ضوابط الفتوى الشرعية وأثرها في صلاح الأمَّة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5066 - عددالزوار : 2275849 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4649 - عددالزوار : 1554035 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 127 - عددالزوار : 71313 )           »          حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 249 - عددالزوار : 153430 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 89 - عددالزوار : 28700 )           »          مسألة: العلج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الفرع الثاني: بيان حدود العورة (من الشرط السابع من شروط الصلاة: ستر العورة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          حكم الاشتراك في أمازون برايم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          حديث في العدة والإحداد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          تفسير سورة الماعون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 04-11-2025, 05:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,490
الدولة : Egypt
افتراضي ضوابط الفتوى الشرعية وأثرها في صلاح الأمَّة

ضوابط الفتوى الشرعية وأثرها في صلاح الأمَّة


  • الإفتاء منصب جليل يقوم على بيان حكم الله في النوازل ولا يتولاه إلا من استكمل شروط العلم والاجتهاد
  • تتجلى مكانة الفتوى الشرعية في كونها العلم الذي يبيّن أحكام الله -تعالى- في أفعال المكلفين إذ يُعدّ المفتي مُبلّغًا لكلمة الحق في قضايا الناس ومصالحهم
  • الشيخ ابن باز: الفتوى بغير علم منكر عظيم وهو مما حرمه الله على عباده وجعل مرتبته فوق الشرك فالواجب على طالب العلم أن يتقي الله وأن يحذر من القول على الله بغير علم
  • من أبرز ضوابط الفتوى: الاعتماد على الأدلة المعتبرة ووضوح الجواب ومراعاة الحال والزمان والمكان والتجرد من الأهواء
  • لمّا كانت الفتوى بيانًا لحكم شرعي وجب تقديمها بأسلوب مبين وكلام واضح قويم؛ فقد أمر الله -تعالى- نبيه الكريم بالبلاغ المبين
  • الشيخ ابن عثيمين: المفتي في الأمور الشرعية معبّر عن الله -عزوجل- ومعبّر عن دين الله؛ فلا يحِلّ لأحد أن يُفتي بغير علم فإن ذلك من كبائر الذنوب
  • الفتوى دين وهي توقيع عن رب العالمين فمن ثم لا يصح أخذها إلا من الفقهاء المتمكنين والعلماء العاملين
  • الفتوى السليمة تجعل المستفتي على الجادة القويمة وتبعـده عن البدع الذميمة فتصحح مساره لئلا يزل وتحذره من البدع لئلا يضل وفي ذلك صلاح الفرد وسلامة المجتمع
  • من ضوابط الفتوى مراعاة الزمان والمكان والحال إذ قد تتغيّر الفتوى إذا كان الحكم مبنيًّا على العُرف وضابط ذلك أمران: أن يكون الحكم أصلاً مبنيًّا على عرفٍ معتبر وأن يكون العرف الجديد غير مخالف للشرع
يُعَدُّ الإفتاء من أشرف المناصب الدينية وأعظمها أثرًا في توجيه حياة الناس؛ لأن فيه بيان لحكم الله -تعالى- في جميع مايخص حياتنا من العبادات والنوازل والقضايا المتجددة، والمفتي يُبصِّر الأمة بدينهم، ويرشدهم إلى سواء السبيل، غير إن هذا المنصب الجليل لا يتولاه إلا من جمع العلم والورع، واستكمل أدوات الاجتهاد، والتزم ضوابط الإفتاء التي قررها العلماء؛ لتكون الفتوى منضبطة بالنصوص الشرعية، ومنسجمة مع مقاصد الشريعة، وبعيدة عن الهوى والانفعال، وفي عصر تتسارع فيه المتغيرات، وتتنوع فيه النوازل، تبرز الحاجة الماسّة إلى ترسيخ تلك الضوابط، وصيانة الفتوى من التسرع والجرأة بغير علم؛ لما لذلك من أثر مباشر في وعي الأمة وصلاحها ورشادها، واستقرارها الفكري والديني.
أولاً: مسؤولية الفتوى ومنزلتها
تتجلى أهمية الفتوى الشرعية في علو مكانتها وفائدتها للأمة؛ والله -عزوجل- قد أبان عن ذلك بقوله -تعالى-: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ}، وقال أيضًا: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}، وبذلك نسب الله عز وجل الإفتاء لذاته العلية شرفًا وجلالة، ثم تولى هذا المقام سيد المرسلين، نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، مفتيًا عن الله -عز وجل- بوحيه المبين، وامتازت فتاواه -صلى الله عليه وسلم - بالشمول، جامعًا بين أصول الأحكام وفصل الخطاب، بعيدًا عن التعسف أو التكلف، وقد ورث العلماء هذا المقام الرفيع؛ فلا تصدر الفتوى إلا ممن اتصف بالعلم والدراية؛ وبذلك صار المفتون أمناء على الشريعة، يبينون أحكام الله للعباد، ويرشدونهم في دينهم ودنياهم، لتكون الفتوى دليل هداية للأمة ومصدر إشعاع حضاري ينشر القيم ويعزز نهضة الأمة.
بيان لأحكام الله -تعالى-
تتجلى مكانة الفتوى الشرعية في كونها العلم الذي يبيّن أحكام الله -تعالى- في أفعال المكلّفين؛ إذ يُعدّ المفتي مُبلّغًا لكلمة الحق في قضايا الناس ومصالحهم، وقد شبَّه الإمام ابن القيم هذا المنصب العظيم بمنصب الوزير الذي يوقّع عن الملك؛ فكان له مكانة رفيعة وفضل لا يُنكر، ولهذا صنف -رحمه الله- كتابًا أسماه: (إعلام الموقعين عن رب العالمين)، فالمفتي يخاطب العباد ببيان الشرع، ويترجم مشيئة الله فيما يعرض للناس من أمور الدين والدنيا؛ ما يجعل الفتوى في موقع الأمانة العليا ورسالة الهداية الربانية التي تضيء طريق الأمة عبر العصور.
ثانيًا: ضوابط الفتوى
لما كانت الفتوى هي إخبار عن حكم الله وتوقيع عنه -سبحانه-، كان إطلاق القول بالحلِّ أو الحرمة من غير ضوابط افتراءً على الله القائل في محكم كتابه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}، ويمكننا حصر أهم ضوابط الفتوى فيما يلي:
الضابط الأول: الاعتماد على الأدلة الشرعية
الأدلة الشرعية أربعة: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس، وأول شرط لصحة الفتوى أن تُبنى على هذه الأدلة المعتبرة؛ فلا يجوز مخالفة القرآن والسُنَّة أو تجاوزهما، لقوله -تعالى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}، وقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: «لا تقولوا خلاف الكتاب والسُنَّة»، أما الإجماع فهو اتفاق المجتهدين بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على حكم شرعي، وهو حجة قطعية لا تجوز مخالفتها، ودليله قوله -تعالى-: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}، وأما القياس فهو إلحاق فرع بأصل لعلة جامعة بينهما، وهو حجة عند جمهور الفقهاء في الأحكام العملية، ويحتاج إلى فقيه بصير بأصول الاستنباط.
الضابط الثاني: تعلق الفتوى بموضوع الاستفتاء
قد تقتصر الفتوى على موضوع الاستفتاء، فتسد حاجة المستفتي وتحل مشكلته، وقد يلجأ المفتي إلى أن يمهّد للسائل بمقدمة إذا توقع استغرابه للحكم، أو أن تكون الفتوى أشمل من السؤال لتفيد السائل بما هو أنفع، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أجاب الصحابة عن ميتة البحر رغم أن السؤال كان عن وضوء ماء البحر، وهذا من جنس قول الله -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}؛ إذ أجابهم بما هو أنفع لهم في مصالحهم وعباداتهم، كما يجوز العدول عن موضوع السؤال، أو الإمساك عن الجواب، إذا ترتب على الجواب فتنة للسائل، فقد قال ابن عباس - رضي الله عنه - لرجل سأله عن تفسير آية: وما يؤمنك أني لو أخبرتك بتفسيرها كفرت به؟ أي أنكرت هذا الحكم.
الضابط الثالث: سلامة الفتوى من الغموض
لمّا كانت الفتوى بيانًا لحكم شرعي، وجب تقديمها بأسلوب مبين، وكلام واضح قويم؛ فقد أمر الله -تعالى- نبيه الكريم بالبلاغ المبين، فقال -سبحانه-: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}؛ لذا كان من وضوح الفتوى: خلوها من المصطلحات التي يتعذر على المستفتي فهمها، وسلامتها من التردد في حسم القضية المسؤول عنها.
الضابط الرابع: مراعاة الحال والزمان والمكان
من ضوابط الفتوى مراعاة الزمان والمكان والحال؛ إذ قد تتغيّر الفتوى إذا كان الحكم مبنيًّا على العُرف، وضابط ذلك أمران: أن يكون الحكم أصلاً مبنيًّا على عرفٍ معتبر، وأن يكون العرف الجديد غير مخالف للشرع، وقد راعى الشرع اختلاف الزمان والمكان، ومن ذلك تأجيل حدّ السرقة في الغزو؛ لئلا يترتب على إقامته مفسدة أعظم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تُقطع الأيدي في الغزو»، وعلى ذلك إجماع الصحابة، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة -رضي الله عنها-: «لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت الكعبة...»، دليلٌ على مراعاة الأحوال والبيئات؛ وعليه، فإن الفتوى تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان والعوائد والأحوال، ما لم تخالف نصًّا صريحًا أو تأويلًا صحيحًا، أما تحريف النصوص لتوافق واقعًا غير شرعي فباطل لا يُقبل.
الضابط الخامس: عدم الإجمال فيما يقتضي التفصيل
إذا كان في المسألة تفصيل فليس للمفتي إجمال الجواب، بل عليه أن يستفصل السائل حتى يعطيه الجواب الموافق لمسألته؛ لأن إجمال الفتوى في مثل هذه الحال، تجعل الحكم واحداً لأمور متعددة، في حين تختلف الفتوى باختلافها، ويدل على ذلك أنَّ النعمانَ بنَ بَشيرٍ جاء أبوهُ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال له: إني نَحَلْتُ ابني هذا غلامًا؛ فقال له: «أَكُلَّ ولدِكَ له نِحْلةٌ مثلُ هذا؟» قال: لا؛ قال: «فاردُدْهُ، (وفي روايةٍ) أَلِكُلِّ ولدِكَ نِحْلَةٌ مثلُ هذا؟» قال: لا، قال: «أَتُحِبُّ أن يكونَ الكلُّ في البِرِّ سواء؟» قال: نعم، قال: «فَسَوِّ بينَهم في العَطِيَّةِ» وفي روايةٍ «أَشهِدْ على هذا غيري» وفي روايةٍ «إني لا أَشْهَدُ على جُورٍ».
الضابط السادس: التجرد من الهوى
من ضوابط سلامة الفتوى تجردها من الهوى، سواء صدر من المستفتي أو المفتي؛ فالمستفتي قد يزيّن الباطل بألفاظ حسنة ليُلبس على المفتي، فيستخرج منه فتوى توافق هواه؛ لذا اشترط العلماء في المفتي اليقظة والمعرفة بحيل الناس ومكرهم حتى لا يغترّ بسؤالٍ مضلِّل. قال ابن القيم: «ينبغي للمفتي أن يكون بصيرًا بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم، حذرًا فطنًا، فقيهًا بالشرع وأحوال الناس، وإلا زاغ وأزاغ»، أما المفتي، فتنزهه عن الهوى أوجب؛ لأنه مخبر عن الله -تعالى-؛ فلا يجوز أن يُفتي موافقةً لغرضٍ شخصي أو لمحاباة أحد؛ ومن فعل ذلك فقد افترى على الله؛ لقوله -تعالى-: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}.
الضابط السابع: أهلية المفتي
لما كانت الفتوى إخبارًا عن حكم الله وتوقيعًا عنه، وجب أن تتوافر في المفتي الأهلية الشرعية بشروطٍ وصفاتٍ محددة، فمن شروطه أن يكون مكلفًا، مسلمًا، عدلاً ثقة، مأمونًا، متنزهًا عن مخالفات المروءة؛ لأن الفاسق لا يُقبل قوله ولو كان من أهل الاجتهاد، وأن يكون فقيه النفس، متيقظًا، سليم الذهن، رصين الفكر، حسن الاستنباط، وأما الخصال التي ينبغي أن يتحلى بها المفتي، فقد أجملها الإمام أحمد بقوله: «لا يُنصِّب الرجل نفسه للفتيا حتى تتوافر فيه خمس خصال: نية صالحة؛ إذ بدونها لا يكون في كلامه نور، وعلم وحلم ووقار وسكينة، وقوة في العلم والبصيرة بما يفتي به، والكفاية؛ لئلا يذله الناس، ومعرفة أحوال الناس، ليضع الفتوى في موضعها الصحيح».
رابعًا: أثر الفتوى في صلاح الأمّة
إذا كانت الفتوى مؤصلة تأصـيلاً شرعيًا، وكان المفتي سليمًا من التنطع، معافى من التسيب، بعيدًا عـن الأقوال الشـاذة، نائيًا عن الأدلـة التالفة، مراعى فيـه رضى الحـق، وملاحـظًا به مصالح الخـلق، فإن الفتوى تترك في الأمة آثارًا طيبة نجملها فيما يلي:
إزالة الجهل
إنَّ سؤال المستفتي وإجابة المفتي نوع من المُدارسة العلمية، يتعلم فيه السائل أحكام دينه، وقد حثّ الله -تعالى- على ذلك في قوله: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}، وقوله -تعالى-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، والقرآن في أول ما نزل حضّ على طلب العلم؛ لما فيه من إنارة للعقل، وصيانة للإنسان من الجهل، ورفعة للأمة، وقد قامت مدرسة النبوة على التوحيد والعلم معًا، فخرّجت رجالاً كانوا منارات هدى ومصابيح علم.
تصحيح المسار للفرد والمجتمع
فالفتوى السليمة، تجعل المستفتي على الجادة القويمة، وتبعـده عن البدع الذميمة، فتصحح مساره لئلا يزل، وتحذره من البدع لئلا يضل، وفي ذلك صلاح الفرد، وسلامة المجتمع، قال الله -تعالى-: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}.
توثيق صلة الأمة بعلمائها
إن الفتوى القويمة توثق صلة الأمة بعـلمائها، وما أحوج الأمة إلى ذلك التلاحم الذي يقود ركبَه حملةُ أشرفِ رسالة! إن الأمة التي تبقى وفية لعلمائها، تسمع لقولهم، وتطيع أمرهم، وتأخذ بنصحهم هي أمة مؤهلة للفوز في الدنيا، والنجاة في الآخرة، وكيف لا يتم لها الفوز؟ والله -تعالى- قد أرشدها لطاعته، فقال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ}، فقد فسر الجمهور أولي الأمر بالأمراء، وفسرها بعض السلف وعلى رأسهم ترجمان القرآن الكريم ابن عباس - رضي الله عنه - بالعلماء.
تبصرة طالب العلم
إذا وفق الله -تعالى- طلبة العلم إلى استفتاء العلماء المتمكنين، العاملين المخلصين، فإن آفاق المعرفة تتفتح أمامهم، ينهلون من معينها، ويرشفون من حقائقها، فتتنور بصائرهم، وتنضج معارفهم، وقديماً دل لقمان الحكيم ولده على منبع الخير حتى ينهل منه، فقال له: يا بني جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك؛ فإن الله يحيي القلوب الميتة بالحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء، وبمقدار ما يكون العالم متمكنًا، وطالب العلم نهمًا، تكون النتائج أوفر، والعوائد أكثر، فمن ظفر بعالم متمكن، عامل بعلمه، مسدَّد في فهمه، فقد حِيز له خير عميم، وفضل عظيم.
إعانة المسلمين على أداء التكاليف الشرعية
إذا سلمت الفتوى من الشذوذ، وتجردت عن تنطع المتنطعين، وتسيب المتسيبين، ثم أعطيت للمستفتي على أنها توقيع عن رب العالمين، فإنها تكون خير عون على أداء التكاليف الشـرعية كما أمر الله -تعالى- في قوله الكريم: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}، وكلما كانت الفتوى سديدة، ومعتمدة على الأدلة الصحيحة، فإنها تكون أدعى إلى حمل الناس على أداء التكاليف الشرعية على الوجه الذي أراده الله ورسوله، وفي ذلك إحياء للسنن، وإماتة للبدع.
خامسًا: الآثار المترتبة على أخذ الفتوى من غير أهلها
إن الفتوى دين، وهي توقيع عن ربّ العالمين، فمن ثم لا يصح أخذها إلا من الفقهاء المتمكنين، والعلماء العاملين، فما كل من شدا العلم صار عالمًا، ولا كل من اعتزى إليه بات بحق الفتوى قائمًا، وقديمًا قال محمد بن سيرين -رحمه الله تعالى-: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم»؛ فالفتاوى الخطأ، أو الصادرة عن غير أهلها تترك آثاراً سيئة، وأضراراً في الفرد والمجتمع، منها:
التعدي على حدود الله -تعالى-
فما أفدح الخَطب حين تنتهك حرمات الله بفتاوى جائرة تنسب إلى دين الله: قال الله -تعالى-: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}، وقال -عزَّ شأنه-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.
شيوع الباطل وإلباسه لباس الحق
وذلك من التلبيس على الخلق، وطمس معالم الحق: {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}.
الجرأة على دين الله
إن أخذ الفتوى عن غير أهلها يسوق المستفتي إلى الجرأة على دين الله، فلا تبقى لله -تعالى- في قلبه رقابة، ولا إلى الحق -تعالى- في نفسه إنابة، فيرتكب ما سأل عنه بفتوى جائرة، ثم يتنقل - من قلة الخشية، وظلمة المعصية -من ذنب إلى آخر حتى تهوي به أهواؤه في مكان سحيق.
الضلال عن صراط الله العزيز الحميد
الخير كل الخير في اتباع منهج السلف القائم على الكتاب والسنة؛ ففيه صلاح الأمة ونجاتها، وإذا تولى الإفتاء من ليس أهلاً للعلم ضل وأضل، قال عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا، ولكن بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فضلوا وأضلوا».
الفتوى بغير علم منكر عظيم..
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: الفتوى بغير علم منكر عظيم، وهو مما حرمه الله على عباده، وجعل مرتبته فوق الشرك، قال -تعالى-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (الأعراف:33)؛ فالواجب على طالب العلم أن يتقي الله، وأن يحذر القول على الله بغير علم، وإذا كان هذا في حق طالب العلم فكيف بغيره؟ فيجب على المؤمن أن يتقي الله -تعالى- وأن يخافه -سبحانه-، وألا يتكلم في الحلال والحرام إلا بعلم، قال الله -سبحانه-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} (يوسف:108) يعني: على علم.
الفتوى بغير علم من كبائر الذنوب
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: المفتي في الأمور الشرعية معبّر عن الله -عزوجل-، ومعبّر عن دين الله؛ فلا يحِلّ لأحد أن يُفتي بغير علم؛ فإن ذلك من كبائر الذنوب، ومن أفتى بغير علم فقد وضع نفسه شريكا مع الله -عزوجل- في تشريع الأحكام، وقد اتخذ بعض الناس الفتوى حرفة يترفّع بها على من أفتاه ويُري الناس أنه ذو علم وهذا خطأ، سفه في العقل وضلال في الدين؛ فإن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} ولم يقل: والذين يفتون، فعلى المرء أن يعرف قدر نفسه، وأن يكِل الأمر إلى أهله، وأن يذكر الوعيد فيمن قال على الله ما لا يعلم.
صفات المفتي العلمية والعملية
  • فهم مقاصد الشريعة: ينبغي أن يفقه المفتي مقاصد التشريع، إذ الأحكام معللة بالمصالح، وإغفالها يؤدي إلى تعطيل روح الشريعة ومقاصدها.
  • معرفة مواضع الاختلاف: من أهم صفاته إدراك مواقع الخلاف وأدلته، والتمييز بين الأقوال عند تكافئها، فالفقيه لا يكون فقيهًا حتى يعرف أسباب الاختلاف ومجالاته.
  • القصد والاعتدال: على المفتي أن يسلك سبيل الوسطية، فلا يغلو في التشديد ولا يتساهل في الترخيص، بل يحمل الناس على الاعتدال الذي هو جوهر الشريعة.
  • فقه الواقع: يلزم المفتي إدراك واقع الناس وزمانهم؛ ليصدر فتواه على تصور صحيح للنازلة، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، ومن جهل الواقع أخطأ في الفتوى ومقاصدها.
أهم النتائج والتوصيات
أولاً: النتائج
  • الفتوى منصب جليل، يقوم على بيان حكم الله في النوازل، ولا يتولاها إلا من استكمل شروط العلم والاجتهاد.
  • الفتوى مسؤولية عظيمة، لا تصح إلا بضوابط شرعية تحفظها من التسرع والهوى والانحراف.
  • من أبرز ضوابط الفتوى: الاعتماد على الأدلة المعتبرة، ووضوح الجواب، ومراعاة الحال والزمان والمكان، والتجرد من الأهواء.
  • الفتوى الصحيحة تثمر صلاح الفرد والمجتمع، وتوثق صلة الأمة بعلمائها، وتعزز التزامها بأحكام الشريعة.
  • الفتوى بغير علم من أعظم المنكرات، وتؤدي إلى شيوع الجهل والاضطراب، وإضعاف مكانة العلماء.
ثانيًا: التوصيات
  • إعداد المفتين إعدادًا علميا وعمليا يجمع بين الفقه والواقع.
  • توحيد المرجعية الفقهية وربطها بالمجامع الموثوقة.
  • ضبط الفتوى الإعلامية والإلكترونية ومنع الفتاوى الشاذة.
  • نشر الوعي بخطورة القول على الله بغير علم.
  • تعزيز الصلة بين العلماء وطلبة العلم.
  • ترسيخ فقه المقاصد والواقع في مناهج الإعداد الشرعي.
  • العناية بأخلاقيات المفتي من صدق وورع واعتدال.



اعداد: وائل رمضان





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 98.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 96.69 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]