|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تذكير الرشيد لحماية التوحيد الشيخ عبدالله بن محمد البصري أَمَّا بَعدُ، فَـ" ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21] ". أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَيسَ يَخفَى وَيَجِبُ أَلاَّ يَخفَى، أَنَّ أَوَّلَ الوَاجِبَاتِ وَأَهَمَّ المُهِمَّاتِ، وَأَعظَمَ الحُقُوقِ وَأَسَاسَ المُتَحَتِّمَاتِ، هُوَ إِفرَادُ اللهِ تَعَالى بِالعِبَادَةِ، وَإِخلاصُهَا لَهُ وَحدَهُ دُونَ سِوَاهُ، بِذَلِكَ أَرسَلَ - سُبحَانَهُ - الرُّسُلَ جَمِيعًا مِن أَوِّلِهِم إِلى آخِرِهِم، وَبِهِ أَمَرَ عِبَادَهُ أَن يُخلِصُوهُ لَهُ؛ لأَنَّهُ تَعَالى الوَاحِدُ الأَحَدُ، الفَردُ الصَّمَدُ، الَّذِي لم يَلِدْ وَلم يُولَدْ، وَلم يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، لَهُ الخَلقُ وَلَهُ الأَمرُ، قَالَ تَعَالى: " ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [التوبة: 31] " وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: " ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5] " وَقَالَ - جَلَّ شَأنُهُ -: " ﴿ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ﴾ [الزمر: 14] " وَعَن مُعَاذٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: " كُنتُ رَدِيفَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ، قَالَ: " يَا مُعَاذُ، أَتَدرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ؟ " قُلتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ. قَالَ: " حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَن يَعبُدُوهُ وَلا يُشرِكُوا بِهِ شَيئًا، وَحَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ: أَلاَّ يُعَذِّبَ مَن لا يُشرِكُ بِهِ شَيئًا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. أَجَل - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - إِنَّ إِفرَادَ اللهِ بِالعِبَادَةِ، وَاعتِقَادَ أَنَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا نِدَّ وَلا مَثِيلَ في رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ وَأَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، إِنَّهُ لأَعظَمُ حُقُوقِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَهُوَ دِينُهُ الَّذِي أَرسَلَ بِهِ رُسُلَهُ جَمِيعًا، قَالَ تَعَالى: " ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36] " وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: "﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25] " وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: " ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ [الشورى: 13] " وَمَا مِن نَبِيٍّ إِلاَّ قَالَ لِقَومِهِ: " ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [الأعراف: 59] " وَكَمَا أَنَّ التَّوحِيدَ هُوَ أَعظَمُ الوَاجِبَاتِ وَأَفضَلُ الحَسَنَاتِ، وَعَينُ العَدلِ وَكَمَالُ العَقلِ، فَإِنَّ الشِّركَ هُوَ أَشَدُّ المُحَرَّمَاتِ وَأَكبَرُ السَّيِّئَاتِ، وَهُوَ أَظلَمُ الظُّلمِ وَأَفدَحُ الجَهلِ، قَالَ تَعَالى: " ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116] " وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: " ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [الأنعام: 151] " وَقَالَ تَعَالى: " ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72] " وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: "﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]" وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: " ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48] " وَعَنِ ابنِ مَسعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الذَّنبِ أَعظَمُ؟ قَالَ: " أَن تَجعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ تَوحِيدَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - هُوَ الفِطرَةُ الَّتي فَطَرَ الخَلقَ عَلَيهَا، وَبِهِ أَخَذَ العَهدَ عَلَيهِم وَهُم في أَصلابِ آبَائِهِم، قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: " ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30] " وَقَالَ تَعَالى: "﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [الأعراف: 172، 173] " وَفي الصَّحِيحَينِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِن مَولُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو يُنَصِّرَانِهِ أَو يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمعَاءَ، هَل تُحِسُّونَ فِيهَا مِن جَدعَاءَ؟! " وَعِندَ مُسلِمٍ: قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - فِيمَا يَروِيهِ عَن رَبِّهِ: " وَإِنِّي خَلَقتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُم، وَإِنَّهُ أَتَتهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجتَالَتهُم عَن دِينِهِم، وَحَرَّمَت عَلَيهِم مَا أَحلَلتُ لَهُم، وَأَمَرَتهُم أَن يُشرِكُوا بي مَا لم أُنَزِّلْ بِهِ سُلطَانًا " الحَدِيثَ. نَعَم - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - إِنَّ فِطرَةَ التَّوحِيدِ مُستَقِرَّةٌ في النُّفُوسِ، وَمَهمَا بَلَغَ الإِنسَانُ في الطُّغيَانِ وَالكُفرِ وَالعِنَادِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الفِطرَةَ بَاقِيَةٌ، لا يَستَطِيعُ القَضَاءَ عَلَيهَا أَو إِلغَاءَهَا مَهمَا كَابَرَ أَو أَخفَاهَا، قَالَ تَعَالى: " ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 14] " وَحَتى فِرعَونُ الَّذِي كَانَ أَعظَمَ طَاغِيَةٍ في البَشَرِ، وَأَنكَرَ وُجُودَ اللهِ وَدَعَا النَّاسِ إِلى عِبَادَتِهِ، كَانَ مَعَ ذَلِكَ في قَرَارَةِ نَفسِهِ يَعلَمُ الحَقَّ، وَلِذَا قَالَ لَهُ مُوسَى - عَلَيهِ السَّلامُ - كَمَا قَصَّ اللهُ: " ﴿ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ﴾ [الإسراء: 102] " وَلِذَا فَقَد قَالَ ذَلِكُمُ الطَّاغِيَةُ وَهُوَ في أَحضَانِ المَوجِ وَقَد أَدرَكَهُ الغَرقُ: " ﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 90] " أَجَلْ - أَيُّهَا المُوَحِّدُونَ - إِنَّ التَّوحِيدَ فِطرَةٌ مَغرُوسَةٌ في النُّفُوسِ، فَالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ مِمَّن يُشرِكُ بِاللهِ وَلَهُ أَدنَى عَقلٍ وَبَصِيرَةٍ!! فَيَا عَجَبًا كَيفَ يَعصِى الإِلَهَ ![]() أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجَاحِدُ؟! ![]() وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ ![]() تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ ![]() إِنَّهُ البُعدُ عَن كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَالاعتِمَادُ عَلَى العُقُولِ الضَّعِيفَةِ وَتَقدِيمَهَا عَلَى النُّصُوصِ " ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40] " أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد كَانَ تَوحِيدُ اللهِ هُوَ مَبدَأَ دَعوَةِ الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَخَتمَهَا، عَاشَ عَلَيهِ كُلَّ حَيَاتِهِ، وَبِتَقرِيرِهِ اهتَمَّ وَعَلَيهِ حَرِصَ، وَعَن جَنَابِهِ دَافَعَ وَذَبَّ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرتُ أَن أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتى يَشهَدُوا أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ محمدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُم وَأَموَالَهُم..." الحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلى اليَمَنِ: " إِنَّكَ تَأتي قَومًا مِن أَهلِ الكِتَابِ؛ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدعُوهُم إِلَيهِ شَهَادَةُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ... " الحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَعَن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا - قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في مَرَضِهِ الَّذِي لم يَقُمْ مِنهُ: " لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيَائِهِم مَسَاجِدَ " أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ. وَلَقَد كَانَت حَيَاتُهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - مُنذُ مَبعَثِهِ إِلى آخِرِ لَحظَةٍ مِنهَا، كَانَت كُلُّهَا دَعوَةً إِلى التَّوحِيدِ، وَحِرصًا عَلَى صَفَائِهِ وَنَقَائِهِ، مَكَثَ يَبنِيهِ وَيُبَيِّنُهُ قَولاً وَعَمَلاً في مَكَّةَ ثَلاثَ عَشرَةَ سَنَةً، ثم انطَلَقَ بِهِ عَشرَ سَنَوَاتٍ مِنَ المَدِينَةِ، دَعوَةً بِاللِّسَانِ، وَجِهَادًا بِالسِّنَانِ، وَإِظهَارًا بِالحُجَّةِ وَالبَيَانِ، أَرسَلَ الرُّسُلَ وَأَمَرَهُم أَن يَكُونَ هُوَ أَوَّلَ مَا يَدعَونَ إِلَيهِ، وَكَاتَبَ المُلُوكَ يَدعُوهُم وَأَقوَامَهُم إِلى تَوحِيدِ اللهِ وَيُحَذِّرُهُم مِنَ الشِّركِ بِهِ، وَيُحَمِّلُهُم إِثمَ مَن تَبِعَهُم عَلَى مَا هُم عَلَيهِ مِنَ الكُفرِ. وَفي الوَقتِ نَفسِهِ لم يَألُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - جُهدًا في بَيَانِ مَكَانَةِ التَّوحِيدِ وَفَضلِهِ، وَالنَّهيِ عَن كُلِّ مَا يُدَنِّسُهُ أَو يَنقُضُهُ أَو يَنقُصُهُ، أَو يَكُونُ ذَرِيعَةً إِلى مَا يُخَالِفُهُ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " مَن لَقِيَ اللهَ لا يُشرِكُ بِهِ شَيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " أَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، لا يَلقَى اللهَ بِهِمَا عَبدٌ غَيرَ شَاكٍّ فَيُحجَبَ عَنِ الجَنَّةِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ. وَلأَجلِ حِمَايَةِ التَّوحِيدِ وَحِفظِ جَنَابِهِ نَهَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنِ الحَلِفِ بِغَيرِ اللهِ، أَو مُسَاوَاةِ غَيرِهِ بِهِ وَلَو في اللَّفظِ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " مَن حَلَفَ بِغَيرِ اللهِ فَقَد كَفَرَ أَو أَشرَكَ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " لا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ فُلانٌ، وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ ثم شَاءَ فُلانٌ " رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَلأَجلِ نَقَاءِ التَّوحِيدِ وَحِرصًا عَلَى صَفَائِهِ حَذَّرَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرِّيَاءِ، وَنَهَى عَنِ الغُلُوِّ وَالإِطرَاءِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَخوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيكُمُ الشِّركُ الأَصغَرُ " قَالُوا: وَمَا الشِّركُ الأَصغَرُ؟ قَالَ: " الرِّيَاءُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " إِيَّاكُم وَالغُلُوَّ في الدِّينِ؛ فَإِنَّمَا أَهلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُمُ الغُلُوُّ في الدِّينِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالنَّسَائيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " لا تُطرُوني كَمَا أَطرَتِ النَّصَارَى ابنَ مَريَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبدٌ، فَقُولُوا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ. وَلِحِمَايَةِ التَّوحِيدِ وَحِفظِ جَنَابِهِ نَهَى - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - عَنِ اتِّخَاذِ القُبُورِ مَسَاجِدَ بِالصَّلاةِ عَلَيهَا أَوِ السُّجُودِ عَلَيهَا، فَعَن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا - قَالَت: لَمَّا كَانَ مَرَضُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَذَاكَرَ بَعضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً بِأَرضِ الحَبَشَةِ يُقَالُ لها مَارِيَةُ، وَقَد كَانَت أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ قَد أَتَتَا أَرضَ الحَبَشَةِ، فَذَكَرنَ مِن حُسنِهَا وَتَصَاوِيرِهَا. فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوا عَلَى قَبرِهِ مَسجِدًا ثم صَوَّرُوا فِيِه تِلكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الخَلقِ عِندَ اللهِ يَومَ القِيَامَةِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَعَن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَن يُبنَى عَلَى القُبُورِ أَو يُقعَدَ عَلَيهَا أَو يُصَلَّى عَلَيهَا. رَوَاهُ أَبُو يَعلَى وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَلِحِمَايَةِ التَّوحِيدِ وَحِفظِهِ، عَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَصحَابَهُ أَلاَّ يَفعَلُوا شَيئًا مِنَ القُرُبَاتِ للهِ تَعَالى في مَكَانٍ كَانَ يُتَقَرَّبُ فِيهِ لِغَيرِ اللهِ، أَو يَعتَادُهُ المُشرِكُونَ في أَعمَالِهِمُ الجَاهِلِيَّةِ، فَعَن ثَابِتِ بنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَن يَنحَرَ إِبِلاً بِبُوَانَةَ، فَأَتى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَأَخبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " هَل كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِن أَوثَانِ الجَاهِلِيَّةِ يُعبَدُ؟ " قَالُوا: لا. قَالَ: " فَهَل كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِن أَعيَادِهِم؟ " قَالُوا: لا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " أَوفِ بِنَذرِكَ؛ فَإِنَّهُ لا وَفَاءَ لِنَذرٍ في مَعصِيَةِ اللهِ، وَلا فِيمَا لا يَملِكُ ابنُ آدَمَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبانيُّ. أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَاحرِصُوا عَلَى تَحقِيقِ التَّوحِيدِ وَصَفَائِهِ وَنَقَائِهِ، وَاحذَرُوا مُا يُخِلُّ بِهِ أَو يُنَاقِضُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الصِّرَاطُ المُستَقِيمُ المُوصِلُ إِلى جَنَّاتِ النَّعِيمِ " ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40] " أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ، وَتُوبُوا إِلَيهِ وَاستَغفِرُوهُ، وَأَخلِصُوا لَهُ العَمَلَ وَاحذَرُوا الشِّركَ كَبِيرَهُ وَصَغِيرَهُ، ثم اعلَمُوا أَنَّ نَبِيَّكُم - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - وَحِمَايَةً لِلتَّوحِيدِ وَحِفظًا لِجَنَابِهِ، قَد أَمَرَ أَلاَّ يَبقَى في جَزِيرَةِ العَرَبِ إِلاَّ المَسَاجِدُ وَالمُسلِمُونَ، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لأُخرِجَنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ، حَتى لا أَدَعَ فِيهَا إِلاَّ مُسلِمًا " وَعَن أَبي عُبَيدَة بنِ الجَرَّاحِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: كَانَ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ - يَعني النَّبيَّ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - أَن قَالَ: قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيَائِهِم مَسَاجِدَ، لا يَبقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرضِ العَرَبِ " رَوَاهُ البَيهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلا نَغتَرَّنَّ بما يَدَّعِيهِ المُتَخَاذِلُونَ مِن جَوَازِ بِنَاءِ الكَنَائِسِ أَوِ المَعَابِدِ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، بِدَعوَى التَّقرِيبِ بَينَ الأَديَانِ، أَو تَمَشِّيًا مَعَ مَا يُسَمُّونَه بِحِوَارِ الأَديَانِ أَو حِوَارِ الحَضَارَاتِ، أَو نَحوِهَا مِنَ العِبَارَاتِ، فَإِنَّمَا كُلُّ ذَلِكَ تَزيِيفٌ وَخِدَاعٌ، وَحَقِيقَتُهُ الدَّعوَةُ لإِزَالَةِ حَاجِزِ الوَلاءِ وَالبَرَاءِ مِن نُفُوسِ المُسلِمِينَ، وَإِعَادَتِهِم لأَوحَالِ الكُفرِ وَالشِّركِ بَعدَ صَفَاءِ الإِيمَانِ وَنَقَاءِ التَّوحِيدِ، وَقَد قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: مَن كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَن يُحِبَّ المَرءَ لا يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ، وَأَن يَكرَهَ أَن يَعُودَ في الكُفرِ بَعدَ أَن أَنقَذَهُ اللهُ مِنهُ كَمَا يَكرَهُ أَن يُقذَفَ في النَّارِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن أَن نُشرِكَ بِكَ شَيئًا نَعلَمُهُ، وَنَستَغفِرُكَ لِمَا لا نَعلَمُهُ.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |