بيوت تئن من المشاكل والخلافات: الأسباب والعلاج - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح صحيح البخاري كاملا الشيخ مصطفى العدوي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 867 - عددالزوار : 75196 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 50 - عددالزوار : 32709 )           »          من أحكام سجود السهو (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          فضل الدعاء وأوقات الإجابة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          ملخص من شرح كتاب الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 2140 )           »          من مائدة الفقه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 1295 )           »          تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته، ثم استنجى من تور، ثم دلك يده بالأر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          مفهوم القرآن في الاصطلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          تفسير سورة الكافرون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 07-02-2022, 06:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,975
الدولة : Egypt
افتراضي بيوت تئن من المشاكل والخلافات: الأسباب والعلاج

بيوت تئن من المشاكل والخلافات: الأسباب والعلاج
خالد بن حسن المالكي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
فيقول الله تعالى: ﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾ [الأنبياء: 89].

الإنسانُ - حفظكم الله - اجتماعيٌّ بفِطرته، يعيشُ مع الجماعة، يتأثَّرُ بها، ويُؤثِّرُ فيها، يُقيمُ علاقاته بدءًا من طفولته المُبكرة معَ أمه وأبيه، ثم أفراد أسرته وأقاربه وجيرانه؛ ليمتدَّ اتصالُه وتفاعُله في دوائر مُتصلة، في مدرسته، وسوقه، وعمله، ومُجتمعه.

وتماسُك المُجتمع وسلامتُه ونموُّه، وانسجامُه، يتمُّ بإمداده بأعضاءٍ فاعلين مُنسجِمين، وذلك يبدأُ - بعون الله تعالى - من عتَبَة الأسرة؛ فهي اللَّبِنةُ الأولى في البِنية الاجتماعية، وأساس الأسرة ومنشؤها ومبدؤها هما الزوجان، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ".

معاشر الإخوة:
إنَّ الزواج علاقةٌ عميقةُ الجذور، بعيدةُ الآماد، متينةُ الأسس، قال تعالى: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ"، وفي رواية: "فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فإنَّه أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ".

فضلًا عما تُهَيِّئه هذه العلاقة من تربية البنين والبنات، وكفالة النشء، وحفظ المجتمع - بعون الله تعالى وتوفيقه -.

وأيُّ بيئةٍ أزكى من هذا الجو الأسري الكريم؟
فالزوجان شريكان، لا غريمان، ما كان في مصلحة الزوج فهو في مصلحة الزوجة، وما كان في مصلحة الزوجة فهو في مصلحة الزوج.

فتعاوُنهما تبادُلٌ للمصالح بينهما، ومن بعدهما مصلحةُ الأُسرة، والأقارب والمُجتمع، ويجبُ أن لا يختلِفا على المصلحة العُليا، وتقديرها، وتقديمها، إنها الوصول لرضا الله سبحانه وتعالى.

معاشر الأحبة؛ ينبغي إدارة الأُسرة بالرِّفق والمودة، والصبر والتصبُّر، والهدوء والروِيَّة، والحوار الهادِف، والتفاهُم المُحاط بالتسامُح.

فإذا رغب الأزواج في أن يَحْيَوا حياة أسرية سعيدة، تنعم فيها بيوتهم بالهدوء والاستقرار، فعليهم - بعد التوكل على الله تعالى - إتقان فن التعامل في الحياة الزوجية.

لا يبخلا بالمدح والثناء على بعضهما، وعليهما إظهار المحبة بينهما.

سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة".

وعليهما بالملاطفة والمؤانسة، والمِزاح والمُلاعبة؛ فإنها مِلحُ الحياة وطعمُها.

قالت عائشة رضي الله عنها: كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فِيَّ فيشرب.

وَلْيُظهر كل منهما الاهتمام بما يهتم به صاحبه،
فإذا كان الزوج مثلا يحب قراءة القصص الهادفة، فلتظهر زوجته محبتها لها، وكذا العكس.

وليحرصا على التجمل والتزين لبعضهما، فإن ذلك مما يزيد الألفة والمحبة.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: إني أحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله تعالى ذكره يقول: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228].


وليحاول كل منهما تفهم نفسيةَ صاحبه وطبائَعه؛ ليتأقلم معها، ومعرفة ما يحب فيفعله، وما يكره فيتركه، ما دام في طاعة الله عز وجل.

وليحرص كل منهما على تطييب خاطر صاحبه، قال أبو الدرداء رضي الله عنه لزوجته: إذا غضبت فَـرَضيِّني، وإذا غضبت رضيتك، فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق.

وليبدعا في اختيار أحسن الألفاظ، وأحبها إلى شريك الحياة، فلا يسمع أحدُهُمَا الآخرَ إلا ما يحب، وليحذرا الكلمات الجارحة أو السلبية.

قال تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ".

فينبغي التغافل بين الزوجين عن بعض التقصير؛ فإنه أطيب للنفس، وأدوم للمعشر، ويتميز به الكرام.

قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل.

وقال الحسن رحمه الله تعالى: ما استقصى كريم قط، وقد كان هذا خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته.

َوالقاعدة في هذا كله: أن يعامل كل منهما صاحبه بالمعروف، حتى وإن كره منه بعض الصفات، قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا * وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 19 - 21].


معاشر الأحبة:
ينبغي الابتِعادُ عن العنف والمُكابَرة في الحياة الأُسرية، قال ابن عثيمينَ رحمه الله تعالى: "السعادة الزوجية لا تأتي بالعنف وفرض السيطرة، فإن هذا من الخطأ، ولكن يجب أن ينظر الزوج إلى زوجته على أنها قرينته، وأم أولاده، وراعية بيته، فيحترمها كما يحب هو أن تحترمه".

عن عائشة أنها رَكِبَتْ بَعِيرًا، فَكَانَتْ فِيهِ صُعُوبَةٌ، فَجَعَلَتْ تُرَدِّدُهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ".

فينبغي أن يجد كل من الزوجين في صاحبه الهدوء عند القلق، والبشاشة عند الضيق.

فإن أساس الحياة الزوجية: الصحبة القائمة على الوُدِّ والأنسِ والتآلف.

أيها الإخوة الكرام:
هناك أمور كثيرة يقوم عليها بناء الأسرة المسلمة، وتتوطَّد فيها العلاقة الزوجية، وتبتعد فيها عن رياح التفكك، وأعاصير الانفصام والتصرم:
وأول هذه الأمور وأهمها وأعظمها: التمسك بعروة الإيمان الوثقى، والخوف من الله العلي الأعلى، إذ هو مطلع على ما تكنُهّ الضمائر، وتخفيه الصدور، والمحافظة على إقامة الصلاة وغيرها من شعائر الإسلام، ولزومُ التقوى والمراقبة، والبعدُ عن الظلم والتعسُّف.

وينبغي على الزوجين البعد عن المعاصي، وغض البصر، وحفظ الفرج عما حرم الله تعالى،
والاجتهاد في العبادة، والحرص عليها، والتواصي بها بينهما؛ فإن ذلك يزيد الألفة، ويعمق المحبة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رحِمَ اللَّهُ رجلًا قامَ منَ اللَّيلِ فصلَّى وأيقظَ امرأتَهُ فصلَّت، فإن أبَت نضحَ في وجهِها الماءَ، رحِمَ اللَّهُ امرأةً قامَت منَ اللَّيلِ فَصلَّت وأيقَظَت زَوجَها، فإن أبَى نضَحَت في وجهِهِ الماءَ".

معاشر الكرام: إن العلاقة بين الزوجين علاقة روحية كريمة،
وحينما تَصِحُّ هذه العلاقة وفق ما يحب الله تعالى ويرضى، فإنها تمتد إلى الحياة الآخرة بعد الممات، قال تعالى: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23، 24].

وإن مما يحفظ هذه العلاقة الكريمة: معرفة أنَّ نُشْدَان الكمال في البيت أمر متعذر، والأملُ في استكمال جميع الصفات المحمودة في الأزواج شيء بعيد المنال.

ومن رجاحة العقل، ونضج التفكير، توطينُ النفس على قبول بعضِ النقص، والغضُّ عن بعضِ المنغصات،

والرجل - وهو رب الأسرة - مطالب بتصبير نفسه أكثر من المرأة، فالمبالغة في تقويمها يقود إلى كسرها، وكسرها طلاقُها،

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ، لَنْ تَسْتَقِيمَ لكَ علَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بهَا اسْتَمْتَعْتَ بهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا".

فعلى الرجل أن يركز على جوانب الخير في أهله، وإنه لواجد في ذلك خيرًا كثيرًا.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خيرُكم خيرُكمْ لأَهْلِه، وأنا خيرُكُمْ لأَهْلي".

وعلى المرأة المسلمة: أن تعلم أن السعادة، والمودة، والطمأنينة لا تتم إلا حين تكون ذاتَ عفةٍ وأدبٍ ودينٍ، تحب زوجها وأهله،

تعرف ما لها فلا تتجاوزه، لا تملأ بيتها تعشيشا، ولا تبث حديث زوجها تبثيثا، تستجيب له، فهو الذي له القِوامة عليها، يصونها، ويحفظها، وينفق عليها بحسب وسعه - من غير إسراف ولا تقتير -، فتجب طاعته، وحفظه في نفسها ومالها، قيل لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أيُّ النساءِ خيرٌ؟ قال: "التي تسرُّه إذا نظر، وتطيعُه إذا أمر، ولا تخالفُه في نفسِها ومالها بما يكره".

الزوجة الصالحة: تتقن عملها وتقوم به، تعتني بنفسها وبيتها، فهي زوجة مطيعة، وأم شفيقة، راعيةٌ في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها، تعترف بجميل زوجها، ولا تتنكر للفضل والعشرة الحسنة.

يحذِّرُ النبي صلى الله عليه وسلم من هذا التنكر فيقول: "أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أكْثَرُ أهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ. قيلَ: أيَكْفُرْنَ باللَّهِ؟ قالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، ويَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لو أحْسَنْتَ إلى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شيئًا، قالَتْ: ما رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ".

فلا بد من تذكر المعروف، والتجاوز عن الهَفَوات، لا تسيء إليه إذا حضر، ولا تخونه إذا غاب، بهذا يحصل التراضي، وتدوم العِشرْة، ويسود الإلفُ والمودةُ والرحمةُ.

قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴾ [النحل: 72].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:
فيا معاشر الكرام:
إن الزوجين وما بينهما من وطيد العلاقة، وما يترعرع في أحضانهما من بنين وبنات يمثلّان حاضر الأمة ومستقبلها، ومن ثم فإن الشيطان حين يفكك روابط أسرة فهو لا يهدم بيتًا واحدًا فحسب، وإنما يوقِعُ أذىً مُسْتَعِرا، وشرًّا مستطيرا، يمتد أثره ليشمل المجتمع.

وقد عُلم: أن حُسْنِ العِشرة، وأسباب السعادة لا تكون إلا في اللين، والبعد عن الظنون والأوهام التي لا أساس لها، وأن الغَيرة الزائدة قد تذهب ببعض الناس إلى سوء ظن يحمله على تأويل الكلام، والشك في التصرفات من غير مستند صحيح، مما ينغص العيش، ويقلق البال، ويسبب الفراق.

فرَحِمَ الله رجلًا صالحًا طيبا، محمود السَيرة، طيِّب السريرة، سهلًا رفيقًا، ليِّنًا رؤوفًا، سخيًّا كريمًا، شُجاعًا مِقدامًا، حازمًا في أمره، رحيمًا بأهله، يلاطفهم ويلاعبهم، ويشبع حاجاتهم، ويهتم بمشاعرهم، يشجعهم ويرفع معنوياتهم، ولا يحطم شخصياتهم.

لا يكلف شططا، ولا يرهق عُسرًا، ولا يهمل في مسؤولية.

ورَحِمَ الله امرأة لا تطلب غَلَطًا، ولا تكثر لَغَطًا، صَالحةً قَانتةً، حَافظةً للغيب بما حفظ الله.

واعلموا - أصلح الله قلوبكم وبيوتكم - أن حالات الاضطراب، وعدمِ التوافق، قد تنبعثُ من تَدخُّل غيرِ حكيم من أقارب الزوجين، أو تَتبع للصغير والكبير من أمورهما،

فيهدم البيت، ويقوض الاستقرار لأمرٍ تافه صغيرٍ، جعله التدخُل غير المناسب، والبعد عن الحكمة، والتعجل والتسرُّع أمرا عظيما.

واعلموا - أنار الله دروبكم بالإيمان - أن أعظم منابع الخلافات:
قلة البصيرة في الدين، والجهل بأحكام الشريعة السمحة، وتراكم العادات السيئة، والتمسك بالآراء الكليلة.

ومن أهم ما يُطلب في معالجة المشاكل: الصبر والتحمُّل، ومعرفة الاختلاف في المدارك والعقول، والتفاوت في الطباع،

مَعَ ضرورة التسامح والتغاضي عن كثير من الأمور، وقال تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 128].

نعم أحبتي الكرام:
الصلح خير، الصلح خير من الشقاق والجفوة، والنشوز والطلاق.

فالطلاق لا يكون إلا بعد استِنفادِ كافة وسائل الإصلاح والاستِصلاح،

إخوة الإسلام:
لماذا زهدنا في إصلاح ذات البين؟ وأصبح بعض الناس يتلاعبون بحدود الله تعالى؟

أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا، فَقَامَ غَضْبَانًا، ثُمَّ قَالَ: "أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟".

فحافظوا - حفظكم الله من كل سوء ومكروه - حافظوا على بيوتكم وأزواجكم وأولادكم، وتعلموا أحكام دينكم، وأقيموا حدود الله ولا تتجاوزوها،

قال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 1].

وقال تعالى: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].
رب اشرح لي صدورنا ويسر لنا أمورنا. رب زدنا علما.

﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.59 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.07%)]