|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() القادر - القدير - المقتدر جل جلاله، وتقدست أسماؤه الشيخ وحيد عبدالسلام بالي الدِّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (القَادِرِ): القَادِرُ في اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ قَدَرَ يَقْدِرُ فَهُوَ قَادِرٌ، يُقَالُ: قَدَرْتُ الأَمْرَ أقْدُرُهُ وأُقَدِّرُه إذا نَظَرْتَ فِيه ودَبَّرْتَه. وَقدْرُ كُلِّ شَيْءٍ وَمِقْدَارُه مِقْيَاسُهُ، وقَدَرَ الشَّيْءَ بالشَّيْءِ وقَدَّرَهُ قَاسَهُ. والتَّقْدِيرُ عَلَى وُجُوهٍ مِنَ المعَانِي، أَحَدِها: التَّرْوِيَةُ والتَّفْكِيرُ في تَسْوِيَةِ أَمْرٍ وَتَهْيِئَتِهِ، والثَّانِي: تَقْدِيرُهُ بِعَلَامَاتٍ يَقْطَعُهُ عليها، والثَّالِثِ: أَنْ تَنْوِيَ أَمْرًا بِعَقْدِكَ تَقُولُ: قَدَّرْتُ أَمْرَ كذا وكذا أَيْ نَوَيْتُه وعَقدْتُ عَلَيهِ، ويُقَالُ: قَدَرْتُ لأَمْرِ كذا أَقَدِرُ لَه إِذا نَظَرْتَ فيه ودَبَّرْتَه وقَايَسْتَه[1]. والقَادِرُ سبحانه وتعالى هُوَ الذِي يُقَدِّرُ المقَادِيرَ في عِلْمِهِ، وعِلْمُهُ المرتبةُ الأُولَى مِنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، فاللهُ عز وجل قَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ قَبْلَ تَصْنِيعِهِ وتَكوِينِهِ، ونَظَّمَ أُمُورَ الخَلْقِ قَبْلَ إيجادِهِ وإمْدَادِهِ، ثُمَّ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ هَذِهِ الَمعْلُومَاتِ وَدَوَّنَها بالقَلَمِ فِي كَلِمَاتٍ، وَكُلُّ مَخْلُوقٍ مَهْمَا عَظُمَ شَأْنُهُ أَوْ قَلَّ حَجْمُهُ كَتَبَ اللهُ مَا يَخُصُّهُ في اللَّوْحِ المحْفُوظِ، ثُمَّ يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ وقُدْرَتِهِ أَنْ يَكُونَ الأَمْرُ وَاقِعًا عَلَى مَا سَبَقَ فِي تَقْدِيرِه، ولذلكَ فَإِنَّ القَدَرَ عِنْدَ السَّلَفِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْدِيرِ والقُدْرَةِ، فَبِدَايَتُه فِي التَّقْدِيرِ وهو عِلْمُ حِسَابِ المقَادِيرِ، أو العِلْمِ الجَامِعِ التَّامِّ لحِسَابِ النِّظَامِ العَامِ الذي يَسيرُ عليه الكونُ مِنْ بِدَايَتِهِ إلى نِهَايَتِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر: 21]. وَقَالَ أَيْضًا: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ [الأحزاب: 38]. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: 3]. وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرِوٍ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَعَرْشُهُ عَلَى المَاءِ»[2]، وفي رواية الترمذي: «قَدَّرَ اللهُ الَمَقَادِيرَ قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ»[3]. فالقَادِرُ هُوَ الذِي قَدَّرَ المقَادِيرَ قَبْلَ الخَلْقِ والتَّصْوِيرِ، والقَادِرُ دِلَالتُه تَتَوَجَّهُ إلى المرتبةِ الأولَى مِنْ مَرَاتِبِ القَدَرِ، وهي العِلْمُ والتَّقْدِيرُ وإِمْكَانِيَّةُ تَحْقِيقِ الُمقَدَّرِ، ولذلكَ قَالَ تَعَالَى: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ [يس: 81]. وَقَالَ سُبْحَانَهُ أَيْضًا: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ [المعارج: 40، 41]، فالآياتُ تَتَعَلَّقُ بإمْكَانِيَّةِ تَحْقِيقِ المقَدَّرِ. وقَالَ أيضًا: ﴿وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ﴾ [المؤمنون: 95]. الدِّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (القَدِيرِ): القَدِيرُ في اللُّغَةِ مِنْ صِيَغِ المبَالَغَةِ، فَعِيل مِنْ القَادِرِ، فِعْلُهُ قَدَّرَ يُقَدِّرُ تَقْدِيرًا. قال ابنُ مَنْظُورٍ: «القَادِرُ والقَدِيرُ مِنْ صِفَاتِ اللهِ عز وجل يَكُونَانِ مِنَ القُدْرَةِ وَيَكُونَانِ مِنَ التَّقْدِيرِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 148] مِنَ القُدْرَةِ، فاللهُ عز وجل عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، واللهُ سُبْحَانَهُ مُقَدِّرُ كُلِّ شَيْءٍ وَقَاضِيهُ»[4]. قَالَ ابنُ الأثيرِ: «في أسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى القَادِرُ والُمقْتَدِرُ والقَدِيرُ، فالقَادِرُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ قَدَرَ يَقْدِرُ، والقَدِيرُ فَعِيلٌ مِنْهُ، وَهُوَ للمُبَالَغَةِ، والمقْتَدِرُ مُفْتَعِلٌ مِنِ اقْتَدَرَ، وَهُوَ أَبْلَغُ»[5]. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: «القَدِيرُ أَبْلَغُ فِي الوَصْفِ مِنَ القَادِرِ؛ لأَنَّ القَادِرَ اسْمُ الفَاعِلِ مِنْ قَدَرَ يَقْدِرُ فَهُوَ قَادِرٌ، وَقَدِيرٌ فَعِيلٌ، وَفَعِيلٌ مِنْ أَبْنِيَةِ المبَالَغَةِ»[6]. والقَدِيرُ سبحانه وتعالى هُوَ الذِي يَتَوَلَّى تَنْفِيذَ المقَادِيرِ، ويَخْلُقُهَا عَلَى ما جَاءَ في سَابِقِ التَّقْدِيرِ؛ فَمَرَاتِبُ القَدَرِ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: العِلْمُ والكِتَابَةُ والمشِيئَةُ والخَلْقُ، والمقْصُودُ بهذِهِ المرَاتِبِ المراحِل التي يَمُرُّ بها المخْلُوقُ مِنْ كَوْنِهِ مَعْلُومَةٌ فِي عِلْمِ اللهِ في الأزلِ إلى الوَاقِعِ المشهودِ، وهذه المراحلُ تُسَمَّى عِنْدَ السَّلَفِ الصَّالِحِ مَرَاتِبَ القَدَرِ، فَلا بُدَّ لخَلْقِ الشَّيْءِ وصِنَاعَتِهِ مِنَ العِلْمِ والكِتَابَةِ والمشِيئَةِ ومُبَاشَرَةِ التَّصْنِيعِ والفِعْلِ، وللهِ الَمثَلُ الأَعْلَى إذا كَانَ الُمصَنِّعُ الذي يُشَيِّدُ البُنْيَانَ لا بُدَّ أَنْ يَبْدَأَ مَشْرُوعَهُ أَوَّلًا بِفِكْرَةٍ فِي الأذْهَانِ، ومَعْلُومَاتٍ مَدْرُوسَةٍ بِدِقَّةٍ وَإِتْقَانٍ، دَرَسَها جَيِّدًا وَقَامَ بِتَقْدِيرِ حِسَابَاتِهِ، وضَبْطِ أُمُورِهِ وإِمْكَانِيَّاتِهِ، ثُمَّ يَقُوُمُ بِكِتَابَةِ هَذِهِ المعْلُومَاتِ، ويَخُطُّ لها في بِضْعِ وَرَقَاتٍ، أَنْوَاعًا مِنَ الرُّسُومَاتِ، التي يُمْكِنُ أَنْ يُخَاطِبَ مِنْ خِلَالِها مُخْتَلَفِ الجِهَاتِ، ثُمَّ يَتَوَقَّفُ الأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَشِيئَتِهِ أَوْ إِرَادَتِهِ فِي التَّنْفِيذِ، وتَوْقِيتِ الفِعْلِ إِنْ تَوَفَّرَتْ لَدَيْهِ القُدْرَةُ والإمْكَانِيَّاتُ، ثُمَّ يَبْدَأُ فِي التَّنْفِيذِ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ البُنْيَانُ، كَمَا قَدَّرَ لَهُ فِي الأَذْهَانِ، فإذا كَانَتْ هَذِهِ مَرَاحِلَ تَصْنِيعِ الأشْيَاءِ بَيْنَ المخْلُوقَاتِ بِحُكْمِ العَقْلِ والفِطْرَةِ، فاللهُ سُبْحَانَهُ وله المثَلُ الأَعْلَى مُنْفَرِدٌ بِمَرَاتِبِ القَضَاءِ والقَدَرِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وهي عِنْدَ السَّلَفِ الَمرَاحِلُ التي يَمُرُّ بِهَا المخْلُوقُ مِنَ العِلْمِ الأَزَلِي إلى أَنْ يُصْبِحَ وَاقِعًا مَخْلُوقًا مَشْهُودًا، أَوْ مِنَ التَّقْدِيرِ إلى المقْدُورِ، وهي عندهم أَرْبَعُ مَرَاتِبَ تَشْمَلُ كُلَّ صَغِيرَةٍ وكَبِيرَةٍ فِي الوُجُودِ[7]. فالقَادِرُ سُبْحَانَهُ هو الذِي يُقَدِّرُ المقَادِيرَ في عِلْمِهِ، وعِلْمُهُ المرْتَبَةُ الأُولَى مِنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، حَيْثُ قَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ قَبْلَ تَصْنِيعِهِ وتَكْوِينِهِ، ونَظَّمَ أُمُورَ الخَلْقِ قَبْلَ إيجَادِهِ وإمْدَادِهِ، فالقَادِرُ يَدُلُّ عَلَى التَّقْدِيرِ فِي المرْتَبَةِ الأُولَى، أَمَّا القَدِيرُ فَيَدُلُّ عَلَى القُدْرَةِ وتنفيذ المقَدَّرِ في المرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ، فالقَدِيرُ هو الذِي يَخْلُقُ وِفْقَ سَابِقِ التَّقْدِيرِ، والقَدَرُ مِنَ التَّقْدِيرِ والقُدْرَةِ مَعًا، فَبِدَايَتُهُ في التَّقْدِيرِ وَنِهَايَتُهُ فِي القُدْرَةِ وتَحْقِيقِ المقَدَّرِ، ولذلك يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ [الأحزاب: 38]، فالقَدِيرُ هو المتَّصِفُ بالقُدْرَةِ. وَيَذْكُرُ ابنُ القَيِّم أَنَّ القَضَاءَ والقَدَرَ مَنْشَؤُهُ عَنْ عِلْمِ الرَّبِّ وقُدْرَتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ الإِمَامُ أحمدُ: «القَدَرُ قُدْرَةُ اللهِ»[8]، واسْتَحْسَنَ ابنُ عَقيلٍ هذا الكلامَ مِنَ الإمَامِ أَحْمَدَ غَايَةَ الاسْتِحْسَانِ، ولهذا كَانَ المنْكِرُونَ للقَدَرِ فِرْقَتَينِ: فِرْقَةً كَذَّبَتْ بالعِلْمِ السَّابِقِ وَنَفَتْهُ، وَهُمْ غُلَاتُهم الذِين كَفَّرَهُمُ السَّلَفُ والأئِمَةُ، وَتَبَرَّأَ مِنْهُمُ الصَّحَابَةُ، وفِرْقَةً جَحَدَتْ كَمَالَ القُدْرَةِ، وَأَنْكَرَتْ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُ العِبَادَةِ مَقْدُورَةٍ للهِ تَعَالَى، وَصَرَّحَتْ بِأَنَّ اللهَ لا يَقْدِرُ عَلَيْهَا ولا يَخْلُقُها، فَأَنْكَرَ هَؤُلَاءِ كَمَالَ قُدْرَةِ الرَّبِّ وَتَوْحِيدِهِ في اسْمِهِ القَدِيرِ، وأَنْكَرَتِ الأُخْرَى كَمَالَ عِلْمِهِ وَتَوْحِيدِهِ في اسْمِهِ القَادِرِ[9]. الفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الأَسْمَاءِ[10]: قَالَ الزَّجَّاجِيُّ: «(القَدِيرُ) أَبْلَغُ في الوَصْفِ بالقُدْرَةِ مِنْ القَادِرِ؛ لأَنَّ القَادِرُ اسْمُ الفَاعِلِ مِنْ: قَدَرَ يَقْدِرُ فَهُوَ قَادِرٌ، وَ (قَدِيرٌ): فَعِيلٌ، وَفَعِيلٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الُمبَالَغَةِ، وَأَكْثُرُ مَا يَجِيءُ (فَعِيلٌ) اسْمَ الفَاعِلِ مِـمَّا كَانَ فِعْلُهُ عَلَى فِعْلٍ غَيْرِ مُتَعدٍّ، نَحْوَ: ظَرُفَ فهو ظَرِيفٌ، وَشَرُفَ فهو شَرِيفٌ، يُرادُ بِذَلِكَ الُمبَالَغَةُ فِي الوَصْفِ بالظُّرْفِ والشَّرَفِ، وكذلك جَمِيعُ مَا جَاءَ عَلَى (فَعِيلٍ) إِنَّمَا هُوَ للمُبَالَغَةِ في الوَصْفِ»[11]. وَقَالَ ابنُ الأثيرِ: «في أسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى: (القَادِرُ، والُمقْتَدِرُ، والقَدِيرُ) فالقَادِرُ اسْمُ الفَاعِلِ مِنْ قَدَرَ يَقْدِرُ، والقَدِيرُ فَعِيلٌ مِنْهُ، وهو للمُبَالَغَةِ، والُمقْتَدِرُ: مُفْتَعِلٌ مِنِ اقْتَدَرَ، وهو أَبْلَغُ»[12]. وُرُودُ الأسْمَاءِ في القُرْآنِ الكَرِيمِ: وَرَدَ اسْمُهُ (القَادِرُ) اثْنَتَي عَشْرَةَ مَرَّةً، خَمْسٌ مِنْها بِصِيغَةِ الجَمْعِ، ونُورِدُ مِنْهَا: قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ [الأنعام: 65]. وَقَوْلَهُ: ﴿وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ﴾ [المؤمنون: 95]. وَقَوْلَهُ: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ [يس: 81]. وَقَوْلَهُ: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾ [المرسلات: 20 - 23]. وَأَمَّا اسْمُهُ (القَدِيرُ) فَوَرَدَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ مَرَّةً مِنْها: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 20]. وَقَوُلُهُ: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 148]. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء: 149]. وقَوْلُهُ: ﴿يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة: 40]. وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنعام: 17]. وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الحج: 6]. وَقَوْلُهُ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: 39]. وقَوْله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر: 44]. وَقَوْلُهُ: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الملك: 1]. وَأَمَّا (الُمقْتَدِرُ) فَقَدَ وَرَدَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وهي: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الكهف: 45]. وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ﴾ [الزخرف: 41، 42]. وَقَوْلُهُ: ﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 42]. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 54، 55]. مَعْنَى الأسْمَاءِ في حَقِّ اللهِ تَعَالَى.... أَمَّا (القَادِرُ): فَقَالَ الزَّجَّاجُ: «(القَادِرُ): اللهُ القَادِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ، لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَفُوتُهُ مَطْلُوبٌ، والقَادِرُ مِنَّا - وإنِ اسْتَحَقَّ هذا الوصْفَ - فإِنَّ قُدْرَتَهَ مُسْتَعَارَةٌ، وهي عِنْدَه وَدِيعَةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَيَجُوزُ عَلِيه العَجْزُ في حَالٍ، والقُدْرَةُ في أُخْرَى. واللهُ تَعَالَى هو القَادِرُ، فلَا يَتَطَرَّقُ عليه العَجْزُ، ولا يَفُوتُهُ شَيْءٌ»[13]. وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: «(القَادِرُ): هو مِنَ القُدْرَةِ عَلَى الشَّيْءِ، يُقَالُ: قَدَرَ يَقْدِرُ قُدْرَةً فهو قَادِرٌ وقَدِيرٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الأحزاب: 27]، ووَصَفَ اللهُ نَفْسَهُ بأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ أَرَادَهُ، لا يَعْتَرِضُهُ عَجْزٌ، ولا فُتُورٌ. وَقَدْ يَكُونُ القَادِرُ بِمَعْنَى المُقَدِّرِ للشَّيْءِ، يُقَالُ: قَدَّرْتُ الشَّيْءَ وَقَدَرْتُهُ بِمَعْنَىً وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ: ﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾ [المرسلات: 23] أي: نِعْمَ الُمقَدِّرُونَ، وعَلَى هذا يُتَأَوَّلُ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ [الأنبياء: 87]؛ أَيْ: لَنْ نُقَدِّرَ عَلَيهِ الَخطِيئَةَ أَوِ العُقُوبَةَ؛ إِذْ لا يَجُوزُ عَلَى نَبيِّ اللهِ أَنْ يَظُنَّ عَدَمَ قُدْرَةِ اللهِ عز وجل فِي حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ»[14]. وَقَالَ الحُلَيْمِيُّ: «(القَادِرُ) قَالَ اللهُ عز وجل: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة: 40]، وَقَالَ: ﴿بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأحقاف: 33]، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، بَلْ تَيَسَّرَ لَهُ مَا يُرِيدُ عَلَى مَا يُرِيدُ؛ لأَنَّ أَفْعَالَهُ قَدْ ظَهَرَتْ، وَلَا يَظْهَرُ الفِعْلُ اخْتِيَارًا إِلَّا مِنْ قَادِرٍ غَيْرِ عَاجِزٍ، كَمَا لَا يَظْهَرُ إلا مِنْ حَيٍّ عَالمٍ»[15]. وَقَالَ البَيْهَقِيُّ: «هو الذِي له القُدْرَةُ الشَّامِلَةُ، والقُدْرَةُ له صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ»[16]. وَأَمَّا (القَدِيرُ): فَقَالَ ابنُ جَرِيرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 20]: «وإنَّمَا وَصَفَ اللهُ نَفْسَهُ - جَلَّ ذِكْرُهُ - بالقُدْرَةِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ في هذا الَموْضِعِ؛ لأَنَّهُ حَذَّرَ الُمنَافِقِينَ بَأْسَهُ وسَطْوَتَهُ، وأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ بِهِم مُحْيطٌ، وَعَلَى إِذْهَابِ أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِم قَدِيرٌ، ثُمَّ قَالَ: فاتَّقُونِي أَيُّها المُنَافِقُونَ، واحْذَرُوا خدَاعِي وَخِدَاعَ رَسُولِي وَأَهْلَ الإِيمَانِ بِي، لَا أُحِلُّ بِكم نِقْمَتِي، فَإِنِّي عَلَى ذلك وَعَلَى غَيْرِهِ مِنَ الأَشْيَاءِ قَدِيرٌ. وَمَعْنَى (قَدِيرٍ) قَادِرٌ، كَمَا مَعْنَى (عَلِيمٍ): عَالِمٌ، عَلَى مَا وَصَفْتُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَظَائِرِهِ مِنْ زِيَادَةِ مَعْنَى (فَعِيلٍ) عَلَى فَاعِلٍ في الَمدْحِ والذَّمِّ»[17]. وَقَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 106]: «أَلَمْ تَعْلَمْ يَا محمدُ أَنِّي قَادِرٌ عَلَى تَعْوِيضِهِ مِمَّا نَسَخْتُ مِنْ أَحْكَامِي، وَغَيَّرْتُهُ مِنْ فَرَائِضِي، التي كُنْتُ افْتَرَضْتُها عليك ما أَشَاءُ، مِمَّا هُوَ خَيْرٌ لك وَلِعِبَادِي الُمؤْمِنِينَ مَعَكَ، وَأَنْفَعُ لَكَ وَلهم، إمَّا عَاجِلًا وإمَّا آجِلًا في الآخِرَةِ، أَوْ بِأَنْ أُبَدِّلَ لَكَ ولهم مَكَانَهُ مِثْلَهُ في النَّفْعِ لَهُمْ عَاجِلًا في الدُّنْيَا وآجِلًا في الآخِرَةِ، وشَبِيهَهُ في الِخفَّةِ عَلَيكَ وعليهم، فاعْلَمْ يا محمدُ أَنِّي عَلَى ذلك وعلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ (قَدِيرٍ) في هذا الَموْضِعِ: قَوِيٌّ، يُقَالُ مِنْهُ: قَدْ قَدَرْتُ عَلَى كَذَا وَكَذَا، إذا قَوِيتُ عَلَيْهِ، أقْدِرُ عليه، وَأَقْدرُ عليه قُدْرَةً وَقِدرانًا ومَقْدِرَةً، وَبَنُو مُرَّةَ مِنْ غَطَفَانَ تَقُولُ: قَدِرْتُ عليه بِكَسْرِ الدَّالِ. فَأَمَّا (التَّقْدِيرُ) مِنْ قَوْلِ القَائِلِ: قَدَّرْتُ الشَّيْءَ، فَإِنَّهُ يُقَالُ مِنْهُ: قَدَرْتُهُ أُقْدُرُهُ قَدْرًا وقَدَرًا»[18]. وَقَالَ الحُلَيْمِيُّ: «(القَدِيرُ) وهو: التَّامُّ القُدْرَةِ، لا يُلابِسُ قُدْرَتَهُ عَجْزٌ بِوَجْهٍ»[19]. وَقَالَ ابنُ القَيِّمِ: وَهُوَ القَدِيرُ وليس يُعْجِزُهُ إذا ![]() مَا رَامَ شَيْئًا قَطُّ ذُو سُلْطَانِ[20] ![]() وَقَالَ السَّعْدِيُّ: «(القَدِيرُ) كَامِلُ القُدْرَةِ، بِقُدْرَتِهِ أَوْجَدَ الُموْجُودَاتِ، وَبِقُدْرَتِهِ دَبَّرَهَا، وبِقُدْرَتِهِ سَوَّاها وأَحْكَمَهَا، وبِقُدْرَتِهِ يُحْيِي ويُمِيتُ، ويَبْعَثُ العِبَادَ للجَزَاءِ، ويُجَازِي الُمحْسِنَ بإحْسَانِهِ، والُمسَيءَ بِإسَاءَتِهِ، الذِي إذا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ: كُنْ، فَيَكُونُ، وبِقُدْرَتِهِ يُقَلِّبُ القُلُوبَ ويُصَرِّفُها عَلَى مَا يَشَاءُ ويُرِيدُ»[21]. وأَمَّا (الُمقْتَدِرُ): فَقَالَ ابنُ جَرِيرٍ في قَوْلِهِ تَعَالَى: «﴿عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 55]، يَقُولُ عِنْدَ ذِي مِلْكٍ مُقْتَدِرٍ عَلَى مَا يَشَاءُ، وهو اللهُ ذو القُوَّةِ الَمتِينُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»[22]. وَقاَلَ الزَّجَّاجُ: «(الُمقْتَدِرُ) مُبَالَغَةٌ فِي الوَصْفِ بالقُدْرَةِ، والأَصْلُ في العَرَبِيَّةِ أَنَّ زِيَادَةَ اللَّفْظِ زِيَادَةُ الَمعْنَى، فَلَمَّا قُلْتَ: اقْتَدَرَ، أَفَادَتْ زِيَادَةُ اللَّفْظِ زِيَادةَ الَمعْنَى»[23]. وَقَالَ الخَطَّابِيُ: «(الُمقْتَدِرُ): هو التَّامُّ القُدْرَةِ الذي لا يَمْتَنِعُ عليه شَيْءٌ[24] ولا يَحْتَجِزُ عنه بَمنَعةٍ وقوةٍ. وَوَزْنُهُ: مُفْتَعِلٌ مِنْ القُدْرَةِ، إلَّا أَنَّ الاقْتِدَارَ أَبْلَغُ وأَعَمُّ؛ لأَنَّهُ يَقْتَضِي الإِطْلَاقَ، والقُدْرَةُ قَدْ يَدْخُلُها نَوْعٌ مِنْ التَّضْمِينِ بالَمقْدُورِ عليه، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: ﴿عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾؛ أَيْ: قَادِرٍ عَلَى مَا يَشَاءُ»[25]. وَقَالَ الحُلَيْمِيُّ: «(المُقتَدِرُ) وهو الُمظْهِرُ قُدْرَتَهُ بِفِعْلِ مَا يَقْدِرُ عليه، وَقَدْ كَانَ ذلك مِنَ اللهِ تَعَالَى فِيمَا أَمْضَاهُ، وإِنْ كَانَ يَقْدِرُ على أَشْيَاءٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يَفْعَلْها، وَلَوْ شَاءَ لَفَعَلها، فاسْتَحَقَّ بذلك أَنْ يُسَمَّى: مُقْتَدِرًا»[26]. ثَمَرَاتُ الإِيمَانُ بهذِهِ الأَسْمَاءِ: 1- اتَّفَقَ الُمسْلِمُونَ وَسَائِرُ أَهْلِ الِملَلِ عَلَى أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ[27]، لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ ولا في السَّمَاءِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر: 44]. فَلا يَمْتَنِعُ عَليهِ شَيْءٌ جَلَّ وَعَلَا، ولاَ يَفُوتُهُ مَطْلُوبٌ، بَلْ لَهُ القُدْرَةُ الشَّامِلَةُ الكَامِلَةُ، وَهَذا مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ، وَلَمْ يَزَلْ سُبْحَانَهُ ذَا قُوَّةٍ وَقُدْرَةٍ، ولم تَزَلْ قُدْرَتُهُ مُوْجُودَةً قَائِمَةً بِهِ مُوجِبَةً له حُكْمَ القَادِرِينَ. وَمَعْنَى قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى: قُدْرَتُهُ عَلَى الفِعْلِ، والفِعْلُ نَوْعَانِ: لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ، فَالأَفْعَالُ اللَّازِمَةُ هِي تَقُومُ بالفَاعِلِ ولا تَتَعَدَّى إلى مَفْعُولٍ، وَقَدْ ذُكِرَ النَّوْعَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الحديد: 4]، كَمَا بَيَّنَهُ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله فَقَالَ: «فَالاسْتِوَاءُ والإتْيَانُ والَمجِيءُ والنُّزُولُ ونَحْوُ ذَلِكَ أَفْعَالٌ لَازِمَةٌ لا تَتَعَدَّى إلى مَفْعُولٍ، بَلْ هي قَائِمَةٌ بالفَاعِلِ، والخَلْقُ والرِّزْقُ والإمَاتَةُ والإحْيَاءُ والإعْطَاءُ والَمنْعُ والُهدَى والنَّصْرُ والتَّنْزِيلُ ونَحْوُ ذلك تَتَعَدَّى إلى مَفْعُولٍ». ثُمَّ بَيَّنَ اخْتِلَافَ النَّاسِ في هذا فَقَالَ: «والنَّاسُ في هَذَينِ النَّوْعَينِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَمِنْهُم مَنْ لا يُثْبِتُ فِعْلًا قَائِمًا بالفَاعِلِ، لا لازِمًا ولا مُتَعَدِّيًا، أَمَّا الَّلازِمُ فهو عِنْدَهُ مُنْتَفٍ، وأَمَّا الُمتَعَدِّي كَالخَلْقِ فَيَقُولُ: الخَلْقُ هو الَمخْلُوقُ! أَوْ مَعْنَى غَيْرِ المَخْلُوقِ! وهَذَاَ قَوْلُ الجَهْمِيَّةِ والُمعْتَزِلَةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُم كَالأشْعَرِيِّ وَمُتَّبِعِيهِ، وهذا أَوَّلُ قَوْلَي القَاضِي أبي يَعْلَى، وَقَوْلُ ابنِ عَقِيلٍ. والقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الفِعْلَ الُمتَعَدِّي قَائِمٌ بِنَفْسِهِ دُونَ اللَّازِمِ فَيَقُولُونَ: الخَلْقُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ هو الَمخْلُوقُ، وَهُم عَلَى قَوْلَين: منهم مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ الفِعْلَ حَادِثًا، ومنهم مَنْ يَجْعَلُهُ قَدِيمًا فَيَقُولُ: التَّخْلِيقُ والتَّكْوِينُ أَزَلِيٌّ! والقَوْلُ الثَّالِثُ: إثْبَاتُ الفِعْلَيْنِ: اللَّازِمِ والُمتَعَدِّي كَمَا دَلَّ عليه القُرْآنُ، فَنَقُولُ: إِنَّهُ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ، وهو قَوْلُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ، وهو قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ الاخْتِيَارِيَّةُ - كَأَصَّحَابِ أبي مُعَاذٍ، وَزُهَيْرٍ البَابِيِّ، وَدَاودَ بِنِ عَليٍّ، وَالكَرَّامِيَّةِ، وغَيْرِهم مِنَ الطَّوَائِفِ، وإنْ كَانَتْ الكَرَّامِيَّةُ يَقُولُونَ بِأَنَّ النُّزُولَ وَالإتْيَانَ أَفْعَالٌ تَقُومُ به - وهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِنَفْسِهِ وَيَجِيءَ وَيَنْزِلَ ويَسْتَوِيَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الأَفْعَالِ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا هُوَ الكَمَالُ. وَقَدْ صَرَّحَ أَئِمَّةُ هذا القولِ بِأَنَّهُ يِتَحَرَّكُ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ حَرْبٌ الكَرْمَانِيُّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ، وسَمَّى منهم: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَسَعِيدَ بنَ مَنْصُورٍ، وإسْحَاقَ ابنَ إبْرَاهِيمَ، وغَيْرَهم، وكَذِلِكَ ذَكَرَهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَجَعَلَ نَفْيَ الحَرَكَةِ عَنِ اللهِ عز وجل مِنْ أَقْوَالِ الجَهْمِيَّةِ الَّتِي أَنْكَرَهَا السَّلَفُ، وقَالَ: كُلُّ حَيٍّ مُتَحَرِّكٌ، وَمَا لَا يَتَحَرَّكُ فَلَيْسَ بِحَيٍّ، وقَالَ بَعْضُهم: إذا قَالَ لَكَ الجَهْمِيُّ: أَنَا كَافِرٌ بِرَبٍّ يَتَحَرَّكُ، فَقُلْ: أَنَا مُؤْمِنٌ بِرَبٍّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: مَنْ جَعَلَ هَذِهِ الأَفْعَالَ غَيْرَ مُمْكِنَةٍ، وَلَا مُقْدُورَةٍ لَهُ، فَقَدْ جَعَلَهُ دُوَنَ الجَمَادِ - وإنْ كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ بِنَفْسِهِ - فَهُوَ يَقْبَلُ الحَرَكَةَ في الجُمْلَةِ، وهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ بِوَجْهٍ، وَلَا تُمْكِنُهُ الحَرَكَةُ، والحَرَكَةُ والفِعْلُ صِفَةُ كَمَالٍ، كالعِلْمِ والقُدْرَةِ والإرَادَةِ، فالذينَ يَنْفُون تلك الصِّفَاتِ سَلَبُوهُ صِفَاتِ الكَمَالِ، فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الكُلَّابِيَّة». ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَوْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا عَلِيمًا سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا قَادِرًا لَلَزَمَ أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا جَاهِلًا أَصَمَّ أَعْمَى أَخْرَسَ عَاجِزًا، وَهَذِهِ نَقَائِصُ يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عنَهْاَ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ خَلَقَ مَنْ هُوَ حَيٌّ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مُتَكَلِّمٌ عَالِمٌ قَاِدرٌ مُتَحِرِّكٌ، فَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَكُوَنَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ كُلَّ كَمَالٍ في الَمخْلُوقِ هُوَ مِنْ كَمَالِ الخَالِقِ. وَقَالَ: «وأيضًا فَيُقَالُ لَهم: رَبُّ العَالَمِينَ إِمَّا أَنْ يَقْبَلَ الاتِّصَافَ بالحَياةِ والعِلْمِ ونَحْوَ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَّصِفْ بِهِ كَانَ دُونَ الأَعْمَى الأَصَمِّ الأَبْكَمِ، وإِنْ قَبَلَها ولَمْ يَتَّصِفْ بها كَانَ مَا يَتَّصِفُ بِهَا أَكْمَلَ مِنْهُ، فَجَعَلُوه دُونَ الإنسانِ والبهائمِ، وهَكَذَا يُقَالُ لَهم في أَنْوَاعِ الفِعْلِ القَائِمِ بِهِ: كِالإِتْيَانِ والَمجِيءِ والنُّزولِ وجِنْسِ الحَرَكَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ لَا يَقْبَلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ كَانَتِ الأَجْسَامُ التي تَقْبَلُ الحَرَكَةَ وَلَمْ تَتَحَرَّكْ أَكْمَلَ مِنْهُ، وَإِنْ قَبِلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ كَانَ مَا يَتَحَرَّكُ أَكْمَلَ مِنْهُ؛ فَإِنَّ الحَرَكَةَ كَمَالٌ للمُتَحَرِّكِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَرَّكَ بِنَفْسِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُهُ التَحَرُّكُ، وَما يَقْبَلُ الحَرَكَةَ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُها. والنُّفَاةُ عُمْدَتُهم أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الحَرَكَةَ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا، وَيلْزَمُ وُجُودُ حَوَادِثَ لَا تَتَنَاهَى! ثُمَّ ادَّعَوا نَفْيَ ذلك! وفي نَفْيِهِ نَقَائِصُ لا تَتَنَاهَى! والُمثْبِتُونَ لذلك يَقُولوُنُ: هذا هو الكَمَالُ، كَمَا قَالَ السَّلَفُ: لَمْ يَزَلِ اللهُ مُتَكَلِّمًا إذا شَاءَ، كَمَا قَالَ ذلك ابنُ الُمبَارَكِ وَأَحَمْدُ بنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهما، وَذَكَرَ البُخاريُّ عَنْ نُعَيمِ بنِ حَمَّادٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: الحَيُّ هُوَ الفَعَّالُ، وَمَا لَيْسَ بِفَعَّالٍ فَلَيْسَ بِحَيٍّ[28]. وَقَدْ عُرِفَ بُطْلَانُ قُوْلِ الجَهْمِيَّةِ وَغَيْرِهم بامْتِنَاعِ دَوَامِ الفِعْلِ والحَوَادِثِ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هذا الَموْضِعِ. والَمقْصُودُ هَهُنَا: أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَجْعَلُونَهُ قَادِرًا عَلَى هَذِهِ الأَفْعَالِ، وهي أَصْلُ الفِعْلِ، فَلَا يَكُونُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ - عَلَى قُوْلِهم - بَلْ وَلَا عَلَى شَيْءٍ، وَقَدْ قالَ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: 91]: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ في رواية الوالِبي عَنهْ: «هَذِهِ فِي الكُفَّارِ، فَأَمَّا مَنْ آمَنَ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ فَقَدْ قَدَرَ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ»[29]. وَذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾: مَا عَرَفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، وَمَا عَظَّمُوهُ حَقَّ عَظَمَتِهِ، وَمَا وَصَفُوهُ حَقَّ وَصْفِهِ، وَهَذِهِ الكَلِمَةُ ذَكَرَهَا اللهُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي الرَّدِّ عَلَى المُعَطِّلَةِ، وعَلَى الُمشْرِكِينَ، وعَلَى مَنْ أَنْكَرَ إِنْزَالَ شَيْءٍ عَلَى البَشَرِ، فَقَالَ في الأَنْعَامِ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: 91]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |