|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() عقوق الوالدين عبد الغني بن عثمان الغامدي الخطبة الأولى: الحمد لله الأول والآخر، والباطن والظاهر، القوي القاهر، الرحيم الغافر، أحمده -سبحانه- على نعيمه الوافر، وأشكره على فضله المتكاثر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم مكنونات الصدور، ومخفيات الضمائر، خلق الخلق وكلهم إليه صائر، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله المطهّر الطاهر، كريم الأصل زكي المآثر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والمفاخر، والتابعين ومن تبعهم من أولي البصائر، ومن كان على درب الحق سائر. أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله الملك العلام، فإن تقواه - سبحانه - عروةٌ ليس لها انفصام، وجذوة تنير القلوب والأفهام: ( وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) سورة النساء. عباد الله: في يوم من الأيام جاء رجل إلى المحكمة العامة شاكياً باكياً يقول: أذن المؤذن لصلاة الفجر، فذهبت لإيقاظ ولدي للصلاة، فقام وصفعني على وجهي، وانفجر باكياً خذوا بحقي من ولدي، أنصفوني من فلذة كبدي، آمره فيعصيني، وأزجره فينهرني، كرهت ولدي، إني أبغضه، لا أحبه، لا أريده في بيتي. اتصلت على إحدى الأمهات، تقول: ولدي الوحيد ربيته بعد وفاة والده وتعبت في تربيته وسهرت عليه الليالي، وآثرته على أخواته بكثير من المطالب وإذا به يتنكر الجميل يرفع علي الصوت ويسبني بأقبح الكلمات ويؤذي أخواته بالضرب ولا يبالي بنا وبما نعانيه من الفقر والحاجة وقد أصبح رجلا يعتمد عليه. ووجدت أمٌ مقتولة، قتلها ولدها بأداة حديدية، فيا خجلتهم من ربهم وخالقهم، يا ويلهم من الواحد القهار، القوي الجبار، قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: (( لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ)) [رواه مسلم]، فمن لعن والديه، لعنه الله وغضب عليه، وطرده من رحمته، وأوقع به عقوبته، فما بالنا بمن ضرب والديه أو قتل أحدهما أو كلاهما، لهو للعنة أحق، وللطرد مستحق، قال جبار الأرض والسماء، في سورة الإسراء: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)، وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: (( مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ، مِنَ الْبَغْي وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ)) [رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]، وهل هناك أعظم رحماً من الوالدين، اللهم اغفر لوالدينا كما ربونا صغاراً، اللهم أسبغ عليهم لباس العافية والتقوى، اللهم ارفع لهما الدرجات، واغفر لهما الزلات والهفوات، واجمعنا بهم في أعلى الجنات، يا غفور يا رحيم، يا ودود يا كريم. أيها الأحبة: كان هناك شاب منكب على اللهو واللعب، لا يفيق عنه، وكان والده صاحب دين، كثيراً ما يعظ ولده ويقول له: يا بني احذر هفوات الشباب وعثراته، فإن لله سطوات ونقمات، ما هي من الظالمين ببعيد، وكان إذا ألح عليه زاد في العقوق، وأنكر الحقوق، وجار على أبيه، وفي يوم من الأيام ألح على ابنه بالنصح على عادته، فمد الولد يده على أبيه، فحلف الأب مجتهداً، ليأتين بيت الله الحرام، فيتعلق بأستار الكعبة ويدعو على ولده، فخرج حتى انتهى إلى البيت الحرام، فتعلق بأستار الكعبة وأنشأ يقول: يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا *** عرض المهامة من قرب ومن بعد إني أتيتك يا من لا يخيب من *** يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد هذا منازل لا يرتد من عققي *** فخذ بحقي يا رحمن من ولدي وشل منه بحول منك جانبه يا*** من تقدس لم يولد ولم يلد فقيل أنه ما استتم كلامه، حتى يبس شق ولده الأيمن، قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: (( الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوِ احْفَظْهُ)) [رواه الترمذي وقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ)) [رواه الترمذي]، وأحسن من قال: والوالد الأصل لا تنكر له تربية *** واحفظه لاسيمـا إن أدرك الكبرَ فما تؤدي له حقاً عليك ولو *** على عيونك حج البيت واعتمرا نعوذ بالله من العقوق، ومن فساد القلوب، ومن جميع المعاصي والذنوب. أيها الأحبة: ولد عاق رمى أمه في دار العجزة، بسبب خلاف بينها وبين زوجته ولم يزرها لعدة سنوات، وزمن طويل لم يعرفها، حتى الاتصال لم يتصل عليها، حرم نفسه برها، واكتسب الإثم بعقوقها، وعندما حانت ساعة وفاتها، ولحظات احتضارها بكت، بكت أيها الأحبة، لأنها الأم الحنون، بكت ونادت المسؤولين وقالت لهم: اتصلوا على ولدي، أريد أن أضمه قبل أن أموت، أريد أن أقبله، أريد أن أعانقه، يالها من رحمة جعلها الله في قلوب الآباء والأمهات، تريد أن تراه بعد ذلك العقوق، إن حنانها وعطفها وحبها لوليدها، أبى عليها إلا أن تضمه وتقبله وتعانقه! فماذا عساه يفعل؟ أيهرع لزيارتها؟ أينكب عليها مقبلاً ومتسامحاً؟ أيذرف دموع الحزن والأسى على ما فرط في جنب أمه؟ لا هذا ولا ذاك، فاتصلوا على ولدها، وقالوا له: إن أمك تحتضر وتريد أن تراك وتقبلك، وتملأ عينيها برؤيتك قبل أن تموت، فلم يذهب إلا بعد أن ماتت وكانت قد كتبت قصيدة وسلمتها للطبيب ليسلمها إلى ابنها استلم الولد الورقة وإذا فيها هذه الكلمات: يامسندي قلبي على الدوم يطريك *** ما غبت عن عيني وطيفك سمايا هذي ثلاث سنين والعين تبكيــك *** ما شفت زولك زايراً يا ضنايا تذكر حياتي يوم أشيلك وأداريك *** والاعبك دايم وتمشي ورايا ترقد على صوتي وحضني يدفيك *** ما غيرك أحداً ساكناً في حشايا وليا مرضت أسهر بقربك واداريك *** ما ذوق طعم النوم صبح ومسايا ياما عطيتك من حناني وابعطيك *** تكــبر وتكــبر بالأمل يا مـنايا لكن خسارة بعتني ليش وشفيك *** وأخلصت للزوجة وأنا لي شقايا أنا أدري أنه قاسية ما تخليك *** قالت عجوزك ما أبيها معايا خليتني وسط المصحة وأنا أرجيك *** هذا جزا المعروف وهذا جزايا ياليتني خدامةً بين أياديك *** من شان أشوفك كل يوم برضايا مشكور ياوليدي وتشكر مساعيك *** وأدعي لكم دايم بدرب الهدايا اسمع ترى أمك عندها لك وصية *** أخاف ما تلحق تشوف الوصايا أوصيت دكتور المصحة بيعطيك *** رسالتي وحروفها من بكايا وأن مت لا تبخل علي بدعاويك *** أطلب لي الغفران وهذا رجايا وأمطر تراب القبر بدموع عينيك *** ما عاد ينفعك الندم والنعايا أترمى الأم في دار المسنين، أترمى قرة العين، ومهجة الفؤاد دور الرعاية، أترمى من جعلت بطنها لك وعاءً، وصدرها لك طعاماً، وحجرها لك مجلساً، أتترك تلك الحبيبة التي سهرت الليالي والأيام، أتعق من قاست لأجلك المتاعب والآلام، وتركت الشراب والطعام، من أجل راحتك وخدمتك، قال - تعالى - سبحانه -: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً)، وأخرج النسائي والبزار والحاكم وقال صحيح الإسناد، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى))، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن العقوق دين، وفاؤه الأبناء، فمن بر والديه بره بنوه، ومن عقهم عقوه، فرحماك ربنا رحماك: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..... الخطبة الثانية: أيها المسلمون: إن نظرةً دقيقة لما تعيشه المجتمعات الغربية؛ لتؤكّد أن أقسى ما تعانيه تلك المجتمعات اليوم، هو التفكك الأسري، والفردية المقيتة، التي ضاقت بها بيوتهم، بعد أن ضاقت بها قلوبهم، ولا عجب أن يطلبَ أهل الحي فيهم الجهةَ الأمنية، لأنَّ مسِنًّا قد مات فأزكمت رائحتُه الأنوف بعد تعفّنه، دون أن يعلم بموته أحد، فسبحان الله أيها الأحبة، إنها الماديات، والمراتب والثقافات، حينما تغلبت على القيم والأخلاقيات، والأعجب من ذلك، سريان هذا الداء إلى بعض المجتمعات الإسلامية، وهي ترى بأمِّ عينها، كيف أوشكت الأسرة الغربية على الانقراض، فكم نسمع من مظاهر التفكك، وصور الخلل والعقوق في بعض مجتمعاتنا، فهذا أب لما كبرت سنّه ووهن عظمه، واحتاج لأولاده، لم يجدوا ما يكافئوه به، إلا بالتخلص منه في دور الرعاية، ذلكم هو الأب، الذي من أجلك يكدّ ويتعب، ويشقى وينصب، لراحتك يسعى، ويدفع عنك الأذى، ينتقل في الأسفار، يجوب الفيافي والقفار، ويتحمّل الأخطار، بحثًا عن لقمة تعيش بها، والد طاعنٌ في السن يدخل المستشفى وهو على فراش المرض، ويعاني مرارة العقوق والحرمان، ويقول: " لقد دخلتُ هنا منذ أكثر من شهر، ووالله ما زارني أحدٌ من أبنائي وأقاربي "، بل تعدَّى الأمر إلى ما هو أفظع من ذلك وأشنع، فهذا عاق متحجر القلب لمَّا بلغت أمّه من الكبر عتياً، تبرّم وضاق بها ذرعاً، فما كان منه إلا أن أمر الخادمة فأخرجتها خارجَ المنزل، لتبيت المسكينة على عتبة الباب، وهذا آخر يطلق النارَ على أبيه فيرديه قتيلاً، من أجل مشادّة كلامية رحماك يا إلهي، أيُّ جريمة ارتكبها هؤلاء العاقون، في حق أعزّ وأقرب الناس إليهم؟ إن نماذج العقوق والقطعية، في زماننا هذا كثيرة فظيعة، فأين الرحمة عند هؤلاء بل أين المروءة والإنسانية؟ ويل لمن عق والديه، وويل لمن قطع رحمه، فعقوق الوالدين أعظم قطيعة للرحم، ومن أشد الظلم، بل هو تفتيت للقيم، وذهاب للشيم، وسقوط من هام القمم، قال الجبار المنتقم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ * أَوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ)، إن من أسباب العقوق والفساد، عدم العدل بين الأولاد، ومن أسبابه أيضاً، أصدقاء السوء، وأصحاب الشر، ومن أسبابه إغداق الأموال، التي بسببها يتعاطى الأبناء الدخان والمخدرات، فيصبحوا شبحاً مخيفاً على الآباء والأمهات، ألا وإن من أسباب العقوق، فقدان القدوة الحسنة من قبل الآباء والأمهات، وختاماً تأملوا قول رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))، فكيف يكون ولد صالح، ما لم تكن هناك تربية صالحة، فيا عباد الله، إن يكن صدَر منكم للأبوين عقوقٌ، وسوء معاملة، فتدارَكوا أعمارَكم وأوقاتَكم، واغتنِموا حياتهما، واسألوهما الصفح والتجاوزَ، قبل أن تلقوا ربكم بهذه السيئة العظيمة، والمعصية الجسيمة، ومن كان عاقاً لهما حال حياتهما، فليبرهما بعد موتهما، فقد جاء رجل إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله: (( هل بقيَ من برّ أبويَّ شيءٌ أبرّهما به بعد موتهما؟ قال: " نعم، الدعاءُ لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذُ عهدِهما مِن بعدهما، وصِلة رحمِك التي لا رحمَ لك إلاّ من قِبَلهما وزيارة صديقهما)). هذا وصلوا وسلموا على النبي محمد صلاة أبداً، وسلاماً سرمداً، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وقدوتنا وحبيبنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وآل بيته الطيبين الطاهرين، وعن الطاهرات أمهات المؤمنين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم أعنا على بر والدينا، اللهم وفق الأحياء منهما، واعمر قلوبهما بطاعتك، ولسانهما بذكرك، واجعلهم راضين عنا، اللهم من أفضى منهم إلى ما قدم، فنور قبره، واغفر خطأه وزلـله، اللهم اجزهما عنا خير الجزاء، وأفضل الثواب، اللهم اجمعنا وإياهم في جنتك ودار كرامتك، برحمتك ومنتك، يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح الأبناء والبنات، ووفقهم للطاعات، وجنبهم الفواحش والمنكرات، يا مجيب الدعوات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |