|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() قراءة مختصرة لكتاب النصرانية وإلغاء العقل حسن عبدالحي في الوقت الذي تَنشَط فيه الجماعاتُ التبشيريَّة بكلِّ جرأة ووَقاحَة في البِلاد الإسلاميَّة، مُشَكِّكة في بعض قضايا الدين الإسلامي، مُستَغِلَّة جهلَ جماهير الناس بدينهم أو حاجاتهم الدنيوية لتَنصِيرهم، يجد الداعِيَةُ إلى الله نفسَه مُضطرًّا لِخَوْضِ معاركه ضدَّ هذا المدِّ الصليبي القَذِر، إن لم يكن حِفاظًا على عَقائِد الناس وذبًّا عن دين الله - تعالى - فإعذارًا إلى الله - عزَّ وجلَّ - وكَبْتًا لأعداء مِلَّتِه من النصارى الضالِّين. ولا يَعنِي هذا استِنفارَ الدُّعاة إلى الله جميعًا لِمُواجَهَةِ التنصير، فالمُبَشِّرون وأذنابهم أقلُّ شأنًا من هذا بكثير، لكنَّه كذلك ليس أقلَّ من الإلمام العام بمُخَطَّطات القوم، والوقوف على شُبهاتهم، والتصدِّي لهم على أرض الواقع؛ بل والأخْذ بأيديهم إلى طريق الحقِّ. وكلُّ هذا - لا شكَّ - يتطلَّب مِنَّا الوقوف على مَعالِم النصرانية وأصولها القائمة عليها اليومَ، وإبطالها بطريق العقل الذي تُؤمِن به البشرية جمعاء. ومن هنا كان لهذا البحث المختصر المفيد "النصرانية وإلغاء العقل"؛ للباحث: يزيد حمزاوي، قيمتُه في واقعنا المُعاصِر، وقد تميَّز البحث بعِدَّة أمور: الأول: اختصاره غير المُخِلِّ. الثاني: سهولة عبارته، ووضوح مَقاصِد كاتبه. الثالث: مُعايَشته للواقع. الرابع: اعتِماده الأصول العلمية للبحث. وقد ابتَدَأ المؤلِّف بحثَه بمدخل عن مَكانة العقل في النصرانيَّة، وخرَج بأنَّه لا مَكانَة للعقل أصلاً في النصرانيَّة، مُبَرهِنًا على ذلك بكلام القساوسة أنفسهم، الذين يعدُّون أصول عقائدهم فوق عقل أو فهْم البشر! فمن قائل منهم: "علينا ألاَّ نُناقِش، ولكن علينا أن نُؤمِن، ونُؤمِن فقط بكلِّ ما في الكتاب المقدَّس، وإلا فإيماننا باطل". إلى قائل آخر: "إنَّ مفهوم البساطة ليس له مجال في فَهْمِ العقيدة المسيحيَّة، كما لا يجب أن تُوزَن به هذه العقيدة؛ لأنَّ العقيدة المسيحية تعلو على فهْم العقل!". ثم كان السؤال الطبيعي إذًا: إذا كان عامَّة الناس - وكذلك العُقَلاء والمفكِّرون - لا يَفهَمون هذه العقيدة، فلِمَ جاءَتْ هذه العقيدة إذًا؟ ولِمَن جاءت؟ ومُبرهِنًا كذلك على تَناقُض العقل مع النصرانيَّة بكثرة الأسرار في هذه الديانة المُرِيبة: فسِرُّ المعموديَّة، ثم سرُّ التثبيت، ثم سرُّ القربان المقدَّس، ثم سرُّ التوبة والاعتِراف للكاهن، ثم سرُّ المسحة، ثم سرُّ الزواج، ثم سرُّ الكهنوت، ثم سرُّ حقائق الإيمان، ثم سرُّ الصلب، ثم سرُّ العشاء الرباني، ثم سرُّ التثليث، ثم سرُّ القيامة، ثم سرُّ الكفارة، ثم سرُّ الخطيئة، ثم سرُّ اللاهوت، ثم سرُّ الناسوت، ثم سرُّ التجسُّد... وهكذا أسرار على أسرار! فكل ما لا يُتَصوَّر في النصرانية لا مانع ألبتَّة من أن يكون سِرًّا يمتنع على العقل إدراكه، وما على النصارى إلا الإيمان، والإيمان فقط، حتى ولو بما هو مُحال عقلاً. ثم شرع المؤلف في الحديث عن أصول النصرانيَّة التي قامَتْ عليها ومخالفتها للعقل البشري، فبَدَأ بالكلام عن (الخطيئة الأصلية) باعتِبارها أصلَ النصرانيَّة الذي يقوم عليها سائرُ عقائدهم؛ من الكفَّارة، والصلب، والتثليث، والقيامة... والخطيئةُ عند النصارى هي: غلطة آدم في أكْله من الشجرة التي نهاه الله عنها، فجلب لبَنِيه اللعنةَ، وألصَق بهم العارَ، ودنَّسهم جميعًا بالخطيئة! فاستحقُّوا بعدْل الله الموتَ والفناء؛ لأنهم إنما وُلِدوا من ذاك الأب المُخطِئ، ومن تلك الأم المُخطِئة، وقد استقرَّ في أعماقهم وباءُ تلك الخطيئة فاستحقُّوها كما استحقُّوا العِقاب! وإذا كان العقل قاضِيًا بأنَّ الإنسان لا يُؤخَذ بجريرة غيره أو ذنبه، وبهذا جاءَتْ الكتب من عند الله - تعالى - بما فيها كتاب النصارى المحرَّف كما ينقل منه الباحث، فلماذا استَثنَى النصارى غلطةَ آدم وزوجه حوَّاء وألحَقُوها بالبشرية كلِّها؟ على أنَّ كتب النصارى تنصُّ أنَّ حواء هي من أغوَتْ آدمَ! ويحطُّون من قدر المرأة عامَّة بسبب قصَّة الخطيئة. إنَّ قصَّة تعدِّي الخطيئة إلى الناس قصَّةٌ لا يقبلها عقلٌ أبدًا، وينبَنِي عليها عِدَّة أسئلة لا تجد أجوبة، ومن ثَمَّ كانت مُبطِلة لها: أولاً: لماذا لم يذكر الأنبياء قبل عيسى قصة الخطيئة؟ ثانيًا: ما حال الناس الذين ماتوا قبل قصَّة صلب عيسى - كما يزعم النصارى - الذي من المُفتَرَض أنه جاء مُخَلِّصًا لهم ومُكَفِّرًا عنهم؟ ثالثًا: لماذا لم يذكر الله - تعالى - قصَّة الخطيئة إلا بعد قصَّة الصَّلب. يجدر بالذِّكر هنا أنَّ قصَّة الخطيئة ليست اختِراعًا نصرانيًّا أساسًا؛ بل فكرة الخطيئة موجودة في أكثر الأديان الوثنية! ثم انتَقَل المؤلِّف إلى الكلام عن (الفداء والكفَّارة) باعتِبارِهما نقطة الربط بين (الخطيئة الأصليَّة) التي مَرَّ الكلام عنها، وبين (التجسُّد والصَّلب)، كما سيأتي الكلام عنهما. والفِداء والكفَّارة في عقيدة النصارى بمعنى التكفير عن خطيئة البشريَّة الأصليَّة، ولأن المكفَّرَ عنهم البشرُ، لم يصلح أن يكون المُفدى منهم؛ بل لا بُدَّ أن يكون طاهِرًا، وليس أحدٌ من البشر طاهِرًا بعد (الخطيئة الأصلية)، فوَجَب أن يكون المُفدى أو المكفَّر به من جنسٍ آخَر، وهو (الإله)! - تعالى الله عمَّا يقول النصارى. فكانت فكرة (التجسُّد) تجسُّد الله في الإنسان، ليَفدِي الله الإنسان ويُخَلِّصُه من الخطيئة الأصليَّة، وتقوم فكرة التجسُّد على نزول الله من عليائه ودخوله في مريم، ليُولَد (الإله) طفلاً يَلتَقِم ثدي أمِّه، التي تُشفِق عليه شفَقَة الأم على ولدها! ثم يكبر كما يكبر الأولاد، وتبدأ رحلته مع اليهود كرسولٍ للإله، وهو أصلاً (الإله)! فيَعِظُهم أن يقتلوه وهو رسولٌ إليهم، ثم يهرب منهم إذا حاولوا قتلَه، ثم يأمر تلامذته بالتسلُّح لهم قبل أن يُصلَب! فكيف يَنزِل الإله ليَفدِي البشر، ثم هو يَعِظُهم أن يقتلوه؟ ويهرب منهم إذا حاوَلُوا قتله؟ بل ويتسلَّح لهم؟! إذًا ألم يكن يعلم المسيح (الإله) أنَّه وُجِد ليُصلَب ويَفدِي البشرية من خطأ أبيهم آدم؟ ثم يقع إله النصارى رغمًا عنه في يد الرُّومان ليُصلَب ثم يُقتَل، ثم يقوم في فكرة جديدة (فكرة القيامة)! يوم الأحد بعد أن خَيَّمَ على الدنيا الظلام، وتزلزلت الأرض، وتشقَّقت الصُّخور، وانفتحت القبور، وقامَتْ منها أجسادٌ كثيرةٌ من القدِّيسين! ثم يَتساءَل هنا المؤلف: مَن الذي وقَع عليه الصلب والقتل؟ أهو الإله؟ أم الابن؟ أم الرُّوح القدس؟ فالمُفتَرض أنه الابن. فما هي طبيعة هذا الابن، الذي جاء ليَفدِي البشرية؟ يقول النصارى: إن للابن طبيعتين: طبيعة لاهُوتيَّة، وأخرى ناسُوتيَّة، وهي التي وقَع عليها الصلب والقتل! وهذا يعني: أن مَن فدانا ليس طاهرًا؛ لأنَّه إنسان مثلنا مُحَمَّل بالخطيئة، وأنَّنا لم نُفدَ وما زال على عاتِقنا (الخطيئة الأصليَّة)! وبهذا يتبيَّن لنا مُخالَفة هذا الخيال النصراني للعقل والعُقَلاء قاطِبَة، فلا (الخطيئة) خطيئتنا، ولا (الكفَّارة) وقعَتْ كما أرادَها (إله النصارى)، ولا (التجسُّد) مع استحالته عقلاً نفَع في شيء. ثم ينتَقِل المؤلِّف إلى مُعضِلة عقليَّة أخرى من مُعضِلات النصارى، وهي فكرة (التثليث)، والتثليث عند النصارى هو: الإيمان بأن الله ثلاثة أقانيم، و(الأقنوم) كلمة سريانية تعني: كل ما تميَّز عن سواه دون استِقلال، فالله ثلاثة أشخاص مُتَّحِدين دون امتِزاج، ومُتميِّزين دون انفِصال! وهو بهذا المعنى أشبه ما يكون باجتِماع الضدَّيْن! ولا مثل للأقنوم في دنيا الناس، والقَساوِسة يستحيون من ضرب الأمثلة له، فيَخلُصون إلى الإيمان به وحسب، دُون تشبيهٍ له بشيء! ودُون نِقاش أو مُحاوَرة حوله! والكتب السابِقة - بما فيها العهد القديم - لم تَذكُر شيئًا عن التثليث ألبتَّة، والعهد الجديد نفسه لم يقع فيه شيءٌ عن ذكر التثليث إلا في آية واحدة، اختَلَف رجال النصرانية في إثباتها ونفيها، فبعض الأناجيل تُثبِتها، والأخرى ترى أنها شرح زادَ على الآية! وهذا في ذاته من أعجب الأشياء؛ إذ كيف تكون عقيدة كعقيدة التثليث بهذه المَكانَة في النصرانية ولا يأتي ذكرها إلا مرَّة واحدة؟! مرَّة واحدة على شكٍّ بين النصارى في إثباتها؛ بل لا تُوجَد في أيِّ ترجمةٍ من التراجم القديمة غير بعض النُّسَخ القليلة من اللاتينية، كما لم يَتَمسَّك بها أحدٌ من مُؤرِّخي الكنيسة، ولم يرتَضِها البروتستانت فأسقَطُوها من كتبهم! وعقيدة التثليث عقيدة لا تُفهَم بالعقول؛ بل ولا تُقبَل، باعتِراف الكنيسة نفسها ورجالها، فالآب والابن والروح القدس ذاتٌ واحدةٌ، ثم هم ثلاث ذَوات! لا تسأل كيف، ولا تشغل بالك بفهمها؛ لأنها ليست للفهم! وقد استَقَى النصارى - أو سُقُوا غصبًا - فكرة التثليث من الرُّومان، وعلى رأسهم (بولس) واضِع عقائد النصرانية المحرَّفة، فالتثليث ليس دينَ النصارى أولاً؛ بل هو دين كثيرٍ من الوثنيِّين الرُّومان وغيرهم، ثم كان دينَ النصارى. وبعد هذا الكمِّ الكبير من الخواء في العقيدة النصرانية، يُعَرِّج الكاتب على لُجُوء النصارى - وعلى رأسهم المبشِّرون - للحِيلة والاستِهواء، وتركهم للحُجَّة والبيان، فينقل بعض ألاعِيب القساوِسة من أجل استِهواء السُّذَّج، كما ينقل بعض إغراءاتهم لاستِمالة أصحاب القلوب الضعيفة المُقبِلة على الدنيا. ثم ختَم المؤلِّف بحثَه بفَصْلٍ عن بَعْضِ قصص النصارى الذين اعتنَقُوا الإسلام؛ بحثًا عن دِين لا يُصادِم العقل، دين بلا أسرار ولا مُستَحِيلات وخُرافات، دين لا طاعَة عمياء لإنسانٍ فيه، ولا إيمان بلا تدبُّر وتفكير. وأنهى هذا كله بتَوضِيح جلي لفارِق هو الأهمُّ في مُخاطَبَة النصارى، وهو الفارِق بين ما لا يُدرِكه العقل؛ كالإيمان بكثيرٍ من أمور الغيب، وبين ما لا يَقبَلُه العقل؛ كالإيمان بالتثليث والخطيئة والتجسُّد. والحمد لله على نعمة الإسلام، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |