|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بيان الخصائص التي اختص الله تعالى بها الأنبياء عليهم السلام د. أحمد خضر حسنين الحسن لَما كان الأنبياء هم أفضلَ البشر، اختصهم الله بخصائص لم تكن لأحد من البشر سواهم، وذلك ليتسنى لهم القيام بالمهمة المنوطة بهم والمسؤولية الملقاة على عواتقهم، وقد اهتم العلماء بتتبُّعها في الكتاب والسنة والقيام ببيانها، وهذا ملخص من كلامهم: 1- من خصائص الأنبياء أنهم يتنزل عليهم الوحي: خصَّ الله الأنبياء دون سائر البشر بوحيه إليهم؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ [النساء: 163]. الوحي: في اللغة يطلق على الإشارة والإيماء، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴾ [مريم: 11]. ويطلق الوحي على الإلهام الذي يقع في النفس، وهو أخفى من الإيمان، ومنه قوله عز وجل ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ﴾ [القصص: 7]، ويظهر أن هذا بعناية خاصة من الله تعالى، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ﴾ [النحل: 68]. كما يطلق على الإعلام في الخفاء، وهو أن تعلم إنسانا بأمر تخفيه عن غيره، ومنه قوله تعالى: ﴿ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾ [الأنعام: 112]، وأطلق على الكتابة والرسالة لما يكون فيهما من التخصيص، ووحي الله إلى أنبيائه هو: ما يلقيه إليهم من العلم الضروري الذي يُخفيه عن غيرهم، بعد أن يكون أعد أرواحهم لتلقِّيه بواسطة كالملك أو بغير واسطة، وعرَّفه الأستاذ الإمام في رسالة التوحيد بأنه "عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من قبل الله، بواسطة أو بغير واسطة، والأول بصوت يتمثل لسمعه أو بغير صوت، ويفرِّق بينه وبين الإلهام، بأن الإلهام وجدان تستيقنه النفس وتنساق إلى ما يطلب على غير شعور منها من أين أتى؟ وهو أشبه بوجدان الجوع والعطش والحزن والسرور"[1]. وسيأتي مزيد بيان للوحي وأنواعه في الفصل الثاني من الباب الثالث. 2- من خصائص الأنبياء أنهم معصومون: الأنبياء معصومون في تبليغ ما أمرهم الله عز وجل بتبليغه، وهم معصومون أيضًا من الدنيَّات المخلَّة بالمروءة، ومعصومون كذلك من كبائر الذنوب وقبائحها، ويقع منهم عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم صغار الذنوب، كأكل آدم من الشجر التي نُهي عنها قال تعالى: ﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ [طه: 121]، ولا يتنافى وقوع الصغيرة من النبيِّ في كونِهم أسوةً وقدوة؛ لأنه يسارع إلى التوبة، فيكون قدوة وأسوة للعاصين بأن يسارعوا إلى التوبة والاستغفار، فالأنبياء لا يُقَرُّون على المعصية، ولا يؤخِّرون التوبة، وهم بعدَ التوبة أكملُ منهم قبلها. وهذه الصغائر من أدلِّ الدلائل على بشريتهم، وهي صغائر نادرة معدودة، لا تقدح في عصمتهم، ولا سبيل فيها إلى النيل منهم والطعن فيهم، وهذا قول جمهور العلماء، وهذا في الأنبياء عامة. أما نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، فالذي أدين الله به هو ما ذهب إليه المحققون من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الصغائر أيضًا، يقول القاضي عياض - في كتاب الشفاء -: (وعصمته وتنزيهه عن الكبائر إجماعًا وعن الصغائر تحقيقًا). وقال النووي في روضة الطالبين ما نصه: (اتفقوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعبد صنمًا قط، والأنبياء قبل النبوة معصومون من الكفر، واختلفوا في العصمة من المعاصي، وأما بعد النبوة، فمعصومون من الكفر، ومِن كل ما يُخل بالتبليغ، وما يزري بالمروءة ومن الكبائر، واختلفوا في الصغائر، فجوزها الأكثرون ومنعها المحققون، وقطعوا بالعصمة منها، وتأوَّلوا الظواهر الواردة فيها)، وسيأتي مزيد بحث في هذه القضية في موضع آخر من الكتاب إن شاء الله تعالى. 3- من خصائص الأنبياء أنهم من البشر: الذين يستعظمون، ومن يستبعدون اختيار الله بعض البشر لتحمُّل الرسالة، لا يقدرون الإنسان قدره، فالإنسان مؤهَّل لتحمُّل الأمانة العظمى؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]، وهم عندما استعظموا ذلك لم ينظروا إلى أن الرسول ليس جسدًا فقط يأكل ويشرب وينام ويمشي في الأسواق لحاجته، ﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 7]، بل له جوهرٌ متمثل في نفخة الله له من روحه، ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ﴾ [الحجر: 29]. ثم إن الرسول يُعدُّ للرسالة إعدادًا؛ قال الله تعالى مخاطبًا موسى عليه السلام: ﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ [طه: 41]، وأحاط نبيَّه محمّدًا صلى الله عليه وسلم برعايته من صغره؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ﴾ [الضحى: 6 - 8]. وعن أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرَعه، فشقَّ عن قلبه، فاستخرَج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمِّه - يعني مرضعته - فقالوا: إنّ محمدًا قد قتل، فاستقبلوه، وهو منتقع اللون)، قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره)؛ رواه مسلم. والبشر أقدرُ على القيادة والتوجيه، وهم الذين يصلحون أن يكونوا قدوة وأسوة، وإنّها لحكمة تبدو في رسالة واحدٍ من البشر إلى البشر، واحد من البشر يحسُّ بإحساسهم، ويتذوَّق مواجدهم، ويعانِي تجاربَهم، ويدرك آلامهم وآمالَهم، ويعرف نوازعهم وأشواقَهم، ويعلم ضروراتِهم وأثقالهم، ومن ثم يعطف على ضعفهم ونقصهم، ويرجو قوتَهم واستعلاءهم، ويسير بِهم خطوة خطوة، وهو يفهم ويقدِّر بواعثهم وتأثراتِهم واستجاباتِهم؛ لأنه في النهاية واحدٌ منهم، يرتاد بِهم الطريق إلى الله، بوحي من الله وعون منه على وعثاء الطريق، وهم من جانبهم يجدون فيه القدوة؛ لأنّه بشرٌ مثلهم، يتسامى بِهم رويدًا رويدًا، ويعيش فيهم بالأخلاق والأعمال والتكاليف التي يبلغهم أن الله قد فرضها عليهم، وأرادها منهم، فيكون بشخصه ترجمة حيَّة للعقيدة التي يحملها إليهم، وتكون حياته وحركاته وأعماله صفحة معروضة لهم، ينقلونَها سطرًا سطرًا، ويحققونَها معنًى معنًى، وهم يرونَها بينهم، فتهفو نفوسهم إلى تقليدها؛ لأنها ممثلة في إنسان. 4- من خصائص الأنبياء أنهم خيار البشر في النسب: الرسل ذَوو أنساب كريمة، فجميع الرسل بعد نوحٍ من ذريته، وجميع الرسل بعد إبراهيم عليه السلام هم من ذريته؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ﴾ [الحديد:26]، ولذلك فإنَّ الله يصطفي لرسالته من كان من خيار قومه نسبًا؛ عن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)[2]. وهذا أمرٌ مشتَهر معروف؛ قال هرقل ملك الروم: (فكذلك الرسل تُبعث في نسب قومها)؛ البخاري في بدء الوحي. 5– من خصائص الأنبياء أنهم أحرار بعيدون عن الرق: لا يكون الأنبياء والرسل أرِقَّاءَ أبدًا، فالرقُّ نقص بشري، رفع الله أنبياءه عنه، وما حدث ليوسف عليه السلام إنَّما هو رقٌّ خارجٌ عن الأصل، فالأصل حريته، والرق طارئ عليه ظلمًا وعدوانًا، وكان نوعًا من أنواع البلاء من الله عليه، ولم يستمر، قال السفاريني: "الرقُّ وصف نقصٍ لا يليق بمقام النبوة، والنبي يكون داعيًا للناس آناء الليل وأطراف النهار، والرقيق لا يتيسر له ذلك، وأيضًا الرِّقِّيَّة وصف نقصٍ يأنَف منه الناس، ويستنكفون من اتباع من اتَّصف بِها، وأن يكون إمامًا لهم وقدوة، وهي أثرُ الكفر، والأنبياء منَزَّهون عن ذلك)[3]. قلت: أما ما كان من أمر يوسف عليه السلام في صغره، فلم يكن استرقاقًا، بل كان تبنيًا، وهو تشريف له؛ إذ كان الذي تبناه هو عزيز مصر؛ قال القرطبي: (فإن قيل: كيف قال أو نتخذه ولدًا وهو ملكه، والولدية مع العبدية تتناقض؟ قيل له: يعتقه، ثم يتخذه ولدًا بالتبني، وكان التبني في الأمم معلومًا عندهم، وكذلك كان في أول الإسلام)[4] ا.هـ. 6- من خصائص الأنبياء أنهم لا يكونون إلا رجالًا: ومن خصائص الأنبياء وسنة الله فيهم أن جعلهم رجالًا؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]. قال الشيخ عمر الأشقر رحمه الله: (ومن الكمال الذي حباهم به أنه اختار جميع الرسل الذين أرسلهم من الرجال، ولم يبعث الله رسولًا من النساء، يدل على ذلك صيغة الحصر التي وردت في قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَي ﴾ . والحكمة من كون الرسل رجالًا: كان الرسل من الرجال دون النساء لحكَم يقتضيها المقام، فمن ذلك: 1- أن الرسالة تقتضي الإشهار بالدعوة، ومخاطبة الرجال والنساء، ومقابلة الناس في السر والعلانية، والتنقل في فجاج الأرض، ومواجهة المكذبين ومحاججتهم ومخاصمتهم، وإعداد الجيوش وقيادتها، والاصطلاء بنارها، وكل هذا يناسب الرجال دون النساء. 2- الرسالة تقتضي قوامة الرسول على مَن يتابعه، فهو في أتباعه الآمر الناهي، وهو فيهم الحاكم والقاضي، ولو كانت الموكلة بذلك امرأة، لَمْ يتم ذلك لها على الوجه الأكمل، ولاستنكَف أقوام من الاتباع والطاعة. 3- الذكورة أكمل، ولذلك جعل الله القوامة للرجال على النساء: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 34]، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن النساء ( ناقصات عقل ودين)؛ متفق عليه. 4- المرأة يطرأ عليها ما يعطِّلها عن كثير من الوظائف والمهمات، كالحيض والحمل والولادة والنفاس، وتصاحب ذلك اضطرابات نفسية وآلام وأوجاع، عدا ما يتطلبه الوليد من عناية، وكل ذلك مانع من القيام بأعباء الرسالة وتكاليفها"؛ انتهى من "الرسل والرسالات". 7– من خصائص الأنبياء أنهم تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم: هذه خاصية ليست لغير الأنبياء عليهم السلام؛ قال صلى الله عليه وسلم ![]() وعن أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة الإسراء: (والنبي صلى الله عليه وسلم نائمة عيناه، ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم، ولا تنام قلوبُهم)؛ رواه البخاري. 8- من خصائص الأنبياء تخيير الله لهم عند الموت: خصَّهم الله بِهذه الخاصية، فيُخيَّرون عند الموت؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من نبي يَمرَض إلا خُيِّر بين الدنيا والآخرة)، وكان في شكواه الذي قُبض فيه أخذتْه بحَّة شديدة، فسمعته يقول: ﴿ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ﴾ ، فعلمت أنّه خُيِّر)؛ رواه البخاري (4586). 9- من خصائص الأنبياء أن الأرض لا تأكل أجسادهم: والأرض لا تأكل أجساد الأنبياء كرامةً لهم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله عز وجل قد حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام)[5]. وعنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَىَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَىَّ)، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ - يَعْنِى بَلِيتَ - فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ)؛ رواه بن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ( 2212)، فمهما طال الزمان وتقادم العهد تبقى أجسادهم محفوظة من البلى. 10- من خصائص الأنبياء أنهم أحياء في قبورهم: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((مررتُ على موسى ليلة أُسري بِه عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره)؛ رواه مسلم في الفضائل - حديث رقم (2375). 11- من خصائص الأنبياء أنهم يُقبرون حيث يموتون: وهذا مما خُصَّ به الأنبياء بعد موتِهم أنّهم لا يقبرون إلا حيث يموتون، ولذلك قُبر صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة رضي الله عنها، تحت فراشه الذي مات عليه، فعن ابن جريج قال: أخبرنِي أبِي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يدروا أين يقبرون النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى قال أبو بكر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لن يُقبَر نبيٌّ إلا حيث يموت)، فأخَّرُوا فراشه، وحفروا له تحت فراشه[6]. 12- من خصائص الأنبياء أنهم مؤيَّدون بالمعجزات: وهي أشياء خارقةٌ للعادة؛ كناقة صالح وعصى موسى وإحياء الموتى لعيسى، ونحو ذلك؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ أُعْطِىَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِى أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَىَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)؛ متفق عليه. 13- من خصائص الأنبياء أن رؤياهم وحي كما في قصة الخليل عليه السلام: قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102]. وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 27]. 14- من خصائص الأنبياء أن سبَّ أشخاصهم كفر بخلاف غيرهم: أجمع جميع العلماء على حرمة سب الأنبياء والاستهزاء بهم، وأجمعوا على أن مَن وقع في هذا الأمر العظيم فقد ارتد عن دين الإسلام، كما أن مَن وقع في سب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد ارتد عن الإسلام، فالمسلم لا يفرِّق بين أنبياء الله ورسله؛ كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 84]. وقال الدردير المالكي رحمه الله: (من سب نبيًّا مجمعًا على نبوته، أو عرَّض بسب نبي، فقد كفر)[7] ا.هـ. وقال الشربيني رحمه الله: (من كذَّب رسولًا أو نبيًّا أو سبَّه، أو استخف به أو باسمه... فقد كفر)[8] ا.هـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (مِن خصائص الأنبياء أنَّ مَن سبَّ نبيًّا مِن الأنبياء قُتل باتفاق الأئمة وكان مرتدًّا، كما أنَّ مَن كفر به وبما جاء به كان مرتدًّا، فإن الإيمان لا يتم إلا بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله) [9] ا.هـ. 15- من خصائص الأنبياء أنهم لا يُورِّثون المال: • عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّا لا نُورَثُ ما تركناه صدقة) متفق عليه. • وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَن سلَك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنَع، وإن العالم ليستغفر له مَن في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر)[10]. فهذه الأحاديث نص في أن الأنبياء لا يورِّثون المال، بل يورثون العلم النافع، وليس هذا الميراث خاص بأقاربهم، بل هو لجميع أتباعهم، وأما قوله تعالى: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ﴾ [النمل: 16]، وقول زكريا عليه السلام: ﴿ فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 5-6]، فالمقصود ميراث النبوة والعلم لا ميراث المال؛ إذ لو كان النبي كغيره يرث مال أبيه، لكان ذكرها في القرآن لا فائدة فيه؛ إذ هو معلومٌ مِن قبل في حق كل وارث، فَلِمَ يذكره الرب جل وعلا؟ وقد سِيقت الآية لبيان ما حصل لسليمان عليه السلام من الخير بعد أبيه، وذلك بكونه أصبح نبيًّا بعد أبيه، وذلك فضلٌ عظيمٌ من الله، ولو كان المقصود المال لقال كل واحدٍ ممن سبق نزول الآية، ونحن يا ربنا كذلك قد ورثنا خيرًا من آبائنا وملكًا ومالًا كثيرًا، فلماذا لم تذكرنا في كتابك وخصَصت سليمان بالذكر. وهكذا يقال في سؤال زكريا عليه السلام أن يرزُقه الله ولدًا؛ إذ لم يكن ذلك خوفًا من أن يضيع ماله بعد وفاته، وأيُّ حبٍّ لهذا المال عند الأنبياء وهم أزهدُ الناس فيه؟ فتبيَّن أنه أراد ولدًا صالحًا يكون سائرًا على منهجه ومنهج الصالحين من أبناء يعقوب عليه السلام؛ ليكون في ميزان حسناته بحُسن تربيته وتعليمه ودعائه. [1] تفسير المنار – للسيد محمد رشيد رضا – سورة الأنعام (112). [2] مسلم في الفضائل، باب فضل نسب النبيِّ صلى الله عليه وسلم - (2276). [3] لوامع الأنوار البهية (2/ 265). [4] تفسير القرطبي لقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ ﴾ [يوسف: 21]. [5] أحمد (4/ 8)، والنسائي في الجمعة، باب إكثار الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم (1374)، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب فضل الجمعة (1085)، والحاكم (1/ 413) من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه، قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه"، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1301). [6] أخرجه أحمد (1/ 7) بسندٍ منقطع. وأخرجه الترمذي (108) من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر، عن ابن أبي مليكة عن عائشة عن أبي بكر، وابن أبي بكر ضعيف. وأخرجه الترمذي في الشمائل (378)، والطبراني في الكبير (6366) بإسناد صحيح عن سالم بن عبيد الأشجعي أنّ النّاس قالوا لأبي بكر: أين يُدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: في المكان الذي قبض فيه روحه، فإنّ الله لم يقبض روحه إلاّ في مكان طيّب. فعلموا أنّه صدق. [7] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير " (4/ 309). [8] مغني المحتاج - (5/ 429 ). [9] الصفدية - (1/ 262). [10] رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي وصححه الألباني في صحيح الجامع؛ انظر حديث رقم (6297).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |