تحرير محل النزاع.. حتى نضيق هوة الخلاف - ملتقى الشفاء الإسلامي Ashefaa Forum
اخر عشرة مواضيع :         الإنفــاق العــام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          توقفوا عن التنصيف رحمكم الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          واحة الفرقان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 3363 )           »          مكافحة الفحش.. أسباب وحلول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أي الفريقين؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الصراع مع اليهود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          نكبتنا في سرقة كتبنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          كيف نجيد فن التعامل مع المراهق؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الطفل والأدب.. تنمــية الذائقة الجمالية الأدبية وتربيتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ترجمة موجزة عن فضيلة العلامة الشيخ: محمد أمان بن علي الجامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         
[حجم الصفحة الأصلي: 106.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 100.19 كيلو بايت... تم توفير 5.87 كيلو بايت...بمعدل (5.53%)]

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-02-2010, 09:36 PM
الصورة الرمزية أبو جهاد المصري
أبو جهاد المصري أبو جهاد المصري غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 4,681
الدولة : Egypt
افتراضي تحرير محل النزاع.. حتى نضيق هوة الخلاف

إنَّ الحمد لله نحمدُه، ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسِنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن تقييم أمةٍ من الأمم، أو جماعة من الناس، يقوم على تقييم أُسس البناء لديها، من تصوراتٍ ومفاهيمَ، وممارسات عملية ناتجة عن هذه المفاهيم والتصورات، فإنْ كانت هذه التصورات قاصرةً أو خاطئة، كانت الممارسات العملية كذلك ولا شك، وإن كانت التصورات سليمةً ولم يَحُلْ حائلٌ عن ممارستها، كان التطبيق نموذجًا لصحة هذه التصورات، وتعتبر الأمة الإسلامية هي النموذجَ لسائر الأمم في التصورات والمفاهيم، المتمثِّلة في تعاليم الكتاب والسنة؛ أي: المنهج النظري، كما كان الصحابة هم النموذج التطبيقي لهذه التصورات في ممارساتهم العملية اقتداءً بخير معلم - صلى الله عليه وسلم - لذلك مَنَّ الله عليها بشرف الخيرية؛ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

ولكي تسعد الأمة اليوم كما سعدتْ بالأمس القريب؛ فلا بد من عودة للإسلام في تصوراته وتطبيق سلفنا الصالح له، فلن يصلح أمرُ هذه الأمة إلا بما صلح به أولُها، ولما كانت الأخوة الإيمانية من أعظم تصورات هذا الدين، وكانت ممارسات الصحابة هي النموذج الذي لا يَعرف له العالم مثيلاً، فليسأل كلُّ مسلم نفسَه: ما سبب الخلاف والنزاع اليوم؟ لا شك أنه ناتج عن فساد في التصورات؛ لضعف القوة العلمية، أو في الممارسات؛ لفساد القوة العملية، أو كما يقول علماؤنا: الشبهات (فساد التصور)، والشهوات (فساد الممارسات)، والعلاج من العليم الخبير: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19].

وهذه المقالة هي لفت انتباه لسببٍ عظيم من أسباب فساد التصور، وهو عدم تحرير محل النزاع، الذي من آثاره ما نرى ونسمع اليوم من الخلاف والشقاق، أسأل اللهَ أن يمُنَّ على هذه الأمة بأمر رشدٍ يجمع شملها، ويحفظ عليها دينها، اللهم آمين.

ويدور البحث على عدة عناصر:

1- معنى تحرير محل النزاع لغة واصطلاحًا.
2- أهمية تحرير محل النزاع.
3- أسباب ظاهرة عدم تحرير محل النزاع.
4- كيفية تحرير محل النزاع.
5- ثمرات تحرير محل النزاع.

والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-02-2010, 09:37 PM
الصورة الرمزية أبو جهاد المصري
أبو جهاد المصري أبو جهاد المصري غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 4,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تحرير محل النزاع.. حتى نضيق هوة الخلاف

معنى تحرير محل النزاع:

أولاً: لغة:

1- (تحرير) مصدر قياسي لفعل حرَّر الرباعي[1].
والحاء والراء في المضاعف له أصلان:
فالأول: ما خالف العُبودِيَّة، وبَرئ من العيب والنَّقص.

يقال: هو حُرٌّ بيِّنُ الحَرُورِيَّة والحُرِّيَّة، ويقال: طِينٌ حُرٌّ: لا رمْل فيه.
والثاني: خلاف البَرْد.

يقال: هذا يومٌ ذو حَرٍّ، ويومٌ حارٌّ، والحَرُور: الريح الحارَّة تكون بالنهار واللَّيل.
والمعنى الأول هو مقصودنا، وتدور هذه المادة حول الخلوص من العيب والنقص:
الحر: الخالص من الشوائب، والخالص من الرق، والكريم، ومن القول أو الفعل: الحسن منه.

الحرية: الخلوص من الشوائب، أو الرق، أو اللؤم[2].
وتحرير الأسير: فكُّ أسْرِه وتخليصه من يد من أسَرَه.
وتحرير الأرض من العدوان: تخليصها من عدوِّها.
وتحرير الكلام والمسألة: تخليصها من الدخيل والغريب.
حرر الكتاب: أصلحه وجوَّد خطه.
• من استخدامات اللفظ في القرآن: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89]؛ أي: جعل الرقبة حرة بتخليصها من ذل العبودية والرق.

قوله - تعالى -: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران: 35].

يقول القرطبي: {مُحَرَّرًا} مأخوذ من الحرية، التي هي ضد العبودية، من هذا: تحرير الكتاب، وهو تخليصه من الاضطراب والفساد[3].

2- (محل): المحل اسم مكان من الفعل حلَّ؛ أي: نزل، ومنه قول العرب: حللت أهلاً ونزلت سهلاً، فهو المكان الذي يُحل فيه، والمحلة: منزل القوم.

• من استخدامات اللفظ في القرآن: {وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].

قال القرطبي: "{أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25]؛ أي: منحره، والمحِل (بكسر الحاء): غاية الشيء، (وبالفتح - محَل): هو الموضع الذي يحلُّه الناس".

3- (النزاع): النون والزاء والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على قَلْع شيء، ونَزَعْت الشيءَ من مكانِه نَزْعًا، والمِنْزَع: الشَّديد النَّزْع، ومَنْزَعة الرجل: رأيُه، ونازَعَتِ النَّفْسُ إلى الأمرِ نِزاعًا، ونَزَعَتْ إليه: إذا اشتَهتْه[4].

النزاع: الخلاف، ونازعه: خاصمه وغالبه[5].
• من استخدامات اللفظ في القرآن: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 152].

{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ} [الحج: 67].
وما يمكن تصورُه من استخدامات هذا الأصل هنا، كأن المنازع تميل نفسه لرأيه، ويريد أن يقلع رأي غيره ويخاصمه فيه.
__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-02-2010, 09:37 PM
الصورة الرمزية أبو جهاد المصري
أبو جهاد المصري أبو جهاد المصري غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 4,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تحرير محل النزاع.. حتى نضيق هوة الخلاف

ثانيًا: اصطلاحًا:

تحرير محل النزاع[6]:

تعريفات العلماء من الإجمال إلى التفصيل:

• "تعيين وجه الخلاف بين الطرفين".
• "هو أن ننظر إلى موضع الاختلاف بالتحديد".
• "الوقوف على الموضع والموطن المختلف فيه".
• "إزالة الاشتراك عن مسألة الخلاف".
• "تحديد الجوانب المتفق عليها في المسألة، والجوانب المختلف فيها، وبيان سبب الخلاف".

• "تحديد الأمور المتفَق عليها واستبعادها من ساحة النقاش، ثم وضع الإصبع على محل الخلاف ومناقشته بمفرده".

• "تأصيل طرق الإلزام في المناظرة، وهو أن يقال: قد اتفقنا على كذا وكذا، فلنحتج على ما عدا ذلك"[7].

• "اعلم أن مقصود الجدليين: معرفة الصحيح والباطل من أوصاف محل النزاع، وهو يتركب من أمرين: الأول: حصر أوصاف المحل، والثاني: إبطال الباطل منها، وتصحيح الصحيح مطلقًا، وقد تكون باطلة كلها، فيتحقق بطلان الحكم المستند إليها"[8].

• "هو فرضُ قضايَا جدليةٍ لزوميَّة شرطيَّةٍ، يسلِّمُ فيها المعارضُ للمستدلِّ، فإذا انتهى الحصار والعِراك، فذاك هو المحلُّ الذي يجبُ أن يدورَ حوله الصراع"[9].

والمحصلة أن المعنى الاصطلاحي يشترك مع المعنى اللغوي في الدلالة:

• "وهو تخليص موطن الخلاف المراد بحثُه عن غيره".
فتحرير محل النزاع يُخرج من النزاع - في أية مسألة - ما ليس منها، ويستدعي إدخال ما ظُنَّ أنه كان خارجًا عنها والواقع أنه داخلٌ فيها.

__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-02-2010, 09:38 PM
الصورة الرمزية أبو جهاد المصري
أبو جهاد المصري أبو جهاد المصري غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 4,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تحرير محل النزاع.. حتى نضيق هوة الخلاف

أهمية تحرير محل النزاع:

تظهر أهمية أي مسألة في جانبين: الجانب الإيجابي، والجانبي السلبي.

والمقصود بالجانب الإيجابي: أثر تطبيق المسألة في الواقع.
والمقصود بالجانب السلبي: أثر غياب المسألة في الواقع.

وبالنسبة لمسألة تحرير محل النزاع في جانبها الإيجابي، فلا تكاد تخلو مسألةٌ من مسائل الشريعة، في أي باب من أبواب العلم، من تحرير محل النزاع، يظهر ذلك في الكتب والمؤلفات قديمًا وحديثًا، وخاصة الأبحاثَ العلمية الأكاديمية، والمناظرات المكتوبة والمسموعة؛ بل تحرير محل النزاع قبل الخوض في غمار مسألة من المسائل أصبح من علامات البحث العلمي الدقيق في الجانب البحثي، وقوة المناظر في الجانب الجدلي، والهدف الوصول للمسألة المراد بحثُها من أقرب طريق، بعيدًا عن الاستطراد خارج محل النزاع، وإلزام الخصم بنقطة النزاع التي تم تحريرُها؛ وصولاً للهدف من المناظرة، وفي كلا الصورتين - البحثية والجدلية - ستكون النتيجة وضوح الرؤية للسامع والقارئ دون تشويش أو تشتيت.

والجدير بالذكر أن مسألة تحرير محل النزاع لا ترتبط بالعلوم الشرعية فحسب؛ بل تشمل سائر العلوم الدينية والدنيوية؛ بل أعظم من ذلك؛ فهي ميزان لرجاحة العقل وسلامته في سائر شؤون الحياة: مع زوجتك وأولادك في البيت، مع جيرانك وأقاربك، مع أصدقائك ورؤسائك في العمل؛ بل لا تعجب إن قلت لك: مع نفسك؛ فأنت تحتاج تحرير محل النزاع معها.

ورغم أن المسألة تبدو من المسائل العقلية التي يشترك في الاهتمام بها كلُّ باحث، سواء كان مسلمًا أم غير مسلم؛ غيرَ أن من فضل الله على هذه الأمة أنْ هداها لأقوم السُّبل وأعدلِها، فقد جعل لها الله ميزانًا عظيمًا، وقواعدَ في منتهى الدقة، جعلتها - بحق - خيرَ أمة أُخرجتْ للناس، فكانت الحضارة الإنسانية في تقدمها مَدِينة للإسلام بوضع أسس البحث العلمي، الذي حجر أساسه تحريرُ محل النزاع[10].

أما أهمية مسألة تحرير محل النزاع في جانبها السلبي، فيكفيك حضورُ مناظرة لترى وتسمع العجب العجاب، وكأنه حديث الطرشان - كما يقول بعض أهل العلم - هذا يتكلم في وادٍ، وهذا في وادٍ آخر، وأعجب من ذلك لو تبيَّن لك أن كلاًّ منهما لا يتكلم في محل النزاع؛ بل يحشد النصوص من هنا وهناك، وكأنه المعيار للترجيح، بغض النظر عن هذه النصوص هل تصلح في محل النزاع أو لا؟

ووالله لقد سألتُ أحد المناظرين عن تحديد محل النزاع في المناظرة التي استمرت لمدة ساعتين، فما عرف موضوع المناظرة أصلاً، فضلاً عن تحرير محل النزاع؛ بسبب كثرة التفريعات والاستطرادات في الحوار؛ انتصارًا للرأي، وتشغيبًا على المخالف! ولو ضربتُ الأمثلة في هذا الباب لطال المقام مع المقالة، ولكن لا غنى عن بعض الأمثلة[11]:


__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-02-2010, 09:39 PM
الصورة الرمزية أبو جهاد المصري
أبو جهاد المصري أبو جهاد المصري غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 4,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تحرير محل النزاع.. حتى نضيق هوة الخلاف

المثال الأول: مناظرة في مسألة العذر بالجهل:

يستدل القائل بالعذر بقوله - تعالى -: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} [الأعراف: 150].
فلما قلت له: ما وجه الاستدلال بالآية؟
قال: إلقاء الألواح كفر، والله عذَرَ موسى بالجهل (والعياذ بالله).
والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس أحد أحب إليه العذرُ من الله))؛ وهو حديث صحيح.

فقلت للثاني: وما ردُّك على هذا؟
قال: شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا، وعندي دليل صريح على عدم العذر بالجهل؛ قال - تعالى -: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة: 14، 15].

الإشكال:

عدم البدء بتحرير محل النزاع: ما معنى العذر؟ هل كل عذرٍ معتبر؟ هل الجهل من الأعذار المعتبرة؟ وما معنى الجهل المعتبر؟ وما الدليل على المسألة؟ وما وجه الاستدلال؟ وهل خالف في ذلك أحدٌ؟ وما وجه المخالفة، ومدى اعتبارها؟ وما الردُّ على المخالف؟... وهكذا.


__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 06-02-2010, 09:39 PM
الصورة الرمزية أبو جهاد المصري
أبو جهاد المصري أبو جهاد المصري غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 4,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تحرير محل النزاع.. حتى نضيق هوة الخلاف

المثال الثاني: في حكم المعازف:

قال أحد المناظرين: المعازف حلال؛ لأن الطيور أصواتُها جميلةٌ ومبهجة للنفس، والمعازفُ كذلك، وبما أنهما مشتركان في العلة؛ فإن الله لا يفرق بين المجتمِعَينِ، ولا يجمع بين المختلفين؛ كما قال - تعالى -: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

فقلت للثاني: ما تقول في ذلك؟
قال: لا أسلم له بهذه القاعدة؛ لأن الله ممكن أن يجمع بين المتفرقات، ويفرق بين المجتمعات؛ لأنه - سبحانه - لا يُعجِزه شيءٌ؛ قال - تعالى -: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82].

الإشكال:

عدم البدء بتحرير محل النزاع: ما معنى المعازف؟ وما الدليل على تحريمها؟ وما مدى صحة الدليل؟ وما وجه الاستدلال؟ وهل خالف في ذلك أحد؟ وما وجه المخالفة، ومدى اعتبارها؟ وما الرد على المخالف؟ وهل تعلق الحكم بتحريمها على علة؟ وما الفرق بين الحكمة والعلة؟ وهكذا.


__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-02-2010, 09:39 PM
الصورة الرمزية أبو جهاد المصري
أبو جهاد المصري أبو جهاد المصري غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 4,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تحرير محل النزاع.. حتى نضيق هوة الخلاف

المثال الثالث: مسألة كفر تارك الصلاة:

قال أحد المناظرين: ترك الصلاة ليس كفرًا؛ والدليل قول الله - عز وجل -: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
فقلت له: وما وجه الاستدلال بالآية؟
قال: إن الله يغفر كلَّ شيء إلا الشرك، وتركُ الصلاة ليس شركًا؛ فالله يغفر لتاركها.

فقلت للثاني: وما ردك على ذلك؟
قال: الله يقول: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، والله لم يشأ أن يغفر لتارك الصلاة؛ لذلك جاءت النصوص تدلُّ على كفر تارك الصلاة؛ كحديث: ((من تَرَكَ الصلاة، فقد كفر)).

الإشكال:

عدم البدء بتحرير محل النزاع: ما معنى ترك الصلاة؟ هل هو الجحد أو التكاسل؟ وما معنى الجحود؟ هل جحود اعتقاد الوجوب أو جحود العمل؟ وما حد التكاسل؟ وما الدليل على التفريق؟ وما وجه الاستدلال؟ وهل خالف في ذلك أحد؟ وما وجه المخالفة، ومدى اعتبارها؟ وما الرد على المخالف؟ وما معنى الكفر؟ وهل الكفر غير الشرك؟ وهل الكفر يدخل تحت قوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}؟... وهكذا.


__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 06-02-2010, 09:40 PM
الصورة الرمزية أبو جهاد المصري
أبو جهاد المصري أبو جهاد المصري غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 4,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تحرير محل النزاع.. حتى نضيق هوة الخلاف

وهذا - واللهِ - حوارُ طلبة علم - في ظنهم - وليس حوار عامة الناس، والخَطْب ليس في المناظرات فحسب، ولو كان كذلك، لكان هينًا؛ ولكنه كذلك في الكتب والأبحاث والفتاوى، ونشير إلى مثالين:

المثال الأول: اللحوم المستوردة التي لم يُعلَم تذكيتها:

صاحب كتاب يتكلم عن حكم اللحوم المستوردة، فيحشد النصوص في إثبات أن الأصل في الأشياء الإباحة ويطيل في ذلك؛ مثل قوله - تعالى -: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20]، وقوله - تعالى -: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 13]، {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14]، {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168].

ويُنهي البحث بعد سرد النصوص بالوصول إلى النتيجة التي لا ينبغي أن يخالفه فيها أحدٌ، وإلا فسيكون أحد أمرين: إما مكذبًا بالنصوص، أو رادًّا لها، وكلاهما كفر؛ فلا يملك إلا التسليم بكون اللحوم المستوردة حلال؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة.

وليس المقام في بسط المسألة، ولكن في ضرب مثال بعدم تحرير محل النزاع، فهل الخلاف في الذبائح المستوردة دائرٌ على نوع المذبوح، فإن جهلْنا نوعَه، نردُّ المسألة للأصل، والأصل في الأشياء الإباحة - كما قرر الباحث - يقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم": "الأصل في الأشياء الإباحة بأدلة الشرع، وقد حكى بعضهم الإجماعَ على ذلك"[12]؟

أو أن الخلاف في طريقة الذبح (التذكية): هل هي شرعية، فتصير حلالاً، أو غير شرعية، فتصير ميتة؟

وهذا بعيدٌ كل البعد عن تقرير الباحث، يقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" أيضًا: "ومن هذا أيضًا ما أصله الإباحة؛ كطهارة الماء، والثوب، والأرض، إذا لم يتيقن زوال أصله، فيجوز استعماله، وما أصله الحظر؛ كالأبضاع[13]، ولحوم الحيوان، فلا تحل إلا بيقين حله من التذكية والعقد[14]، فإن تردد في شيء من ذلك؛ لظهور سبب آخر، رجع إلى الأصل فيبنى عليه، فيتبين فيما أصله الحرمة على التحريم؛ ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الصيد الذي يجد فيه الصائدُ أثرَ سهمٍ غيرِ سهمه، أو كلب غير كلبه، أو يجده قد وقع في ماء، وعلل بأنه لا يدري هل مات من السبب المبيح له أو من غيره؟"[15].

يقول الشيخ ناصر السعدي:

وَالأَصْلُ فِي الأَبْضَاعِ وَاللُّحُوم تَحْرِيمُهَا حَتَّى يَجِيءَ الحِلّ

فالذين يقولون بالحرمة من أهل العلم، لا ينازعونه فيما يقول، من أن الأصل في الأشياء الإباحة؛ ولكن ينازعونه في أن ذلك هو محل النزاع.

__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 06-02-2010, 09:40 PM
الصورة الرمزية أبو جهاد المصري
أبو جهاد المصري أبو جهاد المصري غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 4,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تحرير محل النزاع.. حتى نضيق هوة الخلاف

والمثال الثاني: مصافحة الرجل الكبير للنساء:

فتوى لشيخ: ما حكم مصافحة الرجل الكبير للنساء؟
فيقول: لا بأس؛ لأمرين: الأول: أن هذا الرجل يُؤمَن عليه الفتنة؛ لكبَرِه، والثاني: القياس على القواعد من النساء.

فجعل العلة (أمن الفتنة)، وهو وصف لا ينضبط، وهذا باطل عند أهل الأصول، وقاس على ما هو داخل في محل النزاع، وجعله أصلاً في القياس، فسلامُ القواعد من النساء على الأجانب لا يصح القياس عليه؛ لأنه يحتاج أولاً لصحة الاستدلال عليه
__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 06-02-2010, 09:40 PM
الصورة الرمزية أبو جهاد المصري
أبو جهاد المصري أبو جهاد المصري غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 4,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تحرير محل النزاع.. حتى نضيق هوة الخلاف

أسباب ظاهرة عدم تحرير محل النزاع:

تنحصر في سببين:
1- قلة الإخلاص.
2- قلة العلم.

"إن تحقيق وتنقيح وتخريج مناط النزاع هو الخطوة الأولى والأهم لحله، ومن يسعى ليقفز على هذه الخطوة أو يتناساها، فهو إما مغرضٌ، هدفُه أن تبقى دائرة الخلاف - إن لم نقل: يريدها أن تتسع - وإما جاهل مقلِّد إمَّعة لكل ناعق... وغالبًا مَا يكونُ السببُ هو بُعدَ الطَّرفينِ عن محلِّ النزاعِ؛ لجهلٍ بِه، أو تجاهلٍ له، من أحدِ الطرفين، أو منهما جميعًا؛ فالقسمة إذًا رباعية"[16].

"ومن العيوب التي يثمرها غيابُ القصد الحسن في المحاورة: ما يتعلَّق بتحرير محل النزاع، فمعلوم أن أي محاورة ينبغي فيها أن تتعلق بقضية هي بالذات نقطة الخلاف بين المتحاورين، بحيث تنصرف إليها فعاليتُهم الحجاجية، ويدور حولها جهدُهم العقلي في استخراج الأدلة، وصوغ الاعتراضات، وإذا لم يتم تعيين محل النزاع، فإن الحوار يترك للظروف والأحوال العابرة والمتقلبة، فتكون النتيجة مناطحة تخبط ذات اليمين وذات الشمال، فيُكب الطرفان (أو الأطراف) على وجوههم، ليبدأ الحوار بالتلجج، ثم سرعان ما يعتريه التأجج، فيصير نارًا حارقة لا تبقي ولا تذر"[17].

نموذج لقلة الإخلاص وقلة العلم (جمهور المستشرقين):

"يعتمد جمهور المستشرقين في تحرير أبحاثهم عن الشريعة الإسلامية على ميزان غريب بالغ الغرابة في ميدان البحث العلمي، فمن المعروف أن العالم المخلص يتجرَّد عن كل هوى وميل شخصي فيما يريد البحث عنه، ويتابع النصوص المراجع الموثوق بها، فما أدَّت إليه بعد المقارنة والتمحيص، كان هو النتيجةَ الحتمية التي ينبغي له اعتمادُها والأخذ بها.

إلا أن أغلب المستشرقين يضعون في أذهانهم فكرةً معينة يريدون تصيُّد الأدلة لإثباتها، وحين يبحثون عن هذه الأدلة لا تهمهم صحتُها، بمقدار ما يهمهم الاستفادة منها لدعم آرائهم الشخصية، وكثيرًا ما يستنبطون الأمرَ الكلي من حادثة جزئية، ومن هنا يقعون في مفارقات عجيبة، لولا الهوى والغرض المريض، لربَؤوا بأنفسهم عنها"[18].
__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 106.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 100.19 كيلو بايت... تم توفير 5.87 كيلو بايت...بمعدل (5.53%)]