|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وصايا نبوية غالية رمضان صالح العجرمي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ يَأْخُذُ عنِّي هؤلاء الكلمات فَيَعْمَلُ بِهِنَّ، أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟))، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خمسًا، وَقَالَ: ((اتَّقِ المَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ))؛ [رواه أحمد، والترمذي، وحسنه الألباني]. 1- قوله: ((مَنْ يَأْخُذُ عنِّي هؤلاء الكلمات)): فيه حرص النبي صلى الله عليه وسلم على بذل النصيحة لأمته؛ فقد كان يعتني عناية بالغة بالوصية والنصيحة؛ لما لهما مِن الأثر العظيم في التنبيه والتذكير. ومن المعلوم أن النصيحة لا تكون إلا ممن يحب المنصوح، ويريد لصاحبه الخير؛ ولذا قالوا: "إرادة الخير للمنصوح، بفعل ما ينفعه، أو ترك ما يضره، أو تعليمه ما يجهله، ونحو ذلك، من وجوه الخير؛ ولهذا سماها النبي صلى الله عليه وسلم دينًا كما في الحديث: ((الدين النصيحة)). 2- قوله: ((فَيَعْمَلُ بِهِنَّ)): وهنا اشترط النبي صلى الله عليه وسلم العمل للانتفاع بهذه الوصية؛ فالعلم لا بد أن يتبعه عمل؛ وإلا صار وبالًا على صاحبه؛ فقد قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3]. وقد ذمَّ الله تعالى هذا الصِّنْف من الناس، وضرب أقبح مثال؛ فقال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الجمعة: 5]. 3- قوله: ((أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ)): فإن لم تكن من العاملين فلا أقل من أن تعلمَها غيرك؛ لكي تأخذ مثل أجره وثوابه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من دعا إلى هدى)) ((من سن في الإسلام سنة)) ((الدال على الخير كفاعله)) ((من جهز غازيًا في سبيل الله))، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. لاحظ أنه لم يعرف بعدُ هذه الكلمات؛ لكنه الحرص والمسابقة والمسارعة إلى الخير؛ لأن الناصح هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا المؤمن دائمًا يسارع إلى الخيرات؛ كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90]، وقال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 61]. 4- فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خمسًا: وذلك مبالغة في توصيل المعلومة، وانتباه ويقظة المتلقي، والوصايا والنصائح في هذا الحديث: هي وصايا متعددة الجوانب؛ تشمل خمسة أمور متعددة: الوصية الأولى: ((اتَّقِ المَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ))، والمحارم: تشمل جميع المحرَّمات من فعل المنهيَّات وترك المأمورات؛ والمعنى: احذر الوقوع في جميع ما حرم الله عليك. والحرام: هو ما طلب الشارع الكفَّ عنه على وجه الحتم والإلزام؛ فيكون تاركه مأجورًا مطيعًا، وفاعله آثمًا عاصيًا، ويستفاد التحريم من القرآن الكريم والسنة؛ وله ألفاظ تدل عليه: 1- فيستفاد من استعمال لفظ يدل على التحريم؛ مثل قوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ﴾ [المائدة: 3]، وقوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ﴾ [النساء: 23]، وقوله تعالى: ﴿ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157]، وفي الحديث: ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه)). 2- ويستفاد من نفي الحل؛ كقوله تعالى: ﴿ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ﴾ [النساء: 19]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس))، وقوله: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال))، وقوله: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث..)). 3- ويستفاد من صيغه النهي المقترنة بما يدل على الحتم، والزجر عن الفعل؛ كقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾ [المائدة: 90]، وقوله تعالى: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30]. 4- ويستفاد من ترتيب عقوبة على الفعل؛ كما قال تعالى: ﴿ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ﴾ [البقرة: 174]، وكقوله صلى الله عليه وسلم: ((الذي يشرب في آنية الفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم)). • وفِي هذا الزمَان كَثُرَتْ فِيهِ الْفِتَنُ، وَتَنَوَّعَتْ عَبْرَ وَسَائِلَ مُخْتَلِفَةٍ؛ مِنْ شَاشَاتٍ وَجَوَّالَاتٍ فِيهَا بَرَامِجُ مُتَجَدِّدَةٌ، مِنْ خِلَالِهَا قَدْ يَصِلُ الْوَاحِدُ إِلَى الْمُنْكَرِ وَهُوَ فِي قَعْرِ بَيْتِهِ دُونَ رَقِيبٍ وَلَا حَسِيبٍ، وَأَصْبَحَ الْعَاقِلُ لَا يَكَادُ يُصَدِّقُ مَا يَسْمَعُ وَيَرَى مِنْ مُنْكَرَاتٍ مُنْتَشِرَةٍ عَبْرَ هَذِهِ الْجَوَّالَاتِ الَّتِي بِيَدِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. • فليحذر المسلم على نفسه من الوقوع في محارم الله تعالى؛ ومن أخطرها: ذنوب الخلوات؛ فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا))، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ، قَالَ: ((أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا))؛ [رواه ابن ماجه، وصحَّحه الألباني في الصحيحة]. الوصية الثانية: ((وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ))؛ أي: اقنع بما أعطاك الله وجعله حظك من الرزق؛ تكن أغنى الناس، فإن من قنع استغنى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ))؛ [متفق عليه]. فهناك مَن حُرِم من نِعَمٍ كثيرة أنت فيها ولا تشعر؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَلَّا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ))؛ [رواه مسلم]. والرضا منزلة عظيمة من منازل السائرين إلى الله تعالى؛ فتجعل المؤمن يعيش في سعادة وهناء وراحة بال، وتأمل أحوالهم: • تَمرُّ برجل فاقدٍ لبصره، تتعجَّب من ابتسامة تملأ وجْهَه، وعبارات الشُّكر والرضا يَلهج بها لسانُه، لا يشكو لأحدٍ ولا يَضْجَر من حاله، فتتعجَّب: كم منَّا مِن مُبصرٍ يشكو من الدنيا وهمومها وهو سليم يُبصر! • تزور مريضًا لازَمَ السَّرير، لَم يَلزمه يومًا أو شهرًا، بل سنوات، لا يتحرَّك منه شيء سوى رأْسٍ يحرِّكه يَمْنةً ويَسْرةً، ولسانٍ ذاكرٍ شاكر، وتَشعر بانشراح صدْره وتقَبُّله لمرضِه، فتتعجَّب: كم منَّا معافًى يتحرَّك ويذهب، ويغدو ويتنقَّل في كلِّ مكان، ومع ذلك يَمقُت حاله، ويشكو ظروفه! • عامل نظافة بسيط، تحت أشِعَّة الشمس الحارقة يُمارس عمله برضًا تامٍّ، ورَجل في سيَّارته المُكَيَّفة المُريحة، تَجده يشكو من الحرِّ وأشعة الشمس، فسبحان الله! • موظف بسيط، يأخذ راتبًا قليلًا، ولكنَّه مُنظَّم في نَفَقاته، ويَستهلك حسب حاجته، شاكرٌ لله، ويتصدَّق من ماله؛ يَبتغي وجْه الله، وآخَرُ راتبُه أعلى، ومَنصبه أكبر، يشكو من النفقات واستهلاك الأبناء، ودائمًا الشكوى معه أينما ذهَب. • وتأمل أحوال الراضين الصابرين على أقدار الله تعالى؛ فقد رُوِيَ أن عروة بن الزبير رضي الله عنهما، قطعت رِجْله، ومات أعز أولاده في ليلة واحدة، فدخل عليه أصحابه وعزوه فقال: "اللهم لك الحمد، كان أولادي سبعة، فأخَذت واحدًا وأبْقَيت ستة، وكان لي أطرافٌ أربعة، فأخَذت واحدًا وأبْقَيت ثلاثة، فلئن كنتَ قد أخَذت، فلقد أعْطَيت، ولئن كنتَ قد ابْتَلَيتَ، فقد عافَيْت"؛ [سير أعلام النبلاء]. • الوصية الثالثة: ((وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا))، فقد اهتمَّ الإسلام بالجار، وأعلَى من قدره؛ حيث قرن الله سبحانه وتعالى الإحسان إلى الجار مع الأمر بعبادته وتوحيده، من ضمن عَشَرَة أوامر في كتابه العزيز؛ فقال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36]. وقد جعل النَّبي صلى الله عليه وسلَّم الإحسانَ إلى الجار من علامات الإيمان: ((وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا)). وبنفس المعنى قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ))؛ [متفق عليه]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ))؛ [رواه الترمذي]، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ))؛ [رواه البخاري]. بل تأمَّل نزول جبريل عليه السلام؛ لتقرير هذا الحق الأصيل من حقوق الجار؛ ففي الصحيحين عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ))؛ أي: توقعت أن يأتيني بأمر من الله تعالى يجعل الجار وارثًا من جاره كأحد أقربائه، وذلك من كثرة ما شدَّد في حفظ حقوقه والإحسان إليه! وفي الحديث الصحيح: ((أن رجلًا قال: يا رسول الله، دُلَّني على عمل إذا عمِلت به دخلت الجنة؟ فقال: ((كن محسنًا))، فقال: يا رسول الله، كيف أعلم أني محسن؟ قال: ((سَلْ جيرانك، فإن قالوا: إنك محسن، فأنت محسن، أو قالوا: إنك مسيء، فأنت مسيء))، فخيرُ الناس منزلةً عند الله خيرهم لجاره. • وقوله: ((وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا))؛ بمفهوم المخالفة: أن من يسيء إلى جاره، ولا يحسن إليه، فإنه مخالف لهذا الأمر من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يتصف بكمال الإيمان؛ فكيف بمن يؤذي جاره؟! ولذلك يحذر المسلم من أذية الجار؛ فقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم بنفي الإيمان عمن يؤذي جيرانه؛ فقال: ((وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ))، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَهُ))؛ [رواه البخاري]؛ أي: أذاه وشره وظلمه. فهذا ناقص الإيمان. • الوصية الرابعة: ((وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا))، فهذا من خصال الإسلام، ومن شعب الإيمان أن تحب الخير لإخوانك المسلمين؛ كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: ((لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه المسلمِ ما يحب لنفسه من الخير))؛ [رواه أحمد]. وَقَدْ رَتَّبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دُخُولَ الْجَنَّةِ عَلَى هَذِهِ الْخَصْلَةِ؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ))، وعَنْ يَزِيدِ بْنِ أَسَدٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَتُحِبُّ الْجَنَّةَ؟)) قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: ((فَأَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ))؛ [رواه الحاكم]. • الوصية الخامسة: ((وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ)): وتأمل لم يقل: لا تضحك، بل قال: ((وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ))؛ لأن الضحك من خصائص الإنسان، ويأتي بعد نوع من الفهم والمعرفة لقول يسمعه، أو موقف يراه، فيضحك منه. ولكن جاء النهي عن الإكثار منه؛ لأن الإكثار من الضحك مضر بالقلب؛ ((فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ)). وأسوأ أنواع الضحك: الضحك حال المعصية، أو فرحًا بالمعصية؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من أذنب ذنبًا وهو يضحك، دخل النار وهو يبكي". ومرَّ الحسن البصري رحمه الله بشاب وهو مستغرق في ضحكه، وهو جالس مع قوم في مجلس، فقال له الحسن: يا فتى، هل مررت بالصراط؟ قال: لا، قال: فهل تدري إلى الجنة تصير أم إلى النار؟ قال: لا، قال: فما هذا الضحك؟ فما رُؤيَ الفتى بعدها ضاحكًا. والضحك له مراتب؛ أفضلها التبسُّم؛ قال العيني رحمه الله: "التَّبسُّم في اللغة مبادئ الضَّحك، والضَّحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور، فإن كان بصوت بحيث يسمع من بعد، فهو القهقهة وإلَّا فالضحك، وإن كان بلا صوت فهو التَّبسُّم"، وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: "الضحك ثلاثة أنواع: ابتدائي، ووسط، ونهائي؛ الابتدائي: التبسُّم، والوسط: الضحك، والنهائي: القهقهة؛ والقهقهة لا تليق بالإنسان العاقل". وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم البشر، تعلو وجهه البشاشة، والابتسامة لا تكاد تفارقه؛ فَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: ((مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم))، وفي رواية: ((مَا كَانَ ضَحِكُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إِلَّا تَبَسُّمًا))؛ [رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني] مع كثرة مشاغله وهمومه بتبليغ الدين، والجهاد في سبيل الله تعالى. وفي الصحيحين عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: ((مَا حَجَبَنِي رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إلا تَبَسَّمَ)). نسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا ممن يعملون بهذه الوصايا النبوية.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |