أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 325 - عددالزوار : 114812 )           »          الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 149 - عددالزوار : 15367 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 19 - عددالزوار : 4153 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 101 - عددالزوار : 63902 )           »          تغيير الشيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          السِّواك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          تأخير الصلاة عن أول وقتها بسبب العمل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          آداب السفر للحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          حكم المسلم الذي يتكاسل عن أداء بعض الواجبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها...﴾ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-03-2025, 12:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,036
الدولة : Egypt
افتراضي أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة

أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة – محاضرات منتدى تراث الرمضاني الخامس – المحاضرة 3 – شيخ الإسلام م ابن تيمية


  • طلب شيخ الإسلام العلم منذ طفولته فبدأ بحفظ القرآن وأخذ علوم الشريعة واعتنى بالسنة والتفسير واعتنى بعلم اللغة والأصول حتى تبحر في العلوم النقلية والعقلية
  • تميزت حياة شيخ الإسلام ومنطلقاته الأولى بأمور ثلاثة أولها: البناء العلمي وثانيها: الولاء للشريعة بنصوص الوحي وثالثها: النظرة الشمولية العامة
  • لم يكن شيخ الإسلام ينظر إلى القضايا والمسائل والبحوث نظرة جزئية وإنما كان ينظر إلى القضية نظرة شمولية ولهذا كان نظره إلى كل قضايا الأمة بميزان معتدل وبنظرة شرعية دقيقة وجامعة
  • بدأ ابن تيمية بالتدريس والإفتاء في العشرين من عمره لأنه تأهل من الناحية العلمية والفقهية والعقلية والنقلية ثم بدأ حياته متنقلا بين دمشق والقاهرة تارة يؤلف وتارة يُدرّس وتارة يجاهد
شيخ الإسلام ابن تيمية من أئمة الإسلام الكبار الذين صنفوا وبحثوا في العلوم الشرعية النقلية منها والعقلية، وحديثنا اليوم عن شيخ الإسلام هو حديث عن العلم والتجديد، عن الفقه والتصحيح، عن التأصيل والتفصيل، بل عن الدين من أوله إلى آخره، فابن تيمية -رحمه الله- لُقّب بشيخ الإسلام، وهذا اللقب إنما يطلق على الإمام العالم المتبحر في كل علوم الشريعة، بل يطلق على العالم المتبحر الذي صار عالم ملةٍ، وعالم أمة وهو قائم بعلوم الأمة وواجباتها وبأصول الشريعة وفروعها، قام في ذلك بجهاده العلمي وبجهاده العملي.
والكلام في هذا اللقاء لا يكون عن سيرة هذا الإمام؛ لأن سيرته معروفه ومشهورة، وليس الكلام عن كتبه؛ لأن كتبه مقروءة، محققة، مشهورة، موجوده في المكتبات الإسلامية، بل اليوم لا تجد عالما أو باحثا يبحث في أي قضية من قضايا الشرع إلا وهو ينهل من علوم شيخ الإسلام وأعماله العلمية المتنوعة، وإنما الكلام اليوم عن منهجه، عن منطلقاته، عن أسسه، عن دعوته، عن خصائص علومه وأعماله العلمية والدعوية، بمعنى الكلام اليوم عن الأمور التي لها أثر كبير على الأمة وعلى الأفراد وعلى العلماء وعلى طلبة العلم.
مولده وبداياته العلمية
شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله- ولد في حرّان وهى منطقه في جنوب شرق تركيا سنة 661 من الهجرة، في ذلك الوقت في بيئته كان التتار قد غزوا بلاد الإسلام؛ فاضطر إلى الانتقال، انتقل والده إلى دمشق ليستقر فيها ويبدأ منذ طفولته بطلب العلم، وبدأ يحفظ القرآن ويأخذ علوم الشريعة ويعتنى بالسنة والتفسير ويعتنى بعلم اللغة والأصول، حتى تبحر في العلوم النقلية والعقلية، بل في بداية تكوينه كان العناية به هو أنه يتلقى أصول العلوم في جميع فنونه وأنواعه سواء ما تعلق بعلم الاعتقاد أم التفسير أم الحديث أم الفقه أم أصول الفقه أم اللغة أم التاريخ، حتى تمكن في فترته الأولى من علوم الشريعة أيما تمكن، فلما بلغ سن العشرين بدأ بالتدريس والإفتاء؛ لأنه تأهل من الناحية العلمية والفقهية العقلية والنقلية، ثم بدأ حياته متنقلا بين دمشق والقاهرة، تارة يؤلف وتارة يُدرس وتارة يجاهد، تارة يوضح الحجة وتارة يرد على الشبهة، فزمانه وأيامه وحياته كانت في جميع تفاصيلها قد اشتملت على العلم والدعوة والطلب والجهاد والنصح والبيان والتصحيح والتحقيق في علوم الشريعة حتى فارق الحياة. ومن ينظر في سيرته -رحمه الله- يرى عجبا؛ ولهذا فهذه السيرة العلمية والأعمال الدعوية والمواقف الجهادية، كانت تصب في خدمة الأمة وفي حفظ وجودها، كما وقد أحاط التتار وتمكنوا في تلك المرحلة أيما تمكن حتى عاشت تلك المرحلة حالة من الضعف والانهيار وحالة من الانقسام، فظهر شيخ الإسلام وكأنه جاء ليلبي حاجة الأمة في ذلك الزمان.
منطلقات حياته الأولى
تميزت حياته ومنطلقاته الأولى بأمور ثلاثة، والتركيز على الجوانب المنهجية والتربوية في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- تعالى.
  • أولها: البناء العلمي.
  • ثانيها: الولاء للشريعة بنصوص الوحي.
  • ثالثها: النظرة الشمولية العامة.
أولاً: البناء العلمي
لم يكن -رحمه الله- متخصصا بفن من الفنون، بل اطلع على جميع علوم الشريعة، ولهذا لُقّب بشيخ الإسلام، وهذا اللقب لا يطلق إلا على من كان متبحرا في جميع العلوم وفنون الشريعة، فأعطته ملكة وقوة، فهنا إذا سلمت البدايات ظهرت النهايات، وإذا صحت المقدمات ظهرت النتائج، فكان التأسيس ليس فقط على حفظ القرآن، ليس فقط على حفظ السنة، وإنما التأسيس هو بناء علمي موسوعي، ولهذا فهذه الأمور أثرت فيما بعد في رؤية شيخ الإسلام وفي نظره وفي ثقته وفي فهمه؛ فبدأ ينظر إلى الأمور نظرة شمولية، هذه النظرة الشمولية جاءت من بنائه العلمي الذى كانت العناية فيه بعلوم الشريعة كلها. وهنا مسألة أو فائدة وهي أن علوم الشريعة كالعناصر التي يحتاجها الجسم، لو تخلف عنصر من العناصر أثر على بناء الجسم، كذلك البناء العلمي للداعية ولطالب العلم لا يكتمل اكتمالا صحيحا إلا بالبناء العلمي الموسوعي، بمعنى لو اعتنى طالب العلم بالتفسير أكثر من اعتنائه بالحديث لكان نقصا في بنائه، ومن هنا كانت عناية شيخ الإسلام بعلوم الشريعة كلها.
ثانيًا: الولاء الحق
الجانب الآخر في شخصيته -رحمه الله- هو الولاء للحق والانصياع له، الدوران مع العلم والحق، حتى لو كان هذا الحق عند المخالفين، حتى لو كان هذا الحق عند اليهود والنصارى، هذا الدوران مع الحق قبولا ورفضا أثر وساهم في البناء العلمي لشخصية شيخ الإسلام بن تيمية.
ثالثًا: النظرة الشمولية
النقطة الثالثة وكأنها هي ثمرة الولاء للشرع والدين والحق والبناء العلمي الصحيح أثمرت نقطة ثالثة في شخصية شيخ الإسلام وهي النظرة الشمولية، فلم يكن شيخ الإسلام ينظر إلى القضايا والمسائل والبحوث نظرة جزئية، وإنما كان ينظر إلى القضية نظرة شمولية ينظر إلى جميع جوانبها، إلى مقدماتها، إلى أسبابها وآثارها ولوازمها ومتعلقاتها، هذه النظرة الشمولية كانت أساساً في بناء شخصية شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-، ولهذا كان نظره إلى كل قضايا الأمة بميزان معتدل وبنظرة شرعية دقيقة جامعة، بخلاف من لم يمتلك هذه الصفات تراه يركز على جزئية ويدع باقي الجزئيات، لهذا معالجة شيخ الإسلام للوازم الأمة في قضايا الدين لمسائل الشرع كان ينظر إليها من مختلف جوانبها.
هذا هو واقع شيخ الإسلام
هذه الأمور الثلاثة هي أساسيات في تكوين شخصية شيخ الإسلام، وهو سيواجه تحديات وستفرض عليه واجبات وسيقوم بمهمات، انطلق هنا في التعامل مع الواجبات، واجبات كثيرة، تحديات عظيمة، التتار سيطروا على بلاد الإسلام باستثناء دمشق والقاهرة وبعض البلاد، التفرق في الأمة والجهل وظهور الفرق الضالة كما سنبين، انشغال الناس بالحياة الدنيا، الاقتتال بين الناس على حظوظ الدنيا، الفتن السياسية، البدع العملية والاعتقادية، الأعداء يتربصون بالإسلام.
ثلاث قواعد مهمة
هذا هو واقع شيخ الإسلام، كيف تعامل مع هذا الواقع؟ كيف عالج؟ كيف انطلق وهو العالم الرباني الموسوعي الذي عنده ولاء للحق ويمتك نظرة شمولية في فهم الدين والدنيا؟ انطلق أيضًا من ثلاث قواعد مهمة:
القاعدة الأولى: فهم الواقع وتعيين الواجب
أخبر شيخ الإسلام عن القاعدة الأولى في كتابه منهاج السنة، فقال: أهل السنة يأمرون بالواجب ويخبرون عن الواقع، هذه هي القاعدة الأولى، شيخ الإسلام بدأ في التعامل في الإصلاح وفي التغيير من فهم الواقع وفي تعيين الواجب وفي جعل الواقع تحت الواجب، هذا فقه سديد، فلم يكن معزولا عن واقعه، ولم يكن جاهلا بواجبه، لأننا اليوم قد نرى إنسانا فقيها بالواقع وفي حيثياته، لكن لم يكن عالما بالواجب، والعكس قد يكون الإنسان عالما بالواجب الشرعي وبالنصوص والأدلة، لكن لا يفهم الواقع. قد يكون يفهم هذا وهذا، لكن لا يتمكن من إنزال الواقع تحت الواجب أو من تنزيل الواجب على الواقع بالحكمة والسماحة والرفق.
القاعدة الثانية: تحري الحق ورحمة الخلق
ثم انطلق -رحمه الله- من قاعدة ثانية عظيمة، وهي أن أهل السنة يتحرون الحق ويرحمون الخلق، تحري الحق في كل جزئية، هذا حق وهذا باطل، هذا واجب وهذا مستحب، هذا مكروه وهذا محرم، هذه بدعة وهذه سنة، اعتناء بالثوابت وتوصيف للشيء بوصفه الشرعي. كيف أتعامل مع الخلق إذا خالفوا هذا الحق، أتعامل معهم بالرحمة، في الحق هناك تمسك وقوة وثوابت، وفي التعامل مع الخلق هناك رحمة وحكمة، من هنا انطلقت الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-.
القاعدة الثالثة: الإمامة في الدين
وهي قاعدة مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ألا وهي الإمامة في الدين؛ فقد كان قدوة مؤثرا فاعلا، كما قال -رحمه الله-: الإمامة في الدين تُنال بالصبر واليقين، بالصبر والاحتساب والمصابرة بالعلم واليقين، واستند إلى قوله -تعالى-: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}. إذًا منطلقات شيخ الإسلام بعد الحصانة العلمية والرؤية الشمولية، أنه بدأ يعالج الواقع من فهم الواجب وتصور الواقع، من تحرى الحق ورحمة الخلق، من إمامة الناس بالصبر واليقين، أي التأثير في المجتمع، فلكي تكون مؤثرا لابد أن تكون صابرا ومتيقنا؛ لأن الصبر بلا يقين لا يجعلك إماما، ويقين بلا صبر كذلك، ولهذا نرى كثيرا من الدعاة في زماننا قد يتربون على بعض علوم شيخ الإسلام وقد يقرؤون بعض كتبه، لكن لا يتصفون بقاعدة الصبر، وإنما استعجال النتائج أو ربما عندهم صبر واحتساب، لكن ينقصهم العلم والفقه؛ لهذا ترى العجب منهم ترى التشدد، ترى الغلوّ وترى القرارات الجائرة والتصرفات الحائرة؛ لأنهم لم يستندوا إلى القاعدة القرآنية حتى تكون مؤثرا وأنت تواجه هذه التحديات وهذه الصعاب لابد أن تتصف بالصبر واليقين، فهذه ثلاث قواعد انطلق منها شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-.
أسس في إقامة الحجة ورد الشبهة
أسس شيخ الإسلام أسسا في إقامة الحجة وفي رد الشبهة، وفي الانصياع إلى الحق وفي رد الباطل، وفي إظهار حجج القرآن والسنة، يحتاج أن يُظهر الحجة الرسالية، ويوضح القيم والمبادئ القرآنية، ويعزز المعاني السلفية في آثار الصحابة والتابعين، فكان لابد من آلات يستند إليها، فهنا بنى على أمور ثلاثة أيضا، وأحب أن أكون معكم في هذه الثلاثيات، البناء والولاء والشمولية، ثم فهم الواجب، وتصور الواقع، وتحري الحق، ورحمة الخلق، إمامة في الدين تقوم بالصبر واليقين هنا لابد من آلة، فاعتنى شيخ الإسلام بأمور ثلاثة، وبيّنها بيانا مفصلا في كل كتبه بل ألّف بعض المؤلفات لأجلها.
أولا: الاعتناء بالعلم الشرعي
أول هذه الأمور هو الاعتناء بالعلم الشرعي؛ فقد بيّن أن العلم ليس أقوالا ولا معلومات ولا ظنونا ولا زخارف القول ولا حواشي ولا مجرد عناوين لا، يقول -رحمه الله-: العلم إما نقل مصدّق أو نظر محقق. إذًا لابد من الاعتناء بالعلم الشرعي في نهوض الأمة؛ فلمّا أراد شيخ الإسلام أن يبدأ بنهوض الأمة في تفكيرها بدأ بالعلم وحدد معنى العلم، أحياناً تحث الناس على العلم، لكن أي علم؟ العلم هنا هو نقل مصدق أو نظر محقق.
ثانيا: الاعتناء بالنقل
نقل الأخبار ونقل الأحاديث ونقل السنن ونقل الروايات ونقل المذاهب، ثم العقل الصريح والصحيح، إذًا استند شيخ الإسلام في حركته العلمية ليس إلى شعارات ولا تصريحات ولا إلى رموز وكلمات رمزيه أو أفكار، أبدًا، وإنما استند في حقيقة الأمر -رحمه الله تعالى- إلى العلم الشرعي المحقق، وإلى النقل الصحيح المصدّق، إلى العقل الصريح المؤيد بالفطرة والشرعة، هنا بدأ يؤلف، يناظر، يكتب، ينصح في هذا الإطار.
كتبه ومنهجه -رحمه الله-
فلو نظرنا إلى كتبه، إما: مسائل علمية أو نقول شرعية أو أمور عقلية، حتى ألّف كتاب (درء تعارض العقل والنقل)، وبيّن أن النقل هنا استند أيضًا وركز على أمرين مهمين من هذه الثلاثة، النقل والعقل والعلم، ونحن في هذا الزمان ابتلينا، فقد تجد رجلا عنده حفظ، عنده علم، قارئ على الشيوخ، لكن مشكلته في العقل! عقليته ليست ناضجة، أو مشكلته في الفكر، فكره ليس صحيحا، هذه الثلاثة ركز عليها شيخ الإسلام في بناء الشخصية الدعوية العلمية، نقولك صحيحة، تصوراتك العقلية سليمة، علومك ثابتة ومحققة، وهذا هو الذي يحتاجه الجيل اليوم.
أصول مهمة في منهج شيخ الإسلام
فالأزمة في واقعنا المعاصر هي في التصورات أكثر منها مجرد أزمة في النقولات، فالجميع الآن يستدل بالآيات والأحاديث الصحيحة، لكن الإشكال هو عدم التكامل، لهذا انتهى شيخ الإسلام إلى أصول مهمة:
  • الأصل الأول: أن العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح، فلا يوجد تعارض بين العقل وبين النقل، وبدأ يجادل أهل المنطق والفلسفة بهذه القاعدة العظيمة يجعلها أساساً في دعوته وفي مناظراته.
  • والأصل الثاني: أن الشرع لا يتعارض مع القدر، فالأمر الإلهي، الأمر إما أن يكون أمراً بالشرع، وإما أن يكون أمراً بالقدر، والشرع جاء يوضح القدر، والقدر جاء يعين على الامتثال للشرع، وازن بين السنن الشرعية والسنن الكونية، هذه نظرة عظيمة رد فيها على غلاة المتصوفة، ووحدة الوجود، والقدرية والجهمية.
  • والأصل الثالث: وجوب النظر إلى الشريعة بعين الكمال لا بعين النقصان، فالشريعة كاملة بأحكامها بفروعها، في حِكَمها، في مقاصدها، في أبوابها ونصوصها عامة شاملة لأفعال المكلفين إلى قيام الساعة،ولهذا شيخ الاسلام في كل قضية يرجعها إلى أصولها وكلياتها وقواعدها.
تطبيق هذه القواعد وتحقيقها
عاش شيخ الإسلام مع هذه القواعد وعمل لتطبيقها وتنزيلها وتحقيقها، حتى صار كل مصلح بعد وفاة شيخ الإسلام مضطر يحتاج عند إصلاحه سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو دينيا أن يجعل كتب شيخ الإسلام عنوانا وميدانا لبحثه وتطبيقه، إذا عالج الإنسان الواقع بهذه المنطلقات كانت حياته دعوة إلى الله -عزّ وجل-، لم يكن شيخ الإسلام يؤثر على الواقع فقط، كتبه وفتاويه ومسائله وأجوبته، وإنما كان يؤثر على الواقع بسلوكه ودعوته، وبطريقة عرضه للدين، وأول تلك المقدمات هي أنه أنزل نفسه منزلة الإيثار، فأسقط حقه لحق الله، لم يتعقب المخالفين والخصوم والمناوئين له، بل عفا عنهم جميعا، هذا هو الأساس وهو التدريج في دعوته، لكن الناظر في حقيقة الأمر في معالجات شيخ الإسلام للواقع وفي ذلك الوقت منكرات كثيرة، وهيمنة التتار على بلاد المسلمين، اليهود يناظرون لنشر دينهم، وكذلك النصارى، ظهرت فرق كثيرة وبدع شهيرة وانحرافات خطيرة والناس في غفلة وفي فتنة وفي بدعة، كيف عالج هذا الواقع؟ لم يعتزل الناس في عزلة مذمومة، ولم يكن قاضيا عليهم في أحكام جائرة، ولم يجعل منهجه في الأصل هو التبديع، ولم يُكَفّر، بل همه هو بيان مقالة المخالف، وبيان حال المخالف عند الحاجة.
منطلق الإصلاح عند ابن تيمية
كان منطلق التغيير عند شيخ الإسلام قول الله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}، فجعل منطلق الإصلاح من النفس فألّف كتاب (الاستقامة) في مجلدين، ثم بدأ بفقه التدرج، في هذا الإطار هو جعل أساس الإصلاح في بناء النفس هو صلاح القلب ومحبته بالتوحيد والاعتقاد والامتثال؛ فألّف كتاب (قاعدة المحبة) وهو مجلد، انظر إلى هذه المنطلقات في حياة شيخ الإسلام، وانطلاقاته حتى في التأليف والتصنيف تستند إلى قاعدة إصلاحات هذا الواقع وكأنه وُلد في ذلك الزمان يجتهد في تقريب وفي ترغيب الواقع بالواجب، وفي إقامة حجة الواجب على الواقع، وفي إصلاح الواقع في أمراضه وتفرقه وانقساماته وجهله وظلمه بعدل وعلم وحكمة الواجب، وهذا فقه دليل، ونظر سديد.
تعامل شيخ الإسلام مع الواقع
لما نظر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إلى الواقع، وتكلم في تشخيص أمراضه وعلله، وتكلم في السيئات والمفاسد، لم يكن يُظهر ذلك لمجرد الانتقاد أو التوبيخ، وإنما تعامل مع هذه القضية بنظر الطبيب الحكيم، فجعل قاعدة استند في معالجة الواقع وهي أن كل خلل في هذا العالم سواء بالاعتقاد أم في الفروع، سواء خلل في الآداب والأخلاق أو في الاعتقاد والاتباع، سواء خلل في الدين أو في الأموال، والخلل في هذا العالم إنما يقع إما بسبب الإعراض عن الفطرة أو الإعراض عن الشريعة، فجعل الكمال للإنسان في سلامة الفطرة، وفي الامتثال للشرعة، وجعل أصل الإصلاح في القلب، ولوازم ذلك على الظاهر، فبدأ بإصلاح الفطرة والباطل مع إبقاء فقه التلازم في إصلاح الظاهر، وبدأ يبين صور الانحراف وتأثير العلاقة بين الفطرة والشرعة من جهة، والتأثير بين الظاهر والباطن من جهة أخرى، حتى ألّف كتابه العظيم الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم، أي مخالفة كل من يجب مخالفته من أهل الكفر والضلال والأهواء؛ لأن في المشابهة الظاهرة لهم تأثير قوي على الباطن.


اعداد: الشيخ: فَتْحي بِن عَبدِ الله المَوْصِليِّ





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-04-2025, 04:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,036
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة

محاضرات منتدى تراث الرمضاني الخامس – أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة – شيخ الإسلام ابن تيمية (2 من 2) – المحاضرة 3


  • كانت معاملة شيخ الإسلام ابن تيمية مع الخلق تقوم على السماحة المقترنة بالشجاعة في إظهار الحق والحكمة في عرضه
  • تعدّ ردود شيخ الإسلام على المخالفين نموذجًا يحتذى ومثالًا مشرفًا
  • جمع ابن تيمية بين لقبي (شيخ الإسلام) و (عالم المِلّة) في الدعوة والبلاغ
  • نصيحتي لهذا الجيل قبل الاعتناء بالنقل عن شيخ الإسلام أن يستوعب منهج شيخ الإسلام ورأيه في المسألة فإن شيخ الإسلام يفصّل تفصيلاً عظيما وكثيرا
  • قدّم شيخ الإسلام للأمة في المجال الفقهي أمرًا عجز عنه الكثير وهو إصلاح أحكام الطلاق فغالب محاكم الدول العربية والإسلامية تأخذ بفتواه في مسائل الطلاق
  • شارك شيخ الإسلام في المناظرات العلمية وكان إمامًا في الحجة يستحضر النصوص ويقرب المعنى ويزيل الشبهة ولا ينتصر لنفسه
  • الأمة تحتاج إلى دراسة منهج شيخ الإسلام وإلى دراسة علومه وإلى الوقوف على تأصيلاته وقواعده فإنها جامعة شاملة واعية دقيقة رائعة
ما زلنا نستعرض محاضرة شيخ الإسلام ابن تيمية التي ألقاها الشيخ فتحي الموصلي ضمن محاضرات ملتقى تراث الرمضاني الخامس التي جاء بعنوان: أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمَّة؛ حيث ذكر الشيخ الموصلي نبذة مختصرة عن سيرة شيخ الإسلام -رحمه الله- وبداياته ومنطلقاته العلمية، وذكر أنَّ حياة شيخ الإسلام تميزت بأمور ثلاثة: البناء العلمي، والولاء للشريعة بنصوص الوحي، والنظرة الشمولية العامة، ثم ذكر أصولاً مهمة في منهج شيخ الإسلام، منها أن العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح، وأن الشرع لا يتعارض مع القدر، ووجوب النظر إلى الشريعة بعين الكمال لا بعين النقصان، ثم سلط الضوء على تعامل شيخ الإسلام -رحمه الله- مع الواقع، واليوم نكمل ما بدأناه.
منطلقات شيخ الإسلام الدعوية في معالجة الواقع
منطلقات شيخ الإسلام في معالجة الواقع الدعوي كانت تتصف بأمور ثلاثة:
  • أولا: اتصافه بالحكمة العلمية والعملية.
  • ثانيا: جمع بين السماحة والشجاعة.
  • ثالثًا: حرصه على حراسة القرآن والسنة بالعلم والعدل لا بالعنف والجهل.
أولها: اتصافه بالحكمة العلمية والعملية
قد يكون الداعية حكيما في علمه، لكن ليس حكيما في مجاله العملي، تجد بعض الدعاة إذا صار خطيبا أو كتب كتابا كلامه جميل ونافع ومفيد، لكن عندما يباشر الدعوة في واقعها العملي تجده رجل صدامي، حتى كأنه يخبر عن نفسه بأنه لا يصلح إلا للقلم، لا يصلح للميدان؛ ولذلك كان شيخ الإسلام -رحمه الله- في ممارسته للشريعة والأحكام، في الأمور العلمية كان حكيما، وفي الأمور العملية كذلك، حتى في قضايا الجهاد وفي جمع الناس على التصدي للتتار لما أرادوا دخول الشام، وعلى حث من كان في مصر من المسلمين في مواجهة التتار، لم يبدأ بالتأليب ومجرد إثارة الحماس بين الناس، ولا وقف ينتقد العلماء والحكام، إنما كانت عنده معالجات دقيقة عملية فقهية شرعية إيمانية في جمع الناس على إيمانهم لمواجهة الأخطار، وكان منهجا فريدا في هذا الباب.
ثانيا: جمعه بين السماحة والشجاعة
كانت معاملته -رحمه الله- مع الخلق المخالفين والموافقين، الكفار والمسلمين، أهل السنة وأهل البدع من أهل الضلالة والمنحرفين، بالسماحة المقترنة بالشجاعة، شجاعة في إظهار الحق، سماحة في عرض الحق، شجاعة في الصدع بالحق، سماحة في عرض وبيان الحق، لهذا كان يأتي المخالف إليه وشيخ الإسلام عنده أشد الناس بغضا وكرها، وما إن يسمع طريقة شيخ الإسلام في عرض الحق حتى ينصاع إليه، بل قال بعض تلاميذه إن شيخ الإسلام في شبابه كان يمر في الطريق على يهودي، وهذا اليهودي يسأله بعض مسائل، ويعجب بجواب شيخ الإسلام وسماحته وفقهه، ولا يزال حتى أسلم هذا اليهودي، فنحن أمام عالم كان أمة في زمانه، وكان مجددا لمنهجه، ما كان كذلك إلا بحكمته العلمية والعملية، ثم بسماحته وشجاعته.
ثالثًا: حراسة القرآن والسنة بالعلم والعدل لا بالعنف والجهل
الأمر الثالث وهو حرص شيخ الإسلام -رحمه الله- على حراسة - القرآن والسنة- بالعلم والعدل، لا بالعنف والجهل، فمن يقرأ في كتب شيخ الإسلام وينظر في أعماله العلمية الخالدة، يلحظ أنه كان مرابطا على ثغور الإسلام كأنه مقاتل مجاهد، فشيخ الإسلام هو من حراس الشريعة، حراسة واعية، جامعة، حكيمة، كانت حراسته بالعلم والعدل، حتى في رده على الفرق، رد على الخوارج، لكن بعلم وعدل، لا بالجهل والظلم، وكانت ردوده علمية عادلة في أحكامها، صادقة في أخبارها، ظاهرة في حججها. لهذا تعد ردود شيخ الإسلام على المخالفين هي الردود العلمية السلفية، هي النموذج والمثال الذي يُقتدى به، وما سوى ذلك فهي على مراتب، فقد ترى الرد فيه علم لكن ما فيه عدل، قد ترى رفقا وعدلا لكن لا يتضمن الرد علما.
قضية مهمة
وهنا أشير إلى قضية مهمة بأن الفِرق في زمان شيخ الإسلام وصلت إلى أعلى مراحل الغلو، وهذا يجب أن يُعلم، الصوفية في زمان شيخ الإسلام هم الغلاة، والخوارج في زمان شيخ الإسلام هم أعلى ما وصلوا إليه من انحراف، والمرجئة في زمان شيخ الإسلام هم الجهمية، فشيخ الإسلام واجه الفرق في أشد ضلالها وانحرافها، الفلاسفة في زمن شيخ الإسلام صاروا ملاحدة، والتصوف في زمن شيخ الإسلام كان هو الدعوة إلى وحدة الوجود وإلى الاتحادية، لهذا شيخ الإسلام واجه الفرق الضالة في أشد درجات غلوها، واليوم لا ترى هذا الغلو عند الفرق أحيانا. ومع ذلك تعامل شيخ الإسلام معها بالرد بالعلم والعدل، وليس مجرد التصنيف أن يقول هذه ضالة وكافرة وزنديقة وملحدة، لا، وإذا وصف، وصف الأفعال والاعتقادات، وإذا تكلم في المنتسبين إلى هذه الفِرق فصّل تفصيلا دقيقا، فكان -رحمه الله- إذا تكلم في المقالات أصّل، وإذا تكلم في الأعيان والأشخاص فصّل، وفي المقالات تأصيل، وفي الأشخاص تفصيل، منهج محكم، ولهذا كان سفير الإسلام عند أهل الفرق والديانات، وهذا معناه أن شيخ الإسلام جمع بين لقبين في حقيقة الأمر، كان شيخ الإسلام في العلوم، وكان عالم الملة في الدعوة في البلاغ وفي التبليغ، كان ابن تيمية -رحمه الله- في العلوم شيخ الإسلام، وفي الدعوة والتبليغ كان عالم الملة وسفير، أهل الملة إذا أرادوا أن يجادلوا أهل الإسلام في زمانه، أو أن يستظهروا أمراً يتعلق بواقع الإسلام أو أن يفاتحوا قضية تتعلق بمصالح المسلمين العامة، هنا جاؤوا إليه، ما جاؤوا إلى غيره.
السياسية الشرعية
عندما تكلم -رحمه الله- في السياسة الشرعية في كتابه: السياسية الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، جعل المنطلق في السياسية الشرعية تحميل المسؤولية للراعي والرعية، ولم يوجه النقد للحاكم وحده، وبيّن أن السياسة الشرعية منوطة بالمصلحة والقدرة، وذهب يعالج جميع القضايا والأمور الجزئية بهذا الاعتبار، تكلم في الانتساب إلى الدين وفي الأسماء والأحكام، حتى ألّف كتاب الإيمان، كتاب عظيم، وكان ينظر إلى الأسماء بمعانيها وآثارها، لا بمبناها وألفاظها، تكلم في الإصلاح فدندن كثيرا في أن الفساد الأكبر يُدفع بفساد أقل، وبيّن أن الرسل جاؤوا بتحصيل المصالح وتكميلها، أو بدرء المفاسد أو بتقليلها.
مناظراته العلمية
وشارك -رحمه الله- في المناظرات العلمية، وكان إمامًا في الحجة يستحضر النصوص ويقرب المعنى، يزيل الشبهة، لا ينتصر لنفسه، إذا تكلم في الفقه صحح الأغلاط، وحذّر من التقليد، بل قدّم شيخ الإسلام للأمة في المجال الفقهي أمراً عجز عنه الكثير وهو إصلاح أحكام الطلاق، حتى اليوم غالب أو جميع محاكم الدول العربية والإسلامية تأخذ بفتواه في مسائل الطلاق، وكان تصحيحا وتيسيرا وتحقيقا في هذه المسألة وألّف فيها المصنفات.
نقل كلام شيخ الإسلام
وقبل أن أختم كلامي لابد أن أذكّر بقضية مهمة وأختم بها، هذا المنهج العام الشمولي الدقيق وهو جزء يسير؛ إذ المقام يتسع كثير من البيان والبسط، هناك فرق بين أشخاص ثلاثة: شخص هو محب ومعظم لشيخ الإسلام، وهذا منه أمر ممدوح، وشخص ينقل الفوائد والنكت والمسائل والأقوال عن شيخ الإسلام، وهو في ذلك ممدوح، لكن الأهم هو أن تنقل كلام شيخ الإسلام بحسب أصوله وفهمه ومنهجه وقواعده. فإنك اليوم قد تجد مبتدعا يدعو إلى بدعة أو منحرفا يدعو إلى ضلالة قد يستدل بكلام شيخ الإسلام! وقد تجد خصمه يستدل أيضا بكلام شيخ الإسلام، لهذا نصيحتي لهذا الجيل قبل الاعتناء بالنقل عن شيخ الإسلام أن يستوعب منهج شيخ الإسلام في المسألة ورأيه ، فإن شيخ الإسلام يفصّل تفصيلاً عظيما وكثيرا، فأنت تلتقط وتأخذ منه ما يناسب رأيك ويناسب اعتقادك، وهذا توظيف خطير! لهذا ينبغي ألا يُحسب على رأي شيخ الإسلام ولا نعد هذا مذهبا له إلا بعد أن نحقق ونحرر ذلك من كلامه في غير موضع وبحسب أصوله ومنهجه، والأمة تحتاج إلى دراسة منهج شيخ الإسلام وإلى دراسة علومه، وإلى الوقوف على تأصيلاته وقواعده فإنها جامعة، شاملة، واعية، دقيقة، رائعة.
إمام عادل وفقيه عالم
كان شيخ الإسلام -رحمه الله- إمامًا عادلا، وفقيها عالمًا في الرد على المخالفين، وكان في رده ينظر إلى أمور ثلاثة:
  • الأمر الأول: ينظر إلى رتبة الخلاف وإلى شدته ودرجته ومنشئه وآثاره وأسباب ظهوره، ينظر إلى المخالفة، إلى الخطأ في نفسه، إلى الانحراف في ذاته أولا.
  • الأمر الثاني: ثم ينظر في حال الداعين والمنتسبين إليه، ثم يتكلم في الأعذار للمخالفين أحياناً، إما أن يتكلم في العذر وإما أن يتكلم في العواقب، فإذا جاء إلى مخالفة ينظر إليها ويحكم عليها ويرد عليها بالحجج، ثم يتكلم بالعدل.
  • ثالثًا: كان -رحمه الله- إذا تكلم في المخالفة تكلم بعلم، وإذا تكلم في المخالف تكلم بعدل، وإذا تكلم في الآثار تكلم بصدق، ويخبر بصدق أن هذا معذور وهذا لا يعذر. ولهذا بعض المخالفات يجعلها من باب الاجتهاد، وأخرى يجعلها من باب الخطأ، وثالثة يجعلها من باب الانحراف، ثلاثية دقيقة، في الاجتهاد أثنى على المجتهدين، وفي الخطأ بيّن عذر المخالفين، وفي الضلال حذّر من أهل البدع والمُضلّين، هذه النظرة الشمولية في هذا الباب.



اعداد: الشيخ: فَتْحي بِن عَبدِ الله المَوْصِليِّ





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 23-04-2025, 04:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,036
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة

محاضرات منتدى تراث الرمضاني الخامس … أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة …. السيدة خديجة – رضي الله عنها – المحاضرة 4


  • كانت خديجة رضي الله عنها أول من آمنت بالله ورسوله وصدَّقت بما جاء به فخفف الله بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • ليس من الخطأ أن يسعى الإنسان لمعرفة رأي أهل الخبرة والعلم ويستعين بنصحهم ومشورتهم وهذا ما صنعته أمنا خديجة رضي الله عنها حين استعانت بابن عمها ورقة بن نوفل عند نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم
  • انتقلت خديجة رضى الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حياة الراحة والاستقرار إلى حياة الدعوة والكفاح والجهاد والحصار فلم يزدها ذلك إلا حبا في النبي صلى الله عليه وسلم وحبا في الدين
  • كانت خديجة رضي الله عنها حكيمة في إدارة أعمالها وأموالها وسيرتها رضي الله عنها مليئة بالكثير من المواقف التي يستفيد منها القادة دروسا وعبرًا
  • كانت حياتها رضي الله عنها كلها تضحية ووفاء فقد صدقت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الوحي فقوت ظهره وأعانته على حياته الطاهرة النقية البعيدة عن الأوثان والخمر والميسر والمجون والشهوات
أم المؤمنين السيدة خديجة -رضي الله عنها-، وما أدراك من هي -رضي الله عنها-؟! لا نكاد نذكر اسم السيدة خديجة في أي مجتمع مسلم إلا ونجد هذا الاسم الطيب متكررا فيه كثيرا؛ لاشتهارها بالخير الكثير بين المسلمين، فمن خديجة -رضي الله عنها-؟ هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية، وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن حجر، يمتد نسبها إلى لؤي بن غالب الذي تنتسب إليه قريش، ويلتقي نسبها بنسب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجد الخامس قصي بن كلاب، وهي أقرب أمهات المؤمنين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في النسب.
لم يتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذرية قصي غيرها إلا أم حبيبة. ولدت بمكة قبل عام الفيل بخمسة عشر عاما تقريبًا، ونشأت في بيت من أعرق البيوت نسبا وحسبا وشرفا، وكان والدها زعيم بني أسد بن عبد العزى شقيق عبد مناف وخليفته، وإليه ينتهي الفضل والكرم والسيادة بين قومه وعشيرته، يطيعونه ويهابونه ويحترمون رأيه ويقدرونه، ولقد نشأت على التخلق بالأخلاق الحميدة.
أهم ما يميزها -رضي الله عنها-
إن أولَ ما يميز شخصية أمنا خديجة -رضي الله عنها- صفتا العفة والطهارة، هاتان الصفتان التي قلما تسمع عن مثلهما في بيئة لا تعرف حلالا ولا حراما، في بيئة تفشت فيها الفاحشة، حتى كانت البغايا يضعن إشارات حمراء تنبئ بمكانهن، ومن هذه البيئة انتزعت هذه المرأة العظيمة هذا اللقب الشريف ولقبت بالطاهرة، كما لقب - صلى الله عليه وسلم - أيضا في البيئة نفسها بالصادق الأمين، ولو كان لهذه الألقاب انتشار في هذا المجتمع آنذاك لما كان لذكرها ونسبتها لأشخاص بعينهم أهمية تذكر.
حالها في الجاهلية
في الجاهلية كانت أمنا خديجة -رضي الله عنها- امرأة ذات مال وتجارة رابحة؛ فكانت تستأجر الرجال لتجارتها وتبعثهم بها إلى الشام، وصل إلى مسامعها ذكر محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - كريم الأخلاق الصادق الأمين، وكان قل ما تسمع في الجاهليه مثل هذه الصفات، وأرسلت إليه وعرضت عليه الخروج بمالها مهاجرا إلى الشام، وتعطيه أكبر ما كانت تعطي غيره من التجار الآخرين، فقبل ذلك منها - صلى الله عليه وسلم - وخرج في مالها ومعه غلامها ميسرة حتى قدم الشام، وهناك نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ظل شجرة قريبة من صومعة راهب، فاطلع الراهب إلى ميسرة وقال له: من هذا الرجل الذي تحت الشجرة؟ فقال ميسرة: هذا الرجل من قريش من أهل الحرم، فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي. ثم باع النبي - صلى الله عليه وسلم - سلعته التي خرج بها واشترى ما أراد، وكان قد أضعف فيه الربح، فلما قدم مكة على السيدة خديجة -رضي الله عنها- بمالها بربح ضعف ما كان يربح من قبل أو أكثر، وأخبرها ميسرة عن كرم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - وصفاته المتميزة التي وجدها في أثناء الرحلة.
زواجها من النبي - صلى الله عليه وسلم -
رغبت أمنا خديجة -رضي الله عنها- في الزواج من النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت -رضي الله عنها- ذات مال وحسب وجمال ودين، ولأن سؤال المرأة الرجل الزواج منه منقصة، أرسلت إليه صديقتها نفيسة تذكرها عنده فوافق - صلى الله عليه وسلم - على ذلك وتم الزواج المبارك. تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن 25 سنة وأمنا خديجة -رضي الله عنها- آنذاك 40 سنة، وكان قد قدر لها -رضي الله عنها- أن تتزوج مرتين قبل أن تتشرف بزواجها برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان له منها - صلى الله عليه وسلم -: (القاسم وبه كان يكنى وعبدالله وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة)، ولم يتزوج - صلى الله عليه وسلم - عليها امرأة أخرى إلى أن توفيت -رضي الله عنها-؛ فكانت وفاتها قبل الهجرة بثلاث سنوات.
إسلام أمنا خديجة -رضي الله عنها-
كانت أمنا خديجة -رضي الله عنها- قد ألقى الله في قلبها صفاء الروح، ونور الإيمان، والاستعداد لتقبل الحق، فحين نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل -عليه السلام- في غار حراء بـ{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، رجع إليها يرجف فؤاده وقال لها: «زملوني زملوني، فزملته حتى ذهب عنه الروع، فقال لها وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة الحكيمة: كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق». ثم انطلقت -رضي الله عنها- بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أتت به ورقة بن نوفل وهو ابن عمها، وكان قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتبه في الإنجيل بالعبرانية إلى ما شاء الله له أن يكتب، وكان شيخا كبيرًا قد عمي، فقالت له يا ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رآه. فقال له ورقه: هذا الناموس الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها جذعا! ليتني أكون حيا؛ إذ يخرجك قومك! فقال - صلى الله عليه وسلم -: أو مخرجي هم؟! فقال: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم يلبث ورقة أن توفي، وفتر الوحي». ومن ثم كانت خديجة -رضي الله عنها- أول من آمنت بالله ورسوله وصدَّقت بما جاء به، وخفف الله بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسمع شيئا يكرهه مِن ردٍّ عليه وتكذيب له فيحزنه إلا فرج الله بها عنه، فكان إذا رجع إليها ثبتته وخففت عنه وهونت عليه أمر الناس.
ولنا من حياتها دروس وعبر
كانت حياتها الزوجية -رضي الله عنها- كلها تضحية ووفاء فقد صدقت معه قبل الوحي؛ فقوت ظهره وأعانته على حياته الطاهرة النقية البعيدة عن الأوثان والخمر والميسر والمجون والشهوات، وكانت له سندا ومعينا في حياة التجرد والتأمل والبعد عن الصخب وضوضاء الجاهلية، كانت تهيئ له الزاد كل عام ليقضي شهر رمضان في غار حراء، فالله --سبحانه وتعالى-- حبب إليه - صلى الله عليه وسلم - أن يتحنك في هذا الشهر العظيم دون أن يعرف ما رمضان؟ وما مكانته؟ ولكن الله -سبحانه وتعالى- العليم الحليم القدير إذا أراد شيئا قال له كن فيكون.
رعاية بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -
كانت -رضي الله عنها- راعية لبيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وولده دون تأفف ولا ضجر ولا بعده عن بيته الليالي ذوات العدد، ولا تشعره بضيق ولا ضجر بل كانت تعينه على ذلك حتى أتاه جبريل -عليه السلام-، كانت أمنا خديجة -رضي الله عنها- تحب ما يحبه نبينا - صلى الله عليه وسلم - وتضحي بكل ما تحب من أجل إسعاده، والله إنا نشعر بالفخر والاعتزاز بكونها أمنا -رضي الله عنها وأرضاها-، ولما أحست أنه - صلى الله عليه وسلم - يحب مولاها زيد بن حارثة -وكان مملوكا لها- وهبته إياه، زارتهم مرة أمه في الرضاع حلمية السعدية، واشتكت له من ضيق العيش، فلما رأتها -رضي الله عنها- أعطتها عن طيب نفس أربعين رأسا من الغنم وبعيرا تحمل عليه الماء إرضاء لزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم . حين كان علي - رضي الله عنه - ما بين الخامسة والسادسة من عمره، مرت بمكة سنون عسرة أثرت على أحوال أهل مكة ومن حولها، وكان لأبي طالب ثلاثة أبناء: علي وعقيل وجعفر، فذهب إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعمه العباس بن عبد المطلب، وعرض عليه أن يأخذ كلا منهما ولدا من أبنائه يربيه ويكفله تخفيفا للعبء الذي عليه، فأخذ العباس جعفرا، وأخذ محمد - صلى الله عليه وسلم - عليا، واستقبلت أمنا خديجة -رضي الله عنها- عليا في بيتها وعاملته معاملة أبنائها بالإحسان والتربية.
ريادتها في الاقتصاد وإدارة الأعمال
كانت -رضي الله عنها- رائدة في الاقتصاد، وكانت حكيمة في إدارة أعمالها، وفي سيرتها -رضي الله عنها- الكثير من المواقف التي يستفيد منها القادة الدروس والعبر، منها ما يلي:
أولاً: استقطاب أفضل الكفاءات
من أهم عوامل القدرة التنافسية مع الجهات المتنافسة استقطاب الكفاءات، ويحتد السباق بين الدول والشركات في توفير أفضل الظروف لإقناع الكفاءات بالانتقال إليها والبقاء أطول مدة ممكنة معها، وهذه أمنا خديجة -رضي الله عنها- سمعت عن أمانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصدقه فسعت وحرصت على أن يكون هو المسؤول عن تجارتها؛ فكان نعم القرار والاختيار والدرس القيادي عبر القرون.
ثانيا: المتابعة والتقييم
رغم نزاهة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمعته التي اشتهر بها في الصدق والأمانة أرسلت غلاما لها يدعى ميسرة لخدمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يخالف له أمرا، وأن يرصد لها أحواله وهكذا، فالحوكمة والرقابة من الأمور الأساسية لكل منظومة تسعى للنجاح؛ لأن انعدام الأنظمة والشفافية تولد بيئة يسهل فيها الفساد والتجاوزات، ولا يمكن أن يدار مشروع كبير بنجاح دون متابعة ورقابة قوية.
ثالثًا: تقدير الجهود
فمهما بلغ الولاء والاعتماد ومهما بلغ الشغف والطموح فلا شك أن التقدير والمكافأة محل اهتمام من الموظف والمدير بغض النظر عن مرتبته، فعندما رجع النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - من الشام وكانت العوائد والأرباح كبيرة قدرت أمنا خديجة -رضي الله عنها- هذا الرسول العظيم، وقررت أن تضاعف ما اتفقت عليه معه قبل بدء رحلته التجارية.
رابعًا: الدعم والتمكين
فبعد زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من أم المؤمنين -رضي الله عنها- أصبحت هي الداعم والممكن لزوجها سواء قبل البعثة أم بعدها، ومن أهم المواقف حكمتها -رضي الله عنها- في احتواء خوف المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بعد لقائه الأول بجبريل -عليه السلام- في غار حراء وهلعه الشديد عندما رجع إليها فهدأته وطمأنته وهكذا، فحتى أعظم القادة تصيبهم لحظات ضعف وخوف في مثل هذه الحالات يكون دور الأتباع في الإسناد والدعم، وموقف أمنا خديجة وكلماتها غيرت تاريخ مكة والعرب والعالم من بعدها لقرون.
خامسًا: الاستعانة بالخبراء
ليس من الخطأ أن يسعى الإنسان بمعرفة رأي أهل الخبرة والعلم، ويستعين بنصحهم ومشورتهم، وهذا ما صنعته أمنا خديجة -رضي الله عنها- حين استعانت بابن عمها ورقة بن نوفل، الذي أخبرها هي ورسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل -عليه السلام- وأنه سيكون نبيا مرسلا يبلغ رسالة الله كما صنع موسى -عليه السلام- والأنبياء -عليهم السلام- من قبلهم، هذه هي الأم العظيمة لجميع المسلمين فمن منا لا يعظم أمنا خديجة -رضي الله عنها؟ التي ما إن يذكر اسمها حتى تهتز القلوب توقيرًا وإجلالا لها.
مناقبها -رضي الله عنها-
من مناقب أمنا خديجة -رضي الله عنها- التي انفردت بها دون سائر أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج عليها حتى فارقت الحياة الدنيا، فقد روى مسلم بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: «لم يتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - على خديجة حتى ماتت»، قال الحافظ ابن حجر: «وهذا مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم بالأخبار، وفيه دليل على عظم قدرها عنده وعلى مزيد فضلها؛ لأنها أغنته عن غيرها، واختصت به بقدر ما اشترك فيه غيرها مرتين؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - عاش بعد أن تزوجها 38 عاما، انفرد بخديجة منها بــ25 عاما وهي نحو الثلثين من المجموع؛ فصان الله قلبه بهذه المدة عن الغيرة ومن نكد الضرائر الذي ربما حصل له هو ما يشوش عليه بذلك، في حين كان في أمس الحاجة إلى رعاية وعناية، وهي فضيلة لا يشاركها فيها غيرها.
كثرة ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - لها
ومن مناقبها -رضي الله عنها- التي تدل على شرفها وجلالة قدرها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يكثر من ذكرها بعد موتها والثناء عليها والمدح لها وما يسرها في حياتها؛ حيث يصل من يودها، قالت عائشة -رضي الله عنها-: «ما غرت على أحد من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ما غرت على خديجة، وما رأيتها»، ما التقت أمنا عائشة بأمنا خديجة، ولكن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها إلى صويحبات خديجة، فربما قلت له: « كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: إنها كانت وكانت وكانت وكان لي منها ولد»، وعن أم المؤمنين عائشة أيضا قالت:» كان النبي إذا ذكر خديجة فأثنى عليها وأحسن الثناء، قالت: فغرت يوما فقلت له: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق: أي كبيرة السن قد تساقطت أسنانها ولم يبق في فمها إلا اللثة الحمراء، قد أبدلك الله خيرا بها منها يعني: الشابة الصغيرة تعني نفسها، فقال - صلى الله عليه وسلم - «ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله -عز وجل- ولده إذ حرمني أولاد النساء».
مكانتها عند الله -تعالى-
ومما يدل على مكانتها وجلالة قدرها أن الله -سبحانه وتعالى- أرسل إليها السلام مع جبريل -عليه السلام- وأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: أتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب»، وروي أيضا بإسنادهما إلى إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنهما-: بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - خديجة؟ قال: نعم ببيت من قصب لا صحب فيه ولا نصب، وفي ذلك منقبتان عظيمتان لأم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها-:
  • الأولى: إرسال الرب -جل وعلا- سلامه عليها مع جبريل وإبلاغ النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وهذه خاصة لا تعرف لامرأة سواها.
  • الثانية: البشرى لها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
قال السهيلي: لذكر البيت معني لطيف؛ لأنها كانت ربة بيت قبل المبعث ثم صارت ربة بيت في الإسلام منفردة به أي: أن بيتها هو البيت الوحيد الذي كان بيت إسلام، فلم يكن على وجه الأرض في أول يوم بعث النبي بيت إسلام إلا بيتها، وهي فضيلة ما شاركها فيها أحد غيرها، قال: فجزاء الفعل يذكر غالبا بلفظه وإن كان أشرف منه، فلهذا جاء في الحديث بلفظ البيت دون لفظ القصر، فقوله: وبشرها ببيت في الجنة: أي بقصر، وإنما عوضها ببيت في الجنة؛ لأن الجزاء من جنس العمل، وقيل في ذلك: إنها حينما دعاها النبي - صلى الله عليه وسلم - للإسلام أجابته طوعا، ولم تحوجه إلى نصب ولا صخب برفع صوت ولا منازعة في ذلك فناسب أن يكون بيتها في الجنة على الصفة المقابلة لفعلها، وفي الحديث فضيلة ومنقبة جليلة لأم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها-.
أثرها في تربية بناتها
إن امرأة جليلة مثل أمنا خديجة -رضي الله عنها- لابد أن يكون لها أثر في بناتها، فقد نشأن رضي الله عنهن في بيت من خير بيوت البرية ، فقد حظين من أخلاق الجليلين بصفات جليلة من المبادرة إلى إجابة دعوة الحق والانتقال بهذه الإجابة في حياتهن كلها حيثما انتقلن -رضي الله عنهن- أجمعين.
كيف يمكن الاقتداء بها -رضي الله عنها-؟
ويأتي السؤال الذي يفرض نفسه الآن كيف يمكن الاقتداء بها -رضي الله عنها- في عصرنا هذا؟
المبادرة إلى الإيمان
كما علمنا أنها أول من آمنت برسول هذه الأمة؛ فهي إذًا قدوة لمن بعدها من المسلمات في المبادرة إلى الإيمان بالله -تعالى- واتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن حجر: ومما اختصت به سبقها نساء هذه الأمة إلى الإيمان؛ فسنت كذلك لكل من آمنت بعدها فيكون لها مثل أجرهن؛ لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - قال» من سن في الاسلام سنة حسنة فعمل بها كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من اوزارهم شيئا»، فعملها هذا يحثنا على أن نسارع إلى الخيرات ونبادر إلى الطاعات حتى نرضي رب البريات.
مواساة الزوج بالمال
ولنا وقفة على ما أثنى به عليها الذي كان من ضمنه «وواستني بمالها إذ حرمني الناس»، فلم تبخل عليه - صلى الله عليه وسلم - بشيء عندها، وعلى هذا ينبغي ألا تبخل المرأة المسلمة بمالها في مشاركة زوجها بالإنفاق على بيتها وأولادها حتى لو لم تكن ملزمة بالصرف عليهم، ولا تنسوا الفضل بينكم، وهذا أدعى لزيادة المودة داخل البيت المسلم، الذي يحرص كثير من أعداء الإسلام في زمننا هذا على تفكيكه بنشر النسوية والذكورية والإلحاد وأشياء كثيرة تفكك الأسرة المسلمة وتفت في عضدها.
إعانة الزوج وعدم خذلانه
ومن مناقبها -رضي الله عنها- أنها ما آذت زوجها -[- في كلمة ولا خذلته في موقف ولا نغصت عليه في حاجة، بل كانت العضد الذي يشتد به - صلى الله عليه وسلم - والمأوى الذي يأوي إليه حين تتكالب عليه الصعاب، وكذلك ينبغي أن تكون الزوجة المسلمة لزوجها معينة له في حياته حتى تنطلق الأسرة المسلمة قدما وترتقي في سلم الإيمان، فكلما زادت الأسر المسلمة إيمانا قوي المجتمع المسلم وسار قدما في طريق الخير، ينشر الدعوة إلى الله -تعالى- فإن لم يكن بالدعوة القولية فبالقدوة الفعلية.
خديجة .. خير نساء هذه الأمة
ومن مناقبها -رضي الله عنها- ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنها -رضي الله عنها- خير نساء هذه الأمة، قال علي - رضي الله عنه -: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة» وفي رواية «خير نسائها مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد» وفي هذا الحديث بيان فضيلة مريم بنت عمران وفضيلة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أثبت الخيرية والأفضلية لكل منهما في زمانهما فقال خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة: أي خير النساء في زمان كل منهما، وقيل المراد منه إن مريم وخديجة -رضي الله عنهما- خير نساء جميع الأرض، ومن حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت لفاطمة -رضي الله عنها- بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا أبشرك أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: سيدات نساء أهل الجنة أربع: « مريم بنت عمران، وفاطمة بنت رسول الله، وخديجة بنت خويلد، وآسيا».
صبرها وثباتها في مواجهة التحديات
ضربت -رضي الله عنها- أروع الأمثلة في الصبر والثبات ولا سيما بعد زواجها من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث انتقلت -رضي الله عنها- مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حياة الراحة والاستقرار إلى حياة الدعوة والكفاح والجهاد والحصار؛ فلم يزدها ذلك إلا إيماناً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وثباتا على دينه وتحديا وإصرارا على الوقوف بجانبه وتحقيق أهدافه، فلما خرج - صلى الله عليه وسلم - مع بني هاشم وبني عبد المطلب إلى شعاب مكة في عام المقاطعة لم تتردد -رضي الله عنها- في الخروج معه - صلى الله عليه وسلم - لتشاركه على كبر سنها أعباء ما يحمل من أمر رسالته الإلهية التي يحملها، وأقامت في الشعب ثلاث سنين وهي صابرة محتسبة للأجر عند الله -تعالى-، فكانت شريكة للنبي - صلى الله عليه وسلم - تعينه على حمل هذه الرسالة في مهدها الأول؛ فواسته بنفسها ومالها في وقت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أشد الاحتياج لتلك المواساة والمؤازرة والنصرة.


اعداد: أ. هند العيناتي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30-04-2025, 05:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,036
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة

محاضرات منتدى تراث الرمضاني الخامس .. أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة .. الإمام محمد ابن عبدالوهاب -رحمه الله- المحاضرة 5


  • محمد بن عبدالوهاب كان من عائلة علمية فوالده كان أحد علماء نجد وكذلك جده وكذلك والد جده وأخوه وعمه وتولى والده القضاء في بلدة العُييّنة
  • لما وصل محمد ابن عبدالوهاب إلى الدرعية تعرف على إمام الدرعية وكان بينهما ذلك العهد الذي عُرف عنهم وقامت بموجبه الدولة السعودية في ثوبها الجديد
إنَّ العَلَم الذي نتحدث عنه اليوم علمٌ غير الأعلام، بمعنى أنه لا يملك في تاريخه تراثًا علميًا فحسب بل يملك في تاريخه أمةً كاملة قام بتجديد دينها وإحياء التوحيد فيها من جديد، ذلك التوحيد الذي غاب عن الأمَّة نقول غاب عن الأمة أي لم يعد موجودا في حياة الأمة، ولم تعد الأمة تتكلم عنه، ولم تعد تعزو انتصاراتها له أو تعزو هزائمها إلى نقصه، بل كانت تمتدح بالشرك وتعزو كل شيء الى غير الله -سبحانه وتعالى-.
ولنبدأ بشيء من سيرته -رحمه الله- التي لا أعتقد أنها بعيدة عن الإخوة المستمعين؛ لذا فالإغراق فيها إغراقٌ في شيء معروف؛ لذا سأجعل الشبهات التي أحاطت بالإمام من حين أن ظهر وظهرت دعوته إلى اليوم هي المجال الأكبر للحديث.
اسمه ونسبه
هو محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي المشرفي، نسبة إلى جده مشرف الوهيبي، وقبيلته يسمون الوهبة، وتنتسب هذه القبيلة إلى بني تميم، ولا أعلم في كتابات الشيخ محمد بن الوهاب أنه انتسب الى تميم، وعدم انتسابه لا يعني عدم نسبته الصحيحة، ولكن يعني أن النسب لا يقع في حياته في منزلة فوق منزلته التي جعله الله عليها؛ فالنسبة عند محمد بن عبدالوهاب هي متممة لحكمة الله -تعالى- التي أشار اليها في قوله -تعالى- {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}؛ لذا فلم تكن النسبة عنده -رحمه الله- لتبلغ ذلك الفخر العظيم الذي يقوم بعض النسابة أو بعض طلاب العلم حين يترجمون للشيخ، مع أن الشيخ لم يطل فيه بل لم يذكره بتاتا.
عائلة علمية
الأمر الآخر أن محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- كان من عائلة علمية؛ فوالده كان من أحد علماء نجد، وكذلك جده وكذلك والد جده وأخوه وعمه، ووالده تولى القضاء في بلدة العُييّنة، والعُييّنة كانت بلدةً قويةً في محيطها؛ إذ كان يرأسها آل معمر، وكانوا أقوياء في محيطهم وكان لهم ولاءٌ للأحساء، بمعنى أن حاكم الأحساء كان يرسل معونات للبلاد القريبة منه والبعيدة منه قليلا كي يأمن تحالفها ضده، فكان ممن يعطيهم تلك المعونات إمارة العُييّنة التي كان يرأسها آل معمر. وقد وُلد ونشأ الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في مدينة العُييّنة وإن لم يكن أصل نسبته اليها، بل إن والد الشيخ قد سكن في العُييّنة قاضيا وأطال سكناه فيها حتى أصبحت بلاده وإلا فأصلهم من بلدة أخرى في نجد اسمها أُشيقر وهي أيضا للمعلومية بلدة مشهورةٌ بالعلماء، وجاء الشيخ عبدالوهاب من تلك البلدة الى بلدة العُييّنة التي وُلد ونشأ فيها الشيخ محمد ودرس على والده القرآن الكريم وبقية العلوم التي كانت معروفةٌ في عصره كعلم الفقه.
دراسته على أئمة الحرمين
درس الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- على والده ونبغ فيه بسرعة وذهب إلى الحج، ثم عاد وبعد عودته بفترة يسيرة تزوج ثم بعد ذلك بدأ يخبر عن مكنونه وهو نقده لما عليه الناس ولكنه لم يفصح كثيرًا بل استأذن والده وذهب إلى الحج مرةً أخرى وكانت رحلته هذه هي الطويلة التي درس فيها على أئمة الحرمين من علماء الفقه، ودرس الحديث أيضًا على الشيخ محمد حياة السندي في المدينة، ووجد هناك الشيخ الشماري الذي كان بينه وبينه صداقة، وكان اسمه ابن جامع عبدالله، واتجه بعد إقامته في المدينة وذهب إلى العراق فأقام في البصرة زمنا ودرس على الشيخ المجموعي نسبة الى بلدةٍ يقال لها المجموعة قريبةً من البصرة، وكانت قراءته على الشيخ المجموعي في الحديث وفي غيره من العلوم، وألف هناك في البصرة كتاب التوحيد لكي يعالج به مشكلات أهل البصرة من أهل السنة.
عودته إلى الإحساء
وكانت النقمة عليه حينما ألف كتاب التوحيد، وبدأت هذه النقمة شيئا فشيئا إلى أن طُرد من البصرة وذهب الى الزبير ثم إلى الإحساء وهناك التقى بابن عمته الشيخ ابن فيروز وهو الوالد، لأن هناك محمد بن فيروز وهناك الحفيد هؤلاء كان أبوهم متماشيا مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وكان عنده كتب ابن تيمية؛ فاطلع الشيخ محمد على كتب ابن تيمية اطلاعا واسعا من خلال ابن فيروز، وكان اطلاعه جيدا ومثبتا لما عنده، ولعل الشيخ محمد لم يكن هذا أول اطلاعه على كتب ابن تيمية في ذلك الوقت، بل اطلع أيضًا على كتب ابن تيمية في العراق وأيضًا في نجد، ولكنها لم تكن بتلك الكثرة التي وجدها عند ابن فيروز، وقد عاد من تلك الرحلة بعد ذلك إلى نجد، وقد ذكر عدد من الباحثين أن الشيخ محمد -رحمه الله- ذهب إلى بغداد والموصل والنجف وأيضا إلى الشام، وتناقلوا هذا الكلام عن بعض المستشرقين، وهذا الكلام ليس بصحيحٍ قطعًا؛ فمحمد بن عبدالوهاب لم تتجاوز رحلته تلك الأماكن التي ذكرت وهي البصرة والزبير والمدينتين الشريفتين مكة والمدينة، وفي النهاية رجع الشيخ ولكن ليس إلى عُييّنة التي كان قد ترك والده فيها، وإنما عاد الى حُريملاء وهي مدينةٍ أخرى ذهب اليها والده بعد خلافه مع أمير العُييّنة في هذا الوقت، وكان يسمى خِرفاش، واختلف معه بعدما كان قاضيا عنده.
الكتابات عن الشيخ -رحمه الله-
وممن نقل هذا الخبر وهو خبر رحلته الطويلة، أناسٌ كتبوا بإيجابيةٍ شديدة عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- ليس كلهم ممن كتب كتابات سلبية عن الشيخ -رحمه الله-، فممن كتب كتابات إيجابية عن الشيخ محمد كان الشيخ عبدالمتعال الصعيدي كتب كتابات إيجابية عن الشيخ -رحمه الله-، ومع ذلك ذكر أنه ذهب إلى أصفهان وما إلى غير ذلك، وكذلك الكاتب أحمد أمين كتب كتابات إيجابية ومع ذلك ذكر هذه الأمور أو هذه السفرة وهذا خطأ أخذوه عن كتابٍ لمع الشهاب وهذا كتاب ليس بصحيحٍ كل ما فيه، بل فيه أشياءٌ خطأ جدًا ذكرت عن الامام محمد بن عبدالوهاب، بل ذكرت أيضًا عن الدولة السعودية وهو كتابٌ لم يُذكر فيه اسم مؤلفه وإن كان بعضهم قد خرص من هو ولكن لا تهمنا هذه الآن، لكن الواضح حينما ذكر سفراته تلك أتاح لكثير من العابثين أن يذكروا شبهاتٍ حول الامام محمد بن عبدالوهاب، منها: أنه تعلم الفلسفة ومنها أنه ناظر في الفلسفة وتلك العلوم وقالوا أشياء كثيرة من خلال قوله بسفرته تلك.
وفاة والده وإعلان دعوته
وبعدما توفي والده عام 1152 هـ -١٧٤٠م بدأ بإعلان دعوته والجهر بها، وذلك أن والده كان يحضه على عدم الجهر وعدم منابذة الناس، وكان هناك فتيةٌ ممن يعبثون في البلدة لم تعجبهم دعوة الشيخ ولم يعجبهم كلامه؛ فقفزوا على بيته ليقتلوه ولكن الله -سبحانه وتعالى- نجاه بجيرانه وغيرهم فخرج هو من حريملاء؛ لأنه عرف ألا سبيل له فيها؛ لأن السبيل في رأيه يكون عن طريق علاقةٍ مع أمير القرية.
ذهابه إلى العُييّنة
ذهب الشيخ إلى العُييّنة ووجد الحاكم وهو عثمان بن معمر وكان قابلا لدعوة الشيخ ورضي بما أخبره الشيخ محمد بن عبدالوهاب من خيرٍ سيحصله عند إقامة تلك الدعوة، وأقام الحدود في تلك البلدة وقام برجم زانيةٍ في تلك البلدة وكان هذا الرجم مدعاةً لكثير من المتصيدين على الشيخ وعلى دعوته، ولا زال حتى في هذه الأيام يُذكر ذلك الرجم ويقال عنه عبارات سيئة في النيل من الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مع أنه كان رجمًا صحيحًا مبنيا على قيادة تلك المدينة واعتراف تلك المرأة، ولم يكن ذلك الرجم أمرا عبثيا كما حصل في الوقت الحاضر من بعض الجماعات التي لم تحكم بلادها ولم يكن لها إدارةٌ فيها، حصل منهم مثل هذا الرجم فكان خطأ عندهم، ولكن محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- لم يكن ذلك خطأ عنده، فالأخذ بهذا الحادث كمثلبة من مثالب الشيخ هذا يدل على جهل هذا الآخذ. وكذلك هدم قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه الذي وضعت له قبةٌ قرب العيينة، وهذا الهدم أيضًا يؤخذ على الشيخ محمد من القبوريين حتى اليوم، الذين يعتمدون على القبور في دعاواهم في جميع ما يأنسون به من الخير، حينما يأنسون خيرا يدعون صاحب قبرٍ أو يرجعون ذلك الخير الذي لمسوه الى ذلك القبر.
وصوله إلى الدرعية
ولما وصل الشيخ -رحمه الله- إلى الدرعية نزل في دار أحد تلاميذه وهو: بن سويلم، ثم تعرف على إمام الدرعية وكان بينهما ذلك العهد الذي عُرف عنهم الذي قامت بموجب ذلك العهد الدولة السعودية في ثوبها الجديد؛ حيث كانت قائمة قبل ذلك بسبعة وعشرين عامًا بتلك البلدة؛ حيث قامت 1130 ه- ١٧١٨م ـ، ولم تكن دولة بمعناها الواضح اليوم وإنما كانت بلدة صغيرة.
نصيحته للأمير محمد بن سعود
ثم بعد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب قال الشيخ -رحمه الله- للأمير محمد بن سعود -رحمه الله-: «أما الإتاوات التي تأخذها» لأن محمد بن سعود -رحمه الله- كان يأخذ أتاوة سنوية من شعبه كانوا يسمونها العادة ليقوم بأمر الدولة فقال له: «سيغنيك الله عنها بما سيهبه لك من القدرة والقوة التي ستؤول إليها بإذن الله»، وبالفعل قام محمد بن سعود -رحمه الله- بمناصرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في دعوته، وقامت دعوة الشيخ في ذلك التاريخ قياما جيدا حينما تآزرت بدولة لأنها كانت الدولة قائمة بهذا الأمر ومتحمسةً له، وكان محمد بن سعود -رحمه الله- مع هذا الأمر، فقامت بمراسلة البلدان ولحسن الحظ أن تلك البلدان وافقت بسرعة على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- نقص والبلدان.
جمع شتات الدولة
فهذه الفتنة لم تصب محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله - أو الدولة السعودية ببأس، وإنما جمعتها بقوتها وبصلابة رأيها وعرفت الناس على قيامها على التوحيد وأنها لن تتراجع على ذلك، ثم قام الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- بحرب القرى التي نقضت عهدها معه وقت الأزمة، وهذا أمر مُسَلَّم به فقام بدوره وواجبه بجمع شتات دولته وإعادتها.
الدرعية محط لطلاب العلم
فظل محمد بن عبدالوهاب قائمًا في هذه الدولة ينشر العلم الذي أعطاه الله إياه، وكانت الدرعية في وقت محمد بن عبدالوهاب محطة لطلاب العلم، وقد جاءها من اليمن أكثر من ثمانين عالمًا يطلبون التزود بالعلم، وجاءها من الأماكن الأخرى أناس كثير يطلبون العلم، وكانوا يطلبون بالأخص علم العقيدة والتوحيد، وانتشر التوحيد في تلك المملكة انتشارا عظيمًا، وأصبح الأمن رائدًا.
وفاة الشيخ -رحمه الله-
توفي محمد بن عبدالوهاب سنة 1206هـ- ١٧٩٢م أي قبل سقوط الدولة السعودية الأولى بما يزيد عن العشرين عامًا، وهذا السقوط ناتج عن امتداد الدولة بعد وفاة محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- إلى الحجاز، ولا يوجد مجال هنا لذكر الحجاز ودعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- بها، وكيف كانت الحجاز في بداية الأمر سببًا في سقوط الدولة لكننا نتكلم عن التكفير، فالدولة السعودية أو دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم تكن تكفر الأعيان بمعنى أن فلانا من الأشخاص باسمه لم يكونوا يكفرون إلا في أحيان معينة.
الدعوة الإسلامية الصحيحة
دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- ليست جديدة؛ بل هي الدعوة الإسلامية الصحيحة التي كان عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته والتابعون وأتباع الصحابة وتابعوهم إلى ما بعد سنه 300 من الهجرة، وكانت هي الدعوة الوحيدة ولكن دخلت البدع بعد ذلك وبدأت تنتشر وتكبر بسبب بعض القيادات إلى غير ذلك من الأمور.
أولاد الشيخ -رحمه الله-
توفي الشيخ محمد عبدالوهاب -رحمه الله- وله من الأبناء علماء كبار وهم عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب، وحسن بن محمد بن عبدالوهاب، وحسين بن محمد بن عبدالوهاب، وهؤلاء كانوا علماء كبارا وأيضا عنده ابنته فاطمة وهي إحدى العالمات، وكذلك ابنته سارة فبعض الكتب وجدت باسمها، وللعلم أن محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- سمى أبناءه حسن وحسين وابنته فاطمة.


اعداد: د. محمد السعيدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-05-2025, 03:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,036
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة






محاضرات منتدى تراث الرمضاني الخامس – أعلا م وقدوات أثروا في تاريخ الأمة – الشيخ المحِّدث: محمد ناصر الدين الألباني .. المحاضرة 6


ألقاها: الشيخ عبدالله الألباني
تحت شعار: (أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة)، أطلق «قطاع العلاقات الإعلام والتدريب» بجمعية إحياء التراث الإسلامي (منتدى تراث الرمضاني الخامس) الذي بدأت فعالياته يوم الاثنين 3 رمضان 1446هـ، الموافق 3 مارس 2025م، واشتمل المنتدى لهذا العام على العديد من المحاضرات التي، يلقيها مشايخ من داخل الكويت وخارجها، وذلك عبر البث المباشر (زووم), ويأتي منتدى هذا العام ليسلط الضوء على جهود العلماء والأئمة الأعلام في حفظ الدين ونشره، مع بيان أثرهم في توجيه الأمة نحو الصراط المستقيم، هؤلاء الأعلام الذين وقفوا سدًّا منيعًا في وجه التحريف والبدع، فبيّنوا للناس أصول الدين، ودعوا إلى التمسك بالكتاب والسنة، مجتهدين في تعليم الأحكام، وبيان الحلال والحرام، ونشر قيم الإسلام السمحة.
الشيخ المحدِّث محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-
  • كان الإمام الألباني نموذجًا فريدًا استطاع بهمته وسعة علمه وغزارة فهمه إحياء علم الحديث وتجديده والقيام بمشروعات كبيرة لبيان صحيح الحديث من ضعيفه وثابته من موضوعه
  • وُلد الألباني في مدينة أشقودرة عاصمة دولة ألبانيا في سنة 1333هـ 1914م في أسرة كريمة فقيرة متدينة يغلب عليها الطابع العلمي فقد كان والده الحاج نوح من كبار علماء الحنفية في ألبانيا
  • بعد الاستقرار في دمشق تعلم الإمام الألباني من والده مهنة تصليح الساعات وأتقنها حتى صار من أصحاب الشهرة فيها وكان يحمد الله على تعلُّمها لأنها ساعدته على طلب العلم
  • هاجر الألباني بصحبة والده إلى دمشق الشام للإقامة الدائمة فيها بعد أن تغيرت الأحوال في ألبانيا وتوجهت نحو الحضارة الغربية العلمانية والسعي لإلغاء اللغة العربية
  • تعلم الألباني في مدرسة الإسعاف الخيرية اللغة العربية وبرع فيها حتى تفوق على كثير من أقرانه رغم أنه لم يكن يتقن أي شيء منها عندما دخل دمشق
  • أتم الألباني -رحمه الله- حفظ القرآن الكريم على يد والده الحاج نوح وكان والده هو شيخه الأول كما درس عند صديق والده الشيخ سعيد البرهاني وقرأ عليه بعض الكتب الحنفية وكتب اللغة العربية
  • بدأ توجه الألباني نحو الحديث وعلومه في العشرين من عمره ونصر السنة النبوية متأثرًا بأبحاث مجلة المنار للسيد محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى والتحقيق العلمي الذي كان ينشر بالمجلة
  • أول كتاب ألّفه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله هو كتاب: (تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد)، وهذا الكتاب هو ما حمله على ألا يصلى في مسجد بني أمية؛ لأن مسجد بني أمية بالحرم يوجد فيه قبر
حديثنا اليوم عن الشيخ الإمام محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- رحمة واسعة، وكما هو واضح من النسبة أن أصله من ألبانيا، واسم الشيخ كاملا: محمد ناصر الدين نوح آدم نجاتي الألباني، ويعد الشيخ -رحمه الله- أحد أبرز علماء الحديث البارزين المتفردين في علم الجرح والتعديل، حتى أصبح حُجَّة في مصطلح الحديث. ولد الشيخ -رحمه الله- عام 1333هـ الموافق 1914م في مدينة (أشقودرة) عاصمة دولة ألبانيا آنذاك، عن أسرة فقيرة متدينة، يغلب عليها الطابع العلمي، فكان والده مرجعًا للناس يعلمهم ويرشدهم.
هاجر والد الشيخ إلى دمشق للإقامة الدائمة فيها، بعد أن اتجهت ألبانيا نحو الحضارة الغربية العلمانية، وجده ممن عرف بحب الدين والتمسك به، وفي هذا الوقت كانوا يسعون في ألبانيا إلى إلغاء اللغة العربية؛ فطلبوا منه أن يؤذن باللغة الألبانية بدلاً من اللغة العربية! فرفض وعزم على الهجرة من ألبانيا.
موقف مهم
وقبل أن أكمل لابد أن أعرّج على موقف مهم أدلل به على أهمية وحدة الدول العربية والإسلامية، ففي عام 1907 خرج جدي للحج على البغال من ألبانيا إلى صربيا إلى بلغاريا ثم إلى اسطنبول، وهناك ركبوا القطار الحديدي الحجازي، وساروا بالقطار أربعة آلاف كيلومتر من إسطنبول إلى المدينة المنورة مرورًا ببلدان كثيرة، وطيلة هذه المسافة لم يسألهم أحد عن بطاقة مدنية ولا جواز سفر ولا أي شيء، فلقد كان الناس أمة واحدة، فلما حج ورأى حرَّ مكة ولم يكن آنذاك لا مرواح ولا تكييفات، وقد وجد عند مروره بالشام أن مناخ الشام مناسب أكثر من مناخ مكة والمدينة فعزم على الهجرة إلى الشام.
نظرة صائبة
ولما علم الناس بأن الشيخ نوح عازم على الهجرة إلى الشام، قالوا له: إلى أين يا شيخ؟ فقال: أنا مهاجر إلى الشام، فقالوا: أخائف على نفسك من الكفر؟! قال لا، لست خائفًا على نفسي إنما أخشى أن يكفر أولادي، وكانت بالفعل نظرة صائبة، والشيخ ناصر الدين أشار إليها حينما خرّج الحديث «ستكون هجرة بعد هجرة»، وأولها هجرة إبراهيم -عليه السلام- إلى الشام بعد العراق وما حدث له من أمر الحرق بالنار، والله أنجاه منها، {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}.
ثناؤه على والده
وكان الشيخ الألباني -رحمه الله- يثني على والده ثناءً عطرا في تعليقه على هذا الحديث في السلسلة الصحيحة، وعندما وطئت أقدامهم أرض الشام، ما كان عندهم أموال؛ فسكنوا بالأربطة في الأوقاف التي كانت مُعدة لطلاب العلم، ولكن جدي -رحمه الله- كان قد سافر إلى النمسا وتعلم مهنة الساعات، وأتى إلى الشام وفتح محلا مقاربا لجامع التوبة؛ فصار عنده دخل، واشترى دارًا واستقل فيها، وأولاده كانوا بمدارس الإسعاف الخيري يعني للفقراء، تخرج فيها الشيخ محمد ناصر الدين بالصف الخامس وبعدها علّمه والده الفقه الحنفي.
الشيخ عبدالله آدم الألباني
طلبه للعلم
نظرًا لأن والده -رحمه الله- كان له رأي خاص في المدارس النظامية من الناحية الدينية، فقد قرر عدم إكمال الدراسة النظامية، ووضع للشيخ ناصر -رحمه الله- منهجًا علميا مركزًا، علمه -من خلاله- القرآن الكريم، والتجويد، والنحو والصرف، وفقه المذهب الحنفي، وقد ختم الألباني على يد والده حفظ القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم، كما درس على الشيخ سعيد البرهاني مراقي الفلاح في الفقه الحنفي وبعض كتب اللغة والبلاغة، هذا في الوقت الذي حرص فيه على حضور دروس العلامة بهجة البيطار وندواته ، كما أخذ عن أبيه مهنة إصلاح الساعات فأجادها حتى صار من أصحاب الشهرة فيها، وأخذ يتكسب رزقه منها، وقد وفرت له هذه المهنة وقتاً جيداً للمطالعة والدراسة، وهيأت له هجرته للشام معرفة باللغة العربية والاطلاع على العلوم الشرعية من مصادرها الأصلية.
بدايات اهتمامه بعلم الحديث
بدأ اهتمام الشيخ بعلم الحديث بعد أن تعرف على مجلة المنار حينما كان عند بائع الكتب والمجلات القديمة فوجد مجلة المنار هذه فاشتراها، وكان هناك بحث وقتها عند الشيخ محمد رشيد رضا على كتاب إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي، وكان من المتعارف عليه بالشام في تلك الأيام أن كل طالب علم لابد أن يمتلك هذا الكتاب، وكانوا من شدة الغلو في الكتاب يقولون عنه: «من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء»، وكان البحث الذي كتبه الشيخ محمد رشيد رضا على العمل الذي قام به الإمام زين الدين العراقي، فقد حقق هذا الكتاب وحقق أحاديثه وأخرج كتابا أسماه المغني عن حمل الأسفار في الأسفار بما في تخريج كتاب الإحياء من الأخبار.
اهتمام الشيخ بكتاب الإحياء
وكان عندنا في تلك الأيام مكتبتان تابعتان للكتب الدينية: مكتبة أحمد وحمدي عبيد، ومكتبة هيثم القصيباتي وأولاده، فذهب الشيخ محمد ناصر الدين -رحمه الله- مع الأوراق التي كان يكتب فيها أحاديث عند هيثم القصيباتي وسأله على كتاب الإحياء بتعليق الشيخ العراقي فوجده، وكان ثمنه خمسا وعشرين ليرة أي أكثر من خمسة وعشرين دينارا، فما كان عنده قدرة للشراء فقال له صاحب المكتبة: أنا أعيرك الكتاب ولكن إذا جاء رقيب، عليك أن تعيد الكتاب، فبدأ بنسخ الكتاب وكان خطه في بدايات طلب العلم في تلك الأيام جميلا، فنسخ الكتاب في ألفين وخمس وعشرين صفحة، وهذا الكتاب موجود لمن يريد رؤيته في جناح الشيخ الألباني بالجامعة الإسلامية؛ لأنه عندما توفي الشيخ الألباني كان من وصيته أنه أوصى بكتبه سواء ما كان منها مطبوعا أم كان بخط يده إلى الجامعة الإسلامية التي كان لي فيها ذكريات في الدعوة إلى الله. ففي تلك الأيام وقبل أن يتعرف الشيخ على هذا الكتاب - كتاب المغني- كان كل أحد يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يقول حديثا بصرف النظر عن أنه صحيح أو ضعيف أو حسن، هذا التقسيم لم يكن موجودا أبدا، ولذا كان مكتوبا على باب المحراب بالمسجد الأموي الكبير الحديث الموضوع: «إذا صعد الخطيب المنبر فلا صلاة ولا كلام»، يعني حتى لا تصلي تحية المسجد! فلما طلع -رحمه الله- بموضوع الحديث الصحيح والضعيف والموضوع وغيره، وبعد تقريبا عشرين سنة -مكرهين- اضطروا أن يغيروا ذاك الحديث ويضعوا الحديث الصحيح «إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت، فقد لغوت».
إمام الحديث بالجامع الأموي
وفي تلك الأيام في سوريا كان الشيخ بدر الدين الحسن إمام الحديث بالجامع الأموي، وكان تحت قُبة النَّسْر أو قبة الرصاص الكبرى لحرم الجامع الأموي، وهي أكبر قبة في الجامع، فكانوا كلهم يجلسون في الحلقة تحت تلك القبة، فكان الشيخ بدر الدين يروي الحديث بالإسناد منه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يمر على أكثر من ستين طبقة حتى يصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أمر شاق جدا لا يستفيد منه العامي الآن؛ لأن الرجال من هنا إلى ابن حجر العسقلاني هؤلاء في حكم المجهول بالنسبة لهم، ولم يعد لدينا هذه الطبقة من نقاد الحديث الذين كانوا يرون الرواة ويعطون كل واحد ما يستحق من الوثوقية أو الضعف أو التدليس أو غيره. فعندما درس هذا الكتاب، وتبين له صدق ما قال الشيخ زين الدين العراقي: بأنّ الإمام أبا حامد بضاعته في الحديث مزجاة، فكان كل حديث يمر عليه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضعه في كتاب إحياء علوم الدين، فهو مليء بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، والإمام الحافظ الذهبي لما ترجم لأبي حامد ذكر هذا الكلام في سير أعلام النبلاء.
أول كتاب ألّفه الشيخ -رحمه الله-
أول كتاب ألّفه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- هو كتاب: (تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد)، وهذا الكتاب هو ما حمله على ألا يصلى في مسجد بني أمية؛ لأن مسجد بني أمية بالحرم يوجد فيه قبر يقال: إنه قبر سيدنا يحيى -عليه السلام-، أما الجامع الأموي في حلب فيوجد فيه قبر سيدنا زكريا -عليه السلام-؛ إذ كان الناس يعتقدون أن الدعاء عند القبر مستجاب أكثر من أي مكان آخر. وحينما بُني المسجد الذي بناه الخليفة الوليد بن عبدالملك، لم يكن فيه قبر، ولكن فيما بعد حدث زلازل وخراب فلما هموا بإعادة بناء المسجد عثروا على حجر مكتوب فيه بالعبري فأحضروا أحد اليهود قال: يقول الله: إنه هنا قبر يوحنا المعمداني يعني يحيى -عليه السلام-، فقاموا ببناء هذا الضريح. وهنا نلاحظ أن علماء الحديث في هذا الوقت ومنهم الشيخ بدر الدين، ما كانوا يرون غضاضه في وجود قبر أبدا، رغم أنك تقرأ في الصحيحين أحاديث كثيرة جدا يحذر فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - من بناء المساجد على القبور أو إدخال القبور في المسجد، ومنها أنه لما عادت أم سلمة وأم حبيبة من رحلة الحبشة قبل الهجرة إلى المدينة، سألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أهم الأشياء التي رأوها هناك بالحبشة، قالوا رأينا من جملة ما رأينا كنيسة يقال لها ماريّا فذكرتا من زخرفتها وتصاويرها؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أولئك شرار الخلق الذين كان إذا مات فيهم العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا له تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله تعالى». عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قبْلَ أنْ يُتوفَّى بخمسِ ليالٍ خطَب النَّاسَ فقال : ( أيُّها النَّاسُ إنَّه قد كان فيكم إخوةٌ وأصدقاءُ وإنِّي أبرَأُ إلى اللهِ أنْ أتَّخِذَ منكم خليلًا ولو أنِّي اتَّخَذْتُ مِن أمَّتي خليلًا لَاتَّخَذْتُ أبا بكرٍ خليلًا إنَّ اللهَ اتَّخَذني خليلًا كما اتَّخَذ إبراهيمَ خليلًا وإنَّ مَن كان قبْلَكم اتَّخَذوا قبورَ أنبيائِهم وصالحيهم مساجدَ فلا تتَّخِذوا قبورَهم مساجدَ فإنِّي أنهاكم عن ذلك )، لذلك تقول عائشة -رضي الله عنها- وتعلل دفن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجرتها مخافة أن يتخذها الناس مزارا أو عيدا فيما إذا كان بارزا، ولولا ذاك لأبرز قبره ولكن خشية أن يتخذه الناس مسجدا، وبعد كتاب تحذير الساجد جاء كتاب (صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -) الذى ألفه الشيخ -رحمه الله- سنة 1373هـ الموافق 1953م، وأخذ هذا الكتاب شهرة كبيرة، وطُبع وتُرجم للغات الهندية والأوردية والإنجليزية والفرنسية، ثم ترجمه الشباب فيما بعد للغة الألبانية؛ فكتب الله له القبول وانتشر الكتاب جدا.
كتاب الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-
وفي سنة 1959م في الصيف، جاء كتاب من الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- موجه للشيخ الألباني -رحمه الله- قال فيه: إنه -بحمد الله تبارك وتعالى- أُنشئت الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وهذه الجامعة سوف تُعنى باستقدام الطلاب من خمسة وستين بلدًا إسلاميا، يدرسون فيها العقيدة والتوحيد والحديث وفقه الحديث وغيرها، ونحن نختارك لتكون أستاذ الحديث بالجامعة الإسلامية، وإذا كنت ترى من يعاونك في ذلك وذكروا شخصين: الشيخ عصام العطار -رحمه الله-، والشيخ: سعيد الطبّاع -رحمه الله-، فإذا كنت ترى معاونتهم فمن الممكن أن نتعاقد معهم. ووقت أن أرسل الشيخ ابن باز الكتاب قرأه الشيخ ناصر علينا، وكنت وقتها شابا صغيرا وقد رحب أصحاب الشيخ ناصر الدين الكبار بهذه الخطوة مثل الشيخ عبدالرحمن الألباني -رحمه الله- وقد مات بالرياض، والشيخ: عبدالرحمن النحلاوي وغيرهم ممن قرأ عليهم الكتاب، فقال له الشيخ عبدالرحمن إذا كانت الدعوة ستنتشر في خمسة وستين دولة فإن قبولك للدعوة أفضل رغم أنه يعز علينا ذهابك، وهكذا أرسل الرد بالموافقة وسافر ودرّس بالجامعة الإسلامية.
حال الشيخ بالجامعة
من عادة أساتذة الجامعة أنه بين كل حصة وحصة يذهب الأساتذة لغرفة الاستراحة، أما الشيخ الألباني -رحمه الله- لم يكن كذلك، إنما كان يلحقه الطلاب عندما يخرج من الصف، وفى تلك الأيام لم تكن الطرقات بالجامعة معبدة بعد، بل كان بها كثبان رملية فكان يجلس على كثيب من الكثبان ويلتف حوله الطلاب ويسألونه أسئلة فيجيب عنهم، فيأتي مراقب الدوام ويقول هذا هو الدرس الحقيقي، فكان له قبول كبير من الطلاب آنذاك. المهم أنه درس من نهاية العام 1959م إلى نهاية 1962م، وكنا مازلنا بالصيف وقتها، فجاء كتاب الشيخ عبدالعزيز ابن باز بأن الجامعة الإسلامية قررت عدم تجديد العقد، وأنت داعٍ إلى الله في أي بلد كنت فيها، فاستقر به الحال بالمحل الخاص به؛ لأن كتبه في تلك الأيام لم تكن معروفة بعد، فكان يعيش من عمله في محل الساعات.
لقاؤه بالشيخ زهير شاويش
-رحمه الله-
بعد أن استقر في محل الساعات مر عليه الشيخ زهير شاويش -رحمه الله-، فألقى عليه السلام وسأله عما يفعل؟ فأجابه أنه يعمل بالمحل، فقال له: هناك الكثير ممن يعملون في الساعات، ولكن لا يوجد مثلك في علم الحديث، فعرض عليه العمل عنده في المكتب الإسلامي براتب، فأخبره بعدم استطاعته بالعمل في المكتب الإسلامي لأنه بالمكتبة الظاهرية، والمكتبة الظاهرية فيها من نفائس المخطوطات ما الله به عليم، واتفقوا على أن يظل بالمكتبة الظاهرية ويعمل أسبوعا واحدا بالشهر لصالح المكتب وثلاثة أسابيع لمشاريعه، ويأخذ راتبه.
قصة المكتبة الظاهرية
كان الشيخ الألباني -رحمه الله- يداوم في المكتبة الظاهرية وهي مكتبة حكومية، وعطلتها الثلاثاء وليس الجمعة، فكان يذهب في الصباح من الثامنة حتى الواحدة، ومن الواحدة إلى الرابعة فترة الغداء، ثم من الرابعة إلى الثامنة مساءً، وتتعطل في الأعياد القومية والوطنية، فلما كانت المكتبة تُعطل يُعطل معها، لكن يشاء الله أن يتغير مدير المكتبة ولما أراد التعرف على فريق العمل الذي يعمل تحت إدارته، عقد اجتماعا للموظفين، وسأل هل يوجد أحد إجازة أو مريض فأجابوا بالنفي. فسألهم عن شيخ كبير في غرفة تحت الدرج لم يأتِ! فقالوا هذا هاوٍ وليس موظفا حكوميا، فتعجب! وقال لهم: أنا أريده، فطلبوه فجاء، وسأله ماذا تعمل؟ فمن جملة ما قاله له: إنه وضع فهارس لما تحتويه المكتبة من كتب، لم يكن يعرفون من قبل ماذا يفعلون، فقام بهذا العمل وحده. فتعجب المدير أنه من ضمن مائة وخمسين عاملا هو من قام بهذا العمل بمفرده، فسأله كيف تداوم؟ قال أداوم بالدوام الرسمي، فسأله تحب تدرس أكثر؟ قال: نعم، فقال: يا أبا فهد أعط الشيخ مفتاح الباب الكبير، وكانت المكتبة بناء قديما حجريا، فأعطوه المفتاح فصار يصلي الفجر ويذهب إلى المكتبة وما عاد مقيدا بالعطلة ولا الأعياد ولا أي شيء، ثم إذا تعب بعد العشاء يرجع ويغلق المكتبة، فهذه كانت نقطة تحول كبيرة في عمله؛ لأنه ازداد وضاعف العمل والإنتاج، وهنا بدأ في عمل السلسلتين، وقد بدأ بالسلسلة الضعيفة، ثم بالصحيحة.
دروس الشيخ
بالنسبة لدروس الشيخ -رحمه الله- كان عنده درسان، درس يوم الثلاثاء في الترغيب والترهيب للحافظ المنذري، ويوم الجمعة كان الروضة الندية للشيخ الصديق حسن خان، ولما انتهى منه بدأ بفقه السنة للسيد سابق، وكان الشيخ -رحمه الله- يتجه إلى الشمال اللاذقية وحلب وحمص وحماه كل بداية شهر قمري يذهب يُدرّس فيها، وكان يحضر بعض الإخوة من الأردن دروس الشيخ، وقد خطب أحد هؤلاء الشباب ابنة الشيخ الكبيرة وتزوجها، فصار له موطئ قدم في الأردن، فصار يذهب إلى عمّان كل شهر مرة، بسبب الحرية النسبية، فالأردن تشبه الكويت من ناحية الحرية الدينية، وكان -رحمه الله- يُدرّس بالبيت، وقد أتاه الطلاب من كل البلاد العربية ولا سيما دول الخليج من السعودية ومن قطر والكويت ومن هنا وهناك ويسألونه، وهذه الأسئلة هي التي حفظها الشيخ أحمد أبو ليلى الأثري، فهذا الشيخ سبحان الله! حفظ فيه تراث الشيخ الألباني بالحقبة الأردنية، بينما بالحقبة الشامية لم يتوفر الحفظ؛ بسبب عدم وجود شرائط الكاسيت في تلك الأيام، والشرائط التي سجلها أبو ليلى الأثري تصل إلى 910 أشرطة تقريبًا، التي أفرج عنها وإلا فهو عنده أشرطة أكثر، ثم صار يفرج عنها ابنه فيما بعد وكان اسمه ثائر أبو ليلى، وكان كل فترة وفترة يخرج من الأشرطة القديمة التي لم يكن أخرجها مع الدفعة الأولى الكبيرة.
وفاة الشيخ الألباني -رحمه الله-
أصيب الإمام الألباني -رحمه الله- في آخر عمره بمرض السرطان في أمعائه، وظل المرض يشتدُّ عليه حتى توفي الإمام الألباني -رحمه الله تعالى- بعد عصر يوم السبت 22 جمادى الآخرة عام 1420هجرية، الموافق الثاني من أكتوبر عام 1999 ميلادية، وبدأ أقرباء الإمام الألباني بتجهيزه للدفن، وطار خبر وفاته كل مطار، وتوافد طلبة العلم لحضور جنازته، وتنفيذًا لوصية الإمام الألباني تم تجهيزه على وجه السرعة، وحمل إلى المقبرة، فإذا بآلاف الناس تنتظره للصلاة عليه، رغم أنه لم يمضِ على وفاته إلا ساعات قليلة، وصلى عليه الشيخ محمد إبراهيم شقرة، ودفن الإمام الألباني في مقبرة جبل الهملان ، وبجانب الشيخ الألباني دُفن تلميذه البار الشيخ علي الحلبي الذي مات في فترة كورونا، وبذلك غاب قمر من أقمار أمتنا، ومات مجدد الزمان ومحدِّث العصر، ولكن بقي علمه ومنهجه ومؤلفاته تدرس إلى قيام الساعة، ومات الإمام ولكنه سقانا بعلم يسد الثغور.


اعداد: الفرقان





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 146.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 143.34 كيلو بايت... تم توفير 3.52 كيلو بايت...بمعدل (2.39%)]