|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مشهد حنان د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم الحمد لله البر الرحيم، المولى الكريم، وسعت رحمته كل شيء وهو السميع العليم، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أزكى تسليم. أما بعد، فاتقوا الله - عباد الله - ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة: 278]. أيها المؤمنون! في يوم من أيام المدينة النبوية الخالدة، وفي بيت من بيوتات أهلها، وبَيْنَا أمٌّ مسكينة أمضَّها الجوع حين لم تجد رمقاً تسد به جوعتها ولا جوعة طفلتيها اللتين تُرى مخاييل السغبة على قسمات وجهيهما الوضيء، فطفقتا تناشدان حنان أمهما بنظرات لا تملك الأم معها إلا أن تبذل روحها لئلا تردها حاسرة كسيرة؛ يناشدنها بلغة عيون الطفولة البريئة حين لم يقدرن على التعبير باللسان الفصيح غذاءً يُسْكِنّ به ضَوْر جوعهما، فهرعت الأم باحثة في بيتها علها أن تجد، ولكنها لم تجد! فما كان منها إلا أن حملت طفلتيها بذراعيها وظنها في فرج الله حسن، وخرجت تبحث عن لقمة تسد بها الجوع المتراكم، تنقّل الخطى الكليلة في أزقة المدينة والجسد منهك والجوع مستعر في الجوف وبين الذراعين، حتى انتهى بها المسير إلى بيت أرحم الخلق بالخلق بيت محمد صلى الله عليه وسلم، ذاك النزل الذي لا يرد سائلاً، ولا يخيب راجياً، ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]. طرقت الباب وكلها أمل ألا ترجع كما أتت، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم حاضراً، ففتحت أم المؤمنين عائشة بنت الصديق - رضي الله عنها وعن أبيها - الباب وإذ بها ترى الأم الرؤوم حاملة طفلتيها وكان الحال أكثر إبلاغاً من المقال، فاستطعمتها الأم بُلْغَة تُذهِب الجوعة، فما كان من عائشة - رضي الله عنها - إلا أن هرعت إلى البيت باحثة عن طعام، وبعد بحث لم تجد إلا تمرات ثلاثاً في بيت أكرم الخلق على ربه؛ فجادت بها غير آبهة برخصها وقلتها؛ لأنها تتعامل مع الغني الوفي الكريم الذي ﴿ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40]. أودعت عائشة هذه التمرات الثلاث كفَّ تلك الأم المسكينة، فكانت التمرات هذه لتلك الأم خيراً من الدنيا وما عليها. دفعت الأم بتمرة إلى كف الطفلة، ودفعت التمرة الأخرى للأخرى، ورفعت الثالثة لفيها لتأكلها، لكن الجوع لم يكن ليجعلها تهنأ بتلك التمرة؛ إذ الطفلتان أكلتا تمرتيهما ومدتا كفيهما الصغيرين إلى الأم يستطعمانها تمرتها التي رفعتها إلى فيها؛ فما كان من الأم إلا أن أنزلت التمرة وشقتها نصفين وأعطت كل طفلة نصفاً وراحت طاوية صابرة على مضض الجوع؛ أبى حنانها أن تستأثر بالتمرة دون طفليتها أو تضارعهما فيها، وارتضت ألم الجوع فداءً لجوع الطفلتين؛ إذ ألمهما أشق عليها من ألم نفسها، وذاك حال الأم الذي لا ينكر! هي الأم التي ضمّت بَنِيها ♦♦♦ إلى أحشائِها ترجو الثوابا قفلت عائدة تاركة وراءها قصة خلدها الرواة وعبرة للمدكرين. فقد كان ذاك المشهد يجري بتفاصيله أمام مرأى أم المؤمنين، حتى إذا جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بالمشهد المؤثر العجيب؛ فجاء التعقيب النبوي لذاك المشهد المؤثِّر بشارة لتلك الأم وأملاً لكل راحم مُؤْثِرٍ إذ قال - كما روى مسلم في صحيحه -: «إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار »، وفي رواية أحمد: « إن الله قد أوجب لها بها الجنة، وأعتقها بها من النار». امرأة تحمل بنتين ِ ![]() بيديها كالعصفورين ِ ![]() الجوعُ بدا في طلعتها ![]() والهمُّ بدا في العينين ِ ![]() قد جاءت بيت رسول الله ![]() دقت وانتظرت أن تلقاه ![]() وهو الغائب من أين تراه ![]() وهي الجوعى من يومين ِ ![]() فتحت عائشة فرأتها ![]() والبنتان ِعلى كتفيها ![]() ما تملكه قد أعطتها ![]() تمراً لا يملأ كفين ِ ![]() امرأة جائعة حرة ![]() تطعم ُ بنتيها بمسرة ![]() لم يبقى لها إلا تمرة ![]() شقت تمرتها نصفين ِ ![]() أطعمت التمرة بنتيها ![]() لم تأكل لم يبقى لديها ![]() ومضت والبشر بعينيها ![]() تحمل أحلى عصفورين ِ ![]() ورسولُ الله وقد عَلِمَ ![]() بالأمرِ تعجبَ وابتسمَ ![]() من قلب المرأة كم رحمَ ![]() وسما من غير جناحين ِ ![]() الله أكبر! جنة عرضها السموات والأرض نالتها تلك الأم بتمرة واحدة! لكن يا لله كم حوت تلك التمرة من قناطر الرحمة والإخلاص التي ثقلت بها؛ فكانت سبباً في فوزها العظيم! وأعطاها الله خيراً من ظنها؛ إذ كانت ترجو بمخرجها من بيتها لقمة تسد جوعتها وجوعة ابنتيها، وإذ بها تفوز بجنة الخلود! فما مقدار هذا الألم والضنى وقد عاضها الله الجنة! كما أن خبرها غدا سلوة لمن ابتلاه بذرية الإناث فأحسن تربيتهن فكنّ له ستراً من النار، قالت عائشة - رضي الله عنها -: جاءتني امرأة، ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته حديثها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن كن له سترا من النار» رواه مسلم. بل البشرى ممتدة لكل راحمٍ ضعيفاً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. الخطبة الثانية الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد، فاعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله... أيها المؤمنون! وحين نستصحب ذكرى رحمة الأطفال من خلال مشهد الأم المُؤْثِرة، وأنها من أعظم أسباب تنزل رحمة الله وأقربها لدخول جنته، ونرى حال الأشقياء الذين نزعت الرحمة من قلوبهم؛ فلم يرحموا براءة الطفولة وطهرها، ونرى شقاهم قد امتدت يده الآثمة بالعدوان على أولئك الأطهار بالتعنيف الأسري والاعتداء الجنسي والتسول المنظم والعمل الشاق والإبادة الحربية؛ ندرك مدى نزع الرحمة من قلوب أولئك القساة، وعظمَ البون الشاسع بين ظلمهم الطاغي ورحمة الإسلام الوارفة؛ إذ الرحمة لا تنزع إلا من شقي كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولئن كان الوعد بالجنة مرجواً للرحماء فإن الوعيد بالنار عتيد لأولئك الأشقياء، ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴾ [هود: 106]، وما خلقت النار إلا لإذابة القلوب القاسية!
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |