|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#321
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث (أي آية معك من كتاب الله أعظيم ...) قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الأعلى ]. هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد بن إياس ]. هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي السليل ]. هو ضريب بن نقير، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن رباح الأنصاري ]. عبد الله بن رباح الأنصاري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بن كعب ]. هو أبي بن كعب الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وجاء في فضل أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة (لَمْ يَكُنِ)، فقرأها عليه، قال أبي : وسماني الله لك؟ قال: نعم، فبكى أبي رضي الله عنه)، وهو دال على فضله رضي الله عنه وأرضاه. الأسئلة حكم قول: الله ورسوله أعلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم السؤال: قول أبي رضي الله عنه : (الله ورسوله أعلم)، هل يمكن أن يقال الآن؟ الجواب: لا يقال الآن هذا، وإنما يقال: الله أعلم؛ لأنه يقال للرسول صلى الله عليه وسلم عندما يسأل هو: الله ورسوله أعلم، أو يحصل منه الجواب إذا كرر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث، أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فإنه عندما يسأل الإنسان أي سؤال يقول: الله أعلم. وجه تفضيل بعض كلام الله على بعض السؤال: هل في الحديث تفضيل بعض كلام الله على بعض؟ الجواب: نعم، فهذا فحديث أبي يدل على تفضيل كلام الله بعضه على بعض، وليس فيه نقص في المفضل عليه، ولكن كله كمال، وبعضه أكمل من بعض وبعضه أفضل من بعض، وكذلك الصفات، وقد جاء في الحديث: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك) وهذا يعني: أن بعضها تفضل على بعض. المقصود من ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لصدر أبي رضي الله عنه السؤال: ما المقصود من ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لصدر أبي ؟ وهل هو من تلطف النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: نعم، وكأنه إشارة إلى كون العلم في الصدر والقلب، فضرب عليه وقال: (ليهنك العلم أبا المنذر). ما جاء في سورة الصمد شرح حديث (والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في سورة الصمد. حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن) ]. قوله: [ باب: في سورة الصمد] يقال لها: سورة الصمد لأن فيها هذا الاسم الذي لم يذكر إلا فيها، وهو اسم الصمد، وقيل: إنه من الأسماء التي لا تطلق إلا على الله عز وجل، كما ذكر ذلك ابن كثير في أول تفسيره، فقد ذكر عدة أسماء لا تطلق إلا على الله، وأسماء تطلق على الله وعلى غيره، مثل: العزيز، والرحيم، والرءوف؛ لأنه جاء في القرآن إطلاقها على الله وإطلاقها على غير الله، كما جاء في حق الرسول صلى الله عليه وسلم: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] فهو عليه الصلاة والسلام وصف بأنه رءوف وأنه رحيم. وذكر رحمه الله جملة من الأسماء التي لا تطلق إلا على الله وحده، مثل: الصمد، والرحمن، والخالق، والبارئ، فإن هذه الأسماء إنما تطلق على الله عز وجل ولا تطلق على غيره. ويقال لها: سورة الإخلاص لأنها مشتملة على توحيد الأسماء والصفات، كما أنه يقال لـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، و(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ): سورتا الإخلاص، وذلك لما اشتملت عليه سورة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) من توحيد العبادة (الإلهية)، و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) من توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العبادة متضمن لتوحيد الربوبية، فيطلق عليهما جميعاً أنهما (سورتا الإخلاص)؛ لأن كل واحدة منهما فيها توحيد، فهذه فيها توحيد عبادة وهذه فيها توحيد أسماء وصفات. قوله:[ (أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنها تعدل ثلث القرآن) ] هذا يدل على فضل سورة (قل هو الله أحد) وعظم شأنها. وكونها تعدل ثلث القرآن لأن القرآن مشتمل على توحيد وعلى قصص وعلى أحكام، وقد اشتملت هذه السورة على القسم الأول وهو التوحيد. فقوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، اشتمل على اسم الجلالة (الله) الذي هو أصل الأسماء ومرجع الأسماء، والذي عندما تذكر الأسماء يأتي في صدارتها، وكلها تضاف إليه، كما جاء في القرآن كثيراً: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] وقوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [الحشر:22] وقوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ [الحشر:24] فاسم الجلالة يذكر قبل الأسماء. والصمد: هو الغني عن كل ما سواه والمفتقر إليه كل من عداه، وهو الذي تصمد إليه الخلائق لحوائجها. وقوله تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4] يعني أنه منزه عن الأصول والفروع والنظراء، فنزه نفسه عن الأصول بقوله: ( لَمْ يُولَدْ ) وعن الفروع بقوله: ( لَمْ يَلِدْ ) وعن النظراء بقوله: ( ولم يكن له كفواً أحد ) يعني: لا يماثله أحد سبحانه وتعالى. إذاً: هذه السورة مشتملة على التوحيد، ولهذا أطلق عليها ثلث القرآن. ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه مؤلف فيها خاص، اسمه (جواب أهل العلم والإيمان فيما جاء في سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن) وهو كتاب مطبوع. تراجم رجال إسناد حديث (والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن ]. هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. أبوه هو عبد الله بن عبد الرحمن، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد مشهور بكنيته ونسبته، واسمه سعد بن مالك بن سنان ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. معنى قوله (والذي نفسي بيده) قوله: [ (والذي نفسي بيده) ]. هذا القسم للتأكيد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقسم بهذا اللفظ كثيراً، وقوله: [(والذي نفسي بيده)] فيه إثبات صفة اليد لله عز وجل، ولازم ذلك أن كل شيء في ملكه وتحت تصرفه، فإذا فسر مثل هذا اللفظ بأن كل شيء في ملكه وتحت تصرفه وكان المقصود به عدم إثبات اليد فهذا تأويل باطل، وإذا أثبتت اليد وأثبت لازمها وأثرها الذي هو أن كل شيء في يد الله وفي قبضة الله فإن ذلك كله يكون حقاً، وإنما المحذور إذا لم تثبت اليد لله عز وجل، وهذا مثل قوله عز وجل: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] فإذا أريد به أن الملك ملكه وكل شيء في قبضته وكل شيء في يده سبحانه وتعالى مع إثبات اليد فإن ذلك يكون كله حقاً. معنى قوله (إنها لتعدل ثلث القرآن) قوله: [ (إنها لتعدل ثلث القرآن) ]. يعني: في الفضل، وقيل -أيضاً-: في المعنى، من ناحية أن القرآن يشتمل على قصص وأحكام وتوحيد، وهي مشتملة على الثلث الذي هو التوحيد، لا كما يظن أنها لو قرئت ثلاث مرات فإنها تساوي ختم القرآن، فهذا ليس بصحيح، وإنما يدل على عظم شأنها وعلى عظم فضلها، لكن لا يستغني الإنسان عن القرآن بأن يقرأها ثلاث مرات ويقول: قد قرأت القرآن، فهذا ليس بصحيح. الأسئلة حكم قيام الليل بسورة الإخلاص وحدها السؤال: ما حكم قيام الليل بسورة الإخلاص وحدها تردد في كل ركعة؟ الجواب: جاء حديث في قصة الرجل الذي كان في سرية وكان يقرأ ويختم بـ(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أي أنه في كل ركعة يأتي بقراءة ثم يأتي معها بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسألوه، فقال: لأنها مشتملة على صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال صلى الله عليه وسلم: أخبروه بأن الله يحبه) فهذا هو الذي كان يرددها في كل ركعة بعدما يقرأ شيئاً قبلها، وهو من الأدلة التي استدل بها على أن الإنسان يمكن أن يقرأ سورة قبل سورة؛ لأنه إذا كان يقرأ بها وليس بعدها في القرآن في المصحف إلا سورتان فإنه يقرأ معها شيئاً قبلها. أما كون الإنسان يقوم الليل ويقرأ في كل ركعة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) عدة مرات ثم يركع والركعة الثانية كذلك فهذا لا يصلح للإنسان أن يفعله، بل يقرأ من القرآن كله ولا يخص القراءة بسورة، إلا إذا كان لا يحفظ إلا هذه السورة وشيئاً قليلاً معها فله أن يردد ما يحفظ. حكم فعل أمير السرية في كونه كان يختم قراءته بـ (قل هو الله أحد) السؤال: هل فعل أمير السرية سنة في كونه كان يختم قراءته بـ(قل هو الله أحد) في كل ركعة؟ الجواب: الذي يبدو أنه ليس بسنة؛ لأنه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة أنهم كانوا يفعلون ذلك، فهي واقعة عين. حكم لقب الصمدي السؤال: شخص لقبه الصمدي، فما حكم ذلك؟ الجواب: إذا كانت النسبة إلى الله عز وجل فمثل هذا لا يصلح؛ لأنه لا يختلف المعنى، فمعنى الصمدي أنه متصف بهذا الوصف، فلا يصلح. ما جاء في المعوذتين شرح حديث (ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المعوذتين. حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني معاوية عن العلاء بن الحارث عن القاسم مولى معاوية عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناقته في السفر، فقال لي: يا عقبة! ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟ فعلمني: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) قال: فلم يرني سُررت بهما جداً، فلما نزل لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح للناس، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة التفت إلي فقال: يا عقبة ! كيف رأيت؟) ]. قوله: [ باب: في المعوذتين ] المعوذتان هما: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ). قوله: [ (كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته في السفر، فقال لي: يا عقبة! ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟ فعلمني: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) قال: فلم يرني سررت بهما جداً) ] يعني: لم يظهر عليه السرور والفرح والاستبشار؛ لأنه كان يتصور أنه يعلمه سوراً طوالاً، وعلمه هاتين السورتين القصيرتين، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما نزل وصلى قرأ بهما في صلاة الصبح، للإشارة إلى عظم شأنهما وأهميتهما، ثم قال له: [ (كيف رأيت؟) ] يعني: هذا الذي علمتك إياه هو هذا الذي قرأت به، فهو صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين عظم شأن هاتين السورتين، وهما المعوذتان. أما كونه عليه الصلاة والسلام قرأ بهما في صلاة الصبح مع أن السنة التطويل فيها فنقول: إن الأصل في الصبح أن تطول فيها القراءة، وذلك لقوله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] لكن قد تقصر فيها القراءة مثل ما جاء في هذا الحديث وفي الحديث الذي سبق أن مر بنا أنه قرأ في صلاة الصبح بـ: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا)، وهذا يدل على أن الصلاة التي يقرأ فيها غالباً بالطول يمكن أن يقرأ فيها بسور قصار، وعلى العكس من ذلك صلاة المغرب، فإن القراءة فيها تكون بسور قصار أو متوسطة، ولكنه في مرة من المرات قرأ فيها عليه الصلاة والسلام بسورة الأعراف وهي تعدل جزءاً وربع جزء. ويمكن أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مراعاة لأحوال الناس؛ لأنه كان في سفر. تراجم رجال إسناد حديث (ألا أعلمك خير سورتين قرئتا ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني معاوية ]. هو معاوية بن صالح، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن العلاء بن الحارث ]. العلاء بن الحارث ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن القاسم مولى معاوية ]. القاسم مولى معاوية صدوق يغرب كثيراً، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن عقبة بن عامر ]. هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين لظلمة شديدة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: (بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتعوذ بـ (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) و(أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ )، ويقول: يا عقبة ! تعوذ بهما، فما تعوذ متعوذ بمثلهما، قال: وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة) ]. أورد رحمه حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه مثل الذي قبله من جهة تعليمه إياه المعوذتين وأمره بأن يتعوذ بهما، وأيضاً أمهم بهما في الصلاة، وهو مثل الذي قبله، إلا أن هنا ذكر أنه كان هناك ظلمة وأنه كان يتعوذ بهاتين السورتين، وأمر عقبة بن عامر أن يتعوذ بهما. تراجم رجال إسناد حديث تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين لظلمة شديدة قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ]. سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو أبو سعيد، وهو ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عقبة بن عامر ]. عقبة بن عامر وقد مر ذكره. والواقعة واحدة في الحديثين والله أعلم، والحديث صحيح؛ لأن الطريق الأولى فيها ذلك الرجل الذي يغرب، وهذه الطريق الثانية مثلها إلا أن فيها محمد بن إسحاق وهو صدوق يدلس، فكل من الطريقين تقوي الأخرى."
__________________
|
#322
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [177] الحلقة (208) شرح سنن أبي داود [177] القرآن الكريم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو ذو الشرف الرفيع والمكانة العالية، وبشرفه شرف صاحبه في الدنيا والآخرة، وجعل له عند الله تعالى المنازل العالية، وقد تميز القرآن باستحباب التغني به وتحسين الصوت عند قراءته، وذم هاجره المعرض عنه وناسيه بعد حفظه، كما تميز القرآن الكريم بنزوله أولاً على سبعة أحرف، وبثبوت قراءته آخراً على أوجه توسع معاينه وتزيد من جماله وعظمة بلاغته وفصاحته. استحباب الترتيل في القراءة شرح حديث (يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب استحباب الترتيل في القراءة. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها) ]. قوله: [ باب استحباب ترتيل القرآن] هذه الترجمة فيها أن ترتيل القرآن مستحب، وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أنه لا خلاف بين أهل العلم في جواز قراءة القرآن بدون ترتيل ولكنه مع الترتيل أفضل، وصنيع أبي داود هذا يدل على أن ترتيل القرآن مستحب، حيث بوب بالاستحباب ولم يبوب بالوجوب، فأورد حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (يقال لصحاب القرآن: اقرأ وارتق) ] يعني: في الآخرة. قوله: [ (ورتل كما كنت ترتل في الدنيا) ] هذا هو محل الشاهد. قوله: [ (فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) ] هذا في الآخرة، ومن المعلوم أن ذلك مثل التسبيح وغيره مما يلهمه الناس وليس تعبداً، وإنما يتعبد بقراءته في الدنيا، وإذا انتقل إلى الآخرة فله بالحرف الواحد عشر حسنات. إذاً: هم في الآخرة يلهمون التلاوة ويلهمون التسبيح كما يلهمون النفس. وقد ذكر الخطابي وغيره أنه جاء في بعض الأحاديث (أن عدد آي القرآن على قدر عدد درج الجنة، ولكن لا نعلم شيئاً عن هذه الأحاديث التي أشاروا إليها، وهذه الأحاديث التي أشار إليها الخطابي أشار إليها صاحب عون المعبود، لكن لم يذكرا من خرجها ولا درجتها ومنزلتها، ولا وجودها في أي مؤلف، لكن ذكر الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (5/283) أن هذا الحديث هو عند ابن أبي شيبة ، وذكر أن إسناده ضعيف. قوله: [ (يقال لصاحب القرآن) ]. صاحب القرآن هو الذي يقرؤه ويعمل به وليس الذي يقرؤه فقط دون أن يعمل به؛ لأن القرآن يكون حجة للإنسان ويكون حجة عليه، ومن لم يعمل بالقرآن فإنه يكون حجة عليه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (والقرآن حجة لك أو عليك) والحديث في صحيح مسلم ، وهو من أحاديث الأربعين النووية، وفي الحديث الآخر حديث عمر في صحيح مسلم : (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين). أما اشتراط الحفظ في هذا الحديث فلا يوجد شيء يدل عليه، فيمكن أن يكون ذلك بالحفظ ويمكن أن يكون بغير الحفظ، لكن لا شك في أن الحفظ له ميزة؛ لأن الإنسان يستطيع أن يقرأ ماشياً وراكباً ومضطجعاً وعلى غير وضوء، بخلاف الإنسان الذي لا يحفظ فإنه لا يتمكن من قراءته على غير وضوء؛ لأنه لا يقرأ إلا من المصحف، ولا يتيسر له ذلك في كل وقت، إذ لابد من أن يكون على طهارة عندما يقرأ القرآن من المصحف، لكن أمور الآخرة علمها عند الله عز وجل، فكون الإنسان يكون حافظاً وأنه يقرأ هو من أمور الآخرة، ولا ندري كيف تكون أحوال الآخرة بالنسبة لمن لا يحفظ وهو مكثر من قراءة القرآن. تراجم رجال إسناد حديث: (يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عاصم بن بهدلة ]. هو عاصم بن بهدلة بن أبي النجود ، وهو أحد القراء، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وحديثه في الصحيحين مقرون، أي: أن صاحبي الصحيح رويا عنه مقروناً ولم يرويا عنه استقلالاً. [ عن زر ]. هو زر بن حبيش ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. . شرح حديث (سألت أنساً عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان يمد مداً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا جرير عن قتادة قال: (سألت أنساً رضي الله عنه عن قراءة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: كان يمد مداً) ]. قوله: [ (كان يمد مداً) ] يعني أنه يمد الشيء الذي يحتاج إلى مد، ومعناه أنها قراءة مرتلة. تراجم رجال إسناد حديث: (سألت أنساً عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان يمد مداً) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد ، مر ذكره. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سألت أنساً ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود التي هي أعلى ما يكون عنده، إذ يرويه مسلم بن إبراهيم عن جرير عن قتادة عن أنس بن مالك ، ففيه أربعة أشخاص بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. شرح حديث أم سلمة في نعت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي حدثنا الليث عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك : (أنه سأل أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصلاته، فقالت: وما لكم وصلاته؟ كان يصلي وينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح، ونعتت قراءته، فإذا هي تنعت قراءته حرفاً حرفاً) ]. قوله: [ (فقالت: وما لكم ولصلاته؟) ] يعني: إنكم لا تطيقون أن تفعلوا مثل ما يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم. قولها: [ (إنه كان يصلي وينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح ) ] معناه أنه يحصل منه صلاة ثم نوم بمقدارها، ثم صلاة بعد ذلك ثم نوم بمقدار الصلاة، ثم صلاة ثم نوم بمقدارها حتى يصبح. قوله: [ (ونعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءته حرفاً حرفاً) ] يعني أن كل حرف يخرجه من مخرجه الصحيح، فلا يدخل حرفاً في حرف، وإنما هي قراءة مرتلة تظهر فيها جميع الحروف. وهذا الحديث في إسناده يعلى بن مملك ، وهو مقبول، فالحديث غير صحيح، ثم إنه مخالف لما جاء في الأحاديث الأخرى من صلاة الليل في أنه كان يصلي في أول الليل ويوتر، ويصلي في وسط الليل ويوتر، ويصلي في آخر الليل ويوتر، وجاء في بعض الأحاديث أنه كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وهذه الطريقة التي جاءت في هذا الحديث فيها أنه كان يصلي ثم ينام مقدار ما صلى، ثم يصلي، ثم ينام مقدار ما صلى، ثم يصلي حتى يطلع الصبح، ففيه ما فيه، وهذا الرجل الذي هو يعلى بن مملك مقبول، أي: يحتج به عند الاعتضاد، ولا يوجد ما يعضده. حكم الحديث من حيث التصحيح والتضعيف تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في نعت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي ]. يزيد بن خالد بن موهب الرملي هو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي مليكة ]. هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يعلى بن مملك ]. يعلى بن مملك مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أنه سأل أم سلمة ]. أم سلمة هي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو على ناقة يقرأ بسورة الفتح وهو يرجّع) قال المنصف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة وهو على ناقة يقرأ بسورة الفتح وهو يُرجَّع)]. المراد بالترجيع هو الترتيل وتحسين الصوت بالتلاوة، وهذا هو الذي يطابق الترجمة، وقيل: إن معناه أنه يردد ويكرر القراءة. تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو على ناقة يقرأ بسورة الفتح وهو يرجع) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن قرة ]. معاوية بن قرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن مغفل ]. عبد الله بن مغفل رضي الله عنه هو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود ، وهي أعلى الأسانيد عنده رحمه الله، فبين أبي داود وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا الإسناد أربعة أشخاص، وهم: حفص بن عمر و شعبة و معاوية بن قرة و عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه. شرح حديث (زينوا القرآن بأصواتكم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن طلحة عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم) ]. قوله: [ (زينوا القرآن بأصواتكم) ] ذكر الخطابي أن الحديث قد يكون مقلوباً، وقال: إنه جاء في رواية: (زينوا أصواتكم بالقرآن) ويبدو -والله أعلم- أنه ليس هناك قلب، وأن المقصود بالقرآن القراءة، يعني: زينوا القراءة بأصواتكم وليس المقصود به القرآن؛ لأن لفظ القرآن يطلق ويراد به معنيان: أحدهما: القرآن الذي هو كلام الله عز وجل والذي هو غير مخلوق، ومنه قول الله عز وجل: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] وقوله سبحانه: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن:1-2] فإن المقصود به المقروء المتلو الذي هو كلام الله سبحانه وتعالى. الثاني: القراءة، كما في قوله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] يعني: قراءة الفجر، وكذلك قوله في سورة القيامة: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:16-18] يعني: اتبع قراءته، وقد ذكر ذلك شارح الطحاوية وقال: إن القرآن يأتي ويراد به القراءة ويأتي ويراد به المقروء، وذكر هذا الحديث: (زينوا القرآن بأصواتكم) يعني: زينوا القراءة بأصواتكم. وعلى هذا فيكون المقصود بالقرآن هنا القراءة التي هي فعل العبد والتي هي مخلوقة؛ لأن القرآن فيه ملفوظ ولفظ وفيه قراءة ومقروء، وتلاوة ومتلو، فالتلاوة والقراءة هي فعل العبد وهي مخلوقة، وأما القرآن الذي هو كلام الله عز وجل الذي هو المقروء المسموع المكتوب في المصاحف فهو غير مخلوق. إذاً: معنى الحديث هنا: [ (زينوا القرآن بأصواتكم) ] أي: زينوا القراءة بأصواتكم أو حسنوا القراءة بأصواتكم، فهنا أمر بالتحسين والتزيين الذي هو فعل العبد. والحديث يدل على ما ترجم له المصنف، وهو ترتيل القراءة؛ لأن الترتيل هو من التحسين أو هو من التزيين. تراجم رجال إسناد حديث (زينوا القرآن بأصواتكم) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طلحة ]. هو طلحة بن مصرف اليامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ويحتمل أن يكون طلحة بن نافع ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وذلك أن الأعمش يروي عن الاثنين، وكل منهما يروي عن عبد الرحمن بن عوسجة ، وطلحة بن مصرف كوفي والأعمش كوفي و عبد الرحمن بن عوسجة كوفي، فالأقرب أن يكون هو طلحة بن مصرف . [ عن عبد الرحمن بن عوسجة ] عبد الرحمن بن عوسجة وثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن البراء ]. هو البراء بن عازب رضي الله عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي و قتيبة بن سعيد و يزيد بن خالد بن موهب الرملي -بمعناه- أن الليث حدثهم عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن أبي نهيك عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه -وقال يزيد : عن ابن أبي مليكة عن سعيد بن أبي سعيد ، وقال قتيبة : هو في كتابي عن سعيد بن أبي سعيد - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ]. قوله: [ (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ] يعني: يحسن صوته بالقرآن من غير تمطيط ومن غير تكلف ومن غير مجاوزة للحد، أي: من غير إفراط ولا تفريط. إذاً: فالتغني بالقرآن هو أن يحسن صوته بقراءة القرآن، فهو دال على ما ترجم له المصنف من استحباب ترتيل التلاوة في القرآن. تراجم رجال إسناد حديث (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و يزيد بن خالد بن موهب الرملي ]. يزيد بن خالد بن موهب الرملي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ بمعناه ]. يعني أن المعنى واحد واللفظ مختلف فيما بينهم. [ أن الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي مليكة ]. هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي نهيك ]. عبد الله بن أبي نهيك وثقه النسائي ، وأخرج له أبو داود . [ عن سعد بن أبي وقاص ]. هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ وقال يزيد : عن ابن أبي مليكة عن سعيد بن أبي سعيد ]. يعني أنه جعل سعيد بن أبي سعيد بدل عبد الله بن أبي نهيك . ويبدو أنه سعيد بن أبي سعيد المقبري . والقائل هو يزيد بن خالد بن موهب الشيخ الثالث من شيوخ أبي داود في سند الحديث. قوله: [ وقال قتيبة : هو في كتابي عن سعيد بن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. يعني أنه ليس من طريق سعد ولكن سعيد بن أبي سعيد رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيكون من قبيل المرسل، لكن الحديث -كما هو معلوم- ثابت من الطريق الأولى، وسيأتي من طرق أخرى. إسناد آخر لحديث التغني بالقرآن وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن أبي نهيك عن سعد رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثله ]. ثم أورد الحديث من طريق أخرى عن سعد بن أبي وقاص ، وهو مثل اللفظ المتقدم، أي: مثل المتن السابق. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة ]. هو سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو ]. هو عمرو بن دينار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن أبي نهيك عن سعد ]. قد مر ذكرهم، وعبيد الله بن أبي نهيك يقال له: عبد الله ويقال له: عبيد الله . [ عن عبيد الله بن أبي نهيك ]. شرح حديث أبي لبابة في التغني بالقرآن قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا عبد الجبار بن الورد قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال عبيد الله بن أبي يزيد : (مر بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته، فدخلنا عليه فإذا رجل رث البيت رث الهيئة، فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ليس منا من لم يتغن بالقرآن) قال: فقلت لابن أبي مليكة : يا أبا محمد ! أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ قال: يحسنه ما استطاع ]. قوله: [ (مر بنا أبو لبابة فاتبعناه فدخل بيته فإذا رجل رث البيت رث الهيئة) ] يعني: ليس هناك زيادة في أمور البيت، وإنما هي أمور سهلة. قوله: [ (فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ] هو مثل الذي قبله. قوله: [ فقلت لابن أبي مليكة : يا أبا محمد ! أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ قال: يحسنه ما استطاع ] يعني أنه يجتهد في تحسينه إذا لم يكن حسن الصوت. والقائل هو تلميذ ابن أبي مليكة عبد الجبار بن الورد . قوله: [ يا أبا محمد ]. هذه كنية ابن أبي مليكة . تراجم رجال إسناد حديث أبي لبابة في التغني بالقرآن قوله:[ حدثنا عبد الأعلى بن حماد ]. عبد الأعلى بن حماد لا بأس به، وهو بمعنى (صدوق)، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الجبار بن الورد ]. عبد الجبار بن الورد صدوق يهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال عبيد الله بن أبي يزيد ]. عبيد الله بن أبي يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي لبابة ]. هو أبو لبابة الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و ابن ماجة . معنى قوله (ليس منا) قوله: [ ليس منا ] يعني أنه ليس على طريقتنا أو ليس على منهجنا، أو على ما ينبغي أن يكون عليه من هو منا، وهذا يدل على تأكيد واستحباب تحسين الصوت بالقرآن. بيان معنى التغني بالقرآن عند وكيع وابن عيينة وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري قال: قال وكيع و ابن عيينة : يعني: يستغني به ]. لا شك في أن القرآن يستغنى به وبالسنة عن غيرهما؛ لأنهما الأساس وهما مصدر كل خير، ولكن المقصود هو تحسين الصوت بالتلاوة وليس المقصود به الاستغناء بالقرآن. فقولهما: [ يستغني به ] هو من الغنى والاكتفاء، ولكن المقصود -كما تقدم- هو تحسين الصوت بالقرآن. وقد سبق عن ابن أبي مليكة أنه قيل له: [ أرأيت إن لم يكن حسن الصوت؟ قال: يحسن صوته ما استطاع ]. قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [ قال: قال وكيع ] هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وابن عيينة ]. هو سفيان الذي مر قريباً. وهذا يقال له: مقطوع؛ لأن الإسناد الذي ينتهي إلى من دون الصحابي يقال له: مقطوع، والذي ينتهي إلى الصحابي يقال له: موقوف، والذي ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع. إذاً: هذا مقطوع المتن؛ لأن المقطوع هو من صفات المتن، أما الانقطاع فهو من صفات الإسناد، فهذا هو الفرق بين المقطوع والمنقطع، وهما نوعان من أنواع علوم الحديث. شرح حديث (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب حدثني عمر بن مالك و حيوة عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به) ]. قوله: [ (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به) ] يعني حسن الصوت بالقراءة؛ لأن القرآن المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إنما يتلوه نبينا عليه الصلاة والسلام، وأما سائر الأنبياء فإنهم لا يتلون إلا كتبهم، كما جاء في الحديث أن أباموسى أعطي مزماراً من مزامير آل داود في حسن صوته وحسن قراءته، فالمراد به هنا حسن الصوت بالقراءة وليس بالقرآن الذي هو منزل على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأن القرآن المنزل على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام لم ينزل على أحد قبله، ولكن الأنبياء السابقين نزلت عليهم الكتب وهم يقرءونها. وأما ذكر القرآن في الكتب السابقة فقد جاء في القرآن في قول الله عز وجل: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ [الشعراء:196] والمقصود أنه جاء ذكره وليس هو؛ لأن القرآن لم ينزل -حتى يكون مسطراً في كتب الأولين- على أحد قبل نبينا عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (أذن) ] يعني: استمع. وقوله: [ (يجهر به) ] ليس تفسيراً للتغني، ولكن لبيان أنه يقرأ ويجهر ويحسن صوته به، ومن المعلوم أن ظهور الصوت وتحسينه إنما يعرف عندما يجهر به، والجهر ليس المقصود به التغني؛ لأنه قد يجهر به بدون ترتيل وبدون تزيين، وقد يجهر به وهو مسرع سرعة شديدة، فليس هذا هو التغني، وإنما المقصود بالتغني تحسين الصوت بالقراءة. يتبع
__________________
|
#323
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن ...) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. هو سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عمر بن مالك ]. عمر بن مالك لا بأس به، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ وحيوة ]. هو حيوة بن شريح المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن الهاد ]. هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ]. هو محمد بن إبراهيم الحارثي التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. الأسئلة حكم قراءة المرأة القرآن لغير محارمها استدلالاً بحديث أم سلمة السؤال: على اعتبار صحة حديث أم سلمة هل يمكن الاستدلال بجواز قراءة المرأة للرجال حيث نعتت أم سلمة قراءته صلى الله عليه وسلم حرفاً حرفاً؟ الجواب: معلوم أن أم سلمة أخبرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي تخبر بالقراءة كما تلقي الحديث، وكون المرأة تقرأ للرجال يصلح، وإنما إذا كانوا من محارمها فإنها تقرأ لهم، وأما غير المحارم فلا تقرأ لهم. حكم قراءة المأموم الفاتحة والإمام يقرأ السورة بعدها السؤال: ما حكم قراءة الفاتحة عندما يبدأ الإمام في السورة في الصلاة الجهرية؟ الجواب: المأموم يقرأ الفاتحة والإمام يقرأ السورة. حكم تقليد ومحاكاة أحد القراء في القراءة السؤال: هل يجوز تقليد أحد من أئمة القراءة في القراءة؟ الجواب: لا يصح للإنسان أن يتكلف ويحاكي الناس، وإنما يأتي بالقراءة كما يسر الله له، دون أن يتكلف محكاة أحد، ويحسن صوته ما استطاع دون محاكاة وتكلف. التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه شرح حديث: (ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه. حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن إدريس عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله عز وجل يوم القيامة أجذم) ]. قوله: [ باب التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه ] هذا من الوعيد، ولكن هذا الحديث غير صحيح وغير ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله عز وجل يوم القيامة أجذم) ] الأجذم فسر بعدة تفسيرات، قيل: إن فيه الجذام، وقيل: إنه أقطع اليد، وقيل: إنه لا حجة له. ولكن الحديث غير صحيح؛ لأن فيه ثلاث علل: الأولى: أن يزيد بن أبي زياد ضعيف. الثانية: أن شيخه عيسى بن فائد مجهول. الثالثة: رواية عيسى بن فائد عن الصحابة منقطعة؛ لأنه جاء في بعض الأسانيد: عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعد بن عبادة . تراجم رجال إسناد حديث (ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه ...) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو أبو كريب ، مشهور بكنيته، و أبو داود رحمه الله كثيراً ما يذكره باسمه، أما مسلم فغالباً ما يذكره بكنيته، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عيسى بن فائد ]. عيسى بن فائد مجهول، أخرج له أبو داود وحده. [ عن سعد بن عبادة ]. سعد بن عبادة رضي الله عنه هو سيد الخزرج، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة. حكم من نسي القرآن بعد حفظه إعراضاً عنه أو غير إعراض عنه إن من حفظ القرآن ثم نسيه إعراضاً عنه لا شك في أنه على خطر، أما من نسيه من غير إعراض فلا شك في أنه خسر خسارة كبيرة وفاته خير كثير، والإنسان عندما يوفقه الله عز وجل لحفظ القرآن أو لحفظ شيء منه ينبغي له أن يحرص على تعاهده. نزول القرآن على سبعة أحرف شرح حديث (... إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: أنزل القرآن على سبعة أحرف. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (سمعت هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: يا رسول الله! إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اقرأ. فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هكذا أنزلت. ثم قال لي: اقرأ. فقرأت فقال: هكذا أنزلت. ثم قال: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه) ]. قوله: [ باب: أنزل القرآن على سبعة أحرف ]. أورد المصنف في هذا الباب عدة أحاديث، أولها: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [ (أنه سمع هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على خلاف ما سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرأه إياها، فعمر ذهب بهشام إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال: إن هذا يقرأ سورة الفرقان على وجه لم تقرئني إياه، فقال له: اقرأ يا هشام فقرأ فقال: [ (هكذا أنزلت) ] ، ثم بعد ذلك قال لعمر : اقرأ، فقرأ فقال: [ (هكذا أنزلت) ] يعني أن كلاً من القراءتين مما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قراءة هشام وقراءة عمر . قوله: [ (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) ]. اختلف في المراد بالأحرف السبعة، فقيل: المقصود بها أوجه من أوجه لغة العرب، أي أن القرآن نزل على هذا الوجه للتخفيف في أول الأمر؛ لأن العرب كانوا متفرقين وكانوا مختلفين وكانوا متنابذين وكل له لغته، ويكون عند هذه القبيلة ما ليس عند القبيلة الأخرى، ولكن لما جمع بينهما الإسلام واتصل بعضهم ببعض وذهب ما بينهم من العداوة والشحناء بسبب الإسلام وعرف كل ما عند الآخرين من اللغة قام عثمان بن عفان رضي الله عنه فجمع الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة؛ حتى لا يحصل الاختلاف بين الناس؛ لأن المقصود من إنزال القرآن على سبعة أحرف هو التخفيف، وقد حصل ذلك بالتقاء العرب بعضهم ببعض وفهم كل واحد ما عند الآخرين، فلم يكن هناك حاجة إلى بقاء الأحرف السبعة التي نزلت للتخفيف، فعند ذلك قصر عثمان رضي الله عنه -عندما جمع القرآن- الناس على حرف واحد، وأحرق ما سوى ذلك؛ حتى لا يحصل الاختلاف. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتاب (إعلام الموقعين) أدلة كثيرة لسد الذرائع، ذكر تسعة وتسعين دليلاً كلها تدل على سد الذرائع، وختمها بجمع عثمان القرآن على حرف واحد وأنه سد لذريعة الاختلاف، ووافقه على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين. ومما ينبغي أن يعلم أن الأحرف غير القراءات؛ لأن القراءات موجودة لم تنته، وأما الأحرف السبعة فإنه ليس هناك عند الناس إلا حرف واحد، وهو الموجود في المصحف الذي جمعه عثمان ، والقراءات تختلف باختلاف النقط والشكل والحركة مثل: (يعلمون( و(تعلمون)، ومثل: (قال) و(قل)، ومثل: (عجبتَ) و(عجبتُ)، فهذه قراءات موجودة، أما الأحرف التي تأتي فيها الكلمة بعدة ألفاظ فإنها انتهت ولم يبق عند الناس إلا حرف واحد هو الذي جمعه أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، ووافقه على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم وأرضاهم. ثم إنه لا يلزم أن تكون كل كلمة فيها سبعة أحرف؛ لأنه ليس المراد بالعدد التكثير كما يقوله بعض أهل العلم، وإنما المقصود بالسبعة الأحرف سبع لغات لا يتجاوزها؛ لأنه -كما سيأتي في الحديث- كان يستزيد مرة ثم مرة حتى وصل السابعة ثم وقف عند ذلك. إذاً: المقصود أنه ينتهي إلى سبعة أحرف، ولا يلزم أن تكون كل كلمة على سبعة أحرف، بل يمكن أن تكون كلمات بحرف واحد وهذا هو الكثير، وبعض الكلمات تكون بحرفين، وبعضها بسبعة، ولكن لا تزيد على السبعة. تراجم رجال إسناد حديث: (... إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ...) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن عبد القاري ]. عبد الرحمن بن عبد القاري يقال له رؤية وذكره العجلي في ثقات التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت عمر بن الخطاب ]. هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. معنى قوله: (فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف) قال عمر رضي الله عنه: [ (فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه) ]. يعني: أراد أن يقاطعه، ولكنه تركه حتى انتهى فأخذ بردائه وذهب به إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يدلنا على عناية الصحابة بالقرآن واهتمامهم به والمحافظة عليه، وأنه لما سمع شيئاً يخالف ما كان عليه ظن أن هذا شيء غير صحيح، فعمل معه هذا العمل حيث ذهب به إلى رسول عليه الصلاة والسلام. وهشام بن حكيم لا أعلم هل كان في صلاة أو في قراءة؛ لكن عمر أمهله حتى انتهى من القراءة. شرح أثر الزهري في معنى الأحرف السبعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال: قال الزهري : إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد، ليس يختلف في حلال ولا حرام ]. هذا الأثر المقطوع عن الزهري رحمة الله عليه قال فيه: [ إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد، ليس يختلف في حلال ولا حرام ] يعني: تكون عند بعض العرب بهذا اللفظ وعند بعض العرب بلفظ آخر، كما جاء في بعض الأحاديث أن بعض القبائل كانوا لا يعرفون السكين وإنما هي عندهم مدية، وعند بعض القبائل هي سكين، لكن كلا اللفظين في معنى واحد. فليس المعنى أن هذا الحرف فيه حلال وهذا فيه حرام، وإنما هو على أمر واحد إما حلال وإما حرام، ولكن الاختلاف إنما هو في الألفاظ من أجل التيسير. تراجم رجال إسناد أثر الزهري في معنى الأحرف السبعة قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن الفارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرزاق ] هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ، ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قال الزهري ]. الزهري قد مر ذكره. شرح حديث (إني أقرئت القرآن فقيل لي على حرف أو حرفين؟ ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام بن يحيى عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن سليمان بن صرد الخزاعي رضي الله عنه عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أبي ! إني أقرئت القرآن فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل: على حرفين، قلت: على حرفين، فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: قل: على ثلاثة، قلت: على ثلاثة، حتى بلغ سبعة أحرف، ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف إن قلت سميعاً عليماً عزيزاً حكيماً، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب) ]. قوله: [ (أقرئت القرآن فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل: على حرفين ... حتى بلغ إلى سبعة أحرف) ] أن الأحرف منتهاها سبعة، وأنه ليس المراد أكثر من سبعة أحرف؛ لأنه ذكر هذا الترقي من واحد إلى أن وصل إلى سبعة، ثم قال: [ (ليس منها إلا شاف كاف) ] يعني: أي واحد منها هو شاف كاف. قوله: [ (إن قلت سميعاً عليماً عزيزاً حكيماً، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب) ]، هذا فيما مضى وفي شيء قد انتهى، وأما الآن فليس أمام الناس إلا ما هو موجود في المصحف، فيتعين عليهم أن يأتوا بما هو موجود في المصحف، وليس بإمكانهم أن يأتوا بشيء خلاف ذلك. وهذا يفيد أن هذا مما كان موجوداً من قبل، ولكنه بعد جمع القرآن على حرف واحد في عهد عثمان رضي الله عنه لم يكن أمام أي مسلم إلا أن يأتي بالقرآن على ما هو عليه، وعلى الصيغة وعلى اللفظ وعلى الترتيل الذي جاء في هذا المصحف الذي جمعه عثمان رضي الله عنه وأرضاه. تراجم رجال إسناد حديث ( إني أقرئت القرآن فقيل لي على حرف أو حرفين؟ ...) قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. مر ذكره. [ حدثنا همام بن يحيى ]. هو همام بن يحيى العوذي ، وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. مر ذكره. [ عن يحيى بن يعمر ]. يحيى بن يعمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن صرد ]. عن سليمان بن صرد رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بن كعب ]. أبي بن كعب رضي الله عنه هو صحابي مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على سبعة أحرف ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان عند أضاة بني غفار، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تقرئ أمتك على حرف، قال: أسأل الله معافاته ومغفرته، إن أمتي لا تطيق ذلك، ثم أتاه ثانية فذكر نحو هذا، حتى بلغ سبعة أحرف، قال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا) ]. أورد أبو داود حديث أبي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اُقرِئ القرآن على حرف، فسأل الله معافاته ومغفرته، فزيد حتى وصل إلى سبعة أحرف، وأن أي حرف قرءوا به فقد أصابوا. قوله: [ كان النبي صلى الله عليه وسلم عند أضاة بني عفار ]. الأضاة: هي غدير ماء. تراجم رجال إسناد حديث (إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك على سبعة أحرف ...) قوله: [ حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جعفر ]. هو محمد بن جعفر الملقب بغندر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة مر ذكره. [ عن الحكم ]. هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي ليلى ]. هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بن كعب ] أبي بن كعب رضي الله عنه مر ذكره. حكم كتابة المصحف بحرف الإملاء دون الرسم العثماني لا يجوز أن يكتب القرآن بالكتابة المعهودة عند الناس؛ لأن كتابته بذلك لا يحصل معها بقاء القراءات والرسم، فمثلاً: قول الله عز وجل في سورة الزخرف: قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ [الزخرف:24] تكتب فيه كلمة (قال) هكذا (قل)؛ لكونها قد قرئت بـ(قُل)، فلو كتبت (قال) بالقاف وبعدها ألف ثم لام فإنها لا تستوعب قراءة (قل) ولا يمكن أن تدخل قراءة (قل) في كلمة (قال)، لكن لما كانت في رسم المصحف متصلة فيها القاف باللام فعند قراءة (قل) تكون القاف مفتوحة وألف صغيرة فوق القاف تدل على أن اللام مفتوحة، وعلى قراءة (قُلْ) تكون القاف مضمومة واللام ساكنة، فالرسم استوعب القراءتين، لكن لو رسمت على قراءة (قال) فإنها لا تحوي القراءتين، وكذلك الآية التي في سورة الأنبياء، حيث يقول عز وجل: قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ [الأنبياء:112] ترسم هكذا (قل) بأن ترسم القاف متصلة باللام، وأما الكلمة التي ليس فيها القاف متصلة باللام مثل: قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:23] فإنك تجد الألف موجودة مع القاف، وذلك عندما لا يكون هناك احتمال لأي قراءة ثانية، فجاءت الألف منفصلة عن اللام وليست القاف متصلة باللام. ومثل قول الله عز وجل في آخر سورة التحريم: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ [التحريم:12] فقوله: (وكتبه) هو في قراءة حفص ، أما قراءة الجمهور فهي (وكتابه)، فجاء الرسم على أن التاء متصلة بالباء هكذا (كتبه) والتاء مفتوحة مع ألف صغيرة فوق التاء، وعند قراءة (كتبه) تكون التاء مضمومة، ولو كتبت و(كتابه) بحيث تكون الألف متصلة بالتاء ثم الباء تأتي بعد ذلك مع الهاء لما استوعبت قراءة (كتبه). فإذاً: رسم المصحف والمحافظة عليه أمر مطلوب؛ لأن فيه استيعاب القراءات وتحمل القراءات، فلا يجوز أن يكتب القرآن بحروف الإملاء، ومعلوم أن حروف الإملاء قد تكتب على خلاف ما ينطق به، مثل (لكن) فلا أحد يكتب فيها الألف مع اللام ثم (كن) لوحدها هكذا (لاكن)؛ لأن الناس اصطلحوا على أن اللام متصلة بالكاف فلا تكتب بلام ألف ثم كاف ونون (لاكن) مع أن فيها ألفاً. إذاً: رسم المصحف له خاصيته وله ميزته، وذلك أنه يستوعب القراءات. طرق أثر (عدد درج الجنة عدد آي القرآن) وبيان درجته ومظانه وهذا الأثر الذي ذكره الشيخ الألباني في المجلد الخامس من السلسة الضعيفة هو موقوف على عائشة رضي الله عنها وضعيف؛ لأن فيه معفس بن عمران ، لكن له طريق آخر لم يذكره الشيخ، حيث ورد الحديث من طريقين عن عائشة رضي الله عنها: أحدهما مرفوع، والآخر موقوف، أما المرفوع فرواه البيهقي في شعب الإيمان في الجزء الثاني قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد الخياط ببغداد من أصل كتابه قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن روح قال: حدثنا الحكم بن موسى قال: حدثنا شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (عدد درج الجنة عدد آي القرآن، فمن دخل الجنة من أهل القرآن فليس فوقه درجة). قال الحاكم : هذا إسناد صحيح ولم يكتب هذا المتن إلا بهذا الإسناد وهو من الشواذ. وفي هذا الإسناد محمد بن أحمد الخياط القنطري شيخ الحاكم ، ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد في الجزء الأول، وذكر عن ابن أبي الفوارس أن فيه ليناً، وشيخه محمد بن روح لعله البزاز ترجم له الخطيب في الجزء الخامس، ولم يذكر فيه شيئاً، والحديث ذكره الألباني رحمه الله في ضعيف الجامع وقال: ضعيف، ورمز له بالبيهقي في الشعب، إلا أنه وقع عنده بلفظ (عدد آنية الجنة) بدل (عدد درج الجنة) وأشار إلى السلسلة الضعيفة برقم لم يطبع بعد، ثم ذكر الموقوف الذي تكلم عليه الذي أخرجه ابن أبي شيبة . وهذا الذي عند البيهقي ضعفه الألباني . تفسير الألباني لصاحب القرآن المقصود في الحديث الشيخ الألباني في السلسلة أخرج حديث: (يقال لصاحب القرآن..) وذكر فائدة في تفسير معنى صاحب القرآن، وهي أن المقصود به الحافظ الذي يحفظ القرآن، وهذا لا شك في أنه داخل في هذا، لكن يحتمل أيضاً أن يكون غيره. وكما أنه ينزع القرآن من الصدور في آخر الزمان فلا يبقى منه شيء فكذلك يمكن أن يوضع في الصدور ويتمكن الإنسان مع ذلك من القراءة إذا كان الإنسان معنياً بالقراءة في المصحف في حياته وكثير التلاوة، ولا شك في أن الذي يحفظ القرآن أمره واضح؛ لأن كثرة قراءته تختلف عن غيره من ناحية أنه يتمكن من القراءة راكباً وماشياً ومضطجعاً وفي جميع أحواله، بخلاف الذي يقرأ المصحف، فإنه لا يقرأ إلا في حالة معينة يجلس فيها لقراءة القرآن. والله تعالى أعلم."
__________________
|
#324
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [178] الحلقة (209) شرح سنن أبي داود [178] الدعاء عبادة من العبادات، وقربة من القربات، وبه تطلب الحاجات وتستنزل الرحمات، وقد شرع له جملة من الآداب المهمة التي يتأدب بها السائل حين يسأل ربه الحيي الكريم الذي يستحي من عبده حين يدعوه أن يرد يديه صفراً، ومن هذه الآداب العظيمة: أن يسبق الدعاء جملة من الثناء على الله تعالى ثم الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا شرع المرء في دعائه فليدع بجوامع الدعاء، وليسأل الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة، وليحذر أن يعتدي في دعائه فيدعو بما لا يسأل مثله، فإذا فرغ من دعائه فلا يستعجل الإجابة ويستبطئ المطلوب، بل عليه أن يلح على الله بالدعاء، وليعلم أن ما قضاه الله خير له. ما جاء في الدعاء شرح حديث (الدعاء هو العبادة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الدعاء. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن منصور عن ذر عن يسيع الحضرمي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى وسلم قال: (الدعاء هو العبادة (( قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ))[ غافر:60 ]) ]. قوله: [ باب الدعاء ] الدعاء هو الطلب والسؤال من الله عز وجل، وقد يطلق ويراد به ذكر الله عز وجل، ويكون من قبيل دعاء العبادة؛ لأن الدعاء نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة، فدعاء المسألة هو كون الإنسان يسأل ويقول: (رب اغفر ل)ي، (رب ارحمني)، (رب هب لي كذا)، (رب اصرف عني كذا)، ودعاء العبادة يدخل تحته الذكر، فهو عبادة لله عز وجل وليس مسألة. وقوله: [ (الدعاء هو العبادة) ] يدلنا على عظم شأن الدعاء، وهذا اللفظ كأنه حصر، وهو مثل قوله: (الحج عرفة)، ومثل قوله: (الدين النصيحة) إذاً: الدعاء له شأن عظيم، وهو عبادة لله عز وجل، فيسأل الإنسان ربه، ويعول عليه، ويسأل حاجاته منه ولا يسأل غيره، كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، وفي سورة الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5 ]. فقوله: [ (الدعاء هو العبادة) ] يدلنا على عظم شأن الدعاء، وأنه من أنواع العبادة، وأنواع العبادة كثيرة، ومنها: الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والإنابة، والاستغاثة، والاستعانة، والخشية، كل ذلك من أنواع العبادة. وجاء في حديث ضعيف: (الدعاء مخ العبادة)، وأما قوله: [ (الدعاء هو العبادة) ] فهو حديث صحيح. وقوله تعالى: [ ((( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ))[ غافر:60 ])] فيه أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، ثم قال بعد ذلك: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [ غافر:60 ] فدل هذا على أن الدعاء عبادة. فهذا حديث عظيم يدل على عظم شأن الدعاء، ولهذا صدر به أبو داود رحمه الله الأحاديث التي تتعلق بهذا الباب الذي هو باب الدعاء. تراجم رجال إسناد حديث (الدعاء هو العبادة) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ذر ]. هو ذر بن عبد الله الهمداني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يسيع الحضرمي ]. يسيع الحضرمي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن النعمان بن بشير ]. النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما هو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار الصحابة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام توفي وعمره ثمان سنوات، وحدث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجاءت أحاديث له صرح فيها بالسماع، مثل الحديث المشهور الذي هو من قواعد الإسلام ومن جوامع الكلم، وهو: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس) فإنه قال فيه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا). ورواية الصغار إذا تحملوا في الصغر وأدوا في الكبر معتبرة عند المحدثين، وكذلك الكافر إذا تحمل في حال كفره وأدى في حال إسلامه. فمن أمثلة تحمل الصغير في حال صغره وأدائه في حال كبره حديث النعمان بن بشير : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلال بين والحرام بين...). وكذلك هذا الحديث وغيره من الأحاديث. وتحمل الكافر في حال كفره وتأديته بعد إسلامه مثاله حديث أبي سفيان الطويل المشهور مع هرقل الذي يحكي فيه ويذكر ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام من الصفات والأخلاق، فإنه قال ذلك في حال كفره وأداه في حال إسلامه. شرح حديث (سيكون قوم يعتدون في الدعاء..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة عن زياد بن مخراق عن أبي نعامة عن ابن لسعد أنه قال: سمعني أبي رضي الله عنه وأنا أقول: (اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا، فقال: يا بني ! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: سيكون قوم يعتدون في الدعاء، فإياك أن تكون منهم، إنك إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها من الخير، وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر) ]. ومعنى هذا الحديث أن هناك قوماً يعتدون في الدعاء، وجعل سعد رضي الله عنه ما قاله ابنه من الاعتداء في الدعاء، وهو كون الإنسان يدعو بأشياء لا حاجة إليها، ويكثر من ذكرها وتعدادها، كذكر ما للنار من الصفات وما فيها من الأهوال، وذكر ما في الجنة وصفاتها وأحوالها، فهذا يعتبر من الاعتداء في الدعاء الذي حذر منه رسول الله عليه الصلاة والسلام. قوله: [ إياك أن تكون منهم ... ] إلى آخره هو من كلامه لابنه، أما الحديث المرفوع فهو [ (سيكون قوم يعتدون في الدعاء) ]. هذا الحديث في إسناده ابن سعد الذي هو مبهم ولم يسم، وقال المنذري : إن كان عمر بن سعد فإنه ضعيف. والحديث صححه الألباني وأحاله إلى حديث مضى عن عبد الله بن مغفل، وهو بمعناه، وفيه: (إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء) فالحديث جاء من طريق أخرى عن أبي نعامة نفسه الذي يروي عن ابن سعد، لكن هنا يروي عن عبد الله بن مغفل، فيكون الحديث صحيحاً. وقد مر عند أبي داود في باب الإسراف في الماء وفيه: (إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء) فأورده في كتاب الطهارة من أجل قوله: (يعتدون في الطهور) ومعناه أنهم يتجاوزون الحد فيه، والدعاء هو الذي يطابق ما نحن فيه، ويطابق ما عندنا في هذه الترجمة، والحديث صحيح؛ لأنه جاء من طريق أخرى صحيحة، فوجود هذا المبهم لا يؤثر؛ لأنه ثبت من طريق أبي نعامة نفسه الذي يروي عن ابن لسعد ، حيث روى عن عبد الله بن مغفل أن ابناً له قال: (اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني! سل الله الجنة وتعوذ به من النار؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء). تراجم رجال إسناد حديث: (سيكون قوم يعتدون في الدعاء..) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي، مر ذكره. [ عن زياد بن مخراق ]. زياد بن مخراق ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود . [ عن أبي نعامة ]. هو قيس بن عباية، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن ابن لسعد أنه قال: سمعني أبي ]. أبوه هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. قوله: [ عن ابن لسعد ]. يقول الحافظ ابن حجر : يحتمل أن يكون مصعب بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وذكره المبهمات. وعلى كلٍ فالاحتمال قائم؛ لأن المنذري يقول: إن كان عمر فإنه ضعيف، ولكن الحافظ يقول: إن عمر بن سعد صدوق. ونقول: سواءٌ أكان ضعيفاً أم صدوقاً أم ثقة فالحديث ثابت عن عبد الله بن مغفل، وهو صحيح. شرح حديث (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز ...( قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا حيوة أخبرني أبو هانئ حميد بن هانئ أن أبا علي عمرو بن مالك حدثه، أنه سمع فضالة بن عبيد رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عجل هذا، ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء) ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجل هذا، ثم دعاه وقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء)، يعني: من أسباب قبول الدعاء أن يمهد قبله بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاءت صلاة الجنازة مشتملة على الحمد، وعلى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الدعاء؛ لأن قراءة الفاتحة حمد وثناء على الله عز وجل، والصلوات الإبراهيمية فيها صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يكون الدعاء للميت والسؤال له بالمغفرة والرحمة والشفاعة له. ثم أيضاً فيما يتعلق بالصلاة أن التشهد يسبق السلام، وهو مشتمل على حمد الله والثناء عليه، فقوله: (التحيات لله والصلوات والطيبات) حمد وثناء على الله عز وجل، وبعدها: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ثم بعد ذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك الدعاء، ففيه تمهيد للدعاء. والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أرشد المسلم أن يجمع في صلاته بين التمجيد والثناء على الله، ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ثم الدعاء بما أحب بعد ذلك، فيكون قد مهد لدعائه بثناء على الله، وبصلاة وسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولعل اختيار الإمام أحمد رحمة الله عليه دعاء الاستفتاح: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، لكونه اشتمل على تعظيم لله عز وجل والثناء عليه، وكما هو معلوم أنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنواع من الاستفتاحات، منها ما هو ثناء، ومنها ما هو دعاء، وكل ذلك حق، والاختلاف فيها اختلاف تنوع، فإذا اختار أي واحد من هذه الأنواع فهو على حق. تراجم رجال إسناد حديث (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن يزيد ]. هو عبد الله بن يزيد المقري المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حيوة ]. هو حيوة بن شريح المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحيوة بن شريح اثنان: أحدهما في طبقة متقدمة وهو هذا المصري، والآخر في طبقة متأخرة من شيوخ أبي داود، وهو حمصي، فإذا جاء حيوة بن شريح يروي عنه أبو داود فهو الحمصي ، وإذا جاء حيوة بن شريح بين أبي داود وبينه واسطتان أو أكثر من ذلك على حسب الأسانيد وتعدد الرواة فإنه يكون المصري المذكور في هذا السند. [ أخبرني أبو هانئ حميد بن هانئ ]. أبو هانئ حميد بن هانئ لا بأس به، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ أن أبا علي عمرو بن مالك ]. أبو علي عمرو بن مالك ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ أنه سمع فضالة بن عبيد ]. هو فضالة بن عبيد رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. معنى قوله (إذا صلى أحدكم فليبدأ) قوله: [ (إذا صلى أحدكم فليبدأ) ]. هذا يشمل الصلاة المفروضة، والصلاة هي أقوال وأعمال مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، وكذلك الدعاء يشمل المعنى الشرعي والمعنى اللغوي. الثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء قوله: [ (ثم يدعو بعد بما شاء) ]. يعني: بعد أن يمجد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بما شاء ويسأل حاجاته، وهذا يكون في السجود والتشهد الأخير، أما الأدعية الواردة -مثل دعاء الاستخارة أو دعاء قنوت الوتر- فإنه يؤتى بها كما وردت. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتمجيد الله جل وعلا في بداية الدعاء ليسا بواجبين، ولكنهما من أسباب قبول الدعاء ومن الأمور المرغب فيها في الدعاء. شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا يزيد بن هارون عن الأسود بن شيبان عن أبي نوفل عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك) ]. قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك) ]. الجوامع هي التي لفظها قليل ومعناها كثير، فهي قليلة المبنى واسعة المعنى، هذه هي جوامع الكلم، وهكذا كانت أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأدعية التي جاءت في القرآن، مثل قوله تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، فهذا دعاء عظيم جامع لخير الدنيا والآخرة، وحسنة الدنيا كل خير في الدنيا، وحسنة الآخرة كل خير في الآخرة، وليس المراد شيئاً معيناً. وقد تجد بعض السلف يفسر هذه الآية على أن المراد بها شيء معين، وبعضهم يفسرها بغير ذلك، وهذا لا يعني الحصر، وإنما يعني التوضيح، فمن قائل: الحسنة في الدنيا هي الزوجة الصالحة، وهذا حق، ومن قائل: الولد الصالح، وهذا حق، ومن قائل: الرزق الحلال، وهذا حق؛ لأن هذه كلها من حسنات الدنيا، فالتفسير لهذا اللفظ الجامع بشيء معين هو من قبيل التفسير بالمثال، وليس التفسير بالحصر. ومثل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى)، (اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها)، (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر) فأدعية الرسول صلى الله عليه وسلم جوامع؛ لأنه أوتي جوامع الكلم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فالأولى للمسلم عندما يدعو أن يحرص على أدعية الرسول عليه الصلاة والسلام، ويعرف هذه الأدعية وما كان يدعو به ويأتي به، هذا هو الأولى وهذا هو الذي ينبغي له؛ لأن الإنسان إذا أتى بأدعية من عند نفسه قد يكون فيها تجاوز، وقد يكون فيها أمر منكر، وقد يكون فيها أمر محرم، وقد يكون فيها أمر شاذ. ومثل ذلك الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فالذي ينبغي للمسلم هو أن يأتي بما ورد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من كيفية الصلاة عليه أخذاً بكلام المعصوم صلى الله عليه وسلم. وإذا رجع المرء إلى إلى مثل كتاب (دلائل الخيرات) فسيجد أنه فهذا كتاب مشتمل على صلوات على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن فيها تجاوز وفيها غلو وفيها جفاء، فاختيار الأدعية التي تأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم هي التي فيها العصمة وفيها السلامة، وهي التي تكون أعم وأنفع؛ لأنها كلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء...) قوله:[ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله البغدادي الملقب بالحمال ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود بن شيبان ]. الأسود بن شيبان ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي نوفل ]. هو أبو نوفل بن أبي عقرب، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة؛ فإنه لا مكره له) ]. قوله: [ (لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة ) ] أي يقول: (اللهم اغفر لي) ولا يضيف إلى ذلك شيئاً من التقييد الذي هو (إن شئت). قوله: [ (فإن الله لا مكره له) ] أي: فإن الله تعالى يعطي ويتفضل ويجود على عباده دون إكراه من أحد، أما العباد فمنهم من يعطي رغبة ورهبة، فتجد الشخص يعطي من يسأله من أجل رغبة في تحصيل شيء من وراء إعطائه إياه، أو يعطيه خوفاً منه، والله عز وجل لا مكره له، فلا يليق أن يسأل بهذا السؤال، وإنما يسأل بالعزيمة بدون التقييد بذكر المشيئة. وهذا الحديث عقد له شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد باباً خاصاً، وهو (باب قول اللهم اغفر لي إن شئت). أما قوله صلى الله عليه وسلم: (طهور إن شاء الله) وقوله: (وإنا بكم إن شاء الله لاحقون) فهذا ليس من التعليق، بل هو من التحقيق؛ لأنه لابد من أن يلحق بهم، ولا يوجد احتمال أنه لا يلحق بهم، وكذلك قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [ الفتح:27 ] يعني: تحقيقاً لا تعليقاً. فقوله: (طهور إن شاء الله) من هذا القبيل، وليس شكاً. تراجم رجال إسناد حديث (لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت...) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزناد ]. هو عبد الله بن ذكوان، لقبه أبو الزناد وكنيته أبو عبد الرحمن ، و أبو الزناد لقب على صيغة الكنية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعرج ]. هو عبد الرحمن بن هرمز، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ] قد مر ذكره. شرح حديث (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي) ]. قوله: [ (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي) ] يعني أنه يترك الدعاء ويعرض عن الدعاء ويهمل الدعاء؛ لأنه دعا ولم يستجب له، فيقول: قد دعوت، والإنسان إذا دعا ربه فإنه يلح عليه بالدعاء ويكرر الدعاء، وإذا لم يحصل على الإجابة فلا يترك الدعاء؛ لأنه -كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم-: إما أن يعجل له ما طلب في الدنيا، أو يصرف عنه مثله من الشر، أو يدخر له في الآخرة، ومعنى ذلك أنه على خير، والدعاء عبادة، فعلى الإنسان أن يحرص على عبادة الله عز وجل والإلحاح عليه في الدعاء، ولا يستبطئ الإجابة فيقول: دعوت ودعوت فلم يستجب لي. واستعجال الإنسان الإجابة من أسباب عدم قبول الدعاء. تراجم رجال إسناد حديث (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ...) قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب ]. ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عبيد ]. هو سعد بن عبيد الزهري ومولى ابن أزهر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره. شرح حديث (... سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الملك بن محمد بن أيمن عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تستروا الجدر، من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فإنما ينظر في النار، سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم). قال أبو داود : روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها، وهو ضعيف أيضاً ]. قوله: [ (لا تستروا الجدر) ] المقصود بذلك ستر الجدر بالأمشة والستائر ونحوها، وهذا جاء فيه حديث عن عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لم يأمرني الله فيما أنعم علي أن أستر الحجارة والطين)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على ترك ذلك، وجمهور العلماء على كراهيته، وذلك لما فيه من الإسراف، ولما فيه من الخيلاء أو الاستكبار، وبعض أهل العلم قال بالتحريم، وهو أبو نصر المقدسي ، وقد ذكر ذلك الشيخ الألباني رحمه الله في كتاب: (آداب الزفاف)، وذكر ما يتعلق بهذه المسألة، وأن الجدر لا تستر بالسجاد ولا بغير، وذكر حديث عائشة الذي أشرت إليه، أما هذا الحديث فضعيف لا يحتج به، ولكن جاء في معناه من ناحية أن الجدر لا تستر حديث عائشة الذي في صحيح مسلم ، وهذا بالنسبة للجدر، وأما الأبواب والنوافذ فلا بأس بسترها للحاجة إلى ذلك، وذلك أنه إذا فتح الباب كان فيه حصول اطلاع على من في الداخل والخارج، فكونها تستر بستائر بحيث يحصل معها دخول الهواء ودخول الريح من غير كشف فلا بأس بذلك، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان في مرض موته كشف الستار ورأى الناس يصلون خلف أبي بكر فسر صلى الله عليه وسلم. إذاً: ستر الأبواب والنوافذ لا بأس به، وأما ستر الجدر فهو الذي لا يصلح، كما جاء في حديث عائشة .
__________________
|
#325
|
||||
|
||||
![]() حكم النظر في كتب الآخرين قوله: [ (من نظر في كتاب أخيه بغير أذنه فإنما ينظر في النار) ]. قيل: إن المقصود بالكتاب هو الكتاب الذي فيه سر، أو فيه أمانة، أو فيه شيء لا يحب صاحبه أن يطلع عليه، وكون الإنسان يطلع في كتاب أحد فيه أمور لا يريد أن يطلع عليها لا شك في أنه من أولى ما يمنع منه، وأما كتب العلم ونحوها فمن الآداب ومن الأخلاق الكريمة أن الإنسان لا يستعمل شيئاً إلا بإذن صاحبه، إلا إذا كان يعرف من عادة هذا الإنسان أنه يسمح بذلك، فإن هذا لا بأس به، ولكن كون الإنسان يأتي إلى كتب لشخص معين في بيته ويطلع عليها من غير إذنه فلا شك في أن هذا ليس من الأخلاق الكريمة، وليس من الآداب الحسنة. وقوله: [ (فإنما ينظر في النار) ] فسر بعدة تفسيرات، منها: أنه يكون قريباً منها وأنها تصلاه ويصل إليه صليها وشدة حرارتها، ولكن الحديث ضعيف لا يعول عليه. معنى قوله (سلوا الله ببطون أكفكم) قوله: [ (سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها) ] قد ورد ما يدل على أن الإنسان يشرع له أن يرفع يديه بحيث تكون بطون الأكف إلى السماء وظهورها إلى الأرض حال الدعاء، وقد جاء في بعض المواضع -مثل الاستسقاء- أن تكون بطونها إلى الأرض وظهورها إلى السماء أو إلى ما يلي وجه الإنسان. حكم المسح على الوجه بعد الفراغ من الدعاء وحكم رفع اليدين فيه قوله: [ (فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم) ]. يدل هذا اللفظ على مسح الوجه، ولكن الحديث ضعيف، والأحاديث التي وردت في ذلك ضعيفة لم يثبت فيها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشيخ الألباني رحمه الله حققها في كتابه (إرواء الغليل) فإنه ذكر الأحاديث التي وردت في ذلك وبين ضعفها، وأنه لا يصح منها شيء، وهذا بالنسبة للمسح، وأما بالنسبة للرفع فقد جاءت نصوص فيها الرفع، وجاءت نصوص فيها عدم الرفع، وجاءت نصوص مسكوت فيها عن الرفع، فما جاء فيه الرفع فإنه يرفع فيه، وما جاء فيه أنه لا يرفع لا يرفع، وما سكت عنه فالأمر في ذلك واسع. وقد ذكر الشيخ الألباني رحمه الله فيما يتعلق بهذا الحديث في (إرواء الغليل) كلاماً فقال: وثبت رفع اليدين في قنوت النوازل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما رفع اليدين في قنوت الوتر فثبت عن عمر وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض أهل العلم حسن الحديث بمجموع الطرق، ومنهم الحافظ ابن حجر في آخر كتاب (بلوغ المرام) في كتاب الجامع، فإنه ذكر أن له شواهد تقتضي حسنه، وكذلك السيوطي في الجامع الصغير رمز له، وأقره المناوي في فيض القدير. وذكر الألباني آثاراً كثيرة عن السلف في عدم مسح الوجه بعد الدعاء، وذكر جملة من الآثار في كلامه على هذا الحديث. فرفع اليدين -كما هو معلوم- ثبت في مواضع، وجاء عدم الرفع في مواضع، وسُكِت عن مواضع، وكل له حكمه، وأما مسح الوجه باليدين بعد الدعاء فلم يثبت، وممن ضعف الأحاديث في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. تراجم رجال إسناد حديث (... سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها ...) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الملك بن محمد بن أيمن ]. عبد الملك بن محمد بن أيمن مجهول العين، أخرج له أبو داود . [ عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق ]. عبد الله بن يعقوب بن إسحاق مجهول الحال، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عمن حدثه ]. هذا مبهم ففي هذا الإسناد ثلاث علل: الأولى: أن فيه مجهول العين. الثانية: فيه مجهول الحال. الثالثة: فيه مبهم. فقوله: [ عمن حدثه ] يقول الحافظ في فصل المبهمات: يقال: هو أبو المقدام هشام بن زياد، وهو متروك. فهذا الإسناد ظلمات بعضها فوق بعض. [ عن محمد بن كعب القرظي ]. محمد بن كعب القرظي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبد الله بن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني قال: قرأته في أصل إسماعيل -يعني ابن عياش - حدثني ضمضم عن شريح حدثنا أبو ظبية أن أبا بحرية السكوني حدثه عن مالك بن يسار السكوني ثم العوفي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها)، قال أبو داود : وقال سليمان بن عبد الحميد : له عندنا صحبة -يعني مالك بن يسار - ]. قوله: [ (إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها) ]، هذا الحديث من جنس الحديث الضعيف الذي تقدم، والحديث يدل على أن الإنسان عندما يسأل الله يسأله بباطن الكفين، بحيث يكونا إلى فوق، وهذا هو الغالب، إلا فيما ورد بأن يكون ظاهرهما إلى السماء كما في الاستسقاء، وكما سيأتي أيضاً في الابتهال إلى الله عز وجل. إذاً: فالسؤال إنما يكون ببطون الأكف وليس بظهورها إلا فيما ورد بالنسبة للظهور، وأما قلب الكفين في الاستعاذة من العذاب ومن الشرور فلا نعلم شيئاً يدل عليه. تراجم رجال إسناد حديث (إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم...) قوله: [ حدثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني ]. سليمان بن عبد الحميد البهراني صدوق، أخرج له أبو داود وحده. [ قال: قرأته في أصل إسماعيل - يعني ابن عياش - ] هو إسماعيل بن عياش، وهو صدوق في روايته عن الشاميين مخلط في غيرهم، وهنا روايته عن شامي، وهو ضمضم ، أخرج له البخاري في رفع اليدين، وأصحاب السنن. [ حدثني ضمضم ]. هو ضمضم بن زرعة الحمصي، وهو صدوق يهم، أخرج له أبو داود و ابن ماجة في التفسير. [ عن شريح ]. هو شريح بن عبيد الحضرمي الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو ظبية ]. هو أبو ظبية السلفي الكلاعي، وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أن أبا بحرية السكوني ]. هو عبد الله بن قيس، ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن مالك بن يسار السكوني ثم العوفي ]. هو مالك بن يسار السكوني رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود وحده. [ قال أبو داود : وقال سليمان بن عبد الحميد : له عندنا صحبة. يعني مالك بن يسار ]. أي أن أبا داود يحكي عن شيخه أن مالك بن يسار صحابي. وقال عنه ابن حجر : إنه صحابي قليل الحديث، أخرج له أبو داود . شرح حديث (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو هكذا بباطن كفيه وظاهرهما) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا سلم بن قتيبة عن عمر بن نبهان عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو هكذا بباطن كفيه وظاهرهما) ]. قوله: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو هكذا بباطن كفيه وظاهرهما) ]. قال الألباني : إنه صحيح بظهور كفيه. يعني: في الاستسقاء. والمراد أنه جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه، وباطنهما مما يلي الأرض، لكن هذا خاص بالاستسقاء. تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو هكذا بباطن كفيه وظاهرهما) قوله: [ حدثنا عقبة بن مكرم ]. عقبة بن مكرم ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا سلم بن قتيبة ]. هو سلم بن قتيبة الشعيري أبو قتيبة، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وسبق أن مر عند أبي داود أنه ذكره بكنيته فقال: أبو قتيبة بدون أن ينسبه، وهو مشهور بكنيته، ولهذا يأتي ذكره في الشيوخ بكنيته أبي قتيبة، والمراد به سلم بن قتيبة . و سلم بن قتيبة ذكره الحافظ في مقدمة الفتح ضمن الذين تكلم فيهم من رجال البخاري ، وذكر كلمة عجيبة في التجريح والتعديل؛ إذ كان مشهوراً عند العوام في نجد أنه إذا كان الشخص صاحب قوة قالوا: جمل محامل، ففي ترجمته قال يحيى بن سعيد القطان : ليس من جمال المحامل. وهذا توهين له، وهي كلمة قديمة، فقد كان الشخص يقال له: جمل محامل إذا كان معتمداً عليه. والتوهين له ليس بشديد. [ عن عمر بن نبهان ]. عمر بن نبهان ضعيف أخرج له أبو داود . [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي . [ عن أنس ]. أنس هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث بهذا اللفظ فيه عمر بن نبهان، وهو ضعيف، ولكنه صح عن أنس أنه كان يدعو وبطون كفيه مما يلي الأرض في الاستسقاء، وقد مر بنا في سنن أبي داود في باب الاستسقاء. شرح حديث (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا عيسى -يعني ابن يونس - حدثنا جعفر -يعني ابن ميمون صاحب الأنماط- حدثني أبو عثمان عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً) ]. قوله: [ (يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً)] يعني: خاليتين. ومعنى الحديث أنه يجيب دعاءه، وهذا يدل على مشروعية رفع اليدين، ولكن على التفصيل الذي ذكرت فيما مضى، فالموطن الذي ورد أنه ترفع فيه الأيدي فإنها ترفع فيه، مثل رفع الأيدي عند الجمرة الأولى والثانية، وعلى الصفا والمروة وغيرها من الأماكن والمواضع التي ورد فيها رفع الأيدي عند الدعاء، وهناك مواضع لا ترفع فيها الأيدي، مثل خطبة الجمعة، فالإمام والمأمومون لا يرفعون أيديهم فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم على كثرة خطبه بالناس كان لا يرفع يديه، وكذلك الصحابة كانوا لا يرفعون أيديهم، وما جاء ذلك إلا في الاستسقاء في الجمعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الاستسقاء لما طلب منه أن يستسقي. وأما أدبار الصلوات فلم يعهد ولم يرو عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يرفع يديه بعد الصلوات المفروضة. أما ما كان مسكوتاً عنه ولم يرد فيه فعل ولا منع فهو مطلق والأمر فيه واسع، فللداعي أن يرفع وله أن يترك. قوله: [ (حيي كريم) ] فيه إثبات صفة الحياء والكرم لله سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله عز وجل. قوله: [ (يستحي من عبده) ]. هذه صفة مأخوذة من حيي؛ لأن أسماء الله كلها مشتقة ليس فيها اسم جامد، وما ذكر أن من أسماء الله الدهر فذلك غير صحيح، واستند القائلون به على قوله: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر)، فقوله: (وأنا الدهر) ليس معناه أن الدهر من أسماء الله، وإنما معناه أن من سب الدهر فقد سبني؛ لأن الدهر هو الزمان، والله تعالى هو الذي يقلب هذا الزمان وهذا المُقلَّب ليس فاعلاً وليس عنده إرادة ولا عنده مشيئة، فترجع سبته إلى المقلب. إذاً: فأسماء الله كلها مشتقة ليس فيها اسم جامد، وأسماء الله تدل على صفاته؛ لأن كل اسم يشتق منه صفة، ولكن ليس كل صفة يشتق منها اسم، لا يؤخذ من الصفات أسماء ولكن يؤخذ من الأسماء صفات، فهناك صفات ذاتية كاليد وكالوجه لا يؤخذ منها أسماء، وهناك صفات مثل الاستهزاء والخداع والمكر وما إلى ذلك لا يؤخذ منها أسماء، فلا يقال: من أسماء الله المخادع ولا الماكر ولا المستهزئ، لكن يوصف بذلك على وجه المقابلة والمشاكلة، أما الأسماء فيؤخذ منها صفات، وكلمة [يستحي] مأخوذة من حيي. تراجم رجال إسناد حديث (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم ...) قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني ]. مؤمل بن الفضل الحراني صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عيسى -يعني ابن يونس - ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جعفر -يعني ابن ميمون - ]. هو جعفر بن ميمون صاحب الأنماط، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن. [ حدثني أبو عثمان ]. هو عبد الرحمن بن مل أبو عثمان النهدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سلمان ]. هو سلمان الفارسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح أثر ابن عباس (المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب -يعني ابن خالد - حدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما، والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة، والابتهال أن تمد يديك جميعاً) ]. قوله: [ (والابتهال أن تمدهما جميعاً) ] قيل فيه أيضاً: أن ترفعهما، وهذا مثل ما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، حيث ابتهل إلى الله عز وجل ورفع يديه حتى سقط رداؤه من ورائه صلى الله عليه وسلم. أما الفرق بين الابتهال والدعاء فهو أن الابتهال هو الشدة والمبالغة في التضرع إلى الله، أما الدعاء فهو أعم من الابتهال. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس (المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وهيب ]. هو وهيب بن خالد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب ]. العباس بن عبد الله بن معبد ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. إسناد آخر لأثر ابن عباس في كيفية المسألة والاستغفار والابتهال وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا سفيان حدثني عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس بهذا الحديث، قال فيه: (والابتهال هكذا، ورفع يديه وجعل ظهورهما مما يلي وجهه) ]. يعني أنه بالغ في الرفع، وهذا فيه مثل ما في الاستسقاء؛ لأن في الاستسقاء يجعل بطونهما إلى الأرض وظهورهما مما يلي وجهه. قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عباس بن عبد الله بن معبد ]. قد مر ذكره. إسناد آخر مرفوع لأثر ابن عباس وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس عن أخيه إبراهيم بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فذكره نحوه ]. أورد المصنف رحمه الله الحديث مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: [فذكره نحوه] يعني: نحو ما تقدم. قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا إبراهيم بن حمزة ]. إبراهيم بن حمزة صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود ، و النسائي في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا عبد العزيز بن محمد ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العباس بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أخيه إبراهيم بن عبد الله ]. العباس مر ذكره، و إبراهيم بن عبد الله صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن ابن عباس ]. قد مر ذكره. شرح حديث (كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن السائب بن يزيد عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه)]. أورد أبو داود هذا الحديث في مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء، وقد سبق أن مر أنه لم يصح في ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد مر ذكره. [ حدثنا ابن لهيعة ]. هو عبد الله بن لهيعة، وهو صدوق اختلط لما احترقت كتبه، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ]. حفص بن هاشم مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن السائب بن يزيد ]. السائب بن يزيد صحابي صغير أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو يزيد بن سعيد، وهو صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي . ففي الحديث علتان: الأولى: أن فيه ابن لهيعة . أما الثانية فجهالة شيخ ابن لهيعة، وهو حفص بن هاشم . الأسئلة حكم سؤال الله الحصول على الامتياز في الاختبارات السؤال: هل طلب الامتياز في الاختبار وسؤال الله ذلك من أنواع الاعتداء في الدعاء؟ الجواب: لا يكون ذلك من الاعتداء في الدعاء أبداً. بعض أنواع الاعتداء في الدعاء السؤال: هل لكم أن تبينوا لنا أنواعاً من الاعتداء في الدعاء؟ الجواب: الاعتداء في الدعاء مثاله ما ذكر في حديث ابن عبد الله بن مغفل : (اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة) كما مر عند أبي داود ، ومثل كون الإنسان يسأل منازل النبيين، أو كونه يدعو بقطيعة رحم، فهذا من الاعتداء في الدعاء. الاعتداء في صفة الدعاء السؤال: هل يكون الاعتداء في صفة الدعاء؟ الجواب: إذا كان الدعاء فيه مبالغة، وفيه شيء من الخروج عن الحد، كان فيه غلوٌ أو انحراف فهو من الاعتداء في الدعاء. حكم رفع الصوت والسجع في الدعاء السؤال: رفع الصوت والسجع المتكلف في الأدعية هل يدخل في الاعتداء؟ الجواب: يبدو أنه لا يدخل في الاعتداء في الدعاء. حكم تعليق صور غير ذوات الأرواح على الجدران السؤال: يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تستروا الجدر)، حكم تعليق الأوراق على الجدر وعليها صور لغير ذوات الأرواح، مثل البحار أو الأشجار؟ الجواب: إذا كان المقصود أن ترى هذه الصورة فلا بأس بذلك، وكذلك إذا كان هذا التعليق من جنس الدهان أو من جنس الرخام ونحو ذلك، فهذا لا بأس به؛ لأن هذه الأوراق إذا لم يكن فيها محذور تكون بدل ذلك الدهان وما أشبهه، وإنما المحذور هو هذه الأشياء التي تعلق كالسجاد وكالقماش وما إلى ذلك من الأشياء التي تفعل. تصوير القباب وتعليقها على الجدران السؤال: تعلق الآن في كثير من الأماكن صورة واجهة القبر النبوي بحجة أنها ليست صورة ذي روح، فما حكم تعليقها؟ الجواب: تصوير القباب والأشياء التي أحدثت بعد ذلك لا يصلح ولا ينبغي. حكم النظر في كتب الآخرين في مجالس العلم السؤال: إذا كان من الأدب الاستئذان عند النظر في كتب الآخرين فهل لمن ليس معه كتاب من الطلاب أن ينظر في كتاب من بجواره؟ الجواب: إذا كان سيأذن له فلا بأس بذلك، وإنما المحذور كونه لا يرضى؛ لأنه قد يضايقه، وإذا كان يجد منه مضايقة فإنه يبتعد، وأما إذا طلب منه أن ينظر معه أو أنه قرب الكتاب إليه مشعراً له برغبته في مشاركته فهذا إذن، أو كونه يقول: شاركني، أو: انظر، فلا بأس بذلك."
__________________
|
#326
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [179] الحلقة (210) شرح سنن أبي داود [179] من المناسب للعبد عند أن يدعو ربه عز وجل أن يدعوه باسم يناسب مسألته، فيقول -مثلاً-: يا رحيم ارحمني، يا غفور اغفر لي، ونحو ذلك، ومن أجلّ ما يدعو به العبد ربه أن يدعوه باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب. تابع ما جاء في الدعاء شرح حديث: (... لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن مالك بن مغول حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال: لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب) ]. سبق البدء في باب الدعاء بذكر جملة من الأحاديث في موضوعات مختلفة تتعلق بالدعاء، وهنا بدأ المصنف بذكر الأحاديث التي تشتمل على اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب. وأول هذه الأحاديث حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه، وفيه: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال: لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب) ]، وهذا يدلنا على أن أسماء الله عز وجل يتوسل بها كلها، ولكن ورد في بعض الأحاديث ما يدل على أهمية بعضها وتميزها، مثل هذا الحديث الذي فيه ذكر اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب، فكون الإنسان يتوسل إلى الله عز وجل بهذا التوسل هذا يدلنا على عظم شأن هذا الدعاء الذي توسل فيه بهذه الوسيلة التي هي كونه يسأل الله عز وجل بأنه يشهد أنه لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. وقد وردت جملة من الأحاديث تتعلق باسم الله الأعظم، ولكن هذا الحديث هو أصح ما ورد في اسم الله الأعظم، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه في فتح الباري أربعة عشر قولاً في بيان المراد بالاسم الأعظم، ولما سردها ووصل إلى القول الذي دل عليه هذا الحديث قال: هذا هو أصح حديث ورد في ذلك. يعني: أقوى حديث صح في ذلك. إذاً: كل ما ثبت من أسماء الله عز وجل وصفاته فإنه يتوسل به ويسأل الله عز وجل به، وكذلك ما له ميزة على غيره؛ وما ورد بأنه إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب من باب أولى أن يتوسل به إلى الله. وهناك أقول عديدة في تحديد اسم الله الأعظم، ذكر الحافظ ابن حجر منها: أن اسم الله الأعظم هو لفظ الجلالة؛ لأنه هو أصل الأسماء، وهو الذي تضاف إليه الأسماء وتوصف به الأسماء، وعندما تأتي الأسماء يأتي في مقدمتها: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [ البقرة:255 ]، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [ الحشر:22 ]، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ [ الحشر:24 ]، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ [ الحشر:23 ] ولكن وردت نصوص مثل هذا الحديث الذي هنا فيها ذكر اسم الله الأعظم، ولكن هذا الحديث هو أصح حديث في ذلك، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله. فالحافظ ابن حجر في فتح الباري (11/224) ذكر الأقوال في اسم الله الأعظم، وعندها قال: إن هذا القول الذي اشتمل عليه هذا الحديث هو أقوى وأصح ما ورد في الموضوع. وأنا ذكرتها في الفوائد المنتقاة، وذكرت الإحالة على فتح الباري. تراجم رجال إسناد حديث: (... لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مالك بن مغول ]. مالك بن مغول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن بريدة ]. عبد الله بن بريدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. فهذا السند كل رجاله أخرج لهم أصحاب الكتب الستة إلا مسدداً الذي هو شيخ البخاري وشيخ أبي داود ، وقد خرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي ، فهذا الحديث من حيث الإسناد إسناده قوي، وكما قال الحافظ : إنه أصح ما ورد في هذا. شرح حديث: (لقد سأل الله عز وجل باسمه الأعظم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الرحمن بن خالد الرقي حدثنا زيد بن حباب حدثنا مالك بن مغول بهذا الحديث قال فيه: (لقد سأل الله عز وجل باسمه الأعظم) ]. وهذا فيه التنصيص على الاسم الأعظم، والأول قال فيه: (لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب)، وهنا قال فيه: (لقد سأل الله عز وجل باسمه الأعظم). تراجم رجال إسناد حديث: (لقد سأل الله عز وجل باسمه الأعظم ...) قوله: [ حدثنا عبد الرحمن بن خالد الرقي ]. عبد الرحمن بن خالد الرقي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا زيد بن حباب ]. زيد بن حباب صدوق يخطئ في حديث الثوري ، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا مالك بن مغول ]. مالك بن مغول قد مر ذكره، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (... لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي حدثنا خلف بن خليفة عن حفص -يعني ابن أخي أنس - عن أنس رضي الله عنه: (أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يصلي، ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي! يا قيوم! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى) ]. وهذا مثل الذي قبله فيه ذكر الاسم العظيم، وهنا قال: (العظيم) وهناك قال: (الأعظم)، ولكنه مثل ما قال في الأول: إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى فيدل على تميز هذا الدعاء وهذا التوسل وهو قوله: [ (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي! يا قيوم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى) ] وهذا الحديث من الأحاديث التي صحت وثبتت. وكما قلت: كلما ورد مما وصف بأنه اسم عظيم أو أعظم لا شك أن له ميزة؛ لكون النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب). وهذا الحديث يدل على أن من أسماء الله المنان. قوله: [ (بديع السماوات والأرض) ]. يعني: مبدعهما على غير مثال سبق. قوله: [ (يا ذا الجلال!) ]. يعني: صاحب العظمة، وقيل: هو التقديس والتنزيه عن كل ما لا يليق به. قوله: [ (والإكرام) ]. يعني: كونه صاحب الكرم والجود والإحسان. قوله: [ (يا حي) ]. يعني: الحي الذي له الحياة الكاملة التي لا بداية لها ولا نهاية، وكل حي فحياته مكتسبة، وهي من الله عز وجل. قوله: [ (يا قيوم) ]. القيوم هو: القائم بنفسه المقيم لغيره. تراجم رجال إسناد حديث: (... لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى) قوله: [ حدثنا عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي ]. عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا خلف بن خليفة ]. خلف بن خليفة صدوق اختلط في الآخر، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حفص -يعني ابن أخي أنس - ]. حفص ابن أخي أنس صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي . وهو حفص بن عبد الله بن أبي طلحة ، و أبو طلحة هو زوج أم أنس، فهو ابن أخيه لأمه. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود ، فإن بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أربعة رجال. وهم في هذا الإسناد: عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي و خلف بن خليفة و حفص ابن أخي أنس و أنس . شرح حديث الإرشاد إلى اسم الله الأعظم في القرآن قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا عبيد الله بن أبي زياد عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: (( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ))[البقرة:163]، وفاتحة سورة آل عمران: الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:1-2 ]) ]. قوله: [ (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: (( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ))[البقرة:163] وفاتحة آل عمران: الم [آل عمران:1]) ] ففي الآية الأولى قوله: (الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) بالإضافة إلى ما سبقها: (لا إله إلا هو) وفي سورة آل عمران قوله: (( الْحَيُّ الْقَيُّومُ )) بالإضافة إلى ما سبقها وهو: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) والحديث في إسناده شهر بن حوشب وهو صدوق كثير الأوهام والإرسال، والحديث حسنه الألباني أو صححه؛ ولعل ذلك لشواهده أو لطرقه. تراجم رجال إسناد حديث الإرشاد إلى اسم الله الأعظم في القرآن قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ حدثنا عيسى بن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبيد الله بن أبي زياد ]. عبيد الله بن أبي زياد ليس بالقوي، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن شهر بن حوشب ]. شهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أسماء بنت يزيد ]. أسماء بنت يزيد رضي الله عنها صحابية، وحديثها أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. الألفاظ المشتركة في الأحاديث الدالة على اسم الله الأعظم هذه ثلاثة أحاديث فيها ذكر اسم الله الأعظم، واللفظ المشترك بينها: (لا إله إلا أنت) (لا إله إلا هو) هذا هو اللفظ المشترك، أما الباقي فهي أسماء أخرى، لكن ينبغي للمسلم عندما يتوسل بما ورد في هذه الأحاديث الصحيحة أن يأتي بهذه الصيغة بأكملها في الأحاديث الثلاثة كلها؛ لأنها تفاوتت في الأسماء، ويمكن أن يراد بها أنها كلها موصوفة بأنها اسم أعظم، وفي بعضها أنها اسم عظيم، فهذه الأحاديث فيها شيء تشترك فيه، وهناك زيادات في كل حديث، ففي السؤال يمكن أن يؤتى بهذه الصيغ كلها، فما ورد بأنه اسم عظيم أو أعظم إذا سئل الله به أعطى وإذا دعي به أجاب، فمعناه أن له ميزة على غيره. والحافظ ابن حجر لما عد الأقوال في الاسم الأعظم جعل من الأقوال: (الرحمن الرحيم) (والحي القيوم)، كما في هذا الحديث الأخير، لكن عند التوسل والدعاء يأتي الإنسان بما ورد بأكمله. والشيخ السعدي رحمه الله يقول: إن الاسم الأعظم هو اسم جنس يشمل كل ما ورد. أي: كل ما ورد في الأحاديث الثلاثة الماضية. شرح حديث: (... لا تسبخي عنه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سُرقت ملحفة لها، فجعلت تدعو على من سرقها، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تسبخي عنه). قال أبو داود : (لا تسبخي) أي: لا تخففي عنه ]. قوله: [ عن عائشة (أنها سرقت ملحفة لها فجعلت تدعو على من سرقها، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام يقول: لا تسبخي عنه) ] أي: لا تخففي عنه بدعائك عليه. والحديث ضعفه الألباني ، ولا أدري ما وجه التضعيف؟ هل لأن فيه حبيب بن أبي ثابت؛ لأنه معروف بكثرة التدليس أم غير ذلك؟ تراجم رجال إسناد حديث: (... لا تسبخي عنه) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا حفص بن غياث ]. حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و الأعمش مدلس. [ عن حبيب بن أبي ثابت ]. حبيب بن أبي ثابت ثقة كثير التدليس والإرسال. [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح، يروي عنه حبيب بن أبي ثابت . ويحتمل أن يكون حبيباً روى عن عطاء بن يسار ؛ لأن كلاً من الاثنين روى عنه حبيب وروى عن عائشة كل منهما، وكل منهما ثقة، وأحدهما مدني والثاني مكي. إذاً: عطاء بن يسار و عطاء بن أبي رباح كل منهما روى عن عائشة ، وكل منهما روى عنه حبيب بن أبي ثابت لكن نص المزي في تحفة الأشراف على أنه عطاء بن أبي رباح المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. حكم الدعاء على الظالم أما الدعاء على من ظلم فجائز، لكن الأفضل تركه؛ وذلك لقوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، ثم أيضاً قوله: (لا تسبخي عنه) يعني: لا تخففي عنه بدعائك عليه، فكون الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تسبخي عنه) يعني: بدعائك عليه، كأنه يريد أن يشتد عليه العذاب، وهذا فيه شيء من حيث المتن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم معروف بأنه رءوف رحيم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. شرح حديث: (لا تنسنا يا أُخيّ من دعائك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر رضي الله عنه قال: (استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي، وقال: لا تنسنا يا أُخيَّ من دعائك)، فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا. قال شعبة : ثم لقيت عاصماً بعد بالمدينة فحدثنيه وقال: (أشركنا يا أَخيْ! في دعائك) ]. قوله: [ (استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي وقال: لا تنسنا يا أُخي! من دعائك) ] هذا فيه أن طلب الدعاء من الغير جائز، ولكن الحديث ضعيف فيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف لا يحتج به في الحديث. وبعض أهل العلم يستدل على جواز طلب الدعاء من شخص آخر بالحديث الذي فيه قصة أويس القرني الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يأتيكم أمداد من أهل اليمن فيهم رجل يقال له: أويس -وذكر شيئاً من صفاته- فمن وجده منكم فليطلب منه أن يستغفر له)، فكان عمر رضي الله عنه وأرضاه يسأل الذين يأتون من اليمن لإمداد الجيوش التي تذهب إلى فارس لقتالهم والجهاد في سبيل الله كان يسألهم عن أويس، حتى لقي أويساً هذا الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا. فطلب منه أن يستغفر له، فكان جوابه أن قال: أنتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: أنتم الذين يطلب منكم الاستغفار، من باب أولى؛ لأنكم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل منهما كان يتواضع لله عز وجل، فعمر هو ممَنْ شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة؛ لكن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام طلب من أويس أن يستغفر له، و أويس من جانبه يقول: (أنتم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم) يعني: الذين يطلب منكم الاستغفار؛ لأنكم أنتم أفضل وأعظم من غيركم. فبعض أهل العلم يستدل بهذا على جواز طلب الدعاء من شخص آخر، وبعضهم يقول: إن هذه قضية خاصة وشخص خاص قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم كذا، ولهذا طلب الدعاء منه من هو خير منه، بل هو خير من جميع الصحابة إلا من أبي بكر ؛ لأن أويساً تابعي وهو خير التابعين كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : (إن خير التابعين رجل يقال له: أويس). إذاً: بعض أهل العلم يقول: إنه لا يصلح ولا يليق طلب الدعاء من الآخرين، وإنما يحرص الإنسان على أن يكون داعياً هو لله ومتجهاً إلى الله، ومقبلاً على الله، وملحاً على الله، ولا يكون من شأنه أن يقول: ادع لي يا فلان، وبعض أهل العلم يستدل بهذا الحديث على جواز ذلك، ولا شك أن الأولى كون الإنسان يعول على الله، ويلح على الله، ويقبل على الله، لا يكون شأنه سائلاً لغيره أن يدعو له، ولكن يبدو أنه لا بأس بذلك، كما جاء في قصة أويس ، ولكن لا يصلح أن يكون شأن الإنسان أنه يغفل عن الدعاء ويكون همه أن يسأل الناس أن يدعوا له، فالله تعالى يقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، وقال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]. قوله: [ (استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة) ]. قيل: إن هذه عمرة كان نذرها في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوفاء بها، فأذن له، مثلما أذن له في النذر بالاعتكاف حيث قال: (إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام) فأمره أن يوفي بنذره، فلعل هذا هو السبب في الاستئذان، وأيضاً يمكن أن يكون استئذانه من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سوف يسافر ويغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا) ]. يعني: أن هذه الكلمة سرته كثيراً، وهي كونه صلى الله عليه وسلم قال له: [ (لا تنسنا يا أُخيّ! من دعائك) ] فعمر رضي الله عنه سر بذلك كثيراً. قوله: [ قال شعبة : ثم لقيت عاصماً بعد بالمدينة فحدثنيه وقال: (أشركنا يا أخي! في دعائك) ]. يعني: أن فيه بدلاً من قوله: (لا تنسنا) قال: (أشركنا). تراجم رجال إسناد حديث: (لا تنسنا يا أُخيّ من دعائك) قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن عبيد الله ]. عاصم بن عبيد الله ضعيف، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد وأصحاب السنن. [ عن سالم بن عبد الله ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ عن عمر ]. عمر رضي الله عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث سعد: (مر علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بإصبعيَّ ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زهير بن حرب حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (مر علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعيَّ فقال: أحِّد أحِّد. وأشار بالسبابة) ]. يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وسعد رضي الله عنه يدعو بإصبعيه ويشير بهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ (أحَّد أحِّد) ] يعني: أشر في دعائك بأصبع واحدة وهي السبابة. قوله: [ (أحِّد أحِّد) ]. هذا مثل وحد وحد، ومثل: وكد، وأكد، وأرخ، وورخ، يعني: كل هذه الألفاظ تأتي فيها الهمزة ويأتي فيها الواو. قوله: [ (قال: مر علي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو) ]. يحتمل أنه كان في الصلاة في التحيات، ويحتمل أنه كان في غير الصلاة، ولكنه كان يشير بأصبعيه وهو يدعو، والإشارة تكون بأصبع واحدة، وذلك عندما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله أو ما إلى ذلك مما فيه الإشارة. تراجم رجال إسناد حديث سعد: (مر علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بإصبعيَّ ...) قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو أبو خيثمة زهير بن حرب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش عن أبي صالح ]. الأعمش قد مر ذكره، و أبو صالح هو ذكوان السمان، وهو ثقة كثير الرواية عن أبي هريرة ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن أبي وقاص ]. سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه صحابي جليل، أحد العشرة المبشرين بالجنة فرضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."
__________________
|
#327
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [180] الحلقة (211) شرح سنن أبي داود [180] لقد وردت أحاديث كثيرة تحض على التسبيح، وجاء في بعضها التسبيح بالحصى والنوى لكنها ضعيفة، أما أحاديث عقد التسبيح بالأنامل فصحيحة، وقد ورد أن الحكمة من ذلك هي: أنهن مستنطقات مسئولات، فهذا يجعلنا نكثر من التسبيح بالأنامل حتى تشهد لنا يوم القيامة، وقد حض الشرع على الأذكار المقيدة والمطلقة، ومنها أذكار الصلوات المفروضة التي تقال بعد السلام منها، وبين فضلها وأهميتها. التسبيح بالحصى شرح حديث التسبيح بالحصى أو بالنوى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التسبيح بالحصى. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو أن سعيد بن أبي هلال حدثه عن خزيمة عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها رضي الله عنه: (أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال: أخبرك بما هو أيسر عليكِ من هذا أو أفضل، فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك) ]. قوله: [ باب التسبيح بالحصى ] هذه ترجمة أخص مما تحتها؛ لأن الذي ورد تحتها أول حديث فيه ذكر الحصى، وأما الأحاديث الأخرى فهي أحاديث لا ذكر للحصى فيها، وهي تشتمل على تسبيح وعلى تهليل وعلى ذكر لله عز وجل، فالأحاديث التي وردت تحت الترجمة ليس فيها شيء يتعلق بالتسبيح بالحصى إلا هذا الحديث الأول الذي هو حديث سعد بن أبي وقاص . قوله: [ (أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى) ] النوى هو الذي يكون داخل التمر، والحصى معروف، فقوله: (نوى أو حصى) يعني: شك الراوي هل هو (نوى أو حصى). قوله: [ (أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل؟) يعني: ما هو أيسر عليك من حيث الكلفة وعدم التعب، ومع ذلك أفضل؛ لأنها كلمات جامعة ومختصرة ومعناها واسع. قوله: [ (سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق) ] يحتمل أن يكون المراد ما هو خالق في المستقبل بعدما خلق هذه الأشياء، ويحتمل أن يكون ما هو خالق في الأزل وفي المستقبل، فيكون من باب ذكر العام بعد الخاص، أو ذكر الإجمال بعد التفصيل. والحديث ضعيف غير ثابت؛ لأن في إسناده مجهولاً لا يعرف وهو خزيمة المذكور في الإسناد، فالحديث غير صحيح، وعلى هذا فلا يجوز العد والتسبيح بالحصى ولا بالنوى، وكذلك ليس للإنسان التسبيح بالمسبحة، فأقل أحواله أن يكون خلاف الأولى، وبعض أهل العلم يقول: إنه بدعة، فالذي ينبغي أن يبتعد الإنسان عنه ولا يفعله، وإنما يسبح بالأصابع؛ لأنه كما جاء في الحديث: (فإنهن مسئولات مستنطقات) كما سيأتي، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح بأصابعه، يعني: بأنامل يمينه كما سيأتي. تراجم رجال إسناد حديث التسبيح بالحصى أو بالنوى قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو ]. هو عمرو بن الحارث المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن سعيد بن أبي هلال ]. هو سعيد بن أبي هلال المصري وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خزيمة ]. خزيمة مجهول لا يعرف، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص ]. عائشة بنت سعد ثقة، أخرج لها البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيها ]. هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقد مر ذكره. شرح حديث عقد التسبيح بالأنامل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن هانئ بن عثمان عن حميضة بنت ياسر عن يسيرة رضي الله عنها أخبرتها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهن أن يراعين بالتكبير والتقديس والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات) ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهن أن يراعين بالتكبير والتقديس والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل) ] يعني: أن يكون التسبيح والتهليل والتقديس والتكبير بالأنامل. قوله: [ (فإنهن مسئولات مستنطقات) ] أي: مسئولات يوم القيامة حيث يختم على الأفواه وتشهد الأيدي والأرجل وتنطق بما كان يعمل الإنسان، كما قال الله عز وجل: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [فصلت:21] يعني: أن الله عز وجل يجعلها تتكلم، وكلامها هو على هيئة لا تعرف، وهذا مما يوضح بطلان قول بعض المبتدعة القائلين: لو كان الله يتكلم بكلام يسمع للزم أن يكون مثل المخلوقين؛ لأننا لا نعقل كلاماً إلا مثل كلام المخلوقين، فهذا كلام من كلام المخلوقات، ومع ذلك ليس بالطريقة التي نعقلها، فكون الإنسان يتكلم بلسان وشفتين ولهاة وحنجرة ومخارج حروف، فالله تعالى يخلق فيها الكلام وينطقها الذي أنطق كل شيء، بل وجد في الدنيا ما يدل على ما جاء في ذلك يوم القيامة، كما في الحديث الذي في صحيح مسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر على حجر بمكة فيسلم عليه) يعني يقول: السلام عليك يا محمد، كيف تكلم هذا الحجر؟ هل تكلم بلهاة وحنجرة ومخارج حروف؟! لا، بل أنطقه الله الذي أنطق كل شيء، وإذا كان هذا الحجر -وهو مخلوق من مخلوقات الله- تكلم وما عرفنا كيف تكلم فكيف نتكلف ونقول: إنه لا يعقل أن الله يتكلم، ولو تكلم بصوت يسمع للزم أن يكون مثل كلامنا؟ فهذه مخلوقات تكلمت كلاماً ليس بالطريقة التي نعقلها ونشاهدها ونعاينها. إذاً: فالله تعالى يتكلم ولا نعرف كيف تكلم، ولا نقول: لو أثبتنا له الكلام بصوت يسمع للزم أن يكون كذا وكذا، فهذا مخلوق وجد منه الكلام ولم يلزم أن يكون مثل ما كنا نعقل. قوله: [ (أمرهن أن يراعين بالتكبير والتقديس والتهليل) ]. يعني: عندما يلتزمن بعدد معين عند التكبير والتقديس والتهليل يعقدن ذلك بالأنامل، لعل هذا معنى المراعاة. والعقد بالأنامل معلوم عند العرب، وهو قبض الأنامل وعدها بالإبهام. تراجم رجال إسناد حديث عقد التسبيح بالأنامل قوله: [ قال: حدثنا مسدد ]. مر ذكره [ حدثنا عبد الله بن داود ]. هو عبد الله بن داود الخريبي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن هانئ بن عثمان ]. هانئ بن عثمان وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن حميضة بنت ياسر ]. حميضة وهي مقبولة، أخرج لها أبو داود و الترمذي . [ عن يسيرة ] يسيرة وهي صحابية، أخرج لها أبو داود و الترمذي . والحديث في إسناده هذان المقبولان الرجل والمرأة، والمقبول هو الذي يعول على حديثه عند الاعتضاد، والحديث صححه الألباني لشواهده. شرح حديث: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة و محمد بن قدامة في آخرين، قالوا: حدثنا عثام عن الأعمش عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعقد التسبيح، قال ابن قدامة بيمينه) ]. قوله: [ (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح. قال ابن قدامة : بيمينه) ] فعبيد الله بن عمر القواريري و محمد بن قدامة قالا: [ (يعقد التسبيح) ] لكن محمد بن قدامة زاد: [ (بيمينه) ]، وهذا دليل على أن عقد التسبيح الأولى والأفضل أن يكون باليمين، لهذا الحديث الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أنه كان يعقد التسبيح بيمينه، وهو أيضاً مطابق لما جاء من كون اليمين تستعمل في الأمور المحمودة والأمور الطيبة، واليسار تكون بخلاف ذلك، لكن كونه يبدأ التسبيح باليمين ويثني باليسار لا بأس بذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه) قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ]. عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ و محمد بن قدامة ]. محمد بن قدامة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ في آخرين ]. يعني: يوجد غير هؤلاء رووا الحديث، ولكن اقتصر على هذين الاثنين. [ قالوا: حدثنا عثام ]. عثام وهو صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي مر ذكره. [ عن عطاء بن السائب ] عطاء بن السائب صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن، وهناك جماعة رووا عنه قبل اختلاطه، وروايتهم عنه صحيحة؛ لأنها قبل الاختلاط، ومنهم الأعمش فإن الحافظ ابن حجر ذكر في تهذيب التهذيب في آخر ترجمته بعد أن ذكر ما قيل في ترجمته وما قيل فيه وفي اختلاطه قال: تحصل من ذلك أن رواية فلان وفلان وفلان عنه صحيحة؛ لأنها قبل الاختلاط، وذكر ستة أشخاص وهم: سفيان الثوري و شعبة بن الحجاج و زائدة بن قدامة و حماد بن زيد و أيوب السختياني و زهير بن معاوية قال: هؤلاء روايتهم عنه صحيحة؛ لأنها قبل الاختلاط، وذكر في كتاب (نتائج الأفكار) أن رواية الأعمش عنه صحيحة، وقد ذكر ذلك الشيخ الألباني رحمه الله فيما يتعلق بالأعمش في السلسلة الصحيحة عند الحديث رقم (660)، فذكر أن رواية الأعمش عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط. [ عن أبيه ]. هو السائب بن يزيد ، وقيل: السائب بن مالك ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (قد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا داود بن أمية حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عند جويرية رضي الله عنها، وكان اسمها برة فحول اسمها، فخرج وهي في مصلاها ورجع وهي في مصلاها فقال: لم تزالي في مصلاك هذا؟ قالت: نعم قال: قد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته) ]. قوله: [ (قد قلت بعدكِ أربع كلمات ثلاث مرات لو زنت بما قلت لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته) ] يعني: هذا ثناء وتعظيم جامع لله عز وجل. قوله: [ (سبحان الله عدد خلقه) ] أي: خلق الله عز وجل لا يحصيهم إلا هو سبحانه وتعالى. قوله: [ (ورضا نفسه) ] يعني: حتى يرضى. قوله: [ (وزنة عرشه) ] أي: الذي هو أكبر المخلوقات. قوله: [ (مداد كلماته) ] قيل: المقصود بذلك أنه المدد، وأنه لو قدر أن ذلك يكال أو يوزن لكان أعظم من ذلك، لكن يمكن أن يقال: المقصود بالمداد هو الحبر الذي يكتب به، وكلمات الله ليس لها حد وليس لها إحصاء؛ لأن كلام الله لا يتناهى؛ لأن الله تعالى متكلم بلا ابتداء، ويتكلم بلا انتهاء، فلا حصر لكلامه ولا نهاية لكلامه. وقد جاء في القرآن آيتان تدلان على أن كلام الله لا ينحصر، الآية الأولى في آخر سورة الكهف وهي قوله عز وجل: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف:109]، فهذه الأبحر الزاخرة والمحيطات لو كانت حبراً يكتب به كلام الله لنفدت الأبحر والمحيطات ولم تنفد كلمات الله عز وجل، ولو أضيف إليها أضعافها؛ لأنها مهما كانت هي وإن عظمت وإن اتسعت وإن كبرت فهي محدودة، ولكن كلام الله لا ينحصر. والآية الثانية في سورة لقمان وهي قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان:27] يعني: لو أن الأشجار كلها تكون أقلاماً والأبحر كلها تكون مداداً يكتب لما نفدت كلمات الله؛ لأن كلام الله لا ينحصر ولا ينتهي؛ لأن الله متكلم بلا ابتداء ويتكلم بلا انتهاء، فلا حصر لكلامه. تراجم رجال إسناد حديث: (قد قلت أربع كلمات ثلاث مرات ...) قوله: [ حدثنا داود بن أمية ]. داود بن أمية ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا سفيان بن عيينة ]. هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ]. محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن كريب ]. هو كريب مولى ابن عباس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (ذهب أصحاب الدثور بالأجور) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية حدثني محمد بن أبي عائشة حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: (يا رسول الله! ذهب أصحاب الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضول أموال يتصدقون بها، وليس لنا مال نتصدق به، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا ذر ! ألا أعلمك كلمات تدرك بهن من سبقك، ولا يلحقك من خلفك إلا من أخذ بمثل عملك؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: تكبر الله عز وجل دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمده ثلاثاً وثلاثين، وتسبحه ثلاثاً وثلاثين، وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر) ]. قوله: [ (يا رسول الله! ذهب أصحاب الدثور بالأجور) ] يعني: ذهب أصحاب الأموال وأصحاب الغنى والثروة بالأجور؛ لأنهم يتصدقون وينفقون ويحسنون، وغيرهم ممن لا يملكون الأموال لا يتمكنون من ذلك؛ بسبب فقرهم وقلة ذات أيديهم. قوله: [ (ألا أعلمك كلمات تدرك بهن من سبقك، ولا يلحقك بها من خلفك إلا من عمل بمثل عملك؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: تكبر الله عز وجل دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمده ثلاثاً وثلاثين، وتسبحه ثلاثاً وثلاثين، وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) ]. حديث أبي ذر هذا الذي عند أبي داود قد جاء عن أبي هريرة كما في صحيح مسلم ، وقد أورده النووي في الأربعين النووية بلفظ: (ذهب أهل الدثور بالأجور والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضول أعمالهم)، وشرحه الحافظ ابن رجب في كتابه: «جامع العلوم والحكم» وهو مثل ما جاء في رواية أبي ذر التي يرويها أبو هريرة عن أبي ذر رضي الله عنهما، وهو مشتمل على التكبير والتهليل والتسبيح دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. والحديث أورده أبو داود في باب: التسبيح بالحصى، وهو مشتمل على التسبيح، ولكن الترجمة أخص مما أورده تحتها؛ لأنها متعلقة بالحديث الأول فقط. قوله: [ (غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر) ] قال الشيخ الألباني رحمه الله: إن الحديث صحيح بدون قوله: [ (غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر) ] فهي مدرجة. تراجم رجال إسناد حديث: (ذهب أصحاب الدثور بالأجور) قوله: [ حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ]. عبد الرحمن بن إبراهيم هو الملقب دحيم وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الوليد بن مسلم ]. الوليد بن مسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني حسان بن عطية ]. حسان بن عطية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني محمد بن أبي عائشة ]. محمد بن أبي عائشة ليس به بأس -بمعنى صدوق-، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثني أبو هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي وقد مر ذكره. [ قال: قال أبو ذر ]. هو جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة مظان العقد بالأصابع في التسبيح ونشير هنا إلى أن العقد يكون في جميع الأذكار التي يكون فيها عدد، وهي التي تكون في أدبار الصلاة وغيرها؛ لأن هناك أذكاراً يؤتى بها، منها ما هو مائة، ومنها ما هو أقل، فلا يمكن إحصاؤها إلا بالأصابع وبالعد. أما الذكر الذي جاء مطلقاً فالإنسان يأتي به بدون حساب، يسبح الله، ويهلل الله بدون أن يعد، ولكن الشيء الذي ورد فيه عدد فإنه لا يعرف ذلك إلا عن طريق العد بالأصابع. ما يقول الرجل إذا سلم شرح حديث المغيرة في الذكر بعد الصلاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما يقول الرجل إذا سلم. حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن وراد مولى المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (كتب معاوية رضي الله عنه إلى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا سلم من الصلاة؟ فأملاها المغيرة عليه وكتب إلى معاوية قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) ]. قوله: باب: ما يقول الرجل إذا سلم أي: إذا سلم من الصلاة المفروضة ماذا يقول؟ والمقصود من ذلك الأذكار والأدعية التي وردت بعد الفراغ من الصلاة المفروضة. وقد أورد أبو داود رحمه الله أحاديث عديدة، أولها: حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وكاتبه وراد هو الذي يروي الحديث عنه، وفيه أن معاوية كتب إلى المغيرة يسأله عما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة؟ فأملى المغيرة على وراد الكتاب إلى معاوية بهذا الحديث الذي هو: [ (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) ]. وهذا يدلنا على عناية الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بالأحكام الشرعية أخذاً وأداءً وتحملاً، وأنه كان يكتب بعضهم إلى بعض، ويسأل بعضهم بعضاً عن السنن التي تكون عند المسئول عن السنن مما كان لديه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويدلنا على أن الكتابة في العلم حجة ومعتبرة، وأنها طريقة صحيحة لطرق التحمل وطرق الأداء؛ لأن معاوية كتب يسأل المغيرة و المغيرة كتب إليه يخبره بالذي عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. ففيه عناية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنن، وتلقيها وتعليمها والمكاتبة فيها وهذا يدل على فضلهم ونبلهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وأنهم اجتهدوا في معرفة ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحمله وتبليغه وأدائه للناس. وهذا الذي أملاه المغيرة على كاتبه وراد بذلك الكتاب إلى معاوية رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين فيه: [ (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ] وهو من الذكر الذي يكون بعد الصلاة. قوله: [ (اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) ] يعني: لا ينفع صاحب الغنى غناه وإنما ينفعه العمل الصالح، وإنما ينفعه القربة إلى الله سبحانه وتعالى، والجد هنا بمعنى الحظ والنصيب والغنى وما إلى ذلك، والجد يأتي بهذا المعنى ويأتي بمعنى الجلال والعظمة، ومنه قول الله عز وجل فيما حكاه الله عن الجن: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا [الجن:3]، وكذلك الحديث الذي في دعاء الاستفتاح: (وتعالى جدك) يعني: عظمتك، ويأتي بمعنى الجد الذي هو أب الأب وأب الأم، وهذا من قبيل الاشتراك اللفظي، يعني: اللفظ الواحد يأتي لعدة معان مختلفة، والجد يقابله الحرمان، ولهذا يقول الشاعر: الجد بالجد والحرمان بالكسل فانصب تصب عن قريب غاية الأمل تراجم رجال إسناد حديث المغيرة في الذكر بعد الصلاة قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبي معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المسيب بن رافع ]. المسيب بن رافع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن وراد مولى المغيرة بن شعبة ]. وراد مولى المغيرة بن شعبة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة بن شعبة ]. المغيرة بن شعبة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وجه ذكر الرجال في ترجمة الباب قوله: [ باب ما يقول الرجل إذا سلم ] ذكر الرجل هنا لا مفهوم له؛ لأن الأحكام يتساوى فيها الرجال والنساء، إلا فيما جاء أنه يخص الرجال دون النساء، أو النساء دون الرجال، فعند ذلك يختص بأي واحد منهما، وإلا فإن الأصل التساوي. إذاً: ذكر الرجل هنا لا مفهوم له، وهو بمعنى ما يقوله المصلي إذا سلم، سواءً كان رجلاً أو امرأة، لكن لما كان الخطاب غالباً مع الرجال صار في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كلام غيره من العلماء الإتيان بذكر الرجل أو الرجال، وقد جاء فيه أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي فيها ذكر الرجال وليس الأمر خاصاً بهم بل لهم وللنساء، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه) يعني: وكذلك المرأة، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء) وكذلك المرأة إذا وجدت متاعها عند رجل قد أفلس فهي أحق به.
__________________
|
#328
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث ابن الزبير: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى حدثنا ابن علية عن الحجاج بن أبي عثمان عن أبي الزبير قال: سمعت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما على المنبر يقول: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا انصرف من الصلاة يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، أهل النعمة والفضل والثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) ]. قوله: [ سمعت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما على المنبر يقول:... ] هذا فيه بيان عناية أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بالسنن وتبليغها للناس، وأنهم كانوا على المنابر في الخطب يبينون السنن ويوضحونها ويبلغونها للناس، حتى يسمعها الجم الغفير ممن يسمعون الخطب، وهو دال على كمال نصحهم وحرصهم واجتهادهم وتبليغهم السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم. قوله: [ (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة -يعني: إذا فرغ من الصلاة المفروضة- يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، أهل النعمة والفضل والثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) ] وهذا الحديث نفسه جاء عند مسلم والنسائي وليس فيه ذكر التكرار لقوله: [ (لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) ] وإنما جاء مرة واحدة، فهذا من الذكر الذي شرع بعد الصلوات المكتوبة في حديث ابن الزبير ، وكذلك الذي جاء في حديث المغيرة بن شعبة المتقدم، كل ذلك من الذكر الذي يكون بعد الصلوات المكتوبة، وهو من الثناء على الله عز وجل؛ لأنه ذكر وثناء. وهذه الأذكار يرفع بها الصوت كما سبق في الحديث الذي فيه: (إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا الحديث هو في الصحيحين أيضاً. وهذه الأذكار يؤتى بها جميعاً؛ لأنها كلها من الذكر المشروع بعد الصلاة. تراجم رجال إسناد حديث ابن الزبير: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ...) قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن علية ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بابن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحجاج بن أبي عثمان ]. الحجاج بن أبي عثمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت عبد الله بن الزبير ]. هو عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. طريق أخرى لما كان يقول عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من الصلاة المفروضة مع تراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبدة عن هشام بن عروة عن أبي الزبير قال: كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما يهلل في دبر كل صلاة فذكر نحو هذا الدعاء زاد فيه: (ولا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله، لا نعبد إلا إياه، له النعمة...) وساق بقية الحديث ]. ذكر المصنف رحمه الله الحديث من طريق أخرى وفيه زيادة على ما تقدم وهي: [ (لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة....) ] يعني: بالإضافة إلى قوله في الحديث السابق: (والفضل والثناء الحسن). قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبدة ]. هو عبدة بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير قال: كان عبد الله بن الزبير ]. أبو الزبير و عبد الله بن الزبير قد مر ذكرهما. شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر صلاته: اللهم ربنا ورب كل شيء....) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و سليمان بن داود العتكي -وهذا حديث مسدد- قالا: حدثنا المعتمر قال: سمعت داود الطفاوي قال: حدثني أبو مسلم البجلي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول، وقال سليمان : (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في دبر صلاته: اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك، اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أن محمداً عبدك ورسولك، اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة، اللهم ربنا ورب كل شيء، اجعلني مخلصاً لك وأهلي في كل ساعة في الدنيا والآخرة، يا ذا الجلال والإكرام! اسمع واستجب، الله أكبر الأكبر، الله نور السماوات والأرض -قال سليمان بن داود -: رب السماوات والأرض، الله أكبر الأكبر، حسبي الله ونعم الوكيل، الله أكبر الأكبر) ]. قوله: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر صلاته: اللهم ربنا ورب كل شيء) ] يعني: بعدها؛ لأن الدبر يطلق على ما قبل آخر الشيء وعلى ما بعده، فهو يطلق على ما قبل السلام وعلى ما بعد السلام، كله يقال له: دبر، وهنا هذا الذكر يقال بعد السلام، وقد جاءت أحاديث كثيرة فيها ذكر الدبر ويراد به ما بعد ومنها الحديث الذي فيه التسبيح والتهليل والتكبير دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ويختم بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، فهذا يكون بعد الصلاة، فالمراد بالدبر هنا ما بعد الصلاة. وهذا الحديث الطويل المشتمل على هذه الألفاظ من الدعاء هو حديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه من هو لين الحديث، وفيه من هو مقبول، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإنه لا يشرع الإتيان به، وإنما يؤتى بالأشياء الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر صلاته: اللهم ربنا ورب كل شيء ...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ و سليمان بن داود العتكي ]. هو أبو الربيع الزهراني وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ وهذا حديث مسدد قالا: حدثنا المعتمر ]. هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت داود الطفاوي ]. داود الطفاوي لين الحديث، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال: حدثني أبو مسلم البجلي ]. أبو مسلم البجلي مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن زيد بن أرقم ]. زيد بن أرقم رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. أقول: المتن فيه ما فيه، والإسناد فيه من هو لين الحديث، ومن هو مقبول، والمقبول أعلى من لين الحديث، يعني: المقبول هو الذي يقبل حديث إذا توبع، والذي أقل منه هو لين الحديث. شرح حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عمه الماجشون بن أبي سلمة عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سلم من الصلاة قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت) ]. قوله: [ (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت) ]. هذا يدلنا على أن الصلاة يكون بعدها دعاء وليس مجرد ذكر، بل إن أول شيء يكون بعد الصلاة هو الدعاء وهو: أستغفر الله أستغفر الله، أستغفر الله ثلاث مرات؛ لأن الاستغفار هو دعاء، أستغفر الله يعني: أسأل الله المغفرة. إذاً: فبعد الصلاة يوجد ثناء ويوجد فيه دعاء، وهذا الحديث يدل على مشروعية الدعاء بعد الصلاة، وهناك دعاء قبل السلام، فما ورد قبل السلام يؤتى به قبل السلام، وما ورد بعد السلام يؤتى به بعد السلام. تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ...) قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ]. هو عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمه الماجشون بن أبي سلمة ]. هو يعقوب بن أبي سلمة الماجشون والماجشون لقب وليس اسماً، وهناك جماعة يقال لهم: الماجشون، وهو صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الرحمن الأعرج ]. هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، و الأعرج لقب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن أبي رافع ]. عبيد الله بن أبي رافع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن أبي طالب ]. علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين ، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: رب أعني ولا تعن علي ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن طليق بن قيس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو: رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر هداي إلي، وانصرني على من بغى علي، اللهم اجعلني لك شاكراً، لك ذاكراً، لك راهباً، لك مطواعاً، إليك مخبتاً أو منيباً، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي) ]. حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما ليس فيه أن هذا يقال بعد السلام وإنما فيه أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو. قوله: [ (رب أعني ولا تعن علي) ] يعني: بأن يعينه ويوفقه، وألا يعين عليه أحداً يلحق به الضرر. قوله: [ (وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي) ] يعني أن يكون المكر من الله له ولا يكون من الله عليه. قوله: [ (اللهم اجعلني لك شاكراً، لك ذاكراً، لك راهباً، لك مطواعاً، إليك مخبتاً أو منيباً) ]. هذه الألفاظ فيها حذف واو العطف، والأصل أن يقول: لك كذا، ولك كذا، ولك كذا، وحذف واو العطف وارد في اللغة العربية وهذا منه، ومنه قول الله عز وجل في أول سورة الغاشية: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ [الغاشية:2-8] يعني: ووجوه، فحذفت واو العطف. إذاً: حذف واو العطف سائغ وقد جاء في القرآن والسنة. قوله: [ (لك راهباً) ]. يعني: الرهبة تكون من الله؛ لأنها مقابل الرغبة، كما في قوله تعالى: وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا [الأنبياء:90] يعني: خوفاً ورجاءً. قوله: [ (لك مطواعاً) ] يعني: مطيعاً، ومطواع صيغة مبالغة من الطاعة. قوله: [ (إليك مخبتاً أو منيباً) ]. الإخبات هو الخشية والذل، والإنابة هي الرجوع. قوله: [ (رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي) ]. الحوبة قيل: هي الذنب، وكونها تغسل مثل ما جاء في الحديث: (ونقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واغسلني بالماء والثلج والبرد). قوله: [ (وأجب دعوتي وثبت حجتي) ]. يعني: يكون كلامه مستقيماً، وفي الآخرة كونه يسدد ويوفق عند السؤال للجواب بالصواب. قوله: [ (واسلل سخيمة قلبي) ]. يعني: أخرج ما فيه من الحقد والضغن، والأشياء التي تكون في القلوب مما تعتريه وهي مذمومة وغير محمودة. تراجم رجال إسناد حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: رب أعني ولا تعن علي ...) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. هو عمرو بن مرة الهمداني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن الحارث ]. هو عبد الله بن الحارث النجراني وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن طليق بن قيس ]. طليق بن قيس ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. طريق أخرى لحديث: (رب أعني ولا تعن علي) وتراجم رجال إسنادها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن سفيان قال: سمعت عمرو بن مرة بإسناده ومعناه، قال: (ويسر الهدى إلي، ولم يقل: هداي) ]. هذه طريق أخرى للحديث السابق. قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان الثوري . [ قال: سمعت: عمرو بن مرة ]. عمرو بن مرة مر ذكره. [ قال أبو داود : سمع سفيان من عمرو بن مرة قالوا: ثمانية عشر حديثاً ]. هذا فيه بيان مقدار سماع سفيان الثوري من عمرو بن مرة وأنهم قالوا: سمع منه ثمانية عشر حديثاً. شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال اللهم أنت السلام ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن عاصم الأحول و خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سلم قال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام!) ]. قوله: [ (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام!) ] هذا ذكر يأتي به الإمام وهو مستقبل القبلة بعد السلام وقبل الانصراف إلى المأمومين، كما جاء ذلك في بعض الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل ذلك الاستغفار ثلاثاً: (أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام!) والإمام بعد أن يأتي بهذا الذكر ينصرف إلى المأمومين، ويأتي بالباقي مما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقابل للمأمومين. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال اللهم أنت السلام ...) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم الأحول ]. هو عاصم بن سليمان الأحول وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و خالد الحذاء ]. هو خالد بن مهران الحذاء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن الحارث ]. هو أبو الوليد عبد الله بن الحارث البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. حكم قول: وإليك السلام تباركت وتعاليت ويقول بعض الناس: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وإليك السلام، تباركت وتعاليت، ولم يأت ما يدل على قولهم: تعاليت، ولا قولهم: وإليك السلام؛ لأن الله هو السلام ومنه السلام، ولهذا لا يسلم على الله وإنما السلام من الله، وقد سبق أن مر الحديث الذي فيه: (السلام على الله من عباده، السلام على جبريل وميكائيل، فقال عليه الصلاة والسلام: لا تقولوا كذلك؛ فإن الله هو السلام ومنه السلام) يعني: أن السلام منه لهم. وهذا الحديث أخرجه مسلم و الترمذي و النسائي و ابن ماجة . شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن الأوزاعي عن أبي عمار عن أبي أسماء عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات ثم قال: اللهم...)، فذكر معنى حديث عائشة رضي الله عنها ]. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته، استغفر ثلاث مرات..) ] يعني: كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته إلى المأمومين فقبل أن ينصرف كان يستغفر ثلاث مرات بعدما يسلم، يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله اللهم.. ثم يأتي بالذكر الذي تقدم في الحديث الذي قبل هذا، فقد كان يجمع بين الاستغفار وبين هذا الذكر الذي هو: (اللهم أنت السلام ومنك السلام). تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات) قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ]. هو إبراهيم بن موسى الرازي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عمار ]. هو شداد بن عبد الله وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي أسماء ]. هو عمرو بن مرثد الرحبي وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. الأسئلة حكم الدعاء الجماعي دبر الصلوات ورفع اليدين فيه السؤال: يكثر في العالم الإسلامي الدعاء الجماعي، بأن يدعو الإمام والمأمومون يؤمنون، مع رفع اليدين فيه، فهل لكم من توجيه؟ الجواب: المعروف عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل واحد يسبح لنفسه، ويهلل لنفسه، ويأتي بالذكر لنفسه، دون أن يكون هناك صوت جماعي، بأن يأتي الإمام بالذكر وهم يؤمنون وراءه، فهذا من الأمور المحدثة، وإنما كل إنسان يأتي بالدعاء لنفسه، وليس الإمام هو الذي يأتي بالدعاء والباقون يؤمنون وراءه، أو يأتون بالذكر وراءه، فهذا ليس من السنة، بل هذا من الأمور المحدثة، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يأتي بالذكر والصحابة يرددون وراءه الذكر مثل المعلم الذي يعلم الصبيان، وإنما كل إنسان كان يأتي بالذكر لنفسه. ورفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام هو إمام الناس، وهو الذي كان يصلي بهم، ولم ينقل رفع اليدين بعد الصلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، فدل هذا على أن ذلك لا يصلح؛ لأنه لم يفعل. ورفع اليدين للدعاء له أحوال: حال ورد فيها رفع اليدين، فترفع اليدان فيما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحال لم يأت فيها رفع اليدين ومنها: أثناء خطبة الجمعة، فإنه لا ترفع الأيدي فيها، إلا إذا استستقى الإمام في الخطبة فإنه يرفع يديه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه وهو يخطب إلا في الاستسقاء، وكذلك بعد الصلاة المفروضة؛ لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم -وهو الذي يصلي بالناس دائماً- يرفع يديه وكذلك الصحابة معه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم لم يكونوا يرفعون أيديهم. حكم الجهر بالتكبير بعد التسليم قبل الاستغفار السؤال: بعض طلبة العلم إذا سلم يكبر تكبيرة واحدة ثم يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ويستدل بما أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباس : (كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير) فما رأيكم في هذا؟ الجواب: غير واضح أن يؤتى بالتكبير بعد السلام مباشرة، ولا شك أن الصلاة بعدها تكبير وغير تكبير، فقد جاء في بعض الروايات عدم ذكر التكبير، والمراد بالحديث أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذكر بعد الصلاة فيه تكبير وفيه غير تكبير، وأما كونه يؤتى بالتكبير مباشرة فلم يأت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال: الله أكبر، وإنما كان يقول: (أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله)، والاستغفار ورد بعد أداء العبادات، كما جاء في الصلاة، وجاء في الحج، يعني: بعد أداء العبادة يؤتى بالاستغفار من أجل التقصير والنقص الذي يحصل من الإنسان. معنى السلام السؤال: قوله: (اللهم أنت السلام) ما معنى السلام؟ الجواب: السلام هو اسم من أسماء الله، يعني المنزه المسلَّم من كل نقص ومن كل عيب، والسلامة تحصل للناس من الله عز وجل، ولهذا الإنسان عندما يسلم على غيره يقول: السلام عليكم ورحمة الله، يدعو له بالسلامة، والسلامة إنما تكون من الله عز وجل وتطلب من الله عز وجل. حكم تأدية السنة بعد السلام مباشرة قبل الأذكار السؤال: نلاحظ في المسجد النبوي في الموسم خاصة قيام بعض الناس بعد السلام مباشرة لأداء السنة قبل الأذكار، فما الحكم؟ الجواب: هذا خطأ، فالذي ينبغي للإنسان بعد السلام أن يأتي بالأذكار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يأتي بالنوافل، أما كونه يترك هذه الأذكار الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن هذا ترك للسنة، ومخالفة للسنة."
__________________
|
#329
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [181] الحلقة (212) شرح سنن أبي داود [181] بالاستغفار تزاح الهموم والغموم عن القلوب، وتنشرح الصدور، وتأتي الخيرات من الأرض والسماوات، وتفتح أبواب الفرج وتزاح عن المستغفرين الكرب، وكفى بالاستفغار فضلاً أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر في المجلس الواحد مائة مرة. ما جاء في الاستغفار شرح حديث: (ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستغفار. حدثنا النفيلي حدثنا مخلد بن يزيد حدثنا عثمان بن واقد العمري عن أبي نصيرة عن مولىً لأبي بكر الصديق عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة) ]. قوله: [ باب في الاستغفار ] الاستغفار هو من الدعاء؛ لأن قول الإنسان: اللهم اغفر لي دعاء يطلب به من الله المغفرة. أورد المصنف رحمه الله في هذا الباب أحاديث في الاستغفار وأحاديث في الدعاء على سبيل العموم؛ لأن الاستغفار نوع من أنواع الدعاء. قوله: [ (ما أصر من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة) ]، الإصرار: هو البقاء على الذنب والإصرار عليه، أما الاستغفار فلا يكون معه الإصرار، ولو عاد إلى الذنب في اليوم سبعين مرة، لكن هذا الحديث ضعيف وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحتج به؛ لأن لفظه فيه نكارة، إذ كيف يكون غير مصر ولو عاد إلى الذنب سبعين مرة؟! فما فائدة الاستغفار الذي يكون معه مواصلة الذنب والاستمرار فيه حتى يبلغ هذا المبلغ في الكثرة؟! فالحديث غير صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه مولىً لأبي بكر وهو مبهم. وقال الحافظ: هو أبو رجاء مولى أبي بكر وهو مجهول. إذاً: فالحديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن كون الاستغفار يكون معه تخفيف الذنوب والتخلص من الذنوب فقد جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار)، يعني: أن الكبيرة مع الاستغفار تتضاءل وتتلاشى وتضمحل؛ لأن الإنسان عندما يرتكب كبيرة ويستغفر الله ويندم عليها ويخاف الله عز وجل، فإن الذنب يتلاشى ويضمحل. قوله: (ولا صغيرة مع الإصرار)، يعني: الصغيرة مع الإصرار والمداومة عليها وقلة الحياء والخوف من الله عز وجل تتضخم وتكبر وتعظم؛ لما صحبها من قلة الحياء وقلة المبالاة، وكون الإنسان يستمر على تلك الذنوب التي هي صغائر قد يلحقها بالكبائر من ناحية قلة الحياء وقلة المبالاة بها. وهذا هو معنى قول ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه: (لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار). تراجم رجال إسناد حديث: (ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة) قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا مخلد بن يزيد ]. مخلد بن يزيد صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا عثمان بن واقد العمري ]. عثمان بن واقد العمري صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن أبي نصيرة ]. هو مسلم بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن مولىً لأبي بكر ]. وهو مبهم، وقد ذكر الحافظ في التقريب أنه أبو رجاء ، وقال: إنه مجهول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن أبي بكر الصديق ]. أبو بكر هو عبد الله بن عثمان رضي الله عنه، وهو غير مشهور باسمه ولكنه مشهور بكنيته ولقبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وهو ليس له ولد اسمه بكر ولكنه اشتهر بهذه الكنية، كما أن عمر رضي الله عنه ليس له ولد اسمه حفص وقد اشتهر بهذه الكنية، و أبو بكر الصديق رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأول الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وقد قال عنه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مقالة تدل على علو قدره وعظيم منقبته، وذلك قبل أن يموت بخمس ليال، كما جاء في صحيح مسلم من حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك). فقوله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً) أخبر فيه عن أمر لا يكون أن لو كان كيف يكون، وهو دال على عظم شأن أبي بكر وعلو منزلته وعظيم قدره، وهو أفضل الصحابة على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب و مسدد قالا: حدثنا حماد عن ثابت عن أبي بردة عن الأغر المزني رضي الله عنه- قال مسدد في حديثه: وكانت له صحبة -قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة) ]. قوله: [ (إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة) ] يغان فسر بأنه يغطى، وقيل: إن المقصود بذلك ما يحصل له من السهو، وأنه يستغفر الله عز وجل في اليوم سبعين مرة وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. أما وجه استغفار النبي صلى الله عليه وسلم وهل يدخل في مسألة وقوع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في الذنوب؟ فالعلماء اتفقوا على أن الكبائر لا تقع منهم، وأما الصغائر فهناك خلاف بين أهل العلم، والقائلون بإثباتها يقولون: إنه يترتب عليها زيادة كمالهم من ناحية أنهم يستغفرون ويدعون، وأن الله يرفع شأنهم، ويعلي قدرهم، ويعظم منزلتهم. ومن العلماء من يقول: إنه قد يقع منهم خلاف الأولى، ومن ذلك الشيء الذي عوتب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن فيما يتعلق بقصة الأعمى: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى [عبس:1-2] وكذلك فيما يتعلق بأسارى بدر، وغير ذلك من الأشياء التي جاءت في القرآن والتي عوتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم . قيل: إن استغفاره صلى الله عليه وسلم من العبادة لله عز وجل، وكذلك تعليم الأمة أن يفعلوا ذلك، وأنه إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر وهو القدوة والأسوة، وهم الذين يذنبون ويحتاجون إلى أن يستغفروا من ذنوبهم وقدوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة) قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ ومسدد حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد إذا جاء مسدد و سليمان بن حرب عن حماد فالمراد به حماد بن زيد ، وإذا جاء موسى بن إسماعيل و مسدد عن حماد فالمراد به حماد بن سلمة . وحماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة ]. هو أبو بردة بن أبي موسى وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن الأغر المزني ]. الأغر المزني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث، وهو عند مسلم و أبي داود فقط. لكن له عند البخاري في الأدب المفرد، وعند النسائي في عمل اليوم والليلة. شرح حديث: (إن كنا لنعد لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب علي) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو أسامة عن مالك بن مغول عن محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: [ (إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم). يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الاستغفار في المجلس الواحد، وفي الحديث السابق كان يخبر عن نفسه أنه كان يستغفر الله في اليوم مائة مرة، وهنا كان الصحابة يعدون له في المجلس الواحد أنه كان يقول هذا الذكر أو هذا الدعاء مائة مرة. تراجم رجال إسناد حديث: (إن كنا لنعد لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب علي) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا أبو أسامة ]. هو حماد بن أسامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن مالك بن مغول ]. مالك بن مغول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن محمد بن سوقة ]. محمد بن سوقة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فر من الزحف) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حفص بن عمر بن مرة الشني حدثني أبي عمر بن مرة سمعت بلال بن يسار بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: سمعت أبي يحدثنيه عن جدي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف) ]. أورد أبو داود حديث زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف) ]. يعني: من قال ذلك غفر له وإن فرّ من قتال الكفار، ومن المعلوم أن الفرار من الزحف هو أحد الموبقات السبع التي جاءت في حديث: (اجتنبوا السبع الموبقات، ومنها: الفرار من الزحف)، ويكون المعنى مستقيماً إذا كان المقصود أنه تاب من جميع الذنوب ومنها الفرار من الزحف، وإلا فإن مجرد الاستغفار والإنسان باق على الذنب لا ينفع، وهو مثل ما تقدم في الحديث الضعيف الذي فيه: (وإن عاد في اليوم سبعين مرة) وإنما ينفع ذلك مع التوبة من الذنب، فبدون توبة من الذنب يوجد إشكال، يعني: كونه تغفر له ذنوبه بمجرد الاستغفار ولو فر من الزحف وإن لم يتب من ذلك الذنب وهو مصر عليه، لكن إذا كان المقصود به الاستغفار من جميع الذنوب والتوبة منها والندم على ما حصل منه. نعم، تغفر له ذنوبه، أما أن يوجد منه الاستغفار بلسانه ولم يتب من بعض الذنوب لا يقال: إنها تغفر له ذنوبه بمجرد الاستغفار وهو مصر عليها. وهذا الحديث فيه أربعة مقبولون، وفيه إشكال من هذا المعنى الذي أشرت إليه، وإلا على معنى التوبة من جميع الذنوب فإن كل الذنوب تغفر ولو كان الفرار من الزحف. والحديث صححه الألباني كما سيأتي وجه تصحيحه له. تراجم رجال إسناد حديث: (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فر من الزحف) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي المنقري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ حدثنا حفص بن عمر بن مرة الشني ]. حفص بن عمر بن مرة الشني مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ حدثني أبي عمر بن مرة ]. عمر بن مرة مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ سمعت بلال بن يسار بن زيد ]. بلال بن يسار مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ سمعت أبي يحدثنيه عن جدي ]. أبوه هو يسار وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي . أما جده فهو صحابي أخرج له أبو داود و الترمذي . وجه تصحيح الألباني لحديث (من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو غفر له وإن كان قد فر من الزحف) ذكرت أن الشيخ الألباني رحمه الله صحح الحديث، ولما كان في رجاله أربعة وصف كل منهم بأنه مقبول، وكل منهم خرج له أبو داود والترمذي وهم: حفص بن عمر بن مرة ، وأبوه، وبلال بن يسار بن زيد ، وأبوه، وكل منهم مقبول، والمقبول هو الذي لا يعتد بحديثه إلا إذا توبع . وقد أورد الشيخ الألباني ذلك الحديث في السلسلة الصحيحة رقم (2727)، وذكره عن جماعة من الصحابة منهم زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدرها بحديث عبد الله بن مسعود ، والحديث الذي أورده من طريق عبد الله بن مسعود صحيح، وهو مثل ما جاء في هذا إلا أنه زاد (ثلاثاً): (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاثاً، غفرتْ ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف). وعلى هذا فهذه الطريق -مع ما فيها من الرجال المتكلم فيهم- عن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم متفقة مع تلك الطريق الصحيحة التي أوردها الشيخ الألباني وإسنادها صحيح. وكذلك ذكره عن جماعة من الصحابة إلا أن حديث عبد الله بن مسعود هو الذي يعتمد عليه في ذلك، وعلى هذا فالحديث صحيح ولكن لا يكون معناه: أنه من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه ولو كان فاراً من الزحف إذا كان مصراً على المعاصي؛ لأن الاستغفار النافع هو الذي يكون معه الندم والخوف والخجل والتوبة من الذنوب التي ارتكبها والإقلاع عنها فهذا هو الذي يغفر له، وأما الذي يستغفر الله وهو مصر على المعصية، متى ما وجد سبيلاً إليها انقض إليها، فمثل هذا لا يقال: إنه ينفعه أن يقول: أستغفر الله بلسانه مع أن قلبه منطو على خلاف ما جاء في لسانه. شرح حديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الحكم بن مصعب حدثنا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه أنه حدثه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه حدثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من لزم الاستغفار) ] يعني: أكثر منه وكان ملازماً له . قوله: [ (جعل الله له من كل ضيق مخرجاً) ] يعني: الشدة والمصائب التي تحل بالإنسان يجعل الله له من ذلك الضيق الذي يحصل بسببها مخرجاً. قوله: [ (ومن كل هم فرجاً) ] يعني: يجعل له فرجاً من كل شيء يهمه ويزعجه، بحيث يسلم ويخلص من ذلك، ويفرج الله عنه بسبب الاستغفار . قوله: [ (ويرزقه من حيث لا يحتسب) ] يعني: يأتيه الرزق من حيث لا يفكر ولا يخطر بباله. والحديث فيه رجل مجهول، وهو الحكم بن مصعب ، فهو غير صحيح من ناحية الإسناد، ولكن معناه جاء به القرآن من حيث التقوى، كما قال الله عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق:2-3] . وأيضاً جاء فيما يتعلق بالاستغفار أنه سبب لحصول الرزق، كما قال الله عز وجل عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا *وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12] يعني: أنه يترتب على الاستغفار حصول هذه الأمور، ومنها حصول الرزق، بأن ينزل الله عليهم الأمطار التي تنبت بها الأشجار الزروع، وتحيا بها الأرض بعد موتها، وكذلك يمددهم بأموال وبنين ويجعل لهم جنات أنهاراً. فهذا القرآن دل على ذلك، لكن الحديث من ناحية الإسناد غير صحيح، وقد ضعفه الألباني رحمه الله؛ لأن في إسناده الحكم بن مصعب وهو مجهول. تراجم رجال إسناد حديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً...) قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن . [ حدثنا الوليد بن مسلم ]. الوليد بن مسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ حدثنا الحكم بن مصعب ]. الحكم بن مصعب مجهول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ]. محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو علي بن عبد الله بن عباس ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن . هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (... كان أكثر دعوة يدعو بها (اللهم آتنا في الدنيا حسنة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ح وحدثنا زياد بن أيوب حدثنا إسماعيل المعنى عن عبد العزيز بن صهيب أنه قال: (سأل قتادة أنساً رضي الله عنه: أي دعوة كان يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار). وزاد زياد : وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، وإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن قتادة سأله: (أي دعوة كان يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر؟) ]. أي: أي دعاء كان يكثر منه النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم أكثر من غيره؟ فقال: [ (اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ] هذا دعاء عظيم جمع بين خير الدنيا والآخرة؛ لأن حسنة الدنيا كل خير وكل سعادة، وكل ما هو نافع في هذه الحياة فهو من حسنة الدنيا، وكل ما يحصل في الآخرة من نعيم وبهجة كل ذلك من حسنة الآخرة، ثم بعد ذلك من يحصل على حسنة الآخرة يسلم من عذاب النار، فهذا دعاء جاء به القرآن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كان يدعو به، وجاء من طريق زياد -شيخ أبي داود الثاني-: أن أنساً رضي الله تعالى عنه كان إذا أراد أن يدعو بدعوة واحدة اقتصر على هذا الدعاء: (اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) وإذا أراد أن يدعو بجملة من الأدعية يدعو بهذا الدعاء مع هذه الأدعية، أي: أنه كان لا يترك هذا الدعاء سواء دعا بدعوة واحدة أو دعا بدعوات كثيرة، فقد كان رضي الله عنه لا يفرط فيه ولا يغفل عنه، وذلك لكونه يجمع خير الدنيا والآخرة، كذلك هذا الدعاء يقال ما بين الركنين في الطواف. تراجم رجال إسناد حديث: (... كان أكثر دعوة يدعو بها اللهم آتنا في الدنيا حسنة...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ ح وحدثنا زياد بن أيوب ]. ح هي للتحول من إسناد إلى إسناد، وزياد بن أيوب ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بابن علية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ المعنى عن عبد العزيز بن صهيب ]. (المعنى) يعني: أن هذه الرواية بهذين الطريقين السابقتين متفقة في المعنى، وعبد العزيز بن صهيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سأل قتادة أنساً ]. أنس رضي الله عنه هو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يعتبر من الرباعيات عند أبي داود ؛ لأن فيه أربعة أشخاص بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم: الطريق الأولى هي: مسدد عن عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس ؛ لأن قتادة ليس من رجال الإسناد وإنما هو الذي حصل منه السؤال، ولكن الرواية عن عبد العزيز عن أنس . الطريق الثانية هي: زياد بن أيوب عن إسماعيل بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس ، فهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأن بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وسائط، من طريقين كل واحدة فيها أربعة تلتقي عند الثالث عبد العزيز بن صهيب . شرح حديث: (من سأل الله الشهادة صادقاً بلغه الله...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن خالد الرملي حدثنا ابن وهب حدثنا عبد الرحمن بن شريح عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سأل الله الشهادة صادقاً بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من سأل الله الشهادة صادقاً) ] يعني: أن من سأل الله عز وجل الشهادة في سبيل الله عز وجل، وكان ذلك بصدق من قلبه وبنية خالصة ليس مجرد كلام يقال باللسان دون أن يكون القلب عاقداً عليه. قوله: [ (بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) يعني: أن الله يكرمه ويتفضل عليه بأن يبلغه تلك المنازل بهذه النية وبهذا القصد. ومن المعلوم أن الأصل في الشهداء هم شهداء المعركة في سبيل الله عز وجل، لكن هناك أناس وصفوا بأنهم شهداء وذلك في ثواب الآخرة وهذا من جنسه، فيبلغه الله تلك المنازل بقصده الطيب ونيته الحسنة، وهذا يدلنا على أن الإنسان بنيته وقصده قد يحصل على الأجر العظيم، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أنه قال: (إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم العذر) هذا فيه الجهاد بالنية. و ابن القيم رحمه الله ذكر أن الجهاد أنواع، ومنه الجهاد بالنية، وهذا دليله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم قال: (إلا كانوا معكم) معناه: أنهم يحصلون الأجر والثواب بنيتهم وقصدهم الطيب الحسن. و النووي رحمه الله في رياض الصالحين عقد باباً قال: (باب ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة ويغسلون ويصلى عليهم)، يعني: هم شهداء في ثواب الآخرة وإن لم يكونوا بشهداء معركة، وساق جملة من الأحاديث منها: (من قتل دون ماله فهو شهيد). تراجم رجال إسناد حديث: (من سأل الله الشهادة صادقاً بلغه الله...) قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد الرملي ]. يزيد بن خالد الرملي ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن شريح ]. عبد الرحمن بن شريح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ]. أبو أمامة بن سهل بن حنيف اسمه أسعد ، وقيل: له رؤية، وهو معدود في صغار الصحابة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو سهل بن حنيف رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة . شرح حديث: (... ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة الثقفي عن علي بن ربيعة الأسدي عن أسماء بن الحكم الفزاري قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: (كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، قال: وحدثني أبو بكر رضي الله عنه، وصدق أبو بكر رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يقول: ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ [آل عمران:135] ... إلى آخر الآية) ]. أورد أبو داود حديث أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له) ] ثم تلا الآية، وهذا يدل على أن الذنب إذا كان صغيراً فالأعمال الصالحة تكفره، وأما إذا كان كبيراً فتكفره الأعمال الصالحة مع التوبة، وأما كون الإنسان يتوضأ ويصلي ركعتين وهو عازم على فعل الكبيرة إذا ظفر بها أو إذا حصلها، فمعناه أنه مصر عليها، فكونه يأتي بركعتين ويتطهر لا يكفر ذلك الذنب، ولابد من التوبة والندم والإقلاع عن الذنب. وأما بالنسبة للصغائر فتكفرها الأعمال الصالحة كما جاء: (الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) ، وكذلك قول الله عز وجل: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31] يعني: أن ارتكاب الصغائر يكفر باجتناب الكبائر وكذلك بالأعمال الصالحة. قوله: [ (ثم تلا هذه الآية: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ [آل عمران:135]) ]. ذكر الله عز وجل يشمل الصلاة ويشمل غيرها، كما جاء في القرآن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، فالصلاة هي من ذكر الله عز وجل. تراجم رجال إسناد حديث: (... ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو الوضاح بن عبد الله اليشكري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن عثمان بن المغيرة الثقفي ]. عثمان بن المغيرة الثقفي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن . [ عن علي بن ربيعة الأسدي ]. علي بن ربيعة الأسدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن أسماء بن الحكم الفزاري ]. أسماء بن الحكم الفزاري صدوق أخرج له أصحاب السنن . [ سمعت علياً ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وأحاديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبو بكر ]. هو الصديق رضي الله عنه، واسمه عبد الله بن عثمان ، وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة . وجه استحلاف علي للصحابة عند التحديث عن النبي عدا أبي بكر رضي الله عنه في أول الحديث أن علياً رضي الله عنه قال: [ (كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني -يعني: بالعمل به- وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر) ] يعني: أنه لم يستحلفه، وهذا يدلنا على عظيم منزلة أبي بكر عند علي رضي الله عنه وعلو قدره وتعظيمه له، وهذا الذي فعله علي رضي الله عنه مع غيره من الصحابة من كونه يستحلف من حدثه منهم هو اجتهاد وزيادة في التوثق، وإلا فإن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كان يحدث بعضهم بعضاً من غير استحلاف ومن غير حاجة للاستحلاف، ولكن هذا هو من جنس ما كان يفعله عمر رضي الله عنه إذا أخبره أحد بشيء ففي بعض الأحيان يطلب منه شاهداً يوافقه على ذلك، ولا يعني ذلك عدم قبول الرواية، وإنما فيه زيادة التوثق، وإلا فإنه لو لم يوجد ما يوافقه فإن مجرد خبره ذلك كاف."
__________________
|
#330
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [182] الحلقة (213) شرح سنن أبي داود [182] لقد حث الشرع على الاستغفار الذي يشتمل على الندم على ما فات من المعاصي والذنوب، مع الإقلاع عنها وعدم الإصرار عليها، وإلا فإن الاستغفار مع الإصرار غير مقبول، بل هو تلاعب وعدم تعظيم لحرمات الله سبحانه وتعالى، واستهانة بأمره، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وما ذلك إلا من أجل أن تقتدي به أمته في ذلك، وهناك طرق كثيرة للاستغفار من الذنوب منها: الاستغفار باللسان، ومنها: أن يحسن الطهور ويصلي ركعتين ثم يستغفر المرء من الذنب الذي اقترفه وغير ذلك. تابع ما جاء في الاستغفار شرح حديث: (... لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا حيوة بن شريح قال: سمعت عقبة بن مسلم يقول: حدثني أبو عبد الرحمن الحبلي عن الصنابحي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيده وقال: يا معاذ ! والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) وأوصى بذلك معاذ الصنابحي ، وأوصى به الصنابحي أبا عبد الرحمن ]. أورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، وأوصى بذلك معاذ الصنابحي ، وأوصى به الصنابحي أبا عبد الرحمن ] هذا يدل على مشروعية هذا الدعاء دبر الصلوات المفروضة، ولكن ما المراد بدبر الصلاة؟ يحتمل أن يكون قبل الفراغ من الصلاة، ويحتمل أن يكون بعدها؛ لأن الدبر هو آخر الشيء وما يلي آخر الشيء، والصلاة آخرها السلام؛ فيكون الذي قبله وما بعده ويكون هو آخرها، هذا دبر وهذا دبر، وكونه يؤتى بهذا الدعاء قبل السلام أو بعده كل ذلك يمكن أن يدخل تحت هذا الحديث. وقد جاء الدعاء بعد السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث: (كان إذا انصرف من صلاته قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت) هذا فيه الدعاء بعد الصلاة. فإذاً: يكون دعاؤه قبل وبعد الصلاة، وهنا جاء بلفظ مطلق وهو الدبر وهو يشمل ما قبل وما بعد الصلاة. قوله: [ (والله إني لأحبك) ] وكونه عليه الصلاة والسلام أقر وحلف على ذلك فهذه منقبة عظيمة لمعاذ رضي الله عنه وأرضاه، ثم أرشده إلى ذلك العمل، وكونه يأتي بهذا الدعاء الذي هو سؤال الله عز وجل أن يعنيه على ذكره وشكره وحسن عبادته، فيه تثبيت لهذه المحبة والإبقاء عليها. قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده) ]. يعني: أخذ بيد معاذ وهذا فيه زيادة الأنس، وكذلك حتى يكون متهيئاً ومستعداً لما يلقي عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (... لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ]. هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ]. عبد الله بن يزيد المقرئ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حيوة بن شريح ]. هو حيوة بن شريح المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت عقبة بن مسلم ]. هو عقبة بن مسلم التجيبي المصري ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثني أبو عبد الرحمن الحبلي ]. هو عبد الله بن يزيد وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن . [ عن الصنابحي ]. هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي وهو ثقة من كبار التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكان قدم من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما كان بالجحفة جاء رتل من المدينة فأخبروه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد توفي، فوصل المدينة بعد دفنه بخمسة أيام، ولهذا قالوا في ترجمته: كاد أن يكون صحابياً، يعني: أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلقاه وليحصل على هذا الشرف العظيم الذي هو شرف الصحبة، ولكنه لم يحصل له ذلك فقارب أن يكون صحابياً؛ لأنه ما بقي بينه وبين لقيا الرسول صلى الله عليه وسلم إلا فترة وجيزة، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وصوله إلى المدينة. [ عن معاذ بن جبل ]. معاذ بن جبل رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة . وكون معاذ يوصي الصنابحي والصنابحي يوصي أبا عبد الرحمن هذا فيه التسلسل بهذه الوصية التي فيها الدعاء دبر الصلوات. شرح حديث: (أمرني رسول الله أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن الليث بن سعد أن حنين بن أبي حكيم حدثه عن علي بن رباح اللخمي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عقبة بن عامر قال: [ (أمرني النبي عليه الصلاة والسلام أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة) ] وهي المعوَّذات أو المعوَّذات. قال صاحب عون المعبود: بفتح الواو وكسرها. المعوذات هي ما يتعوذ بها، هي: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. وقيل: إن الجمع هنا يراد به أنه يكون معها: قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، أو أنه يراد بها السورتان فقط، ويكون إطلاق الجمع على الاثنين؛ لأن الجمع يمكن أن يطلق على الاثنين، كما قال الله عز وجل: وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ [الأنبياء:78]، فقال: (لحكمهم) ولم يقل: لحكمهما، وكذلك قوله عز وجل: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا [التحريم:4]، يعني: المرأتين . إذاً: يأتي ذكر الجمع على أن أقله اثنان، وذلك في مواضع كثيرة، فأقل الجمع عند الفرضيين والفقهاء اثنان، وعند النحويين ثلاثة؛ لأن الجماعة عند الفقهاء أقلها إمام ومأموم، وعند الفرضيين اثنان لقوله: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] يعني: إذا كان له أخوان حجبت الأم من الثلث إلى السدس؛ لأن أقل شيء يطلق عليه الجمع هو اثنان. فهنا إما أن يكون المقصود بالجمع في قوله: [ (بالمعوذات) ] المعوذتين ومعهما قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]. أو أن المقصود بذلك السورتان فقط ويكون ذكر المعوذات بالجمع أطلق عليها من ناحية إطلاق الجمع على الاثنين، وهو سائغ. والشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه عندما كتب حول ما يقال بعد الصلاة وذكر أنه يؤتى بآية الكرسي وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس بعد كل صلاة مرة واحدة، وعند المغرب والفجر يؤتى بقل هو الله أحد والمعوذتين ثلاث مرات، ولم أعرف ما هو الدليل على هذا، والشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه معروف بعنايته بالآثار وبالحديث وتعويله على الأدلة. قوله: [ (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. الأمر هنا معناه اقرأ بالمعوذات، وكما هو معلوم هو للاستحباب بلا شك. تراجم رجال إسناد حديث: (أمرني رسول الله أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة) قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. ابن وهب مر ذكره . [ عن الليث بن سعد ]. هو الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن حنين بن أبي حكيم ]. حنين بن أبي حكيم صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن علي بن رباح اللخمي ]. علي بن رباح اللخمي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عقبة بن عامر ]. هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (أن رسول الله كان يعجبه أن يدعو ثلاثاً ويستغفر ثلاثاً) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن علي بن سويد السدوسي حدثنا أبو داود عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثاً ويستغفر ثلاثاً) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثاً ويستغفر ثلاثاً) ] معناه: أنه يكرر الدعاء ثلاث مرات ويكرر الاستغفار ثلاث مرات. وهذا فيه الدلالة على استحباب تكرار الدعاء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه ذلك، والحديث ضعفه الألباني ، وما أدري ما وجه تضعيفه؛ لأن رجاله كما سيأتي ليس فيهم كلام، إلا ما قيل عن أبي إسحاق السبيعي من جهة كونه مدلساً وكونه اختلط. وقد جاء ما يدل على معناه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من صلاته يستغفر ثلاثاً يقول: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله) وكذلك جاء في صحيح مسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا بدعوة أعادها ثلاثاً، وإذا سأل أعادها ثلاثاً). فهذا يدل على أن تكرار الدعاء من عادته صلى الله عليه وسلم ومن هديه صلى الله عليه وسلم، فلا أدري ما وجه تضعيف الشيخ الألباني رحمه الله لهذا الحديث في سنن أبي داود ، مع أن رجاله لا بأس بهم، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تكرار الدعاء، وكما جاء في صحيح مسلم أيضاً عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا بدعوة أعادها ثلاثاً). الحقيقة أن تكرار الاستغفار ثلاثاً وتكرار الدعاء ثلاثاً ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتضعيف فيه نظر، وحتى لو كان الإسناد هذا فيه كلام من جهة أبي إسحاق السبيعي فإن الأحاديث الأخرى تدل على ما دل عليه هذا الحديث، وهو من حيث الإسناد لا بأس به. أما تكرار الدعاء في القنوت فغير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يقوله مرة واحدة. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يعجبه أن يدعو ثلاثاً ويستغفر ثلاثاً) قوله: [ حدثنا أحمد بن علي بن سويد السدوسي ]. أحمد بن علي بن سويد السدوسي صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو داود ]. هو سليمان بن داود الطيالسي ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق وهو ثقة، أخرج أصحاب الكتب الستة . [ عن أبي إسحاق ]. أبو إسحاق السبيعي واسمه عمرو بن عبد الله الهمداني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن ميمون ]. عمرو بن ميمون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن عبد العزيز بن عمر عن هلال عن عمر بن عبد العزيز عن ابن جعفر عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئاً). قال أبو داود : هذا هلال مولى عمر بن عبد العزيز وابن جعفر هو عبد الله بن جعفر ]. أورد أبو داود حديث أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: [ (ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئاً) ]، هذا الحديث فيه ثناء على الله عز وجل وتعظيم له عند الكرب، فكون المسلم يدعو بهذا الدعاء فهو يريد التخلص من الشيء الذي يهمه، مثل ما مر في أن من دعا الله بلفظ الجلالة فقد دعا باسم الله الأعظم، فيكون ذلك من أسباب القبول. تراجم رجال إسناد حديث: (ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب ) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود ]. هو عبد الله بن داود الخريبي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ]. عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز -يعني: ابن الخليفة- وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال ]. هو هلال أبو طعمة مولى عمر بن عبد العزيز وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة، و ابن ماجة . [ عن عمر بن عبد العزيز ]. عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الخليفة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جعفر ]. هو عبد الله بن جعفر وهو صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أسماء بنت عميس ]. أسماء بنت عميس هي أمه رضي الله تعالى عنها وهي صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة. و أسماء بنت عميس هي زوجة جعفر بن أبي طالب الذي استشهد في غزوة مؤتة، وتزوجها بعده أبو بكر ثم تزوجها علي ، وقد ولدت للثلاثة، ولدت لجعفر بن أبي طالب ولأبي بكر ولعلي بن أبي طالب . شرح حديث أبي موسى: (... يا أيها الناس إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت وعلي بن زيد وسعيد الجريري عن أبي عثمان النهدي أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما دنوا من المدينة كبر الناس ورفعوا أصواتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا أيها الناس! إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إن الذي تدعونه بينكم وبين أعناق ركابكم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا موسى! ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: وما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) ]. أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه أنه كان في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما دنوا من المدينة رفع بعض أصحابه أصواتهم بالتكبير، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (يا أيها الناس! إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبا، إن الذي تدعونه بينكم وبين أعناق ركابكم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا موسى ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: وما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) ]، الحديث صحيح بدون كلمة: [ (إن الذي تدعونه بينكم وبين أعناق ركابكم) ] لأنه جاء في الصحيحين وفي غيرهما من هذه الطريق وليس فيه هذه اللفظة. ولو صحت هذه اللفظة لأمكن حملها على معية العلم؛ لأنه جاء في بعض الروايات: (أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) وهذه الرواية صحيحة، لكن تطلق على معية العلم. والشيخ الألباني يقول: لعلها من طريق علي بن زيد بن جدعان ، فهي زيادة منكرة؛ لأن غيره أورد الحديث وليس فيه هذه الزيادة، والآن هو ذكره عن ثلاثة ولم يبين من له اللفظ. فإذاًَ: هذه الزيادة انفرد بها علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، وتكون الزيادة منكرة؛ لأنه خالف الثقات؛ ولأن الثقات الذين رووا هذا الحديث لم يذكروا هذه الزيادة، وإنما قال: (إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً وإنما تدعون سميعاً بصيراً) وذلك لأن (سميعاً) مقابل (أصم) و(غائباً) مقابل (بصيراً) يعني: هو معكم شاهد غير غائب يسمعكم ويبصركم. قوله: [ (ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: وما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) ] وهذا يدلنا على عظم شأن هذا الذكر الذي فيه تفويض الأمر إلى الله عز وجل، يعني: لا حول للإنسان في التحول من المعصية وفي ترك المعاصي ولا قوة له على الطاعة إلا بإعانة الله وتسديده وتوفيقه؛ لأن كل شيء بقضاء الله وقدره وخلقه وإيجاده وتوفيقه وتسديده سبحانه وتعالى. تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى: (... يا أيها الناس إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وعلي بن زيد ]. هو علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ وسعيد الجريري ]. هو سعيد بن إياس الجريري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عثمان النهدي ]. هو عبد الرحمن بن مل أو مِل أو مَل مثلث الميم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا موسى الأشعري ]. أبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة . شرح حديث أبي موسى من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله سلم وهم يتصعدون في ثنية، فجعل رجل كلما علا الثنية نادى: لا إله إلا الله والله أكبر، فقال نبي الله صلى الله عليه وآله سلم: إنكم لا تنادون أصم ولا غائباً، ثم قال: يا عبد الله بن قيس ، فذكر معناه) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أبي موسى الأشعري وهي مثل ما تقدم. قوله: [ (كانوا يتصعدون) ]، يعني: يصعدون في طريق مرتفع، هي الثنية طريق في الجبل، يعني: فكان هذا الرجل كلما علا ثنية قال: [ (لا إله إلا الله والله أكبر) ] فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم ما قال. قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سليمان التيمي ]. هو سليمان بن طرحان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عثمان ، عن أبي موسى الأشعري ]. أبو عثمان و أبو موسى مر ذكرهما . شرح حديث أبي موسى من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى رضي الله عنه بهذا الحديث وقال فيه: فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أيها الناس! اربعوا على أنفسكم) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (يا أيها الناس! اربعوا على أنفسكم) ] يعني: هونوا على أنفسكم وخففوا عليها، لا ترفعوا أصواتكم إن الذي تدعونه ليس أصم ولا غائباً. قوله: [ حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى ]. أبو صالح محبوب بن موسى صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا أبو إسحاق الفزاري ]. هو إبراهيم بن محمد بن الحارث وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن عاصم ]. هو عاصم بن سليمان الأحول وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عثمان عن أبي موسى ]. قد مر ذكرهما. شرح حديث: (من قال رضيت بالله رباً ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن رافع حدثنا أبو الحسين زيد بن الحباب حدثنا عبد الرحمن بن شريح الإسكندارني حدثني أبو هانئ الخولاني أنه سمع أبا علي الجنبي أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وجبت له الجنة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من قال: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وجبت له الجنة) ] هذا الحديث يدلنا على فضل هذا الذكر، وهو مشتمل على الأمور الثلاثة التي يسأل عنها في القبر؛ لأن الإنسان في القبر يسأل عن ربه ودينه ونبيه، وقد جاء مثل هذا في أحاديث عديدة كما في صحيح مسلم من حديث العباس بن عبد المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم رسولاً) وكذلك جاء أنه يؤتى به بعد الأذان: (رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً)، فهو مشتمل على الأصول التي يسأل عنها الإنسان في القبر. وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه ألف رسالة الأصول الثلاثة وهي مبنية على هذه الأصول التي هي: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه. وهي رسالة قيمة صغيرة لا يستغني عنها العامي ولا طالب العلم؛ لأنها جمعت الكلام حول هذه الأصول الثلاثة، وهي الأمور التي يسأل عنها الإنسان في القبر. تراجم رجال إسناد حديث: (من قال رضيت بالله رباً ... ) قوله: [ حدثنا محمد بن رافع ]. هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا أبو الحسين زيد بن الحباب ]. أبو الحسين زيد بن الحباب صدوق يخطئ في أحاديث الثوري ، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني ]. عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبو هانئ الخولاني ]. أبو هانئ الخولاني اسمه حميد بن هانئ لا بأس به، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ أنه سمع أبا علي الجنبي ]. أبو علي الجنبي اسمه عمرو بن مالك الهمداني ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ أنه سمع أبا سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من صلى علي واحدة صلى الله عليه وسلم الله عليه عشراً) ] وهذا يدلنا على عظم فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على الترغيب فيها والحث عليها، وأن الله تعالى يأجر من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم واحدة بأن يصلي عليه عشراً، وفيه: أن الجزاء من جنس العمل، وأن الحسنة بعشر أمثالها. تراجم رجال إسناد حديث (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي ]. هو أبو الربيع الزهراني وهو ثقة، أخرج أحاديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا إسماعيل بن جعفر ]. إسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العلاء بن عبد الرحمن ]. هو العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي وهو صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا الحسين بن علي الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي، قال: فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت، قال: يقولون: بليت؟ قال: إن الله تبارك وتعالى حرم على الأرض أجساد الأنبياء ) ]. أورد أبو داود حديث أوس بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي، قال: فقالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: إن الله تبارك وتعالى حرم على الأرض أجساد الأنبياء) ] والحديث سبق أن مر فيما مضى وأعاده أبو داود هنا في باب الاستغفار، وكما ذكرت أن هذا الباب مشتمل على الاستغفار وغيره، فهو أعم من الاستغفار، وهذا دعاء والاستغفار هو من جملة الدعاء، وهو يدل على فضل يوم الجمعة، وعلى الحث على الصلاة فيه على النبي صلى الله عليه وسلم. وبيان أن الصلاة معروضة عليه عليه الصلاة والسلام، وقد قيل له: (وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت -يعني: بليت- فقال: إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء) ] وهذا يدلنا على أن الأنبياء تبقى أجسادهم في قبورهم، وأنها لا تأكلها الأرض ولا يحصل لها الفناء وإنما تبقى دون أن يصيبها شيء، صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم، وهو دال على فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه...) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا الحسين بن علي الجعفي ]. الحسين بن علي الجعفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ]. عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الأشعث الصنعاني ]. أبو الأشعث الصنعاني اسمه شراحيل بن آدة وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أوس بن أوس ]. أوس بن أوس رضي الله عنه، وقد أخرج حديثه أصحاب السنن."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |