
20-04-2023, 10:45 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,121
الدولة :
|
|
رد: اللطائف الروحية في الدروس الرمضانية ..... يوميا فى رمضان

اللطائف الروحية في الدروس الرمضانية
مشعل بن عبد العزيز الفلاحي
(30)

مع العيد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد
فإن من سنن الله تعالى في الكون أن يعاقب بين الأيام والمناسبات فهانحن نودع رمضان في مثل هذه الليلة ، ونستقبل في الوقت ذاته أيام العيد ، الأيام التي جعل الإسلام فيها فسحة عريضة للمسلم أن يعبّر فيها عن فرحته . فأهلاً بالعيد وأيامه آملين أن يكون عيداً مباركاً على الأمة الإسلامية في شتى بقاع الأرض . غير أن هناك ثمة وقفات مهمة :

أولاً : أن هذا هو عيد أمة الإسلام في أقطار الدنيا ، وهو اليوم الذي تعبّر فيه الأمة عن فرحتها ، وسر هذه الفرحة هو تحقيق العبودية لله تعالى بامتثال أمره في صيام هذا الشهر الكريم ، وليس عند أمة الإسلام عيداً للأم ، ولا عيداً للطفل ، ولا عيداً للميلاد ، بل ليس في قاموس الإسلام غير عيدان اثنان ، الفطر والأضحى ، وحين تلقاها الأمة لها أن تعبّر فيها عن هذه الفرحة بما شاءت شريطة ألا تخالف أمراً ،أو ترتكب نهياً لمن تتعبّد له وإلا صارت هذه الأعياد شؤماً في حياة من شهدها .

ثانياً : لقد شرع الله تعالى لهذه الأمة في هذا العيد التكبير ، بل جُعل من شعائر العيد الخاصة حين قال عز وجل : (( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون )) سورة البقرة (185) . وللإنسان أن يبدأ في التكبير من حين غروب شمس آخر يوم من شهر رمضان ، وليصدح بهذا التكبير في البيوت وسائر الأمكنة امتثالاً لأمر الله تعالى ، وليبق يردد هذا التكبير إلى أن يخرج الإمام لأداء صلاة العيد .
ثالثاً : للإنسان أن يتجمّل في يوم العيد ، وليخرج في أبهى حُلة لأداء هذه الصلاة ، فقد أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق فأتى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : ابتع هذه تجمّل بها للعيد والوفود ........... الحديث )) (163) . ففيه دلالة على أن التجمّل يوم العيد كان معروفاً مشهوداً عند الصحابة رضوان الله عليهم . وعند البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن ابن عمر كان يلبس للعيد أجمل ثيابه .

رابعاً : ينبغي للإنسان ألا يخرج لعيد الفطر حتى يأكل تمرات لما جاء عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدوا يوم الفطر حتى يأكل تمرات .(164) . وفي هذا الأكل مبالغة في النهي عن الصوم في هذا اليوم كما جاءت بذلك الآثار .
خامساً : للإنسان أن يبادل أخاه بالتهنئة في يوم العيد كأن يقول الإنسان تقبل الله منا ومنكم ، وأعاده الله علينا وعليكم ، أو أي لفظ آخر رآه الإنسان مناسباً في المقام فإن الأمر واسع في ذلك كما أشار إلى ذلك غير واحد من أهل العلم رحمهم الله تعالى .
سادساً : أن هذه الفرحة التي يشهدها المسلم يوم عيده إنما هي تعبير صادق على الانتماء لهذا المنهج العظيم ، فكما أن الإنسان صام رمضان امتثالاً لأمر الله تعالى فهاهو حين يشهد العيد إنما يشهده تلبية لأمر الله ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم .

وفي هذا أعظم دلالة على صدق المسلم واتباعه منهج هذا الدين . وحين تجد المعايد في ذلك اليوم يستمع إلى أغنية أو يتلذذ بمشاهد مشينة أو يتجاوز بلسانه في أعراض المسلمين أو حتى حين يتزيّن بالعبث في لحيته أو يزيد في طول ثوبه طولاً يتجاوز به النطاق . أوحين يعبّر عن هذه الفرحة تعبيراً يخرج عن نطاق هذا العيد إنما يتجاوز بذلك هذا السياج العظيم من الشرع الحنيف ، وحينئذ لا يعيش الفرحة الحقيقية التي أذن الله تعالى بها وإنما يشطح بعواطفه إلى هناك بعيداً عن الحياة الروحية الجميلة التي يعيشها المسلم وهو يتلذذ بطاعة الله تعالى .

سابعاً : العيد بمعناه الحقيقي هو الاجتماع والألفة والمحبة وإشباع العاطفة في نطاقها الصحيح ، ولن يجمل العيد في نفوسنا الجمال الحقيقي حتى نتجاوز كل خلافاتنا ، ونصافح كل من نلقاه على ظهر هذه الأرض ممن تربطنا رابطة الإيمان غير آبهين بأي خلاف مهما كان . آن لنا اليوم أن نرمي بكل خلافاتنا مهما كانت خلف ظهورنا ، ولنتعانق من جديد ، ولنعيد البسمة التي غابت من زمن طويل ، وحينئذ سيكون هذا العيد حين ما تحقق هذه المعاني من أجمل الأعياد في تاريخ الواحد منا .

وأخيراً : غداً العيد ، وغداً تتجلى كل معاني المحبة والصفاء والنقاء ، غداً ستعبّر النفس عن عواطفها تعبيراً صادقاً يضمن لها حياة السعداء بهذا الدين ، وبين هذا المساء ويوم غد سينطلق التكبير في الأفنية الواسعة من بيوتنا ، وفي الأسواق وتجمعات الناس ، وغداً تدوي طرقاتنا بالتكبير من كل مكان ، فيالله ما أعظم أمة الإسلام حينما ترتبط بمنهجها راضية به ، واثقة منه ، مطمئنّة به .
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

--------------------------------
(163) رواه البخاري
(164) رواه البخاري
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|