تفسير سورة الفلق - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 221 - عددالزوار : 21877 )           »          الفرق بين الفقه وأصول الفقه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          هل يقتضي النهي فساد المنهي عنه (الاتجاهات، المآخذ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 33 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 53 - عددالزوار : 40996 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 109 - عددالزوار : 69018 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 34450 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14646 - عددالزوار : 868797 )           »          شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 617 - عددالزوار : 199931 )           »          كبر الهمَّة في العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          علماء الحديث مهرة متقنون/ الإمام البخاري وشيخه أبو نعيم نموذجا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 23-06-2025, 02:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,489
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير سورة الفلق

تفسير سُورَةُ الفَلَقِ

يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

سُورَةُ (الفَلَقِ): سُورَةُ مُخْتَلَفٌ فِيها هَلْ هِيَ مَكِّيَّةٌ أَمْ مَدَنِيَّةٌ[1]، وَآيُها خَمْسُ آياتٍ.

أَسْمَاءُ السُّورَةِ:
وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ أَسْمَائِهَا: سُورَةُ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، وَسُورَةُ (الْمُعَوِّذَةُ الْأُولَى)، وَسُورَةُ (الْفَلَقِ)[2].

الْمَقَاصِدُ الْعَامَّةُ لِلسُّورَةِ:
اِحْتَوَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى مَقَاصِدَ عَظِيمَةٍ، مِنْ أَهَمِّهَا[3]:
الاِعْتِصَامُ مِنْ شَرِّ كُلَّ مَا انْفَلَقَ عَنْهُ الْخَلْقُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ.

تَعْلِيمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ لِلتَّعَوُّذِ بِاللهِ مِنْ شَرِّ مَا يُتَّقَى شَرُّهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الشِّرِّيرَةِ، وَالْأَوْقَاتِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا حُدُوثُ الشَّرِ.

مِنْ فَضَاِئلِ سُورَتَيْ (الْفَلَقِ وَالنَّاسِ) مَعًا:
جَاءَتْ أَحَادِيثُ خَاصَّةٌ فِي فَضْلِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ (الْفَلَقِ وَالنَّاسِ)، وَلَمْ يَفْتَرِقَا فِي الْأَحَادِيثِ، وَمِنْ ذَلِكَ:
أولًا: أَنَّهُ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ؛ لِحِدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق ﴾، وَ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس ﴾»[4].

ثانيًا: أَنَّهَا أَفْضَلُ مَا تَعَوَّذَ بِهِ الْمُتَعَوِّذُوْنَ؛ لِحَديثِ ابْنِ عَابِسٍ الْجُهَنيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «يَا ابنَ عابِسٍ، أَلَا أُخْبِرُكَ بأَفضَلِ مَا تَعَوَّذَ بِهِ الْمُتَعوِّذُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس ﴾، وَ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق ﴾ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ»[5].

ثالثًا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ؛ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا»[6].

رابعًا: أَنَّهُ مَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا؛ لِحَدِيثِ عُقْبَةِ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْجُحْفَةِ وَالْأَبْوَاءِ، إِذْ غَشِيَتْنَا رِيحٌ وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ بِـ﴿ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق ﴾، وَ﴿ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس ﴾، وَيَقُولُ: يَا عُقْبَةُ، تَعَوَّذْ بِهِمَا، فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَؤُمُّنَا بِهِمَا فِي الصَّلَاةِ»[7].

خامسًا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اشْتَكَىْ قَرَأَ عَلَىْ نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ، كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا»[8].

وَقَدْ سُمِّيَتِ السُّورَتَانِ بِهَذَا الاِسْمِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ يَتَعَوَّذُ بِهِمَا مِنْ جَمِيعِ شُرُورِ الخَلْقِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ نُزُولِهِمَا لَمْ يَتَعَوَّذْ بِغَيْرِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ.

فَفِيهِمَا تَعْلِيمٌ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَلْتَجِئَ إِلَىْ اللهِ تَعَالَىْ وَيَحْتَمِيَ بِهَ، وَيَسْتَعِيذَ بِجَلَالِهِ وَعِظيمِ سُلْطَانِهِ مِنْ شَرِّ مَخْلُوقَاتِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: "وَالْمَقْصُودُ: الْكَلَامُ عَلَى هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ، وَبَيَانُ عَظِيمِ مَنْفَعَتِهِمَا، وَشِدَّةُ الْحَاجَةِ بَلِ الضَّرُورَةِ إِلَيْهِمَا، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَغْنِيْ عَنْهُمَا أَحَدٌ قَطُّ، وَأَنَّ لَهُمَا تَأْثِيرًا خَاصًّا فِي دَفْعِ السِّحْرِ وَالْعَيْنِ وَسَائِرِ الشُّرُورِ، وَأَنَّ حَاجَةَ الْعَبْدِ إِلَى الاِسْتِعَاذَةِ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ حَاجَتِهِ إِلَى النَّفَسِ والطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ"[9].

شَرْحُ الْآيَاتِ:
قَولُهُ: ﴿ قُلْ ﴾، أَيُّهَا الرَّسُولُ، ﴿ أَعُوذُ ﴾، أي:أَعْتَصِمُ، وَأَلْتَجِئُ وَأَسْتَجِيرُ، ﴿ بِرَبِّ الْفَلَق ﴾،أي: الصُّبْحِ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَالِقُ الإِصْبَاحِ [سورة الأنعام:96][10]، "وَتَخْصِيصُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغَيُّرِ الْحَالِ، وَتَبَدُّلِ وَحْشَةِ اللَّيْلِ بِسُرُورِ النُّورِ، وَمُحاكَاةِ فَاتِحَةِ يَوْمِ الْقِيامَةِ، وَالْإِشْعَارِ بِأَنَّ مَنْ قَدَرَ أَنْ يُزِيلَ بِهِ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ عَنْ هَذَا الْعَالَمِ قَدَرَ أَنْ يُزِيلَ عَنِ الْعَائِذِ بِهِ مَا يَخافُهُ، وَلَفْظُ الرَّبِّ هُنَا أوْقَعُ مِنْ سَائِرِ أَسْمائِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْإِعَاذَةَ مِنَ الْمَضَارِّ تَرْبِيَةٌ"[11].

قَولُهُ:﴿ مِن شَرِّ مَا خَلَق ﴾، أَيْ: مِنْ شَرِّ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالدَّوَابِّ وَالْهَوَامِّ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ مُؤْذٍ خَلَقَهُ اللهُ تَعَالَى[12].

قَولُهُ: ﴿ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَب ﴾أَيْ: مِنَ اللَّيْلِ إِذَا اشْتَدَّ ظَلَامُهُ[13]، وَتَخْصِيصُهُ لِأَنَّ اللَّيْلَ إِذَا أَقْبَلَ انْبَعَثَتِ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ وَانْتَشَرَتْ[14].

قَولُهُ:﴿ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَد ﴾، أي: وَمِنْ شَرِّ النُّفُوسِ أَوِ النِّساءِ السَّواحِرِ اللَّاتِي يَعْقِدْنَ عُقَدًا في خُيُوطٍ وَيَنْفُثْنَ عَلَيْها[15].

قَولُهُ:﴿ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ ﴾، أي: مَنْ يَتَمَنَّى زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ[16]، ﴿ إِذَا حَسَد ﴾، أي:أَظْهَرَ حَسَدَهُ، وَعَمِلَ بِمُقْتَضاهُ[17].

بَعْضُ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْلَصَةِ مِنَ الْآيَاتِ:
حُرْمَةُ الاِسْتِعَاذَةِ بِغَيْرِ اللهِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق [سورة الفلق:1]: أَنَّ الاِسْتِعَاذَةَ لَا تَجُوزُ إِلَّا بِاللهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ عَمَّنِ اسْتَعَاذَ بِخَلْقِهِ أَنَّ اسْتِعَاذَتَهُ زَادَتْهُ رَهَقًا: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [سورة الجن:6][18].

قَالَ السُّدِّيُّ رحمه الله: "كَانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ بِأَهْلِهِ فَيَأْتِي الْأَرْضَ فَيَنْزِلُهَا فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِسَيِّدِ هَذَا الْوَادِيْ مِنَ الْجِنِّ أَنْ أُضَرَّ أَنَا فِيهِ أَوْ مَالِيْ أَوْ وَلَدِيْ أَوْ مَاشِيَتِيْ، قَالَ: فَإِذَا عَاذَ بِهِمْ مِنْ دُوْنِ اللَّهِ رَهِقَتْهُمُ الْجِنُّ الْأَذَىْ عِنْدَ ذَلِكَ"[19]، أَيْ: طُغْيَانًا وَخَوْفًا وَإِرْهَابًا وَذُعْرًا.

لَيْسَ مِنَ الْأَدَبِ وَصْفُ اللهِ بِأَنَّهُ خَالِقُ الشَّرِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ مِن شَرِّ مَا خَلَق [سورة الفلق:2]: أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ[20]، وَهَذَا عَامٌّ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [سورة الرعد:16][21]، لَكِنْ لَيْسَ مِنَ الْأَدَبِ مَعَ اللهِ تَعَالَى أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ خَالِقٌ لِلشَّرِ؛ وَلِهَذَا مِنْ أَدَبِ إِبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين [سورة الشعراء:80]، وَقَالَ الْجِنُّ: ﴿ وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [سورة الجن:10]، فَنَبِيُّ اللهِ إِبْرَاهِيمُعليه السلام لَمْ يَقُلْ: وَإِذَا أَمْرَضَنِي، وَالْجِنُّ لَمَّا ذَكَرُوا الشَّرَ ذَكَرُوهُ بِالْفِعْلِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ، وَلَمَّا ذَكَرُوا الْخَيْرَ أَضَافُوهُ إِلَى رَبِّهِمْ، وَهَذَا مِنْ أَدَبِهِمْ.

وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو بِالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ في قِيَامِ اللَّيْلِ، وَمِنْهُ: «وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»[22].

مَشْرُوعِيَّةُ الاِسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ اللَّيْلِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَب [سورة الفلق:3]: أَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ سُلْطَانِ الْأَرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ، وَفِيهِ تَنْتَشِرُ الشَّيَاطِينُ؛ وَلِذَلكِ أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى بِالاِسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ اللَّيْلِ، وَفي السُّنَّةِ قَدْ جَاءَتْ عِدَّةُ أَحَادِيثَ فِي التَّنْوِيهِ عَلَى عَدَمِ إِخْرَاجِ الصِّبْيَانِ مَعَ بَدَايَةِ اللَّيْلِ؛ تَحْذِيرًا مِنْ خَطَرِ الشَّيَاطِينِ، وَمِنْهَا: حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تُرْسِلُوْا فَوَاشِيَكُمْ[23] وَصِبْيَانَكُمْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ»[24].

ومنها: حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوْا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ»[25]، وَفِي رِوَايَةٍ: «وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً»[26].

وَاللَّيْلُ لَيْسَ شَرًّا فِي نَفْسِهِ، وَلَا الشَّرُّ مِنْ عَمَلِهِ، وَإنَّما هُوَ وَقْتٌ تَكْثُرُ فِيهِ الشُّرُورُ، وَتَنْتَشِرُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فَمُنَاسِبٌ أَنْ يُسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنْهُ.

مَشْرُوعِيَّةُ الاِسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ:
أَنَّ اللهَ تَعَالَى "ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: إِرْشَادَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ كُلِّ مَخْلُوقَاتِهِ عَلَى الْعُمُومِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ الشُّرُورِ عَلَى الْخُصُوصِ مَعَ انْدِرَاجِهِ تَحْتَ الْعُمُومِ؛ لِزِيَادَةِ شَرِّهِ، وَمَزِيدِ ضُرِّهِ، وَهُوَ الْغَاسِقُ وَالنَّفَّاثَاتُ وَالْحَاسِدُ، فَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ لِمَا فِيهِمْ مِنْ مَزِيدِ الشَّرِّ حَقِيقُونَ بِإِفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالذِّكْرِ"[27].

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله: "هَذِهِ سُورَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَالِقُ كُلِّ شَرٍّ، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَعَوَّذَ مِنْ جَمِيعِ الشُّرُورِ، فَقَالَ: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَجَعَلَ خَاتِمَةَ ذَلِكَ الحَسَدَ؛ تَنْبِيهًا عَلَى عِظَمِهِ، وَكَثْرَةِ ضَرَرِهِ"[28].

عِظَمُ السِّحْرِ وَخَطَرُهُ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَد [سورة الفلق:4]: إِشَارَةٌ وَاضِحَةٌ إِلَى السِّحْرِ وَالسَّحَرَةِ وَخَطَرِهِمْ فِي نَشْرِ الشَّرِ وَالدَّجَلِ وَالشَّعْوَذَةِ، وَهُنَا بَعْضُ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ:
أولًا: شَرُّ السِّحْرِ وَالسَّحَرَةِ، وَالسِّحْرُ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَعَظَائِمِ الْآثَامِ، وَالجرَائِمِ الْمُوبِقَةِ الْمُهْلِكَةِ، بَلْ إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ تَعَلُّمَهُ وَتَعَاطِيَهُ كُفْرًا، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ [سورة البقرة:102].

وَجَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَبَرَّأَ مِمَّنْ يَصْنَعُ السِّحْرَ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى مَنْ يَصْنَعُ لَهُ سِحْرًا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ»[29]، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَىْ كَاهِنًا أَوْ سَاحِرًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم»[30].

ثانيًا: أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ الْعَظيمَةَ مِنْ أَكْبَرِ أَدْوِيَةِ الْمَحْسُودِ وَالْمَسْحُورِ وَالْمَعْيُونِ، فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ التَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَالاِلْتِجَاءَ إِلَيْهِ، وَالاِسْتِعَاذَةَ بِهِ[31].

ثالثًا: أَنَّ لِلسِّحْرِ تَأْثِيرًا وَحَقِيقَةً، فَالسِّحْرُ يُؤَثِّرُ مَرَضًا وَثِقَلًا، وَحَلًّا وَعَقْدًا، وَحُبًّا وَبُغْضًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ[32].

رابعًا: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَد [سورة الفلق:4]: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّفْثَ يَضُرُّ الْمَسْحُورَ في حَالِ غَيْبَتِهِ عَنْهُ[33].

بَيَانُ خَطَرِ الْحَسَدِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَد [سورة الفلق:5]: التَّنْبِيهُ إِلَى خَطَرِ الْحَسَدِ وَشِدَّةِ تَأْثِيرِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْخَطَر:
أولًا: أَنَّ الْحَسَدَ دَاءٌ خَطِيرٌ مِنْ أَدْوَاءِ الْقُلُوبِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ وَزَجَرَ، فَفِيْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحَاسَدُوا»[34]، وَالْحَسَدُ إِذَا دَخَلَ الْقَلْبَ فَخَطَرُهُ شَدِيدٌ جِدًّا، إِذْ قَدْ يَجُرُّ صَاحِبَهُ إِلَى كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَبِسَبَبِهِ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ، وَهُوَ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَبِسَبَبِهِ عَقَّ إِخْوَةُ يُوسُفَ أَبَاهُمْ، وَأَضَاعُوا أَخَاهُمُ الصَّغِيرَ[35].

ثانيًا: أَنَّ نَفسَ حَسَدِ الْحَاسِدِ يُؤْذِي الْمَحْسُودَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَعِذْ بِاللهِ، وَيَتَحَصَّنْ بِهِ، وَيَكُن لَهُ أَوْرَادٌ في الْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ، وَالتَّوَجُّهِ إِلى اللهِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ، بِحَيْثُ يَدْفَعُ عَنْهُ مِنْ شَرِّهِ بِمِقْدَارِ تَوَجُّهِهِ وَإِقْبالِهِ عَلَى اللهِ، وَإِلَّا نَالَهُ شَرُّ الْحَاسِدِ وَلَا بُدَّ.

وَفِي رُقْيَةِ جِبْرِيلَ عليه السلام لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بِاسْمِ اللهِ أرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ»[36]، وَقِيلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: «أَيَحْسُدُ الْمُؤْمِنُ؟! قَالَ: مَا أَنْسَاكَ إِخْوَةَ يُوسُفَ»[37].

ثالثًا: أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الاِسْتِعَاذَةِ بِاللهِ مِنَ الْحَسَدِ: الْعَيْنُ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ، وَمِنْ أَسْبَابِهَا رُؤْيَةُ الشَّيْءِ عَنْ حَسَدٍ[38]، وَقَدْ جَاءَ فِي السُّنَّةِ مَا يَدَلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْاِسْتِعَاذَةِ مِنْ عَيْنِ الْحَاسِدِ، وَمِنْ تَلْكَ الْأَحَادِيثِ: حَدْيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه قَالَ: «أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَىْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اشْتَكَيْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: بِاسْمِ اللهِ أرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ»[39]. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ»[40].

[1] ينظر: تفسير ابن عطية (5/ 538).
[2] ينظر: التحرير والتنوير(30/ 623).
[3] ينظر: مصاعد النظر (3/ 298)، التحرير والتنوير (30/ 625).
[4] أخرجه مسلم (814).
[5] أخرجه أحمد (17389) واللفظ له، والنسائي (5432).
[6] أخرجه الترمذي (2058) واللفظ له، وقال: "حديث حسن غريب"، والنسائي (5494)، وابن ماجه (3511).
[7] أخرجه أبو داود (1463).
[8] أخرجه البخاري (5016).
[9] بدائع الفوائد (2/ 199).
[10] ينظر: تفسير الطبري (24/ 744)، تفسير البغوي (8/ 595).
[11] تفسير البيضاوي (5/ 348).
[12] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 535).
[13] ينظر: التحرير والتنوير (30/ 627).
[14] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 348).
[15] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 348).
[16] ينظر: فتح القدير (5/ 640).
[17] ينظر: تفسير الزمخشري (4/ 822)، تفسير الجلالين (ص827).
[18] تفسير ابن عبد الوهاب (ص385).
[19] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 239).
[20] خلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ القائلين بأنَّ اللَّهَ تعالى لا يَخْلُقُ الشَّرَّ، وقالُوا: كَيْفَ يَخْلُقُهُ ويُقَدِّرُهُ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِالِاسْتِعاذَةِ بِهِ سُبْحانَهُ مِمّا خَلَقَهُ وقَدَّرَهُ؟ وقولهم مردود بما ذكرنا من الأدلة.
[21] ينظر: تفسير ابن عطية (5/ 538)، أضواء البيان (9/ 159).
[22] أخرجه مسلم (771).
[23] الفواشي: جمع فاشية، وهي الماشية التي تنتشر من المال، كالإبل والبقر والغنم السائمة؛ لأنها تفشو، أي: تنتشر في الأرض. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 449).
[24] أخرجه مسلم (2013).
[25] أخرجه البخاري (3304)، ومسلم (2012).
[26] أخرجه البخاري (3316).
[27] فتح القدير (5/ 640).
[28] تفسير القرطبي (20/ 259).
[29] أخرجه البزار في مسنده (3578)، والطبراني في الكبير (18/ 162) (355).
[30] أخرجه البزار في مسنده (1873).
[31] ينظر: بدائع الفوائد (2/ 238).
[32] ينظر: بدائع الفوائد (2/ 227).
[33] ينظر: بدائع الفوائد (2/ 227).
[34] أخرجه البخاري (6064)، ومسلم (2563).
[35] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 259)، مجموع الفتاوى (10/ 121).
[36] أخرجه مسلم (2186).
[37] ينظر: التمهيد لابن عبد البر (6/ 126)، تفسير القرطبي (9/ 138).
[38] ينظر: بدائع الفوائد (2/ 231).
[39] أخرجه مسلم (2186).
[40] أخرجه ابن ماجه (3508) واللفظ له، والحاكم في المستدرك (7497)، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". وأصله في صحيح البخاري (5740)، وصحيح مسلم (2187) بلفظ: "العين حق".




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 101.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 99.36 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (1.66%)]