الأخلاق الفاضلة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         اذكر الموت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الإنتصار على الهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الإقبال على الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 65 )           »          الخطاب فى القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 103 - عددالزوار : 64724 )           »          قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 2277 )           »          إصلاح ذات البين.. مهمة.. وإنجاز عظيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 7086 )           »          قواعد في الدعوة إلى الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 2603 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-12-2020, 09:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,251
الدولة : Egypt
افتراضي الأخلاق الفاضلة

الأخلاق الفاضلة (1)


الشيخ د. : سليمان بن حمد العودة




عناصر الخطبة

1/ حسن الخلق سنة المرسلين 2/ وإنك لعلى خلق عظيم 3/ فضل حسن الخلق وأهميته 4/ إنكار المنكر مع حسن الخلق 5/ الانحطاط الأخلاقي تولت كبَرَهُ الدول الغربية الهابطة 6/ الأخلاق سبيل لبقاء الأمم أو زوالها 7/ الأصول الجامعة للأخلاق الفاضلة


اقتباس

ومن حسن خلقك أن تفشي السلام على من عرفت ومن لم تعرف، وإذا كان سهلاً عليك أن تنبسط إلى أصحابك وخلانك… فالامتحان في قدرتك على الانبساط مع الآخرين وحسن تعاملك معهم، وكونهم يألفونك وتألفهم، ويقون بك ويأمنونك على أسرارهم، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ..











الخطبة الأولى:


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له.

إخوة الإسلام: والبر حسن الخلق. وما فتئ المرسلون -عليهم السلام- يدعون الناس لمكارم الأخلاق ويحذرونهم من مساوئها، حتى جاء محمد -صلى الله عليه وسلم- ليتمم مكارم الأخلاق، ويقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

وجاءت شريعة الإسلام داعية لكل خلق كريم، وناهية عن كل خلق ذميم، وبعث محمد -صلى الله عليه وسلم- بالحنيفية السمحة، يأمر أمته بالمعروف ويحل لأمته الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم. أما هو فوصفه ربه بكمال الخلق فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4].

وشهد له -صلى الله عليه وسلم- بحسن الخلق القريب منه والبعيد، والعدو والصديق، ولم يتمالك سيد بني حنيفة في زمنه ثمامة بن أثال -رضي الله عنه- من الاعتراف بفضله، والشهادة بحسن خلقه، حتى أسلم، وكان قبلُ مشركاً محارباً، ثم أعلن له إعجابه بشخصه وبدينه حين قال: "يا محمد والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، وقد أصبح وجهك الآن أحب الوجوه إلي، والله ما كان على وجه الأرض دين أبغض إليَّ من دينك، وقد أصبح دينك الآن أحب الأديان إليَّ…" إلخ كلامه -رضي الله عنه-.

تُرى من أين نشأت هذه المحبة؟ وكيف انقلبت الموازين في حياة ثمامة؟ إنها مكارم الأخلاق، وأدب المعاملة، والعفو مع القدرة على الانتقام… وإذا كانت تلك المعاملة مع الكافر؛ فكيف ترون معاملته -صلى الله عليه وسلم- مع المسلم؟!

ويكفي هنا أن نشير إلى مقولة أنس -رضي الله عنه-: "خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، والله ما قال لي أف قط ولا قال لي لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا" رواه مسلم.

فإذا وضعت في الحسبان طول هذه المدة في الخدمة، وأن الخادم غلام صغير، ومظنة الخطأ منه أكثر من الكبير أدركت كم هو عليه -صلى الله عليه وسلم- من مكارم الأخلاق، وحسن المعاشرة.

معاشر المسلمين: أين التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حسن الخلق، ومن منا يرغب الآخرين في الإسلام من خلال حسن خلقه وطيب معاملته؟! وكم من المسلمين من يدعو للإسلام بسلوكياته الفاضلة وأخلاقه العالية قبل أن يدعو بلسانه ومقاله؟!

إنها أزمة أخلاق يعيشها أعداد كثيرة من المسلمين، وكم يخسر العالم بانحطاط أخلاق المسلمين، فوق ما يخسره المسلمون أنفسهم.

عباد الله: ومما يدعو إلى حسن الخلق فضله العظيم، ومكانة أصحابه عند الله وعند رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبين الناس؛ فصاحب الخلق الحسن "من أكمل المؤمنين إيماناً". رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان.

وأصحاب الخلق الحسن من خيار المسلمين: "إن من خيركم أحسنكم خلقاً" رواه البخاري في صحيحه.

وإذا تنافس المتنافسون في الصلاة والصيام فينبغي كذلك أن يتنافسوا في مكارم الأخلاق، وفي الحديث: "وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ درجة صاحب الصوم والصلاة".

وإذا طاشت موازين العبد أثقلها حسن الخلق، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق".

والجنة مبتغى العاملين المخلصين، وحسن الخلق يوصل العبد إليها -بإذن الله- سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: "تقوى الله وحسن الخلق".

ومع محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأصحاب الأخلاق الفاضلة فهم أقرب الناس إليه -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً".

عباد الله: ولئن ضاقت أموالكم أن تسع الناس فسعوهم بأخلاقكم "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق".

ويح المفلسين لا من الدرهم والدينار، ولكن من رصيد الأخلاق، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ولكن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، ونأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار".

يا أخا الإسلام: أتقدر هذا الموقف حق قدره وأنت تتعامل مع الناس، ولربما أغواك الشيطان أو زين لك إخوان الشياطين فظننت أن التحايل على الخلق بالإساءة نوع من الشطارة، وأن الغش في المعاملة قدرة فائقة وويل لمن يأمنه الناس ظاهراً، فإذا به يغدر بهم سراً، وبئس أخو العشيرة من ودعه الناس اتقاء فحشه، وأولئك شر الناس منزلة عند الله، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم، وما أعظم الخطب حين تسوء أخلاق أهل الديانة والفضل والعلم، وأعظم منه حين يمارس الخطأ، ويسوء الخلق وصاحبه يظن ذلك من الدين

وأين حسن الخلق من تقطيب الجنبين، أو من الشدة في معاملة الآخرين، أو الثورة العارمة لخطأ يقع من جاهل في الدين أو سفيه غره صلف الشباب وتقويمه ليس عسيراً، وصلاح ليس مستحيلاً؟

وينبغي أن يفرق بين الغيرة لدين الله، والتصرف المحمود حيال المنكر وحسن المعاملة مع المخطئ وقد يقود الإنكار الخالي من حسن الخلق إلى وجود منكر أكبر، ولقد أوحي إلى خير البرية من ربه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْ) [آل عمران:159].

أيها المسلم: ومن حسن خلقك أن تفشي السلام على من عرفت ومن لم تعرف، وإذا كان سهلاً عليك أن تنبسط إلى أصحابك وخلانك فالامتحان في قدرتك على الانبساط مع الآخرين وحسن تعاملك معهم، وكونهم يألفونك وتألفهم، ويقون بك ويأمنونك على أسرارهم، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.

إخوة الإيمان: وتعجز الحضارات المادية المجردة من تعاليم السماء وهدي المرسلين أن ترقى بأصحابها إلى معالي الأخلاق، مهما أوتوا نصيباً من العلم في مظاهر الحياة الدنيا، ويأبى الله لغير شرعه إلا أن يرتكس أصحابه في حمأة الرذيلة، ويتمرغوا في أوحال الفساد ويسقوا كؤوساً مرة في أنواع الجريمة وتكاثرها، وكذلك الحال في واقع هذه الدول الكافرة وليس الخبر كالعيان.

والمصيبة أن هذه الأخلاق الفاسدة من قبل هذه الدول الكافرة بدأت تغزو العالم الإسلامي، وعبر وسائل جديدة، وقل من يتفطن لمخاطرها الخلقية في الحاضر والمستقبل.

أجل: إن فضائيات اليوم في معظمها لا تستحي من نقل الصورة العارية والمسلسل الهابط، والفكر المنحرف، وكل ذلك معاول هدم للقيم والأخلاق؛ وهي جريمة كبرى بحق القيم والأخلاق يتولى كبرها الدول المصدرة لها.

ولم يبعد عن الحقيقة من قال: "إن الحضارة الغربية ارتكبت أعظم جرم عرفه التاريخ بحق ثقافات العالم وشعوبه لتبني لنفسها حضارة سلطوية شرسة تتجه اتجاهاً كارثياً مخيفاً، ربما يؤدي في النهاية إلى الدمار".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41].



الخطبة الثانية


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صفوة الخلق أجمعين، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين.

إخوة الإيمان: وبالأخلاق الكريمة جاءت شرائع السماء وبعث المرسلون؛ لعلاج ما فسد من فطر الناس وأخلاقهم، وبالأخلاق الحسنة أوصى الحكماء أبناءهم.

"فمما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت"، ولا شك أن الحياء من أساسيات الأخلاق الفاضلة.

ومن وصايا لقيمان لابنه: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان: 18-19].

إن الخلق في منابع الإسلام الأولى -من كتاب وسنة- وهو الدين كله وهو الدنيا كلها؛ فإن نقصت أمة حظاً من رفعة في صلتها بالله، أو في مكانتها بين الناس فبقدر نقصان فضائلها وانهمام خلقها. أجل: إن الأخلاق عماد الأمم، وهي سبب مهم في تماسك الدول وبقائها.

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وعلى المسلمين أن يتنبهوا إلى قيمة الأخلاق في صراعهم الحضاري مع الأمم الأخرى، وهل تستطيع أمة أن تثبت وجودها إذا أضاعت مقومات شخصيتها؟ وانهارت أخلاقها؟

ولا غرابة أن تنحى الدول الكبرى منحى جديداً في حرب القيم والأخلاق في سبيل القضاء على خصومها، وذلك أن هذا النوع من الحرب أكثر أثراً وأقل خسارة من الحروب المادية.

وعلى كل مسلم أن يتصور أنه كلما ضعف في انتمائه لدينه، وتمسكه بأخلاقه فإنما يقلل بسلوكه هذا من جنود المسلمين، ويزرع جندياً آخر غريباً في بلاد المسلمين.

إن فساد الأخلاق طريق لانتهاك الأعراض، وضياع الأموال، وقتل الأنفس بغير حق، وفي حسن الأخلاق ضمان -بإذن الله- للأمن، وانتشار الخير، وحصول الرخاء.

عباد الله: وإذا كانت الأخلاق الكريمة بهذه المثابة من الأجر والأثر فما أحرانا أن نتعرف عليها أو على شيء منه، ومن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فليجاهد نفسه على الإصلاح والاستقامة.

وقد يطول بنا المقام لو ذهبنا نحصي الأخلاق الكريمة: كالصدق والصبر والشجاعة والحلم والحياء، والكرم والرفق ونحوها؛ ولكن بعض العارفين أرجع هذه الأخلاق الفاضلة إلى أربعة أصول، هي: "الصبر، والعفة، والشجاعة، والعدل".

والسر في ذلك -كما قيل- إن الصبر يحمل صاحبه على الاحتمال وكظم الغيظ، وإماطة الأذى، والحلم، والأناة، والرفق وعدم الطيش والعجلة.

والعفة تحمله على اجتناب الرذائل والقبائح من القول والفعل وتحمله على الحياء، وهو ركن كل خير، وتمنعه من الفحش والبخل والكذب والغيبة والنميمة.

والشجاعة تحمله على عزة النفس وإيثار معالي الأخلاق والشيم وعلى البذل والندى، الذي هو شجاعة النفس وقوتها على إخراج المحبوب ومفارقته، كما تحمله الشجاعة كظم الغيظ والحلم، وهذه هي حقيقة الشجاعة، فهي ملكة يقتدر بها على قهر خصومه: و "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".

أما العدل فيحمل صاحبه على اعتدال أخلاقه وتوسطه بين طرفي الافراط والتفريط؛ فلا يسرف ولا يقتر، ولا يجبن ولا يتهور، ولا يغضب ولا يهان، وهكذا.

يا أخا الإسلام: عد إلى نفسك وتأمل قربك أو بعدك من هذه الأخلاق، واعلم أنها سبب للسعادة في الدنيا وطريق إلى الجنة في الآخرة، فيها رضي الله وقرب من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبها تحصل محبة الناس، والعكس بالعكس، وفضل الله يؤتيه من يشاء: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت:69].

وهنا يرد سؤال مهم هل يمكن اكتساب هذه الأخلاق الفاضلة؟ أم أنها فطرية جبلية يقسمها الله وهو أعلم وأحكم؟ وما الطريق لاكتساب الأخلاق الفاضلة؟ وما الأسباب في انتشار الأخلاق السيئة.

كل ذلك وغيره، أستكمل الحديث عنه في الخطبة القادمة بإذن الله.

اللهم ألهمنا رشدنا، وأصلح أحوالنا، اللهم وكما حسنت خلقنا فحسن خلقنا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-12-2020, 09:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,251
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأخلاق الفاضلة

الأخلاق الفاضلة (2) طرق اكتسابها: أسباب ضعفها



الشيخ د. : سليمان بن حمد العودة













عناصر الخطبة

1/ فطرية بعض الأخلاق واكتساب بعضها 2/ العوامل المؤثرة سلباً في الأخلاق 3/ العلاج وطرق اكتساب الأخلاق الفاضلة




اقتباس


أليست البرامج الهابطة المثيرة للغرائز سبباً في انتشار فواحش الزنا واللواط؟! أليست الصورة الفاتنة سبباً للسفور ودعوة لنزع الحجاب؟! أليست الثقافة المسمومة سبباً في الانحراف الفكري والتغريب الثقافي، وهكذا يتردى الناس في الفتن وتتلوث أخلاقهم وهم لا يشعرون؟! والفتنة أشد من القتل، والقتل -وإن كان بطيئاً- فهو أشد أثراً من ..



















الخطبة الأولى:




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له.



أيها المسلمون: قال رجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أوصني فقال: "اتق الله حيث كنت" قال: زدني، قال: "أتبع السيئة الحسنة تمحها" قال: زدني، قال: "خالق الناس بخلق حسن".



وفي حديث آخر قال -عليه الصلاة والسلام-: "كرم المؤمن دينه، وحسبه حسن خلقه، ومروءته عقله". وقال الحسن: "من ساء خلقه عذب نفسه". وقال الفضيل: "لأن يصحبني فاجر حسن الخلق، أحب إلي من أن يصحبني عابد سيء الخلق". ومن وصايا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "خالطوا الناس بالأخلاق وزايلوهم بالأعمال".



وقال الجنيد: "أربع ترفع العبد إلى أعلى الدرجات -وإن قل عمله وعلمه- الحلم، والتواضع، والسخاء، وحسن الخلق، وهو كمال الإيمان".



إخوة الإيمان: وحيث مضى حديث عن فضل حسن الخلق وأثره، ونماذج من خلقه -صلى الله عليه وسلم- وإشارة إلى أصول الأخلاق الفاضلة. فحديث اليوم يرتكز على ثلاث نقاط أساسية:

1- فطرية بعض الأخلاق واكتساب بعضها.

2- العوامل المؤثرة سلباً في الأخلاق.

3- العلاج وطرق اكتساب الأخلاق الفاضلة.



أما فطرية الأخلاق وإمكانية تقويمها فقد ذهب بعض الباحثين والفلاسفة إلى أن الأخلاق غرائز في النفس الإنسانية لا تقبل تقويماً ولا تعديلاً، وهذه نظرة خاطئة، وقد استغلها من ثقلت عليه مجاهدة نفسه فراح يبرر لها ما هو مقيم عليه من ذميم الأخلاق، بأنه ليس في وسعه تغيير ما طبع عليه وجبل.



ولكن الصواب من القول أن من الأخلاق الكريمة ما يطبع عليه صاحبه فهذا يحمد الله على ما آتاه الله من فضله، ومن الأخلاق الكريمة ما ينال بالاكتساب والمجاهدة.



وفي حديث أشج عبدالقيس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة" قال: يا رسول الله قديماً كانا في أو حديثاً؟ قال: "قديماً" قال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله.



قال ابن حجر في شرحه للحديث: "فترديده السؤال وتقريره عليه يشعر بأن في الخلق ما هو جبلي وما هو مكتسب". ويقول القرطبي -مشيراً إلى ما في الخلق من جبلة وما يمكن أن يكتسب-: "الخلق جبلة في نوع الإنسان وهم فيه متفاوتون؛ فمن غلب عليه شيء منها إن كان محموداً، وإلا فهو مأمور بالمجاهدة فيه حتى يصير محموداً، وكذا إن كان ضعيفاً فيرتاض صاحبه حتى يقوى".



وفي حديث الغزالي في "الإحياء" عن الأخلاق، عقد فصلاً في بيان قبول الأخلاق للتغيير بطريق الرياضة، ومما قاله: "فلو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ، والتأديبات، وما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حسنوا أخلاقكم".



وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن؛ إذ ينقل البازي من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد، وكل ذلك تغيير للأخلاق.. إلخ كلامه الطويل.



عباد الله: ولو كان تقويم الأخلاق وتهذيبها غير مستطاع لكانت دعوة الشرائع إلى ذلك عبثاً لا طائل تحته، والشريعة الربانية تنزه عن هذا، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا يحملها ما لا تطيق.



وقد حثت الشريعة على كريم الأخلاق، كما أنه صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه". وفي هذا دليل على إمكانية اكتساب الأخلاق الفاضلة، وترويض النفس عليها.



إخوة الإسلام: وقبل أن أعرض للطرق المعينة على اكتساب الأخلاق الفاضلة، أقف عند العوامل المؤثرة على سوء الأخلاق، وكيف تتأثر القيم، وتنحدر الطباع.



ومن أقوى العوامل المؤثرة على سوء الخلق: ضعف الإيمان بالله، وضعف اليقين بجزاء الآخرة، وهذا الصنف لا يهمه حسنت أخلاقه أم ساءت، أما الذين يرجون لقاء ربهم فيدللون على ذلك بعملهم الصالحات، والأخلاق جانب مهم منها.



والمتقون لو ضعفوا ومسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون، ولا يتورع المجرمون والمفلسون عن ضرب هذا، وشتم هذه، وأكل مال هذا، والتطاول على عرض ذاك، وهكذا تتراكم سوءات الأخلاق لمن لا خلاق لهم ولا يرجون لقاء ربهم ولا يطمعون في رفيع الدرجات.



ومن العوامل: القرين، فله أثره على قرينه.



ومن العوامل كذلك: حب الدنيا، والطمع فيها والجشع، وكل ذلك يعمي صاحبه من معالي الأمور والتعامل مع الناس بالحسنى، وكم وقع بين الناس بسبب ذلك من قطيعة وخصومة وتنافر وشحناء، ولربما تسابقوا في سوء الخلق ورديء الكلام؟! وأين هذا من السخاء والكرم، والصبر والحلم والتواضع والصفح، والتعاون على الخير وغيرها من خلال كريمة لا يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم؟! ولو هانت الدنيا في قلوبهم لحسنت أخلاقهم، وساد الود والوئام بينهم، وإلى الله المشتكى.



ثالثاً: ومن عوامل ضعف الأخلاق: ضعف الرادع، وغياب العقوبة أو ضعفها أحياناً؛ إذ في النفوس من لا تردعها إلا العقوبة وسلطان الجزاء، وسواء كانت العقوبة حسية أم معنوية؛ فكل ذلك وازع ومهذب للنفس، ويزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وعذاب الدنيا عند الجهلة أخوف من عذاب الآخرة.



وقد تؤدي العقوبة المعنوية مثل أو أعظم مما تؤديه العقوبة الحسية، وهاكم نموذجاً من هديه -صلى الله عليه وسلم- في علاج رديء الأخلاق، أخرج الإمام أحمد في "مسنده" من حديث عائشة -رضي الله عنه- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اطلع على أحد من أهل بيته كذب كذبة لم يزل معرضاً عنه حتى يحدث توبة.



وهذا أسلوب تربوي في علاج الأخطاء على المربين أن يتأملوه ويعملوا به: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [العنكبوت:5-6].







الخطبة الثانية




الحمد لله رب العالمين، يحب الصابرين والمحسنين، ويجزي المتصدقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بالتقوى والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.



وأشهد أن محمداً عبده ورسوه، لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، ولا صحاباً بالأسواق، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.



أيها المؤمنون: أما السبب الرابع من أسباب تلوث الأخلاق ورداءتها فهو: ذلك الركام الهائل الذي تبثه وسائل الإعلام وتدمر به الأخلاق وتهدم القيم.



إنها لحرب أعنف وأمضى أثراً من الحروب العسكرية؛ إذ كانت الحرب فيما مضى قصراً على الرجال المحاربين، أما هذه الحرب الإعلامية فهي شاملة للنساء والأطفال، والشيوخ والشباب، وكنا في حروبنا مع أعدائنا -فيما مضى- ندافعهم حتى يسقط آخر سهم بأيدينا، أما الآن فنحن نستجلب من الوسائل ما يدمرنا، ونفتعل حروباً مدمرة لأهلينا وأولادنا، داخل بيوتنا.



عباد الله: أليست البرامج الهابطة المثيرة للغرائز سبباً في انتشار فواحش الزنا واللواط؟! أليست الصورة الفاتنة سبباً للسفور ودعوة لنزع الحجاب؟! أليست الثقافة المسمومة سبباً في الانحراف الفكري والتغريب الثقافي، وهكذا يتردى الناس في الفتن وتتلوث أخلاقهم وهم لا يشعرون؟! والفتنة أشد من القتل، والقتل -وإن كان بطيئاً- فهو أشد أثراً من الجراح في معركة يتقابل فيها المتحاربون.



ألا فانتبهوا -عباد الله- لأثر هذه الوسائل المدمرة، وحصنوا أنفسكم ومن تحت أيديكم من آثارها، ومن استرعاه الله رعية فمات وهو غاش لها لم يرح رائحة الجبنة.



أيها المسلمون: ولئن سألتم عن العلاج وطرق اكتساب الأخلاق الفاضلة، فهي كثيرة، ولكنها محتاجة إلى صدق ويقين وحزم وعزم ومجاهدة للنفس وترويض لها.



وهذه أولى القواعد، وهي منطلقة من قاعدة: "إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم"، وكم أفلح المروضون لأنفسهم والمزكون لها: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس:9-10].



ولا بد -ثانياً- من انتزاع معوقات اكتساب الأخلاق الفاضلة من النفس، فإذا كان الطمع والخوف من أهم هذه المعوقات فيمكن استبعادهما بالثقة بما عند الله والتوكل عليه وحده. وهكذا ينبغي أن ينتزع من النفس كل خلق رديء يعوق عن اكتساب الخلق الحسن.



ومن الأمور المعينة على اكتساب الأخلاق الفاضلة: تقدير الأمور العامة في التربية والتأكيد عليها؛ فالأبوان -مثلاً- عنصر مهم في التربية، وللعلماء دور في قيادة الأمة وتوجيهها، ويوم أن تسقط هيبة الوالدين عند الأولاد أو يقل تقدير العامة لأهل العلم فإن مؤشر الأخلاق ينحدر، وتحطم الحواجز، ويقود السفينة غير ربانها.



وقراءة السير وتراجم النبلاء طريق من طرق اكتساب الأخلاق، ويقال: تراجم الرجال مدارس الأجيال، ومعلوم أن الخير مفرق بين الناس – قديماً وحديثاً – فهذا حليم، وهذا شجاع، وذاك كريم، ورابع يضرب المثل بصبره… وهكذا، والإطلاع على هذه في تراجم أصحابها يدعو الأجيال اللاحقة لمحاكاتها، فتتحسن أخلاقهم، وتتهذب سلوكياتهم، ويتصل أواخر هذه الأمة بأوائلها.



وتقدير مشاعر الآخرين طريق لاكتساب الخلق الفاضل، ومن جليل الحكم: "وآت للناس الذي تحب أن يؤتى إليك" ، "وأحب للناس ما تحبه لنفسك". وصاحب هذا الشعور كلما هم بخلق سيئ للآخرين تذكر كرهه هو لإساءة الآخرين له فأقلع عما هم به.



والشكر والاعتراف بما أنعم الله به عليك طريق مهم لاكتساب الأخلاق الفاضلة، ذلك أن في النفس شرهاً وكفراناً للنعم لا تستقيم معه الأخلاق الفاضلة، وتقييدها بلجام الشكر لله على كل نعمة، وسؤاله المزيد من فضله، وتذكر من هو أقل منه، أو من حرم النعمة التي أوتيها كل ذلك يهذب النفس من جانب، ويدعو لمزيد من النعم: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [ابراهيم:7].



ولا بد من الاعتدال والتوازن لمن يريد اكتساب الأخلاق الفاضلة، والحد الوسط في الاعتدال كما قيل: "أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه، وحد الجور: أن تأخذه ولا تعطيه".



وثمة أمر مهم لاكتساب الخلق الفاضل: ألا وهو الدعاء، فلا تجعل بينك وبين الله وسائط في سؤال أي نعمة، ومنها الخلق الحسن، وقد كان من دعائه -صلى الله عليه وسلم- في استفتاح الصلاة: "واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت".



فإن كان هذا دعاء من قيل له: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]؛ فكيف يزهد غيره بالدعاء عامة وفي حسن الخلق خاصة؟!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 87.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 84.89 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]