كشف الكربة عن المسلم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4438 - عددالزوار : 1193531 )           »          اذكر الموت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          الإنتصار على الهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الإقبال على الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 65 )           »          الخطاب فى القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 103 - عددالزوار : 64738 )           »          قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 2287 )           »          إصلاح ذات البين.. مهمة.. وإنجاز عظيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 7103 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-12-2021, 09:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,251
الدولة : Egypt
افتراضي كشف الكربة عن المسلم

كشف الكربة عن المسلم (2)
أحمد عبدالله صالح






أما بعد؛ أحبتي الكرام:

فنحن اليوم على موعد مع العمل الثاني ضمن أحب الأعمال إلى الله كما ورد ذلك في الحديث الذي رواه الطبراني وابن أبي الدنيا من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما؛ ألا وهو: (كشف الكربة عن المسلم).



يعرف ابن منظور تفريج الكربات بأنه: كشف الهم، وإذهاب الغم، ودفع الضرر، والكربات جمع كربة، وهي تدل على الشدة والقسوة.



والكرب هو الحزن والغم؛ لذلك قال ربنا عز وجل: ﴿ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 64].



وقال سبحانه: ﴿ وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنبياء: 76].



وقال جل ثناؤه: ﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ [الصافات: 75، 76].



وقال عز من قائل: ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ [الصافات: 114، 115].



أيها المسلمون عباد الله:

السعي في تفريج الكربات، وقضاء الحاجات من أعظم الطاعات والقربات، بل إنها سبب لنيل الرضا من الله والمحبة من الناس.



والإنسان بطبعه كائن اجتماعي، ومصالحه لا تتم إلا بالتعاون مع الآخرين، فاحتياجاته كثيرة وكرباته عديدة، والسعي في تفريج الكربات عمل عظيم عند الله، عظيم في نفوس الناس؛ إذ الحياة مليئة بالمشقات والصعوبات، مطبوعة على التعب والكدر، وقد تستحكم كربها على المؤمن، حتى يحار قلبه وفكره عن إيجاد المخرج، وحينها ما أعظم أن يسارع المسلم في بذل المساعدة لأخيه، ومد يد العون له، والسعي لإزالة هذه الكربة أو تخفيفها! وكم لهذه المواساة من أثر في قلب المكروب!



ولهذا حثنا النبي صلى الله عليه وسلم في أول وصيته على تنفيس الكرب عن المؤمنين؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة)).



والكربة: هي الشدة العظيمة التي توقع صاحبها في الكرب، وتنفيسها أن يخفف عنه منها، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((ومن فرج عن مسلم كربةً، فرج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة)).



والتفريج أعظم، وهو أن يزيل عنه الكربة، فتنفرج عنه كربته، ويزول همه وغمه، فمن سعى في تفريج كربات الآخرين، فإنه يسعى في واقع الأمر وحقيقته في تفريج كربة نفسه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((نفَّس الله عنه))؛ أي: خفف أو كشف وأزال ((كربةً من كربات يوم القيامة)).



وعن عبدالله بن أبي قتادة كما روى ذلك مسلم ((أن أبا قتادة طلب غريمًا له فتوارى عنه، ثم وجده فقال: إني معسر، فقال: آلله؟ قال: آلله، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفس عن معسر أو يضع عنه)).



ولذلكم أهوال الموت والقبور، والآخرة والميزان والصراط وتطاير الصحف - أهوال عظام، وأوقات عصيبة، يشيب لهَولِها الصغار، وتضع لأجلها كل ذات حمل حملها، ومن أعظم أسباب الخلاص منها السعي في تفريج كربات الآخرين.



والجزاء الرباني من جنس العمل، المكافأة بتنفيس كربة من جنس هذه الكرب هي مكافأة الله جل جلاله لهذا الإنسان، ولكن متى؟



يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فما أصعب ذلكم الموقف! وما أشد أهوال يوم القيامة! وما أشد حر يوم القيامة! وما أشد عرق يوم القيامة!



يوم تدنو الشمس من رؤوس العباد بمقدار ميل، وهناك يعرق الناس عرقًا شديدًا، فمنهم من يعرق إلى كعبيه، ومنهم من يعرق إلى ركبتيه، ومن يعرق إلى حقويه، ومنهم من يعرق إلى منتصفه، ومنهم من يعرق إلى رقبته، ومنهم من يلجمهم العرق إلجامًا.



وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون وما لا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟...))، حينها يكون صانعو المعروف، وكاشفو كربات الناس، وقاضو حوائجهم، ومزيلو همومهم وغمومهم في الدنيا هم الناجين الفائزين والآمنين، حين يتجاوز الله عنهم ويكشف كربهم، مقابل كشفهم لكربات الناس في الدنيا.



فجزاء التنفيسِ التنفيسُ، وجزاء التفريج التفريج.



وفي الحديث الذي ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربةً من كرب يــــوم القيامة...)).



فهذا الحديث الشريف الصحيح أصل في المعاملات بين المسلمين، بل إنه يؤكد قاعدةً كلية من كبريات قواعد الجزاء الرباني الذي يعتمد على مبدأَيِ العدل والفضل، في أن السيئة بمثلها، وأما الحسنة، فيضاعف الله الجزاء عليها إلى عشرة أضعاف في الحد الأدنى، ثم إلى سبعمائة ضعف في المقدار المعدود، ثم إلى ما يشاء الله من فضل في المقدار غير المحدود.



دققوا معي في هذه الآيات: ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ ﴾ ما الجزاء؟ ﴿ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 147]، الجزاء بقدر العمل.



وقال تعالى: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ ﴾ ما الجزاء؟ ﴿ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾ [النمل: 89].



وآية ثالثة: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ ﴾ ما الجزاء؟ ﴿ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 160].



وآية رابعة: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾ ما الجزاء ﴿ وَزِيَادَةٌ ﴾ والزيادة هنا النظر إلى وجه الله تعالى، وكذلك ﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس: 26]. وآية خامسة: ﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ ﴾ ما الجزاء؟ ﴿ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس: 27].



وآية سادسة: ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً ﴾ ما الجزاء؟ ﴿ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ ما الجزاء؟ ﴿ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر: 40].



إنه قانون الجزاء الرباني الذي يقوم على مبدأي العدل وعدم الظلم، ومبدأ الفضل من عشرة أمثال إلى ما لا نهاية له.



فمن فضل الله عز وجل أن الإنسان إذا أيقن أن لكل سيئة عقابها، وأن لكل حسنة ثوابها، تعامل مع الله عز وجل وفق هذا القانون، لا يعد عندئذٍ المسيء ذكيًا، ولا المنحرف شاطرًا، عندئذٍ يحاسب الإنسان نفسه حسابًا عسيرًا.



ولهذا من أجل الأعمال الصالحة، ومن أعظم الأعمال التي تتقرب بها إلى الله عز وجل أن ترى بأخيك المؤمن كربةً فتزيلها عنه، وتنفس عنه كربته، وما أكثر الكرب التي تحيط بالمؤمن!



فكن معوانًا لهم في حياتهم، قدم لهم يد العون والمساعدة المادية والمعنوية، ارحمهم، ارحم ضعفهم، تولَّ قضاء حوائجهم، ارحم ما هم فيه من مشاكل، وأبعد القلوب عن الله عز وجل القلب القاسي، القلب المتصحر، القلب المتحجر، القلب المتصلب، القلب الذي لا يرق ولا يلين، ولا يشفق ولا يرحم، القلب الذي لو نزلت كلمات الله وآياته على سهول الأرض وجبالها، لَمَادت ولسكنت؛ خشيةً لله، وهذا القلب متحجر، لا يتعظ ولا يعتبر ولا يرحم.



ولهذا علامة اتصالك بالله رحمة في قلبك، وعلامة انقطاع الإنسان عن الله قسوة في قلبه، والقسوة من علامات الانقطاع عن الله، والرحمة من علامات القرب منه، والله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي: ((إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي)).



وعن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن، فمن وصلها، وصله الله، ومن قطعها، قطعه الله)).



اللهم اجعلنا من عبادك الرحماء.



أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبـة الثانيـة

أما بعد؛ أيها الأحباب الكرام:

فكشف الكربة عن المسلم أو تنفيس الكربة عن المسلم في الدنيا وإزالتها يكون جزاء صانعها من الله يوم القيامة أن ينفس الله عنه من كربات وأهوال يوم القيامة.



يكون جزاؤه من الله أن يفرج عنه كربة هي أعظم من ذلك وأشد؛ إنها كربة الوقوف والحساب، وكربة السؤال والعقاب، فما أعظمه من أجر! وما أجزله من ثواب! يقول الإمام النووي: "ويدخل في كشف الكربة وتفريجها من أزالها بماله، أو جاهه، أو مساعدته، والظاهر أنه يدخل فيه من أزالها بإشاراته ورأيه ودلالته".



ولو بكلمة طيبة، ولو حتى بشربة ماء، يجد صاحبها ثوابها وأجرها وغنمها يوم القيامة.



فقد أخرج البيهقي من حديث أنس مرفوعًا: ((أن رجلًا من أهل الجنة يشرف يوم القيامة على أهل النار، فيناديه رجل من النار: يا فلان، هل تعرفني؟ فيقول: لا والله ما أعرفك، من أنت؟ فيقول: أنا الذي مررت به في دار الدنيا، فاستسقيتني شربةً من ماء، فسقيتك، قال: عرفت، فقال: فاشفع لي بها عند ربك، قال: فيسأل الله تعالى، فيقول: شفعني فيه، فيشفع فيه، فيأمر به، فيخرج من النار)).



أحبابي الكرام، تفريج الكروب والسعي في مصالح المسلمين أمان وضمان، وأصل حياة المؤمن قائمة على العطاء، أصل حياة المؤمن قائمة على البذل، أصل حياة المؤمن قائمة على إشاعة الأمن بين الناس، على إشاعة الطمأنينة، على حل مشكلات الناس، على تطمينهم، على إسعادهم، على رأب الصدع، على تحقيق آمالهم، ليجد ذلك كله عند الله وافيًا مضاعفًا، يقول خير الخلق صلى الله عليه وسلم: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة)).



فما أحوجنا اليوم والمسلمين يعيشون هذه النكبات إلى أن نمسح دمعة اليتيم، وأن نؤويَ الشريد والطريد، وأن نفك الأسير، وأن نعطي المحتاج ولو أن نبذل له الابتسامة!



فـ((من استطاع منكم أن ينفع أخاه، فليفعل))، و((أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة)).



وحيا الله من قال:




وأكرم الناس ما بين الورى رجل

تقضى على يده للناس حاجاتُ


لا تقطعن يد المعروف عن أحد

ما دمت تقدر والأيام تاراتُ


واذكر فضيلة صنع الله إذ جعلت

إليك لا لك عند الناس حاجاتُ






لنعلم أحبتي الكرام أن تفريج الكربة عن المسلمين من الطاعات المتعدية، وثواب الطاعة المتعدية أعظـم قدرًا من ثواب الطاعة القاصرة، فصلاة العبد وصيامه وذكره له، ولكن خيره الذي يتعدى إلى إخوانه وسعيه في إعانتهم ودعوتهم ونصحهم وتعليمهم يكون أكبر أثرًا، وأعظم أجرًا عند رب العالمين.



وهذا من عظمة هذا الدين المجيد الذي يخلص الإنسان من أنانيته، ويجعله نبعًا للخير، وظلًّا يأوي إليه الآخرون من تعب الحياة ونصبها.



وقد مدح الله عز وجل الأنصار ورضي عنهم وذكر من نعوتهم: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9].



هذا هو الإيثار الذي ينفي الأثرة، ويتغلب على شح النفس، ويسمو بالإنسان إلى أفق الإنسانية الحقة التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال فيما رواه الشيخان من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربةً، فرج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة)).




اللهم فرج عن المسلمين كروبهم، واكشف ضائقاتهم، وارفع آلامهم، وهمومهم وغمومهم.

اللهم من فرج عن المسلمين كرباتهم ففرج عنه.

اللهم من ضيق أو عسر على المسلمين، فضيق وعسر عليه، ومن يسر وسهل على المسلمين، فيسر وسهل له يا رب العالمين.




هذا، وصلوا رحمكم الله على من بعثه الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، فقد أمركم الله بذلك؛ فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-12-2021, 09:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,251
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كشف الكربة عن المسلم

كشف الكربة عن المسلم (3)
أحمد عبدالله صالح




أما بعد؛ أيها الأحباب الكرام:

فقد تناولنا في جمعتين مضتا عملين من أحب الأعمال إلى الله؛ وهما إدخال السرور على المسلم، وكشف الكربة عن المسلم.



واليوم موعدنا مع العمل الثالث من أحب الأعمال إلى الله؛ وهو (قضاء الدين عن المسلم).



أيها المسلمون عباد الله:

قضية الدَّين؛ِ تلك القضية التي أخافت قلوب الأمناء، وأذلت كرائم الشرفاء.



قضية الدين ظاهرة فشت وعمت، وانتشرت وطمت، وارتفع سعارها وتعالى لهيبها.



هم بالليل، وذل بالنهار، يشغل البال، ويكدر الحال، يكسر الفؤاد، ويستخفي صاحبه عن العباد، استعاذ منه النبي صلى الله عيه وسلم وكان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، وأعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرجال)).



فالرسول استعاذ منه، وتساهلنا نحن فيه، حتى غصت محاكمنا من التشكي منه.



وليس عيبًا إخوة الإيمان أن يستدين المرء ويقترض إذا ألجأته الظروف، أو نزلت به حاجة؛ فرسول الهدى استدان من حاجة وقضى دينه، واشترى طعامًا من يهودي إلى أجَلٍ، ورهن درعًا من حديد عند اليهودي؛ روى مسلم في صحيحه ((أنه عليه الصلاة والسلام استدان من رجل بكرًا، فقدمت إليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فلم يجد إلا خيارًا رباعيًّا؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطه إياه؛ فإن خيار الناس أحسنهم قضاءً)).



بل كان عليه الصلاة والسلام يقضي الدائن بأكثر مما استدان منه، ويضاعف له الوفاء، ويدعو له؛ كما قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني))، وروى النسائي من حديث عبدالله بن أبي ربيعة قال: ((استقرض مني النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفًا، فجاءه مال، فدفعه إليَّ، وقال: بارك الله تعالى في أهلك ومالك)).



ولهذا معذور أن يستدين المرء لأجل علاج مرضه، أو مداوة مريضه، ومقبول أن يقترض الإنسان لإكمال أمر زواجه وإعفاف نفسه، ولا تثريب أن يستلف الرجل لإتمام بناء منزله وإكماله، ولكن العجب من أناس ولجوا لجج الدين وذاقوا علقمه لأجل مجاراة في كماليات، أو تنافس في مظهريات!!



فهذا يستدين من أجل تغيير أثاثه.

وآخر له في كل إجازة موعد مع القروض للسفر والسياحة.

وثالث يقترض لمواكبة كل جديد، وامتلاك ما رآه عند غيره.

ورابع جعل الاستدانة مهنته، كلما لاحت له رغبة، أو هامت بخاطره نزوة، فتراه يقترض من هذا، ويستدين من ذاك، ثم لا يعبأ بعد ذلك بإراقة ماء وجهه؛ فيقرع الأبواب، ويلح في المسألة، ويتمسكن في الكلام، وقد كان في سعة وغنًى عن مثل هذه المواقف!



ومن التعقل والاتزان الذي يدعو إليه الشرع والعرف ألَّا يلجأ الإنسان للدين إلا عند الاضطرار، وأن يكبح المرء جماح هوى نفسه، ويؤطرها على العفاف أطرًا، وأن يمد عينه إلى من هو دونه، فهو أحرى ألَّا يزدري نعمة ربه عليه؛ وفي الحديث الذي أخرجه أحمد: ((ارضَ بما قسم الله لك؛ تكن أغنى الناس)).



ورسالة اليوم هي لكل أولئك الذين أدمنوا الدين، وفي نفوسهم نية عدم سداده وقضائه.



رسالتنا لهم أن الدين أمره عظيم، وخطره جسيم؛ ففي الحديث الذي رواه مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين)).



فإذا كان الدين لا يغفره الله لمن قُتل في سبيله، فكيف بمن هو دون ذلك؟!



وفي الحديث الذي رواه مسلم أيضًا عن أبي قتادة ((أن رجلًا قال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدين)).



وفي الحديث الذي رواه أحمد عن محمد بن جحش قال: ((كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إلى السماء، ثم وضع راحته على جبهته، ثم قال: سبحان الله! ماذا نزل من التشديد؟ فسكتنا وفزعنا، فلما كان من الغد سألته: يا رسول الله، ما هذا التشديد الذي نزل؟ فقال: والذي نفسي بيده، لو أن رجلًا قُتل في سبيل الله، ثم أُحيي، ثم قتل، ثم أحيي، ثم قتل، وعليه دين، ما دخل الجنة حتى يُقضى عنه دينه)).



بل بلغ من الترهيب من أمر الدين أن أرحم الخلق بالخلق، وخير الخلق للخلق؛ محمدًا صلى الله عليه وسلم كان إذا أُتيَ إليه برجل متوفَّى ليصلي عليه، سأل: ((هل عليه من دين؟)) فإن قيل: نعم، سأل: ((هل ترك وفاءً؟))، فإن حدث أنه ترك وفاءً صلى عليه، وإلا قال: ((صلوا على صاحبكم)).



وجاء في الحديث الذي رواه البخاري من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: ((كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة، فقالوا: يا رسول الله، صلِّ عليها، قال: هل ترك شيئًا؟ قالوا: لا... قال: فهل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير، قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: صلِّ عليه يا رسول الله وعليَّ دينه... فصلى عليه)).



وفي الحديث الذي رواه أحمد بسند صحيح ((أنه توفي رجل من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وعليه دين، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر، سأل: ها هنا من بني فلان أحد؟ قالها ثلاثًا، فقام رجل فقال: أنا منهم، فقال عليه الصلاة والسلام: إن صاحبكم محبوس عن الجنة بدينه، وفي لفظ عند أبي داود: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه)).



ومن الأحاديث الدالة على خطورة الدين وشدته ما رواه أبو داود عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر التي نهى عنها - أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء)).



فهذه الأحاديث العظيمة القاطعة بعظم ذنب من مات وعليه دين كفيلة بردع كل قلب يشم رائحة الإيمان، ومحذرة كل التحذير أن يأخذ المسلم مال أخيه لا يريد أداءه؛ ولقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)).



ولذلكم أحبتي الكرام:

بهذا الأهمية البالغة للدين، وبيان أهمية سداده وقضائه، لا غرابة أن يكون قضاء دين المسلم وإنظار المدين والمعسر الذي لا يملك ما يسد دينه، والتجاوز عن الديون، ومسامحة أصحابها، والعفو عنهم عملًا جليلًا من أعمال البر والخير والمعروف العظيمة، التي وعد الله من يفعلها بالجزاء الجزيل يوم القيامة، وبالظل الظليل يوم العرض على الله، والثواب الكبير.



ففي الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أنظر معسرًا - أو وضع له - أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله)).



نعم، إنه ظل الله يوم لا ظلَّ إلا ظله، والناس تحت لفحات الشمس المحرقة، يكون الذين قضوا ديون إخوانهم المسلمين، وتجاوزوا عنهم في مأمن وطمأنينة، وفرح وسرور، وعند الحساب يتجاوز الله عنهم لأنهم تجاوزوا عن المعسرين من عبادة، ولا سيما عند قضاء الديون وحلول الأجل.



وكم يكون سرور المديون حين يرفع عنه صاحب الدين الهمَّ والغم والكرب الذي أرقه الليل والنهار، فيقول له صاحب الدين: قد أجلت قضاء الدين عنك شهرًا أو شهرين، وأفضل منه من قال: لحين ميسرة، وأعلى منه درجة: من وضع عنه جزءًا من الدين، وفي القمة: من تجاوز عن دينه كله صدقةً لله ورحمةً بهذا المفلس الضائع.



نعم، كم من عزيزِ قومٍ ذلَّ! وكم من غني دارت عليه الدوائر فافتقر! وكم من أولئك الذين كانوا يعيشون عيشة الهناء والترف والنعيم، والدعة والراحة، ونسوا من حولهم، فأتى عليهم يوم سلبوا كل شيء عقوبةً من الله!



فأين من يقيلون عثرات الناس، هل ترجون رحمة الله؟ هل ترجون حفظ الله؟ هل ترجون إكرام الله؟



أكرموا إخوانكم بتخفيف العبء عنهم، ليخفف الله عنكم يوم القيامة ويتجاوز عنكم.



أيها الأخوة المؤمنون:

تمثلت روح عبد بين يدي الله عز وجل يوم القيامة، فقال الله له وهو أعلم: يا عبدي، ماذا فعلت في الدنيا من الخيرات؟ وكان تاجرًا... ماذا فعلت في الدنيا من الخيرات؟ فقال: يا رب، كنت أنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسر؛ يعني: إذا جاءه من يشتري بضاعته، وسوف يدفع له ثمنها، يقول له: يا أخي، إن كنت بحاجة إلى هذا المال فاستعمله في حاجتك، وادفع لي الثمن بعد حين، وإن رأى الذي يريد أن يشتري حاجة، رآه معسرًا فقيرًا، كنت أتجاوز عنه الثمن، فقال الله عز وجل: يا عبدي، أنا أحق بذلك منك، فأنا العفو الغفور، ويقول الله عز وجل لملائكته: خذوه إلى الجنة فقد غفرت ذنوبه.



وعند البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن رجلًا لم يعمل خيرًا قط، وكان يداين الناس وكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرًا فتجاوز عنه؛ لعل الله أن يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه)).



وأخرج مسلم والترمذي عن أبي مسعود البدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسرًا، وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، فقال الله: نحن أحق بذلك، تجاوزوا عنه)).



وروى البخاري ومسلم وأحمد عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أن رجلًا أتى به الله عز وجل فقال: ماذا عملت في الدنيا؟ فقال له الرجل: ما عملت مثقال ذرة من خير، فقال له ثلاثًا، فقال في الثالثة: إني كنت أعطيتني فضلًا من المال في الدنيا، فكنت أبايع الناس، فكنت أيسر على الموسر، وأنظر المعسر، فقال تبارك وتعالى: أنا أولى بذلك منك تجاوزوا عن عبدي فغفر له)).



وفي الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجه والحاكم، وصححه البيهقي عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أنظر معسرًا كان له بكل يوم مثله صدقة، قال: ثم سمعته يقول: من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثليه صدقة، فقلت: يا رسول الله، إني سمعتك تقول: فله بكل يوم مثله صدقة، وقلت الآن: فله بكل يوم مثليه صدقة، فقال: إنه ما لم يحل الدين، فله بكل يوم مثله صدقة، وإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة)).



بل أين نحن يا إخواني الكرام من تلك الصور المشرقة، تلك الصور الفريدة في مشهد السمو الإيماني، التي تمثلت في سلفنا الصالح في قضاء الديون عن إخوانهم المسلمين:

فقد رُويَ أن مسروقًا استدان دينًا ثقيلًا، وكان على أخيه خيثمة دين، فذهب مسروق فقضى دين خيثمة وهو لا يعلم، وذهب خيثمة فقضى دين مسروق وهو لا يعلم.



وعن شعبة رحمه الله قال: "لما توفي الزبير لقي حكيم بن حزام عبدالله بن الزبير، فقال: كم ترك أخي من الدين؟ فقال: ألف ألف، قال: عليَّ منها خمسمائة ألف".



وروي أن جارًا لأبي حاتم رحمه الله قد لحقه دين عظيم، فاضطره أن يبيع بيته، فجاؤوا يتزاودون على داره، فقال: الدار بمائتي ألف دينار، فعجبوا من ذلك، قال: نعم، أما الدار فبخمسين ألف دينار، وجواري من أبي حاتم بمائة وخمسين ألفًا، فلما علم أبو حاتم بفعله هذا؛ قضى دينه، وقال: اجلس في دارك، جزاك الله خيرًا من جار.



أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.



الخطبـة الثانيـة

أما بعد؛ أيها الأحباب الكرام:

ما زلنا عند سلسلة حديث أحب الأعمال إلى الله، وجمعة اليوم نقف فيها مع أصحاب الأيادي البيضاء، الذين طابت أنفسهم وطابت أيديهم؛ فأقرَضوا إخوانهم قرضًا حسنًا، وكانوا سببًا في تفريج همومهم، وإعانتهم على قضاء حوائجهم.



اعلم يا من حباك الله هذه النعمة أن خدمة الناس والوقوف معهم في نوائبهم برهان على طيب المعدن، ونقاء الأصل، وشهامة الطبع، وسخاء النفس.



نعم، إن من نِعَمِ الرحمن على العبد في دنياه أن يجعله مفتاحًا للخير، صانعًا للمعروف، مفرجًا لضائقة إخوانه، ومداويًا لضرهم، ((ومن فرج عن مسلم كربةً من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة)).



وفي الحديث الذي رواه الحاكم، وصححه الألباني.



قال صلى الله عليه وسلم: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدينا هم أهل المعروف في الآخرة)).



يا أصحاب المعروف، أتْبِعوا المعروف بالمعروف، وأنظروا المعسر إلى حال الميسرة، واستمعوا إلى من أعطاكم ومنع، وسن لكم وشرع؛ فقال سبحانه: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾ [البقرة: 280].



يا من يرجو الله واليوم الآخر، خفف عن إخوانك المعسرين، وأنظرهم إلى حال ميسرتهم، اصبر واحتسب، وأبشر بأجرك عند من لا يضيع عنده أجر من أحسن عملًا.



تذكر يا أخي الكريم أن هذه الأيام التي تؤخرها عن غريمك مدخرة لك، وحسناتك في ميزانك.



قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بسند صحيح، ((من أنظر معسرًا - أي أخر حتى يوسر - فله بكل يوم مثله صدقة)).



نعم، إلى كل من يريد الجزاء الوافر من رب العالمين، يا من يريد ما عند الله من الثواب والمثوبة، يا من يريد أن ييسر الله عليه دنيا وآخرة.



اسمع إلى رسولك صلى الله عليه وسلم؛ كما روى مسلم من حديث أبي هريرة: ((ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)).



تيسر على أخيك المسلم المدين الفقير المعسر بانتظاره إلى وقت يساره، ليس هناك داعٍ لمذكرة قضائية، أو لحجزه وحبسه.



وليس هناك داعٍ لمضايقته وتخويفه، وأنت تعلم عن عوزه، وتعرف أنه لا يملك أن يؤدي لك الحقوق، خاصةً إذا ما ثبت لك أنه فقير معسر.



فالانتظار مطلوب، وانتظارك رحمة، وانتظارك قربة، وانتظارك على هذا المعسر صدقة تضاف إلى أعمالك الصالحة.



انتظره إلى وقت يساره، أو بتجزئة الأقساط عليه حتى يؤدي ما عليه براحة، أو تحط عنه بعض الدين.



وهناك من يرجو ثواب الله فيحط الدين كله، وهناك من يسامحه بكل الدين، وهذا من أفضل الصدقات الخفية.

يا أهل المعروف، يسروا، وسامحوا، وارحموا؛ فإنما يرحم الله من عباده الرحماء، وحق على من بلغه عن نبيه صلى الله عليه وسلم هذا الأجر والفضل أن تطيب نفسه، ويحتسب أجره، وتمتد عينه لثواب الآخرة؛ ﴿ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 17].


اللهم فرِّج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة أهل وجدير.

اللهم إنا نسألك أن تجزي كل صاحب معروف على معروفه، وأن تبارك له في ولده وماله، وتديم عليه صحته وعافيته، وأن تحفظه بعنايتك وتكلؤه برعايتك، اللهم صب له من الخير صبًّا، وافتح له من أبواب رزقك فتحًا.




ثم اعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ به نفسه، وثنَّى به ملائكته المسبحة بقدسه، وثلَّث به عباده من جنه وإنسه؛ فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 84.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 82.45 كيلو بايت... تم توفير 2.17 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]