|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث علي بن أبي طالب في الزكاة من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني جرير بن حازم وسمى آخر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة و الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببعض أول هذا الحديث قال: (فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك) -قال: فلا أدري أعلي يقول: فبحساب ذلك، أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟- وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول، إلا أن جريراً -قال: ابن وهب - يزيد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه: [ (فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم) ] وهذا قد تقدم. وقوله: [ (وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً) ]. هذا فيه بيان زكاة الذهب، وأن النصاب عشرون ديناراً أو عشرون مثقالاً، وفيه نصف العشر وهو نصف دينار؛ لأن العشرين ديناراً ربع عشرها نصف دينار. إذاً: نصاب الذهب عشرون ديناراً أو عشرون مثقالاً، وهي تساوي اثنين وتسعين غراماً بالاصطلاح المشهور الآن، وزكاة الذهب والفضة والنقدين ربع العشر. قوله: [ (فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك) ]. يعني: مثل ما تقدم بالنسبة للفضة، فيخرج ربع العشر مما زاد على قدر النصاب، فإذا وجد النصاب فمهما زاد فإنه يخرج منه ربع العشر. قوله: [ قال: فلا أدري أعلي يقول: فبحساب ذلك أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ ]. هذا شك في لفظة: (فبحساب ذلك) هل هو من قول علي أو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قوله: [ (وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) ] يعني: لابد من وجود النصاب مع حولان الحول، ويستنثى من ذلك النبات وما تخرجه الأرض فإن حوله استواؤه وحصول الانتفاع منه. قوله: [ إلا أن جرير -قال: ابن وهب - يزيد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) ]. قوله: [ قال ابن وهب ] مقحمة؛ لأن ابن وهب يروي عن جرير كما جاء في الإسناد، وعلى هذا فيكون جريراً هو الذي زاد في الرواية، وجاءت: [ قال ابن وهب ] مقحمة بينهما، فاللفظة فيها شيء من الخفاء بهذه الصيغة؛ لأن كلمة (قال ابن وهب ) جاءت مقحمة بين اسم إنَّ وخبرها لأن جريراً اسمها، و(يزيد) خبر إنَّ، وجاءت (قال ابن وهب ) مقحمة بين اسم إنَّ وخبرها، أي: فالعبارة فيها خلل؛ لأنه قد يفهم منها أن جريراً هو الذي يروي عن الرواة، مع أن العكس هو الصحيح كما جاء في الإسناد، فأصل الكلام: إن جريراً يزيد في الحديث: (ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول) يعني: أنه وإن وجد النصاب فلابد من حولان الحول. تراجم رجال إسناد حديث علي بن أبي طالب في الزكاة من طريق ثانية قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. سليمان بن داود المهري المصري ثقة أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني جرير بن حازم ]. جرير بن حازم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وسمى آخر ]. لم يذكره الراوي. [ عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة و الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه ]. قد مر ذكر هؤلاء. شرح حديث (قد عفوت عن الخيل والرقيق...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله علية وآله وسلم (قد عفوت عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقه الرقة من كل أربعين درهماً درهماً، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم) ]. أورد المصنف حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (قد عفوت عن الخيل والرقيق) يعني: لا زكاة في الخيل ولا في الرقيق -وهو المملوك- ولكن إذا كان الرقيق والخيل للتجارة فيزكيهما زكاة التجارة، وأما إذا كانا من غير باب التجارة فليس فيهما زكاة. والخيل لا زكاة فيها ولو كانت سائمة ما دامت لم تعد للبيع، والعبيد ليس فيهم زكاة إلا زكاة الفطر؛ لأن زكاة الفطر تجب على الحر والعبد والذكر والأنثى, فهذا هو الذي يجب في الرقيق فقط. فليس في الخيل والرقيق زكاة إلا إذا اتخذت للتجارة؛ لأن زكاة التجارة هي أوسع المجالات في الأموال الزكوية. قوله: [ (فهاتوا صدقه الرقة من كل أربعين درهماً درهماً). ]. هذا مثل ما تقدم. قوله: [ (وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم) ]. وهذا كما تقدم أيضاً، وقوله: مائة وتسعين ذكر أعلى عقد دون المائتين، ولا يعني ذلك أن الفرق بين المائة والتسعين وبين المائتين يكون فيه زكاة؛ لأنه قال بعد ذلك: (فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم) فالزكاة لا تكون إلا في المائتين، وسبق أن مر حديث: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة). ترجمة رجال إسناد حديث (قد عفوت عن الخيل والرقيق...) قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو عوانة ]. هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة ]. تقدم ذكرهما. [ عن علي عليه السلام ]. كلمة: (عليه السلام) ليست من المؤلفين والمصنفين، وإنما هي من نساخ الكتب كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره لقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، قال رحمه الله: إن كتابة مثل هذه الكلمة وكذلك (كرم الله وجهه) إنما هي من عمل نساخ الكتب، وليست من عمل المؤلفين, ثم قال: والذي ينبغي أن يسوى بين الصحابة، والذي جرت عليه عادة السلف أنهم يترضون على الصحابة، ويترحمون على من بعدهم، فكونه يخص بكلمة: (عليه السلام) وكلمة: (كرم الله وجهه) ليس من عمل المؤلفين، وإنما هو من عمل نساخ الكتب. خلاف الرواة في حديث (قد عفوت عن الخيل والرقيق...) [ قال أبو داود : روى هذا الحديث الأعمش عن أبي إسحاق كما قال أبو عوانة ، ورواه شيبان أبو معاوية و إبراهيم بن طهمان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي عن النبي صلى الله علية وآله وسلم مثله ]. يعني أنه جاء مرفوعاً كما في الطريق السابقة، وجاء أيضاً من طريق الأعمش مرفوعاً. و الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة, و أبو إسحاق مر ذكره. وقوله: (كما قال أبو عوانة ) يعني في الرواية السابقة. و شيبان أبو معاوية هو شيبان بن عبد الرحمن التميمي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و إبراهيم بن طهمان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وروى حديث النفيلي شعبة و سفيان وغيرهما عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ولم يرفعوه، أوقفوه على علي ]. وهو الذي تقدم في الإسناد السابق. و شعبة هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وسفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه وصف أيضاً بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و سفيان الثوري مشهور بالفقه والحديث، و شعبة مشهور بالحديث، وكلاهما وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وكل منهما أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ولم يرفعوه ]. يعني أنه موقوف على علي ، والراجح أنه مرفوع. الأسئلة حكم نقص النصاب أثناء الحول ثم اكتماله في نفس الحول السؤال: إذا نقص النصاب في أثناء الحول ثم اكتمل فهل يبدأ بالحساب منذ أن اكتمل أو يبنى على ما تقدم؟ الجواب: هذا فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: إذا حصل النقص أثناء الحول فإنه لابد من اكتماله مرة ثانية، ويبدأ حساب الحول، ومنهم من يقول: إنه ينظر إلى الطرفين الأول والأخير، فما دام المال كان كاملاً في الأول وفي الآخر فإنه يعتبر كاملاً مدة الحول، والذي يظهر -والله أعلم- أنه إذا نقص المال أثناء الحول ثم اكتمل فإنه يستأنف حولاً جديداً من حين اكتماله. حكم إخراج القيمة في زكاة الإبل إذا لم يجد السن الواجب عليه السؤال: وجبت علي في زكاة الإبل حقة، ولكن ليست عندي، فهل يجوز أن أخرج قيمتها؟ الجواب: سبق في الروايات السابقة أنه إذا كانت عنده السن التي دونها فإنه يعطيها ويعطي عشرين درهماً أو شاتين، وإذا كانت عنده التي فوقها فإنه يعطيها ويعطى هو شاتين أو عشرين درهماً, هذا هو الذي جاء في الحديث، فإذا تباينت الأسنان فإنه يؤخذ منه السن الأعلى ويعطى الفرق، أو يعطي سناً أدنى ويدفع الفرق. حكم إعطاء الزكاة للولد الفقير السؤال: هل يجوز إعطاء الزكاة للابن أو الابنة إذا كانا فقيرين؟ الجواب: لا تعطى الزكاة لا للأصول ولا للفروع، بل إذا كانا فقيرين يجب عليه أن ينفق عليهما. حكم إعطاء الزكاة لأولاد الأخ اليتامى السؤال: أنا رجل عندي زكاة، وأبناء أخي أيتام، وأنا أعطي الزكاة أبناء أخي كل شهر بقدر ما يحتاجونه, فهل يجوز ذلك؟ الجواب: كونه يعطيهم كل شهر فمعناه أنه ينفق عليهم من الزكاة شهراً شهراً، والزكاة إنما تجب إذا حال الحول، والأقارب لهم حق غير الزكاة، وبعض الناس يتخلص من الواجب عليه من حق الأقارب وصلة الأرحام بالزكاة، ويقول: الزكاة خارجة ولابد، وإذا لم أعطهم الزكاة فسأعطيهم من المال، فأنا بدلاً من أن أخرج شيئاً من المال أعطيهم من الزكاة، وأتخلص من حقهم بذلك، وهذا لا يجوز. والزكاة لا تخرج وقاية للمال بأن يتخلص من الحقوق التي عليه بواسطة الزكاة, ومثل ذلك الذي يكون له ديون عند الناس، فتجده يعطي الفقير من أجل أن يوفيه أو يخصم الدين من الزكاة، فيستوفي الديون بواسطة الزكاة، ولا يعطي الفقير الذي عليه الدين من أجل يأكل ويستفيد منها، بل من أجل أن أن يستوفي الدين الذي له بواسطة الزكاة! وإذا كانت الزكاة قليلة والمال قليلاً فكونه يعطي أبناء أخيه اليتامى أفضل؛ لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة. كيفية إخراج الصدقات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم السؤال: إذا لم يعمل بكتاب الصدقات هذا في عهد الرسول صلى الله علية وآله وسلم فكيف كانت تؤخذ الصدقات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: لا شك أنهم كانوا يأخذون الزكاة بإرشاده، فلعله كان يبلغهم ويخبرهم بما يأخذون، ثم كتب هذا الكتاب الذي أظهر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كما في الرواية السابقة، وفي عهده كانوا يأخذون الزكاة طبقاً لتعليمه وإرشاده صلى الله عليه وسلم، ولا يتصرفون في الأخذ بدون تعليم منه صلى الله عليه وسلم. كيفية زكاة أربعمائة وخمسين من الإبل السؤال: لو كان عندي أربعمائة وخمسون من الإبل، فهل يمكن إخراج زكاتها بنت لبون واحدة وإحدى عشرة بنت مخاض؟ الجواب: بنت المخاض لا تتكرر، والجذعة لا تكرر، والتكرار إنما هو للسنين اللذين في الوسط وهما: بنت اللبون والحقة، ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، أما بنت المخاض فتخرج في أول النصاب من خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين، فلا تتكرر بعد ذلك، فأربعمائة وخمسون فيها تسع حقاق؛ لأنها تسع خمسينات. زكاة البقر التي تعلف السؤال: البقر التي تعلف في المزارع هل عليها زكاة؟ الجواب: البقر والغنم والإبل إذا كانت تعلف أكثر الحول لا زكاة فيها، حتى لو كان يباع لبنها، فإذا باع اللبن وبلغت النقود نصاباً وحال عليها الحول فإنه يزكيها. الأصناف التي يجب فيها الزكاة مما يخرج من الأرض السؤال: حديث: (وفي النبات ما سقته الأنهار) هل يمكن أن يستدل به على أن كل ما يخرج من الأرض ففيه زكاة إلا ما خصته الأحاديث، ويرد به على الذين قالوا: إن الزكاة في خمسة أصناف فقط مما يخرج من الأرض؟ الجواب: جاء في الحديث: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) فجاء التنصيص على أن الزكاة فيما يوسق، وليس كل شيء يوسق، فالفواكه والخضروات لا توسق، أعني: لا تكال. كيفية طلب العلم السؤال: في بلدي لا يوجد علماء ولا حلقات للعلم مثل بلدكم هذا، فأرجو نصيحتكم لي في كيفية طلب العلم، وهل يكون على الأشرطة أو الكتب؟ وكيف أوفق بين الفنون ومراحلها؟ الجواب: على الإنسان أن يحرص على أن يحصل في بلده من يكون عنده علم وبصيرة وسلامة في العقيدة؛ حتى يستفيد منه، وإذا لم يتمكن من ذلك فليحرص على أشرطة العلماء الذين في سماع أشرطتهم وكلامهم خير كثير، وعلم وفائدة، مثل الشيخ: عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، ومثل الشيخ: محمد بن صالح العثيمين ، ومثل الشيخ: صالح الفوزان ، ومثل الشيخ المفتي: عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، وغيرهم من المشايخ الذين يستفيد الإنسان من أشرطتهم ومن علمهم، وليس كل الأشرطة يسمعها الإنسان ويقدم عليها؛ لأن بعض الأشرطة فيها ضرر، فإذا تيسر له من عنده علم في بلده فلاشك أن هذا هو المطلوب، وإذا لم يحصل العالم الثقة فليحرص على اقتناء الأشرطة والكتب النافعة التي لأمثال هؤلاء العلماء. محبة أهل السنة لآل البيت السؤال: نريد من فضيلتكم توضيح حب أهل السنة والجماعة لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه ليس هناك جفوة ولا شدة من أهل السنة تجاههم، وبعض الإخوة الفضلاء يأخذ على المشايخ عدم ذكر فضل أهل البيت، فهل من كلمة عن أهل البيت وبيان فضلهم حتى يزول ما في النفس؟ الجواب: سبق لي في دروس متعددة ذكر بعض النصوص عن أهل السنة في بيان قدر أهل البيت واحترامهم وتوقيرهم، ولي محاضرة خاصة بأهل البيت ومحبة أهل البيت وما ينبغي لأهل البيت، ولعلها موجودة في أشرطة الجامعة، ومما جاء في فضل آل البيت ومحبة آل البيت أن ابن كثير رحمه الله عند تفسير قول الله عز وجل: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23] ذكر عن كل من أبي بكر و عمر أثرين يدلان على تعظيم أهل البيت وبيان شأنهم وعظيم منزلتهم. أما الأثران اللذان عن أبي بكر فقد أوردهما البخاري في صحيحه: أحدهما: أن أبا بكر قال: والله لأن أصل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن أصل قرابتي. يعني: آل محمد يحب أن يصلهم أكثر مما يصل آل أبي بكر الذين هم قرابته رضي الله عنه وأرضاه، وهذا يبين عظيم منزلة أهل البيت عند أبي بكر رضي الله عنه الذي هو خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير أمة أخرجت للناس، وخيرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. والأثر الثاني: وهو أيضاً في البخاري ، قال: ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. يعني: راعوا وصيته في أهل بيته صلى الله عليه وسلم، فهذا أمر لغيره أن يراعي لأهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم حقهم. أما الأثران اللذان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فأحدهما: أن عمر بن الخطاب قال للعباس يوم أسلم: والله لإسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم -وهو أبوه- قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلامك. والأثر الثاني: وهو في صحيح البخاري : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أصاب الناس قحط وخرج يستسقي استسقى بالعباس ، واختار العباس ليستسقي للناس ويدعو لهم؛ لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا -يعني: طلبنا منه الدعاء وتوسلنا بدعائه- فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قم يا عباس فادع الله. فقال: (بعم نبينا) وما قال: بالعباس ؛ لأنه يريد من ذلك الرابطة أو السبب الذي جعله يختاره؛ فاختاره لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم. و ابن كثير رحمه الله ذكر طريقة أهل السنة في احترام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تفسير قول الله: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23]، وبين أنه ليس المراد من هذه الآية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم علي وعمه وذريتهما، وإنما المقصود بالآية: أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من قريش لما بينه وبينهم من القرابة أن يتركوه يبلغ رسالة ربه إذا لم يساعدوه على تبليغها، فإذا لم يكونوا عوناً له على التبليغ فليخلوا بينه وبين الدعوة إلى ربه، وذكر أثراً عن ابن عباس -في صحيح البخاري - يبين هذا المعنى، ولما ذكر ابن كثير أن المراد من هذه الآية هو ما جاء عن ابن عباس بين حق آل البيت ومنزلتهم وعظيم قدرهم، وأن هناك نصوصاً تدل على فضلهم وتعظيمهم وتوقيرهم، وأنه جاء عن الصديق الأعظم أبي بكر رضي الله عنه و عمر رضي الله عنه ما يدل على فضلهم، وذكر بعض النصوص التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضلهم، فهذا هو ما كان عليه سلف هذه الأمة، بل خير هذه الأمة وأفضل هذه الأمة أبو بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما. حكم الاستسقاء بذبح بقرة وبضرب الدفوف والطبول السؤال: سائل من المغرب يقول: في بلدنا عندما يتأخر نزول المطر نقوم بحمل علم، وتجتمع القرى المجاورة إلى قريتنا، ونذهب جمعياً إلى ولي من أولياء الله الصالحين، ونسوق معنا بقرة، ونذهب بالدفوف والطبول إلى ذلك الولي، فنذبح البقرة عنده، وندعوه المطر، فيأتي بالفرج، وينزل المطر، فما حكم هذا؟ الجواب: هذا الفعل من أبطل الباطل وأنكر المنكرات، فكونكم تذهبون إلى قبر وتذبحون عنده وتسألونه المطر أو تسألون منه أن يطلب لكم المطر من أبطل الباطل، وهذا العمل الذي عملته عليك أن تتوب إلى الله عز وجل منه، وتندم على ما مضى، ولا تعود إليه مرة أخرى، ولا تحمل لهم هذا العلم، ولا تجمع الناس، ولا تذهب بهم, ولكن إذا حصل القحط وحصل الجدب فاسألوا الله عز وجل، ولا بأس بالصدقة حينئذٍ، وللولاة أن يطلبوا من الرعية الصدقة، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما الذهاب إلى أصحاب القبور والاستغاثة بأصحاب القبور فهذا شرك بالله عز وجل، والإنسان عليه أن يحذر أشد الحذر من هذا العمل السيئ الذي هو أسوأ الأعمال وأشدها خطورة؛ لأن الاستغاثة بغير الله وسؤال الحاجات من غير الله والذبح لغير الله كل ذلك من الأمور المحرمة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله من ذبح لغير الله) فهذا العمل الذي عملته من أنكر المنكرات وأبطل الباطل، وعليك التوبة والندم على ما قد مضى، وأن تحذر الناس من هذا العمل، ولا تعود لمثل هذا العمل. نصاب الذهب السؤال: بعض الكتب الفقهية تذكر أن نصاب الذهب خمسة وثمانون غراماً، وسمعنا من فضيلتكم أنه اثنان وتسعون غراماً؟ الجواب: ذكر شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه أنه اثنان وتسعون غراماً. مصلح الزجاج ليس عليه زكاة إذا لم يكن الزجاج عروض تجارة السؤال: لي محل أبيع فيه زجاج النوافذ، وقد سألت عن زكاة هذه البضاعة فقالوا: لا زكاة فيها، وأنتم تقولون: فيها زكاة؛ لأنها عروض تجارة فكيف أزكي عن السنوات السابقة؟ وكيف أزكي تجارتي الآن؟ الجواب: إذا كنت تبيع وتشتري في الزجاج فتجارتك عروض تجارة، وأما إذا كنت عاملاً تشتري الزجاج لتركبه لأصحاب البيوت، ولا تشتريه من أجل أن تبيعه فما تحصله من النقود في مقابل هذا العمل إذا بلغ نصاباً وحال عليه الحول تزكيه، وأما إذا كنت تبيع وتشتري في الزجاج فهو كالبيع والشراء في السكر والحديد والسيارات والإبل والغنم وغير ذلك. وإذا كان السائل يجعل الزجاج عروض تجارة فعليه أن يزكي السنوات الماضية بأن يقدر ما عليه ويحتاط لدينه، ويخرج الشيء الذي يعتقد أن ذمته تبرأ به عما مضى من السنوات. حكم زكاة الآلات التي يمتلكها التاجر السؤال: هل يحسب التاجر أدوات عمله مع السلع كالميزان والرفوف عند إخراج زكاة العروض؟ الجواب: هذه لا تحسب؛ لأنها ليست مما يباع ويشترى، وهي مثل الدكان، فالرفوف والميزان والسيارات التي ينقل عليها البضائع، لا زكاة عليها؛ لأنها غير معروضة للبيع، وإنما الزكاة على ما يعرض للبيع والشراء. حكم زكاة النبات إذا سقي بالمطر والسواني السؤال: كم زكاة النبات إذا كان أحياناً يسقى بالسماء وأحياناً بالسواني ونحوها؟ الجواب: بعض أهل العلم ذكر أن زكاته تكون ثلاثة أرباع العشر، وإذا أخرج العشر فلا شك أنه خير له، ولكن إذا أخرج ثلاثة أرباع العشر فله وجه من جهة أن هناك كلفة وهناك عدم كلفة، وليست الكلفة متحققة دائماً كالذي يخرج منه نصف العشر، وعدم الكلفة ليست متحققة دائماً كالذي يخرج منه العشر. حكم إخراج زكاة النبات إذا لم يربح المزارع السؤال: إذا كلفت الزراعة الزارع لإعداد زراعته تكاليف معينة، ثم كانت فائدة إنتاجه في العام تقدر بنفس قيمة التكاليف، فالبتالي يكون قد استعاد ما خسره لإعداد زراعته؛ فهل عليه زكاة؟ الجواب: الزرع الذي استوى عليه زكاة، ولا ينظر إلى كونه خسر فيه أو ربح، فهذا مال ظاهر يزكى ولو كان عليه دين. صحة الصلاة على سجادة طاهرة مبسوطة على فراش متنجس السؤال: هل تصح الصلاة على سجادة مبسوطة على فراش نجس؟ الجواب: تصح الصلاة إذا كان بين الإنسان وبين النجاسة حائل؛ لأنه ليس معنى شرط إزالة النجاسة أن تكون الأرض التي تحته ولو كان بينه وبينها مسافة طاهرة، بل لو كانت الأرض نجسة وفوقها سجادة طاهرة، وهو يصلي على السجادة فلا بأس؛ لأن السجادة طاهرة، وهي التي يباشرها ولا يباشر النجاسة. حكم نفقة المطلقة طلاقاً بائناً وسكناها السؤال: إذا كان الطلاق بائناً فهل يجوز للمرأة الخروج من المنزل؟ الجواب: نعم، يجوز لها الخروج، بل إن بعض العلماء يقول: ليس لها سكن ولا نفقة. حكم سحب المال عن طريق آلات الصرف السؤال: ما حكم سحب المال عن طريق آلات الصرف، علماً بأن بعض البنوك تأخذ أربعة ريالات مقابل سحب ألف ريال؟ الجواب: إذا كانت هذه الريالات المأخوذة مقابل التسهيل فلا بأس؛ لأن هذه الوسيلة تجعل الإنسان يسحب مالاً في الليل وفي النهار وفي أي وقت، فكونه يدفع مقابل هذه البطاقة مبلغاً من المال من أجل أن يحصل على مراده في أي وقت شاء فهذه منفعة ظاهرة، وتلك الوسيلة التي اتخذت للوصول إلى هذه المنفعة لا بأس بها، وهذه البطاقة لها قيمة من أجل السحب بها في أي وقت، فالقيمة معتبرة صحيحة، ولا بأس بهذا."
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الزكاة شرح سنن أبي داود [190] الحلقة (221) شرح سنن أبي داود [190] تجب الزكاة في البقر السائمة في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسنة، ومن منع الزكاة فإنها تؤخذ منه قهراً وشطر ماله تعزيراً له وزجراً لغيره. تابع ما جاء في زكاة السائمة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا بهز بن حكيم ح، وحدثنا محمد بن العلاء أخبرنا أبو أسامة عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون، ولا يفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجراً، -قال ابن العلاء مؤتجراً بها فله أجرها- ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا عز وجل، ليس لآل محمد منها شيء) ]. هذا الحديث وما قبله وما بعده من الأحاديث داخلة تحت ترجمة باب زكاة السائمة، عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون) أي: أن زكاة الإبل -وكذلك الغنم والبقر- إنما هي في السائمة التي ترعى أكثر الحول، والتي لا يتعب عليها صاحبها ويتكلف لها ويخسر عليها، وإنما الزكاة فيما ترعى أكثر الحول. قوله: (في أربعين بنت لبون) يعني: أن الأربعين فيها هذا السن بنت لبون، لكن لا يعني ذلك أن هذا الحكم خاص بهذا العدد الذي هو أربعون؛ لأنه جاء في الأحاديث المتعددة أن بنت اللبون تكون من ست وثلاثين إلى خمس وأربعين، فأي عدد بين هذين العددين فيه بنت لبون، فليس لقوله: (أربعين) مفهوم أن ما فوقه وما تحته يختلف، بل هذا العدد من جملة الأعداد التي تخرج فيها بنت اللبون؛ لأن بنت اللبون تخرج في الستة والثلاثين والسبعة والثلاثين والثمانية والثلاثين والتسعة والثلاثين والأربعين والواحد وأربعين والاثنين وأربعين والثلاثة وأربعين والأربعة وأربعين والخمسة وأربعين, فكل هذه الأعداد فيها بنت لبون. إذاً: الأربعون فرد من أفراد تلك الأعداد التي في أي عدد منها بنت لبون، وعلى هذا فمفهومه ليس معتبراً تحت الأربعين وفوق الأربعين، بل المعتبر ما جاء فيه النص من أنه من ست وثلاثين إلى خمس وأربعين فيها بنت لبون, ولعله ذكر الأربعين لأنه العقد الذي يكون فيه بنت لبون، فهو من جنس ما سبق أن الدراهم إذا كانت مائة وتسعين فليس فيها زكاة؛ لأن هذا أعلى عقد تحت المائتين. قوله: [ (ولا يفرق إبل عن حسابها) ] هذا كما تقدم أنه لا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، لا من العامل ولا من المالك، كأن تكون مجتمعة فتفرق من أجل أن تزيد الزكاة إذا كان التفريق من العامل، أو من أجل أن تقل الزكاة إذا كان التفريق من المالك. قوله: [ (من أعطاها مؤتجراً، قال ابن العلاء : مؤتجراً بها فله أجرها) ] ابن العلاء هو محمد بن العلاء الشيخ الثاني لأبي داود ؛ لأن أبا داود روى الحديث من طريق موسى بن إسماعيل ومن طريق محمد بن العلاء ، فطريق موسى بن إسماعيل ليس فيها كلمة (بها), وإنما فيها كلمة (مؤتجراً) فقط, وأما طريق محمد بن العلاء -وهي الطريق الثانية- ففيها: (مؤتجراً بها) أي: محتسباً وطالباً الأجر والثواب من الله عز وجل. وقوله: (فله أجرها) يعني: فله ما أدى وله ما نوى. قوله: [ (ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله, عزمة من عزمات ربنا) ] أي: من منع إخراج الزكاة الواجبة عليه فإننا نأخذها منه، ونأخذ أيضاً شطر ماله بالإضافة إليها، وقد اختلف في المراد من هذه الجملة، فمن العلماء من قال إنه على ظاهره، وأنه تؤخذ منه الزكاة ويؤخذ أيضاً نصف ماله، عقوبة على امتناعه، ويكون ذلك عقوبة مالية، (عزمة من عزمات ربنا) أي: أن هذا يكون من الأمور التي تؤخذ حقاً؛ لأنه جاء به الشرع، وجاء الإذن من الله عز وجل؛ لأن السنة وحي من الله عز وجل، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى كما قال عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4-5]، فما يأتي به هو من الله عز وجل، فقوله: (عزمة من عزمات ربنا) أي: أن هذا الأخذ الذي نأخذه من الأمور العزائم أي: المحققة الثابتة. وهناك أقوال أخرى قيلت في المراد منه، فقيل: إن هذا تهديد، وقيل: معنى قوله: (وشطر ماله) أن يشطر ماله شطرين: شطر حسان، وشطر دون ذلك، وتؤخذ الزكاة من شطر الحسان، وقيل غير ذلك. ولكن ظاهر الحديث أن المراد به عقوبة مالية، وأنه يؤخذ الشطر عقوبة مالية, واختلف العلماء في هذا، فمنهم من قال: إن ذلك كان جائزاً ثم نسخ، ومنهم من قال: النسخ يحتاج إلى دليل، وهذا حكم ثابت وليس بمنسوخ، والله تعالى أعلم. ثم قال: (ليس لآل محمد منها شيء) فالزكاة لا تحل لآل محمد كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من جملة الأدلة الدالة على أن الزكاة لا تحل لآل محمد، ولا يكون لآل محمد منها شيء، فإنما هي أوساخ الناس. تراجم رجال إسناد حديث (في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ] هو ابن سلمة بن دينار البصري، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا بهز بن حكيم ]. بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ ح وحدثنا محمد بن العلاء ]. (ح) علامة التحول من إسناد إلى إسناد، و محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ أخبرنا أبو أسامة ]. حماد بن أسامه البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ]. بهز بن حكيم مر ذكره، وأبوه هو حكيم بن معاوية بن حيدة ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. وجده هو معاوية بن حيدة القشيري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. شرح حديث (من كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن معاذ رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم -يعني محتلماً- ديناراً أو عدله من المعافر. ثياب تكون باليمن) ]. حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه فيه دليل على أن نصاب البقر ثلاثون، وما قل عن الثلاثين لا زكاة فيه ولو كان تسعاً وعشرين، فالحد الأدنى الذي تخرج فيه زكاة من البقر ثلاثون، وهو النصاب، وفيه تبيع أو تبيعة، يعني ذكراً أو أنثى، والتبيع: هو الذي مضى من عمره سنة ودخل في السنة الثانية، وقيل له تبيع أو تبيعة لأنه يتبع أمه. قوله: (ومن كل أربعين مسنة) يعني: إذا بلغ العدد أربعين فإنه يكون فيها مسنة، والمسنة: هي التي أكملت سنتين ودخلت في السنة الثالثة من عمرها. قوله: [ (لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة) ]. يعني: أن نصاب زكاة البقر مبني على الثلاثين والأربعين، فإذا كانت ثلاثين ففيها تبيع أو تبيعة، وإذا كانت أربعين ففيها مسنة، والخمسون ليس فيها غير مسنة، وإذا صارت ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان، وإذا صارت سبعين ففيها تبيع ومسنة، وإذا صارت ثمانين ففيها مسنتان، وهكذا في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسنة... قوله: [ (ومن كل حالم -يعني: محتلماً- ديناراً) ] المقصود من ذلك الجزية على أهل الكتاب الذين كانوا في اليمن، فيؤخذ من الذي بلغ الحلم ديناراً جزية، وهذا يدل على أن الجزية إنما تؤخذ من المحتلمين البالغين الذكور، وهذه الجزية تؤخذ من اليهود والنصارى إذا فتحت البلاد فلم يقاتلوا المسلمين، وبقوا على دينهم، فتؤخذ منهم الجزية، ومقدارها دينار على كل محتلم. قوله: [ (أو عدله من المعافر) ] أي: قيمته أو ما يساويه من المعافر، وهي أكسية وبرود تنسب إلى قبيلة مشهورة بهذا الاسم، فالجزية إما دينار أو ما يقابلها من الألبسة التي كانت تنسج وتصنع في اليمن، ويقال لها: معافر. تراجم رجال إسناد حديث (من كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة) قوله: [ حدثنا النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي، ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو معاوية ]. أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي وائل ]. وهو شقيق بن سلمة، وهو ثقة مخضرم أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذ ]. معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. إخراج الذكور في زكاة المواشي قال الخطابي : ليس في أصول الزكاة مدخل للذكران في المواشي إلا في صدقة البقر ا.هـ. لكن الذي عنده غنم له أن يخرج من ذكورها، ولعل مقصوده أن النص إنما جاء فيما يتعلق بالبقر، ولكنه قد جاء أيضاً فيما يتعلق بالإبل في موضع واحد فقط، وهو ابن اللبون الذكر إذا لم توجد بنت مخاض، فتكون الزيادة التي في سن الذكر في مقابل الفضيلة التي في الأنثى، وإذا كانت الغنم ذكوراً يخرج منها ذكر, ولكن إذا كانت ذكوراً وإناثاً فإنه يخرج منها ذكور أو إناث، وسبق أن مر بنا أن تيس الغنم لا يأخذه المصدِّق إلا أن يشاء المتصدق، والواجب أن يخرج من الأوساط، وإذا كان الغالب الذكور فيخرج ذكر، وإذا كان الغالب الإناث فيخرج أنثى، ويؤخذ من الأوساط لا من الخيار ولا من الأشرار، وإنما يؤخذ من الوسط. شرح حديث زكاة البقر من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و النفيلي و ابن المثنى قالوا: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن مسروق عن معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وقال: (مثله) أي: مثل الرواية السابقة التي جاءت عن أبي وائل عن معاذ . قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة و ابن ماجة . [ و النفيلي و ابن المثنى ]. النفيلي هو عبد الله بن محمد الذي مر ذكره، و ابن المثنى هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم ]. إبراهيم هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. مسروق بن الأجدع، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذ ]. مر ذكره. شرح حديث زكاة البقر من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فذكر مثله، لم يذكر ثياباً تكون باليمن، ولا ذكر (يعني محتلماً) ] أورد المصنف الحديث من طريق ثالثة عن معاذ وقال: (مثله) إلا أنه لم يذكر الثياب التي تكون باليمن وهي المعافر، ولا ذكر (يعني محتلماً) في التفسير، وإنما ذكر (حالماً) فقط بدون تفسير، فكلمة: (يعني محتلماً) ليست موجودة في هذه الرواية، وليس فيها ذكر الثياب اليمانية. قوله: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ]. هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ، صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. وهو ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل ]. مر ذكرهم. ذكر أصحاب الأعمش الذين رووا عنه حديث زكاة البقر [ قال أبو داود :ورواه جرير و يعلى و معمر و شعبة و أبو عوانة و يحيي بن سعيد عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق قال: يعلى و معمر عن معاذ مثله ]. ذكر المصنف رواية عدد من أصحاب الأعمش عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق ، وقال: إن يعلى و معمر وهما من هؤلاء الستة الذين رووا عن الأعمش قالا: عن معاذ . وجرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و يعلى بن عبيد الطنافسي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و معمر بن راشد الأزدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . و يحيي بن سعيد القطان البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق ]. مر ذكرهم. شرح حديث سويد بن غفلة في النهي عن أخذ خيار المال في الزكاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن هلال بن خباب عن ميسرة أبي صالح عن سويد بن غفلة قال: (سار سرت، أو قال: أخبرني من سار مع مصدق النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألّا تأخذ من راضع لبن، ولا تجمع بين مفترق، ولا تفرق بين مجتمع) وكان إنما يأتي المياه حين ترد الغنم فيقول: أدو صدقات أموالكم، قال: فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء -قال: قلت: يا أبا صالح! ما الكوماء؟ قال: عظيمة السنام- قال: فأبى أن يقبلها قال: إني أحب أن تأخذ خير إبلي قال: فأبى أن يقبلها، قال: فخطم له أخرى دونها فأبى أن يقبلها، ثم خطم له أخرى دونها فقبلها وقال: إني آخذها وأخاف أن يجد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: عمدت إلى رجل فتخيرت عليه إبله) ]. قوله: [ (فإذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] يعني في كتابه. [ (ألا تأخذ من راضع لبن) ] هذا الكلام موجه إلى المصدق، يعني: من ذات راضع لبن وهي الحلوب التي فيها لبن وترضع؛ وذلك لأنها من خيار المال. قوله: [ (ولا تجمع بين مفترق) ] أي: من أجل أن تكثر الصدقة، وهذا خطاب للمصدق، وذلك بأن يكون رجل عنده مثلاً مائة وواحدة، وآخر عنده مائة وواحدة، فيجمعها العامل من أجل أن يأخذ منهما ثلاث شياة؛ لأنه لو كان كل واحد منهما على حدة فكل واحد عليه شاة واحده؛ لأن أربعين شاة إلى مائة وعشرين ما فيها إلا شاة، فإذا زادت واحدة صار فيها شاتين إلى مائتين، فإن زادت واحدة صار فيها ثلاث شياة، فإذا كان الأول عنده مائة وواحدة، والثاني عنده مائة وواحدة، صارت مائتين واثنتين، فلو بقي كل على ما هو عليه فإنه لا يؤخذ إلا شاتين: شاة من هذا، وشاة من هذا؛ لكن إذا جمع بين الغنمين أخذ منها ثلاثاً. وقوله: [ (ولا تفرق بين مجتمع) خطاب للعامل ألا يفرق بين مجتمع من أجل أن تكثر الصدقة، بأن يكون رجلان لكل واحد منهما أربعون شاة، وهم خلطة، فيفرق غنمهما، فيأخذ من هذا شاة، ومن هذا شاة، وإنما الواجب عليهما شاة واحدة. قوله: [ (وكان إنما يأتي المياه حين ترد الغنم) ] هذا فيه دليل على أن العامل يذهب إلى أصحاب المواشي على مياههم، ولا يجلس في مكان ويكلفهم أن يسوقوا غنمهم إليه حتى يزكي أموالهم، بل يأتي المياه، وإذا وردت الغنم أو الإبل أو البقر فإنه يأخذ الزكاة منها؛ حتى لا يشق على الناس أن يأتوا إليه لأخذ الزكاة. قوله: [ (فيقول: أدوا صدقات أموالكم) ] وتكون من الوسط لا من الخيار ولا من الشرار؛ لأنها لو أخذت من الخيار لكان في ذلك إضرار بأصحاب الأموال، ولو أخذت من الشرار لكان في ذلك إضرار بالفقراء، ولكن يؤخذ الوسط كما سيأتي في الحديث: (إن الله لم يأخذ منكم خيره، ولم يأمركم بشره). قوله: [ (فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء) ] أي: فعمد رجل من أصحاب المواشي، والكوماء فسرها بأنها الكثيرة الشحم السمينة، فأبى أن يأخذها المصدق؛ لأن الواجب هو الوسط وهذه من الخيار، ولكن سيأتي أنه لا بأس بذلك إذا رضي المتصدق بأن يدفع شيئاً أحسن من الوسط، وأدى الخيار بطواعية منه ورضا، ولكن المصدق لعله لم يكن عنده علم بجواز ذلك، وخشي أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الناقة الحسناء السمينة يظن أنه عمد إلى خيار المال فأخذها. قوله: [ (فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء، قال: قلت: يا أبا صالح ! ما الكوماء؟ قال: عظيمة السنام، قال: فأبى أن يقبلها، قال: إني أحب أن تأخذ خير إبلي، قال: فأبى أن يقبلها، قال: فخطم له أخرى دونها فأبى أن يقبلها، ثم خطم له أخرى دونها فقبلها) ] خطم يعني: وضع الخطام على رأسها ليقودها به؛ لأن الإبل تقاد بالخطام، وأما إذا كانت في المراعي فلا تخطم؛ لأن الخطام قد يكون سبباً في ضررها بأن يعلق في شجرة فتنحبس بسبب ذلك، فيؤدي إلى انحباسها مدة طويلة وربما تهلك. قوله: [ (وقال: إني آخذها وأخاف أن يجد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: عمدت إلى رجل فتخيرت عليه إبله) ] وهذا يدل على أن هذه الإبل الثلاث كلها من الخيار، وأن كل واحدة أرفع من الثانية، وكان أعطى ناقة كوماء ثم أخرى دونها ثم الثالثة دونها، ومع ذلك فهو خائف أنه إذا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عمدت إلى إبله وأخذت خيارها. تراجم رجال إسناد حديث سويد بن غفلة في النهي عن أخذ خيار المال في الزكاة قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة عن هلال بن خباب ]. أبو عوانة مر ذكره، و هلال بن خباب صدوق أخرج له أصحاب السنن. [ عن ميسرة أبي صالح ]. ميسرة أبو صالح مقبول أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن سويد بن غفلة ]. سويد بن غفلة تابعي مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، و سويد بن غفلة مثل المعرور بن سويد كلاهما مخضرم، وكل منهما معمر، والثاني كان عمره مائة وعشرين سنة وهو أسود شعر الرأس واللحية بدون أن يخضب بالسواد، وإنما كان ذلك خلقة، و سويد بن غفلة كان يصلي بالناس التراويح في رمضان وعمره مائة وعشرون سنة! قوله: [ (عن مصدق النبي صلى الله عليه وسلم) ] هو غير مسمى، ومعلوم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المجهول فيهم في حكم المعلوم، فلا تؤثر الجهالة في الصحابة؛ لأنهم عدول بتعديل الله وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : ورواه هشيم عن هلال بن خباب نحوه إلا أنه قال: (لا يفرق) ]. هشيم مر ذكره، و هلال بن خباب مر ذكره. وقوله: إلا أنه قال: (لا يفرق)، هذه الرواية يحتمل أن الخطاب فيها للعامل أو للمالك، أما الرواية الأولى فهي للعامل، فقوله: (لا تفرق) خطاب للعامل وحده، وقوله: (لا يفرق) تصلح للعامل الذي هو المصدِّق وتصلح للمالك الذي هو المصَّدِّق. شرح حديث سويد بن غفلة من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن أبي ليلى الكندي عن سويد بن غفلة قال: (وكان مصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخذت بيده وقرأت في عهده: لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، ولم يذكر (راضع لبن)) ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه: (لا يجمع بين مفترق) ولم يذكر (راضع لبن). قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن صباح البزاز ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شريك ]. شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق اختلط لما ولي القضاء، وهو يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عثمان بن أبي زرعة ]. عثمان بن أبي زرعة ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن أبي ليلى الكندي ]. ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و ابن ماجة . [ عن سويد بن غفلة ]. سويد بن غفلة مر ذكره. شرح حديث مسلم بن ثفنة في اجتناب الخيار في الزكاة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا وكيع عن زكريا بن إسحاق المكي عن عمرو بن أبي سفيان الجمحي عن مسلم بن ثفنة اليشكري قال الحسن : روح يقول: مسلم بن شعبة قال: (استعمل نافع بن علقمة أبي على عرافة قومه، فأمره أن يصدقهم قال: فبعثني أبي في طائفة منهم، فأتيت شيخاً كبيراً يقال له: سعر بن ديسم فقلت: إن أبي بعثني إليك -يعني لأصدقك- قال: ابن أخي! وأي نحو تأخذون؟ قلت: نختار حتى إنا نتبين ضروع الغنم، قال: ابن أخي! فإني أحدثك أني كنت في شعب من هذه الشعاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غنم لي، فجاءني رجلان على بعير فقالا لي: إنا رسولا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك لتؤدي صدقة غنمك، فقلت: ما علي فيها؟ فقالا: شاة، فأعمد إلى شاة قد عرفت مكانها ممتلئة محضاً وشحماً، فأخرجتها إليهما فقالا: هذه شاة الشافع, وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نأخذ شافعاً، قلت: فأي شيء تأخذان؟ قالا: عناقاً جذعة أو ثنية قال: فأعمد إلى عناق معتاط -والمعتاط التي لم تلد ولداً وقد حان ولادها- فأخرجتها إليهما فقالا: ناولناها، فجعلاها معهما على بعيرهما ثم انطلقا) ]. قوله: [ استعمل نافع بن علقمة أبي على عرافة قومه فأمره أن يصدقهم ]. قوله: (أبي) هو والد مسلم بن ثفنة أو مسلم بن شعبة ، وقوله: (على عرافة قومه). يعني: جعله المسئول عن القبيلة، فالعريف هو المسئول عن القبيلة، الذي يرجع إليه في شأن القبيلة، وترجع إليه القبيلة، فهو مرجعها، وقد جاء في أحاديث ذكر العرفاء، ولكل جماعة عرفاء يعرفون بهم، ويكونون مرجعاً لهم، ومما جاء في ذلك الحديث الصحيح في قصة السبي في غزوة حنين حين جاء وفد هوازن وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد سبيهم عليهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قسمه فقال: (إن إخوانكم جاءوا تائبين، وإننا نريد أن نرد عليهم سبيهم، فمن رضي وطابت نفسه فذاك، وإلا فإننا نعطيه بدلاً عنه من أول فيء يفيئه الله علينا فقالوا: طيبنا طيبنا) يعني: ارتفعت الأصوات فقال: (فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم من طيب منكم ممن لم يطيب) أو كما قال. قوله: [ فأمره أن يصدقهم، قال: فبعثني أبي في طائفة منهم ]. يعني: أن الأب بعث ابنه الذي هو مسلم بن ثفنة أو مسلم بن شعبة . قوله: [ فأتيت شيخاً كبيراً يقال له سعر بن ديسم فقلت: إن أبي بعثني إليك، يعني لأصدقك ] يعني: لآخذ زكاة مالك؛ لأن المصدق هو الذي يأخذ زكاة المال. قوله: [ قال: ابن أخي! وأي نحو تأخذون؟ ]. يعني: ما هو النوع الذي تأخذون؟ قوله: [ نختار حتى إنا نتبين ضروع الغنم ]. يعني: نختار في الزكاة حتى نتبين ضروع الغنم لننظر هل ضرعها كبير فيه لبن كثير، ومعناه أنهم يأخذون الخيار، فأخبره أن الأمر بخلاف ذلك. قوله: [ قال: ابن أخي! فإني أحدثك أني كنت في شعب من هذه الشعاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غنم لي، فجاءني رجلان على بعير فقالا لي: إنا رسولا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليك لتؤدي صدقة غنمك فقلت: ما علي فيها؟ فقالا: شاة، فأعمد إلى شاة قد عرفت مكانها ممتلئة محضاً وشحماً فأخرجتها إليهما، فقالا: هذه شاة الشافع ]. أي: كان في شعب من الشعاب، فجاء رجلان من عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبا منه إخراج الزكاة، فقال: (ما الذي علي فيها؟) يعني: ما مقدار الزكاة الواجبة علي؟ (قالا: شاة، قال: فعمدت إلى شاة في الغنم أعرف مكانها ممتلئة محضاً وشحماً) يعني: لبناً وشحماً، (فقالا: هذه شاه الشافع) هي الحامل كما سيأتي، ويحتمل أنها التي قد ولدت، وصار ولدها شفعاً بها؛ لأنه يتبعها فصارت به شفعاً، فبدلاً من كونها واحدة صارت بولدها شفعاً، وهي مثل بنت المخاض التي أمها بنت اللبون، فبنت المخاض التي في بطن أمها ولد، وأما بنت اللبون فهي التي أمها قد ولدت فصارت ذات لبن. وسواء كانت ذات لبن أو صارت ذات حمل فإنها لا تؤخذ في الزكاة؛ لأن ذات اللبن من خيار المال، وقد مر حديث: (راضع لبن) يعني: ذات رضاع، وكذلك الحامل التي في بطنها حمل من خيار المال، فلا تؤخذ هذه ولا هذه. قوله: [ فأي شيء تأخذان؟ قالا: عناقاً جذعة أو ثنية ]. هذا فيه بيان أن الشاة تطلق على الذكر والأنثى من الضأن والماعز، فكلاهما يقال له شاة؛ ولهذا يأتي كثيراً في الأضاحي وفي الهدي ذكر الشاة، وليس المقصود بها الضأن، وإنما المقصود بها الضأن والماعز، فكل ذلك يطلق عليه شاة. والعناق هي التي لم تكمل سنة، وهي لا تجزئ في الأضحية، والثنية من الماعز هي التي أكملت سنة، وهي التي يضحى بها ويهدى، والجذعة من الضأن هي التي لها ستة أشهر، والثنية هي التي أكملت سنة، والضأن في الأضحية يجزئ فيه الجذع، وأما بالنسبة للماعز فلا يجزئ إلا الثني. قوله: [ فأعمد إلى عناق معتاط -والمعتاط التي لم تلد ولداً وقد حان ولادها- فأخرجتها إليهما فقالا: ناولناها، فجعلاها معهما على بعيرهما ثم انطلقا ]. يعني: ما سبق أن ولدت، وجاء وقت كونها تحمل، فقالا: ناولناها؛ لأنهما كانا راكبين. ثم ذهبا بها. تراجم رجال إسناد حديث مسلم بن ثفنة في اجتناب الخيار في الزكاة قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زكريا بن إسحاق المكي ]. زكريا بن إسحاق المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن أبي سفيان الجمحي ]. عمرو بن أبي سفيان الجمحي ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن مسلم بن ثفنة اليشكري ]. وهو مقبول أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن سعر بن ديسم ] وهو مخضرم، وقيل: له صحبة، أخرج له أبو داود و النسائي . والحديث ضعيف، فيه مسلم بن ثفنة ، وفيه أيضاً رجل مختلف في صحبته، والحديث ضعفه الألباني . بيان خطأ وكيع في اسم مسلم بن ثفنة [ قال أبو داود : رواه أبو عاصم عن زكريا قال أيضاً: مسلم بن شعبة كما قال روح ]. يعني: أن وكيعاً غلط في الإسناد عندما قال: مسلم بن ثفنة وإنما هو مسلم بن شعبة . و روح بن عبادة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. و أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يونس النسائي حدثنا روح حدثنا زكريا بن إسحاق بإسناده بهذا الحديث قال: مسلم بن شعبة قال فيه: والشافع التي في بطنها الولد ]. قوله: [ حدثنا محمد بن يونس النسائي ]. محمد بن يونس ثقة، أخرج له أبو داود. [ حدثنا روح عن زكريا بن إسحاق ]. مر ذكرهما."
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الزكاة شرح سنن أبي داود [191] الحلقة (222) شرح سنن أبي داود [191] كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث المصدقين لجمع الصدقات من قبائل العرب، وكان يحدد لهم الأنصبة وما يخرج فيها، ويأمرهم بالرفق بالناس واتقاء كرائم أموالهم. تابع ما جاء في زكاة السائمة شرح حديث (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان...) [ قال أبو داود : وقرأت في كتاب عبد الله بن سالم بحمص عند آل عمرو بن الحارث الحمصي عن الزبيدي قال: وأخبرني يحيى بن جابر عن جبير بن نفير عن عبد الله بن معاوية الغاضري رضي الله عنه من غاضرة قيس قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدة عليه كل عام، ولا يعطي الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره) ]. قوله: (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان) هذا إجمال من أجل الاهتمام والعناية والتشويق لما سيذكر بعد ذلك، مثل قوله: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان) ثم يأتي التفسير، وهنا قال: (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان) ثم يأتي التفسير، وهذا فيه حث على الاهتمام بما سيأتي، وأيضاً ذكر العدد يجعل الإنسان يضبط العدد، ولو نسى شيئاً فإنه سيعلم أنه حصل نقص؛ لأنه لابد أن يطابق العدد المعدود، فإذا ذكر العدد أولاً فإنه يجعل الإنسان يطالب نفسه بالمعدود حتى يطابق العدد، فهذا من فوائد تقديم العدد. قوله: [ (من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله) ] هذه الخصلة الأولى من الثلاث، وهي إخلاص العبادة لله عز وجل، وهذا هو الأساس؛ لأن إفراد الله بالعبادة أساس كل عمل، وكل عمل من الأعمال لا يقبل إلا إذا كان خالصاً لوجه الله عز وجل وحده لا شريك له. ولا إله إلا الله هي كلمة الإخلاص والتوحيد، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، فهي مشتملة على نفي وإثبات، نفي عام في أولها، وإثبات خاص في آخرها، النفي العام الذي في أولها هو نفي العبادة عن كل ما سوى الله، والإثبات الخاص الذي في آخرها هو إثبات العبادة لله وحده لا شريك له. قوله: [ (وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه) ]. هذه الخصلة الثانية، وهي محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة، أي: أنه يخرج الزكاة عن طيب نفس، فلا يخرجها عن كراهية وعدم رضا وعدم ارتياح؛ لأن هذا حكم الله، وهذا حق أوجبه الله عز وجل في أموال الأغنياء للفقراء شكراً لله عز وجل على هذه النعمة، والزكاة من أسباب نماء المال وأسباب كثرته كما جاء في الحديث: (ما نقص مال من صدقة، بل تزده بل تزده). قوله: [ (رافدة عليه كل عام) ] الرفد هو الزيادة، فالمعنى أنها زيادة ونماء في ماله. قوله: [ (ولا يعطي الهرمة ولا الدرنة) ]. يحتمل أن يكون قوله: (من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا هو) اثنتين، ثم الثالثة ما يتعلق بالزكاة، ويحتمل أن يكون خصلة واحدة، وإعطاء الزكاة طيبة بها نفسه هي الخصلة الثانية، وكونه لا يعمد إلى شيء فيه عيب وفيه نقص فيخرجه الخصلة الثالثة. والهرمة هي: الكبيرة التي طعنت في السن وبلغت سن الهرم، والدرنة هي التي فيها الجرب، وتسمى الجرباء. قوله: [ (ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة) ]. المرض نقص فيها، وقد يؤدي إلى هلاكها، أو يكون النقص الذي يحصل لها بسبب المرض شديداً، والشرط اللئيمة هي أرذل المال ورديئه. قوله: [ (ولكن من وسط أموالكم) ] يعني: أن الذي يخرج من الوسط، لا من الخيار ولا من الشرار، وإنما من وسط المال، وقد تقدم في كلام الزهري أن المال يقسم أثلاثاً: ثلثاً خياراً، وثلثاً شراراً، وثلثاً وسطاً، والزكاة تؤخذ من الوسط، فهذا الحديث يدل على أن كلام الزهري صحيح، وأنه دل عليه الدليل. قوله: [ (فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره) ]. خيره هو خيار المال، وشره هو شرار المال، والشارع إنما طلب الوسط. تراجم رجال إسناد حديث (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان...) [ قال أبو داود : وقرأت في كتاب عبد الله بن سالم بحمص عند آل عمرو بن الحارث الحمصي ]. عبد الله بن سالم الحمصي ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ عن الزبيدي ]. الزبيدي هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ قال: وأخبرني يحيى بن جابر ]. أي: قال الزبيدي : وأخبرني يحيى بن جابر ، والواو هذه تدل على وجود معطوف عليه محذوف أخبره بهذا وبغيره؛ لأنه لو كان الحديث يتعلق بما ذكره فقط فلن يأتي بالواو، وإنما سيقول: أخبرني، لكن إذا أتى بالواو دل على أن هناك معطوفاً عليه محذوفاً، يعني أخبره بشيء آخر وبهذا، فهو أخبرني بكذا وبكذا وأخبرني بكذا. و يحيى بن جابر ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن جبير بن نفير ]. جبير بن نفير ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن معاوية الغاضري ]. عبد الله بن معاوية الغاضري صحابي أخرج له أبو داود وحده. قيل: يحيى بن جابر لم يسمع من جبير بن نفير ، وإنما سمع من ابنه عبد الرحمن بن جبير ، و عبد الرحمن بن جبير بن نفير ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن مثل أبيه. والإسناد فيه انقطاع من جهة أن أبا داود لم يدرك عبد الله بن سالم ، فبينهما واسطة، والحديث صححه الألباني أو حسنه، ولكن لعل له شواهد من غير هذا الطريق. شرح حديث بعث أبي لجمع الصدقات قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن منصور حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن عمارة بن عمرو بن حزم عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصدقاً فمررت برجل، فلما جمع لي ماله لم أجد عليه فيه إلا ابنة مخاض، فقلت له: أد ابنة مخاض فإنها صدقتك؟ فقال: ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها، فقلت له: ما أنا بآخذ ما لم أومر به، وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منك قريب، فإن أحببت أن تأتيه فتعرض عليه ما عرضت علي فافعل، فإن قبله منك قبلته، وإن رده عليك رددته، قال: فإني فاعل، فخرج معي وخرج بالناقة التي عرض علي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: يا نبي الله! أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي، وايم الله ما قام في مالي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا رسوله قط قبله، فجمعت له مالي، فزعم أن ما علي فيه ابنة مخاض؛ وذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر، وقد عرضت عليه ناقة فتية عظيمة ليأخذها فأبى علي، وهاهي ذه قد جئتك بها يا رسول الله! خذها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ذاك الذي عليك، فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك، قال: فهاهي ذه يا رسول الله قد جئتك بها فخذها، قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقبضها ودعا له في ماله بالبركة) ]. قول أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مصدقاً أي: عاملاً على الصدقة، يأخذ الصدقات من أصحابها، فذكر أنه جاء إلى رجل فعرض عليه إبله فرآها وإذا عليه فيها ابنة مخاض؛ وهي التي أكملت السنة ودخلت في السنة الثانية، وهي تخرج من خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين، فقال: الذي عليك في إبلك هذه ابنة مخاض، فأتى بناقة فتية عظيمة سمينة، وقال: خذها، فقال: لن آخذها؛ لأن هذه فوق الحق، ولكن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب فاذهب إليه فإن أذن أخذتها، فقال ذلك الرجل: إني فاعل، يعني ما أرشدتني إليه، فذهب أبي ومعه ذلك الرجل ومعه الناقة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن رسوله طلب منه ابنة مخاض، قال: وإنني أعطيته ناقة فتية فأبى أن يقبلها، فقال: وهاهي ذه يعني: الناقة التي عرضتها عليه هي هذه الناقة، فقال عليه الصلاة والسلام: (ذلك الذي عليك)، أي: الواجب عليك هو هذا السن الذي ذكره لك، قال: (فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك) فأمر بأخذها ودعا له بالبركة صلى الله عليه وسلم. فهذا يدلنا على أن المصدق يأخذ الحق، ولا يجوز له أن يزيد على السن الذي يجب على المالك، وأخذ النفائس في الزكاة من الظلم كما في حديث معاذ الذي سيأتي، ولكن إذا تطوع صاحب المال بأن دفع شيئاً أحسن مما يجب عليه، وطابت نفسه بذلك، فإنه يقبل منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذاك الذي عليك، فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه، وقبلناه منك) أي: أنه يقبل منه، ويحصل على زيادة الأجر على ذلك الشيء الزائد. وفي هذا بيان ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الجود وبذل المال وإعطاء المستحق بانشراح، بل إعطاء ما هو أكثر من الواجب وما هو فوق الواجب. وفيه الدعاء بالبركة لصاحب الزكاة، لاسيما إذا أحسن في إخراج الزكاة، وأداها بطيب نفس، وكل من أعطى الزكاة يدعى له، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر هذا الرجل بأن الله تعالى يأجره إذا دفع شيئاً أكثر مما هو واجب عليه، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبارك الله له في ماله. تراجم رجال إسناد حديث بعث أبي لجمع الصدقات قوله: [ حدثنا محمد بن منصور ]. محمد بن منصور هو الطوسي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . وهناك محمد بن منصور آخر لم يرو له أبو داود ، وإنما روى له النسائي ، وهو محمد بن منصور الجواز المكي ، فإذا جاء محمد بن منصور في سنن أبي داود فالمراد به الطوسي ؛ لأن الجواز ليس من رجال أبي داود ، وإنما هو من رجال النسائي ، و الطوسي أيضاً من رجال النسائي . [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثني أبي ]. يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. محمد بن إسحاق صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن أبي بكر ]. عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ]. يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . [ عن عمارة بن عمرو بن حزم ]. عمارة بن عمرو بن حزم وهو ثقة أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبي بن كعب ]. أبي بن كعب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث بعث معاذ إلى اليمن قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع حدثنا زكريا بن إسحاق المكي عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه آله وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال: إنك تأتي قوماً أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، ورسم له الخطة التي يسير عليها في الدعوة إلى الله عز وجل، وكانت هذه الخطة مبنية على البدء بالأهم فالأهم، وقال له صلى الله عليه وسلم: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب)، وهذا فيه بيان أحوال المدعوين الذين سيذهب إليهم، وأنهم أهل كتاب، وهذا يدل على أن الإنسان عندما يذهب إلى جهة للدعوة إلى الله فينبغي له أن يعرف أحوال أولئك الناس الذين في ذلك البلد. ثم قال له: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) فأول شيء يدعى إليه التوحيد؛ لأن التوحيد هو الأساس، فالشهادتان هما الأساس لغيرهما، وكل عمل من الأعمال لا ينفع صاحبه إلا إذا كان مبنياً على الشهادتين: الشهادة لله بالوحدانية والألوهية، والشهادة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة. فيبدأ في الدعوة بالأهم فالأهم، وأهم شيء يدعى إليه التوحيد؛ لأن أي عمل إذا لم يكن مبنياً على التوحيد فإنه يكون مردوداً على صاحبه؛ لأن العمل إذا لم يكن خالصاً لله يرد على صاحبه لفقد الإخلاص، وهذا هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، وإذا وقع العمل غير مطابق لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم يرد لفقد شرط المتابعة، وهذا هو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: الشهادتان هما أس الأسس، وهما الركن الركين، وهما أساس في نفسهما وأساس لغيرهما، وكل عمل ليس مبنياً عليهما فإنه لا عبرة به ولا قيمة له. ثم قال: (فإن هم أجابوك لذلك) أي: شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فانتقل معهم إلى الخطوة التي تليها وهي الصلاة: (فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)، وهذا يدلنا على أن أعظم ما يدعى إليه بعد التوحيد الصلاة، وأن أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة؛ لأن الصلاة صلة وثيقة بين العبد وبين ربه، وهي تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، بخلاف الأعمال الأخرى فإنها لا تتكرر كتكررها، فللصلاة شأن عظيم؛ ولهذا يبدأ بها بعد التوحيد. ثم قال: (فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم) وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة. والحديث يدل على رسم الخطة التي يسار إليها في الدعوة إلى الله، وأنه يبدأ بالأهم فالأهم، وأن أهم شيء يدعى إليه التوحيد، وأنه لابد من الجمع بين الشهادتين: الشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة. واستدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذاً بأن يدعوهم أولاً إلى الإسلام ثم إلى الصلاة، ثم إلى الزكاة، فلو كانوا مخاطبين بفروع الشريعة لأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بهذا وبهذا وبهذا، هذا وجه الاستدلال لمن قال بهذا القول. ولكن القول الآخر أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وهو القول القوي، وقد جاء في ذلك نصوص تدل على ذلك كما قال الله عز وجل عن أهل سقر مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:42-43] ومن المعلوم أن الصلاة من الفروع العملية، وكذلك قال الله عز وجل: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [فصلت:6-7] فأخبر أن المشركين لا يؤتون الزكاة، فهم مخاطبون بها، لكن الخطاب إنما هو بالإتيان بالأصول أولاً وبالفروع ثانياً، لا أن يطلب منهم الفروع وإن لم يأتوا بالأصول؛ لأن الفروع إذا أتي بها دون الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة؛ فإنه لا عبرة بها، وتكون مردودة على صاحبها؛ لقول الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]. إذاً: هم مخاطبون بالأصول وبالفروع، ويؤاخذون على ترك الأصول وترك الفروع، فالقول بأنهم مخاطبون بفروع الشريعة كما أنهم مخاطبون بأصولها هو القول القوي الذي تدل عليه الأدلة، وفائدته أنهم يؤاخذون على هذا وعلى هذا، ومعلوم أن الكفار يتفاوتون، فبعضهم أخبث من بعض، وبعضهم أشد عذاباً من بعض، ولهذا فالكفر دركات كما أن الإيمان درجات، والكفار في النار على دركات كما أن أهل الجنة في الجنة على درجات، هؤلاء بعضهم فوق بعض، وهؤلاء بعضهم أسفل من بعض، والكفار في جهنم وإن كانوا كلهم في عذاب دائم مستمر، إلا أنهم متفاوتون في ذلك العذاب، ومعلوم أن الكافر الذي يصد عن سبيل الله ويكون شديد النكاية بالمسلمين أعظم من الكافر الذي كفره على نفسه، ولا يكون شديد النكاية وشديد الإيذاء للمسلمين. إذاً: الحديث لا يدل على أن الكفار غير مخاطبين، وإنما فيه دليل على التدرج من الأهم إلى المهم في الدعوة، فيبدأ لهم بالأساس الذي إذا أتوا به انتقلوا إلى غيره، ولكن لا يعني ذلك أنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة، بل هم مخاطبون للأدلة التي دلت على ذلك، ومنها الآيتان اللتان أشرت إليهما. قوله: (فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) يدل على أن الزكاة عندما تؤخذ من الأغنياء تصرف للفقراء، والفقراء من مصارف الزكاة الثمانية الذين ذكرهم الله عز وجل في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ...)[التوبة:60] الآية، وهذا يدل على أن الزكاة يجوز أن تخرج لصنف واحد؛ لأنه قال: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم). ويدل الحديث على الفرق بين الغني والفقير، وأن الغني هو الذي عنده مال يزكى، والفقير هو الذي ليس عنده شيء يزكى، بل إنه ليس عنده مال أصلاً، أو عنده مال لا يكفيه، فيعطى من الزكاة ما يكفيه لمدة سنة، وذلك لأن الزكاة تؤخذ كل سنة فيعطى من الزكاة ما يكفيه لسنة، وإذا مضت السنة فيعطى من الزكاة للسنة القادمة وهكذا. وفيه دليل على أن الزكاة تصرف في بلد المال؛ لأنه قال في أهل اليمن: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، ولا شك أن الفقراء في البلد أولى الناس بزكاة أغنياء البلد، ولكن لا بأس أن تنقل الزكاة من بلد إلى بلد؛ لأنه قد يقال: المقصود بقوله: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) المسلمون أينما كانوا، فتؤخذ من أغنياء المسلمين، وترد على فقراء المسلمين، لكن لا شك أن فقراء البلد هم الأولى، وإذا كانت الزكاة فيها فائض أو كانت الحاجة في بلد آخر أشد وأعظم فإنه يجوز نقلها. وقول النبي عليه الصلاة والسلام: (فإن هم أجابوك لذلك) أي: دفعوا الزكاة (فإياك وكرائم أموالهم) يعني: احذر أن تأخذ كرائم الأموال وهي الأموال النفيسة التي تعظم في عيون أهلها، والتي يصعب عليهم أخذها، وقد مر في الحديث أن الزكاة تكون من الأوساط، ولا تكون من الخيار ولا من الأشرار، كما سبق أن مر كلام الزهري الذي ذكره أبو داود وفيه أن المال يقسم أثلاثاً: ثلثاً خياراً، وثلثاً شراراً، وثلثاً وسطاً، فالزكاة إنما تؤخذ من الوسط. هذا الحديث ذكر الزكاة ولم يذكر الصيام، مع أن فرض الصيام متقدم ، فقد فرض في السنة الثانية، وبعث معاذ إلى اليمن كان في السنة العاشرة، فقيل: إنه لم يذكر الصيام؛ لأنه أراد أن يبين له أن يبدأ بالأهم فالأهم، وأيضاً: من أقدم على أن يؤدي الصلاة، ثم الزكاة، فإنه من السهل عليه أن يؤدي ما وراء ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم ما قصد أن يستوعب الأمور التي يدعى إليها، وإنما أرشده إلى أنه يبدأ بالأهم فالأهم؛ ولذا لم يذكر بقية أركان الإسلام من الصيام والحج؛ لأن مقصوده الإشارة بالبدء بالأهم فالأهم، ومن استجاب لهذه الأشياء التي ذكرت فإن الأشياء التي لم تذكر سيستجيب لها من باب أولى. تراجم رجال إسناد حديث بعث معاذ إلى اليمن قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زكريا بن إسحاق المكي ]. زكريا بن إسحاق المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن عبد الله بن صيفي ]. يحيى بن عبد الله بن صيفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي معبد ]. أبو معبد هو نافذ مولى ابن عباس وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و أنس و جابر وأم المؤمنين عائشة ستة رجال وامرأة واحدة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. وهذا الحديث رجاله كلهم ممن خرج له أصحاب الكتب الستة: الإمام أحمد و وكيع و زكريا بن إسحاق و يحيى بن عبد الله بن صيفي و نافذ مولى ابن عباس و ابن عباس . شرح حديث (المعتدي في الصدقة كمانعها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (المعتدي في الصدقة كمانعها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في المعتدي في الصدقة وأنه كمانعها، وذكر الحديث في هذه الترجمة له وجه؛ لأن له علاقة بالحديث الذي قبله؛ لأن الحديث الذي قبله فيه النهي عن أخذ كرائم الأموال والتحذير من ذلك، وأخذ كرائم الأموال من الاعتداء، وأيضاً: له تعلق بالباب الذي وراءه؛ لأن الباب الذي بعده فيه عدة أحاديث كلها تتعلق بالاعتداء في الصدقة. قوله عليه الصلاة والسلام: (المعتدي في الصدقة كمانعها) فسر المعتدي في الصدقة بتفسيرين: أحدهما: أن يضعها في غير مستحقيها، فهو كمانعها؛ لأن إخراجها إنما يكون في سبيلها، وفي المواضع التي أمر بأن توضع فيها، فإذا وضعها في غير موضعها فكأنه لم يخرجها، بل هو آثم وكأنه ما أخرج الصدقة؛ لأنه وضعها في غير موضعها. الثاني: فسر بأن يكون الاعتداء من العامل؛ وذلك بأن يأخذ أزيد من الواجب، أو يأخذ من كرائم الأموال، فيأثم بذلك كمانعها. وقيل: يحتمل أن يكون المراد أن المصدق -الذي هو العامل- إذا أخذ كرائم الأموال فإن ذلك يؤدي إلى كون صاحب المال في المستقبل يكتم المال، ويتهرب من دفع الزكاة بسبب الظلم وبسبب الاعتداء عليه. وكل ذلك لا شك أنه لا يجوز، فلا يجوز أن المالك يعطيها لمن لا يستحقها، ولا أن العامل يظلم صاحب المال، ولا أن يتسبب العامل بأخذ الكرائم في التهرب من الزكاة وعدم دفعها. تراجم رجال إسناد حديث (المعتدي في الصدقة كمانعها) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. يزيد بن أبي حبيب المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن سنان ]. سعد بن سنان ويقال: سنان بن سعد وهو صدوق له أفراد، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الزكاة شرح سنن أبي داود [192] الحلقة (223) شرح سنن أبي داود [192] أمر الشارع عمال الصدقات بالرفق وحذرهم من أخذ الخيار والكرائم وحثهم على الدعاء لأصحاب الأموال، وأمر أصحاب الأموال بإرضاء مصدقيهم وإن اعتدوا، وقد بين الشرع أنصبة الأنعام وبين زكاة كل نصاب، وقد فسر العلماء ما ورد من أسماء الإبل المختلفة باختلاف الأعمار، كما ذكره أبو داود عنهم. رضا المصدق شرح حديث بشير بن الخصاصية في اعتداء المصدقين قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب رضا المصدق. حدثنا مهدي بن حفص و محمد بن عبيد المعنى قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن رجل يقال له: ديسم ، وقال ابن عبيد : من بني سدوس عن بشير بن الخصاصية رضي الله عنه، قال ابن عبيد في حديثه: وما كان اسمه بشيراً ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سماه بشيراً ، قال: قلنا: (إن أهل الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ فقال: لا) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب رضا المصدق، أي: العامل الذي يأتي لأخذ الزكاة، والمقصود أنه يرضى في حدود ما هو سائغ، وهو الوسط، وليس المعنى أنه يعطى أكثر مما يستحق وأكثر مما هو واجب في المال، اللهم إلا إذا كان صاحب المال هو الذي رضي بهذا، وهو الذي أراد هذا، كما سبق أن مر قريباً في حديث أبي حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاك الذي عليك، فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه)، فرضا المصدق يكون بإعطائه الحق، وعدم منازعته، وعدم المخاصمة معه، وعدم التلكؤ والممانعة في إخراج الزكاة، بل يخرج الإنسان الحق الذي عليه بطيب نفس، حتى يكون كلا الطرفين راضياً، فصاحب المال يخرج الزكاة برضا وانشراح صدر، والعامل يأخذ الحق الذي هو واجب على صاحب المال، فالرضا يكون من الطرفين. وهذه الترجمة تتعلق برضا المصدق الذي هو العامل، ورضاه إنما يكون فيما هو واجب على المصدق، لا أن رضاه يكون بشيء أكثر من ذلك، وأنه يجب أن يرضى ولو طلب ما هو أكثر، فليس الأمر كذلك؛ لأنه كما سبق يعطى الواجب ولا يعطى أكثر من ذلك. قوله: [ قلنا: إن أهل الصدقة يعتدون علينا ]. أهل الصدقة هم المصدقون، أي: العمال الذين يأتون لجباية الصدقة، وقوله: (يعتدون علينا) أي: بأن يأخذوا أكثر مما هو واجب علينا. قال: (أفلا نكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ قال: لا)، يعني: ليس للإنسان أن يكتم شيئاً من ماله بقدر ذلك الشيء الذي يعتدى عليه، ويجعل ذلك في مقابل الزيادة، فإذا كان -مثلاً- عليه جذعة التي تستحق عند واحد وستين، فيخفي شيئاً من المال حتى لا يخرج جذعة، ويجعل ذلك في مقابل ما أخذ منه ظلماً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا)؛ لأن كتم المال والترخيص بكتم المال قد يؤدي بأصحاب الأموال إلى إخفاء أموالهم، ويتعودون الكذب وإخفاء الحقيقة والواقع، فالواجب أنهم لا يخفون شيئاً من أموالهم، وإذا طلب منهم الشيء الذي هو أكثر مما هو واجب عليهم يمتنعون من دفعه، وإذا طلب منهم الشيء الواجب عليهم دفعوه، وإذا أخذ منهم فوق الواجب بالقهر وبالقوة فإنهم يشكون إلى الوالي وإلى الإمام ليدفع الظلم عنهم. تراجم رجال إسناد حديث بشير بن الخصاصية في اعتداء المصدقين قوله: [ حدثنا مهدي بن حفص ]. مهدي بن حفص مقبول أخرج حديثه أبو داود . [ و محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد بن حساب وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ المعنى قالا: حدثنا حماد ]. أي: أنهما متفقان من حيث المعنى، وإن اختلفا في الألفاظ، وحماد هو حماد بن زيد بن درهم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل يقال له: ديسم ]. هو ديسم السدوسي وهو مقبول أخرج له أبو داود . [ عن بشير بن الخصاصية ]. بشير بن الخصاصية رضي الله عنه وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . الحديث فيه رجلان مقبولان، فهو غير صحيح، والكتمان لا يجوز، والرسول صلى الله عليه وسلم بين لهم أنه ليس لهم أن يكتموا. وقوله: [ قال ابن عبيد في حديثه: (وما كان اسمه بشيراً ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه بشيراً) ]. هذه فائدة ذكرها محمد بن عبيد وهو الشيخ الثاني من شيوخ أبي داود في الإسناد. شرح حديث بشير بن الخصاصية من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي و يحيى بن موسى قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب بإسناده ومعناه إلا أنه قال: (قلنا: يا رسول الله! إن أصحاب الصدقة يعتدون). قال أبو داود : رفعه عبد الرزاق عن معمر ]. في الإسناد السابق قال: ( قلنا: إن أهل الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ فقال: لا) ]. فالمخاطب غير معين، هل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره؟ فليس فيه: (قلنا يا رسول الله) أما الحديث الثاني ففيه أنهم قالوا: (قلنا يا رسول الله!) فهو صريح في أن المخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ بإسناده ومعناه إلا أنه قال: (قلنا: يا رسول الله! إن أصحاب الصدقة يعتدون) ]. يعني أن الفرق بين هذا الحديث والذي قبله أن هذا عيَّن المخاطب، وأنه الرسول صلى الله عليه وسلم، والأول لم يعين المخاطب، فيحتمل أن يكون الرسول وأن يكون غيره. تراجم رجال إسناد حديث بشير بن الخصاصية من طريق ثانية قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ و يحيى بن موسى ]. يحيى بن موسى ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب بإسناده ومعناه ]. أيوب قد مر ذكره، وفيه الرجل المقبول الذي هو ديسم السدوسي . [ قال أبو داود : رفعه عبد الرزاق عن معمر ]. أي: ذكر كلمة: (قلنا: يا رسول الله) عبد الرزاق عن معمر . شرح حديث (سيأتيكم ركيب مبغضون..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم و محمد بن المثنى قالا: حدثنا بشر بن عمر عن أبي الغصن عن صخر بن إسحاق عن عبد الرحمن بن جابر بن عتيك عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (سيأتيكم ركيب مبغضون، فإن جاءوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون، فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليها، وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم، وليدعوا لكم) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيأتيكم ركيب مبغضون)، والمقصود بهم عمال الزكاة، وذكر أنهم مبغضون لأن بعض الناس عنده حرص على المال، ورغبة في الأخذ، وليس عنده رغبة في الإعطاء، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ومنعاً وهات) فهات سهلة، وخذ صعبة عنده. قوله: [ (فإن جاءوكم فرحبوا بهم) ] يعني: لاقوهم بالبشر والترحيب. قوله: [ (وخلوا بينهم وبين ما يبتغون) ] يعني: يأخذون ما يريدون من مالكم. قوله: [ (فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليها) ] إن أحسنوا فلأنفسهم، وإن أساءوا فعليها. قوله: [ (وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم، وليدعوا لكم) ]. هذا الحديث ضعيف، والإنسان إذا سئلها على وجهها أداها، وإذا سئلها على غير وجهها لا يؤديها، كما سبق في حديث أنس الطويل الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما هذا الحديث فغير صحيح؛ لأن فيه من هو متكلم فيه كما سيأتي في الإسناد. تراجم رجال إسناد حديث (سيأتيكم ركيب مبغضون..) قوله: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ]. عباس بن عبد العظيم العنبري البصري ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى العنزي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بشر بن عمر ]. بشر بن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الغصن ]. أبو الغصن هو ثابت بن قيس بن غصن ، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في رفع اليدين و أبو داود و النسائي . [ عن صخر بن إسحاق ]. صخر بن إسحاق لين الحديث، وحديثه أخرجه أبو داود . [ عن عبد الرحمن بن جابر بن عتيك ]. عبد الرحمن بن جابر بن عتيك وهو مجهول أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. وهو صحابي أخرج له أبو داود و النسائي . إذاً: الحديث فيه لين، وفيه مجهول، فهو مردود، وأيضاً في معناه نكارة؛ لأنه قال عن الركب: مبغضون، وليس كل إنسان يبغض العمال، وإنما الذي يبغضهم من عنده شح، وكثير من الناس يحبون أن يتخلصوا من الواجب الذي عليهم وأن يؤدوه، وألا يبقى في ذممهم شيء، وفيهم من يخرج أكثر من الواجب كما مر بنا في بعض الأحاديث. [ قال أبو داود : أبو الغصن هو: ثابت بن قيس بن غصن ]. شرح حديث (أرضوا مصدقيكم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا عبد الواحد -يعني ابن زياد - ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان -وهذا حديث أبي كامل - عن محمد بن أبي إسماعيل حدثنا عبد الرحمن بن هلال العبسي عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (جاء ناس -يعني من الأعراب- إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: إن ناساً من المصدقين يأتونا فيظلمونا، فقال: أرضوا مصدقيكم قالوا: يا رسول الله! وإن ظلمونا؟ قال: أرضوا مصدقيكم، زاد عثمان وإن ظلمتم). قال أبو كامل في حديثه: قال جرير : ما صدر عني مصدق بعدما سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وهو عني راض ]. أورد أبو داود حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه وقوله في إرضاء المصدقين، وهم العمال، فيرضون بإعطائهم الواجب، وإذا اعتدى العامل وأخذ أكثر من الواجب فإنه إما أن يدفع له ويشتكى أو يبين له بأن هذا ليس لك، وإنما الذي لك كذا وكذا، وفيه أن جريراً رضي الله عنه وأرضاه بعدما سمع هذا الحديث قال: ما أتاني مصدق إلا وذهب من عندي راضياً أي: أنه يؤدي الحق الذي عليه، وأنه قد يزيد من باب التطوع وليس من باب الوجوب. تراجم رجال إسناد حديث (أرضوا مصدقيكم) قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. أبو كامل الجحدري فضيل بن حسين وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الواحد -يعني ابن زياد - ]. عبد الواحد بن زياد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في عمل اليوم والليلة و ابن ماجة . [ حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ]. عبد الرحيم بن سليمان وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن أبي إسماعيل ]. وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الرحمن بن هلال العبسي ]. وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جرير بن عبد الله ]. جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في دعاء المصدق لأهل الصدقة شرح حديث (اللهم صل على آل أبي أوفى) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب دعاء المصدق لأهل الصدقة. حدثنا حفص بن عمر النمري و أبو الوليد الطيالسي المعنى قالا: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: (كان أبي من أصحاب الشجرة، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل على آل فلان، قال: فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى) ]. قوله في الترجمة: [ دعاء المصدق لأهل الصدقة ] يعني دعاء العامل لأهل الصدقة إذا أخذ صدقاتهم، فإنه يدعو لهم، والمقصود من الترجمة الدعاء، والصلاة هي دعاء، فقوله: (اللهم صل على آل أبي أوفى) هو دعاء لهم، وكذلك يستحب أن يدعو لهم بالبركة؛ للحديث الذي سبق أن مر وفيه: (ودعا له بالبركة) في قصة الذي دفع ناقة أكبر من السن التي هي واجبة عليه. قوله: [ ( كان أبي من أصحاب الشجرة) ] هذا: عبد الله بن أبي أوفى كان أبوه من الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وكون الصحابي يذكر أنه من أهل الشجرة يدل على أنه صاحب منقبة؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أهل بيعة الرضوان: (لن يلج النار أحد بايع تحت الشجرة)؛ ولذا يأتي في وصف بعض الصحابة: فلان بايع تحت الشجرة، فلان من أهل بيعة الرضوان، أي: أنه من أهل هذه المنقبة والفضيلة، وكانوا ألفاً وأربعمائة. قوله: [ (وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل على آل فلان، فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى) ] الصلاة هي دعاء، وقيل: إن العامل يدعو لهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، وقيل: المقصود من ذلك الدعاء بأي دعاء يعود عليهم بالخير والفائدة في الدنيا والآخرة؛ ولهذا عقد أبو داود رحمه الله الترجمة: دعاء المصدق لأهل الصدقة، وقوله: (آل أبي أوفى) قيل: المقصود به المتصدق وهو أبو أوفى ، وقيل: المقصود هو وآله. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم صل على آل أبي أوفى) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر النمري ] . حفص بن عمر النمري ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ و أبو الوليد الطيالسي ]. و أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. عمرو بن مرة الهمداني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي أوفى ]. عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. تفسير أسنان الإبل تفسير أهل اللغة وغريب الحديث لأسنان الإبل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تفسير أسنان الإبل. قال أبو داود : سمعته من الرياشي ، و أبي حاتم وغيرهما، ومن كتاب النضر بن شميل ، ومن كتاب أبي عبيد ، وربما ذكر أحدهم الكلمة؛ قالوا: يسمى الحوار، ثم الفصيل إذا فصل، فتكون بنت مخاض لسنة إلى تمام سنتين، فإذا دخلت في الثالثة فهي ابنة لبون، فإذا تمت لها ثلاث سنين فهو حِقّ وحقة إلى تمام أربع سنين؛ لأنها استحقت أن تركب ويحمل عليها الفحل وهي تلقح، ولا يلقح الذكر حتى يثني، ويقال للحقة: طروقة الفحل؛ لأن الفحل يطرقها إلى تمام أربع سنين، فإذا طعنت في الخامسة فهي جذعة حتى يتم لها خمس سنين، فإذا دخلت في السادسة وألقى ثنيته فهو حينئذ ثني حتى يستكمل ستاً، فإذا طعن في السابعة سمي الذكر رباعياً، والأنثى رباعية إلى تمام السابعة، فإذا دخل في الثامنة وألقى السن السديس الذي بعد الرباعية فهو سديس وسدسٌ إلى تمام الثامنة، فإذا دخل في التسع وطلع نابه فهو بازل أي: بزل نابه يعني: طلع، حتى يدخل في العاشرة فهو حينئذ مخلفٌ، ثم ليس له اسم ولكن يقال: بازل عام وبازل عامين، ومخلف عام، ومخلف عامين، ومخلف ثلاثة أعوام إلى خمس سنين، والخلفة الحامل. قال أبو حاتم : والجذوعة: وقت من الزمن ليس بسن، وفصول الأسنان عند طلوع سهيل. قال أبو داود : وأنشدنا الرياشي : إذا سهيل آخر الليل طلع فابن اللبون الحق والحق جذع لم يبق من أسنانها غير الهبع والهبع الذي يولد في غير حينه ]. هذه الترجمة ليس فيها أحاديث، وإنما فيها بيان أسنان الإبل وتفسيرها وتوضيحها، ونقل ذلك عن أئمة اللغة، وأبو داود رحمه الله ذكر هذا الكلام الذي نقله عن أربعة من العلماء، اثنين سمع منهما وهما الرياشي و أبو حاتم ، واثنين قرأ من كتبهما وهما أبو عبيد القاسم بن سلام و النضر بن شميل ، وكل منهما له كتاب في غريب الحديث، وقال: (وربما ذكر أحدهم الكلمة) أي: أن هذا الكلام الذي سيذكره من التفسير ليس عن كل واحد منهم جميعاً، وأنهم متفقون عليه كله، وإنما فيه شيء يتفقون عليه، وشيء قد يكون بعضهم ينفرد بالكلمة، ولكنه ما خرج عن مجموع كلامهم. تراجم علماء اللغة الذين فسروا أسنان الإبل الرياشي هو عباس بن الفرج ، وهو ثقة أخرج له أبو داود . و أبو حاتم هو سهل بن محمد بن عثمان السجستاني اللغوي وهو صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . قوله: [ وغيرهما ]. يعني وسمعه من غير هذين الاثنين. [ ومن كتاب النضر بن شميل ]. يعني أنه رآه في كتاب النضر بن شميل ، وكذلك في كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام ، و النضر بن شميل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو عبيد القاسم بن سلام ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وفي جزء القراءة و أبو داود . شرح أسنان الإبل كما ذكرها أهل اللغة وغريب الحديث ثم بدأ بذكر الأسنان، فإذا خرج من بطن أمه فإنه يقال له: حوار، ثم يقال له: فصيل، وهذا كله قبل أن يدخل في السنة الثانية؛ لأن الحوار والفصيل يكونان في السنة الأولى، والحوار من حين يخرج من بطن أمه، ثم يقال له: فصيل، ثم يقال له: ابن مخاض ذكر أو ابنة مخاض أنثى إذا أكملت السنة الأولى ودخلت في السنة الثانية، فإذا دخلت في الثالثة يقال لها: بنت لبون، وإذا دخلت في الرابعة يقال لها: حقة، وإذا دخلت في الخامسة يقال لها: جذعة، فإذا دخلت في السادسة يقال لها: ثنية أو ثني إذا كان ذكراً، فإذا طعن في السابعة سمي الذكر رباعياً والأنثى رباعية، وإذا دخل في الثامنة يقال له: سديس وسدس، فإذا دخل في التاسعة يقال له: بازل، وإذا دخل في العاشرة يقال له: مخلف، ثم تقف الأسنان عند ذلك، إلا أنه يقال في البازل: بازل عام، وبازل عامين، ويقال في المخلف: مخلف عام، ومخلف عامين، ومخلف ثلاثة أعوام، ومخلف أربعة أعوام، ومخلف خمسة أعوام، وهذا هو الحد الأعلى الذي ذكر لأسنان الإبل. قوله: (فإذا تمت لها ثلاث سنين فهو حق وحقة إلى تمام أربع سنين؛ لأنها استحقت أن تركب ويحمل عليها الفحل ). يعني ينزو عليها، أو المعنى أنها تمسك للفحل. قوله: (وهي تلقح، ولا يلقح الذكر حتى يثني) . يعني لا يلقح الذكر حتى يثني أي: يكمل خمس سنين ويدخل في السنة السادسة، والثني هو الذي يبدأ فيه سن الأضاحي؛ لأن الذي يجزئ في الأضاحي والهدي الجذع من الضأن والثني من غيره، والثني من المعز ما أكمل سنة، ومن البقر ما أكمل سنتين، ومن الإبل ما أكمل خمس سنوات. قوله: (ويقال للحقة: طروقة الفحل؛ لأن الفحل يطرقها). هذا تعليل لسبب تسميتها طروقة وحقة، وهي أنها استحقت أن يطرقها الجمل. وبالنسبة للبازل والمخلف فإنهما يتفقان إذا دخل في العاشرة، فيقال له: بازل عامين، ويقال له: مخلف عام، يعني: يقال له: مخلف عام وهو بازل عامين. قوله: (قال أبو حاتم : والجذوعة وقت من الزمن ليس بسن). يعني الوقت الذي تحصل فيه الولادة في غير الوقت المعتاد. ثم ذكر الأوقات المعتادة بالنسبة لنتاج الإبل، فقال: (وفصول الأسنان عند طلوع سهيل ). أي: أن الحساب يبدأ من طلوع سهيل؛ لأن الغالب أن الولادة تكون عند طلوع سهيل، وكأن الإبل تهيج في وقت من الأوقات فتحمل الذكور على الإناث فتكون ولادتها في وقت طلوع سهيل، وهو نجم معروف يقال له: سهيل، فيكون بدء الحساب من طلوع سهيل، فتنتقل من كونها جذعة إلى كونها رباعية، ومن كونها رباعية إلى كونها سدس، وهكذا، فالحساب يكون من طلوع سهيل، ومن ولد في غير الوقت المعتاد فإنه يحسب من ذلك الوقت، لكن الذي لا يعرف وقت ولادته فإنه يصار فيه إلى وقت إنتاج الإبل الذي هو طلوع سهيل. فقوله: (وفصول الأسنان عند طلوع سهيل). يعني: إذا طلع سهيل فمن كانت بنت مخاض تنتقل إلى كونها بنت لبون، ومن كانت بنت لبون تنتقل إلى كونها حقة، ومن كانت حقة تنتقل إلى كونها جذعة، وهكذا، ومن كانت ولادتها في غير هذا الوقت الذي هو الغالب والمعتاد؛ فإنه يقال لها جذوعة، وهي أيضاً الهبع الذي يولد في غير سنه. وقوله: (الجذوعة وقت من الزمن ليس بسن). يعني: من ولد في الصيف أو في غير وقت سهيل فهو ليس بسن، فلا يحسب منه الحساب المعتاد، ولكنه يحسب من حين ولادته؛ لأنه لم يولد في الوقت المعتاد. قوله: (وأنشدنا الرياشي : إذا سهيل آخر الليل طلع فابن اللبون الحق والحق جذع لم يبق من أسنانها غير الهبع ]. يعني الذي كان سنه ابن لبون ينتقل إلى كونه حقاً، والذي كان حقاً ينتقل من كونه حقاً إلى كونه جذعاً، ولم يبق من أسنانها إلا الهبع وهو الذي لم يولد في الوقت الغالب والمعتاد وهو وقت طلوع سهيل."
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الزكاة شرح سنن أبي داود [193] الحلقة (224) شرح سنن أبي داود [193] من آداب المصدق: أن يأتي الناس في مواردهم ولا يجلبهم إلى مكان يجلس فيه، ولا يجوز للرجل أن يبتاع صدقته، ولا زكاة في خيل ولا رقيق، ولا فيما خرج من الأرض حتى يبلغ نصاباً، فإذا بلغه ففيه عشر أو نصفه بحسب السقي. أين تصدق الأموال؟ شرح حديث (لا جلب ولا جنب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أين تصدق الأموال. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن أبي عدي عن ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا جلب ولا جنب، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً في بيان أين يأخذ المصدق الصدقات، يعني: هل يذهب إلى أصحاب الأموال والمواشي على مياههم التي يردون عليها، أم أنه يجلس في مكان معين ويرسل للناس أن يأتوا إليه بمواشيهم؟ الجواب: العامل يذهب إلى أصحاب المواشي على مياههم، ولا يكلفهم مشقة الذهاب إليه، والتحول من الأماكن التي يسرحون فيها في البراري، ولا يجعلهم ينتقلون من مكان إلى مكان ليأتوا إلى المصدق فيدفعوا إليه الزكاة، وإنما يأتي إليهم على المياه، وينتقل من ماء إلى ماء ويأخذ الزكاة على المياه، وهذا فيه رفق بالناس وعدم إدخال مشقة عليهم. هذا هو المقصود من الترجمة، أي: أن الزكوات تؤخذ منهم على مياههم، ولا يجلس العامل في مكان ثم يرسل إلى الناس أن يأتوا إليه. أورد أبو داود حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا جلب ولا جنب) ] المراد بالجلب: هو كون المصدق يكون في ناحية من النواحي ويطلب من أصحاب الأموال أن يجلبوا أموالهم إليه، وأن يسوقوها إليه من أجل أن يأخذ منهم الزكاة، هذا هو المقصود بالجلب فيما يتعلق بزكاة المواشي. وله معنى آخر فيما يتعلق بالسباق، وهو أن يجعل فرساً آخر بجانب الفرس الذي يسابق عليه حتى يتحول إليه، أو أن أناساً يصيحون بالفرس من أجل أن يزيد في العدو، فجاء الجلب بهذا المعنى وبهذا المعنى، لكن الذي يطابق الترجمة هو المعنى الأول، وهو كون العامل يكون في ناحية من النواحي ويأمر أصحاب الأموال أن يأتوا إليه. وكذلك فسر الجنب بهذا المعنى، وهو أن يكون في جانب من الجوانب التي فيها المياه، ثم يأمر الناس أن يأتوا إليه، فيكون قريباً من معنى الجلب. قوله: (ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم) هذا تأكيد للمعنى الأول، يعني: إلا في أماكنهم وفي مياههم، فقوله: (لا تؤخذ إلا في دورهم) هو بمعنى قوله: (لا جلب)؛ لأنه لو كانت الصدقات لا تؤخذ من الناس في دورهم وفي مياههم فإنهم سيذهبون بها ويجلبونها إلى العمال من أجل أن يأخذوا منها الزكاة. تراجم رجال إسناد حديث (لا جلب ولا جنب) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي عدي ]. هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. وهو محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. شعيب بن محمد وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جده ]. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما وهو صحابي جليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، وهم: عبد الله بن عمرو و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و عبد الله بن الزبير ، وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح أثر ابن إسحاق في تفسير (لا جلب ولا جنب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: سمعت أبي يقول عن محمد بن إسحاق في قوله: (لا جلب ولا جنب) قال: أن تصدق الماشية في مواضعها ولا تجلب إلى المصدق، والجنب عن غيره هذه الفريضة أيضاً، لا يجنب أصحابها، يقول: ولا يكون الرجل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة فتجنب إليه، ولكن تؤخذ في موضعه ]. قوله: (لا يجنب أصحابها) يعني أنه يجعل الجنب من العامل أو من أصحاب الأموال، فلا يجنب أصحابها بمعنى أن يبتعدوا عنه إذا علموا بالمصدق، فيذهبون إلى أماكن أخرى غير المكان الذي كانوا فيه، وإنما يبقون في أماكنهم حتى يأتي إليهم العامل ويأخذ منهم، فلا يجنب أصحاب الأموال، ولا يجنب العامل أيضاً بحيث يكون في جانب من المياه ثم يأمر أصحاب الأموال بأن يأتوا إليه، فالجنب يكون من جهة العامل ويكون من جهة المالكين. تراجم رجال إسناد أثر ابن إسحاق في تفسير (لا جلب ولا جنب) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ]. يعقوب بن إبراهيم بن سعد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أبي ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. مر ذكره، وهذا المتن يقال له: مقطوع؛ لأن المتن انتهى إلى محمد بن إسحاق ، وفيه تفسير للجلب والجنب الذي جاء في الحديث، و محمد بن إسحاق هو راوي الحديث كما في الإسناد السابق، ثم ذكر أبو داود إسناداً انتهى إليه والمتن من قوله فيه تفسير الجلب والجنب، وهذا يسمى في علم المصطلح المقطوع، والمقطوع: هو المتن الذي انتهى إلى من دون الصحابي؛ لأن المتن إذا انتهى إلى الصحابي يقال له: موقوف، والمتن الذي انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع، والمتن الذي ينتهي إلى التابعي أو من دون التابعي يقال له: مقطوع، فالمقطوع من صفات المتون بخلاف المنقطع فإنه من صفات الأسانيد؛ لأنه سقوط راو من الإسناد. قوله: [ والجنب عن غيره هذه الفريضة ] يعني: أن العامل يجنب عن الملاك أو الملاك يجنبون عن العامل بمعنى أنهم يبتعدون عنه، وقوله: (هذه الفريضة) المقصود بها الزكاة، يعني: يجنبون من أجل الفريضة التي هي واجبة عليهم، ويريدون أن يبتعدوا عن العامل حتى لا يؤدوا الحق، أو أن العامل يكون في جانب ويأمرهم أن يأتوا إليه. ومعنى كلمة (غيره) في قوله: (والجنب عن غيره هذه الفريضة) يعني: العامل يجنب عن المالك، والمالك يجنب عن العامل، فكل واحد منهما يجنب عن الآخر، ففيه إجناب عن الغير، العامل يكون في جانب بعيد عن الملاك أو الملاك يبتعدون ويكونون في جانب بعيدين عنه. الرجل يبتاع صدقته شرح حديث (لا تبتعه ولا تعد في صدقتك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يبتاع صدقته: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمل على فرس في سبيل الله، فوجده يباع، فأراد أن يبتاعه، فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فقال: لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب الرجل يبتاع صدقته، يعني: يشتريها، أي أنه تصدق بصدقة، ثم يجدها تباع فهل يشتريها أو لا يشتريها؟ أورد أبو داود رحمه الله حديث عمر رضي الله عنه: (أنه حمل على فرس في سبيل الله) أي: أنه أعطاه لرجل ليجاهد عليه في سبيل الله؛ لأن الحمل على الفرس معناه حمل الرجال كما جاء في القرآن الكريم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ [التوبة:92]، وذلك جواباً لمن كانوا يأتون إليه يطلبون أن يحملهم ليجاهدوا؛ لأنهم لا ظهر عندهم ولا مركوب، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول لهم: (لا أجد ما أحملكم عليه) فيتولون وأعينهم تفيض من الدمع؛ حزناً حيث لم يتيسر لهم أن يجاهدوا لعجزهم ولضعفهم وقلة ذات أيديهم. وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في غزوة تبوك: (إن في المدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم)، وفي بعض الروايات: (إلا شركوكم في الأجر، حبسهم العذر) أي: حبسهم العذر عن الجهاد، فهم يجاهدون بنياتهم، يقول ابن القيم رحمه الله: الجهاد يكون بالنية، ويكون بالمال، ويكون بالنفس، ويكون باللسان، يعني في الدعوة إلى الله عز وجل والدفاع عن الإسلام. قوله: (حمل عليه في سبيل الله) أي: أنه أعطاه إياه ليجاهد عليه، وليس معناه أنه وقف؛ لأن الوقف لا يباع، ولكنه أعطاه الفرس ليجاهد عليه، فهو مالك له، ولهذا أمكنه أن يبيعه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله فقال: (لا تبتعه ولا تعد في صدقتك) ولعل هذا المنع -والله أعلم- لأن صاحبه إذا عرف أن الذي سيشتريه هو الذي أعطاه إياه فلعله يسامحه أو يعطيه برخص، فمنع من ذلك قطعاً لهذه الذريعة، والإنسان لا يعود في صدقته، ولا يشتري صدقته، لكن لو عادت إليه بالإرث أو أعطاها لشخص ثم مات عنها وكان هو الوارث له، فإن ذلك يعود عليه. تراجم رجال إسناد حديث (لا تبتعه ولا تعد في صدقتك) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث من الأسانيد العالية عند أبي داود ؛ لأنه من الرباعيات، والرباعيات هي أعلى الأسانيد عند أبي داود ، فهو عن القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر ، فبين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود ، وهي كثيرة. حكم من اشترى صدقته وحكم من اشترى صدقته أن البيع باطل، ويجوز للفقير أن يبيعها، ولكن لا يجوز للمتصدق عليه أن يشتريها. صدقة الرقيق شرح حديث ( ليس في الخيل والرقيق زكاة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صدقة الرقيق. حدثنا محمد بن المثنى و محمد بن يحيى بن فياض قالا: حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن رجل عن مكحول عن عراك بن مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق). حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عراك بن مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب الزكاة في الرقيق، وهم المملوكون من الرجال والنساء، وإذا كان الإنسان عنده جملة من الأرقاء فليس فيهم زكاة، لكن على وليهم أن يخرج عنهم زكاة الفطر، أما إذا كان الإنسان يبيع ويشتري في الرقيق فإنه يزكي الرقيق زكاة التجارة، فيقوم الأرقاء الذين في حوزته عند حولان الحول، ويضم إليهم ما كان عنده متوافراً من النقود، ويخرج من الجميع ربع العشر. والإسناد الأول فيه مجهول، ولكن الإسناد الثاني هو بمعناه وهو صحيح، وليس فيه علة ولا كلام، إلا أن زكاة الفطر في الرقيق واجبة كما جاء في صحيح مسلم في بعض الروايات، وعلى هذا فالحديثان صحيحان حتى الحديث الذي في سنده رجل مبهم، والجهالة التي فيه لا تؤثر؛ لأن الحديث الذي بعده صحيح يشهد له. تراجم رجال إسناد حديث (ليس في الخيل والرقيق زكاة) قوله: [حدثنا محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كل واحد منهم روى عنه مباشرة وبدون واسطة. [ و محمد بن يحيى بن فياض ]. محمد بن يحيى بن فياض ثقة أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الوهاب ]. عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم وهو المصغر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل ]. قال الحافظ : كأنه إسماعيل بن أمية بن عمرو الأموي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب السنن، وهذا احتمال، ولكن الجهالة لا تؤثر هنا؛ لأن الحديث ثابت بالذي بعده. [ عن مكحول ]. مكحول الشامي وهو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عراك بن مالك ]. عراك بن مالك وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق. وقوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار ]. عبد الله بن دينار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين. [ عن عراك عن أبي هريرة ]. مر ذكرهما. وجوب زكاة الفطر على سيد الرقيق ليس على السيد زكاة في رقيقه إلا زكاة الفطر، فيجب عليه أن يزكي عنهم؛ لأنها تجب على الحر والعبد والذكر والأنثى، ولا يجب عليه زكاة في عينه؛ لأنه ليس من الأموال الزكوية. صدقة الزرع شرح حديث (فيما سقت السماء والأنهار والعيون العشر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صدقة الزرع. حدثنا هارون بن سعيد بن الهيثم الأيلي حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلاً العشر، وفيما سقي بالسواني أو النضح نصف العشر) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب صدقة الزرع، أي: حكم الزكاة في الزرع ومقدارها، وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلاً العشر) ] المقصود بالسماء المطر الذي يسخره الله بين السماء والأرض، ثم ينزله، فما شرب من النبات بماء المطر فإن فيه العشر؛ لأنه ليس هناك مشقة على صاحبه في سقيه، وكذلك الأنهار والعيون الجارية التي تجري ولا يحتاج المزارع إلى تعب ومشقة في استعمالها، أو كان النبات بعلاً، أي: يشرب بعروقه، ولا يستخرج له صاحبه ماء ولا يسقي بالنضح، وإنما يشرب بعروقه، أي: أن الماء قريب منه فيشرب بعروقه، فهذا يقال له: بعل كما أنه يقال للذي يسقى بماء المطر: بعل، فهذا فيه العشر. قوله: (بالسواني أو النضح) السواني: جمع سانية، وهي الإبل أو البقر أو الحمير التي يستخرج الماء بها بواسطة الدلاء الكبيرة، فيكون الرشاء على البقرة -مثلاً- ثم يكون هناك غرب، فتمشي النواضح حتى يصل الماء إلى خارج البئر فيصب في حوض، ثم يسقى به بالسواني، ولهذا يقال للبعير: سانية، ويقال له أيضاً: ناضح، فالناضح والسانية هو البعير الذي يخرج الماء بواسطته، فما سقي بالسواني أو النضح ففيه نصف العشر، وكذلك أيضاً ما في هذا الزمان من المضخات والحفارات التي تأتي بالماء من أماكن بعيدة، ويكون تشغيلها بواسطة التيار الكهربائي، وتخرج الماء بواسطة المضخات والمكائن التي تستخرجه أو يحفظ في مواسير تثبت في الأرض ثم يخرج الماء بواسطة الكهرباء، وهذا من جنس النضح لأنه يتعب عليه، وفيه استهلاك وقود لإخراجه؛ ولذا فإن فيه نصف العشر. والحاصل أن ما حصل بدون مشقة وبدون عناء وبدون تعب ففيه العشر، وما حصل بمشقة وعناء وتعب واستهلاك أموال ففيه نصف العشر. تراجم رجال إسناد حديث (فيما سقت السماء والأنهار والعيون العشر) قوله:[ حدثنا هارون بن سعيد بن الهيثم الأيلي ]. هارون بن سعيد بن هيثم الأيلي ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد ]. عبد الله بن وهب المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويونس بن يزيد الأيلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم بن عبد الله ]. سالم بن عبد الله بن عمر ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. وهو عبد الله بن عمر وقد مر ذكره. متى يجب ثلاثة أرباع العشر في الزكاة إذا كان هناك مشقة وعدم مشقة في السقي فينظر إلى الغالب، فإن كان الغالب هو المشقة ففيه نصف العشر، وإن كان الغالب عدم المشقة ففيه العشر، وإن كانا سواء ففيه ثلاثة أرباع العشر. شرح حديث ( فيما سقت الأنهار والعيون العشر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فيما سقت الأنهار والعيون العشر، وما سقي بالسواني ففيه نصف العشر) ]. حديث جابر هو بمعنى حديث ابن عمر المتقدم، والحديث استدل به من يقول: إن الخارج من الأرض ليس له نصاب وإن الزكاة تجب في القليل والكثير، ولكن الحديث الذي بين أن الزكاة إنما تجب بالنصاب هو الذي يعتمد، ويخص به عموم هذا الحديث؛ لأن قوله: (فيما سقت السماء) يعم ما كان قليلاً أو كثيراً لإطلاقه، ولو لم يأت ما يدل على تحديد النصاب لكان كل شيء يخرج فيه العشر أو نصف العشر لإطلاقه؛ ولهذا أخذ بعض العلماء بإطلاقه، لكن الحديث الذي فيه: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) يدل على أن هناك نصاباً إذا وصل إليه مقدار الزرع أو الثمر فإنه يزكى وإذا نقص عنه فإنه لا يزكى. تراجم رجال إسناد حديث (فيما سقت الأنهار والعيون العشر) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو ]. عبد الله بن وهب مر ذكره، وعمرو هو ابن الحارث المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. تفسير البعل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الهيثم بن خالد الجهني و حسين بن الأسود العجلي قالا: قال وكيع : البعل: الكبوس الذي ينبت من ماء السماء. قال ابن الأسود : وقال يحيى -يعني ابن آدم - سألت أبا إياس الأسدي عن البعل فقال: الذي يسقى بماء السماء. وقال النضر بن شميل : البعل ماء المطر ]. أورد أبو داود آثاراً في تفسير البعل، وأنه الذي يسقى بماء السماء أو يسقى بماء المطر، وفيه أن بعضهم قال: البعل هو المطر، وكلها ترجع إلى الذي يسقى بماء الأمطار. تراجم رجال أسانيد تفسير البعل قوله: [ حدثنا الهيثم بن خالد الجهني ]. الهيثم بن خالد الجهني وهو ثقة أخرج له أبو داود . [ و حسين بن الأسود العجلي ]. وهو حسين بن علي بن الأسود صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه الترمذي ، قال الحافظ في التقريب: لم يثبت أن أبا داود روى عنه. [ عن وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال ابن الأسود : وقال يحيى، يعني ابن آدم ]. ابن الأسود هو الحسين بن علي. و يحيى بن آدم الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال النضر بن شميل : البعل ماء المطر ]. النضر بن شميل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو صاحب غريب الحديث الذي مر في تفسير أسنان الإبل. شرح حديث (خذ الحب من الحب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب عن سليمان -يعني ابن بلال - عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فقال: خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خذ الحب من الحب) يعني: زكاة الحب من الحب، وكل شيء زكاته من نوعه، فزكاة الحبوب حبوب، وزكاة التمر تمر، وزكاة الإبل إبل، وزكاة البقر بقر، وزكاة الغنم غنم، إلا أن هذا العموم يستثنى منه ما يتعلق بالإبل فإن ما دون الخمس والعشرين تزكى من الغنم، وإنما تخرج من الإبل إذا بلغت خمساً وعشرين. تراجم رجال إسناد حديث (خذ الحب من الحب) قوله: [ حدثنا الربيع بن سليمان ]. الربيع بن سليمان المرادي وهو ثقة أخرج له أصحاب السنن. [ حدثنا ابن وهب ]. عبد الله بن وهب وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان يعني ابن بلال ]. سليمان بن بلال ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ]. شريك بن عبد الله بن أبي نمر وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فقد خرج له في الشمائل. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذ بن جبل ]. معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعفه الألباني ، بسبب شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وهو صدوق يخطئ. انتقاد البخاري في روايته عن شريك بن أبي نمر لحديث الإسراء وابن أبي نمر روى عنه البخاري حديث الإسراء الطويل،وفيه أخطاء، وقد انفرد بها شريك هذا، واعتبروها من أغلاطه، وانتقدت روايته على البخاري ، وحديثه من الأحاديث التي لا جواب عنها، فإن الحافظ ابن حجر رحمه الله أجاب عن كثير من الأحاديث التي انتقدت على البخاري ، أما هذا الحديث فهو من الأحاديث التي لا جواب عنها، فإن فيه أشياء منكرة تفرد بها شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، وقد أورد البخاري روايته في آخر الصحيح مطولة، أما مسلم رحمه الله فإنه لم يذكر لفظه، وإنما ذكر لفظ ثابت البناني عن أنس ، وبعده أتى بطريق شريك فقال: قدم وأخر وزاد ونقص، ولم يسق لفظه، وإنما أشار إلى الفرق بينه وبين رواية ثابت وأنه قدم وأخر وزاد ونقص، والزيادات التي عند شريك نبه عليها العلماء ومنهم الحافظ ابن كثير في أول تفسير سورة الإسراء، حيث بين أغلاطه واحداً واحداً، وكذلك الحافظ ابن حجر في شرح الحديث في فتح الباري ذكر أغلاط شريك ، واعتبرها غير صحيحة، لكن هذا الحديث ليس فيه إشكال، فكل شيء زكاته منه إلا زكاة التجارة فإنها تزكى بالقيمة. والفواكه والخضروات لا زكاة فيها؛ لأنها لا توسق، أي لا تكال، ولا تدخر، وليست من الأقوات. حال رواية من قيل فيه صدوق له أوهام الإسناد إذا كان فيه صدوق يهم، أو صدوق يخطئ، أو صدوق له أوهام؛ فإنه يقبل، فكثيراً ما تأتي أحاديث صحيحة فيها صدوق له أوهام أو صدوق يخطئ، وبعضهم من رجال الصحيح، وتكون روايته في الصحيح؛ لأن الحكم عليه بصدوق هو لابن حجر رحمة الله عليه، وغيره قد يحكم عليه بحكم آخر. عجائب رآها أبو داود في مصر [ قال أبو داود : شبرت قثاءة بمصر ثلاثة عشر شبراً، ورأيت أترجة على بعير بقطعتين قطعت وصيرت على مثل عدلين ]. هذه من العجائب والغرائب، فهذه قثاءة طولها ثلاثة عشر شبراً، والذراع شبران، والمتر ذراعان، فسيكون طول هذه القثاءة ثلاثة أمتار وربع! ورأى أترجة قطعت قطعتين، وكل واحدة صارت عدلاً على البعير، يعني جعلت قطعة في جانب وقطعة في جانب كالمحمل الذي يكون عليه من الجانبين . زكاة العسل شرح حديث هلال في زكاة العسل قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب زكاة العسل. حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث المصري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: (جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعشور نحل له، وكان سأله أن يحمي له وادياً يقال له: سلبة، فحمى له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الوادي، فلما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأله عن ذلك، فكتب عمر رضي الله عنه: إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عشور نحله فاحم له سلبة، وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء) ]. زكاة العسل لم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما أورد أبو داود هذا الحديث وهو لا يدل على زكاة العسل، ولكن يدل على أن ذلك الرجل حمى له الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك الوادي، وأنه كان يأتي بعشور من عنده متبرعاً فقبلها منه، ولما ولي عمر رضي الله عنه وأرضاه سأله سفيان بن وهب عن ذلك فقال: إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاحم له، وإلا فهو ذباب غيث يأكله من يشاء، وفي نسخة: متى شاء، فهذا ليس دليلاً على زكاة العسل، وإنما كان يأتي بالعشور في مقابل كون الوادي حمي له، ولهذا قال عمر رضي الله عنه: إن أدى إليك ما كان يؤديه فاحم له وإلا فلا، فهذا يدل على أنه ليس من قبيل الزكاة؛ لأن الزكاة تجب وليس فيها تخيير، وتجب بدون أن يبذل له شيء يستفيد منه، فالحديث لا يدل على زكاة العسل. وقد اختلف العلماء في العسل هل يزكى أو لا يزكى؟ فمنهم من قال: إنه لا زكاة فيه؛ لأنه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدل على أنه يزكى، وبعض أهل العلم قال: إنه يزكى لأنه يشبه الخارج من الأرض، والذي يظهر -والله أعلم- أنه لا زكاة فيه؛ لأنه لم يأت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث الذي ورد لا يدل على أن فيه زكاة، وإنما يدل على أنه طلب أن يحمي له وادياً فحماه له، فكان يعطي عشور العسل متبرعاً، و عمر رضي الله عنه قال للوالي الذي سأله: (إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحم له وإلا فلا) فلو كان فيه زكاة لما تعلق الأمر بحماية أو غير حماية، فإن الزكاة واجبة ومتعينة، فلا دليل فيه على الزكاة في العسل، وليس هناك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على ذلك، ومن أوجبه بالقياس على الخارج من الأرض فإنه قياس مع الفارق، فالخارج من الأرض نصابه خمسة أوسق، يعني ثلاثمائة صاع، وفيه العشر أو نصف العشر، والعسل ليس كذلك. تراجم رجال إسناد حديث هلال في زكاة العسل قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ]. أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا موسى بن أعين ]. موسى بن أعين ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن عمرو بن الحارث المصري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. مر ذكرهم جميعاً. معنى قوله (فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء) قوله: [ فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء ]. يعني: العسل يأتي من الذباب الذي هو النحل، هذا هو المقصود بالذباب. وقوله: (يأكله من يشاء) يعني: من سبق إليه، فالنحل يأكل من الشجر ومن الزهور، ثم يجمع العسل في مكان واحد، فمن سبق إليه فهو له، ولهذا يقال: إن أحلى مطعوم في الدنيا العسل وهو من هذا الذباب، وأجمل لباس الدنيا الحرير وهو من دودة القز، فالعسل والحرير إنما يخرجان من هذه الحيوانات المستكرهة التي ليست جميلة، وهذا فيه إشارة إلى نقصان الدنيا، وأن أجمل شيء فيها وأحلى شيء فيها إنما جاء من مثل هذا. شرح حديث (من كل عشر قرب قربة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا المغيرة -ونسبه إلى عبد الرحمن بن الحارث المخزومي - قال: حدثني أبي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن شبابة -بطن من فهم- فذكر نحوه قال: (من كل عشر قرب قربة) وقال سفيان بن عبد الله الثقفي قال: وكان يحمي لهم واديين، زاد: فأدوا إليه ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحمى لهم وادييهم ]. هذا الحديث مثل الذي قبله، وهو يتعلق بتعشير العسل مقابل حماية الوادي لهم وليس من باب الزكاة. تراجم رجال إسناد حديث (من كل عشر قرب قربة) قوله: [ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ]. أحمد بن عبدة الضبي ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا المغيرة ]. المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي وهو صدوق يهم أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. وهو عبد الرحمن بن الحارث صدوق له أوهام أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. مر ذكرهم. شرح حديث (من عشر قرب قربة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن حدثنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن بطناً من فهم بمعنى المغيرة قال: من عشر قرب قربة، وقال: واديين لهم ]. هذا الحديث أيضاً مثل الذي قبله. تراجم رجال إسناد حديث (من عشر قرب قربة) قوله: [ حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن ]. هو المرادي وقد مر ذكره. [ حدثنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد ]. أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مر ذكرهم."
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الزكاة شرح سنن أبي داود [194] الحلقة (225) شرح سنن أبي داود [194] من أحكام الزكاة: أنه لا تجب الزكاة في الأموال المعدة للقنية والاستعمال كالخيل والرقيق، ومثلها السيارة والبيت ونحو ذلك، ومن أحكامها: أنه يشرع خرص العنب وهو على الشجر ثم إخراج زكاته زبيباً، وكذلك خرص النخل وإخراج زكاته تمراً. خرص العنب شرح حديث (عتاب بن أسيد في خرص العنب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في خرص العنب. حدثنا عبد العزيز بن السري الناقط حدثنا بشر بن منصور عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد رضي الله عنه قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيباً كما تؤخذ زكاة النخل تمراً) ]. الخرص هو أن يرسل الإمام أناساً ليخرصوا الثمرة، وفيه مصلحة المالك ومصلحة الفقراء، أما مصلحة المالك فإنه يعرف مقدار ثمرته ليخرج عشرها أو نصف عشرها في الزكاة، ولا يفوت على المساكين شيئاً إذا عرف حقهم، وفيه مصلحة له من حيث إنه يتصرف في ماله ويستفيد منه ويبيع، ويقوم بدفع مقدار الزكاة بعدما تجف الثمرة، فيخرص العنب وتخرج الزكاة زبيباً، ويخرص النخل رطباً وتخرج زكاته تمراً بعدما يجف. إذاً: الخرص فيه مصلحة للمالك لتمكينه من أن يتصرف في ماله لأن له فيه شركاء وهم الفقراء والمساكين، فلو أنه تصرف فيه من غير أن يخرص لترتب على ذلك أنه قد يفوت حق الفقراء، لكن بعد الخرص فإنه يبيع ويأكل ويتصدق وقد عرف المقدار الذي تجب عليه في الزكاة، والفقراء يكون حقهم قد حفظ، فهذه فائدة الخرص. والخرص جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد أبو داود رحمه الله أحاديث عديدة في ثلاثة أبواب، وكلها ذكر الألباني رحمه الله أنها ضعيفة، وأنه لم يثبت منها شيء، لكن قد ثبت الخرص في صحيح البخاري في كتاب الزكاة في غزوة تبوك، وترجم عليه البخاري : باب خرص النخل، وفيه أنهم لما مروا بوادي القرى في طريقهم إلى تبوك مروا على حديقة لامرأة فيها نخل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (اخرصوا، فخرصوا وخرصها هو وقال: إنها تبلغ عشرة أوسق، ثم قال لصاحبة البستان: أحصي ثمرة نخلك وأعلمينا إذا رجعنا) ، وبعد رجوعهم مروا عليها وأخبرتهم بأنها عشرة أوسق كما خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث طويل وقد اشتمل على أمر عجيب في تبوك، وهو أنهم لما ذهبوا إلى تبوك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إنها ستهب عليكم ريح شديدة) فأمر كل رجل أن يعقل بعيره، وألا يقوم، فقام رجل فحملته الريح وألقته في جبل طيء، يعني حملته الريح من تبوك إلى حائل وألقته هناك. والمقصود أن الخرص ثابت من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري ، وهنا أورد أبو داود رحمه الله في باب خرص العنب حديث عتاب بن أسيد رضي الله عنه، وهو أمير مكة، أمره النبي صلى الله عليه وسلم على مكة وكان صغيراً، وهو من صغار الصحابة رضي الله عنه، فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يخرص العنب وتخرج زكاته زبيباً كما يخرص الرطب وتخرج زكاته تمراً، والعنب لا شك أنه من جنس التمر، وهو من الأموال الزكوية لأنه يصير زبيباً، وهو يدخر، وهو قوت من الأقوات؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره في الأقوات التي تخرج في زكاة الفطر، وهو مما يوسق ويكال. الحديث فيه انقطاع بين سعيد بن المسيب و عتاب بن أسيد ؛ لأن عتاب بن أسيد توفي في اليوم الذي مات فيه أبو بكر وسعيد بن المسيب لم يدركه، فهو غير صحيح للانقطاع الذي فيه، لكن كون العنب يتخذ زبيباً، وأنه يدخر ويكال، وهو قوت من الأقوات، فتجب فيه الزكاة مثل التمر. تراجم رجال إسناد حديث (عتاب بن أسيد في خرص العنب) قوله: [ حدثنا عبد العزيز بن السري الناقط ]. عبد العزيز بن السري الناقط وهو مقبول أخرج له أبو داود . [حدثنا بشر بن منصور ]. بشر بن منصور وهو صدوق أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن عبد الرحمن بن إسحاق ]. عبد الرحمن بن إسحاق وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن المسيب ]. وهو ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عتاب بن أسيد ]. هو صحابي رضي الله عنه أخرج له أصحاب السنن. طريق أخرى للحديث قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي حدثنا عبد الله بن نافع عن محمد بن صالح التمار عن ابن شهاب بإسناده ومعناه قال أبو داود : و سعيد لم يسمع من عتاب شيئاً ]. ذكر المصنف الحديث من طريق أخرى وأحال على الطريقة السابقة، وذكر أبو داود بعد ذلك أن سعيداً لم يسمع من عتاب شيئاً أي: أنه لم يدركه. قوله: [ حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي ]. محمد بن إسحاق المسيبي صدوق أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا عبد الله بن نافع ]. عبد الله بن نافع وهو ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن صالح التمار ]. محمد بن صالح التمار وهو صدوق يخطئ أخرج له أصحاب السنن. [ عن ابن شهاب بإسناده ]. يعني عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد وقد مر ذكرهم. كيفية الخرص وكيفية إخراج الزكاة بعد الخرص قوله: [ (فإن لم تدعوا أو تجذوا الثلث فدعوا الربع) ] يعني: إذا لم تتركوا الثلث فاتركوا الربع، ففيه تخيير للخارص لينظر للمصلحة، إما أن يدع الثلث وإن لم يفعل فإنه يدع الربع. والخرص تقدير وليس بيقيني، لكنه طريق إلى تحصيل المصلحة، وقد ثبت في السنة، وما دام أنه ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري فلا كلام بعد ذلك؛ وفيه مصلحة وفائدة للمالك وللفقراء. والواجب اختيار الخارصين المأمونين من أهل الخبرة، فيعرف الحاصل، وهل هو مطابق للواقع أو غير مطابق للواقع، قال العلماء: فإن لم يرض المالك وادعى أن الخارص ظلمه فعليه البينة. شرح حديث (إذا خرصتم فجذوا ودعوا الثلث ..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الخرص. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن مسعود قال: جاء سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه إلى مجلسنا قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا خرصتم فجذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا أو تجذوا الثلث فدعوا الربع). قال أبو داود : الخارص يدع الثلث للحرفة ، وكذا قال يحيى القطان ]. لعلها للخرفة، وأما الحرفة فمعناها هنا غير واضح، وفي القاموس: الخرفة هو ما يجنى من الرطب، والمخرف هو الزنبيل الذي يخرف به الثمر، فمعنى الخرفة ما يحتاج إليه الملاك من أجل أن يخترفوا من الثمرة. قوله: [ (إذا خرصتم فجذوا ودعوا الثلث) ]. يعني: خذوا الزكاة ودعوا الثلث، قيل: إن الثلث الذي يترك هو ثلث الزكاة بأن يعطى للمالك لينفقه بنفسه على الفقراء، أو يترك له ثلث الثمرة فلا يحاسب عليها من أجل أن يستفيد منها بأن يجني ويعطي ويهدي ويتصدق ما دام رطباً، ثم بعد ذلك يخرج الزكاة من وراء الثلث أو الربع، ولكن الحديث في إسناده من هو متكلم فيه، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرص ولا يترك للمالك شيء، وإنما يؤخذ منه مقدار الزكاة، والباقي له وهو إما تسعة الأعشار أو له تسعة الأعشار والنصف على حسب سقي النخل إما بكلفة أو بعدم كلفة، فإذا كان بكلفة فزكاته نصف العشر، وإذا كان بغير كلفة فزكاته العشر. تراجم رجال إسناد حديث (إذا خرصتم فجذوا ودعوا الثلث... ) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خبيب بن عبد الرحمن ]. خبيب بن عبد الرحمن ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن مسعود ]. عبد الرحمن بن مسعود بن نيار وهو مقبول أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سهل بن أبي حثمة ]. سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. مشروعية الخرص وكيفيته قوله: [ (فإن لم تدعوا أو تجذوا الثلث فدعوا الربع) ] يعني: إذا لم تتركوا الثلث فاتركوا الربع، ففيه تخيير للخارص لينظر للمصلحة، إما أن يدع الثلث وإن لم يفعل فإنه يدع الربع. والخرص تقدير وليس بيقيني، لكنه طريق إلى تحصيل المصلحة، وقد ثبت في السنة، وما دام أنه ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري فلا كلام بعد ذلك؛ وفيه مصلحة وفائدة للمالك وللفقراء. والواجب اختيار الخارصين المأمونين من أهل الخبرة، فيعرف الحاصل، وهل هو مطابق للواقع أو غير مطابق للواقع، قال العلماء: فإن لم يرض المالك وادعى أن الخارص ظلمه فعليه البينة. متى يخرص التمر شرح حديث (كان ابن رواحة يخرص النخل حين يطيب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب متى يخرص التمر حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: أخبرت عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت وهي تذكر شأن خيبر: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود، فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه) ]. المقصود من هذا الباب أنه يخرص النخل إذا بدأ يطيب ويؤكل منه؛ ليتمكن صاحبه من الاستفادة منه، وليحفظ حق الفقراء والمساكين، وكذلك العنب يخرص عندما يستوي والناس يأكلونه عنباً، وإذا حصلت جائحة بعد ذلك فإنه لا يلزمه؛ لأن الحق إنما يثبت عند سلامته، أما لو حصلت جائحة عليه فإن الإنسان لا يلزم أن يدفع شيئاً وقد اجتيح ماله وأصابته جائحة. ومعنى الخرص أن يأتي العامل إلى النخل وينظر فيه، فيقول: هذه النخلة تساوي كذا صاعاً، وهكذا يمشي بين النخل ويقدر كم تساوي، فيخرج بنتيجة هي أن ثمرة هذا البستان تبلغ كذا وكذا، كما خرص الرسول صلى الله عليه وسلم حديقة المرأة وقال لأصحابه: (اخرصوا) وهو خرص وقال: (إنها تبلغ عشرة أوسق) ، وقال: (إذا رجعنا أخبرينا بما خرج) فلما رجعوا وقد حصل الجذاذ والكيل قالت: إنها أخرجت عشرة أوسق طبقاً لما خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالخرص هو الحصر والتقدير، ولابد أن يكون الخارص من أهل النظر والخبرة والمعرفة، وبعض العلماء قال: إنه تخمين وليس بيقين فلا يعول عليه، ولكن مادام أنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه طريق شرعي. تراجم رجال إسناد حديث (كان ابن رواحة يخرص النخل حين يطيب) قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حجاج ]. حجاج بن محمد المصيصي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرت عن ابن شهاب ]. هذا يدل على وجود انقطاع بينه وبين من روى عنه، فالسند منقطع، وابن جريج مدلس، ولكنه هنا بين وجود الواسطة بقوله: أخبرت عن ابن شهاب ، و ابن شهاب مر ذكره. [ عن عروة ]. عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ] . أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث ضعيف من أجل الانقطاع الذي بين ابن جريج وبين الزهري . قوله: [ فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل ]. يعني: عندما يأتي وقت طيبه قبل أن يؤكل؛ لأن صاحبه يجنيه إذا بدأ طيبه، فيخرص في هذه الحال التي يمكن صاحبه من الانتفاع منه، والزكاة لا تخرج إلا عندما يجف التمر، ولا تخرج رطباً. ولا يخرص النخل إلا عندما يطيب التمر، ولا يخرص وهو صغير جداً؛ لأنه عرضة لأن يتساقط ويتلف، وأما إذا طاب واحتيج إليه فإنه يخرص. واليهود لا تخرج منهم الزكاة، ولكن كان يخرص نخلهم من أجل حق المسلمين؛ لأن للمسلمين النصف من نخلهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على أنهم يعملون في النخل وللمسلمين النصف، ولهم النصف مقابل العمل فيه، فالخرص كان من أجل معرفة حق المسلمين الذي هو النصف الذي صولحوا عليه. ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة شرح حديث (نهى عن الجعرور ولون الحبيق) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل رضي الله عنه عن أبيه رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة) قال الزهري : لونين من تمر المدينة ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة أي: ما لا يجوز أن يخرج في الصدقة وهو الرديء، وقد سبق أن مر بنا في زكاة المواشي أن المال يقسم ثلاثة أقسام: ثلث خيار، وثلث وسط، وثلث رديء، فلا يجوز أن يؤخذ الخيار، ولا أن يؤخذ الرديء، وإنما يؤخذ من وسط المال، وكذلك بالنسبة للثمر، فإنه لا يؤخذ أطيب النخل وأحسن الثمرة ولا أردؤها وإنما يؤخذ من الوسط. قوله: [ (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة). قال الزهري : لونين من تمر المدينة ]. يعني: أنهما من رديء التمر، ومعنى هذا أنه لا يؤخذ الرديء في الصدقة كما قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] يعني الرديء غير الطيب، بل كما قال الله عز وجل: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]. تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن الجعرور ولون الحبيق) قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. محمد بن يحيى بن فارس الذهلي وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ سعيد بن سليمان ]. سعيد بن سليمان وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عباد ]. عباد بن العوام وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان بن حسين ]. سفيان بن حسين وهو ثقة إلا في الزهري وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. الزهري قد مر ذكره، وهذا من رواية سفيان بن حسين عنه، لكن قد جاء له متابع في الزهري كما سيذكر المصنف بعد ذلك. [ عن أبي أمامة بن سهل ]. أبو أمامة بن سهل اسمه أسعد ، قيل: له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. سهل بن حنيف رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وأسنده أيضاً أبو الوليد عن سليمان بن كثير عن الزهري ]. أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن كثير ]. أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو لا بأس في غير الزهري . إذاً: سفيان بن حسين و سليمان بن كثير كلاهما في روايته عن الزهري ضعيف، وكلاهما رويا عنه هذا الحديث، لكن الحديث الآتي بعده يشهد له من حيث المعنى، وهو أنه لا يتصدق بالرديء. شرح حديث (إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا يحيى -يعني: القطان - عن عبد الحميد بن جعفر قال: حدثني صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسجد وبيده عصا وقد علق رجل قنا حشفاً فطعن بالعصا في ذلك القنو وقال: لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها، وقال: إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة) ]. أورد أبو داود حديث عوف بن مالك رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وبيده عصا، وهناك قنو معلق في المسجد صدقة لمن يريد أن يأكل منه، وكان ذلك القنو حشفاً، والحشف هو التمر الرديء الذي صار يابساً؛ ولهذا يضرب المثل للرداءة بالحشف، وإذا جمع الإنسان بين خصلتين دنيئتين قالوا: أحشفاً وسوء كيلة؟! يعني التمر نفسه رديء، وأيضاً الكيل فيه خلل، فجمع بين الخصلتين المكروهتين، فالرسول صلى الله عليه وسلم طعن بالعصا فيه وقال: (لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها) ، وهذا فيه إرشاد وتنبيه إلى التصدق بما هو خير وبما هو أولى، لكن إذا كان الإنسان كل ما عنده من هذا القبيل فهو معذور، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286] لكن إذا كان عنده ما هو خير من ذلك فالأولى للإنسان أن يتصدق بما هو خير، ولا يتصدق بما هو سيئ ورديء. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة)، ومعنى هذا أن أجره على قدر العمل وعلى قدر الإحسان، فإذا كان عمله قليلاً وعمله ضعيفاً فإنه يحصل أجراً قليلاً على قدر عمله وعلى قدر فعله، وقيل: إنه يأكل ذلك حقيقة والله تعالى أعلم. تراجم رجال إسناد حديث (إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة) قوله: [ حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي ]. نصر بن عاصم الأنطاكي لين الحديث أخرج له أبو داود . [ عن يحيى يعني القطان ]. يحيى بن سعيد القطان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الحميد بن جعفر ]. عبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن صالح بن أبي عريب ]. صالح بن أبي عريب وهو مقبول أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن كثير بن مرة ]. كثير بن مرة وهو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن عوف بن مالك ]. عوف بن مالك رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الحديث فيه رجل لين الحديث، وفيه رجل مقبول، لكن الألباني صححه فكأنه لشواهده أو لشيء آخر."
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الزكاة شرح سنن أبي داود [195] الحلقة (226) شرح سنن أبي داود [195] فرضت زكاة الفطر من رمضان طهرة للصائم وطعمة للمساكين، فيجب على المسلم الحرص على أدائها في وقتها حتى يقبل صيامه. زكاة الفطر شرح حديث (فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب زكاة الفطر. حدثنا محمود بن خالد الدمشقي و عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي قالا: حدثنا مروان قال عبد الله : حدثنا أبو يزيد الخولاني ، وكان شيخ صدق، وكان عبد الله بن وهب يروي عنه، حدثنا سيار بن عبد الرحمن قال: محمود الصدفي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة باب زكاة الفطر أي: الفطر من رمضان، وزكاة الفطر يذكرها العلماء في كتاب الزكاة وهي مرتبطة برمضان، ولكن لكونها زكاة يأتي ذكرها في باب الزكاة، وإن كانت متعلقة برمضان، وقد أضيفت إلى الفطر من رمضان، وهي شكر لله عز وجل على هذه النعمة وهي إتمام الصيام وإكماله، حيث إن الإنسان وفق لإتمامه، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه) فهو كل يوم يفطر يفرح لأنه وفق لأداء تلك العبادة ذلك اليوم، وإذا أكمل شهر رمضان وأفطر في آخر يوم فإنه بذلك يفرح فرحاً أكبر لأنه أتم هذه العبادة كلها، وفرحة عند لقاء ربه حيث يثيبه على عمله وعلى صيامه وعلى تقربه إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة التي منها الصيام. وهي أضيفت إلى الفطر، والفطر يكون عند غروب الشمس في آخر يوم من رمضان؛ ولهذا يقول العلماء: غروب الشمس هو الحد الفاصل بين من تجب عليه ومن لا تجب عليه، فمن كان موجوداً قبل أن تغرب الشمس فتخرج عنه زكاة الفطر، ومن ولد بعد غروب الشمس فليس عليه زكاة الفطر؛ لأنه ليس موجوداً في وقت وجوب الزكاة عند وقت الفطر، وبعض العلماء يقول: الفطر هو لطلوع الفجر؛ لأن وقت الليل وقت للأكل دائماً، والصيام إنما هو بالنهار، فيتحقق فطره بكونه يأكل في اليوم الذي يلي آخر يوم في رمضان وهو يوم العيد، لكن تمام النعمة الكبيرة على الإنسان بأنه وفق لأداء تلك العبادة يتحقق بغروب الشمس، وبه يحصل الفطر من رمضان، فهذا هو الأظهر، وهو كون الفطر يتحقق بغروب الشمس، وأن تمام النعمة على الإنسان حصلت عندما غربت عليه الشمس في آخر يوم من رمضان. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة -أي صلاة العيد- فهي صدقة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) والحديث يدل على أن زكاة الفطر فرض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما يبلغ عن الله، فهو مبلغ ما يفرضه الله وما يوجبه الله كما قال الله عز وجل وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، وعلى هذا فيكون هو قد بلغ الذي أوحي إليه كما جاء أن إبراهيم حرم مكة والرسول حرم المدينة أي: أظهر إبراهيم حرمة مكة، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أظهر حرمة المدينة، والتحريم شرعه الله عز وجل، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما هو مبلغ عن الله وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]. فزكاة الفطر فريضة واجبة متحتمة، وقد فرضت لمصلحة جهتين: جهة المزكي وجهة المساكين، فهي طهرة للصائم من اللغو والرفث، وهذا يرجع للصائم، وطعمة للمساكين وهم الفقراء المحتاجون الذين هم بحاجة إلى الطعام، ففيها جمع بين مصلحة طرفين: المتصدق والمتصدق عليه، فالمتصدق الذي هو المزكي تكون طهرة له من اللغو والرفث الذي يحصل له في صيامه، واللغو هو الكلام الذي لا يقصد مثل ما جاء في لغو اليمين مثل: لا والله، وبلى والله، والرفث يطلق على معنيين: يطلق على الجماع ومقدمات الجماع، ويطلق على الفاحش من القول، وهنا يراد به الفاحش من القول، فيكون ذلك طهرة له من ذلك الكلام الذي يحصل في حال الصيام، وأيضاً فيها إطعام للمساكين وإحسان إليهم. ووقتها يكون قبل الصلاة، وهذا هو أفضل الأوقات لإخراجها، وتقسم بعد الصلاة، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين؛ حتى لا يحصل النسيان لها فتفوت، وأيضاً حتى تصل إلى المساكين، ويكونوا يوم العيد قد تحقق أن عندهم الشيء الذي يكفيهم من الطعام. ومن أداها بعد صلاة العيد فهي صدقة من الصدقات في نفس اليوم، وبعض أهل العلم قال: إنه وقت إخراج؛ لأن المقصود بزكاة الفطر أن الفقراء يكون عندهم شيء يوم العيد، وهي إذا جمعت فإنما توزع بعد الصلاة، فكذلك الإنسان لو تصدق بها بعد الصلاة فإنها تعتبر في محلها، لكن فاته وقت الفضيلة والوقت الأولى لإخراجها وهو قبل صلاة العيد. تراجم رجال إسناد حديث (فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم ..) قوله: [ حدثنا محمود بن خالد الدمشقي ]. محمود بن خالد الدمشقي ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي ]. عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي . [ حدثنا مروان ]. مروان بن محمد الطاطري ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي يزيد الخولاني ]. صدوق أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا سيار بن عبد الرحمن ]. صدوق أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ قال: محمود الصدفي ]. هو الشيخ الأول محمود بن خالد الصدفي . [ عن عكرمة ]. عكرمة هو مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة ، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الزكاة شرح سنن أبي داود [196] الحلقة (227) شرح سنن أبي داود [196] اختلفت الأحاديث في مقدار ما يخرج من الحنطة في الزكاة، وقد بين العلماء الواجب من ذلك، كما بينوا الروايات الشاذة من الصحيحة في ذلك، وأيضاً فقد وردت أحاديث تدل على جواز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين. متى تؤدى زكاة الفطر شرح حديث (أمرنا رسول الله بزكاة الفطر أن تؤدى ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب متى تؤدى. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، قال: فكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين) ]. المراد من هذه الترجمة بيان وقت إخراج زكاة الفطر، ووقتها الأفضل والأولى أن تكون يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأنه جاء ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومنهم ابن عمر كما في هذه الرواية أنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج زكاة الفطر قبل الخروج إلى الصلاة) أي: الخروج لصلاة العيد، قال: وكان ابن عمر يخرجها قبل العيد بيوم أو يومين، وهذا يدلنا على أن إخراجها يوم العيد قبل الصلاة هو أفضل أوقات إخراجها، وأن إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين جائز، وذلك لقربه من العيد؛ ولأن إيصالها إلى أصحابها قبل العيد بيوم أو يومين قد تدعو الحاجة إليه؛ لأنه قد لا يتيسر التوزيع في يوم العيد قبل الصلاة، لكن إذا تيسر فهو الأولى والأفضل. وأما تقديمها قبل العيد بأكثر من يومين فلم يأت شيء يدل عليه، وهو بعيد عن الوقت الذي تجب فيه زكاة الفطر وهو غروب الشمس من آخر يوم من رمضان، وأيضاً يفوت فيه المقصود من كون الزكاة تحصل في وقت الفطر؛ لأنه قد يحصل أكلها ونفادها قبل مجيء العيد بوقت طويل، فكانت السنة أن يؤتى بها قبل الصلاة يوم العيد، وإن قدمت قبل العيد بيوم أو يومين -كما جاء عن الصحابة- فلا بأس بذلك. تراجم رجال إسناد حديث ( أمرنا رسول الله بزكاة الفطر أن تؤدى ... ) قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتاب الستة. [ حدثنا موسى بن عقبة ]. موسى بن عقبة المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتاب الستة. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ] ابن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. كم يؤدي في زكاة الفطر شرح حديث ( زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كم يؤدي في زكاة الفطر. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك ، وقرأه علي مالك أيضاً، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرض زكاة الفطر، قال فيه فيما قرأه علي مالك : زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر ، أو صاع من شعير، على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين). أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: كم يؤدي في زكاة الفطر؟ أي: مقدار زكاة الفطر، وهي صاع من قوت البلد، وكان قوت البلد في ذلك الزمان هو البر والشعير والتمر والأقط والزبيب، وهي متفاوتة في المنفعة، ومتفاوتة أيضاً في القيمة، وقد حدد ذلك بأنه صاع، وهذا يدلنا على أن زكاة الفطر قدرها صاع، أي: أربعة أمداد، وأن القيمة لم تذكر، فدل على أنه لا تخرج الزكاة قيمة، وإنما تخرج طعاماً. وزكاة الفطر مثل الكفارات تخرج من الطعام، ولعل الحكمة في ذلك -والله أعلم- أن الطعام إذا وقع في أيدي الناس يستفيدون منه مباشرة بخلاف النقود، فإنها قد تكون في أيديهم ويقل الطعام فلا يحصلون ما يريدون، أو أن الناس لا يجودون بالطعام إذا كانت القيمة مبذولة، وقد جاء النص في زكاة الفطر والكفارات أنها تخرج طعاماً ولا تخرج قيمة. والرسول صلى الله عليه وسلم جعل زكاة الفطر من الأصناف الخمسة التي كانت الأقوات المعتادة في زمنه صلى الله عليه وسلم، ويجوز إخراجها من الأقوات الأخرى التي لم يأت ذكرها في الحديث كالأرز والذرة وغير ذلك من الحبوب التي هي قوت وطعام، ومقدار زكاة الفطر صاع كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، وفي هذه الرواية ذكر صنفين من الأقوات التي كانت موجودة في ذلك الزمان وهما: التمر، والشعير. قوله: (على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين)، يدل على أنها واجبة على كل مسلم سواء كان ذكراً أو أنثى، حراً أو عبداً، صغيراً أو كبيراً، فكل مسلم تخرج عنه زكاة الفطر، وأما الكفار فلا يخرج عنهم أحد الزكاة؛ لأن الزكاة إنما تكون على المسلمين، وهي التي فيها أجر، وفيها ثواب، وفيها طهرة لهم، وأما الكفار فهم وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة إلا أن مخاطبتهم بالأصول والفروع معاً، ولا بد يأتوا بالأصول وبالفروع جميعاً، وهم مؤاخذون على ترك الأصول وعلى ترك الفروع، فزكاة الفطر إنما تجب على المسلمين؛ ولهذا قال: (من المسلمين). تراجم رجال إسناد حديث (زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر ..) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال: وقرأه عليَّ مالك أيضاً ]. يعني: أنه أخذ الحديث منه على وجهين: قرأه القعنبي عليه وهو يسمع، وكذلك قرأه مالك عليه. [ عن نافع عن ابن عمر ]. مر ذكرهما. وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود ، فهو من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله. قوله: [ قال فيه فيما قرأه عليَّ مالك ]. بيَّن اللفظ الذي قرأه عليه مالك . شرح حديث ( فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى [ حدثنا يحيى بن محمد بن السكن حدثنا محمد بن جهضم حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمر بن نافع عن أبيه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر صاعاً، فذكر بمعنى مالك ، زاد: والصغير والكبير ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) ]. هذه طريق أخرى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهي مثل الطريق السابقة إلا أن فيها زيادة ذكر الصغير والكبير، وفيها بيان وقت أدائها، وأنه يكون قبل الصلاة، وقد مر أن هذا هو أولى وأفضل وقت لإخراجها. وذكر الصغير لا ينافي أن زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، فالصائم يحصل له من إخراج الزكاة عنه أو منه شيئان: التطهير له من اللغو والرفث، وأيضاً طعمة للمساكين. وأما إذا كان صغيراً فإنه يحصل منه الطعمة للمساكين. تراجم رجال إسناد حديث ( فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً ... ) قوله: [ حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ]. صدوق ، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي. [ حدثنا محمد بن جهضم ]. صدوق ، أخرج له البخاري ومسلم و أبو داود و النسائي. [ حدثنا إسماعيل بن جعفر ]. إسماعيل بن جعفر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن نافع ]. عمر بن نافع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن أبيه عن عبد الله بن عمر ]. أبوه نافع العدوي مولى ابن عمر ، وقد مر ذكرهما. زيادة لفظة (من المسلمين) في حديث زكاة الفطر [ قال أبو داود : رواه عبد الله العمري عن نافع بإسناده، قال: (على كل مسلم)، ورواه سعيد الجمحي عن عبيد الله عن نافع قال فيه: (من المسلمين)، والمشهور عن عبيد الله ليس فيه: (من المسلمين) ]. أي: أن عبد الله بن عمر العمري المكبر رواه عن نافع بلفظ: (على كل مسلم)، بدل من قوله: (من المسلمين)، ورواه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر بلفظ: (من المسلمين)، قال: والحديث المشهور عن عبيد الله ليس فيه: (من المسلمين)، فأكثر الروايات التي جاءت من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ليس فيها: (من المسلمين)، ولكنها جاءت من بعض الطرق الصحيحة، فهذا الوصف وهذا القيد الذي هو: (من المسلمين)، ثابت ومعتبر. تراجم رجال إسناد زيادة لفظة ( من المسلمين ) [ قال أبو داود : رواه عبد الله العمري ]. عبد الله بن عمر العمري المكبر ، وهو ضعيف أخرج له مسلم وأصحاب السنن . [ ورواه سعيد الجمحي ]. سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، وهو صدوق له أوهام أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عبيد الله ]. عبيد الله بن عمر أخو عبد الله المتقدم ، وهذا هو المصغر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ابن عمر في زكاة الفطر من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أن يحيى بن سعيد و بشر بن المفضل حدثاهم عن عبيد الله ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه فرض صدقة الفطر صاعاً من شعير أو تمر، على الصغير والكبير والحر والمملوك: زاد موسى : والذكر والأنثى) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيه ذكر فرض زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير، وقد سبق ذلك في بعض الروايات السابقة. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في زكاة الفطر من طريق أخرى قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي. [ أن يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و بشر بن المفضل ]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. عبيد الله بن عمر مر ذكره. [ وحدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبان ]. أبان بن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجة . [ عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله ]. قد مر ذكرهم. [ قال أبو داود : قال فيه أيوب و عبد الله -يعني: العمري - في حديثهما عن نافع : (ذكر أو أنثى) أيضاً ]. هذه إشارة إلى طريق أخرى، وهي: أن عبد الله العمري ، وأيوب بن أبي تميمة السختياني ذكرا الذكر والأنثى كما ذكرت في الطريق السابقة. وأيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. حكم زكاة الفطر عن الجنين لا تجب زكاة الفطر على الجنين، وقد ذكر بعض أهل العلم أنها لا تجب عليه إجماعاً، ولكن استحبها بعض أهل العلم على الجنين، فهي غير واجبة وليست لازمة، وقد جاء عن الإمام أحمد أنه استحب أن تخرج زكاة الفطر عن الجنين. حكم تأخير زكاة الفطر لعذر زكاة الفطر تجب في وقت معين، والإنسان الذي يكون قادراً على إخراجها يجب عليه أن يخرجها أو يوكل أحداً في إخراجها إذا لم يستطع إخراجها، وأما إذا كان قادراً ومتمكناً ولم يخرجها بنفسه أو لم يوكل أحداً في إخراجها عنه فإنه يكون مفرطاً مقصراً؛ لأن لها وقتاً معيناً، والواجب إخراجها في وقتها، وإذا كان الفقراء غير موجودين فيمكن أن يطلب منهم أن يوكلوا من يستلمها لهم ثم يعطيهم إياها بعد ذلك. وذهب بعض العلماء إلى أنها تقضى. شرح حديث (جعل عمر نصف صاع حنطة في زكاة الفطر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الهيثم بن خالد الجهني حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاعاً من شعير أو تمر أو سلت أو زبيب قال عبد الله : فلما كان عمر رضي الله عنه وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء)]. أورد أبو داود حديث ابن عمر أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من سلت، أو صاعاً من زبيب، والزبيب جاء ذكره هنا، وكذلك السلت، وهو نوع من الطعام يشبه الشعير، وهذه الرواية فيها من هو متكلم فيه، ولكن كل ما كان قوتاً معتاداً يجوز إخراج الزكاة منه، سواء كان مذكوراً في الأحاديث أو غير مذكور، والذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوات هي: البر، والشعير، والتمر، والزبيب، والأقط؛ وذلك لكونها أقواتهم، والسلت لم يثبت في الرواية، ولكنه إذا كان طعاماً وقوتاً في بلد أو في مكان من الأمكنة فإنه يجوز إخراجه؛ لأن كل طعام يقتاته الناس يجوز إخراج الزكاة منه. قوله: [ فلما كان عمر رضي الله عنه وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء ]. هنا ذكر هذا عن عمر رضي الله عنه، والمعروف المشهور بهذا هو معاوية رضي الله عنه كما جاء في بعض الأحاديث الثابتة، فقد ثبت أن معاوية هو الذي جعل نصف صاع من الحنطة يعدل صاعاً من غيرها، وأما عمر فغير معروف عنه هذا، فلعل أحد الرواة وهم في ذكر عمر هنا. تراجم رجال إسناد حديث (جعل عمر نصف صاع حنطة في زكاة الفطر) قوله: [ حدثنا الهيثم بن خالد الجهني ]. الهيثم بن خالد الجهني ثقة، أخرج له أبو داود. [ حدثنا حسين بن علي الجعفي ]. حسين بن علي الجعفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زائدة ]. زائدة بن قدامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد ]. عبد العزيز بن أبي رواد ، صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن نافع عن عبد الله بن عمر ]. مر ذكرهما. والحديث فيه ابن أبي رواد هذا، وهو متكلم فيه، قال فيه الحافظ : صدوق ربما وهم، ومن قيلت فيه هذه العبارة يحسن حديثه، وأظن أن الألباني ضعف هذا الحديث. شرح أثر عبد الله بن عمر (فعدل الناس بعد نصف صاع من بر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و سليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن نافع أنه قال: قال عبد الله رضي الله عنه: فعدل الناس بعد نصف صاع من بر، قال: وكان عبد الله يعطي التمر، فأعوز أهل المدينة التمر عاماً فأعطى الشعير ]. ذكر المصنف الحديث من طريق أخرى عن ابن عمر ، وأن الناس عدلوا نصف صاع من بر بالصاع من غيره، كما جاء ذكره عن عمر رضي الله عنه، والمشهور به معاوية ، وجاء عن عدد من الصحابة، ولكن ليس كلهم على ذلك بل هم مختلفون، منهم من رأى أنه لا يخرج إلا صاعاً من أي طعام؛ لأن الأقوات التي ذكرت متفاوتة وليست كلها على حد سواء، ومع ذلك جعلت الزكاة صاعاً مع حصول التفاوت بين الشعير وبين التمر وبين الزبيب وبين الأقط، وكذلك البر يكون متفاوتاً أيضاً، فبعض الصحابة تبعوا معاوية رضي الله عنه فجعلوا نصف صاع من البر يعدل صاعاً من غيره، وإخراج نصف الصاع من البر بدل الصاع من غيره هو محل خلاف بين الصحابة، و أبو سعيد الخدري رضي الله عنه -كما سيأتي- كان يرى إخراجها صاعاً كاملاً، وكان يداوم ويستمر على إخراج الصاع وعدم النقصان عنه. قوله: [ وكان عبد الله يعطي التمر فأعوز أهل المدينة التمر عاماً فأعطى الشعير ]. هذا فيه دليل على اختيار الأولى والأكمل والأفضل والأنفع. وقوله: (فأعوز التمر) أي: قل التمر، فأخرج الشعير، ومعنى هذا أن الشعير دونه، ومع ذلك جاءت الشريعة بأنه صاع سواءً من هذا أو من هذا مع أنها متفاضلة غير متساوية، ومعلوم أن التمر أولى وأفضل من الشعير، فكان ابن عمر رضي الله عنه يعطي هذا الأكمل والأفضل، ولكنه لما أعوز وقل التمر في وقت من الأوقات في المدينة أخرج الشعير. تراجم رجال إسناد أثر عبد الله بن عمر (فعدل الناس بعد نصف صاع من بر) قوله: [ حدثنا مسدد و سليمان بن داود العتكي ]. سليمان بن داود العتكي هو أبو الربيع الزهراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي. [ حدثنا حماد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن نافع عن عبد الله ]. مر ذكرهم. شرح حديث ( كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله زكاة الفطر صاعاً من طعام ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا داود -يعني ابن قيس - عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير، حر أو مملوك، صاعاً من طعام، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجاً أو معتمراً، فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى أن مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر، فأخذ الناس بذلك، فقال أبو سعيد : فأما أنا فلا أزال أخرجه أبداً ما عشت) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر إذ كان فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، يعني: ذكر الخمسة الأصناف، قيل: الطعام المقصود به البر، ولكنه كان قليلاً، وكانوا يخرجون صاعاً من هذا أو من هذا أو من هذا مع تفاوتها في القيمة، وعلى هذا فالمعتبر هو الكيل والمقدار وإن تفاوتت القيمة، وكل صاع منها يجزي، إلا أن ما كان منها أنفع وأكثر فائدة فإنه الأولى أن يخرج وأن يقدم على غيره، وهذا بالنسبة للأقوات الموجودة في زمانه صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأنفع والأكثر فائدة للناس في هذا الزمان مثل الأرز الذي هو قوت كثير من الناس في هذا الزمان، ولا يحتاج إلى طحن، والفائدة منه كبيرة، فينظر إلى ما هو الأنفع، وإلى ما هو الأكثر استعمالاً عند الناس، وما هو الذي يحرصون عليه، فيخرج منه. قال: (فلما كان معاوية ، وجاء حاجاً أو معتمراً)، يعني جاء من دمشق إلى الحجاز في زمن ولايته رضي الله عنه، وكان قد كلم الناس على المنبر، وكان مما كلمهم به أنه رأى أن مدين من سمراء الشام -وهي الحنطة التي تزرع في الشام- تعدل الصاع من التمر، والصاع أربعة أمداد، فأخذ الناس بما قاله معاوية رضي الله عنه، أما أبو سعيد رضي الله عنه فقال: أما أنا فلا أزال أخرجها صاعاً أبداً ما عشت، أي: لا ينقص عن الصاع.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث (كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله زكاة الفطر صاعاً من طعام...) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة مر ذكره. [ حدثنا داود يعني: ابن قيس ]. داود بن قيس ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عياض بن عبد الله ]. عياض بن عبد الله ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد ]. أبو سعيد الخدري رضي الله عنه هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي، والرباعيات هي أعلى الأسانيد عند أبي داود . هذا ولا شك أن إخراج الصاع هو الأكمل والأفضل، وهو الذي فيه الاحتياط في الدين. شذوذ رواية (أو صاعاً من حنطة) وتراجم رجال إسنادها [ قال أبو داود : رواه ابن علية و عبدة وغيرهما عن ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض عن أبي سعيد بمعناه، وذكر رجل واحد فيه عن ابن علية : أو صاعاً من حنطة، وليس بمحفوظ ]. ذكر المصنف حديث أبي سعيد من طريق أخرى وفيه: أن رجلاً ذكر صاعاً من حنطة، أي: بهذا اللفظ، وهو ليس بمحفوظ، وإنما الذي جاء ذكر الطعام، والطعام المقصود به هو الحنطة. وقوله: [رواه ابن علية]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بابن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [وعبدة بن سليمان] ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عنابن إسحاق]. هو محمد بن إسحاق المدني ، صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام]. مقبول أخرج له أبو داود و النسائي. [ قال بمعناه ]. يعني: بمعنى الحديث المتقدم، إلا أنه قال: صاع حنطة. قوله: [ وذكر رجل واحد فيه عن ابن علية: (أو صاعاً من حنطة)، وليس بمحفوظ ]. يعني: أنه جاء عن ابن علية من رواية راو واحد عنه أنه قال: (صاعاً من حنطة)، وذكر الصاع من الحنطة، وهذا غير محفوظ بهذا اللفظ، والمحفوظ لفظ الطعام، وهذا الراوي هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أخبرنا إسماعيل : ليس فيه ذكر الحنطة ]. هذه طريق أخرى عن مسدد عن إسماعيل بن علية ، وليس فيه ذكر الحنطة، وإنما ذكر الحنطة في الطريق السابقة. وهم من قال (نصف صاع من بر) في حديث أبي سعيد وتراجم رجال الإسناد [ قال أبو داود : وقد ذكر معاوية بن هشام في هذا الحديث عن الثوري عن زيد بن أسلم عن عياض عن أبي سعيد رضي الله عنه: (نصف صاع من بر)، وهو وهم من معاوية بن هشام أو ممن روى عنه ]. ذكر المصنف حديث أبي سعيد وفيه: (نصف صاع من بر)، قال: وهو وهم من معاوية بن هشام أو ممن روى عن معاوية بن هشام ، والمقصود أن حديث أبي سعيد فيه: (صاعاً من طعام)، وليس فيه نصف صاع من بر. ومعاوية بن هشام صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ، و مسلم وأصحاب السنن. والثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وزيد بن أسلم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وعياض عن أبي سعيد مر ذكرهما. شرح حديث (لا أخرج أبداً إلا صاعاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حامد بن يحيى أخبرنا سفيان ح، وحدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن عجلان سمع عياضاً قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: (لا أخرج أبداً إلا صاعاً، إنا كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاع تمر أو شعير أو أقط أو زبيب. هذا حديث يحيى ، زاد سفيان : أو صاعاً من دقيق)، قال حامد : فأنكروا عليه، فتركه سفيان . قال أبو داود: فهذه الزيادة وهم من ابن عيينة ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيها ذكر التمر والشعير والزبيب والأقط، وفيها: (أو صاعاً من دقيق)، وهذه في رواية سفيان بن عيينة ، فأنكروا عليه فترك ذلك، وقال أبو داود : هذه وهم من ابن عيينة ، يعني: ذكر الدقيق، ومعلوم أن الدقيق هو من البر والحنطة، وإخراجه جائز؛ لأن الدقيق طعام، وهو بر مطحون، وإخراجه يكفي المسكين مؤنة طحنه، إلا أن الصاع من البر إذا طحن تزيد كميته، فلا بأس بإخراج الدقيق في زكاة الفطر لكن بأن يزاد عليه ما يقابل الصاع المطحون؛ لأن الصاع من البر إذا طحن يصير أكثر من صاع؛ لأنه بعد الطحن يزيد في الكيل، والسنة جاءت بذكر صاع من هذه الأشياء، فإذا طحن البر فإنه يجوز، وهو إن كان غير ثابت في الرواية إلا أنه من حيث المعنى جائز؛ لأنه طعام، إلا أن ذلك الطعام يزاد فيه بما يعادل الصاع من البر إذا طحن، ولا يعطى صاعاً من دقيق فقط بل يزاد فيه ما يعادل زيادة الصاع من البر المطحون بحيث يكون كأنه صاع من بر، وإخراج الدقيق فيه مصلحة للفقير. تراجم رجال إسناد حديث (لا أخرج أبداً إلا صاعاً) قوله: [ حدثنا حامد بن يحيى ]. حامد بن يحيى ثقة، أخرج له أبو داود . [ أخبرنا سفيان ]. سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ح، وحدثنا مسدد حدثنا يحيى ، عن ابن عجلان ]. محمد بن عجلان المدني ، صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. سمع عياضاً عن أبي سعيد الخدري ]. مر ذكرهما. من روى نصف صاع من قمح شرح حديث (صاع من بر أو قمح على كل اثنين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من روى نصف صاع من قمح. حدثنا مسدد و سليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري ، قال مسدد : عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه ، وقال سليمان بن داود : عن عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (صاع من بر أو قمح على كل اثنين ، صغير أو كبير ، حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، أما غنيكم فيزكيه الله ، وأما فقيركم فيرد الله تعالى عليه أكثر مما أعطى). زاد سليمان في حديثه: (غني أو فقير)]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: من روى نصف صاع من قمح) والقمح والبر والحنطة بمعنى واحد، وأورد أبو داود حديث الصحابي المختلف في اسمه ثعلبة بن أبي صعير أو عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير. قوله: [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صاع من بر أو قمح على كل اثنين) ] أو للشك، لكن البر والقمح هما شيء واحد، والمعنى: أن الصاع يكون على كل اثنين، ومعناه: أن الواحد يجب عليه نصف صاع. قوله: [ (صغير أو كبير ، حر أو عبد ، ذكر أو أنثى) ]. وقد مر أنها واجبة على هؤلاء بشرط أن يكونوا مسلمين. قوله: (أما غنيكم فيزكيه الله) لأن إخراج الزكاة فيها تطهير وفيها نماء. قوله: (وأما الفقير فيعطيه الله أكثر مما أعطى) يعني: يعوضه الله خيراً، وهذا يدل على أن الفقير يجب عليه إخراج زكاة الفطر إذا كان عنده شيء يكفيه أكثر من حاجته يوم العيد وليلته، فإذا كان لا يجد ثم تصدق عليه بعدة آصع فإنه يخرج الزكاة منها؛ لأنه يكون حينئذ واجداً وعنده ما يكفيه أكثر من قوت يومه وليلته، وبعض العلماء يقول: إن الذي يخرج هو الغني، والفقير لا يخرج شيئاً، ولكن هذا شيء يجب للإفطار، ولا يشترط فيه الغنى والفقر، وإنما يشترط فيه الوجدان في ذلك الوقت، فإذا وجد قوتاً زائداً عن حاجته في ذلك اليوم والليلة فيجب عليه أن يخرج الزكاة. قوله: [ زاد سليمان في حديثه: (غني أو فقير) ]. يعني زاد هذا اللفظ مع ما تقدم: ذكر أو أنثى، حر أو مملوك ، صغير أو كبير. تراجم رجال إسناد حديث (صاع من بر أو قمح على كل اثنين) قوله: [ حدثنا مسدد و سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد بن زيد عن النعمان بن راشد ]. النعمان بن راشد صدوق سيء الحفظ ، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. تقدم ذكره. [ عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه ]. قال في التقريب: ثعلبة بن صعير أو ابن أبي صعير ، ويقال: ثعلبة بن عبد الله بن صعير ، ويقال: عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، مختلف في صحبته، أخرج له أبو داود وحده. وقال في ترجمة عبد الله بن ثعلبة بن صعير : ويقال: ابن أبي صعير ، له رؤية ولم يثبت له سماع، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . شرح حديث ( قام رسول الله خطيباً فأمر بصدقة الفطر .. ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن الحسن الدرابجردي حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا همام حدثنا -بكر هو ابن وائل - عن الزهري عن ثعلبة بن عبد الله أو قال: عبد الله بن ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ح: وحدثنا محمد بن يحيى النيسابوري حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا همام عن بكر الكوفي -قال محمد بن يحيى : هو بكر بن وائل بن داود - أن الزهري حدثهم عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير عن أبيه، قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً فأمر بصدقة الفطر صاع تمر أو صاع شعير على كل رأس. زاد علي في حديثه: أو صاع بر أو قمح بين اثنين، ثم اتفقا: عن الصغير والكبير والحر والعبد) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن ثعلبة من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، حيث جعل صاع البر عن اثنين، يعني كل واحد عليه نصف صاع. تراجم رجال إسناد حديث ( قام رسول الله خطيباً فأمر بصدقة الفطر ... ) قوله: [ حدثنا علي بن الحسن الدرابجردي ]. علي بن حسن الدرابجردي ثقة، أخرج له أبو داود. [ حدثنا عبد الله بن يزيد ]. عبد الله بن يزيد المقرئ ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ]. همام بن يحيى ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بكر هو ابن وائل ]. بكر بن وائل صدوق أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثعلبة بن عبد الله أو عبد الله بن ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. تقدم ذكره، وهنا لم يقل: عن أبيه. [ ح، وحدثنا محمد بن يحيى النيسابوري ]. محمد بن يحيى النيسابوري هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. مر ذكره. [ حدثنا همام عن بكر الكوفي ، قال محمد بن يحيى : هو بكر بن وائل بن داود ]. يعني أن بكراً الكوفي هو ابن وائل الذي تقدم. [ عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير عن أبيه ]. تقدم ذكرهم. قال المصنف رحمه الله: [ زاد علي في حديثه: (أو صاع بر أو قمح بين اثنين) ]. يعني: زاد علي الشيخ الأول، علي بن الحسن الدرابجردي : صاع بر بين اثنين. والألباني صحح هذا الحديث، لكن هذه الزيادة التي فيها البر جاءت من طريق علي بن الحسن ، والطريق الأولى ليس فيها ذكر الأب، فهو مرسل فلا أدري ما وجه التصحيح، والمشهور أنه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل الصاع من البر على اثنين. وحديث مسدد السابق فيه النعمان بن راشد وهو صدوق سيئ الحفظ. والاحتياط أن الإنسان يخرج صاعاً من البر؛ لأن إخراج نصف الصاع مختلف فيه بين الصحابة، وهذه الأحاديث عارضها غيرها، فتكون شاذة. شرح حديث ( خطب رسول الله الناس قبل الفطر بيومين.. ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال: قال ابن شهاب : قال عبد الله بن ثعلبة ، قال أحمد بن صالح : قال العدوي : قال أبو داود : قال أحمد بن صالح : وإنما هو العذري : (خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس قبل الفطر بيومين، بمعنى حديث المقرئ) ]. ذكر المصنف الحديث من طريق أخرى، وذكر أن هذا بمعنى حديث عبد الله بن يزيد المقرئ المكي المتقدم في الإسناد السابق. تراجم رجال إسناد حديث ( خطب رسول الله الناس قبل الفطر بيومين .. ) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال ابن شهاب : قال عبد الله بن ثعلبة ]. مر ذكرهما. [ قال أحمد بن صالح : قال العدوي ]. يعني: نسبه فقال: العدوي . [ قال أبو داود : قال أحمد بن صالح : وإنما هو العذري ]. يعني: وصف عبد الرزاق عبد الله بن ثعلبة بأنه العدوي ، ثم قال أحمد بن صالح : وإنما هو العذري وليس العدوي، والعدوي تصحيف من العذري، وإنما هو عذري من بني عذرة، والتصحيف يكون بين الألفاظ المتشابهة والمتقاربة، مثل أبو إياس وأبو أناس. شرح أثر ابن عباس (أخرجوا صدقة صومكم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا سهل بن يوسف قال: حميد أخبرنا عن الحسن قال: خطب ابن عباس رحمه الله في آخر رمضان على منبر البصرة فقال: (أخرجوا صدقة صومكم، فكأن الناس لم يعلموا، فقال: من ها هنا من أهل المدينة؟ قوموا إلى إخوانكم فعلموهم فإنهم لا يعلمون، فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الصدقة صاعاً من تمر أو شعير، أو نصف صاع من قمح على كل حر أو مملوك ذكر أو أنثى صغير أو كبير، فلما قدم علي رضي الله عنه رأى رخص السعر قال: قد أوسع الله عليكم فلو جعلتموه صاعاً من كل شيء)، قال حميد : وكان الحسن يرى صدقة رمضان على من صام ]. قوله: (حميد أخبرنا): تأخرت الصيغة، كأنه قال: أخبرنا حميد عن الحسن؛ لأنه أحياناً تأتي الصيغة متأخرة عن المسند إليه، والأصل أن الصيغة تتقدم على المسند إليه الفاعل، وأحياناً تتأخر الصيغة، وشعبة رحمة الله عليه أحياناً تأتي عنه هذه الطريقة، وهنا سهل بن يوسف هو الذي قال: (حميد أخبرنا)، يعني: تأخرت (أخبرنا) عن حميد ، وحميد هو فاعل (أخبرنا)، يعني: قال سهل بن يوسف: أخبرنا حميد عن الحسن. وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو مثل الذي قبله فيه ذكر إخراج زكاة الفطر، وأنها تكون نصف صاع من البر. قوله: [ فلما قدم علي رضي الله عنه رأى رخص السعر قال: قد أوسع الله عليكم فلو جعلتموه صاعاً من كل شيء ] يعني: لا تفرقوا بين القمح وغيره، وأخرجوا صاعاً من البر وغيره، والحديث في إسناده الحسن عن ابن عباس قيل: إنه لم يسمع منه، وهو مدلس. قوله: [ وكان الحسن يرى صدقة رمضان على من صام ] هذا رأي، يعني: أن الصغير ليس عليه زكاة فطر؛ ولعل ذلك لكونه جاء في بعض الروايات أنها طهرة الصائم من اللغو والرفث، والذي ما صام فليس هناك تطهير له، لكن قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها على الصغير والكبير، فالمعول عليه هو ما جاءت به السنة، ويكون الذي يحصل من الصغير الطعمة للمساكين، والذي يحصل ممن صام أنها طهرة له من اللغو والرفث وطعمة للمساكين. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس (أخرجوا صدقة صومكم) قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى أبو موسى العنزي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سهل بن يوسف ]. سهل بن يوسف، ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حميد أخبرنا ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ خطب ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وتقدم أن الحديث فيه انقطاع بين الحسن و ابن عباس . الأحوط إخراج صاع من بر هذه الأحاديث بعضها صححها الألباني ، ولكن قد جاء عن أبي سعيد الخدري أنه قال: (صاعاً من طعام)، والطعام المراد به البر، والخلاف بين الصحابة في ذلك موجود، فالأولى والاحتياط في الدين ألا يخرج الإنسان نصف صاع من البر، وإنما يخرج صاعاً من البر، ومما يدل على ذلك أن الأنواع الأخرى كلها أيضاً متفاوتة، فالشعير دون التمر من حيث القيمة، وقد يكون الزبيب في بعض الأحيان أغلى من التمر، وقد يكون الأقط في بعض الأوقات قيمته أكثر من التمر، فالمعتبر هو المقدار وإن تفاوتت هذه الأشياء، وما دام أن الأمر فيه احتمال فإن الأخذ بما هو أحوط أولى، والذي تطمئن إليه النفس أن الإنسان يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه، وهو أن يخرج الصاع من أي طعام حتى من البر، ولاشك أن هذا هو الأولى. ومن فعل ذلك بناءً على فتوى أو بناءً على اجتهاد أو ثبت عنده الحديث وأخذ به؛ فعمله صحيح، ولكن الأولى إخراج الصاع."
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الزكاة شرح سنن أبي داود [197] الحلقة (228) شرح سنن أبي داود [197] اختلف العلماء في جواز نقل الزكاة من بلد المال الزكوي إلى غيره من البلاد، وقد وردت أحاديث تدل على الجواز وأحاديث دالة على المنع، وقد وفق العلماء بينها كما في هذه المادة. تعجيل الزكاة شرح حديث أبي هريرة في تعجيل زكاة العباس قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تعجيل الزكاة. حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا شبابة عن ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصدقة، فمنع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله، وأما خالد بن الوليد فإنكم تظلمون خالداً ، فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، وأما العباس عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهي علي ومثلها، ثم قال: أما شعرت أن عم الرجل صنو الأب أو صنو أبيه) . أورد أبو داود رحمه الله باب تعجيل الصدقة، وتعجيلها هو تقديمها قبل حلول وقتها، والأصل أن الزكاة تجب إذا بلغ المال النصاب وحال عليه الحول، ومسألة تعجيلها قبل حولان الحول، وقبل وقت وجوبها، فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من أجازه ومنهم من منعه، وقد جاءت أحاديث تدل على الجواز منها ما هو صريح ومنها ما هو محتمل، وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث عمر على الصدقة. أي: بعثه عاملاً على الصدقة، وهذا يدل على مشروعية بعث الإمام العمال لأخذ الزكاة، وقد جاء في القرآن أن العاملين عليها من مصارفها. قوله: (بعث عمر على الصدقة فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس) . ابن جميل قيل: اسمه عبد الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله). وهذا ما يسمونه في علم البلاغة: تأكيد الذم بما يشبه المدح؛ فقيل: إنه ينقم أنه كان فقيراً، ثم يأتي بعد ذلك بشيء قد يفهم منه أنه عذر له وهو في الحقيقة ليس بعذر، (ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله) أي: أنه كان فقيراً فغير الله حاله من الفقر إلى الغنى، وعلى هذا: فإذا لم يكن هناك إلا هذا العذر فهو غير معذور. وهناك عكس هذه المسألة، وهو: تأكيد المدح بما يشبه الذم، وهو علم من علوم البلاغة. وقوله: (وأما خالد : فإنكم تظلمون خالداً ، فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله) فقد فسر بتفسيرين، فقيل إن المراد به: إنه طلب منه زكاة هذه الأشياء على أنها تجارة، أي: طلب منه زكاة التجارة، فيكون في ذلك دليل على مشروعية أو وجوب الزكاة في عروض التجارة، وقيل: إن المقصود من ذلك استبعاد أن يحصل منه المنع مع أنه قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، والأعتد فسرت بأنها ما يُعدّ، ومن ذلك الخيل، فكونه يتطوع وتجود نفسه بتحبيس هذه الأموال في سبيل الله فهذا أمر ليس بالسهل، والذي يجود بمثل هذا وهو مستحب وليس بواجب فمن باب أولى أن يبادر إلى أداء الواجب، وأنه لا يمنع ذلك. قوله: (وأما العباس فهي عليّ ومثلها)، وفي بعض الروايات: (فهي عليه ومثلها). فقوله: (فهي عليّ ومثلها) فُسِّر بتفسيرين: فإما أن النبي صلى الله عليه وسلم تحمّل عنه؛ لأنه عمه، وإما أنه استسلف منه زكاة عامين على اعتبار أنها تكون مقدمة، وإذا جاء وقت حلولها فلا يجب عليه شيء؛ لأنه قد سبق أن قدمها وعجلها، وهذا هو محل الشاهد من الترجمة، ومن إيراد هذا الحديث؛ لأنه بهذا المعنى يفهم منه أن الرسول طلب منه أن يعجلها فعجلها، فتكون قد بذلت قبل وجوبها. وأما على رواية: (فهي عليه ومثلها) أي: على العباس ، أي: أنه أمهله وأخره لمصلحة وفائدة، أو لحاجة العباس إلى ذلك، فأخر إخراج الزكاة عنه إلى عام قابل، وفي العام القابل تكون عليه الزكاة ومثلها؛ لكونها مؤخرة، فعليه هذه الزكاة المؤخرة، وزكاة العام القادم الذي أخرت إليه. فهذا هو معنى الحديث على الروايتين، ومحل الشاهد منه إنما هو على الرواية الأولى التي أوردها المصنف وهي قوله: (فهي علي ومثلها). ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو الأب، أو صنو أبيه؟) يعني: مثل أبيه في الاحترام والتوقير، وقد أُطلق على العم أنه أب في كتاب الله عز وجل، فقد ذكر من جملة الآباء في سورة البقرة في قوله: قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ [البقرة:133] فإسماعيل عمّ وليس أباً، ومع ذلك أطلق عليه أنه أب، فهو مثله. ولهذا جاء عند أبي داود في (المراسيل): (إنّ العم في كتاب الله أب) وهو إشارة إلى هذه الآية، يعني: أنه أطلق عليه أنه أب، وأن له حق الاحترام والتوقير كما يوقر ويحترم الأب. وموضوع تأخير الزكاة ورد فيه حديث العباس هذا، فإذا ثبت هذا التأخير فللإمام أن يؤخر ذلك إذا رأى مصلحة في ذلك؛ استناداً إلى ما حصل في حديث العباس على الرواية الثانية وهي: (فهي عليه ومثلها). تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في تعجيل زكاة العباس قوله: [ حدثنا الحسن بن الصباح ]. الحسن بن الصباح ، صدوق يهم أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا شبابة ]. شبابة بن سوار، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ورقاء ]. ورقاء بن عمرو اليشكري صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزناد ]. وهو عبد الله بن ذكوان المدني ، كنيته أبو عبد الرحمن ، ولقبه أبو الزناد ، واللقب هنا على صيغة الكنية، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعرج ]. وهو عبد الرحمن بن هرمز الملقب الأعرج ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. حكم الترحم على الصحابة والترضي عنهم جاء في الحديث الذي مر قبل هذا الذي: (عن ابن عباس رحمه الله)، وقد جاء في بعض الأحاديث الترحم على الصحابة، ولا شك أنه يُترحم على الصحابة، ولكن الذي اشتهر على ألسنة السلف هو الترضي عنهم، والترحم على من بعدهم، ويجوز الترحم عليهم والترضي على من بعدهم، فكل ذلك سائغ، ولكن المشهور وهو الجادة: أنه يترضى عن الصحابة، ويترحم على من بعدهم. والترضي على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو دعاء وليس إخباراً، وأما أصحاب الشجرة فهو إخبار بأن الله قد رضي عنهم، وليس دعاء، قال الله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]، فإذا قال الإنسان: رضي الله عنهم مخبراً وداعياً في حق هؤلاء فهذا ليس فيه إشكال؛ لأن القرآن جاء بالإخبار بأنهم قد رُضي عنهم، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن يلج النار أحد بايع تحت الشجرة) إلا أن جعله دعاءً هو المناسب، وإن أريد الإخبار بمعنى الدعاء فإنه قد جاء الإخبار عن الله في كتابه مع تأكيد ذلك بقوله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]. والصحابة رضي الله عنهم كلهم وعدوا الحسنى كما جاء في سورة الحديد: وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10] أي: الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا، فهم وإن كانوا متفاوتين إلا أن الكل وُعِد الحسنى، والحسنى هي الجنة كما قال الله عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] وقد جاء تفسيرها في حديث صهيب الذي رواه مسلم في صحيحه: أن الْحُسْنَى هي الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله، وكما أن ثواب الذين أحسنوا الحسنى فعاقبة الذين أساءوا السوأى. شرح حديث (أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم تعجيل صدقته قبل أن تحل..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن زكريا عن الحجاج بن دينار عن الحكم عن حجية عن علي رضي الله عنه (أن العباس رضي الله عنه: سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك، قال مرة: فأذن له في ذلك) ]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أن العباس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل زكاته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك، وقال مرة: فأذن له في ذلك، فهذا فيه دليل على تعجيل الزكاة قبل حلول وقتها، ويدل على أن العباس رضي الله عنه نفسه قد استأذن في تعجل زكاته، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقوي الرواية التي مرت في الحديث السابق بلفظ: (وأما العباس فهي عليَّ ومثلها). تراجم رجال إسناد حديث (أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم تعجيل صدقته قبل أن تحل..) قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن زكريا ]. إسماعيل بن زكريا بن مرة الخلقاني ، وهو صدوق يخطئ قليلاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحجاج بن دينار ]. الحجاج بن دينار لا بأس به، أخرج له أصحاب السنن. [ عن الحكم ]. الحكم هو ابن عتيبة الكندي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حجية ]. وهو حجية بن عدي الكندي صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب السنن. [ عن علي ]. علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وصاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود: روى هذا الحديث هشيم عن منصور بن زاذان عن الحكم عن الحسن بن مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحديث هشيم أصح ]. ثم ذكر إسناداًَ آخر وهو مرسل؛ لأنه من طريق الحسن بن مسلم بن يناق عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون مرسلاً، قال: وهو أصح، يعني: هذا الإسناد، لكن الحديث السابق المتصل حسن، وهذا يؤيده. [ قال أبو داود : روى هذا الحديث هشيم ]. هشيم هو: ابن بشير الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور بن زاذان ].. منصور بن زاذان وهو ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم عن الحسن بن مسلم ].. الحكم هو ابن عتيبة . والحسن بن مسلم هو ابن يناق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا الترمذي . ولمنصور بن زاذان كلمة مشهورة تبين مدى عبادته، وقوة صلته بالله عز وجل، وقد سبق أن ذكرتها، وهي مذكورة في ترجمته، وهي تدل على كمال عبادته، وعلى شغله وعنايته بها، فقد روي أنه لو قيل لمنصور بن زاذان إن ملك الموت بالباب ما كان بإمكانه أن يزيد شيئاً على ما كان يفعل من قبل، يعني: أنه مستعد للموت، وأن حياته كلها طاعات، وأنه لو أخبر بأن ملك الموت بالباب ما كان بإمكانه أنه يأتي بشيء جديد؛ لملازمته العبادة، ومداومته عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل)، وكما يقولون: قليل تداوم عليه خير من كثير تنقطع عنه، فهذه الكلمة مذكورة في ترجمته، وهي تدل على عبادته، وأنه ملازم للتقوى والاستقامة. من فقه تعجيل الزكاة وأما فقه هذه المسألة: فإذا كان هناك حاجة إلى تعجيل الزكاة فهو لا شك أنه إحسان، وأما الوجوب فلا يجب إلا إذا حال الحول، فكونه يقدم الشيء قبل أن يحل للحاجة إليه فلا شك أن هذا شيء جميل، والفائدة فيه متحققة، والمضرة منتفية، وهذا مما يحمد عليه صاحبه، أعني: كونه يعجل الزكاة عندما يُحتاج إليها، وقبل أن يأتي وقت وجوبها، وذكر أنه لمدة عامين. وأما إذا نما المال فإنه يخرج الزائد إذا تبين أن الذي قدمه أقل من الواجب، فالواجب هو ما كان عند حلول الزكاة، فإذا كان قدم شيئاً أقل من ذلك فإن عليه أن يكمل؛ لأن الوجوب وتحقُّق المقدار إنما هو عند حلول الزكاة، ولكن الذي يعجل -وإن حصل نقص- فلا شك أنه محسن، وإن حصل زيادة فإن عليه أن يأتي بالزيادة؛ حتى تبرأ لذمته. حمل الزكاة من بلد إلى بلد شرح حديث عمران بن حصين في عدم نقل الزكاة من بلد إلى بلد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد. حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبي أخبرنا إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين عن أبيه أن زياداً أو بعض الأمراء بعث عمران بن حصين رضي الله عنهما على الصدقة فلما رجع قال لعمران : أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ]. أورد أبو داود باباً في الزكاة هل تحمل من بلد إلى بلد؟ أي: أن تكون زكاة المال في بلد، فتنقل من ذلك البلد وتوزع على فقراء بلد آخر. وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، فمنهم من منعها، ومنهم من أجازها، والذين أجازوها قالوا: إن البلد إذا كان محتاجاً أو أكثر حاجة إليها من غيره فهو أولى، وإذا كان غيره أشد حاجة إليها منه فإنه يجوز نقلها إليه. أما إذا كانت الحاجة متساوية فإن البلد الذي فيه المال يكون أحق بها من الآخر. وقد أورد المصنف الترجمة بالاستفهام، وأورد حديثاً ليس فيه دلالة على نقل الزكاة وإنما فيه دلالة على بذل الزكاة في بلد المال، فقد أورد حديث عمران بن حصين: (أن أحد الولاة أرسله مصدّقاً، ولما جاء قال: أين المال؟ قال: وهل أرسلتني للمال؟ إنا كنا نأخذه كما نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ونضعه كما كنا نضعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا يماثل ما جاء في حديث معاذ : (أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقراءهم)، والمقصود بذلك أهل اليمن، أي: تؤخذ من أغنياء اليمن وترد على فقراء اليمن، وحديث معاذ هذا من العلماء من قال فيه: إن المراد به المسلمون، أي: تؤخذ من أغنياء المسلمين، وترد على فقراء المسلمين، وعلى هذا فيجوز نقلها من بلد إلى بلد. والحاصل: أن فقراء البلد الذي فيه المال هم أحق بزكاة ماله؛ لأنهم هم الذين يشاهدون ذلك المال ويبصرونه، فهم أحق الناس بفوائده ومنافعه وزكاته، ولكن يجوز النقل إلى بلد آخر إذا كانت الحاجة أشد، أو كان هناك فائض عن فقراء البلد. وأما نقلها إلى بلد آخر لأجل قرابة له فقراء فقد سبق أن ذكرت عدة مرات أن الأقارب لهم حق غير الزكاة، وبعض الناس قد يتخذ من الزكاة وقاية للمال، فيقول: ما دام أنّ الزكاة خارجة فبدلاً من أن أعطيها لأجنبي سأعطيها لقريب مني؛ حتى أسلم من الحق الذي له علي في مالي! فلا يجوز أن تتخذ وقاية للمال، لكن إذا كان المال قليلاً والزكاة قليلة فلا شك أن إعطاءها للقريب أولى من إعطائها للبعيد، وذلك حيث لا يمكن أن يكون هناك مجال لإعطاء القريب من أصل المال، لكن إذا كان صاحب المال من بلد ليس فيه أموال زكوية تعطى لفقراء ذلك البلد، فالبلد الذي فيه المال يكون أولى؛ لعدم وجود شيء يكفي أهل ذلك البلد. والأمر -كما قلت- في ذلك واسع، فمن أخرجها في بلده فله وجه، ومن أرسلها لقريبه فله وجه، وهذا فيما إذا كان المال قليلاً، أما إذا كان كثيراً فأقرباؤه الذين ليسوا في البلد، أو كانوا في البلد فإنه يعطيهم من ماله؛ لأن لهم حقاً غير الزكاة. تراجم رجال إسناد حديث عمران في عدم نقل الزكاة من بلد إلى بلد قوله: [ حدثنا نصر بن علي] نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبي ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين ]. إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين ، وهو صدوق أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. أبوه هو عطاء بن أبي ميمونه وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن عمران بن حصين ]. عمران بن حصين أبو نجيد رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ثم هذا الحديث الذي معنا وهو حديث عمران فيه دلالة على أن زكاة المال تخرج في بلد المال؛ لأن عمران بن حصين رضي الله عنه كان يأخذها من الأغنياء ويعطيها الفقراء، لكن قد جاء ما يدل على أنها تجبى وأنه يؤتى بها، وذلك كما في قصة ابن اللتبية ، فإنه لما جاء قال: (هذا لكم وهذا أهدي إلي)، فقوله: (هذا لكم) يعني: أنه أتى بالزكاة، فهو يدل على أن هذا أمر سائغ، ولعل عمران بن حصين رضي الله عنه كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل مثل هذا الذي ذكره من كونه يأخذ المال ويعطيه الفقراء، وقصة ابن اللتبية فيها أنه جاء بالمال، ولعله طُلب منه أن يأتي به. والحاصل أنه يمكن للعامل أن يوزع المال على المحتاجين، ويمكن أن يأتي به، وهذا على حسب ما يتفق عليه مع ولي الأمر، فإن قال له: اقبضها ووزعها، فإنه يفعل ذلك، وإن قال له: اقبضها وائت بها فإنه يفعل ذلك. قوله: [ أن زياداً أو بعض الأمراء بعث عمران بن حصين ]."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |