|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بقلم د. جمال المراكبي خشوع المصلين بين يدي رب العالمين قال تعالى: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين هم عن اللغو معرضون. والذين هم للزكاة فاعلون. والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون. والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون. والذين هم على صلواتهم يحافظون. أولئك هم الوارثون. الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} [المؤمنون: 1 - 11] . الخشوع روح الصلاة ولبها. وصلاة لا خشوع فيها كجسد ميت لا روح فيه، وقد مدح الله المؤمنين المفلحين الذين يرثون الفردوس، فجعل أول مراتب فلاحهم الخضوع في الصلاة إعلاما بأن من فقد الخشوع فهو بمنأى عن الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة. قال تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} ، والذكر ضد الغفلة، فمن غفل في صلاته لا يمكن أن يكون مقيما إياها لذكره تعالى، والخشوع في الصلاة يتضمن حضور القلب فيها واستحضار عظمة الرب سبحانه، وهذا من تمام الذكر الذي هو ضد الغفلة. قال السعدي: والخشوع في الصلاة هو حضور القلب بين يدي الله تعالى، مستحضرا قربه، فيسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته، ويقل التفاته، متأدبا بين يدي ربه، مستحضرا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته من أول صلاته إلى آخرها، فتنتفي بذلك الوساوس والأفكار الردية، وهذا روح الصلاة، والمقصود منها، وهو الذي يكتب للعبد، فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب، وإن كانت مجزئة، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها. [«تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان»] . وهذا بخلاف ما يزعم بعض المتصوفة من استحالة الخشوع، وقد ذكر الشعراني في «طبقاته» قول الدسوقي: لو خشع قلبك يا ولدي في صلاتك لاختلط عقلك وذهب ولم تقدر أن تقرأ سورة واحدة من كتاب الله تعالى في تلك الحضرة، فإن موسى عليه السلام خر صعقا يتخبط كالطير المذبوح حين تجلى له مقدار جزء واحد من تسعة وتسعين جزءا من سم الخياط، وهذا التجلي واقع لكل مصل لو عقل كما عقل موسى عليه السلام. اهـ. فانظر كيف جعل الصوفية الخشوع مرادفا للجذب والجنون، ونسوا أن سيد الخاشعين محمدا صلى الله عليه وسلم قد حث على الخشوع ورغب في تحصيله، وحققه في صلاته وفي سلوكه. والخشوع في الصلاة من أوجب الواجبات فيها، فمن لم يأت بأدنى درجات الخشوع في صلاته وهو الاطمئنان في أركانها فلا صلاة له، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة والوقار واستحضار أسباب الخشوع عند إتيان الصلاة، فما باله إذا استقبل القبلة قائلا: الله أكبر. ففي الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا». وفي رواية: «فلا يسع إليها أحدكم، ولكن ليمش وعليه السكينة والوقار». [مسلم (ح602) ] . وقال صلى الله عليه وسلم: «اسكنوا في الصلاة». [مسلم (ح430) ] . وقال صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: «صل فإنك لم تصل». ثم علمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يقيم الصلاة وكيف يحقق أركانها، ويقيم صلبه في الركوع والسجود والاعتدال، فيكون مطمئنا في صلاته كلها. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المصلي بالخشوع وحث عليه فقال: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله». [مسلم (ح228) ] . وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «يا فلان، ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي؟ فإنما يصلي لنفسه، إني والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي». [مسلم (423) ] . وقال: «فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم، إني لأراكم من وراء ظهري». [البخاري (ح418) ] . وقال صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات افترضهن الله تعالى، من أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه». [أبو داود] . وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الخشوع، وبين أنه يرفع، فقال: «أول علم يرفع من الناس الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد جماعة فلا ترى فيه رجلا خاشعا». [الترمذي (ح2653) موقوفا] . وروي عنه صلى الله عليه وسلم: «الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين، وتخشع وتضرع وتمسكن وتذرع. وتقنع يديك، ترفعهما إلى ربك مستقبلا ببطونهما وجهك وتقول: يا رب، يا رب، ومن لم يفعل ذلك فهي خداج». [الترمذي (ح385) ، باب ما جاء في التخشع في الصلاة] . والمراد أن يطيل المصلى التوسل والدعاء والإلحاح والرجاء، عسى الله أن يقبل منه. وقال صلى الله عليه وسلم: «فإذا صليتم فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت». [الترمذي وأحمد من حديث الحارث الأشعري بسند حسن صحيح] . والالتفات المنهي عنه في الصلاة قسمان؛ أحدهما: التفات القلب عن الله عز وجل إلى غيره، والثاني: التفات البصر، وكلاهما منهي عنه ولا يزال الله مقبلا على عبده ما دام العبد مقبلا على صلاته، فإذا التفت العبد بقلبه أو ببصره أعرض الله تعالى عنه, وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في صلاته، فقال: «اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد». ومما يعين على الخشوع في الصلاة أولا: الاهتمام بأمر الخشوع والحرص على استحضاره، وذلك بالتفكر في عظمة ذي الجلال والإكرام، ومراقبة الله عز وجل واستشعار الوقوف بين يديه، ومناجاته، ومشاهدة منة الله تعالى وفضله في الهداية والتوفيق، ومشاهدة عيب النفس وتقصيرها، والحرص على الاستغفار من ذلك التقصير. ثانيا: تعلق القلب بالصلاة، باعتبار أن الصلاة دعوة لملاقاة الملك ومناجاته، وأنها تورث محبة ذي الجلال والإكرام، فكلما انصرف المصلي من صلاة عاوده الحنين والشوق إلى لقاء الله، ولهذا شرع لنا تكرار الصلاة، فإذا انصرف المصلي من الفريضة. شرع في النافلة، وإذا انصرف من النافلة شرع في الفريضة، أو شرع في انتظارها فيتعلق قلبه بالصلاة، وينتظر الصلاة بعد الصلاة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؛ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط». [مسلم] . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل قلبه معلق بالمساجد». [متفق عليه] . ثالثا: حسن التهيؤ للصلاة والاستعداد لها، وذلك ثمرة من ثمرات تعلق القلب بالصلاة فيتشوق المصلي إلى سماع الأذان باعتباره دعوة من رب العالمين للقاء، ويشرع في ترديد الأذان طالبا الحول والقوة والمدد من الله، ثم يحرص على الدعاء بعد الأذان، ويسبغ الوضوء، ويذكر الله قبله وبعده ليفتح الله له أبواب الجنة، ويحرص على السواك عند الوضوء وعند الصلاة, ويشرع في التوجه للمسجد للصلاة في الجماعة، بعد أن يؤدي النافلة في بيته، ويحتسب الخطا إلى المسجد، ويمشي بسكينة ووقار، ويحرص على الصف الأول، وتسوية الصفوف، ويتهيأ كذلك بأخذ الزينة وستر العورة والتطيب والتجمل، ويتهيأ بعد ذلك للدخول على الملك ومناجاته. رابعا: الاطمئنان في الصلاة، واستشعار أنه ربما يموت فلا يصلي صلاة غيرها، فيحرص على الإحسان والإتقان وحضور القلب واغتنام الصلاة، ولا يشغله أمر الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: «اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته، وصل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها». [صحيح الجامع والسلسلة الصحيحة] . وهذه هي صلاة المودع التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها، فقال: «إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع». [أحمد، «صحيح الجامع»] . خامسا: استحضار معاني العظمة لله، وتذلل العبد بين يديه في الصلاة، فإذا قال العبد مستفتحا صلاته: الله أكبر، استشعر عظمة الله وأنه أكبر من كل شيء، ويرفع العبد يديه مع التكبير حيال أذنيه إشارة منه إلى طرح الدنيا والإقبال على العبادة، وتمام الاستسلام والانقياد ليناسب فعله قوله: الله أكبر. قيل للشافعي: ما معنى رفع اليدين في الصلاة؟ قال: تعظيم الله واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وإذا ركع العبد أو سجد استشعر معاني التعظيم لله، وتذلله بين يديه مرددا: سبحان ربي العظيم، وسبحان ربي الأعلى، ويكثر من الدعاء في سجوده لاستشعار قربه من الله عز وجل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم». [متفق عليه] . وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة، وكبر للإحرام، قال: «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك». وإذا ركع قال: «اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي». وإذا رفع قال: «اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد». وإذا سجد قال: «اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين». ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت». [متفق عليه، واللفظ لمسلم] . سادسا: تدبر آيات القرآن، وأذكار الصلاة واستحضار معانيها والتفاعل معها. قال تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} [الأعراف: 204] . وقال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال: 2] . وقال تعالى: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا. ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا. ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} [الإسراء: 107 - 109] . وقال تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} [الزمر: 23] . أما التفاعل مع الآيات فهو أكثر من مجرد معرفة معانيها، ويكون باستحضار أنه يناجي الله عز وجل بتلاوة كلامه، وأن الله سبحانه يسمع منه، ويخاطبه بكلامه، ويباهي به ملائكته، فإذا قرأ العبد: {الحمد لله رب العالمين} قال الله عز وجل: حمدني عبدي. فإذا قرأ: {الرحمن الرحيم} . قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. فإذا قرأ: {مالك يوم الدين} . قال تعالى: مجدني عبدي. فإذا قرأ: {إياك نعبد وإياك نستعين} . قال تعالى: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قرأ: {اهدنا الصراط المستقيم} . قال تعالى: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل. وإذا قرأ العبد آية رحمة, سأل الله تعالى من رحمته، وإذا قرأ آية عذاب استعاذ بالله من العذاب، فإذا جلس للتشهد جلس خاشعا يلقي بالتحيات الطيبات لله عز وجل، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يتخير من الدعاء أعجبه، ثم يسلم وينصرف من صلاته، مستشعرا تقصيره في ذلك فيستغفر ربه بعد كل صلاة. سابعا: دفع الشواغل التي تحول بين العبد وبين الخشوع واستحضار القلب، فيلقي الدنيا وراء ظهره إذا كبر للصلاة، ولا يصلي بحضرة الطعام، ولا يصلي في ثوب أو على ثوب فيه نقوش وزخارف، ولا يصلي وهو حاقن يدافع الأخبثين, ولا يصلي وقد غلبه النعاس، ولا يلتفت في صلاته. وبالجملة يفرغ المصلي قلبه ونفسه وبدنه للصلاة ويدفع كل ما يشغله عنها. مراتب المصلين في الخشوع إذا كان الخشوع هو روح الصلاة وليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها، فإن المصلين يتفاوتون في الفضل تفاوتا عظيما، بل إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة وفي الصف الواحد، وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض؛ وذلك أن حدهما مقبل بقلبه وجوارحه على الله عز وجل، والآخر ساه غافل منصرف بقلبه إلى شواغل الدنيا، أو إلى توافه الأمور. قال ابن القيم: والناس في الصلاة على مراتب خمس: أحدها: الظالم لنفسه، المفرط الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها. الثاني: من يحافظ على مواقيتها ووضوئها وأركانها الظاهرة، ولكنه ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة فذهب مع الوساوس. الثالث: من حافظ على أركانها، وجاهد نفسه في دفع الوساوس فهو مشغول بمجاهدة عدوه لئلا يسرق صلاته، فهو في صلاة وجهاد. الرابع: من قام إلى الصلاة وقد أكمل أركانها، واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها، قد استغرق قلبه شأن الصلاة وعبودية ربه تعالى فيها. الخامس: من إذا قام إلى الصلاة حافظ على ذلك كله، ووضع قلبه بين يدي ربه، ناظرا إليه، مراقبا له كأنه يراه، فالأول معاقب، والثاني محاسب، والثالث مكفر عنه، والرابع مثاب، والخامس مقرب من ربه له نصيب ممن جعلت قرة عينه في الصلاة (1) . من ثمرات الخشوع (2) 1 - يورث الخوف والخشية من الله عز وجل. 2 - دليل على صلاح العبد، ومظهر من مظاهر إيمانه. 3 - يزيل ما في القلب من قسوة وغفلة. 4 - يؤدي إلى الفلاح في الدنيا والآخرة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الهوامش: (1) الوابل الصيب (ص31، 32) . (2) نضرة النعيم (5/ 1837) .
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |