصلحه في دينه ودنياه، فهو وكيلُه وربُّه وسيِّدُه ومولاه ورازقُه وخالقُه ومالكُه ومُدبِّرُ أمْرِه، فلا خيرَ واصلٌ للعبد إلا من ربِّه، ولا شرَّ مدفوعٌ إلا بفضله، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه نرجع، ولو وكل اللهُ عبدَه لنفسه لباءَتْ بالخسران، ورجعت بالخيبة، وانقلبت بالفشل والضيعة.

فعلى العبد العاقل الموفَّق الحازم أن يرضى بكل تفاصيل حياته المقدَّرة من الله تعالى له؛ فيرضى بالزمان والمكان، واللون والجنس، والنسب والزوج والولد، والرزق، وسائر أحواله، فهو إنما صلح على هذه الأمور في دينه ودنياه، ولو وكله إلى نفسه أو إلى خلقه؛ لانقطعَتْ عنه أسبابُ السلامة والعافية، ورُفِعَتْ عنه حبالُ التوفيق والسعادة، فلو كان في زمان غير زمانه، أو أُوجِد في مكانٍ أو بلد غير ما خُلِق فيه، أو زوج وولد، وأقارب وجيرة، وزملاء وأحباب غير من اختِيروا له، واختِير لهم، أو كان ماله زائدًا أو ناقصًا عمَّا لديه، أو لونه أو جسده، أو جنسه أو نسبه مغايرًا؛ لرُبَّما أفضى به ذلك إلى معاطب لم يتخيَّلْها، وسارَ به ذلك الحالُ المخالفُ لمهالك لم تكن لِتَقَع لو أنه كان على تلك الحال التي اختارها مولاه له، ورُبَّ أمرٍ يتمنَّاهُ العبدُ وفيه شُؤْمُه، فَلْيَرْضَ كُلُّ عبدٍ بقسم الله له، فلرُبَّما لو سار به قدرُ الله في غير مساره الذي مشاه؛ لكان حاله في أدرك بؤسٍ، وأعنَتِ عيشٍ، وأشقى مصيرٍ!

وبما أنَّ الأمر الذي يتمنَّى لو كان عليه لم يحدث أصلًا، فهو غيب وعدم، واللهُ وحده يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، كما قال سبحانه في المتخلِّفين عن تبوك: ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ ﴾ [التوبة: 47]، وقال في أهل النار حين يتمنَّون العود للدنيا: ﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ﴾ [الأنعام: 28]، فعلمه تبارك وتعالى قد أحاط بكُلِّ شيء، ووَسِعَ كلَّ شيء، وقد جعل سبحانه قَدَره سرًّا من أسرار خلقه، فالقَدَرُ هو عِمادُ خلق الله تعالى؛ لأنه متعلِّق بعلمه وكتابته ومشيئته وخلقِه جلَّ جلاله، فقد قدَّر اللهُ تعالى مقاديرَ كلِّ الخلائق بكل تفاصيلها قبل خلقها، ورتَّب الأمورَ بعضها على بعض تدبيرًا محكمًا لا تشوبه أدنى شائبة، ولا ينقصه شيء، وأمورُ خلقِه مرتَّبة بعضها على بعض بإتقان وإحكام كامل، وكل أمر مرتب على سبب قبله، وهو سببٌ لغيره، فبينَ المقادير تسلسلٌ وترابُط شديد التعقيد، كامل الإحكام، وقد يرتب على حدثِ اليوم أمرًا سيكون بعد ألف سنة، ولو اختلف مساره قليلًا؛ لتغيَّرت أمور لا تُحصى متعلقة ببشرٍ لا يُحْصَونَ.

فلو أن فلانًا مثلًا لم يلتقِ بفلانٍ في ذلك الزمان والمكان؛ ما صارت بينهما معرفةٌ وصحبةٌ، وما تمَّتْ بينهما مصاهرةٌ، وهي التي سيكون منها ذرية من نسلٍ يتكاثر في بيئة كذا، ومجتمع كذا، ومتعلق بكذا وكذا من أمور حياة فئامٍ كثيرة من الناس، فينشأ أحد ذريته بين أخواله أو أعمامه، وبعدها يكون لحفيده شأنٌ في الناس، فيكون إمامَ هُدًى، أو داعيةَ ضلالٍ، مجدِّدًا للأمة، أو من فراعنتها، وربما حكمت هذه الأسرة بقاعًا من الدنيا، فأقام اللهُ بها شرعَه، وأنهض برجالاتها دينَه، وربما كانت من شياطين حزب عدوه، وليس الأمر في هذه الأمور الكبار فقط؛ بل حتى في أدنى التفاصيل، فلو أن فلانًا تأخَّر عن مكان كذا بثانية أو ثانيتين ما حصل ذلك الحادث، ولو أنه ما التفت ببصره لكذا لم يحدث كذا، ولو أن فلانًا ما وقع منه القَلَم ما صار كذا وكذا، فرُبَّ حدثٍ يَسيرٍ جدًّا ترتَّبَتْ عليه أمورٌ كبار؛ ولهذا نهينا عن كلمة "لو" إن كانت من باب التحسُّر أو الاعتراض؛ لأنها فتحُ بابٍ للتحسُّر على أمر قد كتبَه الله تعالى، وجعله من ضمن ناموسه الكوني الذي لا يتغيَّر ولا يتبدَّل بعدما كُتِب في اللوح المحفوظ، فالنظر فيه تحسُّرًا أو اعتراضًا فيه منازعة للمُقدِّر تبارك وتعالى في قضائه وقدره، في كتابته ومشيئته وخلقه، فاللهُ تعالى عالمٌ بكل شيء قبل وقوعه وقد كتبه وشاءه وخلقه، ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، وفيها كذلك فتحُ بوابة القلبِ للشيطان الرجيم، فيَلِجه، فيعيث في مدينته فسادًا وخرابًا وظلمةً، وألمًا وشرورًا، وسوء ظنٍّ بمن كل الخير منه وحده، فشريعةُ اللهِ الكاملةُ قد سدَّت منافذ الشيطان، وحسمت موادَّ فسادِه، وأغلقت ذرائعَ مكرِه، فمن خالف وعصى فقد فتح على نفسه الوساوس والشكوك، والضيق والعنت، والاعتراض على الله ربِّ العالمين.

وعلى ذلك؛ فبما أن مسارك الذي تتمنَّى أنك أُوجِدْتَ فيه غيبٌ لا يعلمه إلا الله، وعدمٌ لم يخلقه الله، وأن الله تعالى- الذي هو أرحم وأعلم بك من نفسك - قد اختار لك هذا الزمان والمكان، واللون والجنس، والنسب والزوج والولد، والرزق، وغير ذلك مما تقوم به حياتُك وابتلاؤك؛ فاعلم علمَ يقينٍ راسخٍ لا شكَّ فيه أنَّ الله سبحانه قد اختار لك ما هو أفضل لك من اختيارك لنفسك، أمَّا الذين تتمنَّى أن تكون كحالهم فقد خلقهم الله تعالى في حالٍ لعلَّك إنْ أُعطيتَهُ شقيت شقاء الأبد، ولو أنَّهم أُعطوا حالك لم يسعدوا، وكلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلِق له، فانغمِسْ بكلِّ قلبك في بحر الرضا، وثلج اليقين، وبرْد الحمْد.

وكَمْ رُمْتُ أمْرًا خِرْتَ لي في انْصِرافِهِ
وما زِلْتَ بي مِنِّي أبَرَّ وأرْحَمَا




ومن مصالح الرضا بالله وأقداره أن المرء يستريح من عَنَتِ الترقُّب، وكآبة المقارنة، وقلق الأماني، وسوداويَّة النظر للحال، فيعيش متأدِّبًا مع جناب ربِّه، متصالحًا مع نفسه، متعايشًا مع حاله، رضيَّ المُحَيَّا، حسنَ الأخلاق مع الناس، فلا شيء من الدنيا في نظر الراضي بالله يستحقُّ العناء.

واعلم- رحمني الله وإياك- أنَّ الألم الذي يجتوي فؤادك - أيًّا كان- إنَّما هو محض ابتلاء يُمحِّص دينك، ويُنقِّي صحيفتك، ويرفع درجتك، ويُعلي مقامَك عند ربِّك إن أحسنت استقباله، فاشكره واحمده، وارضَ به وبقضائه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ، ثم الأمْثَلُ فالأمْثَلُ))[1]، والأمثل هو الأشرف والأعلى رتبةً في الدين، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنةٌ، فقد أخرج الشيخان[2] عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن كنَّا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهِلَّة، وما أوقِدَتْ في أبياتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم نارٌ"[3]، فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: "الأسودان: التمر والماء"، وهو أكرم الخلق على الله تعالى.

واعلم أنَّ الله تعالى يعطي ويمنع عبده بما يصلحه، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ [الشورى: 27]، وتدبر قول الله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [التوبة: 75 - 77].

وذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في شرح حديث الولي[4] عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام، عن ربِّه تعالى وتقدَّس قال: ((.. وإِن َّمن عِبادي المُؤمنينَ لَمَن يَسأَلُني البَابَ مِنَ العِبادةِ فَأَكُفُّهُ عَنهُ، وَلو أَعطيتهُ إِيَّاهُ لَدَاخلهُ العُجْبُ وَأَفسدهُ ذلِكَ، وَإِنَّ مِن عِبادي المُؤمنينَ لَمَن لا يَصلحُ لهُ إلا الغِنى وَلو أَفْقَرْتهُ لأَفسدهُ ذلِكَ، وَإِنَّ مِن عِبادي المؤمنينَ لَمَن لا يَصلحُ لهُ إِلا الفَقرُ، ولو أَغنيتهُ لأَفسدهُ ذلكَ، وإِنَّ مِن عِباديَ المُؤمنينَ لَمَنْ لا يُصلحهُ إِلا الصحةُ وَلو أَسقمتهُ لأَفسدهُ ذلِكَ، وإِنَّ منْ عِباديَ المؤمِنينَ لَمَن لا يَصلحُ لَهُ إلَّا السُّقمُ وَلو أصححتهُ لأَفسدهُ ذلِكَ، إِني أُدبِّرُ عِبادي بِعلمِي بِقلُوبهِم، إِني عَليمٌ خَبيرٌ))، وفي رواية: ((أتاني جبريل، فقال: يا محمدُ، ربُّك يقرأُ عليك السلام، ويقول: إنَّ من عبادي من لا يصلُحُ إيمانُه إلا بالغنى، ولو أفقرتُه لكَفَر، وإن من عبادي من لا يُصلِحُ إيمانَه إلا القِلَّة ولو أغنيتُه لكَفَر، وإن من عبادي مَن لا يَصلحُ إيمانه إلا بالسقم ولو أصححتُه لكَفَر، وإن من عبادي من لا يصحُّ إيمانُه إلا بالصحة ولو أسقمتُه لكَفَر))[5].

فليس معيار التفضيل رخاء الحال أو رقَّته، ولا طول الجسد أو لونه أو شكله، أو سلالته، أو زمانه أو مكانه، والأرض لا تقدُّس أحدًا، والعصر لا يُزكِّيه؛ إنما يُزكِّيه ويرفعه ويكرمه إيمانه وتقواه، قال سبحانه: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، وقال سبحانه: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾ [الفجر: 15، 16]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ [سبأ: 37].

وتأمَّل دعاءه صلى الله عليه وسلم، وتسليمه لربِّه، ورضاه به في قوله: ((ماضٍ فيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فيَّ قضاؤك))[6]، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وإذا عُرِف أن كل واحد من الابتلاء بالسرَّاء والضرَّاء قد يكون في باطن الأمرِ مصلحة للعبد أو مفسدة له، وأنه إن أطاع الله؛ فذلك كان مصلحةً له، وإن عصاه؛ كان مفسدةً له، تبيَّن أن الناس أربعة أقسام؛ منهم: من يكون صلاحُه على السَّراء، ومنهم من يكون صلاحُه على الضرَّاء، ومنه من يصلح على هذا وهذا، ومنهم من لا يصلح على أحدٍ منها، والإنسان الواحد قد يجتمع له هذه الأحوال الأربعة في أوقاتٍ أو وقتٍ واحدٍ، باعتبار أنواع يُبتلى بها"[7]، وتأمَّل كذلك دعاء الاستخارة، وما تضمَّن من معاني الخيرة الإلهية لعبده.

عباد الله، قال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: إنَّ العبدَ ليهمُّ بالأمرِ من التجارةِ والإمارةِ حتى يُيسَّر لهُ، فينظرُ اللَهُ إليه فيقولُ للملائكةِ: اصرفوه عنهُ، فإنهُ إن يسَّرتُهُ له أدخلتُه النارَ، فيصرفه اللَّهُ عنهُ، فيظلُّ يتطيَّرُ يقولُ: سبقنِي فلانٌ، دهانِي فلان، وما هو إلا فضلُ اللَّهِ عز وجل"[8].

بارك الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، الداعي إلى رضوانه، أما بعد:
فاتَّقِ اللهَ يا عبد الله، وتأمَّل نِعَمَ الله العديدة عليك؛ حتى لا تقع في سوء ظَنٍّ به عزَّ وجل، واعلم أنك مهما اجتهدت في عدِّها؛ فلن تستطيع إحصاءها كما قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]، واعلم أن الخيرة كلها إنما هي فيما اختاره الله عز وجل لك، وأنك إن ابتُليتَ بما به تألَّمْتَ، أو ضاق له صدرُكَ، أو نفرَتْ عنه نفسُك؛ فهو خيرٌ لك، وإن جهلتَ العاقبة: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، صدق الله، فالله يعلم ونحن لا نعلم، لا نعلم ما يصلحنا على التفصيل، ولا نعلم ما يترتب على أفعالنا وأحوالنا في قابل الزمان، ففي المال مثلًا - وهو غالب الأمنيات العاجلة لأكثر بني الإنسان- لا يعلم المرء أين الخير فيه بالضبط، فلربما زاد فأفضى إلى البطر والأشر، والمعاصي والطغيان، ولربما نقص فطرح صاحبه على ساحل القنوط، وسَوْءَات الظنِّ بالله تعالى، وتَدبَّرْ بقلبك قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ ﴾ [الشورى: 27]، قال العلامة ابن سعدي مفسرًا هذه الآية الكريمة: "أي: لغفلوا عن طاعته، وأقبلوا على التمتُّع بشهوات الدنيا، فأوجبت لهم الانكباب على ما تشتهيه نفوسهم، ولو كان معصيةً وظلمًا"[9].

هذا وصلُّوا وسلِّموا.

[1] المسند (23810)، والأدب المفرد (87)، وصححه الألباني.

[2] البخاري 3/ 201 (2567)، ومسلم 8/ 218 (2972) (28).

[3] أي: تمرُّ عليهم ثلاثة أشهر وهم لا يطبخون شيئًا.

[4] (1 / 94).

[5] أخرجه ابن أبي الدنيا مطولًا في أول كتابه الأولياء (1)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 319)، والكلاباذي في المعاني (1/ 377)، والبغوي في شرح السنة (5/ 21)، والطبراني (8/ 264)، وابن عساكر (95/7)، وأخرجه الخطيب (6/ ‏14)، وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (31/1‏): لا يصح، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1/ 75)، والرواية الثانية أخرجها الخطيب في تاريخ بغداد (6/ 503)، ومدارها على يحيى بن عيسى الرملي وهو ضعيف، فالحديث ضعيف، وللحديث ألفاظ متقاربة، ولم أقف على شيء منها صحيح خلا بعض ألفاظه، وإن كانت معانيها صحيحة، وهي صالحة للاعتبار، وقد استشهد بها الأئمة، كالبغوي، وابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، وابن كثير وغيرهم.

[6] بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار (382- 383).

[7] تفسير العثيمين، سورة سبأ (1/ 227).

[8] تفسير ابن رجب (2/ 314).

[9] تفسير السعدي (1/ 758).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 75.88 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.22%)]