|
ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الذكر الحسن في الدنيا السيد مراد سلامة الحمد لك يا ألله؛ جعلت الفردوس لعبادك المؤمنين نُزُلًا، فلك الحمد أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، الحمد لله الذي يسَّرها لنا، ويسَّر الأعمال الصالحة لنا، فلم يتَّخذ السالكون إلى الله سواها شغلًا، وسهَّل لهم سبلَها فلم يسلكوا سواها سبلًا، خلَقها قبل أن يَخلقهم، وأسكنهم إياها قبل أن يوجِدهم، وحفَّها بالمكاره؛ ليبلوهم أيُّهم أحسن عملًا، وأودَعها ما لا عين رأتْ، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفوق ذلك: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [الكهف:108]. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، شهادة أدَّخرها لي ولكم إلى يوم المصير، شهادة عبده وابن عبده وابن أَمَتِه، ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته وفضله ومنِّه وكرمه، ولا مَطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بِمنِّه وكرمه ورحمته. وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، أرسَله الله رحمةً للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، شرح الله به الصدور، وأنار به العقولَ، وفتح به أعينًا عميًا وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا. قدْ كانَ هذا الكونُ قبلَ وُصولِه ![]() شُؤْمًا لظالِمِهِ وللمظلوم ![]() لَمَّا أَطَلَّ محمدٌ زَكَتِ الرُّبا ![]() واخضرَّ في البُسْتانِ كلُّ هشيم ![]() صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، وسلم تسليمًا كثيرًا. اعلم زادَك الله علمًا أن السيرة الحسنة والأخلاق الطيبة والمعاملة الكريمة سببٌ من أسباب دخول الجنة؛ لأنَّ الدين المعاملة، فعلى الإنسان أن يسعى جاهدًا في هذه الحياة الدنيا؛ كي يكون حسن الأخلاق، وحسن السيرة بين الناس؛ لأنهم شهود عليه في الدنيا، فإن شهدوا له بخير فهو على خير، وإن شهدوا بغير ذلك فلا يَلومنَّ إلا نفسه؛ عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قال: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَجَبَتْ، ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ وَجَبَتْ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْه: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ"[1]. وأخرج الحاكم من حديث النضر بن أنس: كنت قاعدًا عند النبي، فمُرَّ بجنازة فقال: ما هذه الجنازة؟ قالوا: جنازة فلان الفلاني، كان يحب الله ورسوله، ويعمل بطاعة الله، ويسعى فيها، فقال: وجبت، وجَبت، وجبت، ومُرَّ بجنازة أخرى، فقال: ما هذه الجنازة؟ قالوا: جنازة فلان الفلاني، كان يبغَض الله ورسوله، ويعمل بمعصية الله، ويسعى فيها، فقال: وجَبت، وجَبت، وجَبت، قالوا: يا رسول الله، قولك في الجنازة والثناء عليها، أُثني على الأول خيرًا، وعلى الآخر شرًّا، فقلت فيهما: وجَبت، وجَبت، وجبت، فقال: نعم يا أبا بكر، إن لله ملائكة ينطق على لسان بني آدم بما في المرء من الخير والشر، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يُخرجاه. يقول بدر الدين العيني رحمه الله، وقال الداودي: معنى هذا الحديث عند الفقهاء: إذا أثنى عليه أهلُ الفضل والصدق؛ لأن الفَسَقة قد يُثنون على الفسقة، فلا يدخلون في معنى هذا الحديث، والمراد والله أعلم: إذا كان الثناء بالشر ممن ليس له بعدو؛ لأنه قد يكون للرجل الصالح العدو، وإذا مات عدوه، فذكر عن ذلك الرجل الصالح شرًّا، فلا يدخل الميت في معنى هذا الحديث؛ لأن شهادته كانت لا تجوز عليه في الدنيا وإن كان عدلًا للعداوة، والبشر غير معصومين، فإن قيل: كيف يجوز ذكر شرِّ الموتى مع ورود الحديث الصحيح عن زيد بن أرقم في النهي عن سب الموتى وذِكرهم إلا بخيرٍ، وأُجيب بأن النهي عن سب الأموات غير المنافق والكافر والمجاهر بالفسق أو بالبدعة، فإن هؤلاء لا يَحرُم، وذِكرهم بالشر للحذر من طريقهم ومن الاقتداء بهم، وقيل: لا بد أن يكون ثناؤهم مطابقًا لأفعاله. وقال القرطبي: يحتمل أن يكون النهي عن سب الموتى متأخرًا عن هذا الحديث، فيكون ناسخًا، وقيل: حديث أنس المذكور يجري مجرى الغيبة في الأحياء، فإن كان الرجل أغلب أحواله الخير، وقد يكون منه الغلبة، فالاغتياب له محرَّم، وإن كان فاسقًا معلنًا فلا غيبة فيه، فكذلك الميت فليس ذلك مما يُنهى عنه مِن سبِّ الأموات، وقال بعضهم: الثناء على عمومه لكل مسلم مات، فإذا ألْهَم الله الناس أو معظمهم الثناء عليه، كان ذلك دليلًا أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا؛ لأنه وإن لم تكن أفعاله مقتضية، فلا تتحتَّم عليه العقوبة، بل هو في المشيئة، فإذا ألْهَم الله الناس الثناء عليه، استدللنا بذلك أن الله تعالى قد شاء المغفرة له، وبهذا تظهر فائدة الثناء في قوله: وجَبت، وقيل: هذا خاص بالمثنين المذكورين لغيبٍ أطْلَع الله نبيَّه عليه، ورُدَّ بأن كلمة (مَن) تستدعي العموم والتخصيص بلا مخصِّص لا يجوز. قوله: أنتم شهداءُ الله في الأرض: الخطاب للصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولِمَن كان على صفتهم من الإيمان، وحكى ابن التيِّن أن ذلك مخصوص بالصحابة؛ لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة بخلاف من بعدهم، ثم قال: والصواب أن ذلك يختص بالثقات والمتقين، وقال النووي: الظاهر أن الذي أثنوا عليه شرًّا كان من المنافقين، قلت: ويُستأنس لما قاله بما رواه أحمد من حديث أبي قتادة بإسناد صحيح أنه لم يصلِّ على الذي أثنوا عليه شرًّا، وصلى على الآخر[2]. عن أبي الأسود قال: قدِمت المدينة وقد وقَع بها مرضٌ، فجلست إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمرت بهم جنازة، فأُثني على صاحبها خيرًا، فقال عمر رضي الله عنه: وجبَت ثم مُرَّ بأخرى، فأُثني على صاحبها خيرًا، فقال عمر رضي الله عنه: وجَبت، ثم مُرَّ بالثالثة فأُثني على صاحبها شرًّا، فقال: وجَبت، فقال أبو الأسود: فقلت: وما وجَبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّما مسلمٍ شهِد له أربعة بخير، أدخله الله الجنة)، فقلنا: وثلاثة، قال: (وثلاثة)، فقلنا: واثنان، قال: (واثنان)، ثم لَم نسأله عن الواحد[3]. يقول المناوي رحمه الله قال النووي: من مات فألْهَم الله الناس بالثناء عليه بخير، كان دليلًا على كونه من أهل الجنة، سواء اقتضته أفعاله أم لا، فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة، وهذا الإلهام يُستدل به على تعيينها، وبه تظهر فائدةُ الثناء [4]. وذلك الثناء إنما يكون حقًّا، وله اعتبارٌ ووزنٌ وأثرٌ في ميزان الشرع، حين يُرفع بلسان الصدق الذي قام شاهدًا على صدق الفعال وحسن الحال؛ قال ابن القيم: "إن قلوب الصادقين لا تشهد بالزور البتة، فإذا أُخفي عليك شأنك وحالك، فاسْأل عنك قلوبَ الصادقين، فإنها تُخبرك عن حالك"؛ قال ابن حبان: "خيرُ الثناء ما كان على أفواه الأخيار". وذلك الذكر الحسن عاجل بشرى المؤمن؛ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ، قَالَ: (تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ)[5]. وهومن إيتاء الله عبدَه أجره في الدنيا، كما فسَّر ابن عباس رضي الله عنهما قولَه تعالى عن نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ﴾[العنكبوت: 27]. والذكر الحسن تركةٌ مباركة، وحياةُ خيرٍ تَبقى للمرء وإن مات، يُذْكَر بجميل مآثره، ويستدعي الدعاءَ لصاحبه، بل يَمتد خيره لوارثه؛ إذ هو من خير ما وَرَّث له؛ قال حكيم: "أفضلُ ما يورِّث الآباءُ الأبناءَ: الثناء الحسن، والأدب النافع، والإخوان الصالحون". كلُّ الأمورِ تزول عنك وتنقضِي ![]() إلا الثناءَ فإنه لك باقي ![]() ![]() ![]() قال كعب الأحبار: «والله، ما استقرَّ لعبد ثناءٌ في الأرض حتى يستقرَّ له في أهل السماء». وذاك الثناءُ السماوي أثرٌ من محبة الله للعبد بما قام به مِن حقِّ العبودية؛ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ، نَادَى جِبْرِيلَ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ في أَهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا، فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقُبُولُ في الأَرْضِ»[6]. [1] أخرجه البخاري ح (1301). [2] عمدة القاري [جزء 8 - صفحة 195]. [3] أخرجه البخاري ح 1302. [4] فيض القدير، [جزء 3 - صفحة 148]. [5] أخرجه ابن أَبي شَيْبَة 11/53 (30449)، و"أحمد" 5/156 (21708)، و"مسلم" 8/44 (6814). [6] أخرجه البخاريُّ (فتح 6/ 303)، وهذا لفظه ومسلم (4/ 2030).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |