ظاهرة المنصفات في الشعر العربي القديم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 480 - عددالزوار : 165252 )           »          توحيد الأسماء والصفات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فضل الأذكار بعد الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          أنج بنفسك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          وصايا نبوية غالية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          ذم الحسد وآثاره المهلكة في الفرد والمجتمع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          بر الوالدين: (وزنه، كيفية البر في الحياة وبعد الممات، أخطاء قاتلة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          ألق بذر الكلمة؛ فربما أنبتت! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          بين النبع الصافي والمستنقع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          صحابة منسيون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 5181 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 24-09-2021, 11:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,047
الدولة : Egypt
افتراضي ظاهرة المنصفات في الشعر العربي القديم

ظاهرة المنصفات في الشعر العربي القديم


د. أحمد فرحات





أولا: العصر الجاهلي

الشاعر و القبيلة.. انحراف مسار:
ارتبط الشاعر بالقبيلة ارتباطا وثيقا في العصر الجاهلي، وغدا الشاعر لسان قبيلته، ووسيلة إعلامها، والمتحدث الرسمي باسمها في مختلف المحافل الرسمية وغير الرسمية، وجاء صوت الشاعر مجلجلا معبرا عن طموحاته، وطموحات قبيلته في صورة فخر ذاتي أو قبلي.


ويكون الصوت أكثر علوا إذا أراد الشاعر علوه وارتفاعه، وذلك يتأتى من الإحساس العميق بنشوة النصر، وما تحدثه هذه النشوة من زهو وخيلاء في نفس الشاعر. وكذلك أيضا في نفوس أبناء القبيلة إن كان قائما على افتخار العشيرة بما هي عليه من قوة وعزة، ومكانة مرموقة بين القبائل الأخرى، لا سيما في مجتمعات قبلية تتمثل فيها الوسيلة الأولى لضمان حياة حرة كريمة.[1]

وعرفت في المجتمع الجاهلي أصوات أخرى تبحر عكس التيار، وتنحرف بمسارها عن الطريق التي رسمته القبيلة، وتمثل ذلك في شعر الشعراء الصعاليك، وشعر المنصفات؛ فشعر المنصفات لون من ألوان الشعر العربي يسير في اتجاه معاكس لاتجاه الشعراء في فخرهم بذواتهم وذويهم، ويقف من الخصم موقفا مغايرا لما عرف عن معظم شعراء العصر الجاهلي من ازدراء بالخصم، واستهانة به خاصة عند النصر عليه. فجاء صوت الشاعر المنصف متهدجا تارة، ومرتفعا أخرى، ورافضا في أحيان كثيرة. وصوت الرفض الذي أعلنه الشاعر الجاهلي كان قاصدا به قبيلته لأنها استسلمت، وربما فرت من ساحة الميدان، فجاء صوت الشاعر رافضا هذا المنزع الخجولي، ومعلنا العصيان لقبيلته، ومعلنا رضاه عن القبيلة التي انتصرت، وربما مدحها.


عمرو بن مَعْدِيكَرِبَ الزبيدي له تجربة في هذا المعنى، وذلك عندما وقف من قبيلته موقفا يعلن من خلاله رفضه لسلوكها في الحرب، ومعلنا رضاه المطلق للقبيلة التي هزمته، فقال(الطويل):
ومُرْدٍ عَلَى جُردٍ شَهِدْتُ طِرادَها
قُبيلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أو حِينَ ذَرَّتِ

صَبحْتُهُمُ بيضاءَ يَبرُقُ بَيضُها
إذَا نظرَتْ فِيها العيونُ ازمَهرَّتِ

ولمَّا رأيتُ الخيلَ رَهواً كأنَّها
جَداوِلُ زرعٍ أُرسِلَتْ فأسْبَطرَّتِ

فجَاشَتْ على النَّفسُ أولَ وهلةٍ
وَرُدَّتْ علَى مكرُوهِها فاستقرَّتِ

علامَ تقولُ الرُمحُ يُثقلُ عَاتِقِي
إذَا أنَا لمْ أطعُنْ إذ الخيلُ ولَّتِ

عَقَرْتُ جَوادَ ابنْي دُريدٍ كليهِما
ومَا أخَذَتْني في الخُتُونَة عِزَّتي

لَحَا اللُه جَرْماً كلَّمَا ذَرَّ شارقٌ
وُجوهُ كِلابٍ هَارَشَتْ فازبَأرَّتِ

ظَلِلْتُ كأنَّي للرماحِ دريّئَةٌ
أُقاتِلُ عَنْ أبناءِ جَرْمٍ وفرَّتِ

فلمْ تُغنِ جرْمٌ نهْدَهَا إذْ تَلاقيَا
ولكنَّ جَرماً في اللقاءِ ابْذَعَرَّتِ

فلو أنَّ قومِي أنطقتِني رمَاحُهُمْ
نطقتُ ولكِنَّ الرِماحَ أجرَّتِ[2]




فالشاعر يعبر عن شدة سخطه وغضبه لفرار قبيلته وهروبها، ويلمح بإعجابه بالقبيلة المنتصرة، ويصف جنودها بأنهم مرد قد امتطت جردا، ويمدح كثرة عددهم، وأن العين إذا نظرت اليهم ازمهرت، وقد جاء الأعداء راكبين خيولهم مسرعين كأن الخيل من كثرة عددها وتتابعها أمواه أنهار كيرة وممتدة في سرعة فائقة، لا يستطيع هو وقبيلته اللحاق بها، وهو عندئذ ارتاع وفزع بادئ الأمر، لكنه سرعان ما تماسك، وثبت في المعركة وحده، في الوقت الذي فرت فيه قبيلته، وهو قد حاول أن يثبت بني قومه ليحاربوا بجانبه؛ فعقر جواد ابن دريد كي يثبتوا ويقاتلوا، لكنهم لم يسمعوا له، وهربوا وتركوه وحده. ثم ارتفع صوته لائما قبيلته، داعيا عليها بالهلاك، ثم وصفها وصفا قبيحا لينفر منها ومن جرمها، فشبهها بوجوه كلاب وقد انتفش شعرها حتى ظهر أصله، وقد تجمعت للوثب.

وتعبر الأبيات عن إدراك فني رفيع، فالقصيدة نفثة شعورية صادقة وصارخة في وجه القبيلة التي فرت، واستطاع التشبيه أن يجسد هذه النفثة الشعورية فقوله (الخيلَ كأنَّها جَداوِلُ زرعٍ أُرسِلَتْ فأسْبَطرَّتِ) تشبيه يقوم على إبراز صورة جيش الخصم؛ فخيولهم في تتابعها وامتدادها وكثرتها تشبه الأنهار التي تروي الزرع ولا تسير في طريق محدد، بل تتمايل هنا وهناك لتصل إلى كل الأماكن. فالتشبيه هنا يدل على كثرة الجيش، وامتداده، وتتابعه، مما جعله أن يعلن في صراحة أن نفسه قد جاشت لأول وهلة، حتى حدثته نفسه بالهرب، لكنه أمرها بالثبات، واختار الشاعر لذلك كلمة "استقرت"دلالة على ثبات النفس وتماسكهاأمام شعور قد يذهب به بعيدا عن الثبات والاستقرار، ثم يأتي التشبيه الآخر" ظَلِلْتُ كأنَّي للرماحِ دريّئَةٌ" وهو تشبيه يقوم على إبراز جانب الإنصاف؛ لأنه صور الأعداء وهم يصوبون رماحهم في صدره كأنه أصبح حلقة يتعلم عليهاا الرماة الرمي، دلالة على حسن استعداد الخصم للقتال، وتماسك قواه في مواجهة قبيلة الشاعر، ثم نصل إلى مفارقة شديدة الأهمية في إبراز هذا الجانب، فهو يذب عن أبناء قبيلته وقد فرت، ولم تصبر على الثبات. ويؤكد هذا المعنى باستخدام دلالات بعض الألفاظ فقوله" ابْذَعَرَّتِ " يوحي بهروب القبيلة وعدم استطاعتها على الثبات، كما يوحي بحزن الشاعر تجاه موقف قبيلته. أما البيت الأخير فهو بمثابة الصرخة الكبرى التي أطلقها رافضا من خلالها تصرف القبيلة عن طريق أسلوب الشرط المتبوع بأداة التوكيد واستخدام أداة الاستدراك (لكن) التي أفادت كثيرا في التحول إلى الثناء على القبيلة المعادية وأن رماحهم قد منعته عن الكلام.

إن الشاعر يرفض الإذعان لسلطة القبيلة، على عكس دُرَيد بن الصِّمَّةِ الذي أعلن رضوخه واستسلامه المطلق لقبيلته، إن هي جارت يجور، وإن هي عدلت يعدل، فهو لا يخالف رأيها مهما كانت الظروف.




يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 222.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 220.99 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (0.75%)]