|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#21
|
||||
|
||||
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثانى صـ 112 الى صـ 115 الحلقة (21) وثالثها : لا نزاع في أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام في الأرض ، ولم يذكر في هذه القصة أنه نقله إلى السماء ، ولو كان تعالى قد نقله إلى السماء ، لكان ذلك أولى بالذكر ، لأن نقله من الأرض إلى السماء ، من أعظم النعم . فدل ذلك على أنه لم يحصل . وذلك يوجب أن المراد من الجنة غير جنة الخلد . ورابعها : روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « سيحان وجيحان والفرات والنيل ، كل من أنهار الجنة » . قال ابن مفلح : أكثر الناس على أن المراد بالجنة التي أسكنها آدم جنة الخلد ، دار الثواب . ثم قال : قال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية : وهذا قول أهل السنة والجماعة ، ومن قال إنها جنة في الأرض بالهند أو جدة ، أو غير ذلك ، فهو من الملحدة المبتدعين . والكتاب والسنة يردان هذا القول . وقد استوفى الكلام فيها في " مفتاح دار السعادة " وكتاب " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " . الفائدة الثانية : اتفق الناس أن الشيطان كان متوليا إغواء آدم ، واختلف في الكيفية . فقال ابن مسعود وابن عباس وجمهور العلماء : أغواهما مشافهة ، ودليل ذلك قوله : هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى وقوله : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ومقاسمته لهما [ ص: 113 ] إني لكما لمن الناصحين والمقاسمة ظاهرها المشافهة ، ومنهم من قال : كان ذلك بالوسوسة ، كما قال : فوسوس لهما الشيطان فإغواؤه إغراؤه بوسواسه وسلطانه الذي جعل له ، كما قال صلى الله عليه وسلم : « إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم » . وزعموا أن الشيطان لم يدخل الجنة إلى آدم بعد ما أخرج منها . والوسوسة : لغة ، حديث النفس والأفكار . وحديث الشيطان بما لا نفع فيه ولا خير ، والكلام الخفي . وظاهر الآيات يؤيد القول الأول . الفائدة الثالثة : لم يسم الشيطان في الآية ، إذ لا حاجة ماسة إلى اسمه ، كما تقدم في الشجرة . ولما قدم الله تعالى دعوة الناس عموما ، وذكر مبدأهم - دعا بني إسرائيل خصوصا ، وهم اليهود ، لأنهم كانوا أولى الناس بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لأنهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة ، وقد جرى الكلام معهم (من هنا إلى الآية رقم 142) فتارة دعاهم بالملاطفة ، وذكر الإنعام عليهم وعلى آبائهم . وتارة بالتخويف ، وتارة بإقامة الحجة وتوبيخهم على سوء أعمالهم ، وذكر عقوباتهم التي عاقبهم بها ، كما سيأتي تفصيله ، فقال تعالى : [ ص: 114 ] القول في تأويل قوله تعالى : [40 ] يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون "يا بني إسرائيل" أي أولاد يعقوب . وقد هيجهم تعالى بذكر أبيهم إسرائيل ، كأنه قيل : يا بني العبد الصالح المطيع لله ، كونوا مثل أبيكم ، كما تقول : يا ابن الكريم ، افعل كذا ، ويا ابن العالم ، اطلب العلم ، اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم قال ابن جرير: نعمه التي أنعم بها على بني إسرائيل : اصطفاؤه منهم الرسل ، وإنزاله عليهم الكتب ، واستنقاذه إياهم مما كانوا فيه من البلاء والضراء من فرعون وقومه ، إلى التمكين لهم في الأرض ، وتفجير عيون الماء من الحجر ، وإطعام المن والسلوى ، فأمر جل ثناؤه أعقابهم أن يكون ما سلف منه إلى آبائهم على ذكر ، وأن لا ينسوا صنيعه إلى أسلافهم وآبائهم ، فيحل بهم من النقم ، ما أحل بمن نسي نعمه عنده منهم وكفرها ، وجحد صنائعه عنده : وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون العهد هو الميثاق ، وقد أشير إليه في قوله تعالى : ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار الآية . فعهد الله هو وصيته لهم ، بما ذكر في الآية . ومنها : الإيمان برسله المتناول لخاتمهم [ ص: 115 ] عليه السلام ، لأنهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة . وعهده تعالى إياهم ، هو أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة ، وقوله تعالى : وإياي فارهبون قال ابن جرير : أي اخشوني واتقوا ، أيها المضيعون عهدي من بني إسرائيل ، والمكذبون رسولي الذي أخذت ميثاقكم فيما أنزلت على أنبيائي أن تؤمنوا به وتتبعوه ، أن أحل بكم من عقوبتي إن لم تتوبوا إلي باتباعه والإقرار بما أنزلت إليه ، ما أحللت بمن خالف أمري ، وكذب رسلي من أسلافكم . القول في تأويل قوله تعالى : [41 ] وآمنوا بما أنـزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون "وآمنوا بما أنزلت" أي : من القرآن : "مصدقا لما معكم" أي : موافقا بالتوحيد ، وصفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ، وبعض الشرائع ، لما معكم من الكتاب -كما في التنوير- قال ابن جرير : أمرهم بالتصديق بالقرآن ، وأخبرهم أن في تصديقهم بالقرآن تصديقا منهم للتوراة ; لأن الذي في القرآن من الأمر بالإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه واتباعه ، نظير الذي من ذلك في الإنجيل والتوراة . ففي تصديقهم بما أنزل على محمد ، تصديق منهم لما معهم من التوراة . وفي تكذيبهم به تكذيب منهم لما معهم من التوراة . انتهى . وتقييد المنزل بكونه مصدقا لما معهم ، لتأكيد وجوب الامتثال بالأمر ، فإن إيمانهم بما معهم مما يقتضي الإيمان بما يصدقه قطعا .
__________________
|
#22
|
||||
|
||||
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثانى صـ 116 الى صـ 120 الحلقة (22) تنبيه: كثيرا ما يستدل مجادلة أهل الكتاب على عدم تحريف كتبهم بهذه الآية وأمثالها ، كآية : ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم وآية : ولكن [ ص: 116 ] تصديق الذي بين يديه وغيرهما . مع أنه ثبت بالبراهين القاطعة ذهاب قدر كبير من كتبهم ، واختلاط حقها بباطلها فيما بقي ، كما صنفت في ذلك مصنفات عدة ، وقد رد استدلالهم بهذه الآية وأمثالها على ما ادعوه ، بأن معنى كون القرآن مصدقا لما معهم ، ما ذكرناه قبل في تأويلها ; وحاصله أن ما أنزل عليه صلى الله عليه وسلم هو طبق ما عندهم من حقية نبوته ، وصحة البشائر عنه ، كما قال تعالى : ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم أي : أنه عليه السلام جاء طبق ما عندهم عنه في التوراة والإنجيل ، بمعنى أن أحواله جميعا توافق البشائر . ولا تكونوا أول كافر به يعني من جنسكم أهل الكتاب ، بعد سماعكم بمبعثه . فالأولية نسبية ، فإن يهود المدينة أول بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن ، أو هو تعريض بأنه كان يجب أن يكونوا أول من يؤمن به لمعرفتهم به وبصفته ، ولأنهم كانوا المبشرين بزمان من أوحى إليه ، والمستفتحين على الذين كفروا به ، وكانوا يعدون أتباعه أول الناس كلهم ، فلما بعث كان أمرهم على العكس ، لقوله : فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا أي : لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي، بالدنيا وشهواتها ، فإنها قليلة فانية ، فالاشتراء استعارة للاستبدال وإياي فاتقون بالإيمان واتباع الحق ، والإعراض عن حطام الدنيا . [ ص: 117 ] القول في تأويل قوله تعالى : [42 ] ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون [43 ] وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين اللبس الخلط ، وقد يلزمه الاشتباه بين المختلطين . والمعنى لا تخلطوا الحق المنزل بالباطل الذي يخترعونه أو يذكرونه في تأويله حتى يشتبه أحدهما بالآخر ، وقوله "وتكتموا" مجزوم داخل تحت حكم النهي . وتكرير الحق ، لزيادة تقبيح المنهي عنه ; إذ في التصريح باسم الحق ، ما ليس في ضميره ، والتقييد بقوله "وأنتم تعلمون" لزيادة تقبيح حالهم ; إذ الجاهل عسى يعذر ، وقوله "وأقيموا الصلاة" الآية ، أمر بلزوم الشرائع عليهم بعد الإيمان ، وذلك إقامة الصلاة بأدائها بفروضها ، والمحافظة عليها . وإعطاء الصدقة المفروضة ، والركوع لله ، أي : الخضوع لأوامره بإطاعتها . قال ابن جرير : هذا أمر من الله جل ثناؤه ، لمن ذكر من أحبار بني إسرائيل ومنافقيها بالإنابة والتوبة إليه ، وبإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، والدخول مع المسلمين في الإسلام ، والخضوع له بالطاعة ، ونهي منه لهم عن كتمان ما قد علموه من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد تظاهر حججه عليهم ، وبعد الإعذار لهم والإنذار . وبعد تذكيره نعمه إليهم ، وإلى أسلافهم تعطفا منه بذلك عليهم ، وإبلاغا إليهم في المقدرة . اهـ. وقد قيل في قوله : "واركعوا مع الراكعين" حث على إقامة الصلاة في الجماعة لما فيها من تظاهر النفوس في المناجاة . [ ص: 118 ] القول في تأويل قوله تعالى : [44 ] أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون "أتأمرون الناس بالبر" أي : بما فيه لله رضا من القول أو الفعل . وجماع البر كل ما فيه طاعة لله تعالى . والهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجيب من حالهم : "وتنسون أنفسكم" أي : تتركونها من البر كالمنسيات . والمعنى تخالفون ما تأمرون به من ذلك إلى غيره . وقوله "وأنتم تتلون الكتاب" تبكيت مثل قوله "وأنتم تعلمون" يعني تتلون التوراة ، وفيها الوعيد على الخيانة وترك البر ومخالفة القول العمل . "أفلا تعقلون" توبيخ عظيم بمعنى أفلا تفطنون لقبح ما أقدمتم عليه حتى يصدكم استقباحه عن ارتكابه وكأنكم في ذلك مسلوبوا العقول ، لأن العقول تأباه وتدفعه . روى الحافظ ابن كثير الدمشقي في تفسيره عن إبراهيم النخعي قال : إني لأكره القصص لثلاث آيات : قوله تعالى : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وقوله : يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون وقوله إخبارا عن شعيب : وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب [ ص: 119 ] القول في تأويل قوله تعالى : [45 ] واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين "واستعينوا بالصبر" أي : على الوفاء بالعهد "والصلاة" أي التي سرها خشوع القلب للرب . فإنها من أكبر العون على الثبات في الأمر . قال ابن جرير : أي : استعينوا على الوفاء بعهدي الذي عاهدتموني في كتابكم من طاعتي واتباع أمري وترك ما تهوونه من الرياسة وحب الدنيا إلى ما تكرهونه من التسليم لأمري ، واتباع رسولي محمد صلى الله عليه وسلم بالصبر عليه ، والصلاة . فالآية متصلة بما قبلها . كأنهم لما أمروا بما شق عليهم لما فيه من الكلفة وترك الرياسة والإعراض عن المال عولجوا بذلك "وإنها" الضمير للصلاة . وتخصيصها برد الضمير إليها لعظم شأنها واشتمالها على ضروب من الصبر ؛ وجوز عود الضمير على الاستعانة بهما "لكبيرة" لشاقة ثقيلة كقوله تعالى : كبر على المشركين ما تدعوهم إليه إلا على الخاشعين القول في تأويل قوله تعالى : [46 ] الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم أي محشورون إليه يوم القيامة للجزاء . والظن [ ص: 120 ] هنا بمعنى اليقين ، ومثله : إني ظننت أني ملاق حسابيه قال ابن جرير : العرب قد تسمي اليقين ظنا ، نظير تسميتهم الظلمة سدفة ، والضياء سدفة ، والمغيث صارخا ، والمستغيث صارخا ، وما أشبه ذلك من الأسماء التي يسمى بها الشيء وضده . والشواهد على ذلك من أشعار العرب أكثر من أن تحصر : وأنهم إليه راجعون أي : بعد الموت فيجازيهم . القول في تأويل قوله تعالى: [47 ] يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم كرر التذكير للتأكيد ولربط ما بعده من الوعيد الشديد به "وأني فضلتكم" عطف على نعمتي ، عطف الخاص على العام لكماله . أي : فضلت آباءكم "على العالمين" أي عالمي زمانهم بإنزال الكتاب عليهم ، وإرسال الرسل فيهم وجعلهم ملوكا ، وهم آباؤهم الذين كانوا في عصر موسى عليه السلام وبعده قبل أن يغيروا ، وتفضيل الآباء شرف الأبناء .
__________________
|
#23
|
||||
|
||||
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثانى صـ 121 الى صـ 125 الحلقة (23) القول في تأويل قوله تعالى : [48 ] واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون "واتقوا يوما" يريد يوم القيامة أي : حسابه أو عذابه "لا تجزي" فيه "نفس عن نفس شيئا" أي لا تقضي عنها شيئا من الحقوق . فانتصاب "شيئا" على المفعولية . أو شيئا من الجزاء فيكون نصبه على المصدرية . وإيراده منكرا مع تنكير النفس للتعميم والإقناط الكلي [ ص: 121 ] ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ لا يقبل "منها عدل" أي : فدية "ولا هم ينصرون" يمنعون من عذاب الله . وجمع لدلالة النفس المنكرة على النفوس الكثيرة ، وذكر لمعنى العباد أو الأناسي . (تنبيه) تمسكت المعتزلة بهذه الآية على أن الشفاعة لا تقبل للعصاة ; لأنه نفى أن تقضي نفس عن نفس حقا أخلت به من فعل أو ترك ، ثم نفى أن يقبل منها شفاعة شفيع ، فعلم أنها لا تقبل للعصاة . والجواب : أنها خاصة بالكفار . ويؤيده أن الخطاب معهم كما قال : فما تنفعهم شفاعة الشافعين وكما قال عن أهل النار : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فمعنى الآية أنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فدية ولا شفاعة ، ولا ينقذ أحدا من عذابه منقذ ، ولا يخلص منه أحد . وفي الانتصاف : من جحد الشفاعة فهو جدير أن لا ينالها . وأما من آمن بها وصدقها ; وهم أهل السنة والجماعة ، فأولئك يرجون رحمة الله ، ومعتقدهم أنها تنال العصاة من المؤمنين وإنما ادخرت لهم . وليس في الآية دليل لمنكريها ; لأن قوله "يوما" أخرجه منكرا ، ولا شك أن في القيامة مواطن ، ويومها معدود بخمسين ألف سنة . فبعض أوقاتها ليس زمانا للشفاعة . وبعضها هو الوقت الموعود ، وفيه المقام المحمود لسيد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام . وقد وردت آي كثيرة ترشد إلى تعدد أيامها واختلاف أوقاتها . منها قوله تعالى : فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون مع قوله : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون [ ص: 122 ] فيتعين حمل الآيتين على يومين مختلفين ووقتين متغايرين : أحدهما محل للتناول ، والآخر ليس محلا له ، وكذلك الشفاعة ، وأدلة ثبوتها لا تحصى كثرة ، رزقنا الله الشفاعة ، وحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة . القول في تأويل قوله تعالى : [49 ] وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم وإذ نجيناكم من آل فرعون تذكير لتفاصيل ما أجمل في قوله تعالى : نعمتي التي أنعمت عليكم من فنون النعماء . أي : واذكروا وقت تنجيتنا إياكم ، أي : آباءكم . فإن تنجيتهم تنجية لأعقابهم . والمراد بالآل : فرعون وأتباعه ، فإن الآل يطلق على الشخص نفسه ، وعلى أهله وأتباعه وأوليائه (قاله في القاموس). ثم بين ما أنجاهم منه بقوله "يسومونكم" أي : يبغونكم "سوء العذاب" أي : أفظعه وأشده : يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم أي : يتركونهم أحياء : وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم البلاء إما المحنة ، إن أشير بذلكم إلى صنيع فرعون ، أو النعمة ، إن أشير به إلى الإنجاء . قال ابن جرير : العرب تسمي الخير بلاء ، والشر بلاء . فائدة : فرعون لقب لمن ملك مصر كافرا . ككسرى لملك الفرس . وقيصر لملك الروم ، وتبع لمن ملك اليمن كافرا ، والنجاشي لمن ملك الحبشة ، وخاقان لملك الترك . ولعتوه اشتق منه : تفرعن الرجل ، إذا عتا وتمرد . وسبب سومه بني إسرائيل سوء العذاب من تذبيح أبنائهم (على ما روي في التوراة) خوفه من نموهم وكثرة توالدهم . وكانت أرض مصر امتلأت منهم ; فإن يوسف عليه [ ص: 123 ] السلام ، لما استقدم أباه وإخوته وأهلهم من أرض كنعان إلى مصر ، أعطاهم ملكا في أرض مصر في أفضل الأرض كما أمره ملك مصر . وكان لهم في مصر مقام عظيم بسبب يوسف عليه السلام . فتكاثروا وتناسلوا . ولما توفي يوسف عليه السلام ، والملك الذي اتخذه وزيرا عنده ، انقطع ذلك الاحترام عن بني إسرائيل . إلى أن قام على مصر أحد ملوكها الفراعنة ، فرأى غو الإسرائيليين ، فقال لقومه : أضحى بنو إسرائيل شعبا أكثر منا وأعظم . فهلم نحتال لهم لئلا ينموا ، فيكون إذا حدثت حرب أنهم ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا . ويخرجون من أرضنا . فسلط عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم ، وكانوا كلما اشتد تعبدهم ازدادوا كثرة وشدة ، فشق على المصريين كثرتهم واختشوا منهم ، فجعل أهل مصر يستعبدونهم جورا ويمررون عليهم حياتهم بالعمل الشديد بالطين واللبن ، وكل فلاحة الأرض ، وكل الأفعال التي استعبدوهم بها بالمشقة . وأمر فرعون بذبح أبنائهم كما قصه الله تعالى . ولم يزل الأمر في هذه الشدة عليهم حتى نجاهم سبحانه بإرسال موسى عليه السلام . وقوله جل ذكره . القول في تأويل قوله تعالى : [50 ] وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون وإذ فرقنا بكم البحر بيان لسبب التنجية ، وتصوير لكيفيتها ، إثر تذكيرها وبيان عظمها وهولها ، وقد بين في تضاعيف ذلك نعمة جليلة أخرى هي الإنجاء من الغرق . أي : واذكروا إذ فلقناه بسلوككم ، أو ملتبسا بكم ، أو بسبب إنجائكم . وفصلنا بين بعضه وبعض حتى حصلت مسالك . فالباء على الأول استعانة ، مثلها في : كتبت بالقلم . وعلى الثاني للمصاحبة . مثلها في : أسندت ظهري بالحائط . وعلى الثالث للسببية . والوجه الأول [ ص: 124 ] ضعيف من حيث إن مقتضاه أن تفريق البحر وقع ببني إسرائيل والمنصوص عليه في التنزيل أن البحر إنما انفرق بعصا موسى . قال تعالى : أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم فآلة التفريق العصا لا بنو إسرائيل "فأنجيناكم" أي : من الغرق بإخراجكم إلى الساحل "وأغرقنا آل فرعون" أريد فرعون وقومه ، وإنما اقتصر على ذكرهم للعلم بأنه أولى به منهم "وأنتم تنظرون" أي : إلى ذلك وتشاهدونه لا تشكون فيه . ليكون ذلك أشفى لصدوركم وأبلغ في إهانة عدوكم . وكانت قصة إغراق آل فرعون المشار لها في هذه الآية ، على ما روي ، أن الحق تعالى لما شاء إخراج بني إسرائيل من مصر من بيت العبودية ، أوقع في نفس فرعون أن يطلقهم من مصر . بعد إباء شديد منه ، ورؤية آيات إلهية كادت تحل به وبقومه البوار . فدعا موسى وهارون وقال : اخرجوا من بين شعبي أنتما وبنو إسرائيل جميعا . واذهبوا اعبدوا الرب كما تكلمتم . فلما ارتحلوا وأخبر فرعون أن الشعب قد هرب ، تغير قلبه عليهم وقال : ماذا فعلنا حتى أطلقناهم من خدمتنا ؟ فشد مركبته وأخذ قومه معه وسعى وراءهم ، وأدركهم وهم نازلون عند بحر القلزم ، وهو المشهور ببحر السويس فلما رأت بنو إسرائيل عسكر فرعون وراءهم ، قالوا : يا موسى أين ما وعدتنا من النصر والظفر ؟ فلو بقينا على خدمة المصريين لكان خيرا لنا من أن نهلك في هذه البرية : قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين وقال : عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون وأوحى [ ص: 125 ] الله إلى موسى عليه السلام أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق ، وأيبس قعره ، فدخل بنو إسرائيل فيه . فتبعهم فرعون وجنوده . فخرج موسى وقومه من الجهة الثانية . وانطبق البحر على فرعون ومن معه فغرقوا كلهم . وسيأتي الإشارة إلى هذه القصة في مواضع من التنزيل . ومن أبسطها فيه سورة الشعراء . القول في تأويل قوله تعالى : [51 ] وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون وإذ واعدنا موسى أي بعد فراغه من مقاومة آل فرعون وإهلاكهم "أربعين ليلة" أي : لنعطيه عند انقضائها التوراة لتعملوا بها . وقد روي في ترجمة التوراة أنه تعالى قال لموسى : اصعد إلى الجبل وكن هناك فأعطيك ألواحا من حجارة والشريعة والوصية التي كتبتها لتعلمهم . فصعد موسى إلى الجبل وبقي هناك أربعين يوما وأربعين ليلة . وموسى : كلمة عبرانية معناها منشول من الماء "ثم اتخذتم العجل" أي : إلها ومعبودا "من بعده" أي من بعد مضيه للميقات "وأنتم ظالمون" أي : بوضع العبادة في غير موضعها ، وهو حال من ضمير اتخذتم ، أو اعتراض تذييلي . أي : وأنتم قوم عادتكم الظلم . القول في تأويل قوله تعالى : [52 ] ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون "ثم عفونا عنكم" أي : محونا ذنوبكم "من بعد ذلك" أي : الاتخاذ والظلم القبيح "لعلكم تشكرون" لكي تشكروا نعمة العفو وتستمروا بعد ذلك على الطاعة.
__________________
|
#24
|
||||
|
||||
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثانى صـ 126 الى صـ 130 الحلقة (24) القول في تأويل قوله تعالى : [53 ] وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان يعني الجامع بين كونه كتابا منزلا ، وفرقانا يفرق بين الحق والباطل . يعني التوراة . كقولك : رأيت الغيث والليث تريد الرجل الجامع بين الجود والجراءة . ونحوه قوله تعالى : ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين يعني الكتاب الجامع بين كونه فرقانا وضياء وذكرا ، أو التوراة والبرهان الفارق بين الكفر والإيمان من العصا واليد وغيرها من الآيات . أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام . وقيل : الفرقان انفراق البحر . وقيل : النصر الذي فرق بينه وبين عدوه ، كقوله تعالى : يوم الفرقان يريد به يوم بدر "لعلكم تهتدون" أي : لكي تهتدوا بالعمل فيه من الضلال . القول في تأويل قوله تعالى: [54 ] وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه [ ص: 127 ] هو التواب الرحيم هذه الآية بيان لكيفية وقوع العفو المذكور في الآية قبل . روي أن موسى عليه السلام لما رجع من الميقات ورأى ما صنع قومه بعده من عبادة العجل ، غضب ورمى باللوحين من يده . فكسرهما في أسفل الجبل . ثم أحرق العجل الذي صنعوه . ثم قال : من كان من حزب الرب فليقبل إلي . فاجتمع إليه جميع بني لاوى . وقال لهم : هذا ما يقول الرب إله إسرائيل : ليتقلد كل رجل منكم سيفه . فجوزوا في وسط المحلة من باب إلى باب وارجعوا ، وليقتل الرجل منكم أخاه وصاحبه وقريبه . فصنع بنو لاوى كما أمرهم موسى ، فقتلوا في ذلك اليوم من الشعب نحو ثلاثة وعشرين ألف رجل (وفي رواية نحو ثلاثة آلاف رجل) وفي غد ذلك اليوم كلم موسى الشعب، وقال لهم : أنتم قد أخطأتم خطيئة عظيمة ، وإني الآن أصعد إلى الرب فأتضرع إليه من أجل خطيئتكم . فصعد موسى وتضرع للرب وسأل المغفرة لقومه اهـ. ولاوى : ثالث مولود ليعقوب عليه السلام من أولاده الاثني عشر ، معناه في العربية ملتصق أو متصل . والأحبار اللاويون ينسبون إليه ، وقد اختارهم تعالى من بني إسرائيل على لسان موسى عليه السلام للخدمة المقدسة . وجعلهم من المقربين لديه . وبما سقناه يعلم أن قوله تعالى "فاقتلوا أنفسكم" أمر لمن لم يعبد العجل ، أعني اللاويين ، أن يقتلوا العبدة . لا كما فهمه بعضهم من قتل بعضهم بعضا مطلقا . القول في تأويل قوله تعالى : [55 ] وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون [56 ] ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم [ ص: 128 ] الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون أي : واذكروا نعمتي عليكم في بعثي لكم بعد الصعق ; إذ سألتم رؤيتي عيانا مما لا يستطاع لكم ولا لأمثالكم في دار الدنيا . وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن القائلين لموسى ذلك هم السبعون المختارون . ويؤيده آية الأعراف واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب الآية . وقد غلط أهل الكتاب في دعواهم أن هؤلاء رأوا الله عز وجل ; فإن موسى الكليم عليه السلام قد سأل ذلك ، فمنع منه ، فكيف يناله هؤلاء السبعون ؟ أفاده ابن كثير . وقد رأيت دعواهم المذكورة في الفصل الرابع والعشرين في سفر الخروج . وهذا من المواضع المحقق تحريفها . ويدل عليه ما في الفصل الثالث والثلاثين من السفر المذكور أنه تعالى قال لموسى : لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش اهـ. وجهرة ، في الأصل ، مصدر قولك جهرت بالقراءة . استعيرت للمعاينة، لما بينهما من الاتحاد . في الوضوح والانكشاف . إلا أن الأول في المسموعات ، والثاني في المبصرات ، ونصبها على المصدر لأنها نوع من الرؤية ، فنصبت بفعلها كما تنصب القرفصاء بفعل الجلوس . أو على الحال من الفاعل أو المفعول . قال ابن جرير : وأصل الصاعقة كل أمر هائل رآه ، أو عاينه ، أو أصابه ، حتى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب ، وإلى ذهاب عقل وغمور فهم ، أو فقد بعض آلات الجسم ، صوتا كان ذلك أو نارا . أو زلزلة أو رجفا (قال) ومما يدل على أنه قد يكون مصعوقا وهو [ ص: 129 ] حي غير ميت قول الله عز وجل : "وخر موسى صعقا" يعني مغشيا عليه . ومنه قول جرير : وهل كان الفرزدق غير قرد أصابته الصواعق فاستدارا ! فقد علم أن موسى لم يكن ، حين غشي عليه وصعق ميتا ; لأن الله جل وعز ، أخبر عنه أنه لما أفاق قال : تبت إليك . ولا شبه جرير الفرزدق ، وهو حي ، بالقرد ميتا ، ولكن معنى ذلك ما وصفناه . وقوله تعالى "وأنتم تنظرون" أي إلى تلك الصاعقة . وقوله تعالى : ثم بعثناكم من بعد موتكم قال الراغب الأصبهاني في تفسيره : البعث إرسال المبعوث من المكان الذي فيه . لكن فرق بين تفاسيره بحسب اختلاف المعلق به ، فقيل : بعثت البعير من مبركه أي : أثرته ، وبعثته في السير أي هيجته ، وبعث الله الميت أحياه ، وضرب البعث على الجند إذا أمروا بالارتحال . وكل ذلك واحد في الحقيقة ، وإنما اختلف لاختلاف صور المبعوثات (ثم قال) والموت حمل على المعروف ، وحمل أيضا على الأحوال الشاقة الجارية مجرى [ ص: 130 ] الموت ، وليس يقتضي قوله "فأخذتكم الصاعقة" أنهم ماتوا. ألا ترى إلى قوله : وخر موسى صعقا لكن الآية تحتمل الأمرين ، وحقيقة ما كان إنما يعتمد فيها على السمع المتعري عن الاحتمالات . انتهى . وقد يؤيد الثاني آية الأعراف المذكورة وهي : واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي فالرجفة هي المسماة بالصاعقة هنا ، والتنزيل يفسر بعضه بعضا ، والأصل توافق الآي . وقد ذكر ابن إسحاق والسدي أن الذين أخذتهم الرجفة هم الذين سألوا موسى رؤية الله جهرة ، وسيأتي في الأعراف بسط ذلك إن شاء الله . دلت الآية على أن طلب رؤيته تعالى في الدنيا مستنكر غير جائز ، ولذا لم يذكر ، سبحانه وتعالى ، سؤال الرؤية إلا استعظمه ، وذلك في آيات : منها هذه . ومنها قوله تعالى : يسألك أهل الكتاب أن تنـزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ومنها قوله تعالى : وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنـزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا فدلت هذه التهويلات الفظيعة الواردة لطالبيها في الدنيا على امتناعها فيها . وكما أخبر تعالى بأنه لا يرى في الدنيا ، فقد وعد الوعد الصادق عز وجل برؤيته في الدار الآخرة في آيات عديدة ، كما تواترت الأحاديث الصحيحة بذلك ، وهي قطعية الدلالة ، لا ينبغي لمنصف أن يتمسك في مقابلها بتلك القواعد الكلامية التي جاء بها قدماء المعتزلة ، وزعموا أن العقل قد حكم بها .
__________________
|
#25
|
||||
|
||||
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثانى صـ 131 الى صـ 135 الحلقة (25) القول في تأويل قوله تعالى : [57 ] وظللنا عليكم الغمام وأنـزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وظللنا عليكم الغمام وأنـزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم شرع يذكرهم أيضا بما أسبغ عليهم من النعم ، فمنها تظليل الغمام عليهم ، وذلك أنهم كانت تظلهم سحابة إذا ارتحلوا . لئلا تؤذيهم حرارة الشمس ، وقد ذكر تفصيل شأنها في توراتهم في الفصل التاسع من سفر العدد ، ومنها إنزال المن . وقد روي في التوراة أنهم لما ارتحلوا من إيليم وأتوا إلى برية سين ، التي بين إيليم وسيناء ، في منتصف الشهر الثاني بعد خروجهم من مصر ، تذمروا على موسى وهارون في البرية ، وقالوا لهما : ليتنا متنا في أرض مصر إذ كنا نأكل خبزا ولحما ، فأخرجتمانا إلى هذه البرية لتهلكا هذا الجمع بالجوع . فأوحى تعالى لموسى عليه السلام إني أمطر عليكم خبزا من السماء . فليخرج الشعب ، ويلتقطوا حاجة اليوم بيومها طعامهم من أجل أني أمتحنهم ، هل يمشون في شريعتي أم لا ، وليكونوا في اليوم السادس أنهم يهيئون ضعف ما يلتقطونه يوما فيوما . لأن اليوم السابع يوم عيد لا يشخص فيه لأمر المعيشة ولا لطلبة شيء . فقال لهم موسى : إن الرب تعالى يعطيكم عند المساء لحما تأكلون ، وبالغداة تشبعون خبزا . فكان في المساء أن السلوى صعدت وغطت المحلة ، وبالغداة أيضا وقع الندى حول المحلة . ولما غطى وجه الأرض تباين في البرية شيء رقيق كأنه مدقوق بالمدقة ، يشبه الجليد على الأرض . فلما نظر إليه بنو إسرائيل قالوا : ما هذا ؟ لأنهم لم يعرفوه . فقال لهم موسى : هذا هو الخبز الذي أعطاكم الرب لتأكلوا . وقد أمركم أن يلقط كل واحد على قدر ما في بيته ، وقدر مأكله . ففعل بنو إسرائيل كذلك ، ولقطوا ما بين مكثر ومقلل ، وقال لهم موسى : لا تبقوا منه شيئا إلى الغد . فلم يطيعوا [ ص: 132 ] موسى ، واستفضل منه رجال إلى الغد ، فضرب فيه الدود ونتن ، فغضب عليهم موسى ، وكانوا يلقطون غدوة ، كل إنسان يلقط على قدر ما يأكل ، فإذا أصابه حر الشمس ذاب . وقد أعطوا في اليوم السادس خبز يومين ليجلس كل رجل منهم في مكانه في اليوم السابع ، راحة وتقديسا له . وكان إذا خرج بعض الشعب ليلقط ، يوم السابع ، لا يجد في الأرض منه شيئا . ودعا آل إسرائيل اسمه المن ، وكان مثل حب الكزبرة أبيض ، وطعمه كرقاق بعسل ، وأكل بنو إسرائيل المن أربعين سنة حتى أتوا إلى الأرض العامرة ، ودنوا من تخوم أرض كنعان . وروي في ترجمة التوراة أيضا أن المن كان يشبه لون اللؤلؤ . وكان يطوف الشعب ويلتقطونه ويطحنونه بالرحى . ويدقونه في الهاون ويطبخونه في القدور ، ويعملون منه رغفا طعمها كالخبز المعجون بالدهن . ومتى نزل الندى على المحلة ليلا كان ينزل المن معه اهـ. هذا ما كان من أمر المن . وأما السلوى فروي أيضا : أن جماعة ممن صعد مع بني إسرائيل من مصر تاقت أنفسهم للحم وجلسوا يبكون ، ووافقهم بنو إسرائيل على اشتهائه أيضا . وقالوا : من يطعمنا لحما لنأكل ؟ قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله بمصر من غير ثمن ، والقثاء والبطيخ والكراث والبصل والثوم . والآن قد يبست نفوسنا ولا تنظر عيوننا إلا المن . فلما سمع موسى الشعب يبكون بعشائرهم ، وعلم غضب الرب عليهم ؛ لذلك ، ابتهل إلى ربه وقال : من أين لي لحم أطعم منه هذا الجمع وهم يبكون علي ويقولون أعطنا لحما لنأكل ؟ فأوحى إليه ربه أن يجمع سبعين رجلا من شيوخ شعبه وعرفائه ، ويقبل بهم إلى خيمة الاجتماع فيكونوا معه ، ثم كلمه ربه ووعده أن يعطيه لحما يأكلون منه شهرا حتى يأنفوا منه . فأخبر موسى الشعب بذلك . ثم انحاز إلى المحلة هو وشيوخ قومه ، فخرجت ريح وحملت السلوى من البحر وألقتها على المحلة مسيرة يوم حول المحلة من كل جانب ، وكانت تطير بالجو ذراعين على الأرض ، وقام الشعب يومهم ذلك كله والليل . وفي غد اليوم الثاني ، فجمعوا السلوى أقل من جمع عشرة أكرار ، سطحوه سطيحا ويبسوه حول المحلة . [ ص: 133 ] وقبل أن ينقطع اللحم من عندهم غضب الرب تعالى على الشعب ; فضربه ضربة عظيمة جدا ، ودعي اسم ذلك الموضع قبور الشهوة . لأنهم هناك دفنوا القوم الذين اشتهوا . ثم خرجوا من قبور الشهوة ، وارتحلوا لغيره . انتهى . وقوله تعالى "كلوا" على إرادة القول أي قائلين لهم أو قيل لهم كلوا . وقوله "وما ظلمونا" كلام عدل به عن نهج الخطاب السابق للإيذان باقتضاء جنايات المخاطبين للإعراض عنهم وتعداد قبائحهم عند غيرهم على طريق المباثة . معطوف على مضمر قد حذف للإيجاز ، والإشعار بأنه أمر محقق غني عن التصريح به . أي : فظلموا بأن أكثروا من التضجر والتذمر على ربهم وشكوى سكناهم في البرية وفراقهم مصر ، وما ظلمونا بذلك ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، بالعصيان . إذ لا يتخطاهم ضرره ، وبذلك حق عليهم العذاب الذي ضربوا به كما ذكرناه . القول في تأويل قوله تعالى : [58 ] وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنـزيد المحسنين [59 ] فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنـزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنـزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنـزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون هذا إشارة إلى ما حل ببني إسرائيل لما -نكلوا عن الجهاد- ودخولهم الأرض [ ص: 134 ] المقدسة -أرض كنعان- لما قدموا من بلاد مصر صحبة موسى عليه السلام ، وإنما أطلق على الأرض المذكورة قرية ; لأن القرية : كل مكان اتصلت به الأبنية واتخذ قرارا . وتقع على المدن وغيرها -كذا في "كفاية المتحفظ"- ثم إن ما قص- هنا -ذكر في سورة المائدة في قوله تعالى : وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون الآيات . وقوله تعالى "ادخلوا الباب سجدا" في التأويلات : يحتمل المراد من الباب حقيقة الباب ، وهو باب القرية التي أمروا بالدخول فيها . ويحتمل من الباب القرية نفسها ، لا حقيقة الباب- كقوله "وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية" ذكر القرية ولم يذكر الباب- ، وذلك في اللغة جائز . (ويقال : فلان دخل في باب كذا - لا يعنون حقيقة الباب ، ولكن كونه في أمر هو فيه . وقوله "سجدا" يحتمل المراد من السجود : حقيقة السجود . فيخرج على وجوه: على التحية لذلك المكان ، ويحتمل على الشكر له لما أهلك أعداءهم الجبارين ؛ ويحتمل الكناية عن الصلاة -إذ العرب قد تسمي السجود (صلاة)- كأنهم أمروا بالصلاة فيها ؛ ويحتمل أن الأمر بالسجود -لا على حقيقة السجود والصلاة- ولكن أمر بالخضوع له والطاعة والشكر على أياديه. والله أعلم . وقوله تعالى "وقولوا حطة" خبر محذوف، أي مسألتنا حطة -والأصل النصب- بمعنى : حط عنا ذنوبنا حطة، وإنما رفعت لتعطي معنى الثبات . [ ص: 135 ] وقوله سبحانه : فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم أي : بدلوا أمره تعالى لهم -بدخول الأرض مجاهدين- بالإحجام عنه ، وتثبيط الناس . ولذا قال أبو مسلم "قوله تعالى "فبدل" يدل على أنهم لم يفعلوا ما أمروا به ، لا على أنهم أتوا له ببدل. والدليل عليه : أن تبديل القول قد يستعمل في المخالفة . قال تعالى : سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى قوله : يريدون أن يبدلوا كلام الله ولم يكن تبديلهم إلا الخلاف في الفعل لا في القول . فكذا هنا ، فيكون المعنى : إنهم لما أمروا بدخول الأرض -وما ذكر معه- لم يمتثلوا أمر الله ، ولم يلتفتوا إليه" . وفي تكرير "الذين ظلموا" زيادة في تقبيح أمرهم ، وإيذان بأن إنزال الرجز عليهم لظلمهم . و(الرجز) : هو الموت بغتة ، كما تقدم . قال الراغب : وتخصيص قوله "رجزا من السماء" هو أن العذاب ضربان : ضرب قد يمكن -على بعض الوجوه- دفاعه ، أو يظن أنه يمكن فيه ذلك ، وهو كل عذاب على يد آدمي ، أو من جهة المخلوقات كالهدم والغرق . وضرب لا يمكن -ولا يظن- دفاعه بقوة آدمي كالطاعون ، والصاعقة ، والموت- وهو المعني بقوله "رجزا من السماء" اهـ.
__________________
|
#26
|
||||
|
||||
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثانى صـ 136 الى صـ 140 الحلقة (26) القول في تأويل قوله تعالى : [60 ] وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين هذا تذكير لنعمة أخرى كفروها . روي في توراتهم أنه ارتحلت كل جماعة بني إسرائيل [ ص: 136 ] من برية سينا بأمره تعالى ، وحلوا في رقادين ، ولم يكن هناك ماء ليشربوا ، فخاصموا موسى ، وقالوا له أعطنا ماء لنشرب ، أخرجتنا من مصر لتقتلنا نحن وأولادنا ، ودوابنا بالعطش ؟ فابتهل موسى إلى ربه في السقيا ، فأوحى إليه أن امض أمام الشعب ، وخذ معك من شيوخ إسرائيل . والعصا التي ضربت بها النهر خذها بيدك . واذهب إلى صخرة حوريب ، فاضربها فيخرج منها ماء ليشرب الشعب . ففعل موسى كذلك أمام شيوخ إسرائيل . انتهى . وقوله تعالى "اثنتا عشرة عينا" أي عدد أسباط يعقوب الاثني عشر ، لكل سبط منهم عين قد عرفوها . قال الراغب: وأنكر ذلك بعض الطبيعيين واستبعده ، وهذا المنكر ، مع أنه لم يتصور قدرة الله تعالى في تغيير الطبائع والاستحالات الخارجة عن العادات ، فقد ترك النظر على طريقته . إذ قد تقرر عندهم أن حجر المغناطيس يجر الحديد ، وأن الحجر المنفر للنحل ينفره ، والحجر الحلاق يحلق الشعر ، وذلك كله عندهم من أسرار الطبيعة . وإذا لم يكن مثل ذلك منكرا عندهم ، فغير ممتنع أن يخلق الله حجرا يسخره لجذب الماء من تحت الأرض . اهـ. وقوله : ولا تعثوا في الأرض مفسدين أي لا تمشوا في الأرض بالفساد ، وخلاف أمر موسى . قال الراغب : فإن قيل : فما فائدة قوله "مفسدين" والعثو ضرب من الإفساد ؟ قيل : قد قال بعض النحويين : إن ذلك حال مؤكدة، وذكر ألفاظا مما يشبه . وقال بعض المحققين : إن العثو ، وإن اقتضى الفساد ، فليس بموضوع له ، بل هو كالاعتداء ، وقد يوجد في الاعتداء ما ليس بفساد ، وهو مقابلة المعتدي بفعله نحو : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وهذا الاعتداء ليس بإفساد ، بل هو، بالإضافة إلى [ ص: 137 ] ما قوبل به ، عدل . ولولا كونه جزاء لكان إفسادا . فبين تعالى أن العثو المنهي عنه ، هو المقصود به الإفساد . فالإفساد مكروه على الإطلاق ، ولهذا قال : ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وقد يكون في صورة العثو والتعدي ما هو صلاح وعدل ، كما تقدم . وهذا ظاهر اهـ . القول في تأويل قوله تعالى : [61 ] وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد قال قتادة : لما ملوا طعامهم وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه قبل ذلك ، قالوا ذلك . قال الراغب : إن قيل : كيف قال : لن نصبر على طعام واحد وكان لهم المن والسلوى ، قيل : إن ذلك إشارة إلى مساواته في الأزمنة المختلفة ، كقولك : فلان يفعل فعلا واحدا في كل يوم ، وإن كثرت أفعاله ، إذا تحرى طريقة واحدة وداوم عليها اهـ. وهذا المعنى في إنكار الطعام أبلغ . لأنهم لم يكتفوا في إنكاره بقولهم "لن نصبر على طعام" ، حتى أكدوا بقولهم "واحد" أو [ ص: 138 ] أرادوا بالواحد ما لا يختلف ولا يتبدل . فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها هو الثوم لقراءة ابن مسعود "وثومها" وللتصريح به في التوراة في هذه القصة . وقد ذكر ابن جرير شواهد لإبدال الثاء فاء لتقارب مخرجيهما كقولهم للأثافي "أثاثي" ، وقولهم وقعوا في عاثور شر وعافور شر ، وللمغافير "مغاثير" "وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى" أي : أدون قدرا ، وأصل الدنو القرب في المكان ، فاستعير للخسة ، كما استعير البعد للشرف والرفعة ، فقيل : بعيد الهمة "بالذي هو خير" أي : بمقابلة ما هو خير ، أي : أرفع وأجل ، وهو المن الذي فيه الحلاوة التي تألفها أغلب الطباع البشرية ، والسلوى من أطيب لحوم الطير ، وفي مجموعهما غذاء تقوم به البنية . وليس فيما طلبوه ما يساويهما لذة ولا تغذية "اهبطوا مصرا" هكذا هو منون مصروف مكتوب بالألف في المصاحف الأئمة العثمانية ، وهو قراءة الجمهور، بالصرف. قال ابن جرير: ولا أستجيز القراءة بغير ذلك، لإجماع المصاحف على ذلك ؛ أي : من الأمصار ، أي انحدروا إليه "فإن لكم" فيها "ما سألتم" أي : فإن الذي سألتم يكون في الأمصار لا في القفار ، والمعنى أن هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز ، بل هو كثير ، في أي بلد دخلتموها وجدتموه . فليس يساوي مع دناءته ، وكثرته في الأمصار أن أسأل الله فيه . ولما حكى الله تعالى إنكار موسى عليه السلام على اليهود استبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير، بعد تعداد النعم ، جاء بحكاية سوء صنيعهم بالأنبياء ، وكفرهم ، واعتدائهم ، وضرب الذلة عليهم لذلك ، استطرادا فقال : وضربت عليهم الذلة والمسكنة فمن هنا إلى قوله : فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون معترض في خلال القصص المتعلقة بحكاية أحوال بني إسرائيل الذين كانوا في عهد موسى ، يدل هذا على قوله : ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين فإن قتل الأنبياء إنما كان من فروعهم وذريتهم . والذلة بالكسر الصغار والهوان والحقارة . والذل بالضم ضد العز . والمسكنة مفعلة من السكون ، لأن المسكين قليل الحركة والنهوض ، لما به من الفقر . والمسكين مفعيل منه -كذا في السمين- [ ص: 139 ] وفي الذلة استعارة بالكناية حيث شبهت بالقبة في الشمول والإحاطة ، أو شبهت الذلة بهم بلصوق الطين بالحائط في عدم الانفكاك . وهذا الخبر الذي أخبر الله تعالى به هو معلوم في جميع الأزمنة ، فإن اليهود أذل الفرق ، وأشدهم مسكنة ، وأكثرهم تصاغرا ، لم ينتظم لهم جمع ، ولا خفقت على رؤوسهم راية ، ولا ثبتت لهم ولاية ، بل ما زالوا عبيد العصى في كل زمن ، وطروقة كل فحل في كل عصر ، ومن تمسك منهم بنصيب من المال ، وإن بلغ في الكثرة أي مبلغ ، فهو مرتد بأثواب المسكنة . "وباؤوا بغضب من الله" أي رجعوا به ، أي صار عليهم ، أو صاروا أحقاء به . من قولهم . باء فلان بفلان ، أي صار حقيقا أن يقتل بمقابلته . فالباء على التقديرين صلة باؤوا ، لا للملابسة . وإلا لاحتيج اعتبار المرجوع إليه ، ولا دلالة في الكلام عليه "ذلك" إشارة إلى ما سلف من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب العظيم "بأنهم" بسبب أنهم "كانوا يكفرون بآيات الله" الباهرة التي ظهرت على يدي عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام : ويقتلون النبيين بغير الحق كزكريا ويحيى عليهما السلام . وقتل الأنبياء في بني إسرائيل كان ظاهرا ، ولم يذكر قتل رسول من الرسل . وذلك -والله أعلم- لقوله : إنا لننصر رسلنا وقوله : إنهم لهم المنصورون وقال قوم : لم يقتل أحد من الرسل ، وإنما قتل الأنبياء ، أو رسل الرسل ، والله أعلم . كذا في التأويلات . وقوله "بغير الحق" لم يخرج مخرج التقييد ، حتى يقال إنه لا يكون قتل الأنبياء بحق في حال من الأحوال ، لمكان العصمة . بل المراد نعي هذا الأمر عليهم ، وتعظيمه ، وأنه ظلم بحت في نفس الأمر ، حملهم عليه اتباع الهوى وحب الدنيا ، والغلو في العصيان ، [ ص: 140 ] والاعتداء ، كما يفصح عنه قوله تعالى : ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون أي : جرهم العصيان والتمادي في العدوان إلى ما ذكر من الكفر ، وقتل الأنبياء عليهم السلام . وقيل : كررت الإشارة للدلالة على أن ما لحقهم ، كما أنه بسبب الكفر والقتل ، فهو بسبب ارتكابهم المعاصي ، واعتدائهم حدود الله تعالى . وعليه فيكون ذكر علل إنزال العقوبة بهم في نهاية حسن الترتيب ; إذ بدئ أولا بما فعلوه في حق الله تعالى وهو كفرهم بآياته . ثم ثني بما يتلوه في العظم ، وهو قتل الأنبياء . ثم بما يكون منهم من المعاصي التي تخصهم . ثم بما يكون منهم من المعاصي المعتدية إلى الغير ، مثل الاعتداء . وهذا من لطائف أسلوب التنزيل. ثم أعلم تعالى بأن باب التوبة مفتوح على الوجه العام لليهود وغيرهم . وأن من ارتكب كبائر الذنوب التي تستوجب الغضب الإلهي ، وضرب الذلة والمسكنة ، كما حل باليهود ، إذا آمن وتاب فله في الدنيا والآخرة ما للمؤمنين . وعادة التنزيل جارية بأنه متى ذكر وعد أو وعيد ، عقب بضده ليكون الكلام تاما فقيل :
__________________
|
#27
|
||||
|
||||
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثانى صـ 141 الى صـ 145 الحلقة (27) القول في تأويل قوله تعالى : [62 ] إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون أي إن الذين آمنوا بما دعا إليه محمد صلى الله عليه وسلم ، وصاروا من جملة أتباعه . قال في فتح البيان: كأنه سبحانه أراد أن يبين أن حال هذه الملة الإسلامية ، وحال من قبلها من سائر الملل ، يرجع إلى شيء واحد ، وهو أن من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحا استحق ما ذكره الله من الأجر . ومن فاته ذلك فاته الخير كله ، والأجر دقه وجله . والمراد بالإيمان ههنا هو ما بينه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله ، لما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان [ ص: 141 ] فقال : « أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره » . ولا يتصف بهذا الإيمان إلا من دخل في الملة الإسلامية . فمن لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا بالقرآن ، فليس بمؤمن . ومن آمن بهما صار مسلما مؤمنا ، ولم يبق يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا . انتهى . قال الراغب في تفسيره : تقدم أن الإيمان يستعمل على وجهين : أحدهما الإقرار بالشهادتين ، الذي يؤمن نفس الإنسان ، وماله عن الإباحة إلا بحق ، وذلك بعد استقرار هذا الدين مختص به كالإسلام . والثاني تحري اليقين فيما يتعاطاه الإنسان من أمر دينه . فقوله : [ ص: 142 ] "إن الذين آمنوا" عنى به المتدين بدين محمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله "من آمن بالله" عنى به المتحري للاعتقاد اليقيني ، فهو غير الأول . ولما كانت مشاهير الأديان هذه الأربع ، بين تعالى أن كل من تعاطى دينا من هذه الأديان في وقت شرعه ، وقبل أن ينسخ ، فتحرى في ذلك الاعتقاد اليقيني ، وأتبع اعتقاده بالأعمال الصالحة ، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . ثم قال : وقول ابن عباس : إن هذا منسوخ بقوله : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه يعنون أن هذه الأديان كلها منسوخة بدين الإسلام ، وأن الله عز وجل جعل لهم الأجر قبل وقت النبي عليه السلام . فأما في وقته ، فالأديان كلها منسوخة بدينه. اهـ. أي فليس مراد ابن عباس ، ومن وافقه ، أنه تعالى كان وعد من عمل صالحا من اليهود ، ومن ذكر معهم على عمله ، في الآخرة الجنة، ثم نسخه بآية : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه بل مراده ما ذكر الراغب . وهذا ما لا شبهة فيه . ولذا قال ابن جرير : ظاهر التنزيل يدل على أنه تعالى لم يخصص بالأجر على العمل الصالح مع الإيمان ، بعض خلقه دون بعض منهم ، والخبر بقوله : من آمن بالله واليوم الآخر عن جميع ما ذكر في أول الآية . تنبيه : ظاهر هذه الآية ، مع تفسير الراغب "من آمن" بالمتحري للاعتقاد اليقيني ، مما قد يستدل به العنبري لمذهبه . فقد نقل الأصوليون في باب الاجتهاد والتقليد أن العنبري ذهب إلى أن كل مجتهد مصيب ، حتى في الأصول ، ووافقه الجاحظ . قال الغزالي في " المستصفى " : ذهب الجاحظ إلى أن مخالف ملة الإسلام من اليهود والنصارى والدهرية، إن كان معاندا على خلاف اعتقاده ، فهو آثم ، وإن نظر فعجز عن درك الحق فهو معذور [ ص: 143 ] غير آثم ، وإن لم ينظر من حيث لم يعرف وجوب النظر ، فهو أيضا معذور ، وإنما الآثم المعذب المعاند فقط ; لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها . وهؤلاء قد عجزوا عن درك الحق ، ولزموا عقائدهم خوفا من الله تعالى ; إذ استد عليهم طريق المعرفة . ثم رده الغزالي بأدلة سمعية ضرورية ، وذلك مثل معرفتنا ضرورة أمره عليه السلام اليهود والنصارى بالإيمان به ، وذمهم على إصرارهم على عقائدهم ، وذلك لا ينحصر في الكتاب والسنة. ثم قال الغزالي : وأما قوله -أي : الجاحظ- : كيف يكلفهم ما لا يطيقون ؟ قلنا : نعلم ضرورة أنه كلفهم ، أما أنهم يطيقون أو لا يطيقون ، فلننظر فيه ، بل نبه الله تعالى على أنه أقدرهم عليه بما رزقهم من العقل ، ونصب من الأدلة ، وبعث من الرسل المؤيدين بالمعجزات ، الذين نبهوا العقول ، وحركوا دواعي النظر ، حتى لم يبق على الله لأحد حجة بعد الرسل اهـ. وقوله : والذين هادوا أي : تهودوا . يقال : هاد يهود ، وتهود ، إذا دخل في اليهودية . وهو هائد ، والجمع هود . وهم أمة موسى عليه السلام ، وإنما لزمهم هذا الاسم ; لأن الإسرائيليين الذين رجعوا من جلاء سبعين سنة ، ومن سبي بابل إلى وطنهم القديم ، كان أكثرهم من نسل يهوذا بن يعقوب (بالذال المعجمة ، فقلبتها العرب دالا مهملة) . وقوله تعالى "والنصارى" جمع نصران ، كندامى جمع ندمان ، يقال : رجل نصران ، وامرأة نصرانية ، والياء في نصراني للمبالغة ، كما في أحمري ، سموا بذلك لأنهم نصروا المسيح عليه السلام -كذا في " الكشاف"- أو هو جمع نصراني ، مغير عن ناصري نسبة إلى ناصرة -القرية المعروفة- وقد نسب إليها المسيح عليه السلام ، لأنه ربي بها . وجاء في الإنجيل "يسوع الناصري" . وقوله تعالى "والصابئين" جمع صابئ ، ويقال لهم الصابئة . قال ابن جرير : الصابئ هو المستحدث ، سوى دينه ، دينا ، كالمرتد من أهل الإسلام عن دينه . وكل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره تسميه العرب "صابئا" . يقال منه : صبا فلان يصبو صباء ، ويقال : صبأت النجوم إذا طلعت . وقد اختلف أهل [ ص: 144 ] التأويل فيمن يلزمه هذا الاسم ، من أهل الملل . فقال بعضهم : يلزم ذلك كل من خرج من دين إلى غير دين . وقالوا : الذي عنى الله بهذا الاسم قوما لا دين لهم ، فعن مجاهد : الصابئون ليسوا بيهود ولا نصارى ، ولا دين لهم . وعن ابن زيد : الصابئون دين من الأديان كانوا بجزيرة الموصل ، يقولون لا إله إلا الله ، وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي . وعن قتادة : أنهم قوم يعبدون الملائكة اهـ. وقال الإمام الشهرستاني ، في الكلام عن الصابئة ما مثاله : والصبوة في مقابلة الحنيفية . وفي اللغة : صبا الرجل إذا مال وزاغ . فبحكم ميل هؤلاء عن سنن الحق وزيغهم عن نهج الأنبياء قيل لهم : الصابئة . وهم يقولون : الصبوة هو الانحلال عن قيد الرجال . وإنما مدار مذهبهم على التعصب للروحانيين ، كما أن مدار مذهب الحنفاء هو التعصب للبشر الجسمانيين . والصابئة تدعي أن مذهبها هو الاكتساب ، والحنفاء تدعي أن مذهبها هو الفطرة . فدعوة الصابئة إلى الاكتساب ، ودعوة الحنفاء إلى الفطرة ، فالصابئة قوم يقولون بحدود وأحكام عقلية ، ولا يقولون بالشريعة والإسلام . فيقابلون أرباب الديانات تقابل التضاد . والصابئة الأولى الذين قالوا بعاذيمون وهرمس ، وهما شيت وإدريس ، ولم يقولوا بغيرهما من الأنبياء . وهم أصحاب الروحانيات . فيعتقدون أن للعالم صانعا حكيما مقدسا عن سمات الحدثان . والواجب علينا معرفة العجز عن الوصول إلى جلاله ، وإنما يتقرب إليه بالمتوسطات المقربين لديه ، وهم الروحانيون المطهرون المقدسون جوهرا وفعلا وحالة . أما الجوهر فهم المقدسون عن المواد الجسمانية ، الذين جبلوا على الطهارة ، وفطروا على التقديس والتسبيح ، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . قالوا فنحن نتقرب إليهم ونتوكل عليهم ، منهم أربابنا وآلهتنا وشفعاؤنا عند الله ، وهو رب الأرباب . وأما الفعل ، فقالوا : الروحانيات هم الأسباب المتوسطون في الاختراع وتصريف الأمور من حال إلى حال ، يستمدون القوة من الحضرة الإلهية ، ويفيضون الفيض على الموجودات السفلية ، [ ص: 145 ] فمنها مدبرات الكواكب السبع السيارة في أفلاكها وهي هياكلها ، ولكل روحاني هيكل ، ولكل هيكل فلك ، ونسبة الروحاني إلى ذلك الهيكل الذي اختص به نسبة الروح إلى الجسد ، فهو ربه ومدبره . وكانوا يسمون الهياكل أربابا ، وربما يسمونها آباء ، والعناصر أمهات. ففعل الروحانيات : تحريكها على قدر مخصوص ليحصل من حركاتها انفعالات في الطبائع والعناصر ، فيحصل من ذلك تركيبات وامتزاجات في المركبات ، فيتبعها قوى جسمانية ويركب عليها نفوس روحانية: مثل أنواع النبات وأنواع الحيوان . ثم قد تكون التأثيرات كلية صادرة عن روحاني كلي ، وقد تكون جزئية صادرة عن روحاني جزئي . فمع جنس المطر ملك ، ومع كل قطرة ملك . ومنها مدبرات الآثار العلوية الظاهرة في الجو مما يصعد من الأرض فينزل ، مثل الأمطار والثلوج والبرد والرياح ، وما ينزل من السماء : مثل الصواعق والشهب ، وما يحدث في الجو من الرعد ، والبرق ، والسحاب ، والضباب ، وقوس قزح ، وذوات الأذناب ، والهالة ، والمجرة ؛ وما يحدث في الأرض من الزلازل ، والمياه ، والأبخرة ، إلى غير ذلك . قالوا : وأما الحالة ، فأحوال الروحانيات من الروح والريحان والنعمة واللذة والسرور في جوار رب الأرباب كيف يخفى ؟ . هذا ملخص ما أفاده العلامة الشهرستاني في كتاب -الملل والنحل- ثم ساق مناظرات ومحاورات بين الصابئة والحنفاء جرت في المفاضلة بين الروحاني المحض ، والبشرية النبوية ، وأوردها على شكل سؤال وجواب. فلتنظر ثم .
__________________
|
#28
|
||||
|
||||
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثانى صـ 146 الى صـ 150 الحلقة (28) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه -في الرد على المنطقيين- إن حران كانت دار هؤلاء الصابئة ، وفيها ولد إبراهيم عليه السلام ، (أو انتقل إليها من العراق . على اختلاف القولين)، وكان بها هيكل الصلة الأولى ، هيكل العقل الأول ، هيكل النفس الكلية ، هيكل زحل . هيكل المشترى . هيكل المريخ ، هيكل الشمس . وكذلك الزهرة ، وعطارد ، والقمر . وكان هذا دينهم قبل ظهور النصرانية فيهم . ثم ظهرت النصرانية فيهم مع بقاء أولئك الصابئة [ ص: 146 ] المشركين ، حتى جاء الإسلام ، ولم يزل بها الصابئة والفلاسفة في دولة الإسلام إلى آخر وقت ، ومنهم الصابئة الذين كانوا ببغداد وغيرها ، أطباء وكتابا ، وبعضهم لم يسلم . وكذلك كان دين أهل دمشق وغيرها قبل ظهور النصرانية . وكانوا يصلون إلى القطب الشمالي . وتحت جامع دمشق معبد كبير له قبلة إلى القطب الشمالي كان لهؤلاء . فإن الصابئة نوعان : صابئة حنفاء موحدون ، وصابئة مشركون . فالأول هم الذين أثنى الله عليهم بهذه الآية . فأثنى على من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا . من هذه الملل الأربع : المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين ، فهؤلاء كانوا يدينون بالتوراة قبل النسخ والتبديل ، وكذلك الذين دانوا بالإنجيل قبل النسخ والتبديل . والصابئون الذين كانوا قبل هؤلاء ، كالمتبعين ملة إبراهيم إمام الحنفاء قبل نزول التوراة والإنجيل . وهذا بخلاف المجوس والمشركين ، فإنه ليس فيهم مؤمن . فلهذا قال تعالى : إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد فذكر الملل الست هؤلاء ، وأخبر أنه يفصل بينهم يوم القيامة . لم يذكر في الست من كان مؤمنا ، وإنما ذكر ذلك في الأربعة فقط . ثم إن الصابئين ابتدعوا الشرك فصاروا مشركين ، والفلاسفة المشركون من هؤلاء المشركين . وأما قدماء الفلاسفة الذين كانوا يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئا ، ويؤمنون بأن الله محدث لهذا العالم ، ويقرون بمعاد الأبدان ، فأولئك من الصابئة الحنفاء الذين أثنى الله عليهم . ثم المشركون من الصابئة كانوا يقرون بحدوث هذا العالم كما كان المشركون من العرب يقرون بحدوثه . وكذلك المشركون من الهند . وقد ذكر أهل المقالات أن أول من ظهر عنه القول بقدمه من هؤلاء الفلاسفة المشركين ، هو أرسطو . انتهى . وما قرره الإمام ابن تيمية ، يؤيد ما ذهب إليه كثير من المفسرين ، من أن معنى [ ص: 147 ] قوله تعالى "من آمن" من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ ، مصدقا بقلبه بالمبدأ والمعاد ، عاملا بمقتضى شرعه ، وذلك كأهل الكتابين أو كان من الصابئة الموحدين . وذهب آخرون إلى أن معنى قوله "من آمن" من أحدث من هذه الطوائف ، إيمانا خالصا بما ذكر . قالوا : لأن مقتضى المقام هو الترغيب في دين الإسلام . وأما بيان حال من مضى على دين آخر قبل انتساخه ، فلا ملابسة له بالمقام ، والصابئون ليس لهم دين يجوز رعايته في وقت من الأوقات . فليتأمل . وقوله تعالى "فلهم أجرهم" أي : الذي وعدوه على تلك الأعمال المشروطة بالإيمان ، وهو في الأصل جعل العامل على عمله . وفي قوله "عند ربهم" مزيد لطف بهم وإيذان بأن أجرهم متيقن الثبوت ، مأمون من الفوات . وقوله تعالى "ولا خوف عليهم" أي حين يخاف الكفار العقاب ويحزنون على تفويت الثواب . (تنبيه) قال العلامة البقاعي في تفسيره : وحسن وضع هذه الآية ، في أثناء قصصهم ، أنهم كانوا مأمورين بقتل كل ذكر ممن عداهم . وربما أمروا بقتل النساء أيضا . فربما ظن من ذلك أن من آمن من غيرهم لا يقبل . وقد ذكر منه في سورة المائدة ، وفي وضعها أيضا في أثناء قصصهم ، إشارة إلى تكذيبهم في قولهم : ليس علينا في الأميين سبيل وأن المدار في عصمة الدم والمال إنما هو الإيمان والاستقامة . وذلك موجود في نص التوراة في غير موضع . وفيها تهديدهم على المخالفة في ذلك بالذل والمسكنة . وسيأتي بعض ذلك عند قوله لا تعبدون إلا الله الآية . بل وفيها ما يقتضي المنع من مال المخالف [ ص: 148 ] في الدين ، فإنه قال في وسط السفر الثاني : وإذا لقيت ثور عدوك أو حماره وعليه حمولة فارددها إليه . وإذا رأيت حمار عدوك جاثما تحت حمله فهممت أن لا توازره فوازره وساعده . ثم رجع إلى قصصهم على أحسن وجه فقال : القول في تأويل قوله تعالى : [63 ] وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون "وإذ أخذنا ميثاقكم" تذكيرا لجناية أخرى لأسلافهم ، أي واذكروا وقت أخذنا لميثاقكم بالمحافظة على ما في التوراة ، ورفعنا فوقكم الطور ترهيبا لكم لتقبلوا الميثاق . وذلك أن الطور اقتلع من أصله ، ورفع وظلل فوقهم . والطور : هو الجبل . وقيل لهم وهو مطل فوقهم "خذوا ما آتيناكم" من الكتاب "بقوة" أي بجد واجتهاد "واذكروا ما فيه" واحفظوا ما في الكتاب وادرسوه ولا تنسوه ولا تغفلوا عنه "لعلكم تتقون" لكي تتقوا المعاصي ، أو رجاء منكم أن تنتظموا في سلك المتقين ، أو طلبا لذلك . وهذه الآية نظير قوله تعالى في سورة الأعراف : وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون قال الراغب : إن قيل إن هذا يكون إلجاء ولا يستحق به الثواب ، قيل : لم يستحقوا الثواب بالالتزام ، وإنما استحقوه بالعمل بها من بعد . فأما في التزامها فمضطرون ، وقال بعض [ ص: 149 ] الناس : عنى بالطور تشديد الأمر عليهم ، وجعل ذلك مثلا . وذلك بعيد . ومثله قال القاشاني : طور الدماغ للتمكن من فهم المعاني وقبولها . فإنه بعيد يأباه ظاهر الآية الأخرى . وإن كان الإطلاق في اللغة لا ينحصر في الحقيقة . القول في تأويل قوله تعالى : [64 ] ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين "ثم توليتم" أي : أعرضتم عن الوفاء بالميثاق "من بعد ذلك" أي : من بعد أخذ ذلك الميثاق المؤكد : فلولا فضل الله عليكم ورحمته أي لكم بتوفيقكم للتوبة ، أو تأخير العذاب، لكنتم من الخاسرين أي الهالكين بالعقوبة . قال الراغب : الخاسر المطلق ، في القرآن ، هو الذي خسر أعظم ما يقتنى ، وذلك نعيم الأبد ، وهو المذكور في قوله : قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وقال القفال : قد يعلم في الجملة أنهم بعد قبول التوراة ورفع الطور ، تولوا عن التوراة بأمور كثيرة ; فحرفوا كلمها عن مواضعه ، وتركوا العمل بها ، وقتلوا الأنبياء ، وكفروا بهم ، وعصوا أمرهم . ومنها ما عمله أوائلهم ، ومنها ما فعله متأخروهم ، ولم يزالوا في التيه مع مشاهدتهم الأعاجيب ليلا ونهارا يخالفون موسى ويعترضون عليه ، ويلقونه بكل أذى ويجاهرون بالمعاصي في معسكرهم ذلك . حتى لقد خسف ببعضهم ، وأحرقت النار بعضهم، وعوقبوا بالطاعون . وكل هذا مذكور في تراجم التوراة التي يقرون بها ، ثم فعل متأخروهم ما لا خفاء به . حتى عوقبوا بتخريب بيت المقدس ، وكفروا بالمسيح ، وهموا بقتله . والقرآن ، وإن لم يكن فيه بيان ما تولوا به عن التوراة ، فالجملة معروفة ، وذلك إخبار من الله تعالى عن عناد أسلافهم . فغير عجيب إنكارهم ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام [ ص: 150 ] من الكتاب ، وجحودهم لحقه . وحالهم في كتابهم ونبيهم ما ذكر . والله أعلم . ثم ذكرهم تعالى بالإيقاع بمن نقض ميثاقه وفيما أخذه عليهم من تعظيم السبت بقوله :
__________________
|
#29
|
||||
|
||||
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
__________________
|
#30
|
||||
|
||||
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثانى صـ 156 الى صـ 160 الحلقة (30) (تنبيه) قال الراغب : قال بعض الناس : في هذه الآية دلالة على نسخ الشيء قبل [ ص: 156 ] فعله . فإن في الأول أمروا بذبح بقرة غير معينة ، وكان لهم أن يذبحوا أي بقرة شاؤوا . وفي الثاني والثالث أمروا بذبح بقرة مخصوصة . فكأنهم نهوا عما كانوا أمروا به من قبل . وليس كذلك ، فإن الأول أمر مطلق ، والثاني والثالث كالبيان له ، لما راجعوا ، ولم يسقط عنهم ذبح البقرة . بل زيد في أوصافها ، وكشف عن المراد بالأمر الأول . وفي الآية دلالة على جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة . القول في تأويل قوله تعالى : [72 ] وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها أي : اختلفتم واختصمتم في شأنها ; إذ كل واحد من الخصماء يدافع الآخر : والله مخرج ما كنتم تكتمون مظهر ، لا محالة ما كتمتم من أمر القتيل ، لا يتركه مكتوما . القول في تأويل قوله تعالى : [73 ] فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون "فقلنا اضربوه" أي : المقتول "ببعضها" أي : البقرة . يعني فضربوه فحيى وأخبر بقاتله . كما دل عليه قوله "كذلك" أي : مثل هذا الإحياء العظيم على هذه الهيئة الغريبة "يحيي الله الموتى" يوم القيامة "ويريكم آياته" أي : دلائله الدالة على أنه تعالى على كل شيء قدير . ويجوز أن يراد بالآيات هذا الإحياء . والتعبير عنه بالجمع لاشتماله على أمور بديعة من ترتب الحياة على عضو ميت ، وإخباره بقاتله ، وما يلابسه من الأمور الخارقة للعادة "لعلكم تعقلون" لتكونوا برؤية تلك الآيات على رجاء من أن يحصل لكم عقل ، فيرشدكم إلى اعتقاد البعث وغيره ، مما تخبر به الرسل عن الله تعالى . [ ص: 157 ] قال الراغب : وقوله كذلك يحيي الله الموتى قيل هو حكاية عن قول موسى عليه السلام لقومه ، وقيل بل هو خطاب من الله تعالى لهذه الأمة ، تنبيها على الاعتبار بإحيائه الموتى . تنبيهات : (الأول) : قال الزمخشري : (فإن قلت) : فما للقصة لم تقص على ترتيبها ، وكان حقها أن يقدم ذكر القتيل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها ؟ فيقال : وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ، فقلنا اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها ؟ (أجيب) : بأن كل ما قص من قصص بني إسرائيل ، إنما قص تعديدا لما وجد منهم من الجنايات ، وتقريعا لهم عليها ، ولما جدد فيهم من الآيات العظام . وهاتان قصتان كل واحدة منهما مستقلة بنوع من التقريع وإن كانتا متصلتين متحدتين . فالأولى لتقريعهم على الاستهزاء ، وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتبع ذلك . والثانية للتقريع على قتل النفس المحرمة ، وما يتبعه من الآية العظيمة . وإنما قدمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل، لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة ، ولذهب الغرض في تثنية التقريع . ولقد روعيت نكتة ، بعد ما استؤنفت الثانية ، استئناف قصة برأسها أن وصلت بالأولى دلالة على اتحادهما بضمير البقرة لا باسمها الصريح في قوله : اضربوه ببعضها ، حتى تبين أنهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع ، وتثنيته بإخراج الثانية مخرج الاستئناف مع تأخيرها . وأنها قصة واحدة بالضمير الراجع إلى البقرة. اهـ. وقال الحرالي : قدم نبأ قول موسى عليه السلام على ذكر ندائهم في القتيل ، ابتداء بأشرف القصدين من معنى التشريع الذي هو القائم على أفعال الاعتداء وأقوال الخصومة . والله أعلم . (التنبيه الثاني) قال الراغب : قد استبعد بعض الناس ذلك وما حكاه الله منه ، وأنكر [ ص: 158 ] حصول ذلك الفعل على الحقيقة وقال : ذلك ممتنع من حيث الطبيعة ، وأيضا فإن ذلك لا يعرف فيه حكمة إلهية . فأما استبعاده ذلك من حيث الطبيعة فإنما هو استبعاد للإحياء والنشور ، ولذلك موضع لا يختص بالتفسير . ومن كان ذلك طريقته فلا خوض معه في تفسير القرآن . وأما الحكمة فيه فظاهرة إذ هو من المعجزات المحسوسة الباهرة للعقول . وأما تخصيص البقرة ، فإن كثيرا من حكمة الله تعالى لا يمكن للبشر الوقوف عليه . ولو لم يكن في تخصيص بقرة على وصف مخصوص إلا توافر المأمورين بذلك على طلبها ، واستيجاب الثواب في بذل ثمنها ، وجلب نفع توفر إلى صاحبها -لكان في ذلك حكمة عظيمة . وفي الآية تنبيه على أن الجماعة التي حكمهم واحد يجوز أن ينسب الفعل إليهم ، وإن كان واقعا من بعضهم ، ولا يكون ذلك كذبا ، كأن الجملة المركبة من شخص واحد يصح أن ينسب إليها ما وقع من عضو منها . وقد ذكر أكثر المفسرين قصة البقرة وصاحبها بروايات مختلفة لم نورد شيئا منها لأنه لم يرو بسند صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يتعلق به كبير فائدة . كما أن البعض من البقرة لم يجئ من طريق صحيح عن معصوم بيانه . فنحن نبهمه كما أبهمه الله تعالى ، إذ ليس في تعيينه لنا فائدة دينية ولا دنيوية ، وإن كان معينا في نفس الأمر ، وأيا كان فالمعجزة حاصلة به . القول في تأويل قوله تعالى : [74 ] ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون ثم قست قلوبكم من بعد ذلك المخاطبون إما أهل الكتاب الذين كانوا في زمنه صلى الله عليه وسلم ، أي اشتدت قلوبكم وقست وصلبت من بعد البينات التي جاءت أوائلكم ، والأمور التي جرت عليهم ، والعقاب الذي نزل بمن أصر على المعصية منهم ، والآيات التي [ ص: 159 ] جاءهم بها أنبياؤهم ، والمواثيق التي أخذوها على أنفسهم ، وعلى كل من دان بالتوراة ممن سواهم . فأخبر بذلك عن طغيانهم وجفائهم مع ما عندهم من العلم بآيات الله التي تلين عندها القلوب . وهذا أولى ; لأن قوله تعالى : "ثم قست قلوبكم" ، خطاب مشافهة . فحمله على الحاضرين أولى . وإما أن يكون المراد أولئك اليهود الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام خصوصا ، أو من قبل المخاطبين من سلفهم . والله أعلم . "فهي كالحجارة" في القساوة "أو أشد" منها "قسوة" أي : هي في القسوة مثل الحجارة أو زائدة عليها فيها . و "أو" للتخيير أو للترديد . بمعنى أن من عرف حالها شبهها بالحجارة ، أو بما هو أقسى كالحديد ، أو من عرفها شبهها بالحجارة ، أو قال هي أقسى من الحجارة ، وترك ضمير المفضل عليه للأمن من الالتباس وإن من الحجارة لما يتفجر أي يتفتح بالسعة والكثرة "منه الأنهار" بيان لأشدية قلوبهم من الحجارة في القساوة وعدم التأثر بالعظات والقوارع التي تميع منها الجبال وتلين بها الصخور ، يعني أن الحجارة ربما تتأثر حيث يكون منها ما يتفجر منه المياه العظيمة "وإن منها لما يشقق" أي يتشقق "فيخرج منه الماء" أي العيون التي هي دون الأنهار وإن منها لما يهبط من خشية الله أي يتردى من رأس الجبل من خشية الله ، انقيادا لما سخره له من الميل إلى المركز بالسلاسة ، قاله القاشاني . وقد ذهب بعض المفسرين إلى الاستدلال بظاهر الآية على خلق التمييز في الجماد حتى يخشى ويسبح . والمحققون على أن هذه الآية وأمثالها من المجاز البليغ . وأن الإطلاق لا ينحصر في الحقيقة . لا سيما وأن المجاز أكثر في اللسان منها ، كما بسط في مطولات البيان . وقد رد الإمام ابن حزم، في أول كتابه "الفصل" على من زعم أن للحيوان والجماد تمييزا ، ردا مسهبا . وقال : من ادعى ذلك أكذبه العيان . ثم استثنى ما كان معجزة للأنبياء عليهم السلام . (قال) : ولعل معترضا يعترض بقوله تعالى يصف الحجارة : وإن منها لما يهبط من [ ص: 160 ] خشية الله فقد علمنا بالضرورة أن الحجارة لم تؤمر بشريعة ولا بعقل ولا بعث إليها نبي . فإذ لا شك في هذا ، فإن القول منه تعالى يخرج على أحد ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون الضمير في قوله تعالى : وإن منها لما يهبط راجع إلى القلوب المذكورة في أول الآية في قوله تعالى : ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة فذكر تعالى أن من تلك القلوب القاسية ما يقبل الإيمان يوما ما ، فيهبط عن القسوة إلى اللين من خشية الله تعالى ، وهذا أمر يشاهد بالعيان ، فقد تلين القلوب القاسية بلطف الله تعالى ، ويخشى العاصي . وقد أخبر عز وجل : وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنـزل إليكم وما أنـزل إليهم وكما أخبر تعالى أن من الأعراب من يؤمن بالله من بعد أن أخبر أن الأعراب أشد كفرا ونفاقا (قال) فهذا وجه ظاهر متيقن الصحة .
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |