الوقت في الكتاب والسنة ومكانته وحفظه وإدارته واستثماره - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 730 - عددالزوار : 202089 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 112 - عددالزوار : 53022 )           »          فضل الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          تمكين الصغار من مس المصحف والقراءة منه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فضل صلاة الضحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 468 - عددالزوار : 147828 )           »          وما خرفة الجنة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          تحريم صرف الخشية لغير الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أوقات إجابة الدعاء والذين يستجاب دعاؤهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          وما المفردون؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 08:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,741
الدولة : Egypt
افتراضي الوقت في الكتاب والسنة ومكانته وحفظه وإدارته واستثماره

الوَقْتُ في الكتابِ والسُّنةِ

مكانتُه وحِفْظُه وإِدارتُه واستثمارُه

الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري

الحمدُ للهِ الحكيمِ: فالشريفُ مَن اتبعَ أوامِرَهُ، العظيمُ: فالسّعيدُ مَن اتقَى غَضَبَهُ بأعمالٍ زاكيةٍ ونيَّةٍ صالحةٍ، الكريم: فالفائزُ مَن سَلَكَ مراضيهِ لِيَأْمَنَ في الآخرةِ؛ أحمَدُه على ألطافهِ الباطنةِ والظاهرةِ، وأشكُرُه وما زالَ يَزيدُ شَاكِرَهُ، وأشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وحدَهُ لا شَرِيكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبهِ وسلَّم تسليمًا كثيرًا.


أما بعد: فيا أيها الناسُ اتقوا اللهَ، وأَدْرِكُوا ما بَقِيَ مِن حياتِكُم باستثمارِ أَوقاتِكُم، فَوَقْتُكَ يا عَبْدَ اللهِ هو رأسُ مَالِكَ، بلْ هُوَ حَيَاتُكَ التي تعيشُها في هذهِ العَاجلةِ، وسَتُحَاسَبُ عليها في الآخرةِ، قال ابنُ أبي الدُّنيا: (قالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مَنْ أَمْضَى يَوْمَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَضَاهُ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ، أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ، أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ، ‌فَقَدْ ‌عَقَّ ‌يَوْمَهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ) انتهى، وأيامُ الدُّنيا خزائنُ ممتلئةٌ بأعمالِكَ، خيرِها وشرِّها، ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7، 8]، وقد أَقْسَمَ اللهُ بالعَصْرِ، فقال: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 1 - 3]، قال ابنُ كثيرٍ: (الْعَصْرُ: ‌الزَّمَانُ ‌الَّذِي ‌يَقَعُ ‌فِيهِ حَرَكَاتُ بَنِي آدَمَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ) انتهى، وقال ابنُ القيِّم: (فَوَقْتُ الإِنسَانِ ‌هُوَ ‌عُمُرُهُ ‌في ‌الْحَقِيقَةِ، وهُوَ مَادَّةُ حَيَاتِهِ الأَبَدِيَّةِ في النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، ومَادَّةُ الْمَعِيشَةِ الضَّنْكِ في الْعَذَابِ الأَلِيمِ، وَهُوَ يَمُرُّ أَسْرَعَ مِنَ مَرِّ السَّحَابِ، فَمَا كَانَ مِنْ وَقْتِهِ للهِ وباللهِ فَهُوَ حَيَاتُهُ وَعُمُرُهُ، وغَيْرُ ذلكَ لَيْسَ مَحْسُوبًا مِنْ حَيَاتِهِ، وإِنْ عَاشَ فِيهِ عَيْشَ الْبَهَائِمِ، فَإِذَا قَطَعَ وَقْتَهُ فِي الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ وَالأَمَانِيِّ الْبَاطِلَةِ.. فَمَوْتُ هَذَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ حَيَاتِهِ) انتهى.


عبادَ الله: ‏إِنَّ الفَرَاغَ وضِدُّه الشُّغل نِعمَةٌ لا يَعْرِف ثَمَرَتَهُ إلاَّ القليل، (قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «‌نِعْمَتَانِ ‌مَغْبُونٌ ‌فيهِمَا ‌كَثيرٌ ‌مِنَ ‌النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ») رواهُ البخاريُّ، والعاقلُ هو الذي يَشُحُّ بِوَقْتهِ أعظمَ مِن شُحِّهِ بِمَالهِ، ويَحْرِصَ أشدَّ الْحِرصِ على أن لا يَمْضِي شيءٌ منهُ إلاَّ في خيرٍ، قال الحسن رحمه الله: (أَدْركْتُ ‌أَقْوَامًا ‌كانَ ‌أَحَدُهُمْ ‌أَشَحُّ ‌على عُمْرِهِ مِنْهُ على دِرْهَمِهِ ودِينَارِهِ) رواه ابنُ أبي الدُّنيا.


عِبَادَ اللهِ: وَرَدَ مُصطَلَحُ الوقتِ في القُرآنِ مُرتبطًا بِحُلُولِ الأَجَلِ الْمَحْتُومِ لنهايةِ الحياةِ وبِدْأِ اليومِ الآخِرِ ﴿ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [الحجر: 37، 38]، وقالَ عَزَّ وجلَّ: ﴿ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الواقعة: 49، 50]، وفي بَيَانِ مَفْهُومِ الوَقْتِ يَقُولُ الراغبُ: (الوَقْتُ: نهايةُ الزَّمَانِ المفروضِ للعَمَلِ، ولهذا لا يَكَادُ يُقَالُ إلاَّ مُقدَّرًا نحو قولِهِم: وَقَّتُّ كَذَا: جَعَلْتُ لَهُ وَقْتًا، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء: 103]) انتهى.


ويُعَدُّ الوَقْتُ وتَصْرِيفُه في حَيَاةِ الخلائقِ نِعْمَةٌ مِن أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ، وهيَ مَدْعَاةٌ للتَّفَكُّرِ وشُكْرِ الْمُنْعِمِ سُبْحَانهُ وبحمدِه، ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان: 62]، فكَيْفَ لَو انقَلَبَتْ إلى الضِّدِّ فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُما سَرْمَدِيًَّا، كَيْفَ سَيُقِيمُ العِبَادُ مَصَالِحَهُم ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص: 71 - 73]، وكانَ الوَقْتُ أو بعضُ أجزائهِ مَدْعَاةٌ لأنْ يُقْسِمَ اللهُ بهِ في كتابهِ، فقَدْ أَقْسَمَ اللهُ في كتابهِ الكريمِ بالصُّبْحِ والضُّحَى، واللَّيلِ والنَّهَارِ، والفَجْرِ والعَصْرِ، فَشَمَلَ القَسَمُ كُلَّ تَقَلُّبَاتِ الوَقْتِ: عَصْرًَا وفَجْرًَا، وصُبْحًَا وضُحَىً، ونهَارًا وليلًا، بلْ أَقْسَمَ سُبْحَانهُ وبحمدِه بِلَيَالٍ مُعيَّنةٍ، ونبَّهَ على أوقاتٍ مُحَدَّدةٍ، لِيَدُلَّنا على أهميةِ الوَقْتِ وقيمتِه التي نَغْفَلُ عنها.


وهُنا تَسَاؤُلٌ يَطْرَحُ نفْسَهُ: ما الأساسُ الذي بُنِيَ عليهِ هذا الاهتمامُ العظيمُ بالوَقْتِ؟
مِن أَهَمِّها:
أولًا: أنكَ عَبْدَ اللهِ مُكلَّفٌ مِن اللهِ بأعمالٍ يَجبُ أنْ تُنْجِزَهَا في هذهِ الأوقاتِ، وأنَّ هُناكَ شيءٌ يَنتظِرُكَ وهو نهايةُ الْمَطَافِ، ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ [الأنعام: 158].

ثانيًا: الوَقْتُ مِن لَوَازِمِ الأَضْدَادِ، (قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: ‌اغْتَنِمْ ‌خَمْسًَا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ) رواه الحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبي، وقالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ: (‌بَادِرُوا ‌بِالأَعْمَالِ ‌سَبْعًَا، هَلْ تُنْظَرُونَ إِلاَّ إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ، أَوْ غِنَىً مُطْغٍ، أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ، أَوْ هَرَمٍ مُفَنِّدٍ، أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ، أَوِ الدَّجَّالِ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةِ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) رواه الترمذي وحسَّنه ووافقهُ ابنُ باز.

ثالثًا: أنتَ مَسْؤُولٌ عَنْ وَقْتِكَ، (قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ ‌عَنْ: ‌عُمُرِهِ ‌فِيمَا ‌أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ») رواه الترمذي وصحَّحه.

رابعًا: الوقتُ وَدِيعةٌ عِنْدَكَ عليكَ حِفْظَهُ فيما يَنْفَعُكَ، قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر: 37]، وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَعْذَرَ اللهُ إِلَى امْرِئٍ ‌أَخَّرَ ‌أَجَلَهُ ‌حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً) رواه البخاري، قال ابنُ بَطَّالٍ: (أي: أعذرَ إليهِ غايةَ ‌الإعذارِ ‌الذي ‌لا ‌إعذارَ ‌بعده، لأنَّ الستينَ قريبٌ مِن مُعْتَرَكِ العِبادِ، وهو سِنُّ الإنابةِ والْخُشوعِ والاستسلامِ للهِ تعالى وتَرَقُّبِ الْمَنيَّةِ ولِقَاءِ اللهِ تعالى) انتهى، وقال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف: 15]، (قَالَ ‌مَالِكٌ: ‌أَدْرَكْتُ ‌أَهْلَ ‌الْعِلْمِ ‌بِبَلَدِنَا، وَهُمْ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا والعِلْمَ، وَيُخَالِطُونَ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ لأَحَدِهِمْ أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَإِذَا أَتَتْ عَلَيْهِمُ اعْتَزَلُوا النَّاسَ واشْتَغَلُوا بالعِبادةِ حتَّى يَأْتِيَهُمُ الْمَوْتُ) انتهى.

خامسًا: الوَقْتُ وِعاءٌ للعِبادةِ بِدْءًَا مِن الشهادةِ إلى ما قُبيلَ الغَرْغَرةِ وقيامِ الساعةِ، قال ابن مسعودٍ: (سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‌أَيُّ ‌الْعَمَلِ ‌أَحَبُّ ‌إِلَى اللهِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ) رواه البخاري.

سادسًا: أيُّ لَحْظَةٍ تَمْضي مِن وقتِكَ لا يُمكِنُكَ استرجاعُها، فهِيَ تَمْشي في اتجاهٍ واحدٍ ماضيةٍ بكَ إلى المصيرِ الْمُنتظر.

سابعًا: الأوقاتُ في السُّنةِ النبويَّةِ على دَرَجَاتٍ مِن حيثُ تعلُّق فضائل الأعمالِ بها، فَوَقْتُ ليلةِ القَدْرِ خَيْرٌ مِن ألفِ شَهْرٍ، وساعةِ يومِ الْجُمُعَةِ ليست كساعةِ يومٍ آخَر، وساعةِ اللَّيلِ وَوَقْتِ السَّحَرِ وهكذا، فكيفَ تُفرِّطُ بهذه الليالي والساعاتِ وقد لا تعودُ هذه الليالي والساعاتِ إلاَّ وأنتَ في عِدادِ الموتى، اللَّهُمَّ أَعِنَّا على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عِبادَتِكَ، آمين.

الخطبة الثانية
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده.

أما بعد: فإنَّ إِعطاءَ قيمةٍ مُحَدَّدةٍ تُثمِّنُ بها بعضَ وَقْتِكَ أَمْرٌ صَعْبٌ، ولكِنَّ تثمينَ أهلِ التجارةِ الدُّنيويةِ للوَقْتِ مَسْأَلَةٌ حِسَابيةٌ ماليَّةٌ، فَأَحَدُ الْمَعاهدِ للتدريبِ الإداريِّ يَرَى أنَّ أيَّامَ العَمَلِ في العَالَمِ 240 يومًا، أي 1920 ساعة إنتاجية طِوال العام، فإنْ كَانَ دَخْلُكَ السَّنَوي مَثلًا: 22 اثنانِ وعشرون ألفَ رِيالٍ، فقيمةُ ساعةٍ مِن وَقْتِكَ 11 و45 هللة، وإنَّ تضييعكَ ساعةً واحدةً يوميًا لِمُدَّة أُسبوعٍ هو تضييعٌ لـ 75 و25 هللة، ولِمُدَّةِ سَنَةٍ هو تضييعٌ لـ 2750.


ومِن الإحصائياتِ الدقيقةِ التي تُبيِّنُ أهميةَ عُمُرِكَ لكي تَحْرِصَ عليهِ وتَتَحَرَّكَ الغَيْرةُ لديكَ على وَقْتِكَ: لِتَفْرِضَ أنكَ عِشتَ سبعينَ سَنَةً، فإذا ضيَّعتَ خمسَ دقائق يوميًا فإن هذا يعني أنك أضعتَ من مجموع عمرك كلِّه ثلاثة أشهر تقريبًا 88 يومًا، فإذا ضيَّعْتَ ساعةً واحدةً يوميًا فيعني أنكَ أَضَعْتَ ثلاثَ سَنَواتٍ مِن حَيَاتِكَ، فإذا أَضَعْتَ عَشْرَ ساعاتٍ يوميًَّا، فيعنِي أنكَ أضعتَ ثلاثينَ سَنَةً مِن حَيَاتِكَ، هذا وهيَ لم تُشغل في حَرَامٍ، فكيفَ لو وُضِعَت وصُرِفَت في حرام، اللهُمَّ سلِّم، وإذا نظَرْتَ إلى الأنشطةِ التي تَعْمَلُها يوميًا في خلالِ عُمُرِكَ الافتراضي السبعينَ سَنَة: النومُ بمعدَّلِ ثمانِ ساعاتٍ يوميًَّا: يَعْني كَأَنك نِمْتَ 23 سنة، وعَمَلُكَ مِن س7 وحتى س2 والنصف يوميًا: يعني 21 سنة وستة أشهر، أَكْلُكَ وشُرْبُكَ بِمعدَّلِ ساعةٍ ونصف يوميًا، يعني: أربع سَنَواتٍ ونصف مِن عُمُرِكَ الافتراضي السبعين سَنَة، زياراتُكَ العائلية ومُجالسةُ أصحابكَ بمعدَّلِ نصف ساعة يوميًا، يعني سَنَة ونصف مِن عُمُرِكَ، جُلُوسُكَ على الجوال بمعدل ساعة يوميًا، يعني: ثلاث سَنَواتٍ مِن عُمُرِكَ، نصفُ ساعةٍ ذهابُكَ إلى الرِّياضِ ورُجُوعُكَ نصفُ ساعةٍ يوميًا على أقلِّ تقديرٍ: يَعني ثلاث سنواتٍ مِن عُمُرِكَ، مَشَاوِيرُكَ اليوميَّة وتَنَقُّلاتِكَ مِن مكانٍ لآخر، وقضاءِ حاجاتِ مَنْزلِكَ وأَهلِكَ ساعتينِ يوميًَّا، يَعنِي سِتَّ سَنَواتٍ، والمجموع: 61 واحدٌ وستون سنةً مِن السبعين، والباقي مِن السبعين سنة 9 تسع سنوات، واحذف منها فترةَ الطُّفولةِ والْمُراهقةِ، فَكَمْ يَبْقَى مِن عُمُرِكَ لِمَا يَنْفَعُكَ في دِينِكَ ودُنياكَ وأُخْراك؟ فعليكَ عبدَ اللهِ أنْ تُخِطِّط لإدارةِ وَقْتِكَ ووَقْتِ أَوْلادِكَ وخاصةً عند قُربِ خُروج عامٍ ودُخولِ عامٍ، وعِندَ العُطَلِ الصيفيَّةِ الدراسيَّة، وأنْ تُنَظِّمَ وَقْتَكَ وأوقاتَهُم، وتُراقبَ نفسكَ وتُراقِبَهُم، فالسُّنةُ النبويةُ جَعَلَتْ مِن العباداتِ البدنيةِ والرُّوحيةِ والماليةِ والنفسيَّةِ طريقًا للتخطيطِ والتنظيمِ والتوجيهِ والمراقبةِ، قالَ ‌سُفْيَانُ الثَّقَفِيّ: (يا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي في الإِسْلامِ قَوْلًا لا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًَا بَعْدَكَ، قَالَ: ‌«قُلْ: ‌آمَنْتُ ‌بِاللهِ فَاسْتَقِمْ») رواه مسلم.


عبادَ اللهِ: وأمَّا مَظَاهرُ ضَيَاعِ الوقتِ: وهي إِمَّا جبريةٌ كالْمَرَضِ، أو اختياريةٌ وهي كثيرة، أَخْطَرُها: التسويفُ، وسَبَبُهُ طُولُ الأَمَلِ، فتُؤَخِّرُ عَمَلَ اليومِ إلى الغَدِ، ولعلَّ الغَدَ يأتي وأنتَ في عدادِ الأمواتِ، قال ‌ابنُ مسعودٍ: (خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًَّا مُرَبَّعًَا، وَخَطَّ خَطًَّا في الْوَسَطِ خَارِجًَا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطُطًا صِغَارًَا إلى هذا الذي في الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الذي في الْوَسَطِ، وقالَ: «هَذا الإنسَانُ وهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ أَوْ قَدْ أَحَاطَ بهِ، وهَذا الذي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وهَذِهِ الْخُطُطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فإِنْ أَخْطَأَهُ هَذا نَهَشَهُ هَذا، وإِنْ أَخْطَأَهُ هَذا نَهَشَهُ هَذا») رواه البخاري، ومنها: مُخالطةُ السُّفهاءِ مُضيِّعي الأوقات، قال ابنُ القيِّم في رسالتِه إلى أَحَدِ إِخوانهِ: (كُلُّ آفةٍ تَدْخُلُ على العَبْدِ، فَسَبَبُها ضَيَاعُ الوَقْتِ وفَسَادُ القلبِ.. ولهذا وَصَّى بعضُ الشُّيوخِ فقالَ: احذروا مُخالطةَ مَن تُضيع مَخالَطَتُه الوقت، وتُفْسِدُ القلبَ، فإنه مَتى ضاعَ الوقتُ وفَسَدَ القلبُ انفرَطَتْ على العَبْدِ أُمورُه كُلِّها، وكان مِمَّن قال اللهُ فيه: ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28]) انتهى، وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا [الفرقان: 27، 28]، واعلم وفقك اللهُ أن الأرواح كما قال النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الأَرْوَاحُ ‌جُنُودٌ ‌مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ) متفقٌ عليه، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الرَّجُلُ ‌عَلَى ‌دِينِ ‌خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) رواه أبو داود وجوَّده ابن مُفلح، فانظر بعد ذلك مَن سَتَأَتَلِفُ عليهِ روحُكَ فَتَتَخِذَهُ خليلًا، ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف: 67]، ومنها: الكَسَلُ، وضَيَاعُ الْهَدَفِ، والْجَهَلُ بقيمةِ الوقت، وسوءُ التخطيط، والإسرافُ في المباحاتِ مِن الْمَآكلِ والمشاربِ والنومِ والزياراتِ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى فُضُولِ الكلامِ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (‌شِرَارُ ‌أُمَّتِي ‌الثَّرْثَارُونَ، الْمُشَّدِّقُونَ، الْمُتَفَيْهِقُونَ) رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني، بارك الله لنا في بقيَّة أعمارنا، وأحسَنَ لنا خَوَاتِمَنا، آمين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.36 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.74%)]