الفوائد العقدية من حديث: احفظ الله يحفظك - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح البخاري كاملا الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 449 - عددالزوار : 74297 )           »          حكم الزكاة لمن اشترى أرضاً ولم ينو بيعها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          صيام الأيام البيض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          هل الاستغراق في النوم ينقض الوضوء؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          الفرق بين الرياح والريح والسُّنة فيهما (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 2030 )           »          اهتمام الإسلام بالعلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 108 - عددالزوار : 48176 )           »          المرأة والأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 108 - عددالزوار : 52329 )           »          عُزلة الـ «تكست نِك» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-06-2021, 03:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,504
الدولة : Egypt
افتراضي الفوائد العقدية من حديث: احفظ الله يحفظك

الفوائد العقدية من حديث: احفظ الله يحفظك


الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري



الحمدُ للهِ الذي رَضِيَ الإسلامَ للمؤمنينَ ديناً، ونَصَبَ الأدلَّةَ على صحَّتهِ وبيَّنها تبييناً، وغَرَسَ التوحيدَ في قلوبهم فأثمرَت بإخلاصهِ فُنوناً، وأعانَهُم على طاعتهِ هدايةً منهُ وكَفَى بربِّكَ هادياً ومُعيناً، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له في رُبوييَّته وإلهيَّتهِ، تعالَى رَبُّنا عن ذلكَ ﴿ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، أرسلَهُ بالحقِّ ﴿ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46]، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آله وأصحابهِ وسلَّمَ تسليماً كثيراً.


أما بعد: فيا أيها الناسُ اتقوا اللهَ تعالى بحفظِ أوامِرِهِ بالامتثالِ، ونواهيهِ بالاجتنابِ، وحُدوده بعدمِ تعدِّيها، ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [هود: 57].


أيها المسلمون: إنَّ مِمَّا فُضِّل به نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على سائر الأنبياء أنهُ أعُطيَ جوامعَ الكَلِم، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (فُضِّلْتُ على الأنبياءِ بسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ) الحديث رواه مسلم، قال الإمام البخاري: (وبلَغَني أنَّ جَوَامِعَ الكَلِمِ: أنَّ اللهَ يَجْمَعُ الأُمُورَ الكثيرةَ التي كانتْ تُكْتَبُ في الكُتُبِ قَبْلَهُ في الأَمْرِ الواحِدِ والأَمْرَيْنِ، أوْ نَحْوَ ذلكَ) انتهى.


ألا وإنَّ مِنْ أعظمِ جوامع الكَلِمِ وَصِيَّتُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا عندما كان رَدِيفَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على الدَّابة، فعن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: (كُنْتُ خَلْفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَوْماً فقالَ: «يا غُلامُ إني أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إذا سَأَلْتَ فاسْأَلِ اللهَ، وإذا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللهِ، واعلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بشَيْءٍ لم يَنْفَعُوكَ إلاَّ بشَيْءٍ قدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، ولوْ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُّوكَ بشيْءٍ لم يَضُرُّوكَ إلاَّ بشيْءٍ قدْ كَتَبَهُ اللهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتْ الصُّحُفُ») رواه الترمذيُّ وقال: (حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ).


قال ابنُ رَجَبٍ: (وهذا الحديثُ يَتَضَمَّنُ وَصَايَا عظِيمَةً، وقَوَاعِدَ كُلِّيَّةً مِنْ أَهَمِّ أُمُورِ الدِّينِ، حتى قالَ بعضُ العُلَمَاءِ: تَدَبَّرْتُ هذا الحديثَ فأَدْهَشَني وكِدْتُ أَطِيشُ، فَوَا أَسَفَا مِنَ الجَهْلِ بهذا الحديثِ وقِلَّةِ التَّفَهُّمِ لِمَعْنَاهُ) انتهى.


عباد الله: من الفوائدِ العَقَدِيَّةِ في هذا الحديثِ:
أولاً: في قولهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (يا غُلامُ إني أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ): وجوب تعليم الناس العقيدة الصحيحة، والحرص على تربية الأولاد على معرفة الله وتوحيده، وحفظ حدوده، واللجأ إليه في الرَّخاء والشدة، وسؤاله والاستعانة به، والتوكُّلِ عليه، وأنه لا يملك لهم أحدٌ من البشرِ نفعاً ولا ضَرَّاً إلا بإذن الله تعالى، لأن الله معهم ينصرهم ويؤيدهم وييسر لهم أمورهم، ما داموا متمسكينَ بشرع الله مُخلصين له الدين مقتدين برسوله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: في قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ): إثبات صفة الحفظ لله تعالى، وأنها تتعلق بإرادته ومشيئته، قال تعالى: ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [هود: 57]، وقد ذكر كثيرٌ من أهل العلم بأن من أسماء الله تبارك وتعالى: (الحفيظ والحافظ)، وهو سبحانه يحفظ عباده الذين يحفظون حدوده، ومن أعظم حدوده وحقوقه: توحيدُه في أُلُوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، واتباع كتابه وسنة رسوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحفظ الواجبات، قال تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، وترك المحرَّمات، قال تبارك وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ [المؤمنون: 5]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (مَنْ يَضْمَنْ لي ما بينَ لَحْيَيْهِ وما بينَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لهُ الجنَّةَ) رواه البخاري، و (عنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ»، قالَ: قُلْنَا: يا رسولَ اللهِ إنا نَسْتَحْيي والحمدُ للهِ، قالَ: «لَيْسَ ذاكَ، ولَكِنَّ الاسْتِحْياءَ منَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ أنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وما وَعَى، والبَطْنَ وما حَوَى، ولْتَذْكُرِ الْمَوْتَ والبلَى، ومَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينةَ الدُّنيا، فَمَنْ فَعَلَ ذلكَ فقَدْ اسْتَحْيا منَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ») رواه الترمذي وحسَّنه الفاكهانيُّ.



ثالثاً: في قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (يَحْفَظْكَ): فإذا حفظتَ توحيدك، وراعيتَ حقوق الله، فعندئذ يحفظك الله في دينك وفي بدنك ومالك وأهلك، وأعظمها حفظ الله لدينك، بأن يسلّمك من الزيغ والضلال والانحراف، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24]، وقال تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11]، قال ابنُ عباس: (مَلائِكَةٌ يَحْفَظُونَهُ مِن بينِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ، فإذا جَاءَ قَدَرُهُ خَلَّوْا عَنْهُ) رواه ابنُ جرير.


وقال ابنُ رجب: (ومَنْ حَفِظَهُ اللهُ في صِبَاهُ وقُوَّتِهِ، حَفِظَهُ اللهُ في حالِ كِبَرِهِ وضَعْفِ قُوَّتِهِ، ومَتَّعَهُ بسَمْعِهِ وبَصَرِهِ وحَوْلِهِ وقُوَّتِهِ وعَقْلِهِ، كانَ بعضُ العُلَمَاءِ قدْ جَاوَزَ الْمِائةَ سَنَةً وهُوَ مُمَتَّعٌ بقُوَّتِهِ وعَقْلِهِ، فَوَثبَ يَوْماً وَثْبَةً شديدَةً، فَعُوتِبَ في ذلكَ، فقالَ: هذِهِ جَوَارِحٌ حَفِظْنَاها عنِ الْمَعاصي في الصِّغَرِ، فحَفِظَهَا اللهُ علينا في الْكِبَرِ) انتهى.


وقال ابنُ كثير في قصة الخضر مع الغلامين: (وقولُه: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا)، فيهِ دليلٌ على أنَّ الرَّجُل الصالح يُحْفَظ في ذُرِّيَّتهِ، وَتَشْمَل بَرَكَة عِبادتهِ لهم في الدُّنيا والآخرة بشفاعتهِ فيهم ورَفْع درَجَتهم إلى أعلى دَرَجَةٍ في الجنَّةِ لِتَقَرَّ عَيْنُه بهِم، كما جاءَ في القُرآنِ ووَرَدَتْ بهِ السُّنَّة) انتهى.


وعنْ حُمَيْدٍ ابن هِلالٍ قالَ: (كانَ رَجُلٌ من الطُّفَاوَةِ طَرِيقُهُ علينا، فأَتى على الحَيِّ، فحَدَّثَهُمْ قالَ: قَدِمْتُ المدينةَ في عِيرٍ لَنا، فبعْنَا بيَاعَتَنَا، ثمَّ قلتُ: لأَنْطَلِقَنَّ إلى هذا الرَّجُلِ فلآتينَّ مَنْ بعدي بخبَرِهِ، قالَ: فانتَهَيْتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فإذا هُوَ يُرِيني بَيْتاً، قالَ: إنَّ امرأَةً كانت فيهِ فخَرَجَتْ في سَرِيَّةٍ من المسلمينَ، وتَركَتْ ثِنْتَيْ عشْرَةَ عَنْزاً لَها وصِيصِيَتَها -أي الصِّنارة-كانتْ تَنْسِجُ بها، قالَ: فَفَقَدَتْ عَنْزاً مِنْ غَنَمِها وصِيصِيَتَها، فقالت: يا رَبِّ إنكَ قدْ ضَمِنْتَ لِمَنْ خَرَجَ في سَبيلِكَ أنْ تَحْفَظَ عليهِ، وإني قدْ فَقَدْتُ عَنْزاً منْ غَنَمي وصِيصِيَتي، وإني أَنْشُدُكَ عَنْزِي وصِيصِيَتي، قالَ: فجَعَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَذكُرُ شِدَّةَ مُناشَدَتِها لرَبِّها تباركَ وتعالى، قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: فأَصْبَحَتْ عَنْزُها ومِثْلُها، وصِيصِيَتُها ومِثْلُها، وهاتِيكَ فأْتِها فاسْأَلْهَا إنْ شِئْتَ، قالَ: قُلْتُ: بلْ أُصَدِّقُكَ) رواه أحمد وقال الهيثمي: (ورجالهُ رجال الصحيح).


رابعاً: في قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ): قال ابن رجب: (معناه أن من حفظ حدود الله وراعى حقوقه وجد الله معه في جميع الأحوال يحوطه وينصره ويحفظه ويوفقه ويؤيده ويسدده، فإنه قائم على كل نفس بما كسبت) انتهى.
ومعية الله لخلقه نوعان:
الأولى: المعية الخاصة بالمؤمنين الحافظين لحدود الله، وهي تقتضي النصر والتأييد والحفظ والإعانة، وتُوجب لمن آمنَ بها كمال الثبات والقوة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]، فمن حفظ الله حفظه الله وأيده ونصره.
الثانية: المعيَّة العامة لجميع الخلق، وهي تقتضي الإحاطة بجميع الخلق من مؤمن وكافر، وبَرٍّ وفاجر، في العلم، والقدرة، والتدبير، وغير ذلك من معاني الربوبية، وهي توجب لمن آمن بها كمال المراقبة لله تعالى، قال تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [الحديد: 4]، والكتاب والسنة يدلان على قرب الله تعلى من عبده الحافظ لدينه، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]، قال ابن رجب: (قال قتادة: من يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، وكتب بعض السلف إلى أخ له: أما بعد، فإن كان الله معك فممن تخاف؟! وإن كان عليك فمن ترجو؟! والسلام) انتهى.
الخطبة الثانية
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمداً صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عبدُهُ ورسولُهُ.


أمَّا بعدُ: (فإنَّ خَيْرَ الحديثِ كِتابُ اللهِ، وخيرُ الْهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ، وشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُلُّ بدعَةٍ ضَلالَةٌ)، و(لا إيمانَ لِمَن لا أَمانةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ).


أيها المسلمون: من الفوائد العقدية في هذه الوصية الجامعة:
خامساً: في قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (إذا سَأَلْتَ فاسأَلِ اللهَ): أي لا تعتمد على أحد من المخلوقين واسأل الله وحده، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، قال السعدي: (هذا من لطفه بعباده، ونعمته العظيمة، حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأمرهم بدعائه، دعاء العبادة، ودعاء المسألة، ووعدهم أن يستجيب لهم، وتوعّد من استكبر عنها) انتهى.


وقد بايع الصحابةُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ألاَّ يسألوا الناس شيئاً، قال عوف الأشجعي: (فلَقَدْ رأَيْتُ بعْضَ أُولئكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أحَدِهِمْ، فمَا يَسْأَلُ أحَداً يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ) رواه مسلم، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (إنهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللهَ يَغْضَبْ عليهِ) رواه الترمذيُّ وحسَّنه الألباني.


قال ابن رجب: (واعلم أن سؤال الله تعالى، دون خلقه هو المتعين، لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة المســـؤول على دفع هذا الضرر، ونيل المطلوب، وجلب المنافع، ودرء المضــار، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده، لأنه حقيقة العبادة) انتهى.


خامساً: في قولهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (وإذا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللهِ)، لَمَّا أمر عليه الصلاة والسلام بحفظ الله والتعرف إليه في الرخاء وذلك هو العبادة حقيقة ثم أرشد إلى سؤال الله وحده ودعائه، فعَنْ (النُّعمانِ بنِ بشيرٍ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في قولِهِ تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، قالَ: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبادَةُ»، وقَرَأَ: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾، إلى قولِهِ: ﴿ دَاخِرِينَ ﴾) رواه الترمذيُّ وقال: (حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ)، أرشد بعد ذلك إلى الاستعانة بالله وحده، وهذا مُنتزعٌ من قوله تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، قال ابنُ رجب: (وهي كلمة عظيمة جامعة يقال: إنَّ سِرَّ الكُتب الإلهية كلها ترجع إليها وتدور عليها.


وفي استعانة الله وحده فائدتان:
إحداهما: أن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في عمل الطاعات.


والثانية: أنه لا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله الله فهو المخذول).



و(عنْ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ أنَّ رسولَ صلَّى عليهِ وسلَّمَ أَخَذَ بيدِهِ وقالَ: «يا مُعَاذُ، واللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ، واللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ»، فقالَ: «أُوصِيكَ يا مُعاذُ لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ تقولُ: اللهُمَّ أَعِنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسْنِ عِبَادَتِكَ»، وأَوْصَى بذلكَ مُعَاذٌ الصُّنَابحِيَّ، وأَوْصَى بهِ الصُّنَابحِيُّ أبا عبدِ الرحمَنِ) رواه أبو داود وصحَّحَهُ النوويُّ.


اللهُمَّ إنا نسأَلُكَ بأنَّ لكَ الحمدَ، لا إلهَ إلا أنتَ الْمنَّانُ، يا بديعَ السماواتِ والأرضِ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ، إنا نسألُكَ يا حافظُ يا حفيظُ يا خيرَ الحافظينَ أنْ تدْفَعَ عنَّا جميعَ ما يَضُرُّنا في دِينِنَا ودُنيَانا، آمين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.42 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.74%)]