شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 23 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 869 - عددالزوار : 119283 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4936 - عددالزوار : 2024290 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4511 - عددالزوار : 1301527 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 40256 )           »          التكبير لسجود التلاوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          زكاة التمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          صيام التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          كيف تترك التدخين؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          حين تربت الآيات على القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3096 - عددالزوار : 367128 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #221  
قديم 28-06-2024, 10:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,245
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [116]
الحلقة (147)





شرح سنن أبي داود [116]

جاء النهي عن كل ما يشغل الإنسان في صلاته، وأمر بالإقبال على ربه قلباً وقالباً، ومع تعدد الأمور التي تشغل المصلي وكثرتها ورد التسامح في بعضها والاكتفاء بالتحذير منها كالاختلاس وتقليب النظر، لكن أتى التشديد في النهي والوعيد بخطف الأبصار فلا ترد لمن يرفع بصره إلى السماء.

النهي عن التلقين


شرح حديث: (يا علي لا تفتح على الإمام في الصلاة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن التلقين: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا محمد بن يوسف الفريابي عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا علي لا تفتح على الإمام في الصلاة). قال أبو داود : أبو إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب النهي عن التلقين ]. أي: النهي عن الفتح على الإمام في الصلاة. ذكر المصنف في الترجمة السابقة الفتح على الإمام، ثم أردفها بذكر عن الفتح على الإمام، وأورد في الباب قبل هذا حديثين صحيحين فيهما إثبات الفتح على الإمام إذا حصل له لبس في القراءة، وهذه الترجمة فيها النهي عن التلقين، وأن يترك الإمام لا يفتح عليه في الصلاة، لكن هذا الحديث ليس بثابت؛ لأنه من رواية الحارث الأعور ، وقد تكلم فيه، كما أن أبا إسحاق لم يرو عن الحارث إلا أربعة أحاديث، وهذا ليس منها، وعلى هذا فيكون فيه انقطاع، والحديث غير صحيح، ولا يعارض الأحاديث المتقدمة التي فيها الفتح. ثم أيضاً من حيث المعنى توجد مصلحة وفائدة؛ لأن الإمام إذا ارتبك في القراءة وأخطأ، أو خرج إلى سورة أخرى لسبب اشتباه في الآيات، فإذا فتح عليه فإنه يعود إلى الصواب، ويمضي في قراءته كما كانت، بخلاف ما لو لم يفتح عليه فإنه قد يخرج من سورة إلى سورة.
تراجم رجال إسناد حديث: (يا علي لا تفتح على الإمام في الصلاة)

قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ]. عبد الوهاب بن نجدة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا محمد بن يوسف الفريابي ]. محمد بن يوسف الفريابي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس بن أبي إسحاق ] يونس بن أبي إسحاق وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحارث ]. هو الحارث بن عبد الله الهمداني المشهور بالأعور، كذبه الشعبي في رأيه، ورمي بالرفض، وفي حديثه ضعف، وليس له عند النسائي سوى حديثين، أخرج له أصحاب السنن. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أحاديثه أخرجها أصحاب الكتب الستة. مسألة: هل يفتح على الإمام إذا أخطأ في الحركات، حتى وإن كان يغضب إذا فتح عليه؟ إذا كان الخطأ مما يحيل المعنى فيفتح عليه، وأما إذا كان لا يحيل المعنى فالأمر سهل، وإذا فتح عليه فالواجب عليه ألا يغضب، بل عليه أن يفرح ويسر؛ لأنه لم يترك على تجاوزاته في الآيات.
ما جاء في الالتفات في الصلاة


شرح حديث: (لا يزال الله عز وجل مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الالتفات في الصلاة: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: سمعت أبا الأحوص يحدثنا في مجلس سعيد بن المسيب قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الله عز وجل مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ الالتفات في الصلاة ] يعني: الواجب على الإنسان أن يكون متجهاً بقلبه وقالبه إلى الله عز وجل، مستقبلاً القبلة لا يلتفت عنها يميناً ولا شمالاً، مقبلاً على صلاته بظاهره وباطنه لا ينحرف عنها ولا يميل، بل يقبل على الله تعالى. أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الله عز وجل مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت) يعني: حيث كان مقبلاً على الله فالله يقبل عليه، والجزاء من جنس العمل. قوله: [ (فإذا التفت انصرف عنه) ]. يعني: إذا انصرف عن القبلة وعن الاتجاه إلى الله عز وجل أعرض الله عز وجل عنه. هذا هو معنى الحديث، لكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده أبا الأحوص مولى بني ليث أو مولى بني غفار، وهو ومجهول.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يزال الله عز وجل مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبا الأحوص ]. أبو الأحوص هو مولى بني ليث أو مولى بني غفار، وهو مقبول، قال عنه المنذري: مجهول، أخرج له أصحاب السنن. [ قال أبو ذر ]. هو جندب بن جنادة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعفه الألباني بسبب أبي الأحوص هذا. والمقصود بالالتفات في الصلاة كونه يلتفت بوجهه يميناً وشمالاً. هذا هو الذي عقدت له الترجمة، وأما الإقبال بالقلب وعدم الالتفات فهذا يتعلق بالترجمة السابقة: [النهي عن الوسوسة وحديث النفس] أي: أنه لا يحدث نفسه بأي شاغل يشغل عن الصلاة.

شرح حديث: (إنما هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص عن الأشعث -يعني ابن سليم - عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة، فقال: إنما هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة، فقال: إنما هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد). فهذا يدلنا على الحذر من الالتفات في الصلاة، وأن الإنسان يقبل بقلبه وقالبه على الله عز وجل ولا يلتفت يميناً وشمالاً، بل يكون متجهاً إلى القبلة. وفيه: أن الاختلاس والالتفات في الصلاة من عمل الشيطان؛ لما يترتب عليه من حصول النقص في الصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث: (...إنما هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)

قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو الأحوص ]. هو سلام بن سليم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأشعث -يعني: ابن سليم- ]. هو الأشعث بن أبي الشعثاء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو أبو الشعثاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. هو مسروق بن الأجدع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والذي يبدو أن مجرد ميل الإنسان بنظره يميناً أو شمالاً مع أنه متجه إلى القبلة أنه ليس داخلاً في الالتفات.
السجود على الأنف


شرح حديث: (أن رسول الله رئي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين من صلاة صلاها بالناس)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب السجود على الأنف: حدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا عيسى عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين من صلاة صلاها بالناس). قال أبو علي : هذا الحديث لم يقرأه أبو داود في العرضة الرابعة ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب السجود على الأنف ] أي: أن الأنف من جملة ما يسجد عليه من الوجه؛ لأن السجود على الوجه يكون على الجبهة والأنف، وسبق أن مر هذا الحديث في ترجمة السجود على الجبهة. أورد أبو داود حديث أبي سعيد هذا من طريق أخرى للاستدلال به على أن الأنف مما يسجد عليه؛ إذ السجود على الوجه يدخل تحته شيئان: الأول: السجود على الجبهة. الثاني: السجود على الأنف. فلا يسجد الإنسان على جبهته دون أنفه، ولا على أنفه دون جبهته، وإنما يسجد عليهما جميعاً، كما سجد النبي صلى الله عليه، وفي بعض الأحاديث ذكر الأعضاء السبعة التي يسجد عليها، وذكر منها الوجه وأشار إلى جبهته وأنفه.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله رئي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين من صلاة صلاها بالناس)


قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل ]. مؤمل بن الفضل صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عيسى ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد البصري ثم اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن يحيى بن أبي كثير]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو علي : هذا الحديث لم يقرأه أبو داود في العرضة الرابعة ]. أبو علي هذا هو محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي الراوي عن أبي داود كتاب السنن، قال: لم يقرأ أبو داود -صاحب السنن- هذا الحديث في العرضة الرابعة. ولا أدري ما وجه هذا الكلام، هل هو اكتفاء بما في الترجمة السابقة: السجود على الجبهة؟ وهذا الحديث يصف ليلة الحادي والعشرين من رمضان وهي ليلة القدر -كما جاء عند البخاري و مسلم- وأنه سيسجد في صبيحتها في ماء وطين، فأصبح في تلك الليلة يصلي بالناس الصبح، فنزل المطر وخر السقف على مصلاه صلى الله عليه وسلم، وصار يسجد على الماء والطين، وتكون هذه الهيئة مطابقة لما حصل في الرؤيا: (رأيت أني أسجد في صبيحتها على ماء وطين).

حكم النظر في الصلاة



شرح حديث: (...لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء في الصلاة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النظر في الصلاة. حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير وهذا حديثه وهو أتم عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة الطائي عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما -قال عثمان هو ابن أبي شيبة - قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فرأى فيه ناساً يصلون رافعي أيديهم إلى السماء -ثم اتفقا- فقال: لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء، قال مسدد : في الصلاة، أو لا ترجع إليهم أبصارهم) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باباً في النظر في الصلاة ]، والمقصود: أن الإنسان ينظر إلى مصلاه ولا ينظر إلى السماء، ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فرأى أناساً يصلون وقد رفعوا أيديهم وأبصارهم إلى السماء، فقال عليه الصلاة والسلام: لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء أو لا ترجع إليهم) يعني: إما أن ينتهوا فلا يرفعوا أبصارهم إلى السماء، أو أنهم سوف يعاقبون بفقد الأبصار فلا ترجع إليهم، ويسلبون هذه النعمة. وهذا يدل على خطورة رفع الأبصار إلى السماء في الصلاة، ويدل أيضاً على تحريم ذلك، وأنه لا يسوغ، وأن الإنسان لا يرفع بصره إلى السماء وهو يصلي، وإنما عليه أن ينظر إلى مكان سجوده، ويقبل على صلاته. وقيل في معنى ذلك: إن فيه إخلالاً بالاستقبال؛ فبدلاً من أن يستقبل بوجهه القبلة -وهو المشروع- يكون مستقبلاً السماء.

تراجم رجال إسناد حديث: (...لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء في الصلاة)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. ح تستخدم للتحويل من إسناد إلى إسناد، و عثمان بن أبي شيبة الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا حديثه وهو أتم ]. أي: حديث عثمان بن أبي شيبة عن جرير أتم من حديث مسدد . [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المسيب بن رافع ]. المسيب بن رافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن تميم بن طرفة الطائي ]. تميم بن طرفة الطائي ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
الفرق بين رواية مسدد وابن أبي شيبة وما انفرد به كل واحد منهما

[قال عثمان -هو ابن أبي شيبة- قال: ...]. يعني: أن أبا داود قال: عثمان ، ومن دونه أضاف إلى ذلك: هو ابن أبي شيبة، فكونه قال: عثمان ولم يقل: هو ابن أبي شيبة اكتفاء بكونه نسبه في أول السند، وأن الحديث جاء عن شيخين، والشيخ الثاني هو عثمان، وكون حديثه أتم من حديث مسدد، المقصود من ذلك -والله أعلم- أن يبين الفرق بينه وبين مسدد الذي قال: ثم اتفقا، أي: مسدد و عثمان، فقوله: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فرأى أناساً يصلون وقد رفعوا أيديهم إلى السماء) هذا من حديث عثمان فقط، ثم اتفقا فقالا: (لينتهين رجال). أما مسدد فقال: (في الصلاة). إذاً: فكلمة: (في الصلاة) هي من زيادة مسدد ، وأما عثمان بن أبي شيبة فليست عنده، ولكن عنده ما في أول الحديث: (أن رجالاً كانوا في المسجد وقد رفعوا أيديهم إلى السماء، فقال صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوام...).

شرح حديث: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم؟! فاشتد قوله في ذلك، فقال: لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو بمعنى حديث جابر بن سمرة المتقدم، وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في الصلاة). كان من عادته صلى الله عليه وسلم ومن هديه وحسن خلقه أنه إذا وقعت مخالفة من بعض الناس تحتاج إلى تنبيه وبيان فإنه يأتي بكلام عام دون أن يسميهم، ليستفيد من كلامه الذين حصل منهم الخطأ والذين لم يحصل منهم. قوله: (فاشتد قوله في ذلك) يعني: كان هو يقول هذا الكلام يظهر عليه شدة الغضب صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، منكراً عليهم ذلك. قوله: (لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم) كما مر في حديث جابر بن سمرة السابق: (لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء أو لا ترجع إليهم أبصارهم) يعني: أنهم يفقدونها، ويحصل لهم العمى.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم...)


قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي عروبة ]. سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (صلى رسول الله في خميصة لها أعلام...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام، فقال: شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيته) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة قالت: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، فقال: شغلتني أعلام هذه) يعني: الخطوط التي فيها، وفي بعض الروايات في الصحيحين: (فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي) يعني: أنه حصل منه النظر إليها فحصل انشغاله بها، فدل هذا على أن نظر الإنسان إلى شيء فيه ما يشغله عن صلاته أنه لا يبطلها، وكذلك لو كان فيه كتابة فقرأها أو استظهرها بالنظر إليها فإن ذلك لا يؤثر، ولكن يجب الحذر من ذلك والتخلص منه والابتعاد عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برد هذه الخميصة إلى أبي جهم ، وهو الذي أهداها للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لما ردها إليه خشي أن يؤثر ذلك في نفسه؛ لأن هديته ردت إليه، وهو إنما ردها من أجل ما حصل له في صلاته بسببها، وطلب بأن يؤتى بأنبجانيته، وهي كساء آخر لأبي جهم، فيكون في ذلك تطييب لخاطره، لكن لو ردت ولم يؤخذ منه شيء يكون في نفسه شيء، لكن كونه ردها لسبب وأخذ أخرى مكانها فليس هناك ثمة محذور، ولا يترتب على ذلك أن يقع في نفسه شيء، فهي لم ترد إليه رغبة عنها، ولكن رغبة عن هذا الذي ألهاه في صلاته بسببها. قوله: [ (وائتوني بأنبجانيته) ] الأنبجانية هي كساء قيل: إنه ينسب إلى بلد يقال له: أنبجان، وقيل غير ذلك. ويفهم من الحديث: أن من ردت إليه هديته فله أن يقبلها، أو من أعطى أعطية وردت إليه له أن يقبلها، ولا يكون في ذلك محذور، وإنما المحذور لو رجع هو في عطيته أو هبته، وهذا هو المذموم الذي شبهه الرسول صلى الله عليه وسلم بالكلب حيث قال: (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) فهذا تنفير من العودة في الهبة، لكن إذا كان الموهوب له ردها فللواهب أن يقبلها ولا محذور له في ذلك، وإن كان قد يقع في نفسه شيء بسبب الرد إلا أن له القبول؛ لأن هذا ليس عائداً في هبته، وإنما أعيدت إليه. وفي هذا كمال خلقه صلى الله عليه وسلم في معاملته أصحابه؛ لأنه لما أراد التخلص منها وقد جاءته هدية استبدلها بأنبجانية موجودة عند أبي جهم ، فترجع هذه إلى أبي جهم وهو يأخذ تلك التي عنده، وفيه التنبيه إلى الابتعاد عن كل شيء يشغل الإنسان في صلاته، والحذر من ذلك.
حكم الهدايا للعمال والموظفين

قبول الرسول صلى الله عليه وسلم للهدية سائغ بخلاف غيره، فلا يجوز للعمال ولا الموظفين قبول الهدايا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (هدايا العمال غلول) يعني: ليس للموظف أن يقبل الهدية، سواء كانت من موظف عنده، أو من مراجع من المراجعين الذين يأتون من الخارج لحاجاتهم، فلا يجوز لهم أن يهدوا للموظفين، ولا يجوز للموظفين أن يقبلوا منهم؛ لأن هذا من الغلول، كما في قصة ابن اللتبية الذي جاء بالصدقات، وقال: (هذا لكم وهذا أهدي إلي، فأنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ألا جلس في بيت أمه لينظر هل تأتيه هديته؟) يعني: ما أعطي الهدية إلا بسبب كونه عاملاً. وكذلك المدرس لا يجوز له أن يقبل الهدية من الطلاب؛ لاحتمال الميل إليه ومحاباته بزيادة درجاته، فتكون الهدية سبباً في ذلك، ولكنه إذا كان أهدى له كتاباً وقبله فإنه يعطيه كتاباً أحسن منه، وبذلك يزول الإشكال. أما ما يحدث من بعض الجهات المسئولة من توزيع للكتب لفئة معينة هم أهل لها، فإن هذا مما لا محذور فيه، بل هذا من قبيل الكتب المبذولة التي توزع لمن يستحقها، أما لو جاء الكتاب من موظف صغير لمن هو أكبر منه، أو من طالب لمدرس، فهذا لعله فيه محذور، أما أن جهة تطبع كتباً وتوزعها ثم ترسل للمدرسين؛ لأنهم أهل وأحق بها، فهذا ليس فيه إشكال ولا بأس به.
تراجم رجال إسناد حديث: (صلى رسول الله في خميصة لها أعلام...)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة ]. هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن عروة ]. الزهري مر ذكره، و عروة هو ابن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه، وأحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة وقد مر ذكرها.

شرح حديث: (صلى رسول الله في خميصة لها أعلام...) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثني عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن أبي الزناد - قال: سمعت هشاماً يحدث عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها بهذا الخبر، قال: (وأخذ كردياً كان لأبي جهم فقيل: يا رسول الله! الخميصة كانت خيراً من الكردي) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وفيه: (أنه أخذ كردياً) والمقصود به الأنبجانية التي ذكرت في الحديث الأول، فقيل له: (الخميصة كانت خيراً من الكردي) يعني: التي أرجعت خير من التي أخذت، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما ردها لا لأنه يريد أن يأخذ شيئاً أقل منها، وإنما الباعث على ذلك هو وجود الأعلام التي في الخميصة، والتي كانت سبباً في رده إياها.

تراجم رجال إسناد حديث (صلى رسول الله في خميصة لها أعلام) من طريق أخرى


قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. هو معاذ بن معاذ العنبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن يعني ابن أبي الزناد ]. هو عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان ؛ لأن أبا الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني وهذا ابنه عبد الرحمن وبه يكنى، و أبو الزناد لقب، وكنيته أبو عبد الرحمن ، وهو مشهور بلقبه، و عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ سمعت هشاماً ]. هو هشام بن عروة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه عن عائشة ]. وقد مر ذكرهما."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #222  
قديم 28-06-2024, 10:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,245
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [117]
الحلقة (148)





شرح سنن أبي داود [117]

يباح للمرء في صلاته عمل بعض الأمور الخارجة عنها لضرورة ألمت به أو حاجة دعته لذلك تقدر بقدرها، وبزوال السبب يزول الفعل، مثل الالتفات في الصلاة، أو حمل الصبيان، أو قتل الحية والعقرب، أو رد السلام بالإشارة، وله أن يرده بعد الصلاة.

ما جاء في الرخصة في الالتفات والنظر في الصلاة



شرح حديث: (ثوب بالصلاة فجعل رسول الله يصلي وهو يلتفت إلى الشعب...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرخصة في ذلك: حدثنا الربيع بن نافع حدثنا معاوية - يعني: ابن سلام - عن زيد أنه سمع أبا سلام قال: حدثني السلولي هو أبو كبشة عن سهل بن الحنظلية قال: (ثوب بالصلاة -يعني: صلاة الصبح- فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب. قال أبو داود : وكان أرسل فارساً إلى الشعب من الليل يحرس) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ الرخصة في ذلك ]. والإشارة بـ(ذلك) أقرب ما تعود على النظر والالتفات في الصلاة، لكن هل الإشارة في: [ذلك] ترجع إلى النظر، أو إلى الالتفات، بعض أهل العلم قال: الأقرب أنها ترجع إلى الالتفات، لكن يبدو -والله أعلم- أن الحديث فيه الجمع بين الأمرين؛ لأن فيه التفاتاً ونظراً؛ لأنه التفت إلى جهة الشعب ونظر تلك الجهة التي أرسل إليها فارساً يحرس. إذاً: فيمكن أن يقال: إنه يرجع إلى الاثنين؛ لأن فيه النظر وفيه الالتفات، لكن المطلوب في الصلاة هو ألا يلتفت فيها، وإنما يكون نظره إلى موضع سجوده إلا لحاجة ضرورية. أورد أبو داود حديث سهل بن الحنظلية رضي الله عنه (أنه ثوب بالصلاة) يعني: أقيمت الصلاة، والتثويب في الصلاة هو الإقامة، وذلك أن الأذان للصلاة تكبير ونداء، وإذا رجع إليه مرة أخرى فقد ثوب، ومنه: ثاب اللبن في الضرع، يعني: عاد اللبن في الضرع، وفي الحديث: (إن الشيطان إذا سمع الأذان ولى وله ضراط ثم يرجع، فإذا ثوب بالصلاة ولى) يعني: أقيمت الصلاة. قوله: [ (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، وكان أرسل فارساً إلى الشعب من الليل يحرس) ]. هذا يدل على أن الالتفات للحاجة وللضرورة لا بأس به، وأن الأصل هو عدم الالتفات، ولكن حيث دعت الحاجة إليه جاز، كما فعل المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (وكان أرسل فارساًً إلى الشعب من الليل يحرس) ]. أي: أنه كان ينظر إلى تلك الجهة؛ لأنها قد تكون جهة مخوفة، فيخشى أن يأتي من تلك الجهة شيء.

تراجم رجال إسناد حديث: (ثوب بالصلاة فجعل رسول الله يصلي وهو يلتفت إلى الشعب...)


قوله: [ حدثنا الربيع بن نافع ]. هو الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا معاوية -يعني ابن سلام - ]. معاوية بن سلام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد ]. هو أخو معاوية بن سلام وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ أنه سمع أبا سلام ]. هو ممطور الأسود الحبشي وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني السلولي هو أبو كبشة ]. السلولي أبو كبشة ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سهل بن الحنظلية ]. سهل بن الحنظلية رضي الله عنه صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي .
بيان القاعدة الإملائية في همزة (ابن)
و الحنظلية ، قيل: هي أمه، وقيل: جدته، ويأتي أحياناً نسبة الشخص إلى المرأة لاشتهاره بها، وهناك عدد من الصحابة ومن غيرهم اشتهروا بذلك منهم: عبد الله بن مالك ابن بحينة ، ومنهم: إسماعيل بن إبراهيم ابن علية ، ومنهم: عبد الله ابن أم مكتوم ، ومنهم عدد من الرواة ينسبون إلى أمهاتهم أو لجداتهم؛ لأنهم اشتهروا بذلك. والطريقة في الإملاء والكتابة أن (ابن) إذا جاءت بين علمين متناسلين لا يكون معها ألف، وإنما تكون بدون ألف مثل قتيبة بن سعيد . و(ابن) همزتها همزة وصل مثل: ابن وامرئ وامرأة واسم، هذه كلها همزة وصل، لكن إذا جاء الرجل منسوباً إلى أمه أو جدته، أو جاء منسوباً إلى أبيه ثم إلى أمه؛ فإنها تثبت الألف في (ابن)؛ لأنه لم يكن علماً بين متناسلين؛ ولأن العلم بين المتناسلين هو الرجل وأبوه، أما إذا جاءت أمه بعد ذلك فتثبت الألف في الرسم والخط؛ لأنها تكون وصفاً له. وقد نبه على هذه الفائدة الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم ، حيث ذكر أن عدداً من الرواة يأتون منسوبين إلى أمهاتهم، وأن ذلك يكون وصفاً للراوي، وأن الألف تثبت، وأما إذا كانت بين علمين متناسلين فإنها لا تثبت وإنما تحذف. وكنت ذكرت هذه الفائدة ضمن الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى ورقمها (613) من ذلك الكتاب، وفيه الإحالة إلى كتاب النووي في شرح مسلم . والأشخاص الذين جاءوا منسوبين إلى أمهاتهم منهم من ذكرت ومنهم من لم أذكر.

ما جاء في العمل في الصلاة


شرح حديث: (أن رسول الله كان يصلي وهو حامل أمامة ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب العمل في الصلاة: حدثنا القعنبي حدثنا مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم عن أبي قتادة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها ) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب العمل في الصلاة ]. الأصل: أن الإنسان في الصلاة لا يأتي بأعمال أخرى فيها غير أفعالها إلا ما دعت إليه الحاجة، والصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، فما كان حلالاً قبل الدخول في الصلاة يصبح حراماً بعد التكبير. وهناك أعمال تعمل في الصلاة وهي من غير أفعال الصلاة جاءت السنة ببيان جوازها في الصلاة عند الحاجة. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى بهم وهو حامل أمامة بنة أبي العاص بن الربيع، التي هي ابنة ابنته زينب. فكان صلى الله عليه وسلم يضعها على عاتقه ويصلي بهم وهو كذلك، فإذا أراد أن يركع أو يسجد وضعها على الأرض فيركع ويسجد، وإذا قام أعادها إلى مكانها وحملها وصلى بهم. فدل هذا على أن مثل هذا العمل جائز للحاجة، كأن تكون البنت أو الصبي متعلقاً بأبيه أو بأمه، ويكون هناك مشقة فيما لو تركه، بأن يصيح أو يحصل له ضرر ما أو ما إلى ذلك، فيجوز له أن يفعل مثل هذا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله، وفعله يدل على جوازه عند الحاجة له، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة والأسوة لأمته، فمثل هذه الأعمال في الصلاة جاءت السنة ببيان أن فعلها سائغ للحاجة.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يصلي وهو حامل أمامة ...)

قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد لله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديث أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر بن عبد الله بن الزبير ]. عامر بن عبد الله بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن سليم ]. هو عمرو بن سليم الزرقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قتادة ]. هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث حمل أمامة في الصلاة من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة -يعني ابن سعيد - حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن عمرو بن سليم الزرقي أنه سمع أبا قتادة رضي الله عنه يقول: (بينا نحن في المسجد جلوس خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي صبية يحملها على عاتقه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه، يضعها إذا ركع ويعيدها إذا قام، حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا قتيبة -يعني ابن سعيد - ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وكلمة: [ يعني ابن سعيد ] هذه قالها من دون أبي داود ؛ لأن أبا داود لا يحتاج إلى أن يقول: يعني، وإنما أبو داود عبر بقتيبة فقط، وهذا في الحقيقة زيادة إيضاح، و إلا فإن قتيبة هو الوحيد في الكتب الستة الذي يسمى قتيبة بن سعيد . [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي سعيد ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن سليم الزرقي أنه سمع أبا قتادة ]. عمرو بن سليم الزرقي و أبو قتادة قد مر ذكرهما. الذي يبدو أنه صلى الله عليه وسلم حمل أمامة في صلاة الفريضة؛ لأنهم كانوا جلوساً ينتظرون الرسول صلى الله عليه وسلم للصلاة، وفي بعض الروايات: أن بلالاً آذنه، والرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك للحاجة، وليس فعل ذلك مطلقاً من السنة، بحيث يتعمد الإنسان حمل الطفل في الصلاة دون حاجة أو ضرورة.
شرح حديث حمل أمامة في الصلاة من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن مخرمة عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي قال: سمعت أبا قتادة الأنصاري رضي الله عنه يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي للناس و أمامة بنت أبي العاص على عنقه، فإذا سجد وضعها). قال أبو داود : ولم يسمع مخرمة من أبيه إلا حديثاً واحداً ]. أورد أبو داود حديث أبي قتادة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مخرمة ]. هو مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج المصري وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن سليم الزرقي قال: سمعت أبا قتادة الأنصاري ]. عمرو بن سليم الزرقي و أبو قتادة الأنصاري قد مر ذكرهما.
حكم حمل الأطفال أثناء الصلاة أو الطواف
قال الإمام الخطابي : (فيه دليل على أن ثياب الأطفال وأبدانهم على الطهارة ما لم يعلم النجاسة). وهذا هو الأصح؛ لأن الأصل الطهارة إلا إذا علمت النجاسة فإذا كان الولد أو الجارية التي يحملها الشخص في الصلاة عليها حفاظة، وفيها شيء من النجاسة، فإن كانت النجاسة ظاهرة، ويمكن أن تؤثر، فلا يجوز له أن يحملها، وأما إذا كان هناك نجاسة ولكنها ليست ظاهرة ولا تصل إليه فليس هناك بأس. والطواف بالأطفال من جنسه، فإذا دعت الحاجة إلى حمل الأطفال فالأصل هو طهارة ثيابهم وأبدانهم، إلا إذا وجدت النجاسة وظهرت، وغالباً أن النجاسات إذا وجدت في الحفائظ من الداخل فإنها تتشربها؛ لأن فيها مانعاً يمنعها من أن تظهر، فما دام أن النجاسة لم تظهر وأمنت ناحية تنجيسها لما حولها فلا بأس. أما عن طواف هذا الصغير، فكما هو معلوم أن شرط الطواف الطهارة، فهو مثل الذي به سلس البول، يكون معذوراً. [ قال أبو داود : لم يسمع مخرمة من أبيه إلا حديثاً واحداً ]. وكونه لم يسمع إلا حديثاً واحداً من أبيه لا يؤثر؛ لأن هذا الحديث جاء من طرق كثيرة كلها صحيحة عن أبي قتادة .
شرح حديث حمل أمامة في الصلاة من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن خلف حدثنا عبد الأعلى حدثنا محمد -يعني ابن إسحاق - عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة في الظهر أو العصر، وقد دعاه بلال للصلاة، إذ خرج إلينا و أمامة بنت أبي العاص بنت ابنته على عنقه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصلاه وقمنا خلفه، وهي في مكانها الذي هي فيه، قال: فكبر فكبرنا، قال: حتى إذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركع أخذها فوضعها، ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده ثم قام أخذها فردها في مكانها، فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع بها ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته صلى الله عليه وسلم) ]. وهذه طريق أخرى لحديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه في قصة حمل النبي صلى الله عليه وسلم لأمامة ابنة زينب وهي ابنة أبي العاص بن الربيع ، وفيه بيان أن الصلاة كانت فريضة، وأن بلالاً آذنه للصلاة.
شرح حديث: (اقتلوا الأسودين في الصلاة )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن ضمضم بن جوس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب)، وهذا العمل في الصلاة يدل على أن مثله سائغ، يعني: كون الإنسان يقتل الحية والعقرب وهو في الصلاة سائغ؛ لأن في قتلهما دفعاً لضررهما، وقطعاً لتشويشهما في الصلاة، فجاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواز مثل هذا العمل وإن تكرر، كأن يضربها ضربة أو ضربتين أو ثلاثاً فلا بأس. أما ما اشتهر عند العوام أن أكثر من ثلاث حركات تبطل الصلاة، فهذا لا نعلم له أساساً.

تراجم رجال إسناد حديث: (اقتلوا الأسودين في الصلاة )


قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا علي بن المبارك ]. علي بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ضمضم بن جوس ]. ضمضم بن جوس ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
شرح حديث: (كان رسول الله يصلي والباب عليه مغلق...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل و مسدد وهذا لفظه، قال: حدثنا بشر -يعني ابن المفضل - حدثنا برد عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أحمد : يصلي والباب عليه مغلق، فجئت فاستفتحت، قال أحمد : فمشى ففتح لي ثم رجع إلى مصلاه، وذكر أن الباب كان في القبلة) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الحجرة، وقد أغلق عليه الباب، فجاءت وطرقت الباب، فتقدم وفتح الباب، وكان في جهة الأمام، فدل فعله هذا من المشي وفتح الباب وهو في الصلاة على أن مثل ذلك العمل في الصلاة سائغ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طُرق عليه الباب تقدم وفتح الباب، فدل على أنه سائغ للحاجة، لأنه لو لم يفتح الباب لتكرر الطرق، فيكون هناك شيء من التشويش. ثم أيضاً لا يقال: إن عائشة تعلم أنه يصلي؛ لأنها لو علمت بذلك لصبرت وانتظرت حتى يفرغ، لكن الواقع أنها لما طرقت كان يصلي ففتح لها الباب، واستمر في صلاته صلى الله عليه وسلم. فدل على أن مثل هذا العمل لا بأس به في الصلاة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وهو القدوة والأسوة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يصلي والباب عليه مغلق...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ وهذا لفظه ]. أي: لفظ الشيخ الثاني. [ حدثنا بشر يعني ابن المفضل ]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا برد ]. هو برد بن سنان ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

بيان مكان باب حجرة النبي وفتحه له وهو في الصلاة


باب حجرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء ذكره هنا يمكن أن يكون إلى جهة الغرب؛ لأن المسجد في الجهة الغربية، فاستفتحت عائشة رضي الله عنها وهو يصلي، فتقدم إلى جهة القبلة وفتح، يعني: أنه كان يصلي وهو في مؤخرة الحجرة، والباب في الزاوية الجنوبية الغربية؛ لأن الجهة الأمامية خارجة عن المسجد، وإنما الذي هو من المسجد ما كان من الحجرة من جهة الغرب، وأما ما كان من جهة الجنوب فهذه من الزيادات التي زيدت في المسجد، والحجرة لها باب إلى داخل المسجد، وآخر إلى خارج المسجد، فإن كان الباب في الجهة القبلية فهو الباب الخارجي، وأما الباب الداخلي فهو في الجهة الجنوبية الغربية، ولكن يمكن أن يكون في الزاوية أو في آخر الحجرة من جهة الجنوب في اتجاه الغرب. وبيوت النبي صلى الله عليه وسلم لها بابان: باب على المسجد، وباب على خارج المسجد، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن تغلق الأبواب التي على المسجد في آخر حياته ولا يبقى إلا باب أبي بكر ، وهذا فيه إشارة إلى خلافته؛ لأنه سيحتاج إلى الدخول والخروج منه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل ويخرج.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #223  
قديم 28-06-2024, 10:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,245
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

ما جاء في رد السلام في الصلاة


شرح حديث: (كنا نسلم على رسول الله وهو في الصلاة فيرد علينا ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب رد السلام في الصلاة: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا ابن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، وقال: إن في الصلاة لشغلاً) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ رد السلام في الصلاة ] يعني: رد السلام على المسلِّم من المصلي وهو في صلاته، وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يرد السلام بالإشارة، وجاء عنه أيضاً صلى الله عليه وسلم أنه رد السلام بعد أن فرغ من الصلاة. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنهم كانوا يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم فيرد عليهم السلام، فلما هاجروا إلى الحبشة ورجعوا، سلموا عليه فلم يرد عليهم وقال: (إن في الصلاة لشغلاً) ولكن جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رد بعد السلام، وجاء عن غيره أنه رد وهو في الصلاة بالإشارة. فدل هذا على أنه لا يرد بالكلام وإنما يرد بالإشارة فقط. وحديث ابن مسعود فيه أنه كان يرد عليهم وبعد ذلك لم يرد، وقال: (إن في الصلاة لشغلاً) فيحتمل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم رد عليهم السلام بعد الفراغ من الصلاة، ويحتمل أن يكون غيره، وهذا الحديث ليس فيه ذكر الرد وإنما فيه ذكر الاشتغال بالصلاة عن أي شيء حتى رد السلام. وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن مسعود في الرد بعد السلام، وجاء عن غيره الرد في الصلاة بالإشارة، وهو ثابت عنه صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (كنا نسلم على رسول الله وهو في الصلاة فيرد علينا ...)

قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ]. محمد بن عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن فضيل ]. هو محمد بن فضيل بن غزوان وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن قيس النخعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا عاصم عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي السلام، فأخذني ما قدم وما حدث، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن الله جل وعز قد أحدث من أمره ألا تكلموا في الصلاة، فرد علي السلام) ]. أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وفيه أنهم كانوا يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وكانوا يأمرون من حولهم بما لهم من حاجة وهم في الصلاة، فقدم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم على العادة التي كان يعرفها من قبل في رد السلام فلم يرد عليه، فحصل عنده حزن وتفكير وتشويش وهم وغم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد عليه السلام، ثم بعد ذلك قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحدث من أمره ما يشاء) يعني: أنه يحدث من أمره ما يشاء؛ فينسخ ما يشاء، ويثبت ما يشاء. قوله: [ (وإن الله قد أحدث ألا تكلموا في الصلاة) ] يعني: أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة، وبعد ذلك جاء النهي عنه، فكان هذا الذي حصل ناسخاً لما كان موجوداً من قبل من الكلام في الصلاة. قوله: [ (فرد عليه السلام) ] يعني: سلَّم عبد الله بن مسعود عليه في الصلاة ورد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ من الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث: (كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا ...)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبان ]. هو أبان بن يزيد العطار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . من عناية المحدثين بالأسانيد أنهم عندما يكون الجرح في الشخص ليس بثابت، أو لا حاجة لقائله فإنهم لا يعولون عليه، فالحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح ذكر الرجال الذين تكلم فيهم من رجال البخاري ومنهم: أبان بن يزيد العطار ، فقد جرحه بعضهم بدون حجة، وأجاب الحافظ ابن حجر بأن هذا الجرح لا يثبت؛ لأن الإسناد الذي نقل خبر الجرح فيه من لا يثبت بخبره حجة، فصار هذا الخبر الذي قيل عنه أو الذي نسب إليه غير ثابت بالإسناد إلى من قاله، بل جاء من طريق غير صحيح إلى ذلك الشخص الذي قاله أو جرحه أو تكلم فيه، وهذا يدل على كمال العناية في التوثيق والتجريح، فهم يروونها بالأسانيد. [ حدثنا عاصم ]. هو عاصم بن أبي النجود وهو عاصم بن بهدلة وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وروايته في الصحيحين مقرونة مع غيره، ولكن الذي جرى عليه الاصطلاح في الرموز أن الراوي إذا كانت له رواية في أصل الصحيح -حتى لو كانت مقرونة- فإنهم يرمزون له برمز البخاري و مسلم . [ عن أبي وائل ]. هو شقيق بن سلمة وهو مخضرم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود وقد مر ذكره.
شرح حديث: (مررت برسول الله وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب و قتيبة بن سعيد أن الليث حدثهم عن بكير عن نابل صاحب العباء عن ابن عمر عن صهيب رضي الله عنهم قال: (مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه، فرد إشارة) ، وقال: ولا أعلمه إلا قال: إشارة بأصبعه وهذا لفظ حديث قتيبة ]. أورد أبو داود حديث صهيب بن سنان الرومي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلم عليه، فرد إشارة، قال الراوي: [ولا أعلمه إلا قال: إشارة بأصبعه] يعني: رد إشارة بالأصبع، فدل هذا على أن الإنسان عندما يُسلَّم عليه في صلاته أنه يرد بيده ويكون أيضاً الرد بالأصبع، وقد جاء في بعض الروايات المطلقة أنه أشار بيده، وكل ذلك صحيح.
تراجم رجال إسناد حديث: (مررت برسول الله وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة...)

قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب ]. يزيد بن خالد بن موهب وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و قتيبة بن سعيد ]. قتيبة مر ذكره. [ أن الليث حدثهم عن بكير ]. الليث و بكير بن عبد الله بن الأشج قد مر ذكرهما. [ عن نابل صاحب العباء ]. نابل صاحب العباء، أو صاحب الأكسية، يعني: أنه كان يبيع العباء والأكسية فنسب إليها، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن ابن عمر عن صهيب ]. ابن عمر مر ذكره، و صهيب هو ابن سنان الرومي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وكان صهيب بن سنان الرومي رضي الله تعالى عنه وأرضاه ورحمه أقرن الحاجبين، يعني: ما بين الحاجبين فيه شعر متصل بالحاجبين. [ وهذا لفظ حديث قتيبة ]. يعني: أن هذا لفظ حديث قتيبة وليس لابن موهب ، و أبو داود رحمه الله أحياناً يقول: وهذا لفظه بعد الشيخين مباشرة، وأحياناً يقول ذلك بعد أن ينتهي الحديث كله كما هنا.

شرح حديث: (...فأتيته وهو يصلي على بعيره فكلمته فقال لي بيده هكذا...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: (أرسلني نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق، فأتيته وهو يصلي على بعيره فكلمته، فقال لي بيده هكذا، ثم كلمته فقال لي بيده هكذا، وأنا أسمعه يقرأ ويومىء برأسه، فلما فرغ قال: ما فعلت في الذي أرسلتك؟ فإنه لم يمنعني أن أكلمك إلا أني كنت أصلي) ]. في حديث جابر رضي الله عنه الإجابة من المصلي بالإشارة، وليس فيه شيء يتعلق بالكلام. قوله: [ (أرسلني نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق، فأتيته وهو يصلي على بعيره فكلمته، فقال لي بيده هكذا، ثم كلمته فقال لي بيده هكذا، وأنا أسمعه يقرأ ويومئ برأسه، فلما فرغ قال: ما فعلت في الذي أرسلتك؟ فإنه لم يمنعني أن أكلمك إلا أني كنت أصلي) ]. هذا ليس فيه تنصيص على التسليم، ولكن فيه تكليم المصلي والرد بالإشارة، فهو كلمه في أمر قد أرسله به، فأشار إليه، وهذه إشارة إما أن تكون إجابة على الشيء الذي كلمه من أجله، أو أنه أشار إليه يريد أنه يعرض عنه وينتظر حتى يفرغ من الصلاة ثم يكلمه، ولعل جابراً رضي الله عنه إنما كلمه لأنه راكب على البعير، والراكب يكون غير مصل، فهو لم يعلم أنه في صلاة، أو أنه علم أنه في صلاة لكنه كلمه في أمر يحتاج إلى أن يعرف جوابه، أو أنه فهم أن هذا سائغ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يصرفه عن مخاطبته وهو في الصلاة، ولما فرغ سأله عن الذي أرسله إليه، وقال: ( لم يمنعني أن أكلمك إلا أني كنت أصلي).

تراجم رجال إسناد حديث: (...فأتيته وهو يصلي على بعيره فكلمته فقال لي بيده هكذا...)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
وجه عدم رد الرسول على جابر حين كلمه وهو يصلي على بعيره

لما جاء جابر رضي الله عنه يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فلا يظن به أنه سيكلمه مباشرة دون أن يبدأه بالسلام؛ لأن الأصل أن التكليم يكون بعد السلام، ولكن هنا فيه تكرار الكلام كلمته ثم كلمته، والمشهور عند الناس: السلام قبل الكلام، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يسلم ثم يتكلم، وكلام الناس هذا مطابق للحق، أما أن نقول: لعله لم يرد عليه؛ لأنه كلمه ولم يسلم، فأنا لا أعرف شيئاً في هذا، لكن لا شك أن الكلام لا يأتي إلا بعد السلام.

شرح حديث: (...فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسين بن عيسى الخراساني الدامغاني حدثنا جعفر بن عون حدثنا هشام بن سعد حدثنا نافع قال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلي فيه، قال: فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي، قال: فقلت لبلال : كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا. وبسط كفه)، وبسط جعفر بن عون كفه، وجعل بطنه أسفل وجعل ظهره إلى فوق ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قباء يصلي فيه، فجاءت الأنصار تسلم عليه وهو في الصلاة، فقال الراوي للصحابي الذي كان معه: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم، قال: هكذا، وأشار بيده وجعل بطنها إلى الأرض، وظهرها إلى فوق. أي: أنه يرد عليهم السلام بالإشارة على هذه الهيئة، وسبق أن مر بنا الحديث الذي فيه: أنه كان يومئ بأصبعه، وسبق أن مر بنا أيضاً حديث عبد الله بن مسعود ، الذي فيه: أنه رد عليه بعد السلام، وعلى هذا فإن المصلي إذا سُلِّم عليه وهو في الصلاة؛ فله أن يرد بالإشارة، أو بعد الصلاة كما جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا.
تراجم رجال إسناد حديث: (...فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي)

قوله: [ حدثنا الحسين بن عيسى الخراساني الدامغاني ]. الحسين بن عيسى الخراساني الدامغاني صدوق، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا جعفر بن عون ]. جعفر بن عون صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام بن سعد ]. هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (لا غرار في صلاة ولا تسليم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا غرار في صلاة ولا تسليم). قال أحمد : يعني: -فيما أرى- ألا تسلم ولا يسلم عليك، ولا يغرر الرجل بصلاته فينصرف وهو فيها شاك ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا غرار في صلاة ولا تسليم) ثم ذكر عن الإمام أحمد رحمة الله عليه تفسير الغرار في الصلاة وفي التسليم حيث قال: إن المصلي في الصلاة لا يسلم على أحد ولا يسلم عليه أحد. قوله: [ ويغرر الرجل بصلاته فينصرف وهو فيها شاك ]. من أمثلة ذلك: أنه إذا شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً واعتبرها أربعاً ولم يعتبرها ثلاثاً فإنه في هذه الحالة يكون الشك باقياً معه، أما إذا اعتبرها ثلاثاً وصلى الرابعة، فإن كانت الرابعة زيادة فإنها لا تؤثر، وإن كانت الرابعة باقية على أصلها فهي مكملة لغيرها، هذا هو معنى كونه يغر في صلاته فينصرف منها وهو منها شاك، أما لو أنه شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً واعتبرها ثلاثاً ثم أتى بالركعة الرابعة، فهذا لا يبقى عنده شك. وهذا يفيد أن الأولى للمصلي ألا يسلم على أحد ولا يسلم عليه، لكن إن وجد السلام فإنه يرد بالإشارة أو بعد التسليم كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (لا غرار في صلاة ولا تسليم) ]. الذي يبدو أن الغرار يكون في الصلاة؛ لأن الغرار فيه شك، أما التسليم فليس فيه شك.
تراجم رجال إسناد حديث: (لا غرار في صلاة ولا تسليم)

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مالك الأشجعي ]. هو سعد بن طارق أبو مالك الأشجعي وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم أصحاب السنن. [ عن أبي حازم ]. هو سلمان الأغر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وكذلك أيضاً أبو حازم سلمة بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.
شرح حديث: (لا غرار في تسليم ولا صلاة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا معاوية بن هشام عن سفيان عن أبي مالك عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أراه رفعه، قال: (لا غرار في تسليم ولا صلاة) ]. قوله: [ (لا غرار في تسليم ولا في صلاة) ] الحديث السابق يفيد بأن الغرار يكون في هذا وفي هذا، لكن على تفسير الإمام أحمد أنه لا يسلم ولا يسلم عليه، وأن الصلاة يغر فيها بأن يخرج منها وهو شاك فيها؛ لكونه أخذ بغير اليقين. ولا أدري ما وجه الشك أو الغرار في التسليم، إلا أن يكون الأمر كما قال الإمام أحمد : إنه لا يسلم ولا يسلم عليه في الصلاة، إلا إذا كان المقصود أنه يغر ويحصل له شيء من التشويش، أو ما إلى ذلك بسبب التسليم، فيمكن أن يكون له وجه. لكن السنة جاءت في أنه يسلم عليه، وأنه إذا سلم عليه رد عليه السلام، وإن كان الأولى أنه لا يسلم عليه حتى لا يحصل له تشويش، ويحمل قوله هنا: (لا غرر في تسليم ولا صلاة) على أن الأولى عدم السلام في الصلاة، ولا يقال: من السنة السلام على الناس وهم يصلون، لكن الشأن في الرد؛ لأن الرد واجب والسلام سنة، وفي الصلاة بكونه يرد بالإشارة أو بعد الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث: (لا غرار في تسليم ولا صلاة)

قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معاوية بن هشام ]. معاوية بن هشام صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن [ عن سفيان ]. هو سفيان الثوري مر ذكره. [ عن أبي مالك عن أبي حازم عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا. [ قال: أراه رفعه ]. يعني: أن أبا هريرة رفعه، وعلى هذا يكون الرفع مشكوكاً فيه. وهذا كما هو معلوم مما يدخل في الاجتهاد، ومن المعلوم أن الشيء الذي لا يقبل الاجتهاد ولا يدخل في الاجتهاد أن حكمه حكم الرفع، أما الذي يدخله اجتهاد فلا يقال: إن له حكم الرفع، وهذا يمكن أن يكون رفعه من طريق عبد الرحمن بن مهدي ؛ لأن عبد الرحمن بن مهدي يروي عن سفيان رفعه، وهنا يشك بأنه رفعه. [ قال أبو داود : ورواه ابن فضيل على لفظ ابن مهدي ولم يرفعه ]. يعني: رواه عن سفيان ولم يرفعه.
شرح كلام الخطابي في معنى حديث (لا غرار في تسليم ولا صلاة)

قوله: [ (لا غرار في تسليم ولا صلاة) ]. قال الخطابي رحمه الله معناه أن ترد كما يسلم عليك وافياً لا نقص فيه. هذا إذا كان في غير الصلاة، كما في قوله تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]. ثم قال: (لا غرار) أي: لا نقصان في التسليم. يعني: بأن الإنسان إذا قيل له: السلام عليكم ورحمة الله، فلا يقول: وعليكم، وإنما يرد كما قيل له أو يزيد؛ وذلك لقوله عز وجل: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] يعني: ردوها بمثل ما ألقيت عليكم أو زيدوا عليها، وهذا كما قلنا إذا كان خارج الصلاة، لكن إذا كان داخل الصلاة؛ فالمعنى هو ما قاله الإمام أحمد : إنه لا يسلم ولا يسلم عليه ولا يرد السلام في الصلاة؛ لأن فيه شيئاً من المشقة على الإنسان المسلم عليه، لكن كما هو معلوم أن السنة قد جاءت بأنه يرد بالإشارة أو بعد الصلاة."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #224  
قديم 28-06-2024, 10:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,245
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [118]
الحلقة (149)



شرح سنن أبي داود [118]

جاء النهي عن الكلام في الصلاة إلا لمصلحة الصلاة، ومما نهي عنه في الصلاة تشميت العاطس، فإنه لا يشمت من عطس وحمد الله، أما العاطس فله أن يحمد الله بصوت منخفض، ويشرع التأمين بعد الفراغ من الفاتحة للإمام والمأموم؛ لورود النص عليه من الشارع، فقد ورد أن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه.

حكم تشميت العاطس في الصلاة


شرح حديث: (صليت مع رسول الله فعطس رجل من القوم ... )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تشميت العاطس في الصلاة: حدثنا مسدد حدثنا يحيى ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن إبراهيم المعنى عن حجاج الصواف حدثني يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فعرفت أنهم يصمتوني، فقال عثمان : فلما رأيتهم يسكتوني لكني سكت، قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي ما ضربني ولا كهرني ولا سبني، ثم قال: إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس هذا، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله! إنا قوم حديث عهد بجاهلية وقد جاءنا الله بالإسلام، ومنا رجال يأتون الكهان، قال: فلا تأتهم، قال: قلت: ومنا رجال يتطيرون، قال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدهم، قلت: ومنا رجال يخطون، قال: كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك، قال: قلت: جارية لي كانت ترعى غنيمات قبل أحد والجوانية، إذ اطلعت عليها اطلاعة فإذا الذئب قد ذهب بشاة منها، وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فعظم ذاك علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها، قال: فجئته بها، فقال: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة : [ باب تشميت العاطس في الصلاة ]. يعني: حكم ذلك، وأنه لا يجوز؛ لأنه من الكلام، والمصلي لا يكلم غيره ولا يخاطب غيره. وتشميت العاطس كما هو معلوم إنما يكون إذا حمد الله وهو في غير الصلاة، وإذا لم يحمد الله فلا يشمت؛ لأن التشميت إنما يكون بعد أن يحمد العاطس الله عز وجل. وحديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه يفهم منه أن الذي عطس حمد الله، فشمته فقال: يرحمك الله، وكون العاطس يحمد الله في الصلاة لا بأس بذلك؛ لأنه ذكر لله عز وجل، ولا مانع منه، لكن ينبغي للإنسان عندما يحمد الله في الصلاة ألا يرفع صوته وإنما بينه وبين نفسه، ولا يشمته غيره؛ لأنه كلام من الشخص لغيره وليس له ذلك. فشمته معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، فجعل الناس ينظرون إليه نظراً فيه إنكار، فقال في الصلاة: (واثكل أمياه! مالكم تنظرون إلي، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم) ففهم منهم أنهم يريدون منه أن يسكت وأن ينتهي، فسكت، ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته، قال: (إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس هذا، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) فبين له عليه الصلاة والسلام بعد الصلاة أن الصلاة إنما هي محل للتكبير والتسبيح وقراءة القرآن وذكر الله سبحانه وتعالى، فلا يكون فيها شيء من الكلام بين الناس بعضهم لبعض، وقد كان ذلك سائغاً في أول الإسلام ولكنه نسخ.

الأسلوب النبوي في معالجة الأخطاء


قوله: [ (فعرفت أنهم يصمتوني، فقال عثمان : فلما رأيتهم يسكتوني لكني سكت، قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي ما ضربني ولا كهرني ولا سبني) ]. يحكي معاوية بن الحكم السلمي ما حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الصلاة، فيقول: (بأبي هو وأمي) يعني: هو مفدى بأبي وأمي، وهذا ليس بقسم وإنما هي تفدية. قوله: [ (ما ضربني) ] يعني: ما أدبه بالضرب على هذا الصنيع. قوله: [ (وما كهرني) ] يعني: ما أغلظ له في القول. قوله: [ (وما سبني) ] يعني: ما تكلم عليه بكلام يسبه فيه، وإنما قال له صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس هذا، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. يعني: لا يحل في الصلاة كلام الناس الذي هو التخاطب فيما بينهم، وإنما الشأن فيها إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن. وقوله: [ (أو كما قال صلى الله عليه وسلم) ] . وهذا فيه إشارة إلى أنه لم يتقن اللفظ الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أتقن المعنى، فهذه العبارة تقال إذا كان الإنسان لم يتقن اللفظ ولم يضبطه تماماً، ولكنه أتى بمعناه، وأضاف القول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة، فيأتي بعدها بقوله: أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وهذه تستعمل كثيراً في كلام العلماء عندما يحدثون بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعنى، ومن غير ضبط منهم لألفاظه صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلته هذا الحديث عن هذا الصحابي معاوية بن الحكم السلمي رضي الله تعالى عنه. وكذلك أيضاً جاء مثل ذلك في مقدمة الإمام ابن ماجة عن أنس بن مالك رضي الله عنه في ذكر حديث أنس ثم قال في آخره: أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فهذه طريقة اتبعها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبعهم عليها العلماء من بعدهم. وهذه الفائدة أشرت إليها في سنن ابن ماجة وأوردتها في الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى.
حكم إتيان الكهان

قوله: [ (قلت يا رسول الله! إنا قوم حديث عهد بجاهلية؛ وقد جاءنا الله بالإسلام، ومنا رجال يأتون الكهان، قال: فلا تأتهم) ]. بدأ هذا الصحابي يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمور كانت معروفة عندهم في الجاهلية، وهو يريد أن يعرف حكمها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على عناية الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم واهتمامهم بمعرفة الأحكام الشرعية، ومعرفة ما يسوغ وما لا يسوغ من الأعمال التي كانت في الجاهلية؛ لأن الإسلام نهى عن أشياء من أمور الجاهلية وأقر أخرى، فما أقر منها ثبت بحكم الإسلام وهو الإقرار، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل، وهناك أمور جاء النهي عنها من أمور الجاهلية. فإذاً: الأمور التي كانت في الجاهلية منها ما جاء الإسلام وأقره، ومن ذلك الولي في النكاح، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: أن الرجل عندما يريد المرأة يذهب إلى وليها ويخطبها منه، يعني: أن الولي هو المسئول عن الزواج، وهو الذي يذهب إليه ويخطب منه، فجاء الإسلام وأقر ذلك، ومثل المضاربة في التجارة بالمال، بأن يدفع شخص لآخر مبلغاً من المال على أن يتجر به، وما حصل من ربح فهو بينهما على النسبة التي يتفقان عليها. هذه من الأمور التي كانت موجودة في الجاهلية وأقرها الإسلام، وقد حصل الإجماع من العلماء عليها. وأشياء كثيرة منع منها الإسلام، كما جاء في حديث معاوية بن الحكم السلمي ، حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (ومنا رجال يأتون الكهان) يعني: في الجاهلية، قال: (فلا تأتهم) يعني: لا يجوز أن يذهب إلى الكهان، وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنع من الذهاب إلى الكهان، وبيان خطر الذهاب إليهم، وخطر تصديقهم فيما يقولون. والكهان هم الذين يخبرون عن أمور غيبية، ويكون ذلك بالخبط والتخمين، وباستخدام إخوانهم من شياطين الجن، فإن الشيء إذا كان موجوداً يمكن أن يطلع عليه ويخبر عنه بسرعة، لكن يمكن أن يكون إخوانهم من شياطين الجن أخبروهم عن الشيء الذي يطلعون عليه ولا يطلع عليه الإنس، فيكون من الكهان الذين يستعينون بشياطين الجن فيعينونهم، ثم يخبروننا عن أمر، فتحصل فتنة للناس بسبب ذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الذهاب إليهم وعن تصديقهم فيما يقولون، وحرم الذي يعطى لهم وهو حلوان الكاهن، ومعروف قصة أبي بكر رضي الله عنه مع الغلام الذي كان له، وأنه كان قد تكهن في الجاهلية، ثم لقي هذا الذي تكهن له وأعطاه مكافأة على ذلك، وأعطى أبا بكر فأكل منها، ولما علم أبو بكر ذلك استقاء ذلك الشيء الذي أكله من هذا الغلام الذي جاء عن طريق الكهانة. فجاءت الشريعة بتحريم حلوان الكاهن، وتحريم الذهاب إليهم وتصديقهم فيما يقولون، على أن الجن الذين يستعينون بهم شياطين الإنس لا يعلمون الغيب، وقد جاء القرآن بذلك كما حكى عن الجن الذين سخرهم الله لسليمان عليه الصلاة والسلام في قصة العصا، وأن دابة الأرض أكلتها، قال الله: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ [سبأ:14] يعني: هم لا يعلمون الغيب، ولكن يمكن أن يكونوا بسبب ذهابهم وإيابهم يطلعون على أشياء ويخبرون بها إخوانهم من شياطين الإنس. الحاصل: أن الكهان هم الذين يخبرون عن الأمور المغيبة، أما العراف فهو الذي يخبر عن مكان الضالة أو مكان المسروق، والعرافة نوع من الكهانة، وكل ذلك لا يسوغ ولا يجوز. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: (لا تأتهم) يعني: لا تفعل هذا الذي كنتم تفعلونه في الجاهلية، والحكم في الإسلام أنه لا يذهب إلى الكهان ولا يصدقون.
حكم التطير

قوله: [ (قال: قلت: ومنا رجال يتطيرون قال: ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدهم) ]. يسمى التطير بذلك نسبة إلى الطيور، فقد كانوا إذا أرادوا السفر أخذوا طيراً فتركوها فإن اتجهت إلى اليمين تفاءلوا وسافروا، وإذا اتجهت إلى الشمال عدلوا عن السفر بسبب ذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (هذا شيء يجدونه في نفوسهم، فلا يصدهم) يعني: هذه الأمور التي كانوا يفعلونها في الجاهلية ينبغي أن تترك، وأن المسلمين يقدمون على ما يقدمون عليه ولا يلتفتون إلى هذه الطيور وما يحصل منها، لا يجوز أن يرجع الإنسان عن السفر الذي أراده؛ لأنه تشاءم من كون الطيور جاءت من جهة الشمال. كذلك الذين يتشاءمون من أرقام معينة فهو من التشاؤم، وبعض الباعة إذا استفتح بيعه بأعرج أو بأعمى تشاءم من ذلك، وهذا غلط وجهل وضعف عقل.

حكم الخط على الأرض


قوله: [ (قلت: ومنا رجال يخطون، قال: كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك) ]. يعني: يخطون في الأرض، وذلك بأنهم كانوا يخطون عدة خطوط، ثم يجعلونها اثنين اثنين اثنين، فإن بقي اثنان صارت علامة خير، وإن بقي واحد كانت علامة شر، فهم يخطون في الأرض ويتفاءلون ويتشاءمون. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كان نبي يخط، فمن وافق خطه فذاك) يعني: ولا يمكن أن يوافق خطه؛ لأن هذه إحالة إلى شيء غير معلوم، ولا سبيل إلى معرفته. إذاً: استعمال الخطوط في الأرض، وبناء أشياء عليها، سواء كانت من جهة التشاؤم والتفاؤل أو عن طريق كهانة أو ما إلى ذلك، كل ذلك لا يسوغ ولا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن نبي أنه كان يخط، ومن المعلوم أن النبي الذي كان يخط إنما يفعل بالوحي. قوله: [ (فمن وافق خط ذلك النبي فذاك) ] يعني: أنه لا سبيل إلى موافقته وإلى معرفة موافقته، فيكون استعمال الخطوط في الأرض لا يسوغ ولا يجوز؛ لأنه إخبار عن أمر مغيب، وهو فعل نبي من الأنبياء أنه كان يخط. والاعتماد على هذه الخطوط لا يكون من الشرك الأكبر أو الأصغر، وإنما يكون من التشاؤم، أما إذا كان يعتقد أن الخطوط أو أن غير الله عز وجل هو الذي ينفع ويضر، فهذا هو الشرك، وأما إذا وقع في باله أن هذا علامة خير أو علامة شر، فهذا لا يكون شركاً أكبر.
تعظيم ضرب الإماء

قوله: [ ( قلت: لي كانت جارية ترعى غنيمات قبل أحد والجوانية، إذ اطلعت عليها اطلاعة فإذا الذئب قد ذهب بشاة منها، وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فعظم ذلك علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها) ]. يعني: أن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أسئلة كانت من أمور الجاهلية، ومن الأمور التي كانوا يعتادونها في الجاهلية الكهانة والخطوط في الأرض والتطير، ثم سأله عن أمر يخصه وحادثة حدثت له، وهي: أن جارية له كانت ترعى غنماً له في أحد والجوانية، فتفقد حالها في وقت من الأوقات، وإذا بالذئب قد أخذ واحدة من الغنم، فصك تلك الجارية صكة، فعظم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، وبين صلى الله عليه وسلم أن هذا أمر عظيم لا يسوغ ولا يجوز؛ لأنه حصل منه لها هذا الإيذاء الذي لا يصلح ولا يليق.

حقيقة علو الله سبحانه وتعالى


قوله: [ (أفلا أعتقها يا رسول الله؟ قال: ائتني بها، فجئته بها، فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها، فإنها مؤمنة) ]. وهذا يدلنا على أن خير الخلق وسيد الخلق صلى الله عليه وسلم سأل بأين الله؟ وأن ذلك سائغ وجائز، وأن الله تعالى في السماء. والمقصود بالسماء العلو؛ لأن كل ما علا وارتفع فهو سماء، فلا يفهم من الحديث أن المقصود بالسماء، هي السماء المبنية، وأن الله تعالى تحويه السماوات، وأنه في داخل السماوات، لا، وإنما المقصود من ذلك العلو، ومن المعلوم أن كل ما علا وارتفع فهو علو، فبالنسبة لنا كل ما فوقنا هو سماء لنا، ومن المعلوم أن العرش فوقه علو، والله تعالى في العلو الذي فوق العرش، لا يحويه شيء من مخلوقاته ولا يحل في شيء من مخلوقاته، فهو مباين لمخلوقاته؛ لأن الله تعالى خلق الخلق وكان هو الموجود وحده، ولما خلقهم لم يحل فيهم ولم يحلوا فيه، بل هو مباين لهم وهم مباينون له، والله تعالى فوق العرش، وقد جاء القرآن الكريم بذلك : أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] أي: في العلو، فالجارية قالت: في السماء، أي: في العلو، والله سبحانه وتعالى في العلو فوق الخلق مستو على عرشه فوق خلقه، عال على جميع خلقه سبحانه وتعالى. إذاً: كل ما علا، فهو سماء، وما دون العرش مخلوق، والله تعالى لا يحل في شيء مخلوق، والله عز وجل فوق العرش، وما فوق العرش هو الخلو والعدم، وليس فيه إلا الله عز وجل. قوله: [ (قال: وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون) ]. يعني: هذا اعتذار منه لفعله الذي فعل، قال: إنني غضبت وإني أسفت، والأسف هو الغضب، قال عز وجل: فَلَمَّا آسَفُونَا [الزخرف:55] يعني: أغضبونا، فحصل له غضب، وأنه بسبب ذلك صك الجارية هذه الصكة. أما الكلام في الصلاة نسياناً فإنه لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر إذا تكلم عامداً، يقول عز وجل في النسيان: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286].

تراجم رجال إسناد حديث: (صليت مع رسول الله فعطس رجل من القوم ...)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بابن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى ]. أي: أن الطريقين إنما اتفقا في المعنى وليس في الألفاظ. [ عن حجاج الصواف ]. حجاج الصواف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن أبي ميمونة ]. هلال بن أبي ميمونة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن الحكم السلمي ]. معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم و أبو داود و النسائي . وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه.

شرح حديث: (...إذا عطست فاحمد الله، وإذا عطس العاطس فحمد الله فقل: يرحمك الله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يونس النسائي حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: (لما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم علمت أموراً من أمور الإسلام؛ فكان فيما علمت أن قال لي: إذا عطست فاحمد الله، وإذا عطس العاطس فحمد الله فقل: يرحمك الله, قال: فبينما أنا قائم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة إذ عطس رجل فحمد الله، فقلت: يرحمك الله. رافعاً بها صوتي، فرماني الناس بأبصارهم حتى احتملني ذلك، فقلت: ما لكم تنظرون إلي بأعين شُزر؟ قال: فسبحوا، فلما قضى رسول صلى الله عليه وسلم قال: من المتكلم؟ قيل: هذا الأعرابي، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: إنما الصلاة لقراءة القرآن وذكر الله جل وعز، فإذا كنت فيها فليكن ذلك شأنك. فما رأيت معلماً قط أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه بعض ما في الذي قبله، وفيه زيادة: أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلم شيئاً من أمور الإسلام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أنه إذا عطس أن يحمد الله، وأنه إذا سمع العاطس يحمد الله أن يشمته، ويقول له: يرحمك الله، وبينما هو يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فحمد الله ذلك الرجل العاطس، فشمته معاوية بن الحكم رضي الله عنه، فنظر الناس إليه نظراً ساءه، فقال: ما لكم تنظرون إلي بأعين شزر؟! فسبحوا فسكت، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من المتكلم؟ قالوا: هذا الأعرابي، فأخبره أن الصلاة إنما هي للتسبيح وقراءة القرآن، وأن الإنسان إذا كان في الصلاة يكون هذا شأنه إما أن يكون قارئاً للقرآن، وإما أن يكون ذاكراً مسبحاً لا متكلماً في أمور الدنيا. إذاًً: العاطس إذا عطس في غير الصلاة وحمد الله عز وجل فإنه يشمت، وإذا لم يحمد الله عز وجل فإنه لا يشمت، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما بالنسبة للصلاة فللعاطس أن يحمد الله سراً، ولكن من سمعه يحمد الله ليس له أن يشمته وهو في الصلاة؛ لأن حمد الله عز وجل ذكر وثناء على الله، وهو سائغ في الصلاة، وأما قول: يرحمك الله -التشميت- فهو خطاب وكلام من المشمت للعاطس، والكلام والمخاطبة في الصلاة لا تسوغ ولا تجوز.
بيان رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه

قوله: [ (فما رأيت معلماً قط، أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطبه بهذا الرفق وبهذا اللين، وقال له: إن الصلاة لا ينفع فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير وذكر الله عز وجل، وهذا يدلنا على أن الرفق في التعليم والرفق في التأديب والتوجيه فيه الخير وفيه البركة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله رفيق يحب الرفق) وقوله: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه) وكان هذا سمت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهديه ومنهجه وطريقته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو خير الناس وأنصح الناس للناس، وهو أكمل الناس نصحاً وأكملهم بياناً وأفصحهم لساناً، وكان هذا شأنه مع أصحابه يعلمهم ويرفق بهم، ويجدون ثمرة هذا الرفق، فيقولون ما يقولون مثل هذه المقالة التي قالها معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: (فما رأيت معلماً أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم).

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #225  
قديم 28-06-2024, 10:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,245
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا عطست فاحمد الله وإذا عطس العاطس فحمد الله فقل: يرحمك الله ...)
قوله: [ حدثنا محمد بن يونس النسائي ]. محمد بن يونس النسائي ثقة، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ حدثنا عبد الملك بن عمرو ]. هو أبو عامر العقدي ذكره هنا باسمه، ويذكره أحياناً بكنيته، فأحياناً يقول: حدثنا أبو عامر العقدي ، وأحياناً يقول: حدثنا عبد الملك بن عمرو . ألا يظن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر باسمه مرة وذكر بكنيته مرة أخرى، فإن من لا علم له يظن أن عبد الملك بن عمرو هو غير أبي عامر العقدي ، لكن من يكون على علم بذلك فإنه لا يلتبس عليه الأمر، سواء جاء ذكره بعبد الملك بن عمرو أو جاء ذكره بأبي عامر ، فهو شخص واحد وليسا شخصين، وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا فليح ]. هو فليح بن سليمان هو صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن علي ]. هلال بن علي وهو ابن أبي ميمونة الذي مر في الإسناد السابق، ذكر هنا منسوباً إلى أبيه باسمه، وفي الحديث السابق ذكر منسوباً إلى أبيه بكنيته، وهذا مثل ما أسلفت من فائدته ألا يظن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر منسوباً إلى أبيه مكنى أو ذكر منسوباً إلى أبيه مسمى، فإن من لا علم له يظن أن هذا شخص وهذا شخص، ولكن من كان عالماً لا يلتبس عليه الأمر، إن جاء هلال بن علي عرف أنه هلال بن أبي ميمونة ، وإن جاء هلال بن أبي ميمونة عرف أنه هلال بن علي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار وهو ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن الحكم السلمي ]. معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، و مسلم و أبو داود و النسائي .
ما جاء في التأمين وراء الإمام


شرح حديث: (كان رسول الله إذا قرأ (ولا الضالين) قال: آمين، ورفع بها صوته)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التأمين وراء الإمام: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن سلمة عن حجر بن العنبس الحضرمي عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: (( وَلا الضَّالِّينَ ))[الفاتحة:7] قال: آمين، ورفع بها صوته) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ التأمين وراء الإمام ]. يعني: حكم تأمين المأموم وراء الإمام أنه يؤمن ويرفع صوته بالتأمين، كما أن الإمام يرفع صوته بالتأمين، وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الإمام يؤمن، وكذلك المأموم جاء أنه يؤمن. وجاء في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالتأمين، وليس فيه شيء يتعلق بالمأموم، مع أن الترجمة هي للتأمين وراء الإمام، ولكن وجه إيراده في هذه الترجمة: أن المأموم مطلوب منه أن يتابع الإمام، وأن يفعل مثل ما يفعل الإمام، ولا يخالفه إلا فيما استثني، مثل: سمع الله لمن حمده، فإنه لا يقولها المأموم وإنما يقولها الإمام وحده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده؛ فقولوا: ربنا ولك الحمد) لم يقل: فقولوا: سمع الله لمن حمده، فإن هذا مستثنى من متابعة الإمام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي). إذاً: فالإمام يؤمن ويرفع صوته، والمأموم كذلك يؤمن ويرفع صوته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ولا يستثنى من ذلك إلا ما جاء دليل يدل على اختصاصه بالإمام، والذي جاء هو سمع الله لمن حمده، فإنه يقولها الإمام ولا يقولها المأموم، والإمام يجمع بين التسميع والتحميد، والمأموم يحصل منه التحميد دون التسميع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد). إذاً: وجه الاستدلال بهذا الحديث على الترجمة: [ التأمين وراء الإمام ] أي: تأمين المأموم وراء الإمام مأخوذ من جهة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) والإمام يقول: آمين ويرفع بها صوته، فكذلك المأموم يقول: آمين ويرفع بها صوته، استناداً إلى أن الإمام يقتدى به وأنه يتبع، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وستأتي أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها أمر المأمومين بأن يؤمنوا تبعاً للإمام، وأنه إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فليقل المأموم: آمين، يعني: يؤمن وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمن الإمام فأمنوا) ولكن هذا الحديث ليس فيه تنصيص على تأمين المأموم، ولكن وجه الاستدلال به على تأمين المأموم من جهة أن المأموم مأمور بأن يقتدي بالإمام ولا يخالفه إلا فيما استثني، ولم يستثن ذلك، بل جاء في السنة ما يدل على أمر المأموم بأن يؤمن إذا أمن الإمام. أورد أبو داود حديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: (( وَلا الضَّالِّينَ )) قال: آمين ورفع بها صوته). قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] (كان) تدل على الدوام والاستمرار، يعني: هذا شأنه دائماً، ولكن قد تأتي (كان) أحياناً ولا يراد بها الاستمرار، ولكن يراد بها المرة الواحدة، ومن ذلك حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) فإن قولها: (ولحله قبل أن يطوف بالبيت) إنما حصل مرة واحدة في حجة الوداع. على أن (كان).

تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا قرأ (ولا الضالين) قال: آمين، ورفع بها صوته)


قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، من كبار شيوخ البخاري ، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن سفيان الثوري . [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و سفيان الثوري من المتقدمين في الوفاة، توفي سنة (161هـ) و محمد بن كثير العبدي الراوي عنه توفي بعد سنة (220هـ) ولكنه عُمِّر تسعين سنة؛ ولهذا أدرك المتقدمين. [ عن سلمة ]. هو سلمة بن كهيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حجر بن العنبس الحضرمي ]. حجر بن العنبس الحضرمي وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و أبو داود و الترمذي . في بعض النسخ ذكر: أبي العنبس وهو ابن العنبس وليس كذلك، وكنيته أبو السكن ، و(أبي) مصحفة عن (ابن)؛ لأن (أبي) رسمها قريب من رسم (ابن) ولهذا قد يأتي التصحيف بين كلمة (ابن) و (أبي)، لكن لو كانت الكنية موافقة لاسم الأب، يكون كل ذلك صحيحاً، لكن الكنية هنا غير موافقة لاسم الأب، فهو تصحيف. وقد جاء في بعض الروايات التي ستأتي ابن العنبس ، وجاء في رواية سفيان الثوري أنه قال: ابن العنبس ، وجاء في رواية شعبة عن أبي العنبس . وجاء في رواية شعبة : (أنه خفض صوته بآمين) ولكن رواية سفيان الثوري مقدمة على رواية شعبة وذلك لأمور عديدة منها: أن سفيان أحفظ من شعبة وهو مقدم على شعبة في الحفظ، وكل من سفيان الثوري و شعبة بن الحجاج وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وكل منهما حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، ولكن أحدهما أحفظ من الآخر، وهو سفيان ؛ فيكون مقدماً في الحفظ على شعبة . وقد ذكر الحفاظ أن سفيان مقدم على شعبة ، وقد قال شعبة : سفيان أحفظ مني. وكانوا يعتمدون في التمييز بين الثقات أيهما أوثق من بعض، أو أيهما أحفظ من بعض، بعدِّ الأخطاء التي يخطئها هذا وهذا، فإذا عدوا أخطاء هذا وأخطاء هذا، وعرفوا أن هذا أقل أخطاء وأن هذا أكثر أخطاء، فإنهم يقدمون في الحفظ من يكون أقل خطأً. وعلى هذا فرواية سفيان : (أنه جهر بآمين) مقدمة على رواية شعبة : (أنه خفض صوته بآمين) على أن شعبة جاء عنه في بعض الروايات ما يدل على الجهر بآمين، فصارت بعض رواياته موافقة لرواية سفيان الثوري . [ عن وائل بن حجر ]. هو وائل بن حجر الحضرمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، و مسلم و أصحاب السنن.

شرح حديث: (أنه صلى خلف رسول الله فجهر بآمين...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مخلد بن خالد الشعيري حدثنا ابن نمير حدثنا علي بن صالح عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر رضي الله عنه: (أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجهر بآمين، وسلم عن يمينه وعن شماله حتى رأيت بياض خده) ]. أورد أبو داود حديث وائل بن حجر رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه: أنه قال: آمين وجهر بها عندما قرأ سورة الفاتحة. وفيه: أنه سلم عن يمينه و شماله حتى رأى بياض خده صلى الله عليه وسلم. فهذا يدلنا على ما دل عليه الحديث الأول من التأمين من الإمام والجهر بآمين، وأن المأموم يتابعه في التأمين والجهر، ويدل أيضاً على أن التسليم تسليمتان: تسليمة عن اليمين وتسليمة عن الشمال.

تراجم رجال إسناد حديث: (أنه صلى خلف رسول الله فجهر بآمين...)


قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد الشعيري ]. مخلد بن خالد الشعيري ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا ابن نمير ]. هو عبد الله بن نمير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا علي بن صالح ]. هو علي بن صالح بن حي وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر ]. وقد مر ذكر الثلاثة.

شرح حديث: (كان رسول الله إذا تلا (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا صفوان بن عيسى عن بشر بن رافع عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] قال: آمين، حتى يسمع من يليه من الصف الأول) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلا: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]. قال: آمين، حتى يسمع من يليه من الصف الأول). وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: آمين ويجهر بها، وهو يدل على ما دل عليه الحديث الأول من الطريقين المتقدمين، ولكن هنا قصره على إسماع الصف الأول، والحديث في إسناده من هو متكلم فيه، والأصل أن الجهر بالتأمين من الإمام لا يقتصر على إسماع الصف الأول.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا تلا (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول)


قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا صفوان بن عيسى ]. صفوان بن عيسى ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن بشر بن رافع ]. بشر بن رافع ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة ]. أبو عبد الله ابن عم أبي هريرة مقبول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

شرح حديث: (إذا قال الإمام (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقولوا آمين...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) فهذا يدلنا على أن المأموم يؤمن بعدما يقول الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] مثل ما جاء في التسميع والتحميد: (إذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) يعني: بعد أن يقول: سمع الله لمن حمده، قولوا: ربنا ولك الحمد، وهذا بعد أن يقول: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] قولوا: آمين، ولا ينتظر حتى يقول الإمام: آمين، بل يقول: آمين بعدما يقول الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فيكون تأمين الإمام والمأموم وكذلك الملائكة في وقت واحد، وأن من يحصل منه ذلك ويوافق قوله قول الملائكة، فإنه يجازى على ذلك بأن يغفر الله له ما تقدم من ذنبه. والمقصود بالمغفرة فيما تقدم هو الصغائر، وأما الكبائر فلا بد فيها من التوبة؛ لأنها لا تكفر بفعل الطاعات وإنما تكفر بالتوبة منها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، ويقول سبحانه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]. فإذاً: الذنوب التي تكفر بالأعمال الصالحة إنما هي الصغائر، وأما الكبائر فإن التوبة الخاصة هي التي تكفرها، أما إذا أصر على الكبيرة وحصل منه العمل الصالح، بأن قال: آمين وراء الإمام، فإنه لا تغفر له تلك الكبيرة التي هو مصر عليها، بل تغفر له إذا تاب منها، وأقلع عنها، وندم عليها، وحرص على ألا يعود عليها في المستقبل؛ لأن شروط التوبة ثلاثة: أن يقلع عن الذنب، بأن يتركه نهائياً، وأن يندم على ما قد مضى، وأن يعزم في المستقبل على ألا يعود إليه، والشرط الرابع: إذا كان الأمر يتعلق بحقوق الآدميين، سواء بأموالهم أو أعراضهم أو أبدانهم فعليه أن يطلب المسامحة ممن له عليه حق، أو يؤدي الحقوق إلى أهلها. وعلى هذا فما جاء في هذا الحديث وأمثاله من مغفرة الذنوب بفعل الأعمال الصالحة، إنما يراد به مغفرة الصغائر، وأما الكبائر فإن تكفيرها إنما يكون بالتوبة والإقلاع منها، كما عرفنا ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قال الإمام (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقولوا آمين...)


قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور المحدث، أحد الأئمة الأربعة، وأحد أصحاب المذاهب المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سمي مولى أبي بكر ]. هو سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح السمان ]. أبو صالح السمان كنيته أبو صالح واسمه ذكوان ولقبه السمان ، ويقال له: الزيات ، لأنه كان يبيع الزيت والسمن، فقيل له: السمان وقيل له: الزيات ، وكثيراً ما يأتي بكنيته أبي صالح ، وأحياناً يأتي بكنيته واسمه فيقال: أبو صالح ذكوان ، وأحياناً يأتي بكنيته ولقبه كما هنا حيث قال: أبو صالح السمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكره.
شرح حديث: (إذا أمن الإمام فأمنوا...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب و أبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه). قال ابن شهاب (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه) وهذا لا يخالف الحديث السابق، الذي فيه: (إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه) فليس معنى قوله: [ (إذا أمن) ] أي: إذا فرغ من التأمين فأمنوا، وإنما المقصود من ذلك أنه إذا وجد منه التأمين بعد: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فالمأموم يقول عند قول الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]: آمين، والملائكة تقول عند قول الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]: آمين، فتكون الأقوال متفقة من الإمام والمأموم والملائكة.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أمن الإمام فأمنوا...)

قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب ]. القعنبي و مالك مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا. و ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري ، وهو مشهور بالزهري ومشهور بابن شهاب ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين باتفاق، وأما السابع منهم ففيه ثلاثة أقوال: قيل: هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الذي معنا في هذا الإسناد، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام الذي هو مولى سمي الذي مر ذكره، وهو مولاه من أعلى و سمي مولاه من أسفل، فهذا أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، والقول الثالث: أنه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وأما الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة فهم: سعيد بن المسيب و عروة بن الزبير بن العوام و خارجة بن زيد بن ثابت و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق و سليمان بن يسار و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، هؤلاء الستة المتفق على عدهم من الفقهاء السبعة. ومعنا في الإسناد واحد ممن هو معدود في الفقهاء السبعة اتفاقاً، وواحد ممن هو معدود فيهم على اختلاف في ذلك، وكل من سعيد بن المسيب و أبي سلمة بن عبد الرحمن أخرج حديثهما أصحاب الكتب الستة، بل الفقهاء السبعة كلهم -المتفق عليهم والمختلف فيهم- أخرج لهم أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة وقد مر ذكره.

شرح حديث: (يا رسول الله لا تسبقني بآمين)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه أخبرنا وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي عثمان عن بلال رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! لا تسبقني بآمين) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا رسول الله! لا تسبقني بآمين) قيل: إن معنى ذلك أنه كان يقيم الصلاة وهو في مكان بعيد من الإمام، ثم يأتي بعد ذلك، فهو يريد من النبي صلى الله عليه وسلم ألا يقول: آمين قبل أن يصل ويدخل في الصلاة ويقول: آمين، ولكن الحديث في ثبوته كلام من جهة أن أبا عثمان النهدي الذي يروي عن بلال ، قيل: إنه لم يدرك بلالاً ، وجاء في بعض طرقه أن أبا عثمان النهدي قال: إن بلالاً قال كذا وكذا، وعلى هذا فيكون من قبيل المرسل الذي يحكي فيه التابعي شيئاً في زمن النبوة لم يدركه، وقد روى الحديث موصولاً، وجاء من رواية أخرى مرسلاً، وعلى هذا يكون الحديث منقطعاً غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (يا رسول الله لا تسبقني بآمين)

قوله: [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ]. هو إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي المروزي ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ أخبرنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم ]. هو عاصم بن سليمان الأحول وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عثمان ]. هو أبو عثمان النهدي واسمه عبد الرحمن بن مل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بلال ]. هو بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وجه طلب بلال من الرسول عدم سبقه بآمين

إذا كان بلال يقرأ بفاتحة الكتاب في السكتة الأولى التي بين التكبير والقراءة فلا يستقيم أن يوجه طلبه على هذا؛ لأنه إذا كان بدأ قبل أن يبدأ الإمام؛ فمعنى هذا أنه إذا واصل فإنه سينتهي هو من قراءة الفاتحة قبل أن يقول الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فالأمر غير واضح، ولكن يمكن أن يكون معناه هو ما أشرت إليه آنفاً: أنه لم يكن وراء النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتى بعد ذلك، ويمكن أنه كان يشتغل بتسوية الصفوف، فيحصل من الرسول صلى الله عليه وسلم الفراغ من الفاتحة قبل أن يصل، فقال ما قال، لكن الحديث كما هو معلوم غير ثابت من جهة كونه إما مرسلاً، أو منقطعاً بين أبي عثمان النهدي وبين بلال .

شرح حديث: (... أوجب إن ختم، فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: بآمين...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الوليد بن عتبة الدمشقي و محمود بن خالد قالا: حدثنا الفريابي عن صبيح بن محرز الحمصي حدثني أبو مصبح المقرائي قال: (كنا نجلس إلى أبي زهير النميري وكان من الصحابة، فيتحدث أحسن الحديث، فإذا دعا الرجل منا بدعاء قال: اختمه بآمين، فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة، قال أبو زهير : أخبركم عن ذلك؟ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأتينا على رجل قد ألح في المسألة، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يستمع منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجب إن ختم، فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: بآمين، فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب، فانصرف الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الرجل فقال: اختم يا فلان بآمين وأبشر) وهذا لفظ محمود . قال أبو داود : المقراء قبيلة من حمير ]. أورد أبو داود حديث أبي زهير النميري عن أبي مصبح المقرائي قال: (كنا نجلس إلى أبي زهير النميري وكان من الصحابة، فيتحدث أحسن الحديث، فإذا دعا الرجل منا بدعاء قال: اختمه بآمين، فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة، ثم قال: ألا أخبركم عن ذلك؟ خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأتينا على رجل قد ألح في المسألة، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم يستمع منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجب إن ختم، فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: بآمين) يعني: أنه إذا جمع بين الدعاء والتأمين يكون قد حصلت له الجنة، أو استحق أن تحصل له الجنة، فذهب رجل ممن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الرجل وقال له: (اختم بآمين وأبشر). وهذا الحديث يدل على أن الدعاء إذا حصل من الداعي أنه يؤمن في دعائه بعدما يدعو. وآمين معناها: اللهم استجب. لكن هذا الحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن كثيراً من الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم تأتي ولا يروى في آخرها أنه قال: آمين، فكون الإنسان يرى أو يلتزم بها، وأنه لا يقول دعاء إلا ويختمه بآمين، ليس هناك ما يدل عليه. وعلى هذا فإن آمين معناها: اللهم استجب، فإذا دعا المرء وقال: آمين في بعض الأحيان دون أن يلتزمها، ودون أن يعتقد أن هذه سنة ثابتة عن رسول صلى الله عليه وسلم، فلا بأس بذلك، لكن أن يقال: إنها سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا هو المشكل.


تراجم رجال إسناد حديث: (... أوجب إن ختم، فقال رجل من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: بآمين...)


قوله: [ حدثنا الوليد بن عتبة الدمشقي ]. الوليد بن عتبة الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود . [ و محمود بن خالد ]. هو محمود بن خالد الدمشقي وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الفريابي ]. هو محمد بن يوسف الفريابي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صبيح بن محرز الحمصي ]. صبيح بن محرز الحمصي مقبول، أخرج له أبو داود . قال الحافظ : اختلف هل هو مفتوح أوله أو مصغر؟ وعلى كل فإنه ممكن أن يقال: صَبيح و صُبيح . [ حدثني أبو مصبح المقرائي ]. أبو مصبح المقرائي ثقة، أخرج له أبو داود . [ كنا نجلس إلى أبي زهير النميري ]. أبو زهير النميري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود . [ قال أبو داود : المقراء، قبيلة من حمير ]. يريد بذلك: أن أبا مصبح المقرائي ينسب إلى قبيلة من حمير، نسبة نسب وليست نسبة بلد."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #226  
قديم 28-06-2024, 11:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,245
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [119]
الحلقة (150)



شرح سنن أبي داود [119]

الخشوع روح الصلاة ولبها، ولذلك نهي عن الحركات فيها لأنها تذهب الخشوع، إلا أنه قد رخص في التصفيق للنساء عند تنبيه الإمام، ورخص في الإشارة عند الحاجة.

التصفيق في الصلاة


شرح حديث أبي هريرة في التصفيق في الصلاة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التصفيق في الصلاة. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: التصفيق في الصلاة. أي أن هذا الحكم الذي هو التصفيق في الصلاة إنما هو سائغ في حق النساء وليس في حق الرجال، فإذا حصل للإمام شيء يحتاج إلى أن ينبه عليه؛ فإنه يسبح الرجل وتصفق المرأة، فالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء، ولا يكون العكس، فالرجال لا يصفقون والنساء لا تسبح في الصلاة عند تنبيه الإمام على أمر قد حصل منه، فشأن التصفيق أن يكون للنساء لا للرجال. والتصفيق هو أن تضرب المرأة ببطن كفها أو بإصبعين من كفها اليمنى على ظهر الأخرى، ومعناه أنه لا يكون التصفيق باليدين متقابلتين؛ لأن تصفيق بطن اليد على اليد يكون فيه زيادة صوت وزيادة إزعاج، فإنما يكون بتصفيق خفيف، بحيث يكون بطن واحدة على ظهر الأخرى أو العكس، حتى يكون أخف فيحصل به المقصود دون أن يكون هناك صوت مرتفع للتصفيق، كما يحصل فيما إذا كانت بطن اليد اليمنى على بطن اليد اليسرى.

ذكر بعض الأحكام التي تختلف فيها النساء عن الرجال

جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التفريق بين الرجال والنساء في التصفيق والتسبيح، والأصل أن الأحكام يتساوى فيها الرجال والنساء، ولا يختلف الرجال والنساء في الأحكام إلا إذا حاء نص يدل على التفريق كهذا الحديث الذي معنا، وإلا فإن الأصل أنه لا فرق بين الرجال والنساء في الأحكام. والأمثلة كثيرة على هذا، منها أمور خمسة جاء النص على أن النساء على النصف من الرجال فيها: فهن في الميراث على النصف، لقوله تعالى: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]. وكذلك الشهادة، لقوله عز وجل: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ [البقرة:282]. وكذلك الدية، فدية المرأة على النصف من دية الرجل. وكذلك العتق، لأن الرجل إذا أعتق عبداً كان فكاكه من النار، فإذا أعتق جاريتين كانتا فكاكه من النار. والخامسة العقيقة، فإن الغلام يعق عنه بشاتين والجارية يعق عنها بشاة واحدة، هذه من الأمور التي جاءت الشريعة فيها التفريق بين النساء والرجال، وجعلت المرأة على النصف من الرجل فيها. وأما الأحكام الأخرى التي يختلف فيها الرجال عن النساء فأمثلتها كثيرة، ومنها هذا المثال الذي معنا، وهو التسبيح والتصفيق في الصلاة، فإن المرأة تصفق والرجل يسبح، ومن ذلك الغسل من بول الجارية والرش من بول الغلام، ومن ذلك كون الإمام إذا صلى على جنازة المرأة فإنه يقف عند وسطها، وعند رأس الرجل، يعني: هناك مواضع عديدة جاءت السنة فيها بالتفريق بين الرجال والنساء في الأحكام، وعلى هذا فإن الأصل كما قلت هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا إذا وجدت نصوص تفرق، فإنه يصار إلى ذلك التفريق.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في التصفيق في الصلاة


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إذا جاء شخص غير منسوب بأن ذكر اسمه ولم يذكر نسبه يقال له: مهمل، وإذا جاء قتيبة يروي عن سفيان ، فالمراد به ابن عيينة ، وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري ، فالمراد به ابن عيينة ، وهنا يروي سفيان عن الزهري ، إذاً المراد به سفيان بن عيينة المكي ، وليس سفيان الثوري الذي مر ذكره في الأحاديث السابقة، و ابن عيينة متأخر عن الثوري في الوفاة، وإن كان متقدماً، لأنه يروي عن الزهري و الزهري من التابعين، وكانت وفاته سنة مائة وأربع وعشرين أو مائة وخمس وعشرين، و ابن عيينة توفي سنة مائة وثمان وتسعين، أو قريباً من ذلك، فقد طال عمره وأدرك الزهري وأكثر من الرواية عنه. [ عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ]. قد مر ذكر هؤلاء الثلاثة قريباً.

شرح حديثي سهل بن سعد في التصفيق في الصلاة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال: أتصلي بالناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة، فلما أكثر الناس التصفيق التفت، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال: يا أبا بكر ! ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ قال أبو بكر : ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لي رأيتكم أكثرتم من التصفيح؟ من نابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيح للنساء) قال أبو داود : وهذا في الفريضة. حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا حماد بن زيد عن أبي حازم عن سهل بن سعد أنه قال: (كان قتال بين بني عمرو بن عوف، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم ليصلح بينهم بعد الظهر، فقال لبلال : إن حضرت صلاة العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس، فلما حضرت العصر أذن بلال ثم أقام ثم أمر أبا بكر فتقدم، قال في آخره: إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفح النساء) ].. جاء في الترجمة: باب التصفيق في الصلاة، وتقدم في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)، وأورد أبو داود رحمه الله هنا حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه من طريقين، وهو يدل على ما ترجم له المصنف؛ لأنه جاء في آخره: (من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجل ولتصفق المرأة). وفيه أنه إذا حصل التسبيح التفت إليه، فدل هذا على أنه عند حصول أمر يستدعي تنبيه الإمام على شيء أنه يسبح له بالنسبة للرجال وتصفق النساء، وأن هذا من الأحكام التي يختلف فيها الرجال والنساء، حيث إن الرجال يسبحون في الصلاة والنساء تصفق، ولا يحصل العكس، بأن تسبح المرأة ويصفق الرجل، وإنما الأمر كما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، التسبيح للرجال والتصفيق للنساء. وأشرت في الحديث السابق إلى أن هذه من المسائل التي يختلف فيها الرجال والنساء، وقلت: إن الأصل في الأحكام التساوي بين الرجال والنساء، فالأحكام الثابتة للرجال تثبت للنساء، والأحكام الثابتة للنساء تثبت للرجال، إلا ما يكون من خصائص النساء ولا يكون للرجال به علاقة، وأنه قد جاءت نصوص تميز بين الرجال والنساء في الأحكام، ومنها هذا الموضع الذي معنا، فإنه جاءت السنة أن النساء تصفق وأن الرجال يسبحون، وهناك مسائل كثيرة هي من هذا القبيل وقد أشرت إلى جملة منها في الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى، حيث ذكرت هذه الفائدة، وذكرت ثماني عشرة مسألة كلها من المسائل التي يختلف فيها الحكم بين الرجال والنساء. ورقم الفائدة في الفوائد المنتقاة: (483).

فضل الصلح بين المسلمين

واشتمل حديث سهل بن سعد رضي الله عنه على عدة أحكام وعلى عدة فوائد، منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن بني عمرو بن عوف حصل بينهم خلاف وحصل بينهم تضارب واقتتال ذهب ليصلح بينهم، وهذا يدلنا على أهمية الصلح بين المسلمين، وذلك في العمل على ما يزيل الخلاف، ويحصل معه الوئام. وأيضاً يدل على أن الكبير ينبغي له أن يتولى ذلك بنفسه؛ وذلك لما يترتب عليه من قبول وساطته وصلحه بينهم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينب أحداً في ذلك، وإنما ذهب بنفسه صلى الله عليه وسلم.

استنابة إمام المسجد من يصلي بالناس عند غيابه في أول الوقت

وفي هذا الحديث أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال : (إذا حضرت الصلاة ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس) وهذا يدلنا على أن على إمام المسجد إذا أراد أن يتخلف أو حصل له شيء يشغله عن المجيء يجعل من ينوب عنه في ذلك. وفيه أيضاً دليل على الإتيان بالصلاة في أول وقتها، وذلك أن بلالاً أذن وأقام في أول الوقت، ولم ينتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على فضيلة الصلاة في أول وقتها، وعلى أنه ينبغي المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها، وقد جاء في الرواية الأولى، أن بلالاً استأذن أبا بكر ليقيم الصلاة، وفي الرواية الثانية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره إذا حان وقت الصلاة أن يقدم أبا بكر ، ولا تنافي بين ذلك، لأن الرواية الثانية فيها أن ذلك الإذن حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن بلالاً لما حان وقت الصلاة جاء إلى أبي بكر ليستأذنه في الإقامة، لا من أجل أنه يستأذنه هل يصلي أو لا يصلي، لأنه قد أمر بلالاً أن يأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، وهذا يدلنا على أن الإقامة حق للإمام، وليست للمؤذن، وأن الإمام هو الذي يأذن بذلك.

جواز أن يكون في الصلاة إمامان

في هذا الحديث جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دخل الناس في الصلاة وكانوا في أولها، فتخلص حتى وقف في الصف الأول، ودخل في الصلاة مأموماً خلف أبي بكر رضي الله عنه، فجعل الناس يصفقون لما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبو بكر رضي الله عنه كان لا يلتفت، ولكنه لما رأى كثرة التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام قد دخل في الصلاة، فأشار إليه أن امكث مكانك، إشارة بدون كلام، فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه إلى السماء، وحمد الله عز وجل على ذلك، يعني كون النبي صلى الله عليه وسلم أقره وأمره أن يبقى، ولكنه فهم أن هذا الأمر ليس للإيجاب ولا للإلزام، ولم ير من المصلحة أن يكون إماماً للرسول عليه الصلاة والسلام، فتأخر ومشى القهقرى حتى صار في الصف، ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصار هو الإمام، وهذا إنما كان في الركعة الأولى، وهو يدلنا على أمور، منها: أنه يمكن أن يكون في الصلاة إمامان، إمام في الأول يدخل في الصلاة، ثم يكون إمام بعد ذلك، كما حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان إماماً بعد إمامة أبي بكر ودخوله في الصلاة، فصار فيها إمامان: أبو بكر دخل في الصلاة حتى مضى شيء من الركعة الأولى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم وصلى بالناس أكثر الصلاة، فما حصل لأبي بكر إلا جزء يسير من أول الركعة الأولى، والباقي إنما هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

تغيير الإمام يكون في الركعة الأولى

وما جاء في هذا الحديث من كون النائب يدخل في الصلاة، فيدخل الإمام الأصلي بعد دخول ذلك النائب، فهذا فيما إذا كان في الركعة الأولى، أما بعد ذلك فإن الأولى أن يستمر النائب في الصلاة، وألا يدخل الإمام الأصلي في الصلاة وقد مضى بعض ركعاتها، وذلك كما ثبت أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، كان في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة من الغزوات؛ والرسول صلى الله عليه وسلم تأخر هو و المغيرة بن شعبة ، وجاء وقت صلاة الصبح، فتقدم عبد الرحمن بن عوف وصلى بالناس، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مضى ركعة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف وصلى بصلاة عبد الرحمن بن عوف ، ولما سلم عبد الرحمن بن عوف من الصلاة، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي الركعة التي فاتته، هو و المغيرة بن شعبة . وهذان الحديثان يدلان على التفريق بين هذين الأمرين في كون الإمام يدخل في الصلاة ويكون إماماً، وفي كونه يترك النائب الذي ناب عنه يتم الصلاة، ويقضي الإمام الأصلي ما فاته بعد سلام ذلك الإمام النائب. وفي هذا أيضاً دليل على أنه يمكن للإنسان في صلاته أن يتقدم ويتأخر لمصلحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم من الصف الأول إلى المكان الذي يصلي فيه الإمام، و أبو بكر تأخر من المكان الذي يصلي فيه الإمام إلى الصف الأول، فيجوز السير خطوات يسيرة لمصلحة كما حصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن أبي بكر رضي الله عنه، حيث رجع القهقرى وهو مستقبل القبلة.
جواز رفع المصلي يديه شكراً لله

في هذا الحديث أيضاً أن المصلي له أن يرفع يديه عند تجدد نعمة وهو في الصلاة ويحمد الله على ذلك؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه عندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يثبت مكانه؛ رفع يديه وقال: الحمد لله، أي: على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقره، وأراد منه أن يبقى وأن يستمر في صلاته.

جواز الإشارة في الصلاة للحاجة

في هذا الحديث دليل على أن الإشارة في الصلاة للحاجة والمصلحة لا بأس بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إليه أن اثبت مكانك، فسميت هذه الإشارة أمراً، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتكلم. وفيه أدب أبي بكر رضي الله عنه مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث لم يستمر ولم يصل بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه، بل تأخر، وهذا كما عرفنا إنما كان في أول الصلاة وليس في وسطها، وأما عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فقد كان في وسطها.

اعتبار الإشارة في الخطاب

لما صلى رسول الله عليه الصلاة والسلام بالناس وفرغ من صلاته قال لأبي بكر : (ما منعك أن تثبت في مكانك إذ أمرتك) هذا أمر بالإشارة وليس بالكلام، فهو يفيد بأن إشارة المصلي في صلاته معتبرة، وأنها تقوم مقام القول، ومثل ذلك الأخرس الذي لا يستطيع أن يتكلم، فإن إشارته المفهمة الدالة على مقصوده تكون معتبرة، فتقوم مقام الكلام، وكذلك من لا يحل له الكلام كمن يكون في صلاة، فإن الإشارة تقوم مقام الكلام. وفيه دليل على أن الإنسان إذا احتاج إلى الالتفات لأمر لا بد منه، فإن له أن يلتفت بلي عنقه دون أن ينصرف عن القبلة. قوله: (ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ قال: ما كان لابن أبي قحافة ... )، معناه أنه فهم أنه ليس هناك أحد أن يتقدم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الأمر ليس لازماً. ولما فرغ أبو بكر من الكلام وقال: (ما كان لأبي بكر ...)، سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه، ولم يقل كان لازماً عليك أن تفعل كذا وكذا، فدل هذا على أن فعل أبي بكر حسن، وأن هذا هو اللائق بمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان أبو بكر في أول الصلاة. قوله: (ما لي أراكم أكثرتم من التصفيح)، هو بالحاء، وهو بمعنى التصفيق؛ لأن التصفيق والتفصيح بمعنى واحد، فهو يأتي بالحاء ويأتي بالقاف، ومنهم من فرق بينهما بأن التصفيق هو ما يكون بضرب باطن اليد ببطن اليد، والتصفيح ما كان ببطن اليد على ظهر الأخرى، ولكن قد جاء في الحديث الذي مر ذكر التصفيق، فدل هذا على أن التصفيق والتصفيح بمعنى واحد. قوله: (من نابه شيء في صلاته فليسبح) معناه أن المشروع بدل التصفيق أن يكون هناك التسبيح، ويكون هذا في حق الرجال، وأما النساء، فهن صاحبات التصفيح أو التصفيق.

صفة الالتفات داخل الصلاة


قوله: (فإنه إذا سبح) أي المأموم وراء الإمام، (التفت إليه) يمكن أن يكون المقصود من ذلك حيث لا يكون هناك بد من الالتفات، وأما إن كان الأمر يفهم بدون التفات كما يحصل في السهو، وما إلى ذلك، فإنه لا يحتاج إلى التفات. ويمكن أن يكون الالتفات على معنى أعم، وهو أن يكون التفات بالعنق، حيث يحتاج الأمر إلى ذلك، وقد يكون المقصود به كونه ينتبه إلى تسبيحه، بمعنى أنه كان تنبيهاً على أمر من الأمور، حيث لا يحتاج إلى الالتفات بالعنق، فلا يلتفت بالعنق، وليس معناه أنه كلما حصل تسبيح التفت، وإنما يلتفت إذا كان الأمر يقتضي الالتفات كما حصل من أبي بكر رضي الله عنه. (وقد كان لا يلتفت في صلاته) ولكن حيث يحتاج إلى الالتفات يلتفت وإذا لم يحتج إلى الالتفات فإنه يدخل في المعنى الأعم، فيكون معناه انتبه إلى التسبيح وفهم المقصود منه، أو غير ذلك. (قال أبو داود : وهذا في الفريضة)، يعني: الأمر واضح أنه في الفريضة، لأنه جاء في الحديث أنه استأذن أبا بكر أن يقيم وهو في الفريضة، وقول أبي داود رحمه الله: وهذا في الفريضة معناه: فالنافلة من باب أولى أن يسوغ فيها ما ساغ في الفريضة.

تراجم رجال إسناد حديثي سهل في التصفيق في الصلاة


قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حازم بن دينار ]. هو سلمة بن دينار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل بن سعد الساعدي ] سهل بن سعد رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و سهل بن سعد الساعدي هذا كنيته: أبو العباس ، وقد قيل: إنه ليس في الصحابة من يكنى بأبي العباس سوى اثنين: وهما سهل بن سعد الساعدي ، و عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود ؛ لأن القعنبي يروي عن مالك ، و مالك يروي عن أبي حازم بن دينار و أبو حازم بن دينار يروي عن سهل بن سعد الساعدي ، فبين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، فهذا أعلى ما يكون عند أبي داود من الأسانيد؛ لأنه ليس عنده شيء من الثلاثيات، ليس عنده حديث بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثة أشخاص، وإنما أعلى ما عنده الرباعيات، وأما البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً في صحيحه، بين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص، و الترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، و ابن ماجة عنده خمسة أحاديث ثلاثية، كلها بإسناد واحد، وذلك الإسناد ضعيف لا تقوم به حجة، أما مسلم و أبو داود و النسائي فهؤلاء الثلاثة فأعلى ما عندهم الرباعيات، وليس عندهم شيء من الثلاثيات. قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حازم عن سهل بن سعد ]. وقد مر ذكرهما، وهذا مثل الذي قبله أيضاً رباعي. وهذا الإسناد الثاني رجاله كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة، بخلاف الإسناد الأول، فإن القعنبي لم يخرج له ابن ماجة . وبنو عمرو بن عوف هم جماعة كبيرة من الأوس وهم سكان قباء، وهم الذين نزل فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم أياماً لما قدم من مكة مهاجراً إلى المدينة، وبنى مسجد قباء وصلى فيه، ثم انتقل من قباء إلى مكان مسجده هذا صلى الله عليه وسلم فبناه. ولا أعلم أحداً شارك عبد الرحمن بن عوف في كونه كان إماماً للرسول صلى الله عليه وسلم في شيء من الصلاة، ولهذا لما جاء أبو نعيم في معرفة الصحابة إلى ترجمة عبد الرحمن بن عوف عبر بعبارة فقال: إمام المصطفى صلى الله عليه وسلم، يعني هو الذي صلى به إماماً ركعة واحدة من صلاة الصبح.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #227  
قديم 28-06-2024, 11:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,245
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

أثر عيسى بن أيوب في وصف التصفيق
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد عن عيسى بن أيوب قال: قوله: (التصفيح للنساء) تضرب بإصبعين من يمينها على كفها اليسرى ]. أورد أبو داود بعد ذكر الحديثين أثراً عن عيسى بن أيوب يصف التصفيق في حق النساء، وأنها تضرب بإصبعين من يمينها على الكف الأخرى، ولعل ذلك من أجل ألا يحصل قوة التصفيق، كما لو ضربت بالكف على الكف، والمقصود من ذلك أن يحصل التنبيه، وإذا حصل التنبيه بأمر أخف فإن ذلك يكون كافياً ويكون مغنياً عما هو أكبر منه. وهذا يسمونه في علم المصطلح المقطوع، وهو أن ينتهي الإسناد إلى التابعي أو من دون التابعي، وهو غير المنقطع؛ لأن الانقطاع هو السقوط في الإسناد، فالمقطوع من صفات المتن، والمنقطع من صفات الإسناد، أما الذي ينتهي إلى الصحابي فيقال له: موقوف، والذي ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع، فهذا الأثر الذي معنا يقال له: مقطوع، لأنه ينتهي إلى عيسى بن أيوب وهو الذي وصف هذا التصفيق أو التصفيح الذي يكون للنساء.

تراجم رجال إسناد أثر عيسى بن أيوب في وصف التصفيق


قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. هو محمود بن خالد الدمشقي وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عيسى بن أيوب ]. وهو صدوق أخرج له أبو داود وحده.

ما جاء في الإشارة في الصلاة



شرح حديث: (أن النبي كان يشير في الصلاة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإشارة في الصلاة. حدثنا أحمد بن محمد بن شبويه المروزي و محمد بن رافع قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أنس بن مالك : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلا) ]. أورد أبو داود رحمه الله الإشارة في الصلاة، وهي أن يشير الإنسان بيده لأمر من الأمور، والإشارة إذا كانت لحاجة فقد جاءت بها السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما إذا كانت لغير حاجة فلا تسوغ، وجاء أنه صلى الله عليه وسلم إذا سلم عليه وهو في الصلاة رد بالإشارة، ومر بنا قريباً حديث سهل بن سعد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار لأبي بكر أن يمكث مكانه.


تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يشير في الصلاة)

قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن شبويه المروزي ]. أحمد بن محمد بن شبويه المروزي ثقة، أخرج له أبو داود وحده. [ و محمد بن رافع ]. هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ قال: حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ] أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهذا الحديث فيه الزهري وهو من صغار التابعين، يروي عن أنس بن مالك وهو من صغار الصحابة، وقد عمر حتى أدركه صغار التابعين، ومنهم الزهري الذي يروي عنه هنا.

شرح حديث النهي عن الإشارة في الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن سعيد حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة بن الأخنس عن أبي غطفان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التسبيح للرجال يعني في الصلاة والتصفيق للنساء، من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد لها) يعني: الصلاة. قال أبو داود : هذا الحديث وهم ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد لها) معناه: أنه يعيد الصلاة وأنه يستأنفها، وهذا يحمل على ما إذا كان لغير حاجة، أما إذا كان لحاجة فقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. والحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو متكلم في روايته، وفيه أيضاً أن أبا داود رحمه الله قال: هذا وهم.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن الإشارة في الصلاة


قوله: [ حدثنا عبد الله بن سعيد ]. عبد الله بن سعيد هو أبو سعيد الأشج وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يونس بن بكير ]. وهو صدوق يخطئ أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني وهو صدوق يدلس، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن، وهو هنا يروي بالعنعنة، والمدلس إذا روى بالعنعنة ولم يأت ما يقوي روايته، فإنه لا يثبت الحديث في ذلك. [ عن يعقوب بن عتبة بن الأخنس ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي غطفان ]. قيل: اسمه سعد بن طريف أو سعد بن مالك المري المدني ، ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . وبعض العلماء تكلم في أبي غطفان لكن وثق، و الحافظ في التقريب ممن وثقه، وحديث محمد بن إسحاق حسناً إذا سلم من التدليس، وهو هنا قد روى بالعنعنة. وفيه أيضاً يونس بن بكير صدوق يخطئ، وقول أبي داود : (هذا وهم)، لا أدري ما مقصوده بذلك؛ لكن من حيث الإسناد فيه من هو صدوق يخطئ، وفيه من هو مدلس، وقد روى بالعنعنة.

ما جاء في مسح الحصى في الصلاة



شرح حديث النهي عن مسح الحصى في الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في مسح الحصى في الصلاة. حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي الأحوص شيخ من أهل المدينة، أنه سمع أبا ذر يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي مسح الحصى في الصلاة، والمقصود بمسحه تسويته حتى يسجد عليه، وذلك إذا كان مكان السجود فيه حصى، ويكون فيه شيء من الارتفاع والانخفاض. والحكم أنه يمسح مرة واحدة ولا يكرر المسح؛ لأن المقصود تسوية المكان الذي يسجد فيه، فإذا كان هناك أمر يدعو إلى ذلك فمرة واحدة كما سيأتي في الحديث الثاني. وأما إذا كان لغير حاجة فلا يفعل الإنسان ذلك، بل يسجد دون أن يمسح. قوله: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فإن الرحمة توجهه فلا يمسح الحصى) هذا يدل على أن الحصى لا يمسح أبداً في الصلاة؛ لأن فيه مواجهة الرحمة للإنسان إذا ترك الحصى على ما هو عليه، لكن الحديث غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثابت هو الحديث الذي بعد هذا، وهو أنه إذا كان ولا بد فمرة واحدة من أجل ألا يشوش الحصى على الإنسان في صلاته بأن يكون تحت جبهته. فإذاً: هذا الحديث الذي فيه أن الرحمة تواجهه غير ثابت؛ وذلك لوجود أحد رواته هو سبب تضعيف الحديث وعدم الاحتجاج به.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن مسح الحصى في الصلاة


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. قد مر ذكره. [ عن أبي الأحوص ]. هو شيخ من أهل المدينة، وهو أبو الأحوص الذي سبق وأن مر بنا قريباً يروي عن أبي ذر ويروي عنه الزهري وذلك في حديث (لا يزال الله مقبلاً على العبد ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه) فإن ذلك الذي في الإسناد هو هذا الذي في هذا الإسناد، وهو أبو الأحوص قال هنا: شيخ من أهل المدينة، وقال هناك، مولى بني ليث، وهو لا يروي عنه إلا الزهري ، وقد قيل: إنه مجهول؛ لأنه لم يرو عنه إلا واحد، وقال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، وقد أخرج له أصحاب السنن. [ أنه سمع أبا ذر ]. هو جندب بن جنادة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث جواز مسح الحصى مرة في الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ جدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن معيقيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمسح وأنت تصلي، فإن كنت لابد فاعلاً فواحدة، تسوية الحصى) ]. أورد أبو داود حديث معيقيب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمسح وأنت تصلي، فإن كنت ولا بد فاعلاً فواحدة، تسوية الحصى) يعني: من أجل تسوية الحصى، وسواء كان ذلك قبل الصلاة أو في الصلاة، يمكن للإنسان أن يسوي المكان قبل أن يدخل في الصلاة حتى لا يحتاج إلى التسوية في الصلاة، إذا كانت الأرض فيها انخفاض وارتفاع بسبب الحصى، وإن دخل وهو لم يسو فله أن يسويها مرة واحدة، ولا يكرر ذلك، والمعنى أن هذا الفعل يكون للحاجة، ويكون مرة واحدة؛ لأنه إذا سوي في المرة الأولى بقيت الأرض متساوية على ما هي عليه، فلا يكرر تسويتها في كل ركعة، وإنما يسوي في الركعة الأولى، وهذا هو الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن فيه مصلحة، لأن الأرض إذا كان فيها انخفاض وارتفاع تجعل الرأس يميل إذا سجد عليها بسبب الحصاة الناتئة، فكونه يسوي الحصى عند الحاجة لا بأس بذلك، كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث جواز مسح الحصى مرة في الصلاة


قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن معيقيب ]. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث مسلسل بالرواة الذين خرج لهم أصحاب الكتب الستة.

ما جاء في الرجل يصلي مختصراً


شرح حديث: (نهى رسول الله عن الاختصار في الصلاة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يصلي مختصراً. حدثنا يعقوب بن كعب حدثنا محمد بن سلمة ، عن هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختصار في الصلاة). قال أبو داود : يعني: يضع يده على خاصرته ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي (باب الرجل يصلي مختصراً). يعني: أن الاختصار لا يسوغ، لكن ما المراد بالاختصار؟ سبق لأبي داود رحمه الله أن عقد الترجمة فقال: (باب التخصر والإقعاء في الصلاة)، وأورد حديث عبد الله بن عمر الذي فيه أن رجلاً صلى بجواره ووضع يده على خاصرته، فنهاه عبد الله بن عمر فقال: هذا هو الصلب في الصلاة، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهناك أتى في الترجمة بالتخصر، وجاء التنصيص على كون الفعل وضع يده على خاصرته في الصلاة، ولكن هنا قال: (باب الاختصار في الصلاة)، وهناك أورد حديث ابن عمر وهنا أورد حديث أبي هريرة ، والمعنى واحد من حيث إن الاختصار هو وضع اليد على الخاصرة، ولكن لماذا أعاد هنا الترجمة؟ قال: لأن في الحديث احتمالات، قالها بعض أهل العلم في تفسير الاختصار، أما ذاك فليس فيه احتمالات، لأنه هناك وضع يده على خاصرته فنهاه، وأما هنا فقال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختصار في الصلاة). إذاً: الاختصار الذي جاء في حديث أبي هريرة أورد بعض أهل العلم احتمالات غير احتمالات وضع اليد على الخاصرة، فمنهم من قال: يعتمد على مخصرة وهي العصا، فلما كان هناك احتمالات أتى بهذا الحديث في هذا الباب، وفسره أبو داود بأنه وضع اليد على الخاصرة، وعقبه بالباب الذي فيه الاعتماد على العصا، فلما كان فيه احتمال أن يكون المراد بالاختصار الاعتماد على مخصرة في الصلاة. فإذاً: قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختصار في الصلاة)، معناه، أن يضع يده على خاصرته، ويكون مثل حديث ابن عمر الذي سبق أن مر في باب التخصر في الصلاة، ولعل هذا هو السبب الذي جعل أبا داود رحمة الله عليه يعقد هذه الترجمة مع أن تلك الترجمة السابقة تشابهها؛ ليبين أن احتمال غير وضع اليد على الخاصرة غير صحيح.

تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن الاختصار في الصلاة)

قوله: [ حدثنا يعقوب بن كعب ]. يعقوب بن كعب ثقة، وحديثه أخرجه أبو داود وحده. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الباهلي الحراني وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن، ومحمد بن سلمة إذا جاء في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود ، فالمراد به الباهلي الحراني ، وإذا جاء في طبقة شيوخ أبي داود فالمراد به المرادي المصري ، فمحمد بن سلمة المرادي المصري هذا شيخ أبي داود ، ومحمد بن سلمة الباهلي الحراني و أبو داود لم يدركه ولم يرو عنه إلا بواسطة، فبهذا يميز بين المصري و الحراني . [ عن هشام ]. هو هشام بن حسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن سيرين ]. محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، عن أبي هريرة وقد مر ذكره.

الأسئلة



حكم تصفيق النساء خارج الصلاة


السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (التصفيق للنساء) هل هو خاص بالصلاة، أم يعم خارجها؟


الجواب: حتى في خارج الصلاة، فالمرأة عندما تريد أن تنبه بشيء لا تسبح، كما لو طرق الباب أحد أو استأذن، فإنها لا تسبح ولكنها تصفق.


حكم التصفيق للرجال خارج الصلاة


السؤال: ما حكم استعمال الرجال التصفيق للتشجيع أو التهييج؟


الجواب: لم تأت بذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يكون عند ظهور أمر مستحسن أو أمر طيب هو التكبير وليس التصفيق، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا حصل شيء يعجبهم يكبرون، كما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: (أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، قالوا: الله أكبر)، وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أشيع أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه فجاء مغضباً، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة قد اعتزل نساءه، فجاء إليه وقال: (يا رسول الله! أطلقت نساءك؟ قال: لا، فقال عمر : الله أكبر الله أكبر) يعني: هذا شيء طيب وشيء حسن، فما صفق، وإنما قال: الله أكبر. فالسنة عند الأمور المستحسنة وعند ذكر الأمور التي تعجب أن يكبر الإنسان ولا يصفق.


حكم دخول الحائض المسجد

السؤال: هل يجوز دخول الحائض المسجد؟


الجواب: الحائض تعتزل المصلى وتعتزل المساجد، وقد جاء في صلاة العيدين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض والعواتق وذوات الخدور أن يشهدن الصلاة، وقال: ويعتزل الحيض المصلى) فالحائض لا تدخل المسجد ولا تجلس فيه، ولكن إذا حصل اضطرار إلى مرور أو ما إلى ذلك مع أمن التلويث فلها ذلك، أما أن تدخل المسجد وتبقى فيه، فليس لها ذلك.


من اكتوى أو استرقى خرج من السبعين ألفاً

السؤال: إنسان ابتلي بمرض، فطلب الرقية واكتوى، وهو في حالة اضطرار، فهل يخرج من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب؟


الجواب: الحديث واضح بأن السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، وهو إذا حصل له ذلك الشيء الذي ليس فيه صفات أولئك السبعين ألفاً، فعليه أن يجتهد في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا حصل له دخول الجنة فهو على خير وإن لم يكن مع السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب.


حكم تسمية المساجد بأسماء الأشخاص

السؤال: يوجد في بلدنا مسجد مسمى بيزيد بن أبي سفيان ، فهل تجوز تسمية هذا المسجد بهذا الاسم؟


الجواب: تسمية المساجد بأسماء الأشخاص لم يأت فيها شيء يدل على الثبوت ولا على المنع، والأمر في ذلك واسع."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #228  
قديم 04-08-2024, 08:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,245
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [120]
الحلقة (151)





شرح سنن أبي داود [120]

ورد في بعض الأحاديث الشريفة جواز اعتماد المصلي على عصا إذا احتاج إلى ذلك، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الكلام في الصلاة، وورد أنه يسوغ للمصلي أن يصلي قاعداً في الفرض إن عجز عن القيام، وأن يصلي مضطجعاً إن عجز عن القعود، ويجوز لكل متنفل أن يصلي قاعداً، لكن أجره على النصف من أجر القائم.

الرجل يعتمد في الصلاة على عصا


شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يعتمد في الصلاة عصا. حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي حدثنا أبي عن شيبان عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف قال: قدمت الرقة، فقال لي بعض أصحابي: هل لك في رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: غنيمة، فدفعنا إلى وابصة قلت لصاحبي: نبدأ فننظر إلى دله فإذا عليه قلنسوة لاطئة ذات أذنين وبرنس خز أغبر، وإذا هو معتمد على عصا في صلاته، فقلنا له بعد أن سلمنا، فقال: حدثتني أم قيس بنت محصن (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم، اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه) ].
كلمة عن موت الشيخ الألباني رحمه الله تعالى

رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بموت العلماء) . هذا الحديث الشريف يدلنا على أهمية العلم، وعلى عظم شأن العلماء، وأن فقدهم وذهابهم إنما هو قبض للعلم، وأن الله عز وجل لا يقبض العلم من قلوب الرجال بحيث يكون الإنسان عنده علم ثم يصبح وليس عنده علم، وإنما يقبض العلم بموت العلماء، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر). هذا هو شأن العلماء وهذه هي منزلتهم، حيث وصفهم النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنهم وُرّاث الأنبياء، ونعم الميراث ذلك الميراث، ألا وهو العلم الشرعي النافع المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو العلم الحقيقي الذي هو علم الكتاب والسنة. وإن قبض العلماء -كما جاء في كلام بعض أهل العلم- ثلمة في الدين، ونقص للمسلمين، وإن مما حصل في الليلة الماضية أنه قد توفي العالم الكبير والمحدث الشهير العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله وغفر له، وهو في الحقيقة عالم كبير، ومحدث مشهور، وله جهود عظيمة في خدمة السنة، وفي العناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان مصادر تلك الأحاديث، والكتب التي ذكرتها، وبيان درجتها من الصحة والضعف، ومن ذلك هذا الكتاب الذي نشرحه وهو سنن أبي داود ، فإن له فيه وفي غيره جهوداً، حيث اعتنى بذكر ما صح وما ضعف، فجهوده عظيمة، وخدمته للسنة مشهورة، ولا يستغني طلبة العلم عن الرجوع إلى كتبه وإلى مؤلفاته، فإن فيها الخير الكثير وفيها العلم الغزير، وإن ذهاب مثل هذا العالم نقص على المسلمين ومصيبة، ونسأل الله عز وجل أن يعوض المسلمين خيراً، وأن يوفق المسلمين لما فيه الخير، وأن يوفق طلبة العلم للعناية بتحصيله وطبله ومعرفته، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم. وهو رحمة الله عليه وإن كان له بعض الآراء التي نعتبره قد أخطأ فيها، ولكنها مغمورة في بحور صوابه، وفيما حصل على يديه من الخير والنفع للمسلمين من خدمة سنة المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذه الأمور التي حصلت منه -والتي نعتبرها أخطاء- هو مجتهد فيها، وهو مأجور على اجتهاده، ولكن ذلك لا يجعل الإنسان يتساهل أو يتهاون في علمه الكثير الغزير، وفي نفعه العظيم العميم، فإنه بحق من العلماء الأفذاذ الذين اشتهروا في هذا العصر، والذين لهم جهود في خدمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي بداية النصف الأول من هذا العام -الذي هو عام عشرين بعد الأربعمائة والألف- فقد المسلمون فيه عالماً كبيراً من العلماء الربانيين، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، وهو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، وتوفي في آخر النصف الأول أيضاً من هذا العام العالم الكبير والمحدث المشهور: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله عز وجل، وقد توفي بينهما الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله الذي كان يدرس على هذا الكرسي، فهؤلاء علماء قد فقدناهم في النصف الأول من هذا العام، فنسأل الله عز وجل أن يغفر للجميع وأن يتجاوز عنهم، وأن يرفع درجاتهم، فإن هذين العالمين -فيما نحسب- من العلماء الكبار الجهابذة المحققين الذين عندهم العناية الفائقة بالعلم، وعندهم الهمة العالية، وقد حصل على أيديهم الخير الكثير، والنفع العظيم للإسلام والمسلمين، فجزاهم الله عز وجل أحسن الجزاء، وغفر لهم وتجاوز عن سيئاتهم، وختم لنا جميعاً بخاتمة السعادة، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم. قوله: [باب الرجل يعتمد في الصلاة على العصا]. يعني: هل له ذلك أو ليس له ذلك؟ فالمصلي إذا كان محتاجاً إلى أن يستعمل العصا وأن يعتمد عليها في قيامه فله ذلك، وقد جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أنهم كانوا يفعلون ذلك، وجاء في ذلك هذا الحديث الذي أورده أبو داود في هذا الباب، ولكنه حديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممن ضعفه العالم المحدث الذي توفي في الليلة الماضية: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله . ومقتضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، لكن هذا لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق؛ لأن فيه من هو ضعيف، ولا يعول على حديثه ولا يحتج به. ولكن قد جاء عن بعض الصحابة أنهم كانوا يفعلون ذلك في صلاة التراويح، ومن المعلوم أن القيام في الصلاة من أركان الصلاة وإذا كان الإنسان يقدر على أن يقوم، ولكنه إذا كان يحتاج إلى أن يعتمد على عصا فله ذلك، وقد جاء ذلك عن بعض الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكان سبب الحديث أن أحد رواته جاء إلى مكان يقال له: الرقة، -وهي بلد معروف- فقيل له: هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني: هل لك رغبة في أن تلتقي برجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا يدلنا على أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم لما كانوا موجودين في زمن التابعين، كان التابعون يعتبرون الالتقاء بهم من أجل المكاسب ومن أعظم الغنائم، وكانوا يحرصون على أن يلقوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة هم الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي يلقاهم ينظر إلى العيون التي نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن عيون الصحابة رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان التابعون هم الذين يرون الصحابة، وقرن التابعين يلي قرن الصحابة في الفضل. فهذا التابعي لما قيل له: [ هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ] كان جوابه عظيماً: [ قلت: نعم، غنيمة ] يعني: رؤيته ولقيه غنيمة. وهذا يدلنا على عظم منزلة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولهذا فرح هذا الرجل بذلك، وسُر به؛ لأنه عرض عليه أن يحصل على غنيمة كبيرة وعلى نعمة عظيمة، ألا وهي رؤية رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: [ فذهبنا إلى وابصة ] وهو وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا وهم ذاهبون إليه: [ ننظر أولاً إلى دله ] يعني: هيئته ولباسه والكيفية التي يكون عليها، قال: [ فذهبنا إليه ] وهذا يدلنا على أن التابعين يحرصون على أن يعرفوا هيئة الصحابة، وعلى دل الصحابة، وهيئة اللبس التي يكون عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قال: [ فوجدنا عليه قلنسوة لاطئة ] يعني: ملتصقة برأسه [ لها أذانان، وعليه برنس خز، لونه أغبر ] والخز هو لباس من الصوف، والبرنس هو الذي يكون رأسه مرتبط به، فما يغطى به الرأس يكون ملتصقاً بالقميص من الخلف، بحيث ينزع عن الرأس ويعاد على الرأس، ولون ذلك البرنس أغبر كلون التراب. فجاءوا إليه ووجدوه يصلي، فلما سلموا قالوا له في ذلك فروي عن أم قيس بنت محصن الأسدية الحديث الذي ذكره أبو داود ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم، اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكن الحديث كما عرفنا غير صحيح، وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيام هو ركن من أركان الصلاة، ولا يجوز للإنسان أن يصلي جالساً مع قدرته على القيام، وإذا كان يقدر وليس عليه مشقة في أن يقوم -ولو كان معتمدا ًعلى عصا- فإن هذا هو الذي ينبغي له، وبعض أهل العلم يقول: يصلي جالساً، ولكن الأولى والأحوط في الدين أن يقوم الإنسان ما دام قادراً على القيام، حتى ولو كان معتمداً على عصا؛ لأن في ذلك أخذاً بالأحوط، واطمئناناً إلى كون الإنسان يؤدي ما عليه بارتياح وطمأنينة.
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله لما أسن وحمل اللحم اتخذ عموداً ..)

قوله: [ حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي ]. وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم في المقدمة و أبو داود . [ عن أبيه ]. هو عبد الرحمن بن صخر الوابصي، وهو مجهول، أخرج له أبو داود وحده. [ عن شيبان ]. هو ابن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حصين بن عبد الرحمن ]. هو حصين بن عبد الرحمن السلمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن يساف ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن وابصة ]. هو وابصة بن معبد رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أم قيس بنت محصن الأسدية ]. وهي أخت عكاشة بن محصن الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، حيث جاء في آخره أن عكاشة بن محصن قال: (يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة). وأم قيس صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
ما جاء في النهي عن الكلام في الصلاة


شرح حديث النهي عن الكلام في الصلاة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن الكلام في الصلاة. حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه قال: (كان أحدنا يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة فنزلت: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام) ]. أورد أبو داود رحمه الله النهي عن الكلام في الصلاة، وقد سبق أن مر بنا قريباً حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه الذي شمت رجلاً وهو يصلي، وأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم نظروا إليه، فتعجب من نظرهم إليه، وأنه رآهم يسكتونه فسكت، ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال عليه الصلاة والسلام: (إن الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتحميد وذكر الله عز وجل)، فكانوا قبل ذلك يتكلمون في صلاتهم. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أنهم قبل أن ينزل قول الله عز وجل: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] كان الرجل يكلم الرجل إلى جنبه في الصلاة، وقد جاء في بعض الأحاديث أن الرجل يطلب حاجته ويقول: ائتني بكذا واذهب بكذا واعمل كذا، وكانوا في الصلاة، وهذا مثلما يكون في الطواف فالطواف مثل الصلاة يحتاج إلى طهارة ولكن أبيح فيه الكلام. قوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، أي: ساكتين، والقنوت يأتي لمعان عديدة ومنها السكوت، والمقصود هنا أنهم يكونون ساكتين في صلاتهم لا متكلمين، وإنما يتكلمون بذكر الله عز وجل وقراءة القرآن والتسبيح وما إلى ذلك من الأمور المطلوبة، ولهذا فإن العاطس إذا عطس يحمد الله؛ لأن حمد الله ذكر لله عز وجل، ولكن المشمت لا يشمت لأن التشميت خطاب، حيث يقول: يرحمك الله، فهو يخاطب شخصاً، والذي يقول: الحمد لله، لا يخاطب أحداً، وإنما يذكر الله عز وجل، فيجوز للعاطس أن يحمد الله عز وجل ويكون ذلك سراً، ومن سمعه ليس له أن يشمته؛ لأن التشميت كلام، والكلام ممنوع في الصلاة. وعلى هذا فإن الكلام كان سائغاً في الصلاة وبعد أن نزل قول الله عز وجل وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] قال زيد رضي الله عنه: (أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام). وإذا كان هناك أمر فإنه يكون بالإشارة كما تقدم في باب الإشارة في الصلاة. وعلى هذا فإن الكلام في الصلاة لا يسوغ ولا يجوز وإنما يكون فيها قراءة القرآن وذكر الله عز وجل وحمده والثناء عليه وغير ذلك مما ورد في الصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن الكلام في الصلاة


قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى هو الطباع ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن أبي خالد ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحارث بن شبيل ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن أبي عمرو الشيباني ]. واسمه سعد بن إياس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أرقم ]. زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ أمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ]. إذا قال الصحابة: (أمرنا ونهينا) فإن الآمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والناهي لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه إذا قال أمرت ونهيت فإن الآمر له هو الله سبحانه وتعالى، كما مر في الحديث (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم.). ولكن في هذه الآية الكريمة: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] أمر من الله عز وجل لعباده المؤمنين في الوحي الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم في كتابه الذي يتلى، حيث أمروا بالقيام قانتين، أي: ساكتين غير متكلمين. ولهذا قال الصحابي الجليل: [ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ].
ما جاء في صلاة القاعد


شرح حديث: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صلاة القاعد. حدثنا محمد بن قدامة بن أعين قال: حدثنا جرير عن منصور عن هلال -يعني ابن يساف - عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: (حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة، فأتيته فوجدته يصلي جالساً، فوضعت يدي على رأسي فقلت فقال: مالك يا عبد الله بن عمرو قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة وأنت تصلي قاعداً، قال: أجل، ولكني لست كأحد منكم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب صلاة القاعد، وهي إما أن تكون في فرض وإما أن تكون في نفل، فالفرض لا يجوز للإنسان أن يصليه قاعداً إلا إذا عجز عن القيام: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وإذا لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جنبه وهو نائم على فراشه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وسيأتي حديث عمران بن الحصين في ذلك. وإذا صلى المريض جالساً وهو لا يستطيع أن يصلي قائماً فإن أجره لا ينقص عن حال صحته وعافيته؛ لأنه لم يصل جالساً إلا بسبب المرض والعذر الذي أقعده، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، وهو الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله وهو صحيح مقيم). والحديث أورده البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد، وهو حديث واضح الدلالة على أن المريض الذي يصلي الفرض قاعداً له الأجر كاملاً. أما بالنسبة للنافلة فإذا كان الإنسان يصلي النافلة وهو عاجز فله الأجر كاملاً، أما إذا كان يصلي النافلة وهو قادر على أن يقوم فإنه يجوز له ذلك، ولكن أجره على النصف من أجر القائم، وقد جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه هذا الذي أورده أبو داود في سننه قال: حُدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة) يعني: له نصف الأجر، وهذا إنما هو في النافلة. وقوله: [ حُدثت ]. إذا قالب: الصحابي (حدثت) فالذي يحدثه بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يسمى مرسل صحابي، وهو أن يروي الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يسمعه منه، ومراسيل الصحابة حجة. وقد ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده يصلي قاعداً، فوضع يده على رأسه متعجباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم له الأجر الكامل وله الأجر العظيم، فكيف يصلي جالساً مع أن أجر من يصلي جالساً على النصف من أجر الذي يصلي قائماً، فقال: ( مالك يا عبد الله بن عمرو ) أي: مالك وضعت يدك على رأسك للتعجب؟ فقال: إني حُدثت أنك قلت كذا، وإني رأيتك تصلي قاعداً، قال: (نعم، ولكني لست كأحد منكم) فهذا يدلنا على أن من قدر على القيام وصلى جالساً في النوافل فإن صلاته صحيحة وله أجر نصف القائم في الصلاة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون له الأجر كاملاً كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #229  
قديم 04-08-2024, 08:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,245
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


تراجم رجال إسناد حديث: (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة)

قوله: [ حدثنا محمد بن قدامة بن أعين ]. هو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة ]. [ عن جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال يعني ابن يساف ]. وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي يحيى ]. وهو الأعرج ، واسمه مصدع وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة الذين هم عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير ، وهم من صغار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وهؤلاء الأربعة صحابة أبناء صحابة.

شرح حديث جواز التنفل قائماً وقاعداً ومضطجعاً


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً فقال: (صلاته قائماً أفضل من صلاته قاعداً، وصلاته قاعداً على النصف من صلاته قائماً، وصلاته نائماً على النصف من صلاته قاعداً) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً فقال: (صلاته قائماً أفضل من صلاته قاعداً..) وهذا إنما هو في النوافل، وأما الفرائض فليس فيها مفاضلة بل القيام لازم لابد منه في حق القادر عليه. فهو يدلنا على جواز الصلاة في النافلة جالساً ولكن الصلاة قائماً تكون أفضل؛ لأن فيها تحصيل الأجر الكامل، وأنه إذا صلى جالساً فهو على النصف من صلاة القائم، أي أن له نصف أجر صلاة القائم. ثم قال: (وصلاته نائماً على النصف من صلاته قاعداً) أي: أنه على الربع بالنسبة للصلاة قائماً. وهذا الحديث يدل على أن للإنسان أن يتنفل وهو مضطجع على فراشه، وقد قال بذلك بعض أهل العلم، وبعض أهل العلم لم يقل به. ولكن الأولى والخير للإنسان والأكمل له أن يعمد وأن يقصد إلى ما هو الأتم والأفضل والأكمل، ألا وهو الصلاة قائماً حتى يحصل على الأجر كاملاً.

تراجم رجال إسناد حديث جواز التنفل قائماً وقاعداً ومضطجعاً

قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو ابن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي. [ عن يحيى ]. هو ابن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حسين المعلم ]. هو ابن ذكوان المعلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمران بن حصين ]. وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو نجيد ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث عمران بن حصين في صلاة المريض

قال المصنف رحمه اللهتعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان عن حسين المعلم عن ابن بريدة عن عمران بن حصين قال: كان بي الناصور، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) ]. أورد أبو داود حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه وهو يتعلق بصلاة الفريضة؛ لأنها لابد فيها من القيام في حق من يقدر عليه، وليس له أن يصلي قاعداً، ولابد من القعود في حق من يقدر عليه ولا يقدر على القيام، وليس له أن يصلي على جنبه إذا كان يقدر على أن يصلي جالساً، فكما يروي عمران بن الحصين أنه كان به الناصور، وفي بعض الروايات (البواسير) وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب). يعني: لا ينتقل من القيام إلى الجلوس إلا عند عدم استطاعته على القيام، ولا ينتقل من الجلوس إلى أن يصلي على جنبه إلا إذا كان لا يستطيع أن يجلس، وهذا من فضل الله عز وجل وتيسيره في شرعه، حيث إنه شرع للناس ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه). فالأمر قيد بالاستطاعة والنهي لم يقيد باستطاعة؛ لأن النهي مستطاع مطلقاً، والأمر قد يستطاع وقد لا يستطاع؛ لأن فيه تكليفاً و لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]. فإذا قال قائل: احمل هذه الصخرة، فهذا أمر، والصخرة قد يستطيع الإنسان حملها وقد لا يستطيع، لكن إذا قيل: لا تدخل من هذا الباب فإنه يستطيع ألا يدخل؛ لأنه ترك فلا يقال إنه لا يستطيعه.

تراجم رجال إسناد حديث عمران بن حصين في صلاة المريض

قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. هو صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن طهمان ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حسين المعلم عن ابن بريدة عن عمران بن حصين ]. وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
كيفية صلاة القاعد

الحديث هنا مطلق في كيفية القعود، قال بعض أهل العلم: ولكون الحديث مطلقاً لم يقيد فإن للإنسان أن يصلي متربعاً وهو جالس، وله أن يجلس مفترشاً ومتوركاً. ومن المعلوم أنه في حالة الجلوس بين السجدتين وفي التشهد يكون على هيئة ذلك في حق الذي يصلي قائماً، بحيث يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى إذا كان في التشهد الأول، ويتورك إذا كان في التشهد في الثاني. وفي المسألة خلاف، فقال بعض العلماء: يصلي متربعاً، ومنهم من قال: يصلي متوركاً، ومنهم من قال: يصلي مفترشاً، والحديث مطلق وليس فيه بيان كيفية القعود، فقال بعض أهل العلم: إن الأمر في ذلك واسع، وقد جاء عن عائشة أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً والعلماء إنما اختلفوا في الأفضل، هل الأفضل أن يصلي متربعاً أو يصلي مفترشاً أو يصلي متوركاً. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه صلى متوركاً، أورد ذلك الحديث الحافظ في (بلوغ المرام) وعزاه إلى النسائي وقال: صححه ابن خزيمة ، أن عائشة رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً، وذكر في الرواية أن حالة الجلوس للتشهد وبين السجدتين تختلف عن حالة القيام، ولكن بعض أهل العلم قال: إطلاق الحديث يدل على أن الأمر في ذلك واسع. وقد يقال: أيهما أفضل: أن يصلي المريض قاعداً على كرسي أو على الأرض؟ والجواب: أن الأمر في ذلك واسع؛ لأن بعض الناس قد يسهل عليه أن يجلس على الكرسي، إذ قد يكون من مرضه أنه لا يقدر على ثني رجليه، فإذا كان يشق عليه الجلوس على الأرض صلى جالساً على كرسي، وإذا كان يستطيع القيام ولكنه لا يستطيع السجود صلى وهو قائم، وإذا جاء إلى حالة السجود يجلس على كرسي أو يجلس على الأرض.
شرح حديث عائشة في الجلوس في صلاة النفل

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة أنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في شيء من صلاة الليل جالساً قط، حتى دخل في السن فكان يجلس فيها فيقرأ، حتى إذا بقي أربعون أو ثلاثون آية قام فقرأها ثم سجد) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها ما رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل جالساً قط، ومعناه أنه كان يصلي الليل قائماً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقد مر بنا أن صلاة القائم أفضل من صلاة القاعد، وكون الإنسان يحصل الأجر الأكمل مع قدرته عليه هو الذي ينبغي، ولكن لما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أسن كان عليه الصلاة والسلام يصلي وهو قاعد ويقرأ ما يقرأ من القرآن قاعداً، وإذا بقي مقدار ثلاثين آية أو أربعين آية قام وقرأها وهو قائم، ثم ركع وسجد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يدلنا على أن مثل هذه الحالة سائغة وأن الإنسان له أن يصلي بعض الركعة وهو قائم وبعضها وهو جالس، وله أن يبدأ الصلاة جالساً ثم يقوم، وله أن يبدأ الصلاة قائماً ثم يجلس.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الجلوس في صلاة النفل

قوله: [ حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ]. هو المصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي لقبه الإمام أحمد بشيخ الإسلام. [ عن زهير ]. هو ابن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير ، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، هي الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث صلاة النبي قائماً وقاعداً في صلاة الليل

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن يزيد و ابن النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو جالس، وإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم ركع ثم سجد، ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك)، قال: أبو داود رواه علقمة بن وقاص عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ]. ثم أورد حديث عائشة رضي الله عنها من طريق آخر، وهو مثل الذي قبله.

تراجم رجال إسناد حديث صلاة النبي قائماً وقاعداً في صلاة الليل

قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. عن [ عبد الله بن يزيد ]. هو مولى الأسود ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و ابن النضر ]. هو سالم بن أبي أمية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي أم المؤمنين، وقد مر ذكرها في الإسناد الذي قبل هذا. [ قال أبو داود : رواه علقمة بن وقاص ] أي: علقمة بن وقاص الليثي . [ عن عائشة نحوه ] أي: نحو الحديث المتقدم، يعني أنه قريب منه في الألفاظ، وأما المعنى فهو متفق معه؛ لأنه إذا قيل: مثله، فهو مطابق في اللفظ والمعنى، وإذا قيل: نحوه، فهو متفق في المعنى ومختلف في بعض الألفاظ. و علقمة بن وقاص الليثي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار التابعين؛ لأنه هو الذي يروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حديث (إنما الأعمال بالنيات..)، وفي سنده ثلاثة من التابعين واحد من كبارهم وواحد من أوساطهم وواحد من صغارهم فعلقمة بن وقاص الليثي من كبار التابعين، و محمد بن إبراهيم التيمي من أوساط التابعين، و يحيى بن سعيد الأنصاري من صغار التابعين.

شرح حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً ..)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال: حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد قال: سمعت بديل بن ميسرة و أيوب يحدثان عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً، فإذا صلى قائماً ركع قائماً وإذا صلى قاعداً ركع قاعداً) ]. أورد حديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً). أي: أنه يحصل منه القيام ويحصل منه القعود، فإذا قائماً وهو قائم ركع وهو قائم، وإذا صلى جالساً ركع وهو جالس بالإشارة وبالإيماء، وقد عرفنا أن هذا إذا صلى قاعداً واستمر في قعوده، أما إذا صلى قاعداً ثم قام فإنه يركع وهو قائم كما مر في حديث عائشة المتقدم، وأنه كان إذا بقي عليه ثلاثون آية أو أربعون آية قام وركع. فكان إذا صلى قائماً ركع وهو قائم، وإذا صلى جالساً ركع وهو جالس، أي: بالإشارة، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً)


قوله: [ حدثنا مسدد عن حماد بن زيد ]. مسدد قد مر ذكره، و حماد بن زيد هو البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بديل بن ميسرة ]. و بديل بن ميسرة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ و أيوب ]. هو ابن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن شقيق ]. هو عبد الله بن شقيق العقيلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عائشة ]. وقد مر ذكرها.
شرح حديث عائشة في صلاة النبي قاعداً حين حطمه الناس

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون حدثنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن شقيق قال: (سألت عائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة في ركعة؟ قالت: المفصل، قال: قلت: فكان يصلي قاعداً؟ قالت: حين حطمه الناس) ]. أورد المصنف حديث عائشة رضي الله عنها أن عبد الله بن شقيق العقيلي رحمة الله عليه سأل عائشة : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة في الركعة؟ فقالت: المفصل. تعني: من المفصل، والمفصل من سورة (ق) إلى آخر القرآن، هذا هو حزب المفصل؛ لأن القرآن سبعة أحزاب كما كان الصحابة يقسمونه. (قال: قلت أكان يصلي جالساً ؟ قالت: حين حطمه الناس). تعني: لما كبر وحصل له الهموم والأعباء التي تحملها، فإنه عند ذلك كان يصلي جالساً صلى الله عليه وسلم، ويقال: حطم فلاناً أهله، إذا تحمل من أعبائهم ما تحمل وجعله ذلك منهكاً متعباً، فهذا هو المقصود من قولها (حطمه الناس) فلما حصل له ذلك كان يصلي جالساً صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يصلي جالساً قط كما قالت عائشة إلا لما أسن وكبر صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صلاة النبي قاعداً حين حطمه الناس

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ عن يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن كهمس بن الحسن ]. كهمس بن الحسن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن شقيق عن عائشة ]. وقد مر ذكرهما. والله أعلم."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #230  
قديم 04-08-2024, 08:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,245
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [121]
الحلقة (152)





شرح سنن أبي داود [121]

الجلوس للتشهد من أركان الصلاة، وقد كان بعض الصحابة يرمقون جلوسه صلى الله عليه وسلم في التشهد حتى يفقهوا عنه صلاته، فحكوا لنا كيفية جلوسه وكيف كان يضع يديه، وكيف كان يشير بأصبعه في التشهد، وغير ذلك.

كيف الجلوس في التشهد


شرح حديث وائل في جلوس التشهد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كيف الجلوس للتشهد. حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رضي الله عنه أنه قال: قلت: (لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فكبر، فرفع يديه حتى حاذتا بأذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما أراد أن يركع رفعهما إلى مثل ذلك، قال: ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ووضع يديه: اليسرى على فخذه اليسرى، وحد مرفقه الأيمن على فخذه الأيمن، وقبض ثنتين وحلق حلقة، ورأيته يقول هكذا وحلق بشر الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة) ]. التشهد هو قراءة: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، وسمي تشهداً لأنه مشتمل على التشهد وهو: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد، أن محمداً رسول الله، أي: الشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة. والصلاة إما أن يكون فيها تشهد واحد، وإما أن يكون فيها تشهدان، فإن كانت ثنائية ففيها تشهد واحد، وإن كانت ثلاثية أو رباعية ففيها تشهدان: التشهد الأول والتشهد الأخير الذي قبل السلام، والجلوس في الصلاة جلوسان: جلوس للتشهد الأول، وجلوس للتشهد الأخير. وقد اختلف العلماء في كيفية الجلوس في التشهد وغير التشهد، فمنهم من قال: إن الجلوس يكون بالافتراش مطلقاً، وهو أن يفرش رجله اليسرى ويقعد عليها، وينصب الرجل اليمنى ويجعل أصابعها متجهة إلى القبلة. وقال بعضهم: بالتورك مطلقاً، أي أنه يخرج رجله اليسرى من تحت ساقه الأيمن إلى جهة اليمين، ويجعل وركه على الأرض. وفرق بعض أهل العلم بين الجلوس بين السجدتين والجلوس في التشهد الأول، فجعل فيهما الافتراش، وجعل في التشهد الأخير في الصلاة التي لها تشهدان: التورك. وقد جاء الافتراش في الجلوس بين السجدتين، وجاء أيضاً الإقعاء، وهو الجلوس على العقبين، كما في حديث ابن عباس حيث قال: (سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، أو هو من السنة)، يعني: أن ينصب قدميه، ويجعل إليتيه على العقبين. وأما التشهد الأول فيفترش فيه، والتشهد الأخير يتورك فيه، وهذا هو ما دل عليه الدليل. وإذا كانت الصلاة ثنائية فهل يتورك فيها أو يفترش؟ ألحق بعض أهل العلم الثنائية بالتشهد الأول، وقال: إنه يفترش فيها، وألحق بعضهم الثنائية بالصلاة التي لها تشهدان، وقال: إنه يتورك؛ لأن هذا الجلوس بعده التسليم، كما أن الصلاة الرباعية يتورك في آخرها في الجلوس الذي بعده التسليم وقد جاء في بعض الأحاديث: (حتى إذا كان الجلوس الذي فيه التسليم..) ، وعلى هذا فهناك قولان: القول الأول: إن الصلاة الثنائية حكمها الافتراش كالتشهد الأول، والقول الثاني: إن الصلاة الثنائية يتورك فيها؛ لأن السلام يأتي بعد ذلك الجلوس، وقد جاء في بعض الروايات أن التورك يكون في الجلوس الذي بعده التسليم، لكن الروايات التي جاء فيها ذكر الجلوس الذي بعده التسليم إنما جاء ذلك في الصلاة الرباعية، فقد ذكر الجلوس الأول ثم ذكر الجلوس الثاني الذي بعده التسليم، وعلى هذا فالقول الأرجح فيما يظهر أن الجلوس في الصلاة الثنائية كالجلوس في التشهد الأول وليس كالجلوس في التشهد الأخير في الصلاة الرباعية، لأنه جاء التنصيص على أن الجلوس في التشهد متوركاً إنما يكون في الصلاة الرباعية ومثلها الثلاثية لأن فيها تشهدين. إذاً فقول المصنف: [ باب كيف الجلوس في التشهد ] معناه بيان الهيئة التي يكون عليها الإنسان جالساً وهو في تشهده، سواء كان الأول أو الآخر، أو الجلوس في الثنائية التي ليس فيها إلا تشهد واحد، والأرجح في هذا كما ذكرت أن الغالب الافتراش بين السجدتين، ويجوز الإتيان بالجلوس على العقبين في بعض الأحيان، وفي التشهد الأول والصلاة الثنائية يكون الافتراش، وفي الصلاة الرباعية أو الثلاثية يكون التورك في التشهد الأخير. وأورد المصنف حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه الذي وصف فيه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ قل (لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي..) ]. قول وائل بن حجر رضي الله عنه: [ قلت ] إما أن يكون قال ذلك في نفسه بمعنى أنه ألزم نفسه وهيأ نفسه لهذا، وأنه يريد أن يفعل ذلك حتى يعرف كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما أن يكون قال ذلك لغيره، وهو دال على حرص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم وأرضاهم على معرفة السنن ومعرفة الأحكام الشرعية قولاً وفعلاً، وذلك أن وائل بن حجر رضي الله عنه يريد أن يتأمل ويتحقق من كيفيتها ومن هيئتها حتى يكون مقبلاً ومستعداً ومتهيأً ليس عنده غفلة في النظر إلى صلاته صلى الله عليه وسلم، بل يكون عنده الإقبال والرغبة والحرص والتهيؤ، فهذا هو معنى قوله: (لأنظرن إلى صلاة رسول الله.). وعمدة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الأسوة والقدوة، ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي). فهذا هو الذي جعل وائل بن حجر رضي الله عنه يقول: [ (لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] ، ثم إنه نفذ ذلك فقال: [ (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فكبر) ]. يعني أنه لابد من القيام في الصلاة، فالإنسان يصلي قائماً إذا كان يستطيع القيام، وأما إذا كان لا يستطيع القيام فإنه يصلي على حسب حاله، كما سبق أن مر بنا في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب). والله تعالى يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، ومر بنا أنه لو صلى الفرض قاعداً مع قدرته على القيام لم تصح صلاته، وأما في النافلة فيصح أن يصلي قاعداً مع قدرته على القيام لكن أجره على النصف من أجر القائم كما جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (قام فاستقبل القبلة) فيه أنه لابد للإنسان عند القيام للصلاة أن يستقبل القبلة، واستقبالها شرط من شروط الصلاة بالنسبة للفريضة، وكذلك بالنسبة للنافلة إلا إذا كان الإنسان راكباً فإنه يدخل في الصلاة مستقبل القبلة ثم يصلي حيثما توجهت به راحلته كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (وكبر) أي دخل في الصلاة، وهذه هي تكبيرة الإحرام، وهي ركن من أركان الصلاة. وسميت تكبيرة الإحرام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير) أي: أن الإنسان إذا وجد منه التكبير في الإحرام حرم عليه بهذا العمل أمور كانت حلالاً له قبل ذلك، كالأكل والشرب والكلام والالتفات والذهاب والإياب والقيام والقعود وغير ذلك. قوله: [ (ورفع يديه حتى حاذتا بأذنيه) ]. أي: أنه عندما كبر للإحرام رفع يديه حتى حاذتا أذنيه، وهذه هي السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (ثم أخذ شماله بيمينه..) ]. أي: وضع اليمنى على اليسرى على الصدر وذلك بعدما رفع يديه ودخل في الصلاة وكيفيه وضعها أن تكون على الساعد -أي: الذراع- وعلى الرسغ الذي هو المفصل وعلى الكف، فتكون اليد اليمنى على الأمور الثلاثة، ولا تكون على الكف وحده أو على الذراع وحده أو تكون على العضد وإنما تكون على الهيئة التي ذكرنا. قوله: [ (فلما أراد أن يركع رفعهما إلى مثل ذلك) ]. أي: إلى حذاء الأذنين، ورفع اليدين في الصلاة ثبت في ثلاثة مواضع: عند الإحرام، وعند الركوع، وعند رفعه من الركوع، وجاء في صحيح البخاري موضع رابع وهو عند القيام من التشهد الأول في الصلاة التي لها تشهدان، فهذه المواضع الأربعة ثلاثة منها ثبتت في الصحيحين وواحد منها ثبت في صحيح البخاري . قوله: [ (ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضعه يده اليسرى على فخذه اليسرى) ]. هذا فيه اختصار؛ لأنه ما ذكر الركوع. قوله: [ (ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وحد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثنتين وحلق حلقة، ورأيته يقول: هكذا وحلق بشر الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة) ]. يعني جعل الوسطى مع الإبهام حلقة، وأما الخنصر والبنصر فقد قبضهما وأشار بسبابته، وهذه الهيئة ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك هيئة أخرى ثبتت وهي أنه يقبض الثلاث من غير تحليق ويشير بالسبابة، وتكون الإبهام على الوسطى ولكن من غير تحليق.
تراجم رجال إسناد حديث وائل في جلوس التشهد

[ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن بشر ]. وهو بشر بن المفضل ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن كليب ]. وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. كليب بن شهاب ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن الأربعة. [ عن وائل بن حجر ]. وائل بن حجر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن.

شرح حديث ابن عمر: (سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى...)


قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى، وتثني رجلك اليسرى) ]. قول الصحابي: سنة الصلاة كذا، أو السنة كذا، أو من السنة كذا، هو في حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابي إذا قال: السنة كذا، أو من السنة كذا فالمراد به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو من الألفاظ التي لها حكم الرفع. ونصب اليمنى أن يجعل أصابعها متجهة إلى القبلة ويجعلها منصوبة، وأما اليسرى فإنه يثنيها، ولكن هذا الثني فيه إجمال، وقد جاء تفصيل ذلك في الأحاديث الأخرى، فجاء أنه بين السجدتين وفي التشهد الأول يثنيها مفترشاً، وفي التشهد الأخير يثنيها متوركاً.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى...)


قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وهي: مذهب الإمام أبي حنيفة ، ومذهب الإمام مالك ، ومذهب الإمام الشافعي ، ومذهب الإمام أحمد ، فهؤلاء الأربعة هم أصحاب المذاهب المشهورة من مذاهب أهل السنة التي حصل لأصحابها تلاميذ عُنوا بمذاهبهم، وجمع أقوالهم، وتنظيمها وترتيبها والتأليف فيها، وهناك علماء مثلهم في العلم وفي الحديث وفي الفقه، مثل الأوزاعي فقيه الشام ومحدثها، و الليث بن سعد فقيه مصر ومحدثها، و سفيان الثوري فقيه الكوفة، و إسحاق بن راهويه فقيه مرو، وغيرهم من العلماء الكبار من أمثالهم، ولكن لم يحصل لهم كما حصل لهؤلاء من التلاميذ، والإمام مالك أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن القاسم ]. هو عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عبد الله ]. هو عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن عبد الله بن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس ، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و أنس و جابر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وأرضاهم.

شرح حديث ابن عمر: (سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى...) من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا ابن معاذ ، حدثنا عبد الوهاب ، قال: سمعت يحيى ، قال: سمعت القاسم يقول: أخبرني عبد الله بن عبد الله أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى ]. ثم أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أنه قال هنا: [ ( أن تضجع اليسرى) ]، وقال في الأول: (أن تثني اليسرى)، وقد عرفنا أن هذا فيه إجمال، وأن التفاصيل جاءت في الأحاديث الأخرى، فيفترش في التشهد الأول وبين السجدتين، ويتورك في التشهد الأخير من الصلاة التي لها تشهدان وهي الثلاثية أو الرباعية.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى...) من طريق ثانية


قوله: [ حدثنا ابن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي. [ عن عبد الوهاب ]. هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ]. وهو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن القاسم عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عمر ]. القاسم هو ابن محمد بن أبي بكر ثقة فقيه، وهو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث ابن عمر: (سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن يحيى بإسناده مثله ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ عن جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بإسناده مثله ]. وهو يحيى بن سعيد. وقوله: [ بإسناده مثله ] يعني مثل الذي قبله، وكلمة: (مثله) إذا جاءت فالمقصود بها التماثل في اللفظ والمعنى، وأما إذا قيل: (نحوه) فالمقصود الاتفاق في المعنى مع الاختلاف في اللفظ. [ قال أبو داود : قال حماد بن زيد عن يحيى أيضاً: من السنة كما قال جرير ]. حماد بن زيد هو ابن درهم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال حماد بن زيد عن يحيى أيضاً: من السنة كما قال جرير ]. أي: أن جريراً قال: (سنة الصلاة..) وهنا قال: (من السنة). قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراه جلوس في التشهد وذكر الحديث ]. القعنبي هو عبد الله بن مسلمة الذي مر ذكره، وقد ذكره هنا بنسبته فقط، وذكره هناك باسمه واسم أبيه: عبد الله بن مسلمة . [ عن مالك عن يحيى بن سعيد .. ]. مالك مر ذكره، و يحيى بن سعيد مر ذكره.. [ أن القاسم ]. هو القاسم بن محمد . [ أراهم الجلوس في التشهد فذكر الحديث ]. يعني: أنه ينصب اليمنى، ويثني اليسرى، أو: يضجع اليسرى.

شرح مرسل إبراهيم النخعي في اسوداد ظاهر قدم النبي من الافتراش


قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا هناد بن السري عن وكيع عن سفيان عن الزبير بن عدي عن إبراهيم أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة افترش رجله اليسرى حتى اسود ظهر قدمه)]. أورد أبو داود هذا الحديث وهو من مراسيل إبراهيم النخعي . وقوله: [ (افترش رجله اليسرى حتى اسود ظاهر قدمه) ] أي: الذي يكون على الأرض، وذلك من ملاصقته للأرض، والمعنى: أنه تغير لكونه يماسّ ويباشر الأرض، وهذا غير ثابت؛ لأنه مرسل، فإبراهيم النخعي من التابعين ولم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعي إذا أضاف شيئاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرسل. ومن المعلوم أن إبراهيم النخعي كثيراً ما يروي عن التابعين كعلقمة و الأسود ، فالحديث هنا غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الافتراش فثابت، لكن هذا الوصف الذي ذكره من الاسوداد لظاهر قدمه صلى الله عليه وسلم لمباشرة الأرض فإنما جاء من هذه الطريق المرسلة، والمرسل في علم المصطلح من أقسام الضعيف. وإنما كان غير ثابت لا لكون الذي سقط فيه هو الصاحبي، فإنه لو عرف أنه لم يسقط منه إلا لصحابي فإن ذلك لا يؤثر؛ لأن الصحابة كلهم عدول رضي الله عنهم وأرضاهم، ولكن السبب احتمال أن يكون قد سقط تابعي مع الصحابي، وإذا كان الساقط تابعياً فيحتمل أن يكون ثقة وأن يكون ضعيفاً، فلهذا رُدّ المرسل واعتبر غير حجة، ولكنه إذا اعتضد بشيء يقويه، أو جاء ما يؤيده فإنه يحتج به.

تراجم رجال إسناد مرسل إبراهيم النخعي في اسوداد ظاهر قدم النبي من الافتراش


قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري ثقة، وكنيته توافق اسم أبيه، ومعرفة من وافقت كنيته اسم أبيه نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدته ألا يظن التصحيف فيما إذا جاء هناد أبو السري ، فالذي لا يعرف ذلك سيقول: إن (ابن) صُحِّفت إلى (أبو)، وكلمتا (أبي وابن) قريبتان من بعض فالتصحيف ممكن، ولكن حيث يعلم بأن الكنية موافقة لاسم الأب يعرف أنه لا تصحيف، فإذا جاء هناد بن السري فهو صحيح، وإن جاء هناد أبو السري فهو صحيح لأنه هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. وهو الثوري إذا جاء سفيان يروي عنه وكيع وهو مهمل غير منسوب فالمراد به الثوري ، وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن الزبير بن عدي ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. وهو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 354.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 348.25 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.65%)]