|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أحكام الردة والتعزير وقطاع الطريق والبغاة د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ، أما بعدُ: فحَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عنْ موضوع بعنوان: «أَحْكَامُ الرِّدةِ، والتعزير، وقُطَّاع الطريقِ، والبُغاة». وسوف ينتظم حديثنا معكم حول أربعة محاور: المحور الأول: أحكام الرِّدَّةِ. المحور الثاني: أحكام التَّعزيرِ. المحور الثالث: أحكام قُطَّاعِ الطريق. المحور الرابع: أحكام قتالِ البُغَاةِ. واللهَ أسألُ أن يجعلنا مِمَّنْ يستمعونَ القولَ، فَيتبعونَ أَحسنَهُ، أُولئك الذينَ هداهمُ اللهُ، وأولئك هم أُولو الألبابِ. المحور الأول: أحكام الرِّدَّةِ: اعلموا أيها الإخوة المؤمنونَ أَنَّ مَنْ سَبَّ اللهَ تَعَالَى ارتدَّ عن دينِ الإسلامِ سواءٌ كَانَ مَازِحًا أَوْ جَادًّا، وَكَذَلِكَ مَنِ اسْتَهْزَأَ بِاللهِ تَعَالَى، أَوْ بِآيَاتِهِ، أَوْ بِرُسُلِهِ، أَوْ كُتُبِهِ ارتدَّ عن دينِ الإسلامِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [التوبة 65 - 66] وَقَدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلى قَتلِ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم[1]. وَكَذَلِكَ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ ارتدَّ عن دينِ الإسلامِ. رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ»[2]. وَمَنْ سَجَدَ لِصَاحِبِ قَبْرٍ، أَوْ صَنَمٍ، أَوْ مُعَظَّمٍ ارتدَّ عن دينِ الإسلامِ، وَكذلك مَنْ طَافَ حَوْلَ ضَرِيحٍ، أَوْ نَذَرَ، أَوْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ كلَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى، وَمَنْ صَرَفَهَا لِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ. قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]. وَمَنِ امْتَهَنَ القُرْآنَ، أَوْ زَعَمَ تَنَاقُضَهَ، أوْ جحدَ شَيْئًا مِنْهُ ارتدَّ عن دينِ الإسلامِ؛ لأنَّ القرآنَ من كلامِ الله سبحانه وتعالى. قَالَ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [التوبة: 65، 66]. وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ لِلهِ شَرِيكًا فِي رُبُوبِيَّتِهِ، أَوْ أُلُوهِيَّتِهِ كَفَرَ. قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]. وَكَذَلِكَ مَنْ جَحَدَ الرُّبُوبِيَّةَ، أَوِ الأُلُوهِيَّةَ، أَوْ جَحَدَ الشَّهَادَتَيْنِ، أَوْ إِحْدَاهُمَا كَفَرَ؛ لِأَنَّ جَاحِدَ ذَلِكَ مُشْرِكٌ بِاللهِ تَعَالَى. وَمَنْ جَحَدَ أَحَدًا مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ كَفَرَ. قَالَ تَعَالَى: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 151]. وَمنْ جَحَدَ فَرِيضَةً ظَاهِرَةً مُجْمَعًا عَلَيْهَا كفَرَ كأَنْ يجْحَدَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ، أَوِ الصِّيَامِ، أَوِ الحَجِّ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِجَهلٍ مِنْهُ لَمْ يَكْفُرْ، وَعُرِّفَ حُكْمَهُ وَدَلِيلَهُ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَيْهِ كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلْقُرْآنِ. وَمَنِ اعْتَقَدَ حِلَّ مَا أَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، كَالخَمْرِ وَالخِنْزِيرِ، وَالمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَالزِّنَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِجَهلٍ منهُ لَمْ يَكْفُرْ، وَعُرِّفَ حُكْمَهُ وَدَلِيلَهُ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَيْهِ كَفَرَ[3]. وَمَنْ شَكَّ فِي وُجُودِ اللهِ، أَوْ فِي رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَفَرَ. قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات: 15]. أَيْ لَمْ يَشُكُّوا فِي وَحْدَانِيَّةِ اللهِ، وَلَا فِي نُبُوَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا فِي دِينِهِمْ، فَمَنْ شَكَّ فِي وُجُودِ اللهِ كَفَرَ[4]. وَلِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ»[5]. وَمَنِ ارْتَدَّ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ مُخْتَارٌ حثَّهُ الحَاكِمُ عَلَى التوبَةِ، فَإِنْ تَابَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى رِدَّتِهِ قَتَلَهُ. روى مالك بِسَنَدٍ حَسَنٍ عنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه رَجُلٌ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى، فَسَأَلَهُ عَنِ النَّاسِ، فَأَخْبَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ كَانَ فِيكُمْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ؟[6]، فَقَالَ: نَعَمْ، رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، قَالَ: فَمَا فَعَلْتُمْ بِهِ؟ قَالَ: قَرَّبْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «فَهَلَّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا، وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا، وَاسْتَتَبْتُمُوهُ، لَعَلَّهُ يَتُوبُ، وَيُرَاجِعُ أَمْرَ اللهِ، اللهُمَّ إِنِّي لَمْ أَحْضُرْ، وَلَمْ آمُرْ، وَلَمْ أَرْضَ إِذْ بَلَغَنِي»[7]. ورَوَى البُخَارِيُّ عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»[8]. وَرَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ للجَمَاعَةِ»[9]. وَتَوبَةُ المُرْتَدِّ إِتْيَانُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ رُجُوعِهِ عَمَّا كَفَرَ بِهِ، فَلَا يَحْصُلُ إِسْلَامُهُ إِلَّا بِالإِقْرَارِ بِمَا جَحَدَهُ، فَمَنْ أَقَّر بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَأَنْكَرَ كَوْنَهُ مَبْعُوثًا إِلَى العَالَمِينَ لَا يَثْبُتُ إِسْلَامُهُ حَتَّى يَشْهَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوُلُ اللهِ إِلَى الخَلْقِ أَجْمَعِينَ، أَوْ يَتَبَرَّأَ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ. رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ»[10]. المحور الثاني: أحكامُ التَّعزيرِ: اعلموا أيها الإخوة المؤمنونَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلى الحَاكمِ تَأْدِيبُ كُلِّ مَنْ فَعَلَ مَعْصِيَةً لمْ يُرتِّبِ اللهُ عليها حدًّا، ولا كفَّارةً، كَسَرِقَةِ أَقَلَّ منَ النِّصَابِ، وَالجِنَايَةِ بِمَا لَا يُوجِبُ القِصَاصَ. روى البيهقي بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: يَا خَبِيثُ، يَا فَاسِقُ، قَالَ: «لَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ مَعْلُومٌ يُعَزِّرُ الْوَالِي بِمَا رَأَى»[11]. وَيَجُوزُ التَّأْدِيبُ بِالضَّرْبِ، وَالتَّوْبِيخِ، وَالحَبْسِ، وَلَا يَجُوزُ الجَرْحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِذَلِكَ[12]. وَإذا عزَّر بالجلدِ لمْ يجُزِ الزيادَةُ عَلَى عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ. رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ أَبِي بُرْدَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ»[13]. المحور الثالث: أحكامُ قُطَّاعِ الطريقِ: اعلموا أيها الإخوة المؤمنونَ أَنَّ الَّذِينَ يَعْرِضُونَ لِلنَّاسِ بِسِلَاحٍ، أَوْ بِغَيرِهِ، فَيَأْخُذُونَ أموالهمْ قَهْرًا مُجَاهَرَةً لهم عذاب عظيمٌ في الدنيا والآخرةِ، وَيُسَمُّونَ في الشَّرعِ بِقُطَّاعِ الطَّريقِ. فَإِنْ قَتَلُوا النَّاسَ، وَلَمْ يَأْخُذُوا أموالهُمْ وَجبَ قتلهُمْ. وَإِنْ قَتَلُوا الناسَ، وَأَخَذُوا أموالَهمْ وجبَ قتلُهم، ثم صلبُهمْ عَلَى جِذْعٍ، أَوْ نَحْوِهِ. وَإِنْ أَخَذُوا أموالَ الناسِ، وَلَمْ يَقْتُلُوا أحدًا وجبَ قطعُ يدِهمُ اليُمْنَى، وَرِجْلِهِمُ اليُسْرَى، ثُمَّ يُخلَّى سَبيلُهمْ. وَإِنْ أَخَافُوا النَّاسَ، وَلَمْ يَقْتُلُوا أحدًا، ولَمْ يَأْخُذُوا مَالًا نُفُوا مِنَ الأَرْضِ، فَلَا يُتْرَكُونَ يَأْوُونَ فِي البَلَدِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33]. أقولُ قولي هذا، وأَستغفرُ اللهَ لي، ولكُم. الخطبة الثانية الحمدُ لله وكفى، وصلاةً وَسَلامًا على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا، أما بعد:فالمحور الرابع: أحكامُ قتالِ البُغَاةِ: اعلموا أيها الإخوة المؤمنونَ أنَّهُ لا يجوز الخروجُ على الحاكم المسلم ما أقام الصلاةَ في الناسِ. روى مُسلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، مَا صَلَّوْا»[14]. وروى مُسلِمٌ عَنْ عَرْفَجَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسل يَقُولُ: «إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ»[15]. وإنْ خرجَتْ طائفةٌ مُسَلَّحةٌ عَلى الحَاكِمِ المُسْلِمِ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ سَوَاءٌ كَانَ صَوَابًا أَوْ خَطَأً، كَمَا لَوِ ادَّعَوا أَنَّهُ مُضَيِّعٌ لِحُقُوقِ اللهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ يَظْلِمُ النَّاسَ، فهمْ بُغَاةٌ يَجِبُ عَلَى الإِمَامِ مُرَاسَلَتُهُمْ، وَإِزَالَةُ شُبَهِهِمْ، فَإِنِ اعْتَلُّوا بِمَظْلَمَةٍ أَزَالَهَا، أَوْ بِشُبْهَةٍ كَشَفَهَا، فَإِنْ رَجَعُوا عَنِ البَغْي إِلَى الطَّاعَةِ تَرَكَهُمْ، وَإِنْ أَبَوْا الرُّجُوعَ وَعَظَهُمْ وَخَوَّفَهُمْ بِالْقِتَالِ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعُوا، وَلَمْ يَتَّعِظُوا لَزِمَ قِتَالُهُمْ إِنْ كَانَ قَادِرًا. قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: 9]. ورَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ «أنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه رَاسَلَ أَهْلَ البَصْرَةِ قَبْلَ مَوْقِعَةِ الجَمَلِ»[16]. ورَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ «أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه لَمَّا اعْتَزَلَتْهُ الحَرُورِيَّةُ بَعَثَ إلَيْهِمُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَوَاضَعُوهُ كِتَابَ اللهِ ثَلَاثَة أَيَّامٍ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ»[17]. فإِنِ انْهَزَمُوا، فَلَا يُتْبَعُ لَهُمْ فَارٌّ، وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ، وَيَحْرُمُ قَتْلُ جَرِيحِهِمْ، ولَا يُغْنَمُ مَالُهُمْ، ولَا تُسْتَرَقُّ أَطْفَالُهُمْ، وَنِسَاؤهمْ. روى البيهقي بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: «شَهِدْتُ صِفِّينَ، فَكَانُوا لَا يُجِيزُونَ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا يَقْتُلُونَ مُوَلِّيًا، وَلَا يَسْلُبُونَ قَتِيلاً»[18]. وَروى البيهقي بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنهما قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ، فَقَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْرَمَ غَلَبَةً مِنْ أَبِيكَ، مَا هُوَ إِلَّا أَنْ وَلَّيْنَا يَوْمَ الجَمَلِ، فَنَادَى مُنَادِيهِ لَا يُقْتَلُ مُدْبِرٌ، وَلَا يُذَفَّفُ[19] عَلَى جَرِيحٍ»[20]. وَلَا يَضْمَنُ البُغَاةُ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ العَدْلِ حَالَ الحَرْبِ، كَمَا لَا يَضْمَنُ أَهْلُ العَدْلِ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى البُغَاةِ حَالَ الحَرْبِ. قَالَ الإِمَامُ الزُّهْرِيُّ: «كَانَتِ الفِتْنَةُ العُظْمَى، وَفِيهِمُ البَدْرِيُّونَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِبَ حَدٌّ عَلَى رَجُلٍ ارْتَكَبَ فَرْجًا حَرَامًا بِتَأْوِيلِ القُرْآنِ، وَلَا يُقْتَلُ رَجُلٌ سَفَكَ دَمًا حَرَامًا بِتَأْوِيلِ القُرْآنِ، وَلَا يَغرَم مَالًا أَتْلَفَهُ بِتَأْوِيلِ القُرْآنِ»[21]. وَيَضْمَنُ البُغَاةُ، وَأَهْلُ العَدْلِ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ أَمْوَالٍ وَنُفُوسٍ بِغَيْرِ حَرْبٍ[22]. الدعـاء... • اللهم ثبِّت قلوبَنا على الإيمان. • ربنا إننا ظلمنا أنفسنا، فاغفر لنا. • ربنا نجِّنا من القوم الظالمين. • اللهم إنا نعوذ بك من جَهد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء. • اللهم ارزقنا رزقًا طيبًا، وعملًا متقبَّلًا، وعلمًا نافعًا. • اللهم أعنَّا على المحافظة على الصلوات في أوقاتها. أقول قولي هذا، وأقم الصلاة. [1] انظر: «الإجماع»، رقم (789). [2] متفق عليه: رواه البخاري (3609)، ومسلم (157). [3] انظر: «الكافي» (5/ 319، 320). [4] انظر: «تفسير الطبري» (22/ 318)، و«العدة» (2/ 332). [5] صحيح: رواه مسلم (27). [6] هَلْ كَانَ فِيكُمْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ؟: أَيْ هَلْ مِنْ خَبَرٍ جَدِيدٍ جَاءَ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ. [انظر: «شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك» (4/ 41)]. [7] حسن: رواه مالك في «الموطأ» (2/ 737)، والشافعي في «مسنده» (286 ترتيب)، والبيهقي في «الكبرى» (8/ 206)، وحسنه الألباني في «التعليقات الرضية» (3/ 342). [8] صحيح: رواه البخاري (3017). [9] متفق عليه: رواه البخاري (6878)، ومسلم (1676). [10] متفق عليه: رواه البخاري (25)، ومسلم (20). [11] حسن: رواه البيهقي في «الكبرى» (8/ 253)، وحسنه الألباني في «الإرواء» (8/ 54). [12] انظر: «الكافي» (5/ 439). [13] متفق عليه: رواه البخاري (6850)، ومسلم (1708). [14] صحيح: رواه مسلم (1854). [15] صحيح: رواه مسلم (1852). [16] صحيح: رواه أحمد (2/ 84)، وصححه الألباني في «الإرواء» (2459). [17] صحيح: رواه أحمد (1/ 86-87)، وصححه الألباني في «الإرواء» (2459). [18] صحيح: رواه البيهقي (8/ 182)، والحاكم في «مستدركه» (2/ 167)، وصححه الألباني في «الإرواء» (2463). [19] يُذَفَّفُ: أَيْ يُجْهَزُ. [20] حسن: رواه البيهقي في «الكبرى» (8/ 181)، وحسنه ابن كثير في «إرشاد الفقيه» (2/ 289). [21] رواه البيهقي في «الكبرى» (12/ 251). [22] انظر: «المغني» (12/ 250-251)، و«الكافي» (5/ 312)، و«شرح المنتهى» (6/ 281).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |