|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أكرموها قبل أن تفقدوها تحدثت عن أوضاع بعض الأزواج مع زوجاتهم، وعن أوجه التقصير في حقوق الزوجات، وما هو الواجب على الأزواج في تلك الأوجه، واليوم أواصل الحديث عمَّا لم أتمكَّن من الحديث عنه. • من ذلك إيذاء الزوجة بالسبِّ والشتم، والتنقيص والاستهزاء، وقد كثُرت الشكوى من كثير من الزوجات يشكون من أزواجهن هذا الخلق السيئ، والخَصلة المذمومة، وهذا دليل على جهل عميق، وانحراف في الفطرة سحيق؛ قال صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطَّعَّان ولا اللَّعَّان، ولا الفاحش ولا البذيء»[2]، وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»[3]، ونهى الله عن أذية المؤمنين عامة؛ فقال: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58]، فأذية المؤمنين جميعًا لا تجوز، بل هي من كبائر الذنوب، فكيف بأقرب الناس إليك وأعظمهم حقًّا عليك، الذين أوصى الله بالإحسان إليهم، وقرن حقهم بحقه؛ في قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36]؟ فالصاحب بالجنب على قول بعض المفسرين هو الزوجة، فكيف يجمع المسلم بين طاعة الله، والإحسان إليها وإهانتها بالسب والشتم وبذيء الكلام؟! إن ذلك تناقض بيِّنٌ، وخروج واضح عن أدب الشرع، وتمرد على الحق، صحيح أن المرأة قد تكون بعض تصرفاتها وبجهلها وسوء خلقها هي المتسببة في ذلك، لكن كيف يبرهن الرجل على تميزه على المرأة، وارتفاع درجته عليها، إلا بالصبر والتحمل، وحسن المدارة لها، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الأزواج بذلك ونبههم إليه؛ فقال: «إن المرأة خُلِقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها، استمتعت بها وبها عِوَجٌ، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها»[4]. وهذه الوصية التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه، قد طبقها هو صلى الله عليه وسلم خيرَ تطبيق، فكم عانى من طلبات زوجاته وتصرفاتهن، وغيرتهن، وحسبك هذا المثال؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام، فضربت عائشة بيدها، فكسرت القصعة، فضمها وجعل فيها الطعام، وقال: كلوا، وحبس الرسول القصعة، حتى فرغوا، فدفع القصعة الصحيحة، وحبس المكسورة))[5]. فتصور - يا عبدالله - رسول الله سيد البشر أجمعين، في بيته، وبين أصحابه، تقدم تلك الزوجة أمامه وأمام أصحابه على ذلك الفعل، فكيف تتصور الرد؟ كيف لو كنت أنت مكانه، وفعلت ذلك زوجتك أمام ضيوفك؟ ماذا كنت فاعلًا بها؟ ولكن صاحب الخلق العظيم استوعب الأمر، وقدَّر الموقف، وعرف أن المرأة ضعيفة تغلبها الغيرة، ويتغلب عليها الانفعال، وتفقد أعصابها في بعض المواقف؛ فعفا عن حقه، وأنصف صاحبة الحق، وكسب قلب تلك المرأة، وظهرت المودة والرحمة ها هنا في أجلى صورها. ولو أننا اقتدينا برسول الله صلى الله عليه وسلم في مواقفه هذه، وصَبَرَ كلٌّ من الزوجين على صاحبه، وتفهَّم موقفه، وقدَّر وضعه، ما حصل ما هو معلوم من فتن ومشاكل، وطلاق وخراب للبيوت، وتشتيت للأسر، فعلى الزوج أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في حلمه وحكمته وحسن تصرفه، وعلى الزوجة ألَّا تظن بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن ذلك هو طبعها وخُلُقها، بل يجب أن تعلم أنها الصديقة بنت الصديق، من أكمل النساء عقلًا ودينًا، وعلمًا وخلقًا، تربَّت بين بيتي الصديقية والنبوة، وما حصل منها إنما هو دليل على أن العصمة للأنبياء وحدهم، وهو من نوادر تصرفاتها، وليس من طبعها ولا عاداتها، فلتقتدِ بها وبسائر أمهات المؤمنين، وصالح نساء المسلمين، فيما هو غالب عليهن من حسن الخلق، وحسن معاشرة الزوج، وحسن مراعاته، والتحبب إليه؛ لأنها تكون بذلك من خير النساء وأعظمهن بركة؛ قال صلى الله عليه وسلم: «خير نسائكم الوَدودُ الوَلودُ، المواتية المواسية، إذا اتقين الله»[6]؛ فانظري هذه الصفات التي تجعل المرأة من خير النساء، فاتَّصفي بها. عباد الله: تلك هي بعض المشاكل التي تكون بين الزوج وزوجته، وهناك مشاكل أخرى يكون الزوجان فيهما ضحية لتصرفات ونفسيات غيرهما؛ وهي المشاكل التي تكون بين الزوج وأهل زوجته، أو بين الزوجة وأهل زوجها، دون أن يكون الزوجان طرفًا فيهما، أما ما يكون بين الزوج وأهل زوجته، فالغالب أن أصل المشكلة هي أهل الزوجة، حينما يكون لهم أهواء أو مطالب أو أمزجة، يريدون من الزوج تحقيقها، وليس الزوج ملزمًا بذلك شرعًا، وعند ذلك يتدخلون بينه وبين زوجته، ويعملون ما في وُسْعهم للتنكيد عليه، وإغراء ابنتهم بعصيانه وإساءة معاملته، والضغط عليه، حتى يرضخ لمطالبها، أو يفارق ابنتهم. وهكذا أهل الزوج قد يتعقدون من الزوجة، ويبغضونها، لا لشيء إلا لأنها لم توافق هواهم، أو لم تحل لمزاجهم، أو غير ذلك من الأسباب غير الشرعية، وهؤلاء الأهل - أهل الزوج أو أهل الزوجة - بذلك التصرف وتلك الأخلاق يقعون في عدة ذنوب، وأخطاء كبيرة؛ منها: • إفساد ذات البين، وهو من أكبر الذنوب وأقبحها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألَا أخبركم بأفضلَ من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة»[7]. • وهم كذلك يقومون بوظيفة الساحر الذي تعلم من الشياطين؛ قال تعالى عن السحرة: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102]. • وهم أيضًا يحققون رضا الشيطان، وسخط الرحمن؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان عندما يبث جنوده للإفساد بين الناس، يكون أرفعهم درجة عنده، وأحبهم إليه مَن تمكَّن من التفريق بين المرء وزوجه، وقد حذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، وأوعد بالبراءة ممن فعله؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خبَّب خادمًا على أهلها، فليس منا، ومن أفسد امرأةً على زوجها، فليس هو منا»[8]. فعلى الزوجة أن تعلم أنه بعد زواجها، فإن خدمتها لزوجها، وطاعتها لزوجها، ومصلحتها في زوجها، وإذا تعارض طلب الزوج مع طلب والديها، فإن طلب الزوج مقدم على طلب والديها، فإن طلب الزوج الشرعي مقدم على طلب الوالدين، إذا لم تستطع أن تجمع بين تحقيق الطلبين، ولكن مع إبقاء حسن البر والمعاملة والأخلاق لوالديها، وليس بمواجهتهم بما يكرهون. كما أن على الزوج أن يعلم أن عليه العدل بين والديه وبين زوجته، فلكل من الطرفين عليه حقوق يجب أداؤها، والسعيد من وُفِّق لأداء حقوق الأبوين والزوجة، دون إخلال أو تناقض، وفي حال عدم التوافق فإن عليه العدل، فبِرُّ والديه لا يعني ظلم زوجته أو إهانتها وإذلالها وتركيعها بين أيديهم، كما أن حقوق زوجته لا تعني متابعتها على أهوائها، وسماع كلامها، واتباع أوامرها التي تجعله يعق والديه، أو يقصر في حقوقهما، وإنه وللأسف يحصل من كثير من الأزواج الميل الواضح من طرف ضد طرف آخر. والأدهى على المرأة والأَمَرُّ، هو أن يفقد الزوج شخصيته في بيته، فلا يتصرف في نفسه، ولا في زوجته، ولا أولاده، وسيأتي الحديث عنها في المقال القادم إن شاء الله تعالى. [1] مسجد خالد بن الوليد.. ربيع الثاني1429هـ [2] رواه الترمذي (4/ 350)، برقم: 1977، أحمد (1/ 404)، برقم: 3839، وصححه الألباني في صحيح الجامع، حديث رقم: 5381. [3] رواه البخاري (1/ 13)، برقم: 10، مسلم (1/ 65)، برقم: 40. [4] رواه البخاري (2/ 1987)، برقم: (4889)، ومسلم (2/ 1091)، برقم: 1468، واللفظ له. [5] رواه البخاري (2/ 877)، برقم: 2349. [6] انظر: حديث رقم: 1849، السلسلة الصحيحة. [7] رواه الترمذي (4/ 663)، برقم: 2509، وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم: 2595. [8] رواه أحمد (2/ 397)، برقم: 9146، والبيهقي (8/ 13)، برقم: 15591، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم: 324. __________________________________________________ ______ الكاتب: الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() أكرموها قبل أن تفقدوها (2)[1] الكاتب: الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. عباد الله: تحدثت إليكم في خطبة ماضية عن بعض حقوق المرأة على زوجها، وعن واجب الزوج داخل بيته وأسرته، وكيف يعدل بين الأطراف المختلفة داخل تلك المملكة المصغرة، وبقيت نقطة مهمة متعلقة بذلك الموضوع، لم يسعفني الوقت للحديث عنها؛ وهي شخصية الزوج، وأعني بذلك أن الزوج يجب أن تكون له شخصية قوية، يُحسَب لها حسابها داخل البيت من كل الأطراف؛ لأن شروط استقرار أيِّ تجمع بشري صغير كالأسرة، أو كبير مهما كان، شرطه أن تكون له قيادة محبوبة مرهوبة، فمتى وُجِدت، استقرت الأوضاع، ومتى فُقِدت، اضطربت الأحوال وساءت. وسببُ كثيرٍ من المشاكل الناشئة في الأسر بين الزوجات ونساء أزواجهن، سببها ضعف شخصية الزوج؛ فهو إما أن تسيطر عليه الزوجة وتسخره حسب مزاجها، وكيفما شاءت، فيصطدم بأمه وأخواته، وإما أن يضعف أمامهن، فيسيطرن عليه، ثم يفرضن عليه أذية زوجته، أو منع حقوقها، أو نحو ذلك، وهذا سيؤدي إلى مشاكل كبيرة ربما استعانت المرأة بأهلها؛ فتنتشر المشكلة لتعم الأسرتين، وهكذا. فليتَّقِ الله الأزواج، وليلزموا العدل، وليقولوا للمخطئ: أنت مخطئ، ولو كانت أمهاتهم أو آباؤهم، وإنما بالرفق وحسن الأسلوب؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135]. عباد الله: وإن من حقِّ المرأة على زوجها أن يكفيها حاجتها من الطعام والكساء والدواء، وما تعارف الناس على توفيره لأنفسهم وأزواجهم، كل حسب طاقته وإمكانيته؛ قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]، فالرجل يستحق القوامة على المرأة لأسباب؛ منها أنه مكلَّف بالنفقة عليها؛ قال تعالى: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]، وقال تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 233]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الله في النساء؛ فإنهن عَوَان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف))[2]. تؤكد هذه النصوص أن النفقة واجبة على الأزواج لزوجاتهم، مقابل استمتاعهم بهن، وخدمتهن لهم، ومعاشرتهم بالمعروف، وأن تلك النفقة حقٌّ من حقوقهن، يُحاسَب عليها الزوج في الدنيا والآخرة، ولا تسقط بالتقادم، بل إذا قصَّر في شيء منها، تبقى في ذمته، لها أن تطالبه به في الدنيا، أو تتركه ليأتي به يوم القيامة، حين لا يجد ما يعطيها منه إلا الحسنات إن كان له حسنات، وإلا فيُؤخَذ من سيئاتها، فتطرح على سيئاته، والعياذ بالله، وهذه النفقة إنما تكون بالمعروف؛ أي: بحسب ما يتعارف المجتمع عليه الذي يعيش فيه الزوجان، كل مجتمع بحسبه، وكذلك بحسب دخل الزوج ضِيقًا وسَعَةً؛ يدل لذلك قوله تعالى: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ﴾ [الطلاق: 7]؛ أي: ضيَّق، ﴿ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]، وقوله: ﴿ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 233]، فكما أن النفقة واجبة محتمة على الزوج، فإن مراعاة دخله ووضعه وظروف حياته كذلك يجب على الزوجة أن تراعيها، ولا تتعنت فتطلب ما لا طاقة له به. عباد الله: هذا الذي ذكرناه ما يجب في الأوضاع العادية، وأما وضعنا الحالي؛ الوضع الصعب؛ وضع الغلاء العالمي الفاحش، والارتفاع الجنوني للسلع والمواد الغذائية، فيجب أن يُراعَى فيه أمور أخرى من قِبل الزوجين جميعًا. أما الزوج، فمن أجل أن يعيش عيشة مستقرة، ويؤدي واجباته نحو أسرته عليه؛ فعليه: أولًا: أن يبحث عن مصادر دخل إضافية حلال، يحصل منها ما يعينه على مواجهة متطلبات أسرته؛ لتعيش عيشة كريمة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((استَعِنْ بالله ولا تعجَز))[3]. ثانيًا: عليه أن يحسن التدبير، ويراعي الضروريات، ويدع ما لا حاجة له ولأسرته به. ثالثًا: عليه أن يقلع عن العادات الضارة، والأمور المحرمة؛ لأنه لا يجوز عقلًا ولا شرعًا أن ينفق ماله في تلك الأمور؛ ومنها التدخين والقات، وغير ذلك مما في حكمها، لا يجوز مطلقًا أن ينفق ماله فيها، ويدع الأمور الضرورية من الطعام والشراب، والكساء والدواء الذي تحتاجه أسرته، إنه إن فعل ذلك، فسوف يهدم الأسرة ويفككها، وسوف يدفع بالأولاد إلى التشرد والضياع، وبالزوجة إلى الانحدار والرذيلة والفاحشة؛ طلبًا لسدِّ الرمق، وتوفير الحاجات الأساسية، ولقد كشفت دارسة عن انتشار البغاء والدعارة في بعض المحافظات، وأن نسبة كبيرة من النساء اللاتي يتعرضن للوقوع في تلك المزالق، كان السبب في ذلك عدم كفاية الدخل لسدِّ حاجتهن، فهل ترضى يا من تخزن جزءًا كبيرًا من راتبك أن تذهب زوجتك إلى الفاحشة؛ من أجل أن تُرضي هواك، وتتبع شهواتك بمواصلة التخزين؟ وهكذا سائر من ينفقون أموالهم في أمور محرمة أو مكروهة أو حتى غير ضرورية، عليهم أن يقدروا الموقف، ويتقوا الله في أسرهم؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يعول))[4]، ويقول: ((إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه: أحفِظ أم ضيَّع؟ حتى يُسأَل الرجل عن أهل بيته))[5]، وعلى الزوجة أن تراعي زوجها، وأن تعينه على تحمل المسؤولية، وأن تبذل جهدها لتوفير ما تستطيع توفيره؛ للحفاظ على ستر الأسرة، وحفظ العيال، في إطار ما أحله الله تعالى. وعليها أن تصبر وتحتسب، عندما يكون زوجها بالفعل فقيرًا، أو غير قادر على توفير كافة الطلبات، وتتأسى بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي كُنَّ يمر عليهن ثلاثة أهِلَّة من شهرين، ولا يُوقَد في بيوتهن نار، وإنما طعامهن التمر والماء، وحتى التمر تقول عائشة رضي الله عنها: "ما شبعنا من التمر حتى فُتِحت خيبر"؛ يعني: في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وعليها أن تقلل من طلبات شراء الكماليات، وما لا حاجة لها به؛ من أدوات التجميل، أو موضات الثياب الزائدة عن الحاجة الضرورية، أو الفرش، أو غير ذلك، والنظر إلى من هو دونها حتى تقنع بما هي فيه، ولا تنظر إلى من أعلى منها؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انظروا إلى من أسفلَ منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدرُ ألَّا تزدروا نعمة الله))[6]، وعليها ألَّا تتطلع إلى ما يتمتع به من أنعم الله عليه. كما أن على من وسَّع الله عليه، ورُزِق الرزق الحسن أن يحمد الله، ولا يدع امرأته وعياله يتظاهرون بذلك، ويتباهون به؛ لئلا يكسروا نفوس جيرانهم، ويوغروا صدروهم. عباد الله: إن هذه المحنة التي نمر بها قد يقلبها بعض الموفَّقين إلى منحة وفرصة للسير نحو السمو والكمال، والتخلص من سيئ عادات الرفاهية والبذخ؛ وكما قال الشاعر: لعل عتبك محمودٌ عواقبُهُ ![]() وربما صحَّت الأجسام بالعللِ ![]() ![]() ![]() الخطبة الثانية ♦ الحمد والثناء والوصية.عباد الله: ذكرنا آنفًا بعض الحقوق التي تجب للزوج على زوجته، وبقِيَ أمرٌ مهمٌّ جدًّا؛ وهو ما أمر الله سبحانه وتعالى به في كتابه؛ حيث قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، إن هذا النداء - يا عباد الله - عام لكل أب، وكل زوج، وكل رب أسرة، لا يخرج منه أحد، وهو شامل لسائر الأهل والعشيرة، فيدخل الزوجة والأولاد، والوالدان والإخوة، الكل يدخلون في ﴿ أَهْلِيكُمْ ﴾ الذين أُمِرْتُم بأن تقوهم من النار؛ أي: تُبْعِدوهم عن أسباب دخولها. وفي مقدمة الأهل الزوجةُ، فعلى الزوج أن يقيها من النار؛ وذلك بتعليمها أمر دينها، ومتابعة القيام بفروضها وواجباتها الشرعية، وبتربيتها على الأخلاق الفاضلة، والآداب الحسنة، والخصال الجميلة، ويصرفها عن أضداد ذلك من الأخلاق والخصال. عباد الله: إن من أهم حقوق الزوجة على زوجها أن يغار عليها، وأن يحميها من كل ما يعرض عِرْضَها وشرفها وأخلاقها للانحلال والانحراف والامتهان، وأن يصونها أشد مما يصون كنوزه وخزائنه، فهي أغلى الكنوز، وأثمن الجواهر، فلا يجوز أن يَدَعَها تتعرض للنظرات الظامئة، ولا للكلمات الساقطة، ولا للغمزات الفاجرة، ولا للاختلاط المشين، حتى لا تكون الزوجة مضغة تلوكها الألسن، وتقذفها الأفواه، وتتندر بحديثها المجالس، أو طُعْمًا تتهارش عليه الكلاب المسعورة والذئاب الفتَّاكة، وتقتحمها الشهوات والخواطر وأمنيات الشباب، حتى تجعل لهم إلى نفسها سبيلًا، أو يجعل لها زوجها أو وليها إلى تلك المطامع بابًا أو وسيلة، عندما يتركان لها الحبل على الغارب؛ تلبس الملابس المهيجة للشهوات، واللافتة للنظر، تتعطر بما يثير النزوات نحوها، وتمر بذلك بين الشباب، وتحضر معهم أماكن اللهو والمجون؛ حيث يؤذِّن مؤذن الشيطان، فيستفز الجميع بصوته، ويجلب عليهم بخيله ورَجِلِه. يا عباد الله: إن قومًا يرضَون لزوجاتهم أو قريباتهم بذلك ما هم والله برجال، ولا عرفوا للرجولة معنًى، وما هم والله بالمؤمنين الصادقين، ولا ذاقوا للإيمان طعمًا، إنهم إلى الخنازير أقرب طبعًا، وباليهود أشبه وضعًا. وإن من مظاهر عدم الغَيرة أن تُجلَب القنوات الفاضحة والداعية إلى الإباحية والفاحشة إلى البيوت، ثم تُترَك بين يدي الزوجات والأولاد، يتعلمون منها الفحش والفجور وقلة الأدب، ومثلها بعض المواقع الإلكترونية على الإنترنت، وأشد انتشارًا الجوالات ذات الخدمات المتطورة التي تمكِّن من تبادل الصور والرسائل الغرامية، كل ذلك إذا غفل عنه أولياء الأمور، جرَّ الكوارث، وهدم الأُسَر، وخرَّب البيوت، وقضى على العفة والطهارة. ومن مظاهر قلة الغيرة أو عدمها اصطحاب الأسر والزوجات إلى الأماكن المشبوهة، والأماكن التي يوجد بها شباب طائشون، لا عمل لهم إلا النظر والمغازلات مع النساء، أو ترك النساء يذهبن هناك بمفردهن، أو يخرجن في أوقات غير مناسبة دون العلم بهدف الخروج، كل ذلك من مظاهر فقدان الغيرة، والرضا بالخبث، والرسول صلى الله عليه وسلم وصف الدَّيُّوث بأنه الذي يقر الخبث في أهله، وأنه لا يدخل الجنة. [1] 19ربيع الثاني 1429هـ / مسجد خالد بن الوليد. [2] رواه النسائي (5/ 375)، برقم: 9179، وأصل الحديث في صحيح مسلم. [3] رواه مسلم (4/ 2052)، رقم: 2664. [4] رواه النسائي (5/ 374)، برقم: 9176. [5] رواه ابن حبان (10/ 345)، برقم: 4493، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم: 1636. [6] رواه مسلم (4/ 2275)، رقم: 2963.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |