|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() وقفات فقهية (21) التعريف بحكم الاحتفال بإقامة الموالد وغيرها يقول الله تعالى: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} (الأعراف: 203)، وهنا وقفات لابد من النظر فيها: - أولا: كل عبادة يجب تأديتها على الوجه الذي شرعه الله تعالى ورسوله [، وبغير ذلك تكون العبادة باطلة. فهل إقامة المولد عبادة يتقرب بها إلى الله؟! ومن يستطيع أن يقول لنا: إن الواجب في الموالد كذا أو السنة فيه كذا؟! وكيف لم يُذكر الاحتفال بالمولد لا في القرآن ولا في السنة ولا في سلوك الصحابة رضي الله عنهم، ولا التابعين الأوائل؟! وكما نتبعه [ في العمل يجب أن نتبعه في ترك ما ترك ولاسيما في العبادات، وليسعنا ما وسع رسول الله [ وصحابته رضي الله عنهم، يقول الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} (الأحزاب: 21)، وإقامة الموالد مخالفة لقوله [ في الصحيحين: «الخديعة في النار ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (اللفظ للبخاري ورواه مسلم 1718)، فالمحتفل بالمولد يتقرب إلى الله سبحانه بغير ما شرعه الله، وذلك هو الضلال المبين. - ثانيا: مولده [ كان قبل بعثته فعلم به الرسول [ وصحابته ولم يحتفلوا به، فلم يكن أمرا مستحدثا فنجتهد فيه، والله تعالى يقول: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} (الأعراف: 157). فلقد أكمل الله الدين ورضيه لعباده وأتم نعمته بقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة: 3)، وروى الإمام أحمد (4/164) وغيره عن عرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله [ الفجر ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها الأعين ووجلت منها القلوب، قلنا، أو قالوا: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان كان عبدا حبشيا؛ فإنه من يعش منكم ير بعدي اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة».- ثالثا: لم يحتفل أحد بمولده صلى الله عليه وسلم إلا بعد مضي قرون عديدة من البعثة، ومع ذلك فبعض المحتفلين بالمولد يرمون من ترك الاحتفال بالمولد بعدم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا تكفير لمن لم يحتفل بالمولد اتباعا واقتداء بالرسول [ وأصحابه حيث لم يحتفلوا بالمولد، فمن المحب للرسول [: المتبع أم المبتدع؟ ولقد انتهج فرعون تلك السياسة واتهم موسى عليه السلام، يقول الله تعالى: {وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} (غافر: 26)، فالأولى للجميع العودة لقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} (الأحزاب: 70-71). - رابعا: لقد اختلف في تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم فمثلا قال القرطبي وغيره في تفسيره (20/194): وقد قيل إنه عليه السلام حملت به أمه آمنة في يوم عاشوراء من المحرم، وولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وقيل: إنه ولد يوم عاشوراء من شهر المحرم، حكاه ابن شاهين أبوحفص، في فضائل يوم عاشوراء له. انتهى. أما ما ليس فيه اختلاف فهو يوم وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول؛ فإن كان الأمر كذلك، فعلينا أن نحزن، ونحدّ في ذلك اليوم، لو كان الحداد عليه أمرا مشروعا، ولا نحتفل. - خامسا: وفي هذه الموالد يدعي بعضهم حضور النبي صلى الله عليه وسلم وهذا افتراء لا دليل عليه، وغالبا ما يترنمون ويتجاوزون الحد بالغلو بالمدائح النبوية ومنها بردة البوصيري التي يقول فيها: 1- يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم من أكرم الخلق، ولكن قوله «مالي من ألوذ به سواك» ذلك حق لله وحده لا شريك له، فلا ملاذ للعباد إلا الله، قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون} (النحل: 53) فلا أحد سواه يكون كذلك، لا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، فضلا عمن سواهما، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه الله: «لا ملجأ منك إلا إليك».2- وقوله: إن لم تكن آخذا يوم المعاد يدي صفحا وإلا فقل يا زلة القدم ويزعم بعضهم أن مراده طلب الشفاعة؛ وقالوا: لو صح ذلك فالمحذور أن طلب الشفاعة من الأموات شرك بدليل قوله تعالى: {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس: 18) فالشفاعة لا تطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما تطلب من الله، يقول جل وعلا: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء} (الزمر: 43) ويقول: {قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون} (الزمر: 44).3- وقوله: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم وهذا تكذيب للقرآن، قال الله: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور}، وقال تعالى: {وإن لنا للآخرة والأولى} (الليل: 13). فالدنيا والآخرة لله ومن خلقه، وليست من وجود الرسول [ أو غيره. ولا يعلم ما في اللوح المحفوظ إلا الله وحده، فهذه الأوصاف يختص بها الله عز وجل فكيف يكون الملاذ لغير الله، وكيف تكون الدنيا والآخرة من جود النبي [ وكيف يكون علم اللوح والقلم من علم النبي [؟! وماذا أبقى هذا الشاعر لله تعالى؟! وهذا مما يُغضب الله ورسوله ولا شك بأنه من الشرك الأكبر وقد انتقده كثير من علماء المسلمين، ولو وجه الشاعر شعره أو ردد المعجبون به نداءهم للخالق وقالوا:يا خالق الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم وهكذا، لكان ذلك من قمم شعر توحيد الله تعالى، علما أنه قد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إطرائه؛ ففي البخاري وغيره قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم؛ فإنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله»، ولعل فيه تنبيها لعدم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم كما أطرت واحتفلت النصارى بمولد عيسى ابن مريم عليهما السلام.- سادسا: يقول الله تعالى: {ورفعنا لك ذكرك}، ففي تفسير الشيخ السعدي رحمه الله: أي أعلينا قدرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق، فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما في الدخول في الإسلام، وفي الأذان، والإقامة، والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى بها ذكر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره، بعد الله تعالى، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن أمته، انتهى. فالمسلمون يحتفلون بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات عدة في اليوم والليلة في الأذان والإقامة على رؤوس الأشهاد اتباعا وليس ابتداعا، ولمسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو؛ فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة». فالجزاء من جنس العمل فلما دعوا للنبي [ استحقوا أن يدعو لهم، وكذا الأحاديث المشهورة عن أنس بن مالك عن النبي [ قال: «من ذكرت عنده فليصل علي»، وقال: «من ذكرني فليصل علي» وقال: «أتاني جبريل عليه السلام فقال: رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين» وقال: «أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة». وفي السنن: قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال: «إذن يكفيَك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك» وفي رواية: «ويغفر لك ذنبك» وهذا كثير في الصحاح والسنن، ولم يأمرنا صلى الله عليه وسلم بالاحتفال بمولده؛ فمن كان له أطوع وأتبع كان أولى الناس به في الدنيا والآخرة و: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (الأحزاب: 6). اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا. - سابعا: تكرار الاحتفال بالمولد يجعله عيدا، وأصل العيد العود؛ لأنه مشتق من: عاد يعود عودا وهو الرجوع، وسمي عيدا لكثرة عوائده، وقيل: لأنهم يعودون إليه مرة بعد أخرى، قاله العيني، ولم يشرع لنا في الإسلام سوى عيدين وهما عبادة لله، فعن أنس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: «لقد أبدلكم الله خيرا منهما: عيد الفطر وعيد الأضحى» رواه أبوداود والنسائي، ولم يذكر سواهما ولا الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ، فالأعياد في الإسلام هما يومان يفرح فيهما المسلمون بإتمام عبادتين عظيمتين: الصيام ويأتي بعده عيد الفطر، والحج ويأتي بعده عيد الأضحى، وللعيدين آداب وصلوات وأذكار بينها الشرع، فعلى المسلم تقوى الله في ذلك. - ثامنا: الاحتفال بالموالد من سنن أهل الكتاب، فهم يسمون سنيهم بالميلادية، أي مولد المسيح عليه السلام، بينما اتفق الصحابة رضوان الله عليهم على تسمية أعوامنا بالهجرية ارتباطا بأفضل الأعمال وهو الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، أو هجر المعاصي، وقد جاء في البخاري: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» فلنهجر البدع إلى السنن. - تاسعا: وكذا حكم الاحتفال بليلة الإسراء، ففي كتاب «حراسة التوحيد» لفضيلة الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله، قوله: لم يأت في الأحاديث الصحيحية تعيينها لا في رجب ولا في غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عنه صلى الله عليه وسلم ، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، لم يحتفلوا بها ولم يخصوها بشيء، ولو كان مشروعا لنبيه صلى الله عليه وسلم ، لعرف واشتهر ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا. اهـ. وفي البخاري عن أبي سعيد ] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟» وهذا إخبار وتحذير. اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() وقفات فقهية (22) التعريف بحكم تتبع الآثـار يقول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة:3)، وهنا وقفات لابد من بيانها: - أولاً: تتبع الآثار التي يأمر الله بها بقصد العبادة والتقديس أو التبرك من أخطر الأمور على الدين، وقد ينتهي بالمسلم إلى ما لا تحمد عقباه والعياذ بالله، فهذا السامري من قوم موسى عليه السلام تتبع الآثار التي لم يأمر الله بتتبعها (آثار جبريل عليه السلام) فكان فتنة لبني إسرائيل، يقول الله تعالى لموسى: {فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري}، بتتبعه للآثار وما ترتب عليها، سواء كانت آثار الملائكة أم الرسل أم الصالحين التي لم يأمر الله ولا رسوله بتتبعها وتمام الآية :{فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري} (طه: 86-87)، وبيّن الله لنا سبب ذلك الضلال، يقول الله تعالى: {قال فما خطبك يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي} (طه:95-96)، أقر ببطلان عمله، ونتيجة لذلك الأثر المبتدع هلك السامري، وضل القوم. يقول الله تعالى: {قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه}، إلى قوله: {إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما} (طه:98)، فلا يجوز تتبع الآثار لجعلها موطنا للعبادة، فقد كادت تهلك بنو إسرائيل بسببها لولا أن الله رحمهم بإرشاد نبيهم موسى عليه السلام. وهذا القرآن بين أيدينا، وتمام الآيات، يقول الله تعالى: {كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا} (طه:99)، ويقول تعالى: {ولقد تركناها آية فهل من مدكر} (القمر: 15).- ثانيا: انظر إلى أصحاب موسى عليه الصلاة والسلام وما فعلوه، فهم لم يستجيبوا لدعوة هارون عليه السلام: {ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني واطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى} (طه: 89-90)، وانظر إلى أصحاب محمد [ كيف تأثروا بالقرآن حتى ليحدثنا التاريخ والسنن عنهم أنهم قطعوا شجرة الرضوان وهي تلك الشجرة التاريخية المباركة التي ورد ذكرها في القرآن، (وتم تحتها بيعة الرضوان)، وما هذا إلا لأن الناس تبركوا بها فخاف عمر ] إن طال الزمان بالناس أن يعودوا إلى وثنيتهم ويعبدوها فأمر بقطعها، وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على موافقة عمر على ذلك.. بل قد ثبت عن عمر بن الخطاب ] أنه كان في سفر فرأى قوما ينتابون مكانا يصلون فيه فقال ما هذا؟ قالوا: هذا مكان صلى فيه رسول الله [، فقال: ومكان صلى فيه رسول الله [؟! أتريدون ان تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هلك من كان قبلكم بهذا، من أدركته الصلاة فيه فليصل وإلا فليمض. - ثالثا: إنما الآثار للعبرة والاعتبار، وليست للتقديس أو التبرك، فللعبرة يقول الله تعالى: {فانظر إلى أثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير} (الروم:50)، وللاعتبار يقول الله تعالى: {أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وءاثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق} (غافر:21). - رابعاً: من الآثار المشروعة التي أمر الله بها، المسجد الأقصى؛ لقوله [: «لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» فهو أول القبلتين، وثاني البيتين، وثالث المقدسات، فمن منا شد الرحال له؟ أو حدث نفسه به؟ أو حض عليه، أو أعان أهله على البقاء فيه؟ - خامسا: غالبا إذا ما ساوى قوم بين الحق والباطل إلا أذهب الله عنهم بركة الحق، وأبقى لهم سوء الباطل؛ يقول الله تعالى: {فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون} (يونس:33)، ويقول تعالى: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين} (الأعراف:29)، ولم يقل: عند كل مشهد، أو أثر. والمتتبع لما جاء في كتب الصحاح والسنن والسير عن حجة الوداع للنبي [ وحج خلفائه الراشدين من بعده لا يجد دليلا لمتتبع لآثار لم يؤمر بها، وهذا رسول الله [ سيد المتبعين للحق، يقول الله تعالى: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصآئر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} (الأعراف: 203). - سادسا: وللعلم بأن أول من غيّر دين الله وما كان عليه إسماعيل عليه السلام (داخل مكة) فنصب فيها الأوثان وسيّب السائبة هو: لحيِ بن حارثة بن عمرو بن عامر الأزدي.. قاتل جرهما بني إسماعيل، فظفر بهم وأجلاهم عن الكعبة، ونفاهم من مكة، وتولى حجابة البيت بعدهم، ثم إنه مرض مرضا شديدا، فقيل له: إن بالبلقاء من الشام حمة (عين ماء) إن أتيتها برأت، فأتاها فاستحم بها فبرأ، ووجد أهلها يعبدون الأصنام «لعلها آثار ما كان يعبده قوم نوح عليه السلام، فأعجبته تلك الآثار» فقال: ما هذه؟ فقالوا نستسقي بها المطر ونستنصر بها على العدو، فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا فقدم بها مكة ونصبها حول الكعبة.. ففي صحيح مسلم (5096) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله [: «رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبا بني كعب هؤلاء يجر قصبه في النار». وأما ما غير دين الله «خارج مكة» فكما مر بنا: أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام لما سكن مكة وولد له بها أولاد كثيرن حتى ملئوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق، ضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب، فأخرج بعضهم بعضا فتفسحوا في البلاد.. وكان الذي أدى بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يخرج من مكة ظاعن إلا احتمل معه أثرا من الآثار حجرا من حجار الحرم؛ تعظيما للحرم ومحبة شديدة بمكة فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمنا منهم بها وصبابة بالحرم وحبا بها وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة ويحجون ويعتمرون على إرث إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ثم سلخ ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا ونسوا ما كانوا عليه من التوحيد واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم وانتجثوا (استخرجوا) ما كان يعبد قوم نوح عليه السلام منها، على إرث ما بقي فيهم من ذكرها، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفة ومزدلفة وإهداء البدن.. مع إدخالهم فيه ما ليس منه. انتهى. (انظر كتاب الأصنام للكلبي). وهذه نتائج تتابع الآثار التي لم يأمر الله بها.. وتعظم تلك الأمور بعظم الزمان والمكان، أشهر الحج الحرم، وحرمة مكة شرفها الله، ومكانة المسلمين عند الله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران: 110)، والله أعلم. اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() وقفات فقهية (25) الركون إلى الذين ظلموا والحذر من مكرهم (1-2) يقول تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون} (هود: 113)، وهم أهل الكتاب وغيرهم، والإعجاب ببدعهم، وضلالهم وتفضيلهم على المسلمين وكيفية التعامل معهم. فالركون من الركن: وهو الناحية من البيت، أو الجبل، وما يعتمد عليه، وركن إلى فلان: انضوى إليه، أو اعتمد عليه، ومنه قوله تعالى: {أو آوي إلى ركن شديد} قال [: «رحم الله أخي لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد» يعني: إلى الله تعالى. فالنهي هنا عن الميل والاعتماد بالمداهنة أو الملاحقة بالظلم، والدنو من الظلمة، وتعظيم ذكرهم، وصحبتهم من غير تذكيرهم ووعظهم، والاطمئنان إليهم والسكون إلى أقوالهم، بمودة، أو الرضا بشكرهم فتكونون أمثالهم، وللبيان: - أولا: يقول الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون} (آل عمران: 118)، فقوله {من دونكم} يشمل المشركين والمنافقين وأهل الكتاب وغيرهم. وقوله {ودوا ما عنتم} أي في كل زمان ومكان وقوله {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر} بدت قولا وعملا فهم أعداء بكل حال، وعلى هذا تكون الآية إعلان المقارنة بين المؤمنين ومن دونهم، ببيان الآية التي بعدها: {هأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور} (آل عمران: 119).ثانيا: ولإيضاح سماحة الإسلام، وحرصه على السلام، في أمور كثيرة يقول الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (الممتحنة: 8)، ويقول الله تعالى: {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين} (التوبة: 4)، ويقول الله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} (العنكبوت: 46)، حتى في حال خيانتهم: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين} (الأنفال: 58)، أي أعلمهم بما عزمت عليه. ويقول تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} (المائدة: 5) فذلك لإبعاد الحرج عن المسلمين فيما يأكلون {وطعامكم حل لهم} فهم لا ينتظرون الإباحة من الإسلام فيما يأكلون وإنما هو أيضا لرفع الحرج عن المسلمين لتقديم طعامهم لتأليف قلوبهم، ولو حرم الله طعامنا عليهم لما قدمه المسلمون لهم، وقوله: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهم محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان} (المائدة: 5) للزواج لإيمان المسلمين بديانة أهل الكتاب فلا ضرر منهم عليهن. وتحريم زواج المؤمنات على أهل الكتاب وغيرهم لكفرهم بالإسلام وخشية الضرر عليهن، وذلك من عدالة الإسلام لا للإيثار، ودليله حرم الله على المسلمين نكاح المشركات من أهل الملل الأخرى لعدم الإيمان بدينهن، ولمضرة المشركات على أبنائهن من المسلمين: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون} (البقرة: 221). ثالثا: ومن الجوانب الإيجابية لديهم، قول الله تعالى: {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر} (آل عمران: 113 - 114). وللأسف هم الأقل، يقول الله تعالى: {منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون} (المائدة: 66). ويقول الله تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} (آل عمران: 75)، ولم يقرهم الله على مقولتهم فكذبهم وأمرنا الله بالوفاء بدليل الآية التي تليها: {بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين} (آل عمران: 76). رابعا: فيجب ألا نركن للذين كفروا ولا لمن والاهم، خاصة في الأمور الأساس كالنصرة وجلب السلاح والطعام والثقافة المخالفة لشرع الله لأهمية ذلك وقوة تأثيره، وألا نفضلهم على المؤمنين، يقول تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا} (النساء: 51-52) وهذا كثيرا ما نسمعه ونجده من البعض لشدة إعجابهم بغير المسلمين. خامسا: الحذر من التشبه بهم أو تقليدهم في مخالفة الشرع، روى مسلم وغيره عن ثوبان ]: أن رسول الله [ قال: «وإن ربي قال: يا محمد، إذا قضيتُ قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيتسبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا» وهذا ما نعاني منه اليوم من انتصار الأعداء بتعاون البعض معهم، والله المستعان. وروى الإمام أحمد وأبوداود عنه [ قال: «وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم». سادساً: يقول الله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} (الأنفال: 60)، والإرهاب هنا للإخافة وليس لقتالهم مباشرة بل هو الإعداد بالعلم لإقناعهم بالحق، وبالقوة لفرض الهيبة، والسلامة من التهديد، وكسب الاحترام، منهم {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} مع الشعور بقوله تعالى: {لأنتم أشد رهبة في صدورهم} ولا تكون الرهبة إلا من القوي المتعلم، ثم إذا اقتضى الأمر قتالهم بالقوة بعد إعدادها واعتدائهم فليكن ذلك، والله المستعان. سابعاً: أما الحذر من مكرهم فخلاصة تعريف المكر: فهو صرف الآخر عما يريد إلى غيره بالحيلة والخداع وزخرف القول، يدبر تدبيرا فاسدا ليضره ويؤذيه في خفية، دون أن يشعر، يقول الله تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك} (الأنفال: 30)، ويقول الله تعالى: {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} (الأنفال: 30). ثامناً: فمن مكرهم في الماضي حال ضعفهم، قول الله تعالى: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون} (آل عمران: 72)، وقوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} (البقرة: 14) وإرضاؤهم مستحيل، يقول الله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} (البقرة: 120). تاسعاً: ومن مكرهم المعاصر: ما جاءا وبه من مقولة العولمة، يريدون بها إسقاط تطبيق الحدود الشرعية لتكثر الجرائم، وتهبط الأخلاق الفاضلة. ولقد لاحت بعض البوادر، فتبدلت الأخلاق، وفشت المخدرات، وأرهب الطالب أستاذه، وعق الولد والده، فكادت الأجيال تضيع فلا علم ولا أخلاق، وهيمن الأعداء على الاقتصاد ليعم الفقر، وتسود الرذيلة، مع العلم أن الإسلام هو دين العولمة لنشر الفضيلة، فالله أرسل نبيه [ للناس كافة، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (سبأ: 27)، وأرسله رحمة للعالمين: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء: 107) وهذه هي العولمة الحقة، رسالته كافة للناس بشيرا بالخير ونذيرا عن الشر، ورحمة للعالمين ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ولقد استضعف كثير منا، وشطن كثير منهم فغزوا البلاد ودمروا الديار وقُتل الأبرياء؛ لجهلنا بديننا وبمقدارنا عند ربنا والله تعالى يقول: {لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون} (الحشر: 43)، والواقع يشهد على ذلك فبناؤهم الجدر في فلسطين المحتلة ومحاولتهم ذلك في العراق وغيره مع انتهاء عصر الأسوار، تصديق لقول الله تعالى: {لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر} (الحشر: 14). فهل أدركنا ذلك؟ والله تعالى يقول: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} (محمد: 38). اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |