|
فلسطين والأقصى الجريح ملتقى يختص بالقضية الفلسطينية واقصانا الجريح ( تابع آخر الأخبار في غزة ) |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التمدد الشيعي في المغرب العربي (1) إيران والمغرب العربي كتبه/ علاء بكر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فترتبط إيران بعلاقات وثيقة مع دول المغرب العربي؛ رغم كل ما تعرضت له تلك العلاقات من توترات من وقتٍ لآخر؛ حيث إن لإيران مع دول المغرب العربي اتفاقيات اقتصادية وتجارية وسياحية وغيرها، إلى جانب تقديم إيران لمساعدات ومعونات اقتصادية لبعض هذه الدول لتعميق هذه العلاقات. وقد سعت إيران في العقد الأخير إلى الاستفادة من التغيرات التي تبعت (ثورات الربيع العربي) منذ يناير 2011 في توسيع نفوذها في هذه المنطقة وتأكيد تواجدها فيها. تقع إيران في الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا، وتعرف رسميًّا باسم: (الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، وتعرف تاريخيًّا باسم: (بلاد فارس)؛ يحدها من الشمال تركمانستان وأذربيجان وأرمينيا وبحر قزوين، ويحدها من الشرق أفغانستان وباكستان، ويحدها من الغرب العراق وتركيا، ويحدها من الجنوب الخليج العربي وخليج عمان والمحيط الهندي. ونظرًا لوقوع إيران عند تقاطع جغرافي بين العالم العربي والعالم التركي من جهة، وشبه القارة الهندية وآسيا الوسطى والقوقاز من جهة أخرى؛ فهذا يفرض على الأمن القومي الإيراني تحديات كبيرة، ففي الشمال هناك مشكلات بحر قزوين والتي تتصارع دوله بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حول البترول والغاز والذهب، والموقع الإستراتيجي، وفي الجنوب تطل إيران على الخليج العربي ومضيق هرمز حيث يمر من هناك ما يقارب ثلثي إمدادات البترول العالمية. ومن الشرق تواجه إيران مشكلات أفغانستان منذ الغزو السوفيتي إلى اليوم، وفي الجنوب الشرقي توجد باكستان القريبة من الغرب والتي تمتلك القنبلة النووية، وفي الشمال الغربي توجد تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلنطي، وكل من باكستان وتركيا على المذهب السني، فهما مناوئان للمذهب الشيعي الاثني عشري الذي تعتنقه إيران، وفي الغرب تقع العراق التي تُعدُّ تاريخيًّا البوابة والمدخل إلى بلاد فارس؛ فهذا الموقع الجغرافي يجعل إيران تتجه إلى البحث عن مصالحها الحيوية ورفض العزلة، والتطلع إلى أن يكون لها دور إقليمي، ودور أيضًا على الساحة العالمية؛ فضلًا عن الرغبة العارمة في إحياء مجد الإمبراطورية الفارسية الغابر؛ إذ سيطرت -وتسيطر- على إيران من التاريخ القديم فكرة إقامة إمبراطورية فارسية لها هيمنة إقليمية وقابلة للتوسع والتمدد. ومنذ قيام ثورة الخميني في إيران عام 1979 عدَّ الخميني إنشاء الحكومة الإسلامية في إيران مجرد خطوة أولى تجاه إنشاء دولة إسلامية عالمية تقودها إيران، حيث قال: "إن العرب حكموا المسلمين وكذلك الأتراك وحتى الأكراد؛ فلماذا لا يحكم الفرس وهم أعمق تاريخًا وحضارة من كل هؤلاء" (انظر في ذلك: التغلغل الإيراني في دول المغرب العربي، حمدي بشير – مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية – ط. 1439هـ، ص 32-33)، حيث تعهد الخميني منذ وصوله للحكم في إيران بتصدير الثورة الإيرانية بفكرها الشيعي الاثني عشري القائم حاليًّا على نظرية ولاية الفقيه لكل أنحاء العالم وعدَّ ذلك من واجبات الجمهورية الإيرانية. لذا تبنَّت إيران تفعيل الدور الخارجي لنظامها الثوري داخل الدول الأخرى، فكان هذا التوجه جزءًا من خطط إيران الدفاعية المتقدمة خارج حدودها كإجراء وقائي لحماية الثورة الإيرانية في سنواتها الأولى، والذي تحوَّل إلى إستراتيجية لإيران توحد من خلالها مناصريها وحلفائها من التيارات الإسلامية المختلفة تحت راية الثورة الإيرانية من خلال مساندة واحتواء حركات المعارضة الراديكالية؛ خاصة ذات التوجه الإسلامي خاصة في الدول المجاورة لإيران لا سيما التي بها تواجد شيعي أو جاليات شيعية. ويرى البعض أن إيران قد مَرَّت بعد قيام ثورة الخميني بعدة مراحل: - المرحلة من عام 1979 إلى عام 1989: وهي التي شهدت الحرب بين العراق وإيران، ومحاولة الحفاظ على أراضي إيران واستقلالها، مع السعي المتشدد لتصدير الثورة الإيرانية لدول أخرى. - المرحلة من عام 1989 إلى عام 1997: والتي أعقبت وفاة الخميني وتولي (هاشمي رفسانجاني) رئاسة الجمهورية، الذي كان يتمتع بمكانة سياسية ودينية متميزة بحكم انتمائه إلى رجال الدين الحاكمين. وقد أعطى رفسانجاني الأولوية للنهج الإصلاحي واستكمال البناء الداخلي بعد الاستنزاف الناتج من المواجهة مع العراق، حيث تولَّت عناصر بارزة من تيار رفسانجاني المناصب الرئيسية في الدولة، وسعى رفسانجاني لتهدئة العلاقات مع العالم العربي، مع استمرار الخطاب العدائي للولايات المتحدة، ودعم ومساندة التنظيمات المعادية للنظام العراقي، ودعم التنظيمات المعادية لإسرائيل؛ مثل: حزب الله في لبنان وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية. ورغم هذا التحوُّل الإصلاحي لم تكن لرفسانجاني أي مشكلة مع الحرس الثوري المتشدد أو مع الأجهزة الأمنية. - المرحلة من 1998 إلى عام 2005: والتي تولى فيها (محمد خاتمي) رئاسة الجمهورية، والذي سعى إلى إخراج إيران من عزلتها ودعم علاقاتها مع الدول الأخرى، مراعاة للواقع، مع عدم الابتعاد عن مكاسب الثورة الإيرانية وتقديم المصلحة القومية على ما سواها. وتبنَّت النخبة السياسية الإيرانية في تلك الفترة برامج إصلاحية اهتمت بالاقتصاد والأوضاع الداخلية وفي هذا الإطار كانت زيارة خاتمي للجزائر في أكتوبر 2004. - مرحلة ما بعد عام 2005: والتي بدأت مع تولي الرئيس الإيراني (محمود أحمدي نجاد) للسلطة، الذي تبنَّى سياسات متشددة زاد معها ترسيخ الوجود الإقليمي لإيران؛ إذ تبنَّى نجاد سياسة خارجية راديكالية على الصعيدين الإقليمي والدولي في محاولة لاستعادة الخطاب الثوري لأجل إيجاد مكانة لإيران في ظل الظروف الإقليمية والدولية، وقد تزايدت في هذه الفترة الأنشطة الإيرانية من أجل ترسيخ الوجود الإيراني فيها والتغلغل الإيراني في العالم العربي، وقد وجدت جهود نجاد بيئة ملائمة خاصة بعد سقوط العراق وحدوث طفرة في العوائد النفطية، وظهور الصراع الداخلي في العراق بعد صدام والذي أخرج العراق من نطاق التأثير الإقليمي، فصار لإيران الدور الرئيسي في المنطقة خاصة من خلال حلفائها من الشيعة في دول المنطقة. وقد سعت إيران خلال تلك الفترة لامتلاك شبكة من العلاقات الدولية في سياق الدفاع عن مصالحها، كما رفعت من سقف الخطاب السياسي تجاه إسرائيل والولايات المتحدة ورفعت فيها من مستوى تدخلها في شؤون الدول العربية المجاورة، ومثلت منطقة المغرب العربي لإيران في هذه الفترة ساحة إضافية للحصول على تأييدها والتغلغل فيها. ورغم تبني تصدير الثورة الإيرانية باسم الإسلام واستخدام الغزو الفكري لكسب المزيد من الأنصار، وإظهار الدفاع عن القضية الفلسطينية ومحاولة نشر المذهب الشيعي الاثني عشري في الدول التي تتحرك فيها فقد تجاهلت إيران قضية الشيشان حرصًا على عدم إثارة روسيا، ودعمت أرمينيا النصرانية في حربها ضد أذربيجان الشيعية، وعقدت تحالفات مع حكومات يسارية في فنزويلا وكوبا (انظر المصدر السابق، ص 40). أهمية المغرب العربي: تُعدُّ دول المغرب العربي ذات أهمية إستراتيجية لأمورٍ عديدةٍ؛ منها: إطلالها على مضيق جبل طارق الذي يُعدُّ المنفذ بين الشرق والغرب، مع مكانتها في سوق البترول العالمية؛ إذ تُعدُّ الجزائر وليبيا من الدول المؤثرة في سوق البترول ومجموعة أوبك (الدول المصدرة للبترول)، ومعروف أهمية العوائد البترولية كمورد أساسي للدخل القومي الإيراني حيث يتحرك معه اقتصاد إيران سلبًا وإيجابًا؛ خاصة في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران منذ عام 2006 وأثرها على الأوضاع الاقتصادية في إيران؛ فمثلًا: عندما انخفضت أسعار البترول عالميًّا عام 2016 سعت إيران من خلال علاقاتها مع الجزائر إلى الحفاظ على أسعار مناسبة للبترول ودفع منظمة أوبك (الدول المصدرة للبترول) إلى مراعاة ذلك. هذا إلى جانب مكانة دول المغرب العربي على المستوى الإفريقي سواء في الاتحاد الإفريقي أو داخل المنظمات الإقليمية الفرعية، كما أن للمملكة المغربية علاقات متطورة مع دول غرب ووسط إفريقيا، وتُعدُّ الجزائر ثاني أكبر قوة عسكرية في شمال إفريقيا بعد مصر. وتوجد في دول المغرب العربي جاليات شيعية أكثرها قادمة من لبنان والعراق وسوريا، وقد تأسست عبر التاريخ في المغرب العربي إمارات متعددة في مذاهبها مما جعلها مفتوحة على كلِّ التأثيرات التي كانت تمارسها تلك المذاهب، فتعايشت فيها جماعات ذات مذاهب مختلفة متنوعة، ومنها المذهب الشيعي حيث نشأت في المغرب العربي الدولة الفاطمية الشيعية وامتدت من هناك إلى مصر، علاوة على رسوخ محبة آل البيت والولاء لهم في المغرب العربي، إلى جانب انتشار زوايا الطرق الصوفية بشكل لا يمكن تجاهله، وهذا يوفر أرضية تتناسب مع محاولات التمدد الشيعي هناك، حيث توجد أقلية شيعية صارت لها صلة وثيقة بإيران بعد تدشين الخميني لنظرية ولاية الفقيه التي ربطت بين الشيعة في كل مكان وبين النظام الثوري الجديد في إيران، وصار هناك من الشيعة من يدين له بالولاء وهم خارج إيران، مما يمكن معهم تسيسهم وتفعيل دورهم داخل دول المغرب العربي ومد النفوذ الإيراني هناك عبرهم، وزيادة القدرة على التدخل عبر سياسات وآليات متعددة كما حدث ويحدث في لبنان والعراق وسوريا في المشرق العربي. ورغم ضآلة أعداد الشيعة بالنسبة إلى عدد السكان في دول المغرب العربي؛ فإن هؤلاء الشيعة يدين معظمهم بالولاء لإيران؛ لذا تسعى إيران من خلال سفاراتها إلى التواصل معهم، كما تحرص على إنشاء المراكز الثقافية واستقبال طلاب من المغرب العربي في الجامعات الإيرانية، وإرسال الصحف والمجلات الإيرانية إلى تلك الدول، وهذا الدعم له أثره في مد النفوذ الإيراني إلى تلك الدول، واختراق بعض الجماعات السنية واستقطاب تأييد البعض الآخر كجماعة الإخوان المسلمين. ولقد كانت العلاقات بين نظام شاه إيران ودول المغرب العربي قبل ثورة الخميني علاقات عادية لا خصوصية فيها، ولكن بعد ثورة الخميني عام 1979 صارت دول المغرب العربي في دائرة اهتمام إيران، التي أخذت على عاتقها محاولة تصدير نموذج الثورة الإيرانية الشيعية إلى دول المغرب العربي عبر الاختراق الثقافي، مما أدى إلى تطور في العلاقات بين إيران ودول المنطقة ودخولها في مرحلة جديدة مهمة، حيث كان بعض تطوراتها إيجابيًّا تعاونيًّا وبعضها سلبيًّا تصارعيًّا. وقد استغلت إيران في ذلك الخلاف بين الجزائر والمغرب حول قضية الصحراء المغربية في تعزيز حضورها وخدمة مصالحها مع الدولتين، باستدراج البلدين للتنافس على تقديم مصالح وحوافز لإيران لكسب انحيازها في هذه القضية. كما حاولت إيران استثمار فرصة حالة عدم الاستقرار التي طرأت في ليبيا بعد ما عرف بالربيع العربي وسقوط نظام القذافي من أجل المزيد من التغلغل الإيراني هناك. ولم تعارض دول المغرب العربي في بداية الأمر هذا التغلغل الإيراني والتمدد الشيعي الذي لم يثر لديها المخاوف والتحفظات أو المعارضة؛ إذ النظرة السائدة هناك تجاه إيران أنها دولة تتمتع بالجوار مع الوطن العربي وليس عليها تحفظات إلا من خلال برنامجها النووي عند بعض الأطراف، وإلا من خلال نزاعها الحدودي مع بعض الدول العربية الخليجية. آليات السياسة الخارجية لإيران: تتبنَّى إيران عددًا من الآليات لتنفيذ سياستها الخارجية وتحقيق التغلغل المطلوب في الدول العربية وغيرها، ومنها: تعزيز العلاقات الدبلوماسية: من خلال التمثيل الدبلوماسي والزيارات المتبادلة الرسمية وغير الرسمية لتوطيد العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية المتبادلة، إلى جانب استخدام برامج التعاون لتحقيق أهداف سياستها الخارجية، وتشجيع التبادل التجاري. التعاون التجاري والاقتصادي: من خلال إيجاد أرضية مشتركة لتوسيع العلاقات الثنائية والتبادل التجاري. وتستغل إيران حاجة بعض الدول؛ مثل: موريتانيا في دعم قطاعاتها الاقتصادية وتمويل الاستثمارات؛ كما أنها تستغل حاجة بعض الدول للاستفادة من الخبرة الإيرانية في قطاعي البترول والتكنولوجية وصيانة معامل تكرير البترول ومجال الاستكشافات البترولية. الوسائل الإعلامية: ومن هذه الوسائل توزيع ونشر الصحف والمجلات الإيرانية اليومية والأسبوعية والشهرية باللغات الرسمية والمحلية، وإصدار الصحف والمجلات فضلًا عن القنوات الإيرانية المرئية والفضائية الناطقة بالعربية، كما يتم إنشاء الحوزات العلمية الشيعية، وإقامة معاهد ومراكز لنشر التشيع وإقامة الدورات وتوفير المنح الدراسية. ولهذه الوسائل دورها في نشر الفكر الشيعي. الاختراق الثقافي: بتوفير المنح الدراسية إلى مدينة (قم) والحوزات العلمية ذات المكانة الدينية عند الشيعة، وتمويل المنح الدراسية للتخصصات النادرة، وتلعب الملحقيات الثقافية التابعة للسفارات الإيرانية دورًا كبيرًا في دعم هذا الاختراق، إلى جانب دعم الجمعيات والأنشطة الثقافية التي تهدف إلى التعريف بالثقافة الإيرانية والتأثير على الفئات الفقيرة والمهمشة. إلى جانب تمويل التيارات الفكرية التي تستهدف التأثير مستقبلًا في سياسات الدول. مكاسب إيرانية: وقد استفادت إيران كثيرًا من الأوضاع الدولية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 في توسيع نفوذها وتأكيد حضورها الإقليمي إذ استفادت من الحرب الأمريكية على أفغانستان وإسقاط نظام حكم طالبان، وكذلك من الحرب الأمريكية على العراق وإسقاط نظام حكم صدام حسين عام 2003، وهما طرفان كانا على عداء مع إيران، وقد تزايد النفوذ الإيراني بعد الانسحاب الأمريكي من العراق وتدخل الحرس الثوري الإيراني بشكل واسع في العراق من خلال المعارضة العراقية. واتسع نفوذ إيران في المنطقة ليشمل العراق وسوريا ولبنان. وقد قامت جهات إيرانية رسمية وغير رسمية بجهود كبيرة لنشر المذهب الشيعي في البلاد العربية، وقد اشتكت بعض الدول العربية منها مصر والسودان والمغرب من أن هناك نشاطًا دعويًّا شيعيًّا يمارس فيها، وأن هناك محاولات لاختراق المجتمعات السنية من خلال ذلك، وشهدت تلك الفترة تقارب في العلاقات بين إيران والإخوان المسلمين؛ إذ استغلت إيران علاقات الإخوان المسلمين المتوترة مع السلطات داخل بلدانهم في إقامة علاقات طيبة معهم، كما تحالفت مع بعض الأنظمة السياسية العربية من خلال الدعم السياسي أو المعونات. كما استفادت إيران من ثورات الربيع العربي في عام 2011 وما أحدثته من تغيرات؛ إذ تسببت في إسقاط ثلاثة أنظمة عربية في المنطقة في تونس وليبيا ومصر، وتوترت معها الأوضاع في سوريا التي تُعدُّ حليفًا إستراتيجيًّا لإيران، ولقد كان لهذه الأحداث انعكاسها على السياسة الإيرانية وانخراطها في الأزمات في المنطقة للاستفادة منها واستغلالها لمصلحتها بشكل أو بآخر إذ أنها تُعدُّ فرصة سانحة ومناسبة للتغلغل في المنطقة. وقد تبلورت أهم أهداف السياسة الإيرانية الخارجية في الآتي: تصدير الثورة الإيرانية: فالسياسة الخارجية الإيرانية من بعد ثورة الخميني عام 1979 سياسة خارجية توسعية ذات طابع تدخلي يرتكز على تصدير الثورة وفق النموذج الإيراني القائم على ولاية الفقيه، واعتلاء النخبة من رجال الدين قمة السلطة، بهدف توسيع قاعدة أتباع المذهب الشيعي وتأسيس جماعات أو أحزاب ولاؤها لإيران على غرار حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن. ويتم ذلك من خلال احتضان الأقليات الشيعية ودعمها، وتوظيفها لاختراق الأوساط السنية. وقد أغرت نجاحات إيران في المشرق العربي في العراق وسوريا ولبنان على التغلغل في دول المغرب العربي، انطلاقًا من العامل التاريخي وتعدد المذاهب الدينية ووجود مساحات من التسامح الديني المتاحة في بعض هذه الدول، وانتشار الطرق الصوفية ورسوخ محبة أهل البيت، مع تلاشي الخلافات السياسية العدائية مع إيران بحكم الجغرافيا والتاريخ. بناء قاعدة من الحلفاء الموالين لإيران: من خلال امتلاك شبكة من العلاقات الدولية والحصول على تأييد هذه الدول للدفاع عن مصالحها وتحقيق أهداف سياساتها الخارجية، وبالتالي امتلاك أوراق للضغط تتيح لها المساومة في مواجهة الضغوط الدولية المتزايدة، وفي إعادة تشكيل توازنات القوى، وفي الخروج من الحصار المفروض عليها، وفي تخفيف أثر العقوبات الدولية عليها والتي تهدد مصالحها. كسب التأييد لبرنامجها النووي: وذلك للوصول إلى حلمها النووي بامتلاك التكنولوجيا النووية، خصوصًا في ظل الحصار المفروض عليها والضغوط التي تمارس ضدها دوليًّا، ورغبتها في أن يكون لها دورًا إقليميًّا ودوليًّا، إضافة إلى تنافسها مع إسرائيل على توسيع النفوذ في المنطقة. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() التمدد الشيعي في المغرب العربي (2) التمدد الشيعي في المملكة المغربية كتبه/ علاء بكر فقد شهدت العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المغربية وإيران فترات متقلبة من الاتصال والقطيعة رغم ما يعرف عن الدبلوماسية المغربية من الهدوء والاستقرار. فطوال فترة الستينيات من القرن العشرين شهدت العلاقات الإيرانية المغربية توافقًا سياسيًّا بين شاه إيران محمد رضا بهلوي وملك المغرب الراحل الحسن الثاني؛ حيث حرصت إيران وقتها على تعزيز علاقاتها مع المغرب لمواجهة المد القومي العربي ومواجهة النفوذ السوفيتي في المنطقة؛ خاصة وأن إيران كانت مشاركة في حلف بغداد ولها علاقات مع الغرب. ومع هزيمة الدول العربية في حرب يونيو 1967 وتراجع التيار القومي العربي بعد وفاة عبد الناصر وتراجع دور مصر الإقليمي عمدت إيران إلى إقامة وتقوية علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية التي تشاركها نفس الرؤى وتوافقها في المصالح. ثم أعقب قيام ثورة الخميني في إيران عام 1979 حالة من التوتر؛ أدَّت إلى خفض العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى القائم بالأعمال، ومع توجه شاه إيران المخلوع إلى الرباط قادمًا من مصر أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية قطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع المغرب. وزاد الأمر قطيعة: تأييد الجمهورية الإيرانية لحركة (البوليساريو) ودعمها لطرح الانفصاليين في قضية الصحراء المغربية (مما عدته المغرب موقفًا مناهضًا لوحدة الأرض المغربية)، في الوقت الذي ساندت فيه المغرب العراق في حربها مع إيران، إلى جانب تطور العلاقات التجارية بين العراق والمغرب؛ إذ إن المغرب كانت تحصل على الجزء الأكبر من احتياجاتها البترولية من العراق، فتميزت تلك الفترة بالقطيعة والتوتر بسبب الاختلاف في رؤية القضايا الإقليمية وتضارب المصالح المشتركة. أعقب ذلك في عام 1991 مرحلة جديدة من الانفراج وتطبيع العلاقات بين البلدين حيث انتهت الحرب الإيرانية العراقية، وتولى التيار الإصلاحي الحكم في إيران عقب وفاة الخميني، وانهار الاتحاد السوفيتي وسقط المعسكر الشرقي، وانتهت بالتالي الحرب الباردة؛ مما دفع إيران إلى إعادة ترتيب أولوياتها من جديد، كما شهدت العلاقات بين إيران والمغرب انفراجًا سياسيًّا عقب تجميد إيران لعلاقتها بحركة (البوليساريو) من خلال استجابة إيران لقرارات الأمم المتحدة بخصوص تلك القضية؛ مما أدى إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين إيران والجزائر حيث تؤيد الجزائر حركة (البوليساريو) الانفصالية. وقد قطعت العلاقات بالفعل بين إيران والجزائر في عام 1993 عقب اتهام السلطات الجزائرية طهران بالتدخل في شؤونها الداخلية عقب اندلاع المواجهات المسلحة في الجزائر بين الدولة والحركات الإسلامية المسلحة؛ هذا بعد أن كانت الجزائر الحليف المفضل لإيران في المنطقة لتقارب القيم الثورية بين البلدين خاصة في ظل الجفاء المستمر في العلاقات بين ليبيا وإيران بعد واقعة اختفاء الإمام الصدر في ليبيا عام 1977، وإصرار إيران على حل غموض هذه القضية قبل إقامة أي تطبيع في العلاقات مع ليبيا. وقابل ذلك فيما بعد إقرار المغرب بحق إيران في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية. وقد شهدت فترة التسعينيات وما بعدها: استخدام إيران لكل أدواتها الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والثقافية لتوثيق العلاقات مع المغرب، وتنفيذ مشروعها السياسي في تصدير الثورة الإيرانية ومد النفوذ الشيعي إلى منطقة المغرب العربي، حيث تم تبادل الزيارات الدبلوماسية بين إيران والمغرب، وتم التوقيع على اتفاقيات اقتصادية وتجارية، إلى جانب تشجيع الاستثمارات البينية والتعاون في مجال الصناعة والنقل الجوي وإنعاش حركة الصادرات، خاصة وأن المغرب تُعَدُّ بوابة إلى أوروبا وغرب إفريقيا. وقد تزايدت المبادلات التجارية بين البلدين حتى بلغت 8 ملايين درهم في عام 2006 سجل فيها الميزان التجاري عجزًا لصالح إيران نتيجة ارتفاع تصدير إيران للبترول إلى المغرب هذا إلى جانب التبادل الثقافي والفني بين البلدين. ثم أعقب ذلك مرحلة جديدة من القطيعة الدبلوماسية بين البلدين في عهد الملك محمد السادس الذي تولى الحكم بعد وفاة أبيه الحسن الثاني، حيث أعطى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي تولى الحكم في إيران عام 2005 دفعة قوية لعلاقات إيران مع الجزائر، بلغت إلى وجود تعاون عسكري وتبادل الزيارات بين رؤساء أركان حرب البلدين بما رأته المغرب يمس مصالحها القومية خاصة تجاه قضية الصحراء المغربية، نظرًا لتغير موقف إيران من قضية الصحراء، هذا في الوقت الذي رصدت فيه الحكومة المغربية نشاطات للبعثة الدبلوماسية الإيرانية في الرباط لتصدير الثورة الإيرانية في الرباط ونشر المذهب الشيعي مما تمخض عنه قيام إيران بمحاولات استغلال الانفتاح الديمقراطي في المغرب في تأسيس جمعيات شيعية بتسميات مختلفة مما رأته المغرب أنه يهدد الوحدة المذهبية للدولة، هذا إلى جانب تضامن المغرب مع دولة البحرين في ظل التحرشات الإيرانية ضد البحرين. وقد بلغ تأزم الأمر إلى درجة إعلان المغرب قطع علاقاتها بإيران عام 2009. التواجد الشيعي في المغرب: ترجع بدايات التواجد الشيعي في المغرب العربي إلى الدولة العبيدية الفاطمية صاحبة المذهب الشيعي الإسماعيلي التي أقامت دولة امتدت في فترة من الفترات من أقصى المغرب العربي وشمال إفريقيا إلى الشام والحجاز، تأسست في أواخر القرن الثالث الهجري، ولكن الأمر لم يستتب للعبيديين في المغرب الأقصى بسبب الاضطرابات السياسية، إلى جانب مقاومة علماء المدرسة القيروانية للعبيديين وإصدار فتاويهم في تكفير العبيديين وكذلك تأثير المدرسة الأندلسية السنية، بينما ظهر تواجد للشيعة الاثني عشرية في المغرب حديثًا مع تشيع من انبهروا بثورة الخميني في إيران عام 1979 أو الانبهار بحزب الله اللبناني ودوره في مواجهة إسرائيل، في ظل مناهج تعليمية لا تُعَطِّي حصانة عقدية أو فكرية ضد هذا التشيع. ولهؤلاء الشيعة المغاربة تبعية للمراجع الشيعية الاثني عشرية في إيران، حيث يتبنى المذهب الجعفري نظرية ولاية الفقيه، التي تُعَطِّي للمرجع الشيعي في إيران سلطة دينية وسياسية يدين بمقتضاها أيضًا شيعة المغرب بالولاء. ومن أهم تلك المراجع الشيعية التيار الشيرازي النشط في شمال المغرب، وهو نسبة إلى اتباع الاجتهادات الفقهية للمرجع الشيعي المتوفى محمد الحسيني الشيرازي، لذا يُطْلَق عليهم: (الشيرازية). يتركز الشيعة المغاربة في مدن (طنجة) و(مكناس) و(الدار البيضاء)، وأكثرهم نشاطًا شيعة الدار البيضاء، ومن أنشطتهم إقامة المكتبات والمعارض الشيعية ومنها المشاركة في معرض الكتاب الدولي بالدار البيضاء. ويُطْلِق شيعة المغرب على من اعتنقوا المذهب الشيعي اسم: (المستبصرين). ويعمد الإعلام الإيراني إلى تصوير المغرب على أنها ذات تدين شيعي في أعماقها. ولا يُعْرَف أعداد شيعة المغرب تحديدًا لأنهم يخفون حقيقتهم باسم التقية، وأيضًا لأن مواقفهم السياسية تتعارض مع الثوابت المغربية التي تجعل السلطة الدينية والسياسية لملك المغرب. وتشير تقارير أمريكية إلى أن عدد الشيعة هناك قد بلغ نحو 8 آلاف شيعي أو متشيع، ويميل بعض الباحثين إلى أن عددهم نحو ثلاثة آلاف، معظم هؤلاء هم من المهاجرين واللاجئين العراقيين والسوريين واللبنانيين المتواجدين في المغرب، وهم يجمعون بين التشيع العقدي وهو الأخطر على قلة أفراده وبين التشيع السياسي وهو الأكثر والأبرز. تغلغل التشيع داخل حركات الإسلام السياسي: ساهم تأييد جماعة الإخوان المسلمين في المغرب العربي لثورة الخميني في عام 1979 في إيجاد أرضية شعبية لإيران هناك وتشيع البعض تأثرًا بالثورة الإيرانية كنموذج ثوري. كما تلتقي جماعة (العدل والإحسان) المغربية، وهي حركة صوفية متأثرة سياسيًا بالفكر الثوري مع الشيعة في نقاط كثيرة، وقد بالغ زعيمها وأعضاؤها في إعجابهم بالثورة الإيرانية وإعجابهم بقائدها الخميني إلى حد أن تشيع بعض أعضائها. والحركة لها نشاط يمتد خارج المغرب في أوروبا بعد أن منعتها السلطات المغربية من ممارسة نشاطها في المغرب. وقد بدأت إيران في عام 2008 في إجراء اتصالات مع تنظيم (العدل والإحسان) في أوروبا وهو ما رأت فيه الأوساط المغربية تهديدًا لأمنها القومي. وسياسيًا ظهر التأثر بالثورة الإيرانية في المغرب من خلال تأييد حركة الشبيبة الإسلامية للثورة الإيرانية منذ بدايتها. وقد أعقب انشقاق حركة الشبيبة عام 1981 إلى مجموعات كانت منها مجموعات متأثرة بالثورة الإيرانية تؤيدها وتتعاطف معها بل تشيع بعض أفرادها من خلال الاحتكاك بالفكر الإيراني الشيعي. التمدد الشيعي في المغرب: عمدت -وتعمد- إيران إلى نشر مذهبها الشيعي في المغرب من خلال عدة وسائل؛ منها: السفارة الإيرانية: حيث اتهمت وزارة الخارجية المغربية السفارة الإيرانية بالقيام بممارسات تحث وتشجع على التشيع، وأشارت كذلك إلى دور الملحق الثقافي في سفارة إيران في تشيع المغاربة في أوروبا، (وقد كشفت الوثائق التي نشرتها (ويكيليكس) عن قيام طهران بتوظيف سفارتها في المغرب من أجل التغلغل الشيعي، وصرح مسؤول في وزارة الخارجية والتعاون المغربية أنه منذ عام 2004 بدأت أنشطة الدبلوماسية الإيرانية في هذا الميدان من جديد، بشكل مباشر وغير مباشر، عن طريق تشجيع عمليات توسيع المد الشيعي، بالتعاون مع المراكز الثقافية في المغرب)، وساعد على هذا التغلغل (الإغراء المادي الذي تُقَدِّمُه السفارة الإيرانية عبر المكافآت المادية والمنح الدراسية واستقطاب الشباب، وعبر البعثات التعليمية للجامعات والحوزات في إيران، ونشر وتوزيع الكتب والمجلات الشيعية والإيرانية؛ مثل: مجلة (كيهان العربي) ومجلة (الوحدة الإسلامية) و(صوت الثورة الإسلامية) في العراق، ومن الكتب: كتاب (ثم اهتديت) للتيجاني السماوي وكتاب (بحث حول الولاية) لمحمد باقر الصدر وغيرهما) (راجع في ذلك: "التغلغل الإيراني في دول المغرب العربي: الآليات والتداعيات وخيارات المواجهة"، تأليف حمدي بشير - مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية - الرياض 1439 هجرية، ص 69، 70). ومن مظاهر نشاط السفارة الإيرانية أيضًا للتأثير على الساحة المغربية إقامة المعارض الفنية ومعارض اللوحات الفنية داخل السفارة الإيرانية، كما شهد المعرض الدولي للكتاب حضورًا إيرانيًّا مكثفًا على مستوى دور النشر الإيرانية والشخصيات الفكرية والكتب ذات المرجعية الشيعية، بالإضافة إلى استقدام أساتذة لتدريس اللغة الفارسية، وتقديم المنح لعدد من الطلبة المغاربة للالتحاق بالجامعات الإيرانية. استقطاب الجالية المغربية في أوروبا: نظرًا لأن هناك الآلاف من المغاربة يعيشون في أوروبا منذ سنوات مع وجود مساحات واسعة من الحرية أمام الجهات الشيعية للتحرك من خلالها داخل هذه الجالية المغربية في أوروبا لاستقطاب الشباب المغربي وجذبه للتشيع، وذلك من خلال المساعدات المتنوعة كالمساعدة في اختيار المسكن والمساعدة في تزويج الإيرانيين والإيرانيات من أبناء المهاجرين المغاربة في أوروبا، سواء كان زواجًا دائمًا أو زواج متعة. وتُعَدُّ العاصمة البلجيكية (بروكسل) في مقدمة أماكن النشاط الدعوي الإيراني الشيعي؛ إذ ينتشر بها العديد من المراكز الشيعية، وقد بلغ من تأثير هذا النشاط الدعوي الشيعي تحوُّل أربعة مساجد كبيرة للجالية المغربية في العاصمة البلجيكية بروكسل إلى المذهب الشيعي، كما أسهم هذا النشاط الدعوي الشيعي في ظهور جيل مغربي صاعد تَرَبَّى على المذهب الشيعي الاثني عشري في أوروبا، وحملوه معهم بعد عودتهم إلى أرض الوطن. وقد شهدت مدينة (طنجة) في المغرب ظهور الكثير من الشيعة الذين تأثروا بحملات التشيع خلال إقامتهم في أوروبا حيث استقطبتهم جهات شيعية نشطة (ينظر في ذلك: المصدر السابق، ص 70-72). وتلعب السفارة الإيرانية في بلجيكا والجهات الدعوية التابعة لها دورًا مهمًّا في تشييع المهاجرين المغاربة من خلال المساعدات المالية الشهرية للشباب المغربي القادم إلى بلجيكا، وتشجيعهم على الزواج الذي يُمَكِّنُهم من الحصول على أوراق الإقامة في بلجيكا، مع ربطهم بشخصيات تَدِين بمرجعية الفقيه الشيعي، إلى جانب تمويل زيارات وأنشطة يقوم بها هؤلاء الشباب إلى إيران، وهو ما مهد لتأسيس جالية شيعية مغربية في بلجيكا. موقف المغرب الرسمي من التمدد الشيعي: تأرجح موقف المغرب الرسمي من هذا التمدد الشيعي بين التراخي والتشدد: - فكانت هناك فترات من التراخي والصمت استندت فيها الحكومة المغربية إلى أن إيران لا تُمَثِّل تهديدًا للمصالح الحيوية في المغرب، فكان هناك التعاون الاقتصادي والتجاري والتبادل السياحي والعلاقات الثقافية، هذا رغم أن المخابرات والأجهزة الأمنية المغربية كانت ترى أن إيران تهدد المغرب من خلال تجنيد وتدريب عناصر مغربية، ومن خلال انخراطها في نشر الفكر الشيعي، لكن في عام 2009 اتخذت الحكومة المغربية موقفًا حازمًا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بسبب النشاطات الإيرانية الثابتة والتي تستهدف الهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي بما يعني تحذير نشطاء التيار الشيعي في المغرب. وقد قامت السلطات الأمنية المغربية بالتحقيق مع عشرات المواطنين المشتبه في اعتناقهم المذهب الشيعي أو التورط في محاولة نشر التشيع في البلاد. كما تم إغلاق المدرسة العراقية التكميلية في الرباط بالمغرب بسبب استغلالها في نشر المذهب الشيعي، كما تمت مصادرة الكتب الشيعية من صالات عرضها والمكتبات التي تبيعها. ومع ذلك فقد شهدت الأوضاع بعض التغير منذ عام 2012 حيث اعترفت السلطات المغربية بتأسيس بعض المؤسسات لشيعة مغاربة، وسمحت لهم بالاحتفال الجماعي بيوم عاشوراء بحضور المئات في قاعة للاحتفالات بمدينة (طنجة). وقد ترددت وتباطأت السلطات المغربية من قبل في منح حزب (البديل الحضاري) الترخيص بالعمل حتى عام 2005، كما رفضت السلطات المغربية منح (حركة الأمة) رخصة إنشاء الحزب، ثم قامت الحكومة المغربية بحل حزب (البديل الحضاري) عام 2008 بعد تأكيد أجهزة الأمن ارتباطه بشبكة إرهابية وعلاقته بتنظيمات شيعية، وضبط كميات متنوعة من الأسلحة وأموال بالعملة الأجنبية. ويُعَدُّ حزب البديل الحضاري حزبًا إسلاميًّا ينطلق من رؤية الانفتاح والتعامل مع الأحزاب الأخرى في ظل الديمقراطية المعمول بها، وقد حصل على ترخيصه القانوني عام 2005 بعد ممانعة طويلة سببها وجود قناعات شيعية عند بعض قادته. وهو يُعَدُّ ثالث حزب سياسي مغربي بتوجه إسلامي رُخِّص له بالعمل بعد حزبي (العدالة والتنمية) و(النهضة والفضيلة). وقد تم حل الحزب في فبراير 2008 وإغلاق مقراته ومصادرة ممتلكاته وإلزام مسؤوليه بعدم مزاولة أي نشاط سياسي باسم الحزب. وقد رفضت السلطات المغربية كذلك منح (حركة الأمة) رخصة إنشاء حزب سياسي لها في ظل التخوف من محاولات التغلغل الإيراني في الساحة السياسية المغربية، خصوصًا مع زيادة التأييد السياسي في الأوساط الشيعية المغربية. وظاهر الأمر: أن السلطات المغربية تحاول ألا تَجْعَل من ظاهرة التشيع في المغرب حدثًا إعلاميًا أو حقوقيًا ربما لتجنب الانتقادات الغربية المتكررة بشأن الحريات في المغرب، لذا فهي تُرَكِّز جهودها على المراقبة الأمنية وقياس الحجم الحقيقي الكمي والنوعي للتيار الشيعي لتحجيمه أو ترويضه ليكون بعيدًا عن العمل السياسي، وبعيدًا عن الإخلال بوحدة الدولة واستقرار الثوابت الدينية فيها. موقف الأحزاب والشعب في المغرب من المد الشيعي في البلاد: أعلن حزب (الأصالة والمعاصرة) في المغرب دعمه لقطع الحكومة المغربية علاقاتها مع إيران عام 2009، واستنكر سياسة الاختراق المذهبي الشيعي والتدخل السافر في شؤون المغرب الداخلية، وزرع الفتنة في البلاد خدمة للأطماع الإيرانية في المنطقة؛ كما سارعت حركة (التوحيد والإصلاح) إلى تأييد موقف الحكومة دفاعًا عن سنية المغرب ووحدته العقائدية. وتُعَدُّ حركة (التوحيد والإصلاح) من الحركات الإسلامية التي تُمَثِّل الإخوان المسلمين في المغرب، ولها حضور دعوي من سبعينيات القرن العشرين الماضي من خلال أنشطة المجتمع المدني والجمعيات، ثم اتخذت شكلها الحالي باسم (التوحيد والإصلاح) منذ عام 1996 إثر الوحدة الاندماجية التي تمت بين (الإصلاح والتجديد) و(رابطة المستقبل الإسلامي)، كما استنكر وأدان حزب التجمع الوطني للأحرار المغربي ممارسات البعثة الدبلوماسية الإيرانية بالمغرب وتدخلها في شؤون المغرب الداخلية. وقد تصاعدت أصوات العلماء هناك خاصة من التيار السلفي بضرورة التصدي للتحركات الشيعية وقطع الطريق على ممارسة الأنشطة الشيعية في البلاد، كما نددوا بالدور الذي تؤديه السفارة الإيرانية في نشر التشيع، ووجهوا بضرورة التصدي لنشر التشيع بين أبناء الجالية المغربية بالخارج. وحاصل القول: إنه على الرغم من أفق انتشار التشيع في المغرب فإن الهجمات المضادة التي واجهها -ويواجهها- هذا التيار سواء من طرف الحركة السلفية ووجوهها المعروفة في المغرب، وكذلك من تضييقات الدولة التي تحد من حرية التشيع، والدور الذي تُقَدِّمُه مؤسسات الدولة الدينية هناك في بناء العقيدة الصحيحة، وبالتالي التحصين من هذا الغزو الفكري الشيعي، بالإضافة إلى الحرب المعلنة على التشيع في مواقع التواصل الاجتماعي، تُمَثِّل جميعها معًا حائط صد له تأثيره أمام التغلغل الشيعي في المملكة المغربية. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() التمدد الشيعي في دول المغرب العربي (3) التمدد الشيعي في الجزائر كتبه/ علاء بكر فتُعدُّ الجزائر المنطلق الرئيسي الذي تطلعت له إيران للانتشار في منطقة المغرب العربي وغرب إفريقيا، لذا سعت إلى إقامة علاقات دبلوماسية واسعة معها في ظل ما تتعرض له علاقاتها مع المشرق العربي من أزمات. وترجع بدايات العلاقات الطيبة بين الجزائر وإيران إلى دور الوساطة التي قامت بها الجزائر في السبعينيات من القرن العشرين لحل النزاع الحدودي بين إيران والعراق بشأن (شط العرب) في عهد شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي، وهي الوساطة التي أسفرت عن توقيع (اتفاقية الجزائر) عام 1975، ثم كانت الوساطة الثانية عام 1981 بعد قيام ثورة الخميني في إيران بخصوص حل أزمة الإفراج عن خمسين دبلوماسيًّا أمريكيًّا كانوا رهائن محتجزين في السفارة الأمريكية بطهران منذ نوفمبر 1979، وقد أعقب ذلك زيارة الرئيس الجزائري لطهران في عام 1982 خلال الحرب بين إيران والعراق. وكذلك قيام الجزائر بدور الوساطة خلال الحرب الإيرانية العراقية (من 1980 إلى 1988)، وهي الوساطة التي شهدت مقتل وزير خارجية الجزائر بعد تحطم طائرته في ظروف غامضة في مايو 1982 على الحدود العراقية التركية. وقد اتخذت الجزائر في الحرب العراقية الإيرانية موقفًا مخالفًا لأغلبية الدول العربية بعدم مساندتها للعراق ضد إيران، لكنها سخرت إمكانياتها من أجل الوساطة لحل النزاع بين البلدين، وهي جهود ساهمت في التخفيف من حدة الأزمة لئلا تأخذ أبعادًا مأساوية تهدد المنطقة بأكملها، لكن العلاقات بين الجزائر وإيران توترت فجأة إلى حد المقاطعة بعد انتخابات الجزائر عام 1991 وفوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر بها، وما أعقب ذلك من تدخل الجيش الجزائري وإلغائه المسار الانتخابي مطلع 1992، وما أثير وقتها من قبل الجزائر حول تورط طهران في دعم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وتدخلها في شؤون الجزائر الداخلية. ثم كانت التصريحات الإيرانية عقب اغتيال الرئيس الجزائري الراحل محمد بوضياف في مارس 1993 التي رأت بسببها الجزائر أن تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران. بعد فوز الرئيس الإيراني محمد خاتمي بالانتخابات الرئاسية في مايو 1997، توافرت الإرادة السياسية لدى الجانبين لإزالة التوتر بين البلدين وبناء الثقة بينهما من جديد، وترميم الجسور في ظل سياسة الانفتاح الإيراني التي اتبعها الرئيس الإيراني. وبعد انتخاب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في إبريل 1999، تحسنت العلاقات بين البلدين أكثر، خاصة بعد لقاء ودي جمع بين الرئيسين الإيراني خاتمي والجزائري بوتفليقة عام 2000. وبالفعل تم استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 2003 الذي شهد زيارة بوتفليقة لإيران في أكتوبر 2003، وهي الزيارة التي كان لها الأثر الكبير في تحسن العلاقات بين البلدين بعد القطيعة لسنوات، حيث بلغت العلاقات بينهما مستويات عالية غير مسبوقة من التعاون والتنسيق في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية، وقد اكتسبت زيارة الرئيس خاتمي للجزائر بعدها في أكتوبر عام 2004 أهمية خاصة لكونها أول زيارة لرئيس إيراني للجزائر بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979. ومع وصول الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للحكم، قام نجاد بعدة زيارات للجزائر، اختتمها بزيارة قصيرة للجزائر خلال شهر سبتمبر 2010 قادمًا من سوريا، ولتوطيد العلاقات بين البلدين، حرصت إيران على تبادل الزيارات الرسمية بين المسؤولين في البلدين وبصورة منتظمة مع إظهار الحفاوة في مظاهر الاستقبال فيها. وقد استفادت إيران من دعم علاقاتها الاقتصادية مع الجزائر بإقامة شراكات ومصالح اقتصادية مشتركة؛ منها: إقامة معرض لبيع سيارات شركة (سابيا)، والاتفاق على تصدير سيارات (سمند) للجزائر. ومنها: إنشاء مجمع (إيران خودرو) الصناعي لإنتاج قطع غيار السيارات ودخول هذا المجمع للسوق الجزائري. ومنها: إنشاء مصنع للأسمنت بطاقة مليون طن سنويًّا، تساهم فيه إيران بنسبة 51% وغيرها من المشروعات. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2008 ما مقداره 25 مليون دولار، وقد ساعد هذا التبادل الاقتصادي إيران في سياستها الرامية إلى نشر التشيع الاثني عشري في الجزائر من خلال: الوصول إلى رجال الأعمال والنخبة الاقتصادية في الجزائر. النفاذ إلى السوق الجزائري لتعويض وتخفيف آثار الحصار الاقتصادي المفروض على إيران من الدول الغربية. حرية الحركة داخل الجزائر من خلال هذه القنوات السياسية والاقتصادية وتقوية حضور إيران الثقافي والمذهبي. وقد قدمت إيران في هذه الفترة الكثير من الحوافز الاقتصادية لإغراء الجزائر لتوثيق وتقوية علاقاتها بها. التواجد الشيعي في الجزائر: عرفت الجزائر التشيع الإسماعيلي قديمًا خلال فترة الدولة الفاطمية (الدولة العبيدية) في المغرب العربي. وفي العصر الحالي، يتواجد شيعة اثنا عشرية في غرب الجزائر على الحدود الجزائرية المغربية، وكذلك في شرق الجزائر في المناطق المتاخمة للحدود مع تونس، وتُعدُّ ولاية (وهران) أكثر الولايات الجزائرية في عدد الشيعة بها، كما توجد نسبة صغيرة من الشيعة في وسط الجزائر في العاصمة الجزائر، ونسبة أخرى أيضًا صغيرة في الجنوب. وللجالية العراقية والسورية تأثير ودور كبير في نشر التشيع في الجزائر، خصوصًا من المدرسين العراقيين والسوريين الذين وفدوا إلى الجزائر في الثمانينيات من القرن الماضي. وقد سافر عدد من الجزائريين للدراسة في الحوزات العلمية في إيران والعراق، منهم من بقي هناك ومنهم من عاد إلى الجزائر. وقد نقلت صحيفة الشروق الجزائرية عن وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري تصريحًا ذكر فيه أن هناك عشرات من الجزائريين موجودون في مدينة قم الإيرانية لدراسة المذهب الشيعي. (ينظر: التغلغل الإيراني في دول المغرب العربي: الآليات والتداعيات وخيارات المواجهة، تأليف حمدي بشير - مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، ط. 1439، ص 106). وقد انتشر التشيع في الجزائر عبر الأُسَر والعائلات فيما بينهم في مواجهة الفكر السلفي أو من خلال مناصرة الإسلام السياسي؛ فكانت الندوات الشيعية غير الرسمية تُدار في المدن الكبرى كالجزائر ووهران، مع الميل إلى الانتشار في الضواحي هناك؛ لكونها مليئة بالشباب القابل للاستدراج للمذهب الشيعي وبالتالي الالتفاف حول قضاياه، وكانت تُنظم تلك الندوات والمحاضرات عادة في المنازل المخصصة لتنظيم الشعائر الشيعية، ويقوم بتقديم هذه المحاضرات والتدريس فيها جزائريون شيعة ممن تلقوا معلوماتهم الدينية في مؤسسات دينية شيعية أو في الحوزات العلمية في قم في إيران؛ هذا وتحرص المؤسسات الدينية في قم على إعادة قراءة المذهب السني وإعادة تفسيره وفق العقيدة الشيعية، واستخراج أكبر قدر من المراجع المتاحة في هذا المذهب تخص موضوع المهدي بهدف إدماج قطاعات معينة من المنتمين إلى الفكر السني مع العقيدة الشيعية، فضلًا عن أن إيران تدعم شبكة من الجمعيات الخيرية لدعم الطائفة الشيعية الوليدة في الجزائر. (ينظر في ذلك المصدر السابق، ص102، 103). وينتشر دعاة ومعتنقو المذهب الشيعي في المناطق الشرقية من وهران حيث يعرفون جيدًا سكان هذه الأحياء المهمشة، وقد قاموا بإعداد معهد ديني خاص لهم في عقار كبير، يحتفلون فيه بطقوس يوم عاشوراء الشيعية، وتُعدُّ الجزائر هي البلد العربي السني الوحيد الذي يتخذ يوم عاشوراء عطلة رسمية مدفوعة الأجر كعيدي الفطر والأضحى والمولد النبوي، وهو ما عارضه أصحاب التيار السلفي في الجزائر لكونه يُعدُّ خدمة مجانية لدعاة التشيع في الجزائر، إذ تطورت من خلاله ممارسات الطقوس الشيعية من السرية إلى العلانية، ومن الاحتفال به سرًّا في المقابر إلى الاحتفال به على طريقة الشيعة في المساجد والأحياء تحت رعاية أتباع المذهب الشيعي، وتجهر بالاحتفال به عائلات وأسر شيعية، وتعمل من خلال ذلك على استقطاب أتباع جدد بوسائل ومغريات مختلفة بالمال والهدايا وزواج المتعة. ولدعاة الشيعة في شرق وهران 12 مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم تُعدُّ حاضنات لنشر التشيع، مع وجود العديد من المكتبات الشيعية التي تُعدُّ أماكن للتجمع والمناقشات. (راجع المصدر السابق، ص100 - 105). ويساعد على نشر التشيع الترويج له في المدارس والجامعات ودور الثقافة بين الأساتذة والمعلمين والمثقفين ومنهم إلى عقول الطلاب والتلاميذ والأطفال، وهو ما تسبب في قيام وزارة التربية الجزائرية بإيقاف عدد من المدرسين عن العمل بسبب غضب الآباء لما ثبت لديهم من أن هؤلاء المدرسين يعملون على نشر المذهب الشيعي بين التلاميذ والأطفال. تجنيد عناصر من حركات الإسلام السياسي: بعد نجاح ثورة الخميني الشيعية في إيران في عام 1979 واستقطابها لإسلاميين جزائريين ممن شغفوا بالثورة الإيرانية بوصفها في نظرهم تُعدُّ نموذجًا مثاليًّا لجعل الإسلام وسيلة لحل مشكلاتنا المعاصرة، ظهرت ونمت في الثمانينيات الدعوة للتشيع ونشره في الجزائر، وقد نجحت البعثة الدبلوماسية الإيرانية من خلال بعض المتعاطفين مع الثورة في عقد العديد من اللقاءات مع القوى السياسية الناشئة في الجزائر ومنها جبهة الإنقاذ الإسلامية وحركة حمس، وتجنيد بعض أفرادها واستخدامهم في نشر الفكر الشيعي، خاصة في ظل مناخ الانفتاح السياسي والتعددية الحزبية وقتها في الجزائر، وحالة الاستنفار النقابي والسياسي والديني وظهور تيارات إسلامية سياسية متعددة. وقد أتيحت الفرصة لإيران لمد صلاتها ببعض قيادات ذلك التيار الصاعد، وقد شهدت جبهة الإنقاذ الإسلامية من خلال قادتها تباينًا حول موقف الإسلام السياسي في الجزائر من الإسلام الشيعي، ففي الوقت الذي عادى فيه التيار السلفي بقيادة (علي بلحاج) صراحة هذا التشيع، لم يخف قادة آخرون مثل (عباس مدني) انجذابهم لتجربة الثورة الإيرانية، فساعدت تلك الأجواء إيران على التسلل لنشر التشيع في البلاد. ومن هنا كان الموقف الإيراني الحاد المعارض لإلغاء الجيش الجزائري للمسار الانتخابي في الجزائر في ديسمبر 1991 عقب فوز جبهة الإنقاذ بالانتخابات هناك، مما جعل الحكومة الجزائرية تتهم إيران بدعم جبهة الإنقاذ والتدخل في شؤونها الداخلية. وقد انتقدت إيران نتائج الانتخابات البرلمانية في الجزائر عام 1995 والتي استبعدت الحركة الإسلامية من المشاركة فيها. دور السفارة الإيرانية في نشر التشيع: تعمل السفارات الإيرانية عامة على نشر التشيع وتصدير الثورة الإيرانية خارج إيران. ويتولى ذلك الملحق الثقافي بالسفارة من خلال صناعة خلايا شيعية في البلد الذي يوجدون فيه بتمويل وتنظيم زيارات لعناصر منها إلى طهران وقم، ويتم أثناء تلك الزيارات الالتقاء برجال دين شيعة وبعناصر من المخابرات الإيرانية حيث يتم تدريبهم على كيفية نشر التشيع بين أبناء وطنهم. ويلتحق بالملحقيات الثقافية في السفارات الإيرانية ضباط من الحرس الوطني الإيراني يتخفون تحت قناع النشاط الثقافي، وهم مدربون تدريبًا احترافيًّا على العمل في إطار تصدير الثورة الإيرانية، من خلال تشكيل خلايا شيعية في البلدان التي يوجدون فيها، يبدأ نشر التشيع، ومنه إلى العمالة لجهاز المخابرات الإيرانية، ثم التحول من نخبة إلى جماعات شيعية لها قاعدة شعبية ثم إلى مليشيات. وعادة يقوى هذا النشاط عندما تكون العلاقات بين إيران والدول التي بها سفاراتها علاقات هادئة طبيعية، حيث ينمو ويترعرع في صمت وعدم أي إثارة ضده. وتتولى السفارات الإيرانية من خلال نشر المذهب الشيعي التبشير بالنموذج السياسي للجمهورية الإيرانية القائم على ولاية الفقيه، من خلال توزيع الكتب والرسائل وتقديم تسهيلات للسفر إلى طهران وقم والنجف وتقديم المنح للدراسة في المدارس الدينية هناك. ومن الأساليب التي اتبعت في طرح المذهب الشيعي في الجزائر، خاصة في مناطق القبائل وأماكن تواجد (الأمازيغ)، عرضه على أنه عودة إلى ماضي الجزائر، لا على أنه منتج خارجي مستورد، أي بوصفه عودة إلى الجذور وإعادة ذكرى الماضي الفاطمي في الذاكرة الجماعية وضمن الموروثات الثقافية، أي تقديمه كأحد مكونات الهوية الخاصة بالجزائر، لذا يرى المتحولون إلى التشيع، خاصة من الأمازيغ الذين يعانون من التمييز، أن أسلافهم كانوا على التشيع من قبل مع تأسيس الدولة الفاطمية في المغرب العربي. وفي عهد رئاسة بوتفليقة للجزائر، نشطت الدعوة للتشيع وتدرجت وظهرت نتائجها في منتصف التسعينيات، حيث قدر الأمن الجزائري في عام 1996 عدد الشيعة في الجزائر بنحو ألف شخص، وازداد العدد إلى ثلاثة آلاف في عام 2010، وقد تردد الكثيرون منهم على طهران وقم والنجف. وهؤلاء لهم مرجعياتهم الشيعية التي يتبعونها ويدينون لها بالولاء، فمنهم من مرجعيته مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي ومنهم من يتبع الخوئي أو غيرهما. والإيمان الحقيقي عند هؤلاء هو في الولاء لإيران، فهي في نظرهم ترفع راية الإسلام، ودولة تدعم المقاومة في لبنان وفي فلسطين، وثورتها ثورة ناجحة قوية، وبعكس الدول العربية، ليس لإيران علاقة مع الشيطان الأمريكي أو مع إسرائيل، بل تظهر العداء الصريح لهما، وهي أيضًا بلد متقدم توشك أن تنضم إلى مصاف الدول النووية. الموقف الرسمي والشعبي من التشيع الإيراني: كان موقف السلطات الجزائرية في بادئ الأمر عدم الاهتمام بالتمدد الشيعي لكونه لا يشكل خطورة على نظام الحكم القائم، ثم توترت العلاقات بين البلدين مع اتهام إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية في الجزائر، خاصة اتهامها بدعم حركة الإسلام السياسي، ثم تحول الأمر إلى مهادنة في ظل تجدد وتوغل العلاقات السياسية بين الجزائر وإيران، لكن غالبية الشعب الجزائري ترفض المنتمين للتشيع وتتمسك بالمحافظة على اختيار الدولة التاريخي للمذهب المالكي السني، وهذا ما يجعل السلطات الجزائرية لا تهتم كثيرًا بوجود المذهب الشيعي أو الدعوة إليه، وإن تابعت بحذر تحركات الشيعة خشية توظيفهم من قبل أطراف معادية، فنظرتها نظرة قاصرة على المخاوف السياسية. بينما يشن التيار السلفي في الجزائر على التشيع هناك حربًا قوية، خاصة من جبهة الصحوة السلفية، والتي ترى أن الشيعة يشكلون خطرًا على الجزائر، باعتبار أن هذا التغلغل الشيعي يستمد وجوده من الدعم الإيراني المرتبط بالتوسع وفرض السيطرة والنفوذ، وعليه فالجزائر ليست في معزل عن الأطماع الإيرانية بتصدير الثورة إليها، مما يوجب تحجيم الدعوة للتشيع عبر تحرك مضاد لها. وخلاصة القول: إن الموقف الحكومي الجزائري يتأثر بدرجة كبيرة بالحسابات السياسية وبالعلاقات الدبلوماسية مع إيران لا بالبعد الديني أو خطورة الوضع على المجتمع، وهذا بخلاف الموقف الشعبي الذي يقوده علماء الدين ورجاله والمثقفون في المجتمع الجزائري الذين تعالت أصواتهم محذرين من خطورة التغلغل الشيعي الإيراني على وحدة المجتمع وعلى الأمن القومي الجزائري، ويرون أن التمدد الشيعي في المجتمع الجزائري قد بلغ مدى يستوجب التعامل الجدي معه من خلال التحرك السريع من الحكومة الجزائرية. ولعل هذا ما ترجمه وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري في مايو 2016 عندما صرح بأن تزايد حركات التشيع في الفترة الأخيرة يؤكد أن الجزائر مستهدفة، وأن هناك إرادة أجنبية تريد التشويش على الجزائر من خلال سعيها إلى نشر فكرة الطائفية وتقوية حركات التشيع، خاصة على مستوى الولايات الحدودية الشرقية والغربية للجزائر. (راجع في ذلك المصدر السابق، ص 114، 115). وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() التمدد الشيعي في دول المغرب العربي (4) التمدد الشيعي في تونس كتبه/ علاء بكر فعلى الرغم من أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ومن قبله أيضًا الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، لم يتحمسا لقيام ثورة الخميني في إيران عام 1979؛ ربما توجسا من خطر أن تدعم إيران بعد ثورة الخميني التيار الإسلامي السياسي المُعارِض في تونس المتمثل في حركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة بعد ذلك) في تونس إلى جانب نشوب الحرب بين العراق وإيران في الثمانينيات، لكن في فترة التسعينيات من القرن العشرين شهدت العَلاقات الدبلوماسية بين إيران وتونس تَطَوُّرًا ملحوظًا، حيث استطاعت إيران توثيق عَلاقاتها مع تونس، وإن ظل حكم زين العابدين يتبنى نَظْرَةً حَذِرَةً في عَلاقاته مع إيران، على خِلاف ما كانت عليه العَلاقات الإيرانية مع المغرب والجزائر. وقد عبرت تونس عن رَغْبَتِها في توثيق العَلاقات مع إيران باستقبال زين العابدين بن علي في 2010 لمبعوث الرئيس الإيراني. وقد تغاضى زين العابدين في الفترة الأخيرة من حكمه عن بعض مظاهر التَّغَلْغُلِ الشيعي الإيراني في تونس، حيث تم افتتاح مركز ثقافي إيراني في حي المنار الراقي القريب من وسط العاصمة تونس، وتزامن مع ذلك انطلاق التدريس للغة الفارسية في تونس بإشراف القسم الثقافي في السفارة الإيرانية، كما تم الترخيص لجمعية آل البيت، وهي تُعَدُّ تنظيمًا يحمل طابعًا دينيًّا، كما تمت كذلك تبادل الزيارات السياحية بين تونس وإيران. وقد أسهمت هذه الصور من التطبيع بين البلدين مساهمة كبيرة في تحسين العَلاقة بين البلدين بعد الفَتْرَةِ التي شهدتها في أعقاب قيام الثورة في إيران. وقد بلغ معدل التبادل التجاري بين إيران وتونس في عام 2004 نحو 45 مليون دولار سنويًّا، ليزداد هذا المعدل من مارس 2007 إلى مارس 2008 بنسبة 60% مقارنة بنفس الفترة من مارس 2006 إلى مارس 2007، وليبلغ مقدار التبادل التجاري بين البلدين في عام 2007 - 2008 نحو 130 مليون دولار؛ كما كثفت إيران من استثماراتها في مَجالِ السياحة وتشجيع الإيرانيين على زيارة تونس، رغم عدم وجود نقل جوي مباشر وقتها بين إيران وتونس مما أسهم في تحسين العَلاقات بين البلدين. وتم خلال ذلك توقيع مذكرة تفاهم مشتركة للتعاون بين البلدين في قطاع الصيد البحري وتبادل الخبرات والتعاون العلمي وبرامج البحوث، كما افتتحت إيران ملحقة ثقافية في تونس في عام 2007. توتر مفاجئ بين إيران والغنوشي: في عام 2007 اعتذرت طهران عن استقبال الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسي، والذي كان على رأس وفد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورفضت منح الغنوشي تأشيرة دخول إيران مُعَلِّلَةً ذلك بأنه يسيء إلى عَلاقاتها مع النظام التونسي، مما أغضب الغنوشي الذي انتقد السياسة الإيرانية في رهانها على نظام حكم زين العابدين، مُعْتَبِرًا موقفها هذا الغرض منه تقديم الغطاء لمحاولات إيران لنشر التَّشَيُّعِ في تونس بتقديم رَشْوَةٍ للنظام مُقابِلَ نشر فِكْرِها الشيعي الإيراني في تونس. (راجع: التَّغَلْغُلُ الإيراني في دول المَغْرِبِ العَرَبِيِّ، حمدي بشير - مركز الخليج العَرَبِيِّ للدراسات الإيرانية - الرياض - ط 1349 هـ، ص 133، 134). ما بعد قيام الثورة التونسية عام 2011: مع قيام الثورة التونسية في عام 2011 (ثورة الياسمين) وإسقاط حكم زين العابدين رحبت إيران بالثورة التونسية، وقد عَدَّ الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الثورة التونسية أنها بمثابة انتفاضة من شعب تونس ضد نظام ديكتاتوري كان مدعومًا من الغرب، وقد استقبلت إيران بعد الثورة التونسية نُخَبًا ثقافية وسياسية وفنية تونسية لتطوير العَلاقات بين البلدين. ووقعت عدة اتفاقيات بين البلدين لتعزيز التعاون بينهما خاصة في مَجالِ السياحة منها إقامة خط جوي مباشر بين البلدين، ووضع برنامج تنفيذي لجذب 10 آلاف سائح إيراني إلى تونس خلال عام 2016، ويمتد البرنامج لمدة 3 سنوات. ورغم موافقة الإخوان المسلمين في تونس المعتادة على هذه النوعيات من الاتفاقيات السياحية مع إيران وترحيبهم بها؛ فقد أثارت تلك الأنشطة بعض السياسيين التونسيين تَخَوُّفًا من خَطَرِ الوفود السياحية التي ترسلها إيران إلى تونس، وطالبوا بعَرْضِ الاتفاقيات الموقعة مع إيران على البرلمان التونسي للمصادقة عليها وإقرارها، مُحَذِّرِينَ من خَطَرِ تنامي الدور الإيراني الشيعي في تونس، مُذَكِّرِينَ بما حدث من قبل في العراق وفي سوريا عَبْرَ السياحة الإيرانية، إذ تحولت تلك السياحة على ما يشبه الغزو؛ خاصة في ظل وجود خط مواصلات جوي مباشر بين طهران وتونس، فهذه الاتفاقيات مع إيران عادة ظاهرها سياحي إلا أن باطنها غير ذلك، حيث يتم عَبْرَها تصدير فريق من الحرس الثوري الإيراني إلى البلاد يحمل رسالة واحدة، وهي أنه قوة احتلال مُسْتَقْبَلِيَّةٍ، مهمتها الترتيب لإقامة وتجهيز وتَشْيِيعِ أكبر قدر ممكن من الأفراد، ثم إقامة أماكن خاصة لهؤلاء للشيعة والمُتَشَيِّعِينَ، وفتح أسواق لبيع المنتجات الإيرانية، واسْتِغْلال بعض الأضرحة والمراقد الدينية سرعان ما تتحول إلى عَتَباتٍ مقدسة، يليها تشكيل جماعات شيعية، يليها تواجد مليشيات تابعة لإيران مثل ميليشيات حزب الله في لبنان ومليشيات أبي الفضل العباس في العراق بحجة حماية تلك المقدسات، فإذا لم تَتَنَبَّهْ تونس إلى هذا المخطط فسوف يمنح هذا إيران ذِراعًا سياسيًّا في تونس كما هو الحال في لبنان والعراق وسوريا. التواجد الشيعي في تونس: عرف عن البربر -وهم سكان المَغْرِبِ العَرَبِيِّ الأصليون- بعد دخولهم الإسلام مُناصَرَةَ أهل البيت إلا أنه لا يمكن اعْتِبار ذلك منهم على وجه مذهب التَّشَيُّعِ الفارسي المعروف حاليًا؛ إذ كانت غايته الدعوة لأبناء علي وفاطمة عليهما السلام أو الثورة على الأمويين، لكن عَرَفَتْ تونس الغلو في التَّشَيُّعِ مع انتشار الشيعة الفاطمية بدءًا من مدينة (المهدية) التونسية. وينتشر المذهب الجعفري حديثًا في تونس حيث يعتنقه عدة آلاف من التونسيين في العَدِيد من الولايات والمدن بما فيها العاصمة تونس. وتظهر تلك الأنشطة الشيعية من خِلالِ إقامة الاحتفالات والمراسم الدينية، حيث يتم فيها تبادل وتوزيع الكتب والرسائل والأشرطة الصوتية المسجلة، ويمارس الشيعة الشعائر المذهبية بحرية وبدون مُضايَقاتٍ، ومنهم شيعة تونسيون درسوا المذهب الجعفري في إيران أو سوريا. وقد أنشأت أول (حسينية) للشيعة في تونس في مدينة (قابس) التي تضم أعدادًا كبيرة منهم، الذين يعقدون في مقرات الجمعيات الدينية الشيعية مجالس خاصة أشبه بالحسينيات للتجمع والتعارف ولجذب والاسْتِقْطابِ. ويعد الدكتور محمد التيجاني السماوي الشيعي التونسي صاحب كتاب (ثم اهتديت)، الذي يروي فيه قِصَّةَ انْتِقاله وتَحَوُّلِه إلى التَّشَيُّعِ، من أبرز المُعْتَنِقِينَ للمذهب الشيعي في تونس وأبرز الدعاة إليه. وللتيجاني مؤلفات عديدة نالت رَواجًا بين الشيعة. ويذكر التيجاني أنه هَجَرَ التصوف على يد دكتور عراقي، وسافر إلى النجف الأشرف، حيث تَشَيَّعَ مُتَّخِذًا من المرجع الإيراني الخوئي مرجعًا له يقلده، وقد تَعَدَّدَتْ بعدها زياراته للنجف وتَعَدَّدَتْ لقاءاته مع علمائها الشيعة في مُناسَباتٍ كثيرة، وقد وكله الخوئي في التصرف في خمس الزكاة نيابة عنه. وممن كان له نَشاطٌ بارز وباع كبير في نشر التَّشَيُّعِ في تونس (شاكر الشرفي) أستاذ مادة الفكر الإسلامي بالمعاهد الثانوية، حيث تَشَيَّعَ على يديه العَشَرات من التونسيين خلال 20 عامًا، حيث كانت الكتب والجرائد تُرْسَلُ إليه من إيران فيقوم بتوزيعها بنفسه على الشباب المُتَشَيِّعِينَ، وعلى الراغبين في التَّعَرُّفِ على واسْتِكْشافِ المذهب الشيعي، ومنها مراجعات لشرف الدين الموسوي، وكتب للخميني خاصة كتابه (الحكومة الإسلامية) لنشر التَّشَيُّعِ بين التونسيين. وقد زار الشرفي إيران مرتين حيث التقى بكل من أحمدي نجاد ومحمد خاتمي، كما قابل محمد التسخيري رئيس مجمع التقريب بين المذاهب، بالإضافة إلى مُقابَلَةِ عدد كبير من رجال الدين الإيرانيين في طهران، وقد كان مُقَرَّبًا من السفارة الإيرانية قبل أن يختلف معها. تَدَرُّجُ التَّمَدُّد الشيعي في تونس: بدأ التَّشَيُّعُ في تونس عَقِبَ الثورة الإيرانية بظهور حركة المسلمين السائرين على خط الإمام (أي: خط الخميني) في الثمانينيات، بمساندة وتأييد من حركة الاتجاه الإسلامي؛ مما ساهم في زيادة أعداد المُناصِرِينَ الذين التفوا حول مؤسسة (آل البيت)، تلا ذلك ظهور تيار طلابي تونسي باسم (خط الإمام) نسبة إلى الخميني، وقد زاد انتشار ذلك التيار بعد تَراجُعِ حركة الاتجاه الإسلامي في التسعينيات وتَطَوُّرِ العَلاقات الدبلوماسية بين إيران وتونس، وتَعَدَّدَتِ اللقاءات بين المسؤولين التونسيين والعناصر المُتَشَيِّعَةِ في تونس لكن بصورة غير رسمية. وقد تأسست في تلك الفترة (جمعية آل البيت الثقافية)، ومن أهدافها الظاهرة إحياء مدرسة أهل البيت. وبعد الثورة الشعبية في تونس اسْتَغَلَّ الشيعة مناخ الحرية السائد بعد الثورة وإلغاء التراخيص والقيود على ما يعوق اسْتِقْدام الكتب والمجلات الإيرانية، وسعوا لنشر دَعْوَتِهم أكثر بين الشباب لحجز مَساحَةٍ لهم في المشهد التونسي. واهتم الشيعة بتأسيس الجمعيات ذات الاهتمام الثقافي والاجتماعي؛ منها: (رابطة التسامح التونسي)، والتي اتهمت بالسعي إلى تنفيذ المشروع الشيعي بتمويل من إيران عَبْرَ التظاهر بالدفاع عن القضية الفلسطينية، ومُعاداةِ التطبيع مع الكيان الصهيوني كوسيلة لكسب الشرعية في تونس كمرحلة أولى للانطلاق بعدها لتنفيذ مشروع التَّمَدُّدِ الإيراني الشيعي في تونس، ومنها كذلك إنشاء جمعية (المودة الثقافية)؛ كما افتتحت مكتبات عديدة مُتَخَصِّصَةٌ في الترويج لكتب الشيعية من أبرزها مكتبة باسم: (الشاملة). ومن الناحية السياسية: فقد شهدت تونس بُرُوزَ حزبين سياسيين يستندان إلى مرجعية شيعية، وهما: (حزب الوحدة) الذي حصل على الترخيص القانوني بتأسيسه، وتأسس في أواخر شهر يناير 2013، وهو حزب يستند إلى المرجعية الشيعية دون الإفصاح عن ذلك، فكانت مواقفه السياسية مُتَوافِقَةً مع المواقف السياسية لإيران، مع ادِّعاء الحزب في أدبياته أنه لا يدعو إلى مذهب أو طائفة، مع المطالبة بضرورة حُرِّيَّةِ المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، وضرورة حياد المؤسسة الدينية الرسمية المُمَثَّلَةِ في وزارة الشؤون الدينية ووقوفها على بُعْدٍ واحد من كل المذاهب الإسلامية. وقد شارك هذا الحزب في أول انتخابات تشريعية في تونس في ثلاث دوائر ولم يحصل على أي مقعد. والحزب الآخر هو (حزب الله) التونسي، لكنه لم يحصل على ترخيص قانوني له، وكان يستند أيضًا إلى المرجعية الفقهية للمذهب الشيعي، واختير له اسم حزب الله تيمُّنًا بحزب الله اللبناني. العَلاقة مع الإسلام السياسي: كانت حركة النهضة التونسية من أوائل الحركات الإسلامية في تأييد ثورة الخميني في إيران عام 1979، وعملت على أن توفر لكوادر الحركة أدبيات سريعة وعامة عن الشيعة بعد أن كانت برامجها قبل ذلك خالية تمامًا من هذا الأمر. واتبع ذلك تأسيس نواة شيعية في جنوب تونس، وتلاه تشجيع عَناصِرَ من بعض الجهات الإيرانية والعراقية للترويج للمذهب الشيعي داخل الأوساط الشعبية وطلاب المدارس خاصة العَناصِرَ الموالية لحركة الاتجاه الإسلامي. وقد أبدى راشد الغنوشي زعيم حركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة حاليًا) إعجابه بالثورة الإيرانية عند قيامها ونَجاحِها في الإطاحة بنظام شاه إيران الراحل. وقد ذكر الغنوشي في كتابه (الحركة الإسلامية والتحديث) أنه بنجاح الثورة في إيران بدأ الإسلام دورة حضارية جديدة، وذكر أن مصطلح الحركة الإسلامية ينطبق على ثلاثة اتجاهات كبرى: الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية في باكستان، وحركة الإمام الخميني في إيران، مؤكدًا على أن الخلاف بين عامة المسلمين (السنة) والشيعة ما هو إلا خِلافٌ وهمي! وفي إطار مُواجَهَةِ النظام التونسي الحاكم لحركة الاتجاه الإسلامي في الثمانينيات ونَظْرَتِهِ المُتَوَجِّسَةِ للتَّقابُلِ بين الثورة الإيرانية وحركة الاتجاه الإسلامي أقدم النظام التونسي على قطع عَلاقاته الدبلوماسية مع إيران. ولكن مع تَحَوُّلِ العَلاقة بين النظام التونسي وإيران وتحسنها في بداية التسعينيات حَرَصَتْ إيران على المحافظة على استمرار هذه العَلاقة مع نظام زين العابدين، وهو ما دفعها إلى رفض استقبال الغنوشي على أراضيها، وهو ما أدى إلى اتخاذ الغنوشي وقتها لموقف مُغايِرٍ تجاه إيران. دور السفارة الإيرانية في تونس: أقامت السفارة الإيرانية كما هو مُتَوَقَّعٌ منها عدة فَعاليات وأنشطة ثقافية حَضَرَ فيها أساتذة إيرانيون، وقد ساهمت تلك الأنشطة المُتَّفَقُ عليها بدورها في الترويج للتَّشَيُّعِ في تونس، واحتضان المُتَشَيِّعِينَ من التونسيين من خِلالِ توفير المراجع والكتب الشيعية لهم، وتمكين أولئك الراغبين منهم من الالتحاق بالدراسة في الحوزات العلمية الشيعية في سوريا أو العراق، مع رصد الأموال اللازمة لتمويل وتجنيد الأشخاص وتكوين الخلايا ذات الولاء لإيران ومن اتباع المراجع الشيعية الإيرانية، وتعمل لحساب المذهب الشيعي عَبْرَ العَدِيد من الوسائل منها تكوين جمعيات في ظاهرها ثقافية وفي باطنها عَقَدِيَّةٌ. وإذا كان من الصعب زَعْمُ وجود رعاية رسمية للتَّشَيُّعِ في تونس فإن هذا لا ينفي أن هناك حُرِّيَّةً في العَمَلِ لنشر التَّشَيُّعِ داخل المجتمع التونسي. يحدث هذا بالتزامن مع ما يقوم به الشيعة العرب من أبناء العراق وسوريا ولبنان من نَشاطٍ دعوي لترويج التَّشَيُّعِ عَبْرَ النت ومن خِلالِ مواقع الاتصال الاجتماعي، وما يدون فيها من مقالات وما ينشر عَبْرَها من دروس، وما يحال عليه عَبْرَها من مواقع إيرانية تبث باللغة العربية دَعْوَتَها للتَّشَيُّعِ. وقد استقبلت بالفعل الحوزات العلمية الشيعية في سوريا وفي النجف بالعراق العَدِيد من التونسيين الذين تَشَبَّعُوا هناك بالمذهب الشيعي، بل صاروا من دُعاتِهِ. الموقف الرسمي والشعبي من التَّمَدُّدِ الشيعي في تونس: كان لعودة العَلاقات بين إيران وتونس إلى طبيعتها مع بداية التسعينيات، ثم حالة المناخ السياسي بعد الثورة الشعبية في تونس عام 2011، ثم ما تَقَرَّرَ في دستور الدولة الجديد من كفالة حُرِّيَّةِ المعتقد وممارسة الشعائر الدينية أثَرُه في التَّغَلْغُلِ الشيعي الإيراني في تونس، والذي بلغ مَدًى لا يمكن إنكاره. وقد أدى هذا التَّغَلْغُلُ الشيعي المُتَنامِي إلى ردود فعل مُتَزايِدَةٍ، فقد ارْتَفَعَتْ الأصوات من كل اتجاهات الطوائف التونسية الدينية والشعبية والثقافية والاجتماعية التي تطالب بالتَّصَدِّي لهذا الغزو الشيعي الذي يتستر بالأنشطة الثقافية والخيرية حِفاظًا على الهوية العَرَبِيَّةِ الإسلامية السنية المالكية لتونس. وقد ساهم تَطَوُّرُ العَلاقات التونسية السعودية، حيث دعمت السعودية حزب (نداء تونس) الحاكم بعد ثورة 2011، خاصة بعد تولي الرئيس التونسي (الباجي قايد السبسي) للحكم واتجاهه لإعادة الحضور السعودي إلى الساحة التونسية بتبادل زيارات المسؤولين في البلدين وتعزيز التعاون بينهما على جميع الأصعدة، خاصة أن تونس تُعَدُّ في مرحلة انتقالية وتُعانِي من مَصاعِبَ اقتصادية، إضافة إلى كون تونس حَرِيصَةً كل الحِرْصِ على عَلاقاتها المتوازنة مع دول الخليج العَرَبِيِّ عامة والمملكة العَرَبِيَّةِ السعودية خاصة، وتأكدت تلك العَلاقات بزيارة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي للسعودية في ديسمبر 2015. وقد ساهم ذلك في الحَدِّ من الأنشطة الإيرانية في تونس نَظَرًا للعَداءِ السياسي بين إيران والسعودية والمنافسة الإقليمية بينهما في ظل محاولة إيران مَلْءِ الفَراغِ السياسي في المنطقة العَرَبِيَّةِ على أساس مذهبي يُفَجِّرُ فيها العَداواتِ. وقد شهدت الاستثمارات السعودية المباشرة في تونس نُمُوًّا سريعًا في مُخْتَلِفِ القطاعات إلى جانب القروض الممنوحة من السعودية لتونس. وقد جاء بيان وزارة الخارجية التونسية بالتضامن مع المملكة العَرَبِيَّةِ السعودية في حادثة إحراق إيرانيين للسفارة السعودية في طهران في عام 2016 احترامًا للقانون الدولي تَقْوِيَةً لهذا الاتجاه. وفي سياق التَّصَدِّي الشعبي للتَّغَلْغُلِ الشيعي في تونس أعلن في عام 2012 عن ميلاد (الرابطة التونسية لمناهضة المد الشيعي في تونس)، والتي طالبت الحكومة التونسية بإغلاق المركز الثقافي الإيراني الذي يُعَدُّ الذراع الثقافي والديني لإيران في تونس، ويعمل على نشر المذهب الشيعي في البلاد، وطالبت بقطع العَلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد أن تَجاوَزَتْ الحدود بزرع بذور الفِتْنَةِ والفوضى في المجتمع التونسي بمحاولة التأثير على مُعْتَقَداتِهِ الثابتة عَبْرَ مساعيها لتصدير الثورة الإيرانية الشيعية إلى تونس، وكشفت الرابطة عن صور من الأنشطة المشبوهة التي يقوم بها المركز الثقافي الإيراني، وأنه يرصد أموالًا طائلة لتنفيذ مَخْطَطِ التَّشَيُّعِ في تونس، وتجنيد المُتَشَيِّعِينَ وتكوين خلايا شيعية نائمة ذات ولاء لإيران. وعارضت الرابطة مواقف بعض الأطراف التونسية غير المؤثرة في المشهد السياسي في البلاد. وقد حَذَّرَ أيضًا عدد كبير من العلماء التونسيين والأئمة والدعاة من خَطَرِ التَّغَلْغُلِ الشيعي الإيراني على وَحْدَةِ تونس واسْتِقْرارِها وهَوِيَّتِها السُّنيَّة.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |