|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() العروة الوثقى د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم إنَّ الحمدَ لله؛ نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه. أما بعدُ: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ... ﴾ [النساء: 1]. أيَّها المؤمنونَ! للقرآنِ الكريمِ أسلوبُ إقناعٍ أخَّاذٍ، تتنوَّعُ صورُه، وتَتَّحِدُ في إرساءِ الحقيقةِ غايتُه. ومن تلك الأساليبِ القرآنيةِ التي كثيرًا ما تُجلّى بها الحقائقُ الكبرى إيضاحُها بالتشبيهِ الحسيِّ وضرْبِ المَثَلِ، وأعظمُ تلك الحقائقِ حقيقةُ التوحيدِ؛ فهي قَطْبُ رَحى الكتابِ العزيزِ الذي تدورُ عليه هداياتُ آياتِه ودلائلُها، وأكثرُها حضورًا فيه؛ ولا غرْوَ في ذلك؛ إذِ التوحيدُ غايةُ الوجودِ، وطوْقُ النجاةِ السرمديِّ من الخسارِ يومَ الدينِ. ومن التشبيهاتِ القرآنيةِ التي جسَّدت حقيقةَ التوحيدِ وثمرتَه تشبيهُه بالحلْقةِ القويةِ المُحْكَمةِ التي مَن استمسكَ بها نجا وفازَ بغنيمةِ الخيرِ والسلامةِ من غوائلِ الشرِّ، وقد ورَدَ ذلك التشبيهُ في موضعين من كتابِ اللهِ؛ قال تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 22]. أيها المسلمون! إنَّ حقيقةَ التوحيدِ الناصعةَ تقومُ على ركنين؛ لا يُشادُ صرحُ التوحيدِ إلا باستيفائِهما؛ الكفرُ بما يُعبدُ من دون اللهِ، واعتقادُ إنكارِ استحقاقِه لأيِّ جزءٍ من العبوديةِ وإنْ دقَّ؛ أيا كان ذلك المعبودُ الطاغوتيُّ الذي صُرِفَ له حقٌّ من حقوقِ عبوديةِ الألوهيةِ الخالصةِ للهِ؛ من التعظيمِ والتشريعِ والمحبةِ والخوفِ والرجاءِ والدعاءِ والتوكلِ والذبحِ والحَلِفِ والنذرِ والحُكْمِ ونحوِها؛ آدميًا كان، أو ملائكيًا، أو ماديًا، أو نظاميًا؛ إذ لا مستحِقَّ للعبادةِ إلا اللهُ، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]. وثاني الأركانِ الإيمانُ باللهِ والإقرارُ بانفرادِه -سبحانه-بالألوهيةِ؛ وأنه الإلهُ المعبودُ المستحِقُّ لإفرادِه بكمالِ المحبةِ والذُّلِ والتعظيمِ، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [النحل: 51]. وذلكم هو إسلامُ العبدِ وجهَه للهِ، الذي يَحْملُ في معانيه إخلاصَ القصدِ للهِ، والتذللَ له، وتفويضَ الأمرِ إليه، مع إتقانِ الطاعةِ بتحقيقِ مقامِ الإحسانِ فيها مع اللهِ ومع الخلْقِ؛ باستحضارِ قرْبِ اللهِ منه واطلاعِه عليه؛ فيعبدُه كأنه يَراه، فإنْ لم يكن يراه فإنَّ اللهَ يَراه، وتقديمِ مُسْتطاعِه من نفعِ العبادِ محتسبًا أجرَه على اللهِ؛ لا يريدُ منهم جزاءً ولا شكورًا. عبادَ اللهِ! إنَّ الاستمساكَ بالعروةِ الوثقى تعامُلٌ أوجَبتْه الشريعةُ مع أعظمِ حقيقةٍ في الوجودِ؛ توحيدِ اللهِ؛ إذ ذاك الاستمساكُ هو غايةُ القوةِ في التشبُّثِ والتمكُّنِ من العَلَقِ بها، وقد عُبِّرَ عنها بصيغةِ الفعلِ الماضيِ الدالِ على الثبوتِ بالتحققِّ المؤكَّدِ: ﴿ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾، والذي كان ثمرةَ دوامِ الكفرِ بالطاغوتِ والإيمانِ باللهِ وغلبةِ تحقيقِ مقامِ الإحسانِ مع اللهِ ومع الخلْقِ. والاستمساكُ بالتوحيدِ أجلى صورِ أخْذِ الكتابِ بقوةٍ، وذاك ما أوصى اللهُ به أنبياءَه –عليهم الصلاةُ والسلامُ-؛ فقال ليحيى – عليه السلامُ-: ﴿ يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12]، وقال لموسى –عليه السلامُ-: ﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ﴾ [الأعراف: 145]، وقال لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم -وأمتُه تَبَعٌ له-: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الزخرف: 43]، وغدا ذلك الاستمساكُ سِمَةً وخصيصةً لأيِّ دعوةٍ إصلاحيةٍ راشدةٍ مؤثِّرةٍ، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف: 170]. عبادَ اللهِ! إنَّ لتشبيهِ التوحيدِ بالعروةِ الوثقى ذاتِ الصلابةِ وشدةِ الإحكامِ، والتعصِّي على الانكسارِ والانفصالِ والثَّلْمِ، والمتدَلِّيةِ من علوٍّ سماويٍّ برباطٍ وثيقٍ، وتصويرِ حالِ التعلُّقِ بها بالاستمساكِ –إن لذلك دلائلَ تستدعي التأملَ والادكارَ؛ إذ في معانيها وهدايتِها القوةُ المفْعَمةُ التي يضخُّها التوحيدُ في قلبِ صاحبِه؛ جزاءً لقوةِ استمساكِه به. ومن شأنِ قوةِ التوحيدِ حين يملأُ القلبَ إكسابُه الشجاعةَ والطمأنينةَ، كما كان فقْدُه سببَ ذُعْرِه ورُعْبِه، قال تعالى: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ﴾ [آل عمران: 151]. والقلبُ إنْ أُفعمَ بقوةِ التوحيدِ وشجاعتِه شَمَخَ وأَنِفَ وأُتْرِعَ بالعزةِ الإيمانيةِ وغدا مرهوبَ الخُطَى مُهابَ الجَنابِ، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "نُصْرِتُ بالرعبِ مسيرةَ شهْرٍ"؛ رواه البخاريُّ. وذلك العزُّ ظاهرٌ في تشبيهِ العروةِ الوثقى حين علا المستمسكُ بها وسَما عن مَن جَفَاها أو تخلّى عنها. وولايةُ اللهِ عبدَه وعدمُ خذلانِه من هدايةِ استمساكِه بالعروةِ الوثقى، وفي تلك الولايةِ الربانيةِ المحبةُ والكفايةُ والأمانُ والنجاةُ في الدنيا والآخرةِ، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]، وقال سبحانه: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾ [النمل: 89]. ورسوخُ قَدَمِ الثباتِ على الصراطِ المستقيمِ من إشارةِ الاستمساكِ بالعروةِ الوثقى المُفْضِي إلى وراثةِ الجنةِ، قالَ قَيْسُ بْنِ عُبَادٍ: كُنْتُ جَالِسًا فِي مَسْجِدِ المَدِينَةِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى وَجْهِهِ أَثَرُ الخُشُوعِ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا، ثُمَّ خَرَجَ، وَتَبِعْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّكَ حِينَ دَخَلْتَ المَسْجِدَ قَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لاَ يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ: رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ - ذَكَرَ مِنْ سَعَتِهَا وَخُضْرَتِهَا -، وَسْطَهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ، وَأَعْلاَهُ فِي السَّمَاءِ، فِي أَعْلاَهُ عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لِي: ارْقَ، قُلْتُ: لاَ أَسْتَطِيعُ، فَأَتَانِي مِنْصَفٌ (أي: خادم)، فَرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي، فَرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلاَهَا، فَأَخَذْتُ بِالعُرْوَةِ، فَقِيلَ لَهُ: اسْتَمْسِكْ فَاسْتَيْقَظْتُ، وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإِسْلاَمُ، وَذَلِكَ العَمُودُ عَمُودُ الإِسْلاَمِ، وَتِلْكَ العُرْوَةُ عُرْوَةُ الوُثْقَى؛ فَأَنْتَ عَلَى الإِسْلاَمِ حَتَّى تَمُوتَ» وَذَاكَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَم "؛ رواه البخاري ومسلم. الخطبة الثانية الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ. أما بعدُ، فاعلموا أن أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ... أيها المؤمنون! وفي مَثَلِ الاستمساكِ بالعروةِ الوثقى إيماءٌ لثمرةِ الطمأنينةِ والسكينةِ والبصيرةِ وإنْ تنوعتْ صورُ البلاءِ وبَلَغَ الخَطْبُ ذُراه؛ إذ هو معتصِمٌ بعروةٍ من اللهِ وثقى؛ لا تنقطعُ ولا تَهِنُ ولا تخونُ ممْسكًا بها في سراءَ أو ضراءَ، ولا يَضلُّ مَن يَشُدُّ عليها في الطريقِ الوعِرِ والليلةِ المظلمةِ، بين العواصفِ والأنواءِ! هذه العروةُ الوثقى هي الصلةُ الوثيقةُ الثابتةُ المطمئنةُ بين قلبِ المؤمنِ المستسلمِ وربِّه. هي الطمأنينةُ إلى كلِّ ما يأتي به قدَرُ اللهِ في رضى وفي ثقةٍ وفي قبولٍ، طمأنينةٌ تَحْفظُ للنفْسِ هدوءَها وسكينتَها ورباطةَ جأْشِها في مواجهةِ الأحداثِ، وفي الاستعلاءِ على السراءِ فلا تَبْطُرُ، وعلى الضراءِ فلا تَصْغُرُ، وعلى المفاجئاتِ فلا تُذْهَلُ، وعلى اللّأْواءِ في طريقِ الإيمانِ، والعقباتُ تتناثرُ فيه من هنا ومن هناك، قال تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 213]. وبالجملةِ، فالفلاحُ معقودٌ بناصيةِ الاستمساكِ بالعروةِ الوثقى، عادَ أبو الدرداءِ-رضيَ اللهُ عنه- مريضًا من جيرتِه، فوجدَه في السوقِ وهو يغَرْغِرُ، لا يفقهون ما يريد، فسألَهم: يريدُ أنْ يَنْطِقَ؟ قالوا: نعم، يريدُ أنْ يقولَ: آمنتُ باللهِ، وكفرتُ بالطاغوتِ، قال أبو الدرداءِ: وما عِلْمُكم بذلك؟ قالوا: لم يزلْ يرددُها حتى انكسرَ لسانُه، فنحن نعلمُ أنه إنما يريدُ أن يَنْطِقَ بها، فقال أبو الدرداءِ: أفلحَ صاحبُكم! إنَّ اللهَ يقول: ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256].
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |