|
ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() عيون القوافي نعيمة عبدالفتاح ناصف قصائدهم تبكي القلب وتعد من عيون الشعر عيون القوافي في رثاء الأبناء عند الشعراء العرب المراثي من الأبْواب المقروءة في شعرنا العربي؛ ذلك أنَّ النَّفس البشريَّة مجبولةٌ على ما يُثير عواطِفَها ومشاعِرَها، والرِّثاء يُخاطِب العواطف والمشاعر والقُلوب، ويهدف إلى تعْداد مناقب الرَّاحل الغالي، وإظْهار التفجُّع والتلهُّف عليه واستعظام المصيبة فيه[1]. وقد تميَّز شعراء العربيَّة دون غيرهم ببراعتِهم في الرثاء؛ لما لديْهم من رهافة الحسِّ ورقَّة المشاعر، وأجادوا في هذا المجال، حتَّى صارت مراثيهم - الَّتي شمِلَت الأنفُس والأبناء والزَّوجة والأمَّ، والعلماءَ والأبطالَ والأشْخاص والبلْدان - من عيون الشِّعْر، الَّتي تترك أثرَها في نفس القارئ والمستمِع. ومشاعِر الأبوَّة والأمومة والبنوَّة من المشاعر المشتركة بين جَميع الكائِنات، وقد عبَّر عنْها شُعراء العربيَّة أصدق تعبير، في مواقِفَ تُثير الحزن والألَم، وهي مواقف فقْد الأبْناء وتشْيِيعهم إلى القبور، وهم في عمْر الزُّهور. فالأبناء هُم زهْرة الحياة الوارفة، ومكانتُهم في قلوب الآباء والأمَّهات لا تعادِلُها مكانة، ليس ذلك في عالم البشر فحسْب؛ ولكن في عوالم الكائنات الحيَّة على الإطلاق، فالحيوان أيًّا كان نوعه - أليفًا أو مفترسًا - يحنو على صغيره، ويدافع عنه، ويحزن لمرضِه أو موته. ومن شُعراء العربيَّة مَن أصاب المرَض والموت أبناءَهم وبناتِهم، فنسجوا فيهم قصائدَ تُبكي الصخر وتحرِّك الجماد، وصارت هذه القصائد من أعظم المراثي في الشِّعْر العربي؛ لصِدْق الظروف والمشاعِر التي قيلت فيها، ولطبيعة العلاقة بين الرَّاثي والمرثي، وهِي علاقة الأبوَّة والبنوَّة، الَّتي تُعَدُّ من أقْوى الرَّوابط بين البشر. فرحيل الأبناء وهم في عمر الزُّهور، كثيرًا ما يترك آلامًا وأحزانًا عميقة في قلوب الآباء، وقد بكى النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على ولدِه إبراهيم يوم أن مات، وقال: ((إنَّ العين لتدْمع، وإنَّ القلب ليحزن، وإنَّا لفراقك - يا إبراهيم - لمحزونون))، إنَّها مشاعر أبويَّة، لا تختلِف من عصرٍ إلى عصر، وموتُ الولَد هو أكثر ما يؤثِّر في قلوب الوالدَين ويترُك جروحًا غائِرة قد لا يعالِجُها مرور الأيَّام والليالي والسنوات. وقد عبَّر شعراء العربيَّة أصْدق تعبير عن مشاعر فقْد الولد، ووجدنا في دواوين مَن فقدوا أبناءَهم قصائدَ رِثاء، تنمُّ عن حزن عميقٍ وتعبيرٍ صادق عمَّا يجول في القلْب نحو هذا العزيز الرَّاحل. - بهاء الدين زُهير يناجي ولدَه: وأوَّل ما يُطالِعُنا من مراثي الأبْناء تلك القصيدة التي كتبها بهاء الدين زهير، يَرْثِي فيها ولده، ويتساءَل كيف هجرَه هذا الهجْر الطَّويل وقد كان لا يُطِيق البُعْد عنه، ثُمَّ يُجيب بلِسان حال ولدِه الَّذي مات، وخضع لقَضَاء الله النافذ، فيقول[2]: أَرَاكَ هَجَرْتَنِي هَجْرًا طَوِيلا وَمَا عَوَّدْتَنِي مِنْ قَبْلُ ذَاكَا ثمَّ يُخاطِب ولدَه مبيِّنًا مكانتَه في قلبه، وكيف أنَّه كان بمثابة الرُّوح لجسدِ والدِه، وأنَّه دائمٌ على ذِكْرِه، وزيارة قبرِه، فيقول:عَهِدْتُكَ لا تُطِيقُ الصَّبْرَ عَنِّي وَتَعْصِي فِي وِدَادِيَ مَنْ نَهَاكَا فَكَيْفَ تَغَيَّرَتْ تِلْكَ السَّجَايَا وَمَنْ هَذَا الَّذِي عَنِّي ثَنَاكَا فَلا وَاللَّهِ مَا حَاوَلْتَ غَدْرًا فَكُلُّ النَّاسِ يَغْدِرُ مَا خَلاكَا وَمَا فَارَقْتَنِي طَوْعًا وَلَكِنْ دَهَاكَ مِنَ المَنِيَّةِ مَا دَهَاكَا فَيَا مَنْ غَابَ عَنِّي وَهْوَ رُوحِي وَكَيْفَ أُطِيقُ مِنْ رُوحِي انْفِكَاكَا - ابن الرُّومي يرْثِي ولده:يَعِزُّ عَلَيَّ حِينَ أُدِيرُ عَيْنِي أُفَتِّشُ فِي مَكَانِكَ لا أَرَاكَا خَتَمْتُ عَلَى وِدَادِكَ فِي ضَمِيرِي وَلَيْسَ يَزَالُ مَخْتُومًا هُنَاكَ فَيَا أَسَفِي لِجِسْمِكَ كَيْفَ يَبْلَى وَيَذْهَبُ بَعْدَ بَهْجَتِهِ سَنَاكَا فَيَا قَبْرَ الحَبِيبِ وَدِدْتُ أَنِّي حَمَلْتُ وَلَوْ عَلَى عَيْنِي ثَرَاكَا وَلا زَالَ السَّلامُ عَلَيْكَ مِنِّي يَزُفُّ عَلَى النَّسِيمِ إِلَى ذُرَاكَا ومن الشُّعراء الذين أصيبوا بفقْد الولد ابنُ الرومي، فقد مات ولدُه "محمد" وهو صغير، وكان أوْسَط أبنائِه، فحزِن عليْه حزنًا شديدًا، وعظُم مصابُه فيه، ونسج في رثائِه قصيدةً تُعَدُّ من أرْوَع قصائدِ الرِّثاء في الشِّعْر العربي. وابنُ الرُّومي شاعرٌ مطبوع على النَّظم العجيب والبلاغة والبيان، نبغ في الشِّعْر نبوغًا لم يقصر به كثيرًا عن درجة البحْتري، وقال الشِّعْر في كلِّ الأغْراض ولاسيَّما الوصف والهجاء، وله ديوان كبير[3]. وهو من الشُّعراء المقلِّين في الرِّثاء، ولكنَّه من المجيدين المبْدِعين فيه، حيث جاء رثاؤُه صدًى لفواجِع الدَّهر التي رماه بِها، عندما فقد أبناءَه الثَّلاثة، وزوْجَته وأمَّه وأخاه، ولعلَّ أرْوع قصائِدِه الرِّثائيَّة وأشهرَها هذه القصيدةُ التي قالَها في ابنِه الأوسط "محمد"، حيث تقطر أسًى وتَسيل أبياتُها آهاتٍ وأحزانًا، وتعتبر تَجسيدًا حزينًا لمشاعر أبٍ حَصَد الموتُ أغلى أبنائِه وأعزَّهم عليه، وهو في عمر الزهور. وهي قصيدة تُعْتَبر من عيون الرِّثاء في الشعر العربي، فقد جمع فيها فلسفة الموْت والحياة، وقضيَّة السَّعادة والشَّقاء، إضافة إلى التَّصوير المبدع الذي اشتُهِر به، والَّذي استطاع أن يُبَلْوِره في قصيدته[4]. وَلْنَقِف معَه في ملحمتِه الرِّثائيَّة هذه، الَّتي يستحثُّ في مطلعِها عينيْه على الجُود بالدُّموع على هذا الغالي، الَّذي أهداه أبوه بكفَّيه للثَّرى، فيقول[5]: بُكَاؤُكُمَا يَشْفِي وَإِنْ كَانَ لا يُجْدِي فَجُودَا فَقَدْ أَوْدَى نَظِيرُكُمَا عِنْدِي ويُبيِّن كيف اختار الموتُ أوْسَط أبنائِه وأحبَّهم إليه، وكان يأمُل الخير فيه، وكيْف أنَّ المنايا قد أنْجزتْ وعيدَها في ولده، وضيَّعتْ آمال والدِه فيه، فيقول:بُنَيَّ الَّذِي أَهْدَتْهُ كَفَّايَ لِلثَّرَى فَيَا عِزَّةَ المُهْدَى وَيَا حَسْرَةَ المُهْدِي أَلا قَاتَلَ اللَّهُ المَنَايَا وَرَمْيَهَا مِنَ القَوْمِ حَبَّاتِ القُلُوبِ عَلَى عَمْدِ تَوَخَّى حِمَامُ المَوْتِ أَوْسَطَ صِبْيَتِي فَلِلَّهِ كَيْفَ اخْتَارَ وَاسِطَةَ العِقْدِ - رحيل مبكر:عَلَى حِينَ شِمْتُ الخَيْرَ مِنْ لَمَحَاتِهِ وَآنَسْتُ مِنْ أَفْعَالِهِ آيَةَ الرُّشْدِ طَوَاهُ الرَّدَى عَنِّي فَأَضْحَى مَزَارُهُ بَعِيدًا عَلَى قُرْبٍ، قَرِيبًا عَلَى بُعْدِ لَقَدْ أَنْجَزَتْ فِيهِ المَنَايَا وَعِيدَهَا وَأَخْلَفَتِ الآمَالُ مَا كَانَ مِنْ وَعْدِي ويصوِّر رحيلَ ولدِه وهو في سنٍّ صغيرة، فلم يَمكُثْ بين المهْد واللَّحد إلا قليلاً، ويصِف المرَض الَّذي حلَّ به، فغيَّر لونَه، فيقول: لَقَدْ قَلَّ بَيْنَ المَهْدِ وَاللَّحْدِ لُبْثُهُ فَلَمْ يُنْسَ عَهْدُ المَهْدِ إِذْ ضُمَّ فِي اللَّحْدِ ويوجِّه الشَّاعر اللَّوم إلى قلبِه الَّذي لم ينفطِر لموْتِ ولدِه، وكأنَّه أقْسى من الحجَر الصَّلْد، ويتمنَّى لو أنَّه مات قبل ولدِه، ولكنَّها مشيئة الله، فيقول:أَلَمَّ عَلَيْهِ النَّزْفُ حَتَّى أَحَالَهُ إِلَى صُفْرَةِ الجَادِيِّ عَنْ حُمْرَةِ الوَرْدِ وَظَلَّ عَلَى الأَيْدِي تَسَاقَطُ نَفْسُهُ وَيَذْوِي كَمَا يَذْوِي القَضِيبُ مِنَ الرَّنْدِ فَيَا لَكِ مِنْ نَفْسٍ تَسَاقَطُ أَنْفُسًا تَسَاقُطَ دُرٍّ مِنْ نِظَامٍ بِلا عِقْدِ عَجِبْتُ لِقَلْبِي كَيْفَ لَمْ يَنْفَطِرْ لَهُ وَلَوْ أَنَّهُ أَقْسَى مِنَ الحَجَرِ الصَّلْدِ ورَغم خضوعِه للمشيئة الإلهيَّة في موْت ولدِه قبله، كما أقرَّ في البيت السَّابق، إلاَّ أنَّه يعودُ ويُعارض المشيئةَ الإلهيَّة، وهذا ممَّا يُؤْخَذ عليْه في هذه القصيدة، فيقول:بِوُدِّيَ أَنِّي كُنْتُ قَدْ مِتُّ قَبْلَهُ وَأَنَّ المَنَايَا دُونَهُ صَمَدَتْ صَمْدِي وَلَكِنَّ رَبِّي شَاءَ غَيْرَ مَشِيئَتِي وَلِلرَّبِّ إِمْضَاءُ المَشِيئَةِ لا العَبْدِ وَمَا سَرَّنِي أَنْ بِعْتُهُ بِثَوَابِهِ وَلَوْ أَنَّهُ التَّخْلِيدُ فِي جَنَّةِ الخُلْدِ - مكانة الأبناء:وَلا بِعْتُهُ طَوْعًا وَلَكِنْ غُصِبْتُهُ وَلَيْسَ عَلَى ظُلْمِ الحَوَادِثِ مِنْ مُعْدِ وَإِنِّي وَإِنْ مُتِّعْتُ بِابْنَيَّ بَعْدَهُ لَذَاكِرُهُ مَا حَنَّتِ النِّيبُ فِي نَجْدِ ويبيِّن ابنُ الرُّومي مكانة الأبْناء في قلوب الآباء، وكيف أنَّ لكل منهم فراغًا في القَلب لا يَملؤه الآخَر، وأنَّهم كالجوارح للجَسَد، لا يُغْني إحْداها عن الأخرى، فيقول: وَأَوْلادُنَا مِثْلُ الجَوَارِحِ أَيُّهَا فَقَدْنَاهُ كَانَ الفَاجِعَ البَيِّنَ الفَقْدِ ويصوِّر الشَّاعر حالَه بعد فقْدِ ولَده، الَّذي تغيَّر وذهب معه السُّرور كلُّه، وفقد لذَّات عَيْشِه، وصار متلحِّفًا بالزُّهد، لا ينفكُّ عن بُكاء ولده حتَّى أصابَه الرَّمَد من كثْرة البكاء، فيقول:لِكُلٍّ مَكَانٌ لا يَسُدُّ اخْتِلالَهُ مَكَانُ أَخِيهِ فِي جَزُوعٍ وَلا جَلْدِ هَلِ العَيْنُ بَعْدَ السَّمْعِ تَكْفِي مَكَانَهُ أَمِ السَّمْعُ بَعْدَ العَيْنِ يَهْدِي كَمَا تَهْدِي لَعَمْرِي لَقَدْ حَالَتْ بِيَ الحَالُ بَعْدَهُ فَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ حَالَتْ بِهِ بَعْدِي ويُشير ابنُ الرومي إلى لوْم النَّاس له لشدَّة حُزْنه على ولده، وكيف أنَّه يُخْفي من هذا الحُزْن أضْعاف ما يبدي، فيقول:ثَكِلْتُ سُرُورِي كُلَّهُ إِذْ ثَكِلْتُهُ وَأَصْبَحْتُ فِي لَذَّاتِ عَيْشِي أَخَا زُهْدِ أَرَيْحَانَةَ العَيْنَيْنِ وَالأَنْفِ وَالحَشَا أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَغَيَّرْتَ عَنْ عَهْدِي سَأَسْقِيكَ مَاءَ العَيْنِ مَا أَسْعَدَتْ بِهِ وَإِنْ كَانَتِ السُّقْيَا مِنَ العَيْنِ لا تُجْدِي أَعَيْنَيَّ جُودَا لِي فَقَدْ جُدْتُ لِلثَّرَى بِأَنْفَسَ مِمَّا تُسْأَلانِ مِنَ الرِّفْدِ أُلامُ لِمَا أُبْدِي عَلَيْكَ مِنَ الأَسَى وَإِنِّي لأُخْفِي مِنْهُ أَضْعَافَ مَا أُبْدِي - مواساة ورغبة:مُحَمَّدُ مَا شَيْءٌ تُوُهِّمَ سَلْوَةً لِقَلْبِيَ إِلاَّ زَادَ قَلْبِي مِنَ الوَجْدِ ويُواسي ولَدَه في قبره المُوحِش، بأنَّ أباه يعيشُ وحيدًا في دار الأُنْس، وأنَّه يتمنَّى أن يَلْحَق به، حتَّى يأْنَس بالقُرْب منه ورؤْيَته، فيقول في نِهاية القصيدة: وَأَنْتَ وَإِنْ أُفْرِدْتَ فِي دَارِ وَحْشَةٍ فَإِنِّي بِدَارِ الأُنْسِ فِي وَحْشَةِ الفَرْدِ - عائِشة التَّيموريَّة وابنتها توْحيدة:أَوَدُّ إِذَا مَا المَوْتُ أَوْفَدَ مَعْشَرًا إِلَى عَسْكَرِ الأَمْوَاتِ أَنِّي مِنَ الوَفْدِ وَمَنْ كَانَ يَسْتَهْدِي حَبِيبًا هَدِيَّةً فَطَيْفَ خَيَالٍ مِنْكَ فِي النَّوْمِ أَسْتَهْدِي عَلَيْكَ سَلامُ اللَّهِ مِنِّي تَحِيَّةً وَمِنْ كُلِّ غَيْثٍ صَادِقِ البَرْقِ وَالرَّعْدِ ومع الشَّاعرة المصريَّة "عائشة التَّيموريَّة"، نرى صورةً أُخرى من صور رثاء الأبْناء في الشِّعْر العربي، فقد أصابَ المرضُ ابنتها "توحيدة"، التي بلغتْ ثَماني عشرة سنةً وتزوَّجت، فما مرَّ على عرسِها شهرٌ حتَّى أصابَها مرضٌ مفاجئ تسبَّب في موتِها، فنسجتْ فيها قصيدةً من أجْمل وأرْوع قصائد الرِّثاء في الشِّعْر العربي. وعائشة التيمورية تعد نموذجًا رائعًا للنساء الرائدات في المجتمع العربي؛ فهي أديبة وشاعرة بارعة، فاقت نساء عصرها في المعرفة والفهم، وكان للبيئة الاجتماعية أثر واضح عليها، فالبيئة التي أحاطت بها كانت مليئة بالكتاب والشعراء والأدباء، الذين كانوا يتجمعون لدى والدها، فتأثرت بهم، واتسمت كتاباتها بالجانب الأخلاقي، فلم تتطرق إلى الجانب الغزلي في أشعارها إلا نادرًا، وتميزت أيضًا بتعدُّد لُغاتِها، فقد كانت تُتْقِن اللغة العربيَّة والتركية والفارسية[6]. وتوحيدة هي ابنتُها الكبرى، وكانت لها مكانةٌ خاصَّة في قلبها، فقد أوكلتْ إليْها مهام المنزل حتَّى باتت مدبِّرَته؛ ولكنَّها توفِّيت مبكِّرًا، فحلَّ بأُمِّها حزنٌ وأَسى ثقيلانِ على فقدانِها ابنتَها، وتركت العروض والعلوم، وأمْضَت سبعةَ أعْوام متواصلة ترْثِي ابنتَها، إلى أن أصاب عينيْها الرَّمَد، ولَم تنفكَّ عن رثاء ابنتِها إلاَّ بعد محاولاتٍ مُضْنية من الأهْل والأوْلاد استمرَّت سبْع سنوات، وبعدها بدأتْ عائشةُ بالتوقُّف شيئًا فشيئًا عن رثاء الابنة الغالية. فقد روَّعتْها الصَّدمة، ونسِيتْ كلَّ شيء إلاَّ ابنتَها، وقالت فيها عدَّة قصائد، منها هذه القصيدة التي تقول في مطْلعها[7]: إِنْ سَالَ مِنْ غَرْبِ العُيُونِ بُحُورُ فَالدَّهْرُ بَاغٍ وَالزَّمَانُ غَدُورُ إنَّها تصوِّر مصابَها الكبير في ابنتِها، وحزنَها عليْها حزنًا جعل الدَّمع ينهمِر من عينيْها دون توقُّف، وكأنَّه بُحور تسيل، بعد أن حجبتْ شمس حياتِها، وغاب قمرُها المضيء، فتحوَّلتْ حياتُها بعد ابنتِها عروس السَّماء إلى جحيم، ونارٍ تضطرِم في قلبِها وضلوعِها.فَلِكُلِّ عَيْنٍ حُقَّ مِدْرَارُ الدِّمَا وَلِكُلِّ قَلْبٍ لَوْعَةٌ وَثُبُورُ سُتِرَ السَّنَا وَتَحَجَّبَتْ شَمْسُ الضُّحَى وَتَغَيَّبَتْ بَعْدَ الشُّرُوقِ بُدُورُ وَمَضَى الَّذِي أَهْوَى وَجَرَّعَنِي الأَسَى وَغَدَتْ بِقَلْبِيَ جَذْوَةٌ وَسَعِيرُ ثمَّ تصوِّر كيف ألمَّ المرَض بابنتِها وهجم عليْها، فغيَّر شكلها الجميل، وذبلت زهرة حياتِها، فتقول: طَافَتْ بِشَهْرِ الصَّوْمِ كَاسَاتُ الرَّدَى سَحَرًا وَأَكْوَابُ الدُّمُوعِ تَدُورُ - عجز الطَّبيب:فَتَنَاوَلَتْ مِنْهَا ابْنَتِي فَتَغَيَّرَتْ وَجَنَاتُ خَدٍّ شَانَهَا التَّغْيِيرُ فَذَوَتْ أَزَاهِيرُ الحَيَاةِ بِرَوْضِهَا وَانْقَدَّ مِنْهَا مَائِسٌ وَنَضِيرُ لَبِسَتْ ثِيَابَ السُّقْمِ فِي صِغَرٍ وَقَدْ ذَاقَتْ شَرَابَ المَوْتِ وَهْوَ مَرِيرُ وتُسجل في قصيدتِها حوار ابنتِها المريضة مع الطَّبيب، وهي ترْجوه أن يعجِّل لها بالدَّواء الَّذي يشفِي سقامَها، ويرحم شبابَها ويُريح أمَّها الثَّكلى، فتقول: جَاءَ الطَّبِيبُ ضُحًى وَبَشَّرَ بِالشِّفَا إِنَّ الطَّبِيبَ بِطِبِّهِ مَغْرُورُ ثمَّ تصوِّر حال ابنتِها وقد رأتْ عجْزَ الطَّبيب وتصوَّرت الموْت، وراحت تُوَدِّع أمَّها، بعد أن رأَتْ نفْسَها سائرةً إلى مصيرِها المحْتوم، فتقولُ بلسان حالِها:وَصَفَ التَّجَرُّعَ وَهْوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ بِالبُرْءِ مِنْ كُلِّ السِّقَامِ بَشِيرُ فَتَنَفَّسَتْ لِلحُزْنِ قَائِلَةً لَهُ عَجِّلْ بِبُرْئِي حَيْثُ أَنْتَ خَبِيرُ وَارْحَمْ شَبَابِي إِنَّ وَالِدَتِي غَدَتْ ثَكْلَى يُشِيرُ لَهَا الجَوَى وَتُشِيرُ وَارْأَفْ بِعَيْنٍ حَرَّمَتْ طِيبَ الكَرَى تَشْكُو السُّهَادَ وَفِي الجُفُونِ فُتُورُ لَمَّا رَأَتْ يَأْسَ الطَّبِيبِ وَعَجْزَهُ قَالَتْ وَدَمْعُ المُقْلَتَيْنِ غَزِيرُ وتصِف العروس حالَها وهي محمولة إلى قبرِها، وترجو أمَّها أن تدعو لها حتَّى يرفق بها الله - سبحانه - حين تصير إلى منزلها الأخير، وهو القبر الَّذي يصير إليه كلُّ حي، فتقول:أُمَّاهُ قَدْ كَلَّ الطَّبِيبُ وَفَاتَنِي مِمَّا أُؤَمِّلُ فِي الحَيَاةِ نَصِيرُ أُمَّاهُ قَدَّ عَزَّ اللِّقَاءُ وَفِي غَدٍ سَتَرَيْنَ نَعْشِي كَالعَرُوسِ يَسِيرُ - وصية العروس:وَسَيَنْتَهِي المَسْعَى إِلَى اللَّحْدِ الَّذِي هُوَ مَنْزِلِي وَلَهُ الجُمُوعُ تَصِيرُ قُولِي لِرَبِّ اللَّحْدِ: رِفْقًا بِابْنَتِي جَاءَتْ عَرُوسًا سَاقَهَا التَّقْدِيرُ وَتَجَلَّدِي بِإِزَاءِ لَحْدِي بُرْهَةً فَتَرَاكِ رُوحٌ رَاعَهَا المَقْدُورُ وتَعود الأم المكلومة إلى الدار، فلا تَجد ابنتَها التي ودَّعتْها إلى اللحد، وترى جِهاز العرْس ما زال باقيًا، فيرنُّ في أذنِها صوت ابنتها العروس تقول لها: صُونِي جَهَازَ العُرْسِ تَذْكَارًا فَلِي قَدْ كَانَ مِنْهُ إِلَى الزِّفَافِ سُرُورُ وتُجيبُها أمُّها معلنةً حفاظَها على عهْدِ ابنتِها، وأنَّها لن تتوقَّف عن الدُّعاء لها وقِراءة القُرآن من أجْلِها، حتَّى يلتقِيا في جنَّات عدْن، فتقول:جَرَّتْ مَصَائِبُ فُرْقَتِي لَكِ بَعْدَ ذَا لُبْسَ السَّوَادِ وَنُفِّذَ المَسْطُورُ وَالقَبْرُ صَارَ لِغُصْنِ قَدِّي رَوْضَةً رَيْحَانُهَا عِنْدَ المَزَارِ زُهُورُ أُمَّاهُ لا تَنْسَيْ بِحَقِّ بُنُوَّتِي قَبْرِي لِئَلاَّ يَحْزَنَ المَقْبُورُ وَرَجَاءَ عَفْوٍ أَوْ تِلاوَةَ مُنْزَلٍ فَسِوَاكِ مَنْ لِي بِالحَنِينِ يَزُورُ فَلَعَلَّمَا أَحْظَى بِرَحْمَةِ خَالِقٍ هُوَ رَاحِمٌ بَرٌّ بِنَا وَغَفُورُ فَأَجَبْتُهَا وَالدَّمْعُ يَحْبِسُ مَنْطِقِي وَالدَّهْرُ مِنْ بَعْدِ الجِوَارِ يَجُورُ ثمَّ تصِف الشَّاعرة حالَها وقد فارقتها ابنتها، وكيف أن عيْشها قد انتهى بموت ابنتها، ولم يعُد لِلحياة مذاقٌ في قلبها، وأنَّها تنتظِر الموْتَ الَّذي سيقرِّبُها من محبوبتِها، حيث تأْمُل من الله - سبحانه - أن يَجمع بينهُما في نعيم الجنَّة، فتقول:بِنْتَاهُ يَا كَبِدِي وَلَوْعَةَ مُهْجَتِي قَدْ زَالَ صَفْوٌ شَانَهُ التَّكْدِيرُ لا تُوْصِ ثَكْلَى قَدْ أَذَابَ فُؤَادَهَا حُزْنٌ عَلَيْكِ وَحَسْرَةٌ وَزَفِيرُ وَاللَّهِ لا أَسْلُو التِّلاوَةَ وَالدُّعَا مَا غَرَّدَتْ فَوْقَ الغُصُونِ طُيُورُ كَلاَّ وَلا أَنْسَى زَفِيرَ تَوَجُّعِي وَالقَدُّ مِنْكِ لَدَى الثَّرَى مَدْثُورُ إِنِّي أَلِفْتُ الحُزْنَ حَتَّى إِنَّنِي لَوْ غَابَ عَنِّي سَاءَنِي التَّأْخِيرُ قَدْ كُنْتُ لا أَرْضَى التَّبَاعُدَ بُرْهَةً كُيْفَ التَّصَبُّرُ وَالبِعَادُ دُهُورُ أَبْكِيكِ حَتَّى نَلْتَقِي فِي جَنَّةٍ بِرِيَاضِ خُلْدٍ زَيَّنَتْهَا الحُورُ إِنْ قِيلَ عَائِشَةٌ أَقُولُ لَقَدْ فَنِي عَيْشِي وَصَبْرِي وَالإِلَهُ خَبِيرُ - الشيخ سلمان العودة يرثي ولده:وَلَهِي عَلَى "تَوْحِيدَةِ" الحُسْنِ الَّتِي قَدْ غَابَ بَدْرُ جَمَالِهَا المَسْتُورُ قَلْبِي وَجَفْنِي وَاللِّسَانُ وَخَالِقِي رَاضٍ وَبَاكٍ شَاكِرٌ وَغَفُورُ مُتِّعْتِ بِالرِّضْوَانِ فِي خُلْدِ الرِّضَا مَا ازَّيَّنَتْ لَكِ غُرْفَةٌ وَقُصُورُ وَسَمِعْتِ قَوْلَ الحَقِّ لِلقَوْمِ: ادْخُلُوا دَارَ السَّلامِ فَسَعْيُكُمْ مَشْكُورُ هَذَا النَّعِيمُ بِهِ الأَحِبَّةُ تَلْتَقِي لا عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُهُ المَبْرُورُ ونقِفُ مع ملْحمة أُخرى من ملاحِم رِثاء الأبْناء في الشِّعْر العربي، وهي قصيدةٌ يرثِي فيها الشَّيخ سلْمان العودة ابنَه عبدالرحمن، الَّذي توفِّي في حادثٍ أثْناء سجن الشَّيخ، ودُفِن ولم يرَه والدُه. يقول العودة في قصيدتِه: وَدَاعًا حَبِيبِي لا الْتِقَاءَ إِلَى الحَشْرِ وَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِي عَلَيْكَ لَظَى الجَمْرِ ويستعيدُ العودة ذكرياتِه مع ولدِه وهو يعبَث بلحْيته ويلْعب على كتِفِه وصدره، وكيف أنَّ هذه الذِّكْريات تُحاصِره ليلَ نَهار، وهو يصبِّر نفسَه بما يرفُل فيه صغيرُه - بإذن الله - من نعيمٍ عند الله - سبحانه - فيقول:صَبَرْتُ لأَنِّي لَمْ أَجِدْ لِيَ مَخْلَصًا إِلَيْكَ وَمَا مِنْ حِيلَةٍ لِي سِوَى الصَّبْرِ تَرَاءَاكَ عَيْنِي فِي السَّرِيرِ مُوَشَّحًا عَلَى وَجْهِكَ المَكْدُومِ أَوْسِمَةُ الطُّهْرِ بَرَاءَةُ عَيْنَيْكَ اسْتَثَارَتْ مَشَاعِرِي وَفَاضَتْ بِأَنْهَارٍ مِنَ الدَّمْعِ فِي شِعْرِي ويصوِّر العودة حزْن الألعاب الَّتي كان يلهو بها صغيره، وكيف أنَّها قد صارت يتيمةً من بعده، فيقول:وَكَفَّاكَ حِينًا تَعْبَثَانِ بِلِحْيَتِي وَحِينًا عَلَى كِتْفِي وَحِينًا عَلَى صَدْرِي أَرَى فَمَكَ الحُلْوَ المُعَطَّرَ فِي فَمِي كَمَا اعتَدْتُ هَذَا الحُبَّ مِنْ أَوَّلِ البِرِّ تُحَاصِرُنِي ذِكْرَاكَ يَا سَاكِنَ القَبْرِ وَتَجْتَاحُ أَعْمَاقِي وَإِنْ كُنْتُ فِي الأَسْرِ أَرَاكَ جَمِيلاً رَافِلاً فِي جَزِيرَةٍ بِمُعْشِبَةٍ فَيْحَاءَ طَيِّبَةِ النَّشْرِ وَتُفْرِحُنِي أَطْيَافُكَ الخُضْرُ إِنْ بَدَتْ مُضَمَّخَةً شُكْرًا لأَطْيَافِكَ الخُضْرِ وَأَلْعَابُكَ اشْتَاقَتْ إِلَيْكَ وَهَالَهَا غِيَابُكَ عَنْهَا مَيِّتًا وَهْيَ لا تَدْرِي ويَستعيد ذِكْريات زيارة ولده الأخيرة له وهو في سجْنِه، فيقول:يَتَامَى يُكَسِّرْنَ القُلُوبَ هَوَامِدٌ وَلَمَّا يَصِلْ أَسْمَاعَهَا فَاجِعُ السِّرِّ حَبِيبِيَ فِي شَعْبَانَ أُلْفِيتَ زَائِرًا طَرُوبًا إِلَى لُقْيَايَ مُبْتَسِمَ الثَّغْرِ وما يُثير حزنَه وأَلَمه أنَّه لم يحضُر موتَ ابنِه، ولم يصلِّ عليه ويودعه إلى قبره، يقول في نهاية القصيدة معبِّرًا عن ذلك:قَعَدْتَ بِحِجْرِي وَالسُّرُورُ يَلُفُّنِي وَشَنَّفْتَ سَمْعِي تَالِيًا سُورَةَ العَصْرِ أَرَاكَ تُعَزِّينِي بِهَا وَتَلُومُنِي عَلَى جَزَعٍ تَخْشَاهُ مِنْ جَانِبِ الدَّهْرِ تَمَنَّيْتُ لَوْ تُغْنِي الأَمَانِيُّ نَظْرَةً إِلَى جَسَدٍ ذَاوٍ يُغَرْغَرُ بِالسِّدْرِ - ملحمة حزينة:تَمَنَّيْتُ حَتَّى وَقْفَةً عِنْدَ نَعْشِهِ تَرُدُّ إِلَى نَفْسِي الَّذِي ضَاعَ مِنْ صَبْرِي تَمَنَّيْتُ مَا نَالَتْ أُلُوفٌ تَوَجَّهَتْ إِلَى رَبِّهَا صَلَّتْ عَلَيْكَ مَعَ العَصْرِ تَمَنَّيْتُ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ أَحُثُّهَا عَلَى قَبْرِكَ المَيْمُونِ طِيبٌ مِنَ القَبْرِ ولا تتوقَّف مراثي الأبْناء والبُكاء عليْهِم في شِعْرنا العربي، فقد كتب الشَّاعر السوداني "زكي مكي إسماعيل" ملْحمة حزينة، يودِّع فيها ابنته الصغيرة "إرهاف"، التي فجَّر فقدُها في أعماقه ينابيعَ الحزن، فانطلق يشْدُو شعرًا رقيقًا ممتزجًا بِمرارة الألم ولوعة الفراق، يقول مصوِّرًا رقودها مريضةً وهم يبكون من حولها: إرهاف ترقُد بالسَّرير عليلةً "ماما" تشاهدُها فتنهمر الدموع إرْهاف تمنع أمَّها سيل الدُّموع أمَّاه لا تبكي عليّ سأموت إن تبكي عليَّ غدًا ستنطفئ الشُّموع إرهاف أكبر من مدارِك طفلةٍ فاقت حصافتُها الجموع والأم تَمسح دمعها وتقول: "هيا اضحَكِي حتَّى أكفكِفَ ذي الدموع". ويصوِّر الشَّاعر مجيء عيد الأضْحى عليهم، وذهاب فرحتِهم بهذا العيد لمرض ابنتِهم الحبيبة، وكيف أنَّهم لم يذبحوا، ولم يشترُوا شيئًا من مباهج العيد لضيق ذات اليد، وحاجتهم إلى المال لعلاج ابنتِه، فيقول: إرهاف لَم نفرح صباحَ العيد مثل الآخرينْ حزنًا عليك صغيرتي لو تعلمينْ إرهاف لَم نذبح صباح العيد مثل الآخرينْ هي سنَّة لله نذْبَحُها على مرِّ السنينْ واليوم نتركُها فداك حبيبتي لا حلم لا حلوى ولا فستان أبتاه يا إرهاف يعجِز عن شراء البنسلين أين الدَّراهم تفتديك حبيبتي لتوفِّر الترياق للدَّاء المكين؟ ويسجِّل الشَّاعر في ملحمتِه مشهد ابنتِه وهي تأخذ الدَّواء، إلاَّ أنَّه لا يشفي مرضًا، وكأنَّه وهم وليس دواء، وكيف لا يكون وهمًا أمام غشِّ الدَّواء الَّذي يسمع عنْه الشَّاعر كلَّ حين، ووجود مافيا تُتاجِر في حياة البشر، فيقول: إرهاف جاء البنسلين إرهاف نأمل في الشفاء والكل يرفع بالأكفِّ إلى السَّماء إرهاف ترتشِف الدَّواء لكنَّه مسخ يؤرِّقها وداء غشُّوا الدَّواء وغلَّفوا الأوهام بالكرتون باعوها دواء عجبي لهم "مافيا" تُتاجر في حياة العالمين وتدَّعي صنع الدواء. ويصوِّر الشَّاعر مشهد موت ابنتِه، وقد حانت منيَّتُها، فيقول: إرْهاف تصرخ تستغيث إرْهاف تجهش بالبكاء وتمزِّق الأكباد من هول النِّداء فالله كان المستجيب حبيبتي واختار قُرْبَك دوننا طوبى لرُوحِك في السَّماء. ويعتذِر الشَّاعر لابنتِه، ويبيِّن كيف أنَّه استدان ولَم يبخَل بشيءٍ لِعلاجِها، حتى أشيائه الثَّمينة ومصاغ أمِّها، ثم يعلن في النِّهاية صبرَه على قضاء الله وقدَرِه، فيقول: إرهاف لم أبخلْ بشيء فلْتَمْض أشيائي الثَّمينة للدواء إرهاف ثقلت الديون قرضتها أملي أعجِّل للأميرة بالشفاء أمَّاه (صيغتها) فداك حبيبتي يا خير مَن يفدى ويجزل بالعطاء إرهاف نطمع أن نراك طليقة ندعو ونرفع بالأكف إلى السماء والحمد لله العظيم بِما قضى ونرْضى بالقضاء والقلب يحزن دُرَّتي، يهتزُّ بالألم الدَّفين والقول ما يرضي الإلَه، والله يجزي الصابرين. ـــــــــــــــــ [1] جواهر الأدب في أدبيَّات وإنشاء لغة العرب، أحمد إبراهيم الهاشمي، مؤسَّسة التاريخ العربي، بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1999م. [2] المرجع السابق. [3] المرجع السابق. [4] لوعة الحُزن في رثاء والد لولده، حمد القاضي، المجلة العربية، العدد 322، ذو القعدة 1424هـ. [5] الشعر في العصر العباسي، الدكتور محمد أبو العيون، جامعة القاهرة، كلية دار العلوم 1983م. [6] الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت - لبنان، الجزء الثالث، الطبعة الثانية عشر، فبراير 1997م. [7] حلية الطراز، ديوان عائشة التيموريَّة، الأميرة قدريَّة حسين وآخرون، مطبعة دار الكتاب العربي، القاهرة 1952م، وجواهر الأدب في أدبيَّات وإنشاء لغة العرب، أحمد إبراهيم الهاشمي، مرجع سابق.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |