|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() كمال الشريعة وشمولها لكل ما يحتاج إليه البشر سماحة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد الحمد لله وأشكره على نعمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا. وبعد؛ فهذه كلمة تبين كمال الشريعة وشمولها لكل ما يحتاج إليه البشر. لا يخفى أن الله بعث نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى البشر؛ رحمةً منه وإحسانًا، ليخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم. وكانت العرب قبل بعثته صلى الله عليه وسلم في جاهلية جهلاء وشقاءٍ لا بعده شقاء، يعبدون الأصنام، ويئدون البنات، ويسفكون الدماء بأدنى سبب وبلا سبب، في ضيق من العيش وفي نكد وجهد من الحياة، يعيشون عيشة الوحوش مع الوحوش، يتحاكمون إلى الكهان والطواغيت، فلما جاء الله بهذا النبي الكريم أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، أخرجهم من ظلمة الكفر والشرك إلى نور الإيمان والتوحيد، ومن ظلمة الجهل والطيش إلى نور العلم والحلم، ومن ظلمة الجور والبغي إلى نور العدل والإحسان، ومن ظلمة التفرق والاختلاف إلى نور الاتفاق والوئام، ومن ظلمة الأنانية والاستبداد إلى نور التواضع والتشاور، ومن ظلمة الفقر والجهد إلى نور الغنى والرخاء، بل أخرجهم من ظلمة الموت إلى نور الحياة السعيدة ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122]. أكمل الله به الدين وتمم به مكارم الأخلاق، أمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وأمر ببر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الفقراء والمعوزين، حتى قال - صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ اللهَ كتَبَ الإحسانَ علَى كلِّ شيءٍ». وأمر بالتحاكم فيما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله. لا خير إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، أخبر بما كان وما يكون إلى يوم القيامة، كما قال حذيفة - رضي الله عنه - قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا ما ترك شيئًا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدَّث به، حفِظَه مَنْ حفِظَه ونسِيه مَنْ نسِيه. وقال أبو ذر - رضي الله عنه -: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو قال: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وما طائرٌ يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه عِلْمًا. رسم لأمته طريق السعادة في الدنيا والآخرة في سياسته الشرعية التي يعجز كلُّ أحد أن يأتي بناحية من نواحيه. فرسم لهم طريق السياسة مع الأعداء وبيَّن لهم ما تُعامل به الأمم الأجنبية من الحرب ووجوبه، والسلم ووجوبه، والمعاهدات وحفظ العهود، وأوجب عليها الاستعداد بكل قوَّةٍ يستطيعونها، قال تعالى: ﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ * وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنفال: 57 - 61]. ففي هذه الآيات دلالة واضحة على مقتضيات الحرب والاستعداد لذلك وتأهب المسلمين بالقوة لعدوهم بما يرهبهم وبيان الصلح والسلم إلى غير ذلك مما دلت عليه هذه الآيات من آي القرآن. كما قسمت الشريعة أيضًا السياسة إلى ثلاثة أقسام: • سياسة شرعية دينية. • سياسة جائزة مباحة. • سياسة شيطانية فرعونية إبليسية. فالسياسة الشرعية الدينية: هي ما دلّ عليه الكتاب والسّـنّة من قتل القاتل، وقطع يد السارق، وإقامة الحدود كحد الزنا والقذف وحد السكر ودية منافع الأعضاء، وغير ذلك مما لا يدخل تحت حصر. والسياسة الجائزة المباحة: وهي ما يسوس بها ولاة الأمور رعاياهم مما لم تخالف كتابًا ولا سُـنّة. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا همَّ بغزوةٍ ورَّى بغيرها، وقال: «الحرْبُ خَدْعَةٌ». إلى غير ذلك. والسياسة الشيطانية الفرعونية الإبليسية: هي كل ما خالف كتاب الله وصحيح سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن زعم أهلها أنهم مصلحون فهم حقًّا مفسدون، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11، 12]. فالعبرة بالحقائق لا بالمسميات. وكما قال فرعون: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29]. وأيُّ رشدٍ عند فرعون القائل: ﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]. بل ردّ عليه القرآن في موضع آخر، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾ [هود: 97]. وبيّنتْ الشريعة الإسلامية السياسة الخارجية كما قدَّمنا في الآيات بشأن السلم والحرب، والصلح والمعاهدة إلى غير ذلك، فمن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ [النساء: 71] الآية. فالآية تدل على أن المسلمين مأمورون بالحذر، وبالتأهب والاستعداد لعدوهم بالآلات الحربية كالطائرات والدبابات والصواريخ وغيرها، مما يجِدُّ ويحدث مما يزيد المسلمين قوَّة وبذلك يأخذون حذرهم، وفي قوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60] ما يبين ذلك. كما بيَّنتْ أيضًا السياسة الداخلية فبيَّنتْ ما للإمام من الحقوق على رعيته قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اسمعْ وأطعْ لمن ولاه الله أمرك» الحديث، وقال: «اسمعوا وأطيعوا وإن تأمَّرَ عليكم عبدٌ حبشيّ». ومن بيانها لحقوق الرعية على ولي الأمر قوله تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحجر: 88]، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اللهم مَنْ ولي أمرًا من أمور أمتي فرفق بهم فارفق به، ومن ولى أمرًا من أمور أمتي فشـقَّ عليهم فاشْقُقْ عليه».. وأمرتِ الشريعة بمشاورة أولي الرأي، بل جعلت الشريعةُ مكانة الشورى بين الصلاة والزكاة للاهتمام بها وعظم شأنها كما في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38]، ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإخلاد إلى الكسل والعجز والدعة والراحة. وأخبرهم أن هذا سبب للذل بل أمرهم أن يكونوا أقوياء أشداء أعزاء لا تلين قناتهم لأحد سوى الله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، فأمرت الشريعة بالضرب في الأرض لطلب الكسب والتجارة، قال تعالى: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [المزمل: 20]، وقال: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10]. وأمرت بحرث الأرض للمعاش وحثَّت على ممارسة الزراعة وشجَّعت أهلها بما لهم من البركة والأجر والفضل العظيم. كما قال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسلمٍ يزرعُ زرعًا أو يغرسُ غرسًا فيأكلُ منه طيرٌ أو دابةٌ أو إنسانٌ إلَّا كان له بِهِ صدقةٌ». وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أحْيَا أرضًا ميِّتةً فهي له». كما جاء الأمر بالصناعة في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [سبأ: 10، 11] ففي هذا الأمر بالصناعة مع العمل الصالح، وداود عليه السلام هو أحد أنبياء بني إسرائيل المأمور نبينا عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام بالاقتداء بهم في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ﴾ [الأنعام: 84] الآيات إلى أن قال: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]. وبالجملة فقد رسمت أحكامًا لكل من الزراعة والصناعة والتجارة، وأوجبت حفظ الحقوق، فأمرت بالكتابة والإشهاد، وحرَّمت كتمان الشهادة أشد تحريم؛ حماية للأموال وسلامة للصدور عن التقاطع والتباغض، كما نهت عن الغش والخداع في المعاملات، وحرمت الربا بأنواعه، وبيع البعض على بيع البعض، وعن التدليس، وبيع الغرر كل هذا حفظًا للحقوق وحرصًا على تمام الروابط بين المسلمين. وعلمت الشريعة كيفية الاقتصاد وبيَّنت كيف يصرف المال فنهت عن التَّبذيرِ وعن التقتير، وأمرت بالقوام بينهما؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ﴾ [الإسراء: 29]، وقال في وصفه لعباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]، وبينت الشريعة كيف تقام البيوتات وتؤسس العائلات فشَرعَتِ النكاح، وحثَّت عليه ورغبت فيه، وما للرجل على زوجته من الحقوق وما لها عليه، وبيّنت ما عسى أن يقع بينهما من خلاف في المستقبل. قال تعالى: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرً ﴾ [النساء: 34، 35]. كما شرعت الخلع والطلاق عند تعذر الوئام بينهما وعدم التئام حالهما: ونظمت شئون الأسرة الواحدة عمومًا، وبينت حقوق الأولاد وما عليهم وجميع الأقارب وذوي الأرحام كل بحسبه. ولم يمر بالإنسان طور من أطوار حياته من حين رضاعه إلى إبان وفاته بل إلى ما بعد ذلك إلا بينته، فبينت الأوْلَى بتغسيله وتكفينه وحمله والصلاة عليه ودفنه وميراثه ووصيته وحقوقه وقضاء ما عليه من الديون وحكم أوقافه ما يصح منها وما لا يصح. فللَّه ما أعظم هذه الشريعة وأجلَّها وأسماها. وكلما ازداد المرء معرفة بها ازداد لها احترامًا وتعظيمًا وتوقيرًا، فلذلك كان الصحابة رضي الله عنهم لكمال معرفتهم بها أشد الناس تمسكًا بها وتمشيًا مع تعاليمها بكل جليل ودقيق، وإنه لمن العجب إعراض أكثر الناس في هذه الأزمنة عن تعاليم هذه الشريعة السامية الكاملة واستبدالها أو شوبها بقوانين وضعية ظاهرة التناقض واضحة الجور فاسدة المعنى؛ فلذلك كثيرًا ما يطرأ عليها التغيير والتبديل، كلٌّ يرى أنه أحسن ممن تقدَّمه وأدرى بالمصالح والمفاسد ممن سبقه ثم يجري عليها تغييرًا وتبديلًا بحسب رأيه وهكذا دواليك ما بقيت هذه النظم. المصدر: «مجلة التوحيد»، المجلد الثاني، عدد: صفر 1394هـ
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |