أحكام الوقف، والهبة، والوصية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح البخاري كاملا الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 549 - عددالزوار : 74488 )           »          حكم الزكاة لمن اشترى أرضاً ولم ينو بيعها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          صيام الأيام البيض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          هل الاستغراق في النوم ينقض الوضوء؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          الفرق بين الرياح والريح والسُّنة فيهما (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 2057 )           »          اهتمام الإسلام بالعلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 108 - عددالزوار : 48220 )           »          المرأة والأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 108 - عددالزوار : 52366 )           »          عُزلة الـ «تكست نِك» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-02-2023, 02:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,604
الدولة : Egypt
افتراضي أحكام الوقف، والهبة، والوصية

أحكام الوقف، والهبة، والوصية
د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني


إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ، أما بعدُ:
فحَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عنْ موضوع بعنوان: «أحكام الوقف، والهبة، والوصية».

وسوف ينتظم موضوعنا مع حضراتكم حول ثلاثة محاور:
المحور الأول: أحكام الوقف.
المحور الثاني: أحكام الهبة.
المحور الثالث: أحكام الوصية.


واللهَ أسألُ أن يجعلنا مِمَّنْ يستمعونَ القولَ، فَيتبعونَ أَحسنَهُ، أُولئك الذينَ هداهمُ اللهُ، وأولئك هم أُولو الألبابِ.

المحور الأول: أحكام الوقف:
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن من أفضل أنواع الصدقة أن يُوقفَ المسلمُ أرضًا، أو عقارًا، أو مالًا على طائفة معينةٍ من المسلمين كالفقراء، أو المساكين، أو أهل العلم، أو غيرهم.


رَوَى مُسْلِمٌ عنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ، انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»[1].

والوقفُ يَكونُ بالانتفاعِ بالعَينِ الموقوفةِ مع بَقائِها دائما، ويَصِحُّ وَقْفُ كُلِّ عَيْنٍ يُنْتَفَعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا دَائِمًا.


رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أَرْضًا، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا»، فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ فِي الفُقَرَاءِ وَالقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ[2].

وَلَا يَصِحُّ الوَقْفُ إِلَّا عَلَى عَمَلٍ منْ أَعمَالِ البرِّ، كَالمَسَاجِدِ، وَالفُقَرَاءِ، وَالأَقَارِبِ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة: 2].


ولَا يجوزُ صرفُ الوقفِ فِي غَيْرِ مَا شَرَطَهُ الوَاقِفُ، فإِنْ شرَطَهُ للفقراءِ لم يجُزْ صَرفهُ لِغيرهِم، وإنْ شَرَطَهُ لأَقاربِهِ، لم يجُزْ صرفهُ لغَيرهمْ.

ولا يجوزُ تَغييرُ الوَقْفِ عَمَّا وُقِفَ عليهِ، فَلَا يُرْهَنُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ، وَلَا يُبَدَّلُ بِغَيْرِهِ.


رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ»[3].

أَمَّا إِنْ تَعَذَّرَ الانْتِفَاعُ بِالوقفِ فَيجوزُ صرفُهُ فِي مِثْلِهِ، كَأَنْ يَكُونَ مَسْجِدًا، فَيَتَعَذَّرَ الانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِخَرَابِ النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا، أَوْ كَانَ مَوْضِعُ المَسْجِدِ قَذِرًا[4].

روى الطبراني بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ القَاسِمِ، قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَقَدِ اتَّخَذَ سَعْدٌ مَسْجِدًا فِي أَصْحَابِ التَّمْرِ، فَكَانَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ فِي الصَّلَوَاتِ، فَلَمَّا وَلِيَ عَبْدُ اللهِ بَيْتَ المَالِ، نَقَبَ بَيْتَ المَالِ، فَأَخَذَ الرَّجُلَ، فَكَتَبَ عَبْدُ اللهِ إِلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: «أَنْ لَا تَقْطَعْهُ، وَانْقُلِ المَسْجِدَ، وَاجْعَلْ بَيْتَ المَالِ مِمَّا يَلِي القِبْلَةَ، فَإِنَّهُ لا يَزَالُ فِي المَسْجِدِ مَنْ يُصَلِّي»، فَنَقَلَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ مسعُودٍ رضي الله عنه[5].

المحور الثاني: أحكام الهبة:
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن الهبةَ من الأسبابِ الجالبةِ للمحبة بين المسلمين.


رَوَى البُخَارِيُّ بسندٍ صحيح في الأدب المفرد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَهَادُوا تَحَابُّوا»[6].

ويُكرْهُ الرُّجُوعُ فِي الهِبَةِ قَبْلَ إِقْبَاضِهَا.


رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»[7].

وَيَحْرُمُ الرُّجُوع فِي الهِبَةِ بَعْدَ اعْطَائِهَا، ولَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَهُ.


رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «العَائِدُ فِي هِبَتِهِ، كَالعَائِدِ فِي قَيْئِه»[8].

ويجوزُ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ.


رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً، أَوْ يَهَبَ هِبَةً، فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي العَطِيَّةَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا، كَمَثَلِ الكَلْبِ يَأْكُلُ، فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ، ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ»[9].

ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ عز وجل فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَال: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟».

قَالَ: لَا.
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَاتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ».
فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ[10].

ويَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ ولوْ كَانَ غنِيًّا بأربَعةِ شروطٍ:
رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا، وَإِنَّ وَالِدِي يَجْتَاحُ مَالِي، قَالَ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ»[11].

ورَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ»[12].

الشرط الأول: أَلَا يَضُرَّ الأَبُ وَلَدَهُ بِمَا يَتَمَلَّكُهُ مِنْهُ، فَإِنْ ضَرَّهُ بِأَنْ تَتَعَلَّقَ حَاجَةُ الوَلَدِ بِهِ، كَآلَةِ حِرْفَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ يجزْ له أنْ يَتَمَلَّكَهُ.

روى ابنُ مَاجه بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ»[13].

الشرط الثاني: أَلَا يَكُونَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَضِ المَوتِ.
الشرط الثالث: أَلَا يُعْطِيَهُ لِوَلَدٍ آخَرَ.
الشرط الرابع: أَلَا يَكُونَ الأَبُ كَافِرًا، وَالابْنُ مُسْلِمًا.

ولَا يَجُوزُ لِلْوَالِدِ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ أَوْلَادِهِ بِالهِبَةِ إلا بِإِذْنِ بَقِيَّةِ الأَوْلَادِ، أَوْ لِحَاجةٍ شَدِيدَةٍ كَعَجْزٍ، وَمَرَضٍ.


رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَال: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟».
قَالَ: لَا.

قَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَاتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ».
فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ[14].

وَفِي لَفْظٍ: «لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ»[15]، فَسَمَّاهُ جَوْرًا، وَالجَوْرُ حَرَامٌ.

المحور الثالث: أحكام الوصية:
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أَنَّهُ يُستحبُّ لمَنْ عندَهُ مالٌ كثيرٌ أنْ يُوصيَ بشيءٍ مِنْ تَرِكَتِهِ.


رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: مَرِضْتُ عَامَ الفَتْحِ حَتَّى أَشْفَيْتُ عَلَى المَوْتِ، فَعَادَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي مَالًا كَثِيرًا وَلَيْسَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»[16].

ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا[17] مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ»[18].

وروى البيهقي بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «الَّذِي يُوصِي بِالخُمُسِ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يُوصِي بِالرُّبُعِ، وَالَّذِي يُوصِي بِالرُّبُعِ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يُوصِي بِالثُّلُثِ»[19].

وتَجِبُ الوصِيَّةُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ للهِ كالكفَّاراتِ، أَوْ لِآدَمِيٍّ كالدُّيونِ، وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ أَحَدًا.
وَكَذَلكَ تَجِبُ الوَصيةُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ أَمَانَةٌ بِلَا إِشْهَادٍ.


رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»[20].

أقولُ قولي هذا، وأَستغفرُ اللهَ لي، ولكُم.


الخطبة الثانية
الحمدُ لله وكفى، وصلاةً وَسَلامًا على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا، وبعد..

فإِنَّ الوصِيَّةَ تَحْرُمُ فِي ثَلَاثِ حَالَاتٍ:
الأول: إذَا كَانتِ الوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ إِلَّا إِذَا رَضِيَ الوَرَثَةُ.
رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»[21].

الثاني: إذَا كَانتِ الوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ إِلَّا إِذَا رَضِيَ الوَرَثَةُ.


رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: مَرِضْتُ عَامَ الفَتْحِ حَتَّى أَشْفَيْتُ عَلَى المَوْتِ، فَعَادَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي مَالًا كَثِيرًا وَلَيْسَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»[22].

وتَجُوزُ الوصيةُ بِكُلِّ المالِ لِمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ.


روى الشيباني بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّكُمْ مِنْ أَحْرَى حَيٍّ بِالكُوفَةِ، أَنْ يَمُوتَ أَحَدُكُمْ، وَلا يَدَعَ عَصَبَةً، وَلا رَحِمًا، فَمَا يَمْنَعُهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَنْ يَضَعَ مَالَهُ فِي الفُقَرَاءِ، أَوِ المَسَاكِينِ»[23].

الثالث: إذَا كَانتِ الوَصِيَّةُ لِإِعَانَةٍ عَلَى مُحَرَّمٍ، كَالوَصِيَّةِ لِكَنِيسَةٍ.


لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة: 2].


وتَبطُل الوصيةُ ولا تصحُّ إِذَا حَدَثَ أَحَدُ هَذِهِ الأَشيَاءِ الخَمسَةِ:
الأول: إِنْ رَجَعَ المُوصِي في وَصِيَّتِهِ، كَأَنْ يَبيعَ مَا أَوْصَى بِهِ، أَوْ يَهَبَهُ، أَوْ يَقُولَ: قَدْ رَجَعْتُ فِي وَصِيَّتِي، أَوْ غَيَّرْتُهَا، أَوْ فَسَخْتُهَا.
الثاني: إِنْ مَاتَ المُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ المُوصِي بَطَلَتِ الوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا.
الثالث: إِنْ قَتَلَ المُوصَى لَهُ المُوصِي.

لِأَنَّ القَتْلَ يَمْنَعُ المِيرَاثَ، وَالمِيرَاثُ آكَدُ مِنَ الوَصِيَّةِ، فَتَكُونُ الوَصِيَّةُ أَوْلَى بِالمَنْعِ.

رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبدِ اللهِ بن عَمرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ»[24].

الرابع: إِنْ قَالَ المُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ المُوصِي، وقَبلَ قَبُولِهِ الوَصِيَّةَ: لَا أُريدُهَا، أَوْ قالَ: لا أَقبَلُهَا.
الخامس: إِنْ تَلِفَتِ العَيْنُ المُعَيَّنَةُ المُوصَى بِهَا كَأَنْ تَنْهَدِمَ الدَّارُ المُوصَى بِهَا.

الدعـاء...
اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين.
اللهم اغفر لنا، وارحمنا، وأنت خير الراحمين.
اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث.
اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، ونعوذ بك منك، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك.
اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا، إنك أنت الغفور الرحيم.


أقول قولي هذا، وأقم الصلاة.

[1] صحيح: رواه مسلم (1631).

[2] متفق عليه: رواه البخاري (2772)، ومسلم (1632).

[3] متفق عليه: رواه البخاري (2772)، ومسلم (1632).

[4] انظر: «كشاف القناع» (10/ 105).

[5] صحيح: رواه الطبراني في «الكبير» (9/ 192)، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/ 299): «فيه القاسم لم يسمع من جده، ورجاله رجال الصحيح».

[6] صحيح: رواه البخاري في «الأدب المفرد» (594)، والبيهقي في «الكبرى» (6/ 169)، وصححه الألباني.

[7] متفق عليه: رواه البخاري (33)، ومسلم (59).

[8] متفق عليه: رواه البخاري (2621)، ومسلم (1622).

[9] صحيح: رواه أبو داود (3541)، والترمذي (1298)، والنسائي (3690)، وابن ماجه (2377)، وصححه الألباني.

[10] متفق عليه: رواه البخاري (2587)، ومسلم (1623).

[11] صحيح: رواه أبو داود (3532)، وابن ماجه (2291)، وصححه الألباني.

[12] صحيح: رواه أبو داود (3531)، والترمذي (1358)، وقال: «حسن صحيح»، وابن ماجه (2290)، صححه الألباني.

[13] صحيح: رواه ابن ماجه (2340)، وأحمد (5/ 326)، وصححه الألباني.

[14] متفق عليه: رواه البخاري (2587)، ومسلم (1623).

[15] متفق عليه: رواه البخاري (2650)، ومسلم (1623).

[16] متفق عليه: رواه البخاري (1295)، ومسلم (1628).

[17]غَضُّوا: أَيْ نَقَصُوا. [انظر: «لسان العرب»، مادة «غضض»].

[18] متفق عليه: رواه البخاري (2743)، ومسلم (1629).

[19] صحيح: رواه البيهقي (6/ 270)، وقال الألباني في «الإرواء» (6/ 85): «إسناده جيد».

[20] متفق عليه: رواه البخاري (2738)، ومسلم (1627).

[21] صحيح: رواه أبوداود (2872)، والترمذي (2120)، وقال: «حسن صحيح»، وابن ماجه (2713)، وصححه الألباني.

[22] متفق عليه: رواه البخاري (1295)، ومسلم (1628).

[23] صحيح: رواه الشيباني في «الحجة» (4/ 243)، وعبدالرزاق في «مصنفه» (9/ 68)، والطبراني في «الكبير» (8/ 294)، وصححه ابن حزم في «المحلى» (9/ 317).

[24] صحيح: رواه أبو داود (4566)، وصححه الألباني.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.96 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]