|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تغيرت طباعنا وتنافرت أرواحنا عباد الله: الأخلاق غرائز كامنة تظهر بالاختيار وتُقهر بالاضطرار وقد يمن الله - تعالى - على بعض عباده بأن تكون أخلاقهم حسنة ومعاملاتهم طيبة من أصل طبعهم وجبلَّتهم؛ كما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأشج عبد قيس - رضي الله عنه -: (إن فيك خصلتين يُحبّهما الله ورسوله الحلم والأناة). وفي رواية: أنه قال: يا رسول الله أنا أتخلّق بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: (بل الله جبلك عليهما). قال: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبّهما الله ورسوله. وهذا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - قد جُبل على حسن الأخلاق حتى عرف بالصادق الأمين، وقد استعرضت خديجة - رضي الله عنها - شيئا من أخلاقه عندما جاءها وقد اشتد عليه الوحي، فقالت كما في صحيح البخاري وغيره: كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتغيث الملهوف، وتعين على نوائب الحق. ولكن ليس معنى هذا أن الإنسان لا قدرة له على تحسين أخلاقه أو الترقي في سلم الأخلاق إلى الأفضل والأحسن، فقد جاء في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأنصار: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يتصبر يصبِّره الله، ومن يستغن يغنه الله). وهذه الأمور إنما هي أخلاق، وقد بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من حاول أن يحصلها فسيعينه الله على تحصيلها. وحسن الخلق يكون مع الله كما يكون مع الناس، فأما حسن الخلق مع الله فيكون بالرضا بحكمه شرعا وقدرا، وتلقي ذلك بالانشراح وعدم التضجر، فإذا قدر الله على المسلم شيئا يكرهه رضي بذلك واستسلم كما قال - تعالى -: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه). قال علقمة - رحمه الله -: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم فيجعل الله السكينة في قلبه. ولقد جمع الله - عز وجل - حسن الخلق في آية واحدة، فقال - سبحانه - (خذ العفو وأمُر بالعرف وأعرض عن الجاهلين). وصاحب الخلق الحسن تسهل له الأمور الصعاب، وتلين له القلوب، فيعود ذامّه حامدا، وعدوه صديقا؛ كما قال - تعالى -: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) [سورة فصّلت]. وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: (تقوى الله وحسن الخلق) [رواه الترمذي]. وحسن الخلق سبب في حب النبي - صلى الله عليه وسلم - والقرب منه، قال - عليه الصلاة والسلام -: قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلس يوم القيامة أحاسنكم خلقا) [رواه الترمذي]. وحسن الخلق أثقل ما يُوضع في الميزان، قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق) [رواه الترمذي]. وصاحب الخلق الحسن قد يلحق غيره من أصحاب الصيام والقيام في الدرجة يوم القيامة؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) [رواه أبو داود]. إلا إننا يا عباد الله: لنرى من أخلاقنا عجبا، نفرة وقسوة وسباب وشتام، وضيق خلق، وتهجم وطعن ولعن ولمز وهمز، وإنك لتعجب من الرجل يأتيك بوجه مشرق مبديا محبته لك، فإذا تولى ونأ بجانبه عنك غاص في عرضك بهمزه وغمزه وغيبته، فاصطف مع شرار خلق الله - تعالى -، ذو الوجهين الذين يأتون قوم بوجه وقوم بوجه، إن سمعك منك شيئا أقره وأثني عليه، وإن سمع فيك شيئا أقره وزاد فيه، فنعوذ بالله الخذلان وشرار خلق الرحمن. جاء في مسند الإمام أحمد - رحمه الله - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته). هذه حال بعض الناس جفاء وقسوة وغلظة وفظاظة، جفاة في الخُلُق، وتصحّر في النفوس، وتكفهرَّ وعبس وبسر في الوجه تضيق عليه نفسه من أتفه الأسباب ولذلك تجد بعض الناس في غالب سياراتهم عُصي وهراوات لوقت الحاجة وساعة المنازلة والاختلاف مع الآخرين صرفوا بسوء خلقهم ونفسهم الأمارة بالسوء فضل الصابرين الذين قال الله فيهم: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظٍ عظيم) [سورة فصلت]، وما علموا أن الصبر على كل أذى أشهى وألذ وأطعم وأهنا وأسكن للنفس من شهوة الانتقام، والتشفي من الأنام، ويكفي قدرا ومنزلة أن العفو والصبر أجر فاعله على الله، وما ظنكم برجل أجره على الله، ما ضنكم بعظم الثواب والجزاء من الله، قال - تعالى -: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) صبر على القريب والبعيد، إبتداء من أقرب الناس وهي الزوجة إلى أبعد الناس، ويا للإسف أن نضيق بمن حولنا من أهلنا ونتأفف منهم هذا إن لم نشتم ونلعن ونضرب، ونضيق بمن حولنا من جيران إن لم نؤذيهم بالضوضاء أو الروائح الكريهة، أو التعدي على حقوقهم وممتلكاتهم، فضلا أن نزورهم ونحسن إليهم أو نهديهم ونطعمهم مما نطعم ونشعرهم بأننا حقا مؤمنون نتمثل تعاليم دين الإسلام لنصبح جسدا واحد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. كم من جار محتاج لمال أو قرض أو شفاعة وجاره يقوى على الوقوف معه فيمتنع عن مد يد العون عنه ولسان حاله يقول: نفسي نفسي، والنبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: (ما آمن من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به) صححه الألباني - رحمه الله -. أو ما علمت يا عبد الله أن الساعي على المسكين كالقائم الليل الصائم النهار قال - صلى الله عليه وسلم -: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو: كالذي يصوم النهار ويقوم الليل) [رواه البخاري - رحمه الله -]. أو ما علمت يا عبد الله أن الله يختبرك في نعمه عليك ليرى ما أنت صانع فيها، فإن شكرت أثبتها لك وزادها، وإن بطرت ومنعت سلبها منك وأزالها، أوليس الله بقادر أن يحول غناك إلى فقر وفقر جارك المسكين إلى غنى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد). عباد الله: أخلاقنا تغيرت وطباعنا تبدلت وأرواحنا تنافرت وداعي الله يدعونا صباح مساء (إنما المؤمنون إخوة) (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) فهل لبينا النداء، تخرج بسيارتك فتجد من يقف عمدا في طريق غير مسموح له بالوقوف فيه فيمنع صفا كاملا من المرور نتيجة عجلته وسوء أخلاقه ولربما أخر مريضا فمات أو أضر حاملا أو صاحب عمل أو مشروع أو .. أو إختبار أو .. أو، والنبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: (أعطوا الطريق حقه) وتجد البعض لم يكتفي بهذا بل بركب الأرصفة وبعكس الطريق وكأنما على رأسه شيطان يوزه أزا، وإذا أردت المرور لا تجد من يقف لك ويسمح لك كل يريد المرور ولربما تمكث الساعات الطوال فلا يكترث بوقوفك أحد، ولربما تخرج على أحدهم خطأ فيكيل لك الدعاء بالهلاك، والبعض يخطئ على الآخرين ويكابر من الاعتذار أو التبسم اعتذارا لخطأه، وبعضهم يصعد المصعد ويفتح الباب ولا يفكر أن ينتظرك أو يفتح لك، بل يبادر بقفله قبل مجيئك، والبعض يمر عليك فلا يسلمك عليك، ويجد في نفسه ثقلا من نطق عشرات الحسنات، وفي مجالس الأنس والسمر فقد البعض الحياء فامتلئت الألسنة بكلام فاضح لا حياء فيه تتسلى به النفوس ولا تدري أين طارت تلك الألفاظ القبيحة هل طارت ونسخت في صفحة الحسنات أم في صفحة السيئات، ويا سوآتاه حين نقلب صفحاتنا يوم القيامة فلا نرى إلا صفحات سوداء تسود الوجوه بسوء العمل والقول، قال - تعالى - : (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)). (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ} [(30) الإسراء]. وكم تأذى المصلون من أذية الأبناء نعم الأبناء، وكل يرى ابنه مثالا للخلق والأدب، والابن يعبث بالمسجد يمينا وشمالا، ويزداد عبثه وأذيته ويعلو صياحه إذا باشر المصلون في تكبيرة الإحرام، فأبن من هذا إن لم يكن ابنك يا من ظننت مثاليته وأدبه، إنه ابنك أخي فاتق الله في وفد الله، وعلمه قبل مجيئك به آداب المسجد وازرع في نفسه الخوف من دعاء الناس عليه وعليك وإن ظننت أنه أنبل الناس خلقا، نرجوك رجاء أن تقف معه وقفة توجيه وتنبيه وتذكير إن كان لبيت الله ووفد الله تعظيما في قلبك والله - تعالى –يقول: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) ويا للعجب ممن يحضر طفلا لا يميز الصلاة لا للصلاة، وإنما لينفس عنه بتركه خلفه يركض ويلعب ويلهو كيف شاء ومتى شاء، فهل بيت الله مكانا لهذا يا عبد الله فاتق الله يا عبد الله في نفسك وفي المسلمين، وقل لهم: كفوا عن الضوضاء وأذية المسلمين، قل لهم ولو مرة واحدة اجلس معهم ساعة واحدة فقط علمهم كيف يصلون لأنهم يعبثون في صلاتهم ولا يحسنون ركوعا ولا سجودا ولربما صلوا بجانبك فلم تزجرهم عن هذا العبث، فألا تخشى يا عبد الله أن يدعو أحد على ابنك فيهلك، أما تخشى من عظيم الإثم حين تلقى ربك وخالقك ويقول لك يا عبدي لما آذيت الركع السجود، أين أخلاق الإسلام التي أمرنا أمورنا عجلة في عجلة نتسابق في ضوضاء وهمجية عوجاء حتى خجلت منا أنفسنا قبل أن يخجل من الآخرون، ولو قلت لأحدهم: اتق الله، أخذته العزة بالإثم والكبر وبطر الحق، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال - تعالى - : (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم وبئس المهاد) حتى المنضبط وصاحب الخلق الحسن غير خلقه ولسان حاله يقول موس على جميع الروس، لكن لهذا ولغيره نقول ما قال شعيب - عليه السلام – لقومه: (أليس منكم رجل رشيد) أليس منكم رجل يستيقن رؤية الله لعبده وفعله وتصرفه فينزجر عن عدوانه وغيه وسوء أخلاقة بني قومه! أليس منكم رجل رشيد عاقلا يجتنب كل طريق يوصل للهلاك ويسلك كل طريق يوصله للنجاة ولو كان وحده! أليس منكم رجل رشيد يتمثل أخلاق الإسلام رجاء ثواب الواحد العلام! أما علمت أنك بكل عمل تتخلق به بإخلاق الإسلام من قول وفعل يكتب لك فيه أجرا عظيما، هل زهدت في الحسنة فضلا عن حسنات مهدورة، لماذا أهدرتها وغدا ستبكي عليها بكاء الحزانى إننا بحاجة إلى تطبيق صارم وصادق لمحاسن الشريعة لنخرج من القسوة والجفاء الذي ظهر على وجوهنا وتعاملنا.، يقول الداعية عائض القرني - حفظه الله -: "سافرت للعلاج فسألت الرجل الغربي عن الطريق ونحن في سيارتنا فأوقف سيارته وأخرج الخارطة ونزل من سيارته ووصف لنا الطريق، ومشيت في الشارع والأمطار تهطل علينا فرفع أحدهم مظلته على رؤوسنا، وازدحمنا عند دخول الفندق والمستشفى فآثرونا عن أنفسهم مع عبارة الإعتذار والتأسف، الحوار بينهم هادئ وجميل، كل ينصت للآخر ليتفهم ما يقول، احترام، عبارات راقية، أساليب حضارية في التعامل خصال من الإسلام لقوم ليسوا من أهل الإسلام وبنو قومنا إذا غضبوا لعنوا وشتموا وأقذعوا وأفحشوا، ومع أن هؤلاء الغرب لديهم من الفواحش والمنكرات العظيمة ما ليس في بلاد المسلمين إلا أن لديهم من التعامل ما ليس لدى كثير من أبناء المسلمين، والواقع يشهد لهذا، فأين منهج القرآن: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن)، وأين منهج القرآن : (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) وأين منهج القرآن: (فاصفح الصفح الجميل) وأين منهج القرآن: (ولا تصعّر خدّك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور * واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير). وفي الحديث: (الراحمون يرحمهم الرحمن). و (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، و (لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا). عندنا شريعة ربّانيّة مباركة لكن التطبيق ضعيف، أقرب صديق لك اليوم بدلا من أن يستر ما كشف منك يسارع في نزع ما بقي ليكشف ما لم يظهر منك بعد ممتلئ بالحسد والغل دون سبب إلا أن الله فضلك ورفعك عليه، فهل يعترض على الحكيم العليم الذي لا يضع الشيء إلا في المكان الذي يستحقه: (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا). عباد الله: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا استفتح الصلاة كبر، ثم قال: (إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين. اللهم اهدني لأحسن الأعمال، وأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيء الأعمال، وسيء الأخلاق، لا يقي سيئها إلا أنت) [رواه مسلم]، فهل نتمسك بهديه؟ هل نلجأ إلى الله ونلح عليه بأن يغير من طباعنا وأخلاقنا؟ وهل سنجاهد أنفسنا للوصول لذلك التغير لننال العون من الله قال - تعالى -: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين). قال - عز وجل -: (هو الذي بَعَث في الأمّيين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويُزكِّيهم ويُعلِّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين) [الجمعة: 2]. وعن معاذ - رضي الله عنه - أنّه - عليه السلام - قال له: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تَمْحُها، وخالق الناس بخُلُق حسن). يقول ابن القيم - رحمه الله -: "فما انتقم أحد لنفسه قط إلا أعقبه ذلك ندامة، وما انتقم أحد لنفسه إلا ذل". وفي صحيح روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً: قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّاً). قال ابن القيم - رحمه الله -: "والمسلم يُقابِل إساءة المسيء إليه بالإحسان، فيُحسن إليه كلما أساء هو إليه، ويُهوِّن هذا عليه علمُه بأنه قد ربِح عليه، وأنه قد أهدى إليه حسناته، ومحاها من صحيفته". قال - تعالى - : (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم) [فُصِّلت: 34]. وروى مسلم في صحيحه: (أن النار تَحرُم على كل قريب هيّن سهل). وقال - عليه الصلاة والسلام - : (بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) أي ليس بعد هذا الإثم إثم (بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) والعرض ليس فقط العورة المغلظة، بل العرض هو محل الذم أو المدح من الإنسان..فإذا اغتبت إنساناً فقد نلت من عرضه، وإذا نممت على إنسان فقد جرحت عرضه، وإذا سخرت منه فقد انتقصت من عرضه: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه). فإذا أردت أن تبقى الصلة قائمة بينك وبين أخيك - إن لم تفده ولم تنصره ولم تقدم له ولم تحفظه فلا أقل من أن تكف عنه أذاك، وأن تبعد عنه شرك. فإن انتقصت من عرضه، أو نلت من شرفه، أو أكلت ماله، أو سفكت دمه، فكيف لك بقلب هذا أن يميل إليك؟!. عباد الله: تأملوا معي هذا التعبير الرباني الذي لا يقدر عليه إلا الله، ما جمله من لفظ وما أعظمه من كلام وما أحكمه من كتاب، قال - تعالى -: (ولا تلمزوا أنفسكم) فجعل أخيك كنفسك تماما فإن أسأت إليه فكأنما أسأت لنفسك ويجلى هذا الأمر قول الحبيب - صلى الله عليه وسلم -: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). ويقول - سبحانه وتعالى -: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) فتأمل لفظ بأنفسهم جعلهم نفسا واحده فكيف يليق بمسلم أن يجر لنفسه السوء عمدا، جاء في صحيح البخاري عن بلال بن الحارث المزني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله - عز وجل - ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله - عز وجل - له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله - عز وجل - ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله - عز وجل - بها عليه سخطه إلى يوم القيامة) [11]. لقي الرجل الكلمة لا يُلقي لها بالاً وهو يحتسي القوة والشاي ويريد أن يملأ فراغه ويضحك خلاّنه أو يسر الذين يسامرونه وجلساءه، فيتكلم الكلمة سخرية من أخيه المسلم أو لمزاً أو همزاً، هذه الكلمة يكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم القيامة، قال علقمة: (كم من كلام منعنيه حديث بلال بن الحارث أن أقوله). (كم من كلام منعنيه أن أقوله حديث بلال بن الحارث). كلمة.. والحديث في البخاري ورواه أحمد، يعني حديث صحيح لا مراء فيه ولا شك. فلا تكن أخي المؤمن كمن قال الله فيهم: (أشحة عليكم) بخيل بالعطاء، بالكلام! بالسلام! ثلاث نواه كلها محرمة: جزاؤها شيئان عند الله: تأخذ من الله اسمين وتفقد اسماً عظيماً، كان اسمك عند الله مؤمنا، فأعطاك الله بدله اسم الفسق والفسوق، وإذا لم تتب بسرعة فيعطيك لقباً آخر:الفسق والظلم. (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون). ثم اعلم أن من معاني اسم المؤمن أن يأمن اسائتك وبغيك عليه إن كنت أنت مؤمنا حقا، فلا تلبس المؤمن ألبسة اللعن والسب والكلب والحمار والسوء وقد زينه الله بلباس التقوى والإيمان.. المصدر: المختار الإسلامي
__________________
![]() ![]() |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |