|
|||||||
| ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
سلسلة آفات على الطريق (2): حسان أحمد العماري الإسراف في حياتنا! الخطبة الأولى الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وجعلنا من أمة الاعتدال والوسطية، أحمده سبحانه وأشكره على ما أنعم وأولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.أوصيكم ونفسي المقصِّرة أولًا بتقوى الله تعالى، فهي وصية الله للأوَّلين والآخرين، قال عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131]. عباد الله، حديثنا اليوم عن داءٍ خطيرٍ وبلاءٍ كبيرٍ، يهدد الأفراد والمجتمعات، وهو الإسراف، قال الله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]. والإسراف ليس مجرد زيادة في الإنفاق؛ بل هو مرض يسرق من قلبك الرحمة، ومن عقلك الحكمة، ومن تصرُّفك الكياسة، قبل أن يسرق من جيبك المال. يبدأ أحيانًا من تربية مترفة، أو من انفتاح مفاجئ بعد ضيق، أو من صحبة لا تعرف الاعتدال، حتى يصبح الترفُ عادةً والقناعةُ غريبةً. أيها الأحبة، نِعَمُ الله أمانةٌ، ومن يضيِّع الأمانة يُسلبها، بل ربما يقف يوم القيامة يُسأل عن كل لقمة وكل درهم أنفقه في غير حق، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه))؛ [رواه الترمذي]. والإسراف لا يقتل المال فقط، بل يقتل الإحساس بالآخرين، فالمسرف لا يعرف طعم الجوع، ولا يشعر بدموع المحتاجين، ولا يتذكَّر أن مَن حوله قد لا يجدون قوت يومهم، وهكذا يضعف التضامن، وتتفَتَّت القلوب، وتكبر الفجوة بين الناس. ومن مظاهر الإسراف التي غزت حياتنا الإسراف في الطعام والشراب حتى امتلأت حاويات القمامة بأصناف النِّعَم، بينما الملايين في العالم يبيتون جوعى. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ما ملأ آدمي وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسه))؛ [رواه الترمذي]. ومن مظاهره أيضًا الإسراف في المال وإنفاقه في الكماليات والترف واللهو، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ﴾ [الإسراء: 26، 27]. ولا يقتصر الإسراف على المال والطعام؛ بل يتعدى إلى الأوقات، فيضيع الناس ساعات طويلة أمام الشاشات بلا فائدة، بينما الوقت هو رأس مال الإنسان، وقد قال الحسن البصري: "يا بن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومُك ذهب بعضُك". وكذلك الإسراف في الملابس، فيشغل الإنسان نفسه بمتابعة الموضات، وتبديل الثياب دون حاجة، حتى صار التباهي بالمظاهر يطغى على القيم. وهناك أيضًا الإسراف في الكلام والجدال والغيبة والنقد المستمر، حتى يُرهق الإنسان نفسه ويجرح الآخرين؛ بل يتجاوز الأمر إلى الإسراف في محاسبة الأهل والأبناء على الصغيرة والكبيرة بما يفسد الود في البيوت، بينما الرحمة والرفق هما السبيل إلى صلاح الأسرة. أيها الأحبة، ومن صور الإسراف كذلك ما يكون في المشاعر، فإسراف في الحب حتى يذل المرء نفسه، وإسراف في الكره حتى يقطع ما أمر الله به أن يوصل، وإسراف في النقد حتى ينفر الناس، وكل ذلك يخرج بالإنسان عن حدِّ الاعتدال الذي أمر الله به؛ بل حتى الماء، وهو أعظم نعمة بعد الإيمان، نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسرف فيه، فقال لسعد حين رآه يكثر في الوضوء: ((ما هذا السرف؟))، قال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: ((نعم، وإن كنت على نهرٍ جارٍ))؛ [رواه ابن ماجه]، فكيف بمن يستهلك المياه في غير حاجة حتى تذهب هدرًا؟! عباد الله، لقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حياةً بسيطةً، لم يشبعوا من خبز الشعير ثلاثة أيام متتابعة، ومع ذلك فتح الله لهم الدنيا، وكانوا أكرم الناس وأغناهم قلوبًا. فالعبرة ليست بما تملك، بل بما تملك نفسك عن شهوة الترف، كما قال عمر رضي الله عنه: "كفى بالمرء سرفًا أن يأكل كل ما اشتهى". عباد الله، إن الإسراف داء خطير يهدد دين الإنسان ودنياه، وقد حذَّر الله تعالى منه فقال: ﴿ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، وفي زماننا هذا زاد الأمر خطورة مع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي تسوِّق لنا ثقافة الإسراف، وتُزيِّن الكماليات، وتغريهم بتتابُع الإعلانات، وتُزيِّن لهم المنتجات، وتُيسِّر أمور البيع والشراء، وتجعل الإنسان يقيس قيمته بما يشتري لا بما يقدِّم، فيلهث الناس وراء الجديد، ويثقلون أنفسهم وأهليهم بالديون وهم لا يشعرون. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن الإسراف والتبذير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله، إن علاج هذا البلاء لا يكون إلا بالاعتدال والتوسط في الأمور كلها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير الأمور أوسطها)). فالاقتصاد في المعيشة ليس بخلًا ولا حرمانًا؛ بل هو وعي بالنعمة، وصيانة لها، ووضعها في موضعها الصحيح. فالمؤمن يوازن بين طعامه وشرابه، وبين عمله وراحته، وبين حبه وبغضه، فيعيش في طمأنينة وتوازن. قال صلى الله عليه وسلم: ((إن لربك عليك حقًّا، وإن لبدنك عليك حقًّا، وإن لأهلك عليك حقًّا، فأعْطِ كل ذي حقٍّ حقَّه))؛ [رواه البخاري]. ومن تمام العلاج أن نُربّي أنفسنا وأهلنا على القناعة، فنميز بين الضروريات والكماليات، ونُذكِّر أنفسنا أن البركة ليست في كثرة الممتلكات؛ بل في حُسْن استثمارها، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((كفى بالمرء سرفًا أن يأكل كل ما اشتهى)). والقناعة ليست حرمانًا كما يظن البعض، وإنما هي حرية وراحة قلب ونجاة في الدنيا وفوز في الآخرة. أيها المسلمون، لنتذكر دومًا أننا مسؤولون عن هذه النعم يوم القيامة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه))؛ [رواه الترمذي]، فهذا السؤال الأخروي يجعلنا نحاسب أنفسنا قبل أن نُحاسَب، ونُدرك أن أعمارنا وأموالنا وطاقاتنا أمانات بين أيدينا، فإما أن نحسن استثمارها فنُفلح، أو نُسرف فيها فنخسر. فاتقوا الله عباد الله، وكونوا أمةً وسطًا كما أراد الله لكم، تضبط شهواتها، وتقتصد في نفقاتها، وتُحسن استثمار وقتها، ولا تُسرف في حب ولا كره ولا كلام ولا نقد، ولا تستهلك مياهها ومواردها بغير وعي، ولا تجري وراء الكماليات والإعلانات فتتعب بلا جدوى. واذكروا أن من اقتصد أغناه الله، ومن أسرف أفقره الله، وأن الله سائلكم يوم القيامة عن هذه النعم ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8]. هذا وصلوا وسلموا على من أُمِرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم اجعلنا من عبادك المقتصدين، ونجِّنا من داء الإسراف والتبذير، اللهم بارك لنا في أعمارنا وأوقاتنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر، برحمتك يا أرحم الراحمين. عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |