الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير قوله -تعالى-: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          من غلبه النوم واستيقظ بعد الشروق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          باختصار .. عاشوا بسلام ورحلوا في سلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          مكارم الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 5951 )           »          شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان معرفة شعب الإيمان وفقهها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الخطأ في الفتوى وأثره على حياة المسلمين المعاصرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          خواطر الكلمة الطيبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 50 - عددالزوار : 21932 )           »          مشاعرنا ترتقي بعباداتنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          منهـج النبي صلى الله عليه وسلم في محاربة الغلوّ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          دروس من قصص القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11 - عددالزوار : 8913 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 23-07-2025, 05:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,309
الدولة : Egypt
افتراضي الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية .. روائع الأوقاف في الصحة العامة

الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية .. روائع الأوقاف في الصحة العامة


  • أوّل من بنى البيمارستان في الإسلام ودارَ المرضى الوليدُ بن عبد الملك وذلك في سنة ثمان وثمانين وجعل في البيمارستان الأطباء وأجرى لهم الأرزاق
  • اهتم المسلمون على مرّ التاريخ بالقطاع الصحي إيمانًا منهم بأهمية صحة الإنسان في بناء المجتمع وقد أبلت الأوقاف في هذا الشأن بلاءً حسنًا
اهتم المسلمون -على مرّ التاريخ- بالقطاع الصحي، وذلك إيمانًا منهم بأهمية صحة الإنسان في بناء المجتمع، وقد أبلت الأوقاف في هذا الشأن بلاًء حسنًا، فقد تنافس المسلمون على إنشاء مستشفيات تخدم قطاعات واسعة من البشر، ومراكز صحية تخدم أحياء بعينها، وجعلوها أوقافًا تقدم خدماتها على مرّ الزمان، مثل: المستشفيات والصيدليّات ومعامل الأدوية، وأدوات العلاج، وأرزاق الأطبّاء.
من أوائل المستشفيات في الإسلام
قالت عائشة -رضي الله عنها-: أُصيب سعد يوم الخندق في الأكحل، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - خيمةً في المسجد ليعوده من قريب، فلم يَرُعْهُم -وفي المسجد خيمةٌ من بني غفار- إلا الدم يسيل إليهم! فقالوا: يا أهل الخيمة، ما هذا الذي يأتينا من قِبَلِكُم؟! فإذا سعدٌ يغذو جرحُه دمًا، فمات فيها، رواه البخاريّ في (صحيحه)، وبوّب عليه: «باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم». قال الحافظ في بيان هذه الخيمة وطبيعتها نقلاً عن ابن إسحاق: «كلام ابن إسحاق يدلُّ على أنه كان مقيمًا في مسجد المدينة حتى بعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحكم في بني قريظة، فإنّه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل سعداً في خيمة رُفَيْدَة عند مسجده، وكانت امرأةً تداوي الجرحى، فقال: اجعلوه في خيمتها لأعودَه من قريبٍ». والشاهد منه أنّ هذه الخيمة كانت قد اتُّخذَت خصِّيصاً في المسجد لعلاج الجرحى ومداواتهم، بل أشار ابن الملقّن إلى أنّ منفعتها كانت قد امتدّت إلى غير الجرحى، فوصفها بقوله: «هذه الخيمة كانت لرُفَيْدَةَ الأنصارية، وقيل: الأسلمية، وكانت تداوي الجرحى، وتحتسب بخدمتها من كانت فيه ضيعة من المسلمين».
مستشفى الوليد بن عبد الملك
قال المقريزي: «وأوّل من بنى المارستان في الإسلام ودارَ المرضى الوليدُ بن عبد الملك، وذلك في سنة ثمان وثمانين، وجعل في المارستان الأطباء وأجرى لهم الأرزاق، وأمر بحبس المُجَذَّمِين لئلّا يخرجوا، وأجرى عليهم وعلى العميان الأرزاق»، ثمّ تطوّر الأمر إلى أن صار في مدينة قرطبة وحدها أكثر من خمسين مستشفى! وتتحدّث المستشرقة الألمانيّة الشهيرة (زيغريد هونكه) بغاية الانبهار عن طريقة تمويل كلّ مستشفيات العالم الإسلاميّ، فتقول: «تُرى! من أين كان يُؤتى بكلّ هذه الأموال؟! ألم يكن ثمّة من خطر أن يزداد المصروف على المؤسسات الطبيّة فيتعدّى حدود المعقول؟! فمستشفى المنصوري وحده كان يستهلك سنويًّا ما قيمته مليون درهم! وكانت كلُّ هذه الأموال تُحصَّل من الأوقاف التي كانت تُخصّص للمستشفيات لدى تأسيسها...»، ومن أمثلة ذلك:
مستشفى أحمد بن طولون
أنشأه أحمد بن طولون والي مصر للدّولة العبّاسيّة سنة 259هـ في مدينة القطائع، وهي إحدى أجزاء القاهرة القديمة، وكان مشروعًا وقفيًّا حضاريًّا ما زال التاريخ يذكرُه، أنفق على بنائه ستّين ألف دينار، ووَقَفَ عليه سوق الرّقيق، وغيره من الأسواق، وشَرَطَ ألا يُعالج فيه جنديٌّ ولا مملوك؛ لأنّ هؤلاء نفقةُ علاجهم عليه! وإنّما أراده لعامّة النّاس، ومن جملة أوقافه أيضًا: دار الدِّيوان، ومجموعة دور أخرى كان يملكها، وبنى حمّامين أحدهما للرّجال والآخر للنساء، ووقَفَهما عليه أيضًا. واشترطَ ابن طولون في عمل المستشفى أنه إذا جاءه مريض تُنزع عنه ثيابه، وتُؤخذ منه نفقته وما يحمله من متاع، ويُحفظ عند أمين المستشفى، ثمّ يُفرش له ويُغذّى، ويُؤمر له بالأدوية التي يحتاجها وبالرعاية الطبيّة الشاملة، وكانت علامة الشفاء التي قنعَ بها الواقفُ هي أن يأكل المريضُ فرُّوجاً ورغيفاً! ويستقرّ الطعام في جوفه، فإذا فعل ذلك، كُتب له بالخروج، وأُعطي مالَه وثيابَه من مستودع الأمانات في المستشفى، وإتماماً للرسالة الاجتماعيّة للمستشفى، فإنّ المريض عندما يُشفى ويُصرّح له بالخروج، يُعطى مبلغاً من المال يُنفق منه على نفسه، لئلّا يضطرّ إلى القيام بأعمال تُجهده فيعاوده المرض، وكسوة له كذلك!.
مكتبةٌ بها أكثر من مائة ألف مجلّد
وأُلحقت به مكتبةٌ كان فيها ما يزيد على مئة ألف مجلّد، الأمر الذي يدلُّ على أنّه كان على نظام المستشفيات الجامعيّة المعاصرة، على الرغم من كلِّ هذا التقدُّم في زمنه، بل يتفوّق عليها كثيراً لما كان فيه من اللَّمسة الإنسانيّة كما سبق؛ فإنّه لا يُعرف إلى اليوم مستشفى في العالَم، يُوجد في نظامه الداخليّ ما ينصُّ على إعطاء المريضِ مالاً عند مغادرتِه! اللهمّ إلا أن تكون مبادرةً شخصيّةً من أحدهم! لكن هذا ما كان يفعلُه المسلمون، ولا نقول سبقوا به غيرَهم، بل تفرَّدوا به ولم يستطع أن يجاريهم أحدٌ إلى اليوم، وهذه بركات الأوقاف الخيريّة على وجه الخصوص؛ لأنّ كلّ تلك النفقات كانت من ريعها.
(البيمارستان) المنصوري
شرع في إنشائه الملك المنصور سيف الدين قلاوون عام 683هـ، فجاءَ تُحفةً حضاريّةً عزّ في الدنيا نظيرُها، كما سترى بعض كلمات المؤرّخين في مدح مناقبه، قال ابن تغري بردي: «ومما يدلّ على علو همّة الملك المنصور قلاوون وحسن اعتقاده، عمارته للبيمارستان المنصوري ببين القصرين من القاهرة؛ فإنّنا لا نعلم في الإسلام وقْفًا على وجهِ برٍّ أعظم منه، ولا أكثر مصروفاً، ولا أحسن شرطًا، ولو لم يكن من محاسنه إلا البيمارستان المذكور؛ لكَفَاه ذلك دنيا وأخرى». وكان قد وَقَفَ عليه من الأملاك بديار مصر الكثير من الفنادق والحمّامات والحوانيت والأراضي، وكذلك من ضِياع الشّام شيئًا كثيرًا، ما بلغ مَجْبَاه في اليوم الواحد ألف دينار! كما ذكره ابن بطوطة من مُعايَنَته لحالِه في رحلته المشهورة، بل بلغ الفائض عن حاجة البيمارستان في بعض الأوقات ما يقارب أربعة عشر ألف دينار! أمّا شرطُ الواقف الذي أشار إليه، وأنّه لا يعلم أحسن شرطًا منه، أنّه أوقفَه على الملك والمملوك، والكبير والصغير، والحرّ والعبد، والذكر والأنثى، وجعلَ لمن يخرج منه من المرضى عند بُرْئِه كسوةً، ومن مات جُهزَ، وكُفِّنَ ودُفِن، وقد كان فيه قسمان للذكور والإناث، وكل قسمٍ قاعات، قاعة للأمراض الباطنية وأخرى للجراحة وقاعة للكِحَالة وقاعة للتجبير، وكانت قاعة الأمراض الباطنيّة مقسمة إلى أقسام لتنوُّعها وكثرتها، وكان لكلّ قسمٍ طبيب مسؤول أو ثلاثة، بحسب اتساعه وعدد نُزلائه، وكان لكل قسم رئيس من الأطبّاء..
مطبخ البيمارستان
وقد كان مطبخ المستشفى يُطهى فيه كل ما يحتاجه المرضى على وَفق ما تقتضيه خصوصيّتهم وحاجاتهم وَفْق تعليمات الأطبّاء، ويُجعل لكلّ مريضٍ ما طُبخ له في زبديّة خاصّة به من غير أن يشاركه فيها غيرُه أبداً، ويغطّيها عامل المطبخ ويوصلها له، وهكذا الحال طيلة إقامته بالستشفى.
رسالة العلّامة المؤرخ الصفدي
وقد كتب العلّامة المؤرخ الصفدي في رسالته إلى القاضي تاج الدِّين أبي الفضائل أحمد بن عبد الله، ليكلّفه بتولّي نظر البيمارستان المنصوري، فقال: «فإنه لّما كان البيمارستان المنصوري وقْفُ والدنا الشهيد الملك المنصور -قدّس الله روحه ونور بالرضوان ضريحه-، أجلَّ القُرُباتِ نفعًا، وأخصبَ المثُوبات مرعى، يجري نفعُ أوقافه على الخاص والعام، وينفقُ من حواصله في اليوم ما يُنفقُ من غيرها في العام، وتخفق راياتُ الآيات الكريمة في أرجائه، وتُنشرُ أعلامُ العلومِ في أثنائه، ويزول به الإعدامُ والإيلام، فكان حاتماً في حيّه، والمسيح في إحيائه، إلى غير ذلك من وجوه المعروف وأنواع البِرِّ المصروف، وكان استيفاؤه يحتاج إلى من جُرّبَ سدادُه وعُلِم رشادُه، وعُرف اعتمادُه، وكان الحساب ميداناً وهو سابقهُ وجواده...»، إلى آخر ما ذكر من خصائص هذا الصرح الحضاريّ العظيم.
رعاية منزليّة
وقد نصّ السّلطان المنصور قلاوون في وثيقة وَقْفه لهذا المستشفى، على أن تمتدّ الرّعاية الصحيّة إلى المرضى الفقراء في بيوتهم! ويُصرف لهم ما يحتاجون إليه من الدّواء، بشرط عدم التضييق على المرضى الذين في البيمارستان، فبلغ عدد الذين يُعالَجون في بيوتهم، حتى رصَدَ ناظرُ البيمارستان في سجلّاته في فترة من الفترات أكثر من مائتي مريض يُعالَجون في بيوتهم.


اعداد: عيسى القدومي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم اليوم, 03:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,309
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية

الوقف الإسلامي وصنائعه الحضارية … روائع الأوقاف في حفظ العلم ورعاية العلماء


  • بلغت الكتاتيب التي مُوِّلت بأموال الوقف عدداً كبيرًا وعد ابن حوقل منها ثلاثمائة كُتاب في مدينة واحدة من مدن صقلية
  • لم تكن الكراسي العلمية لتزدهر بمعزل عن المدارس التي كانت تبنى من مال الوقف ويرفق معها مرافق أساسية من سكن الطلبة وأساتذتهم
خلال الحروب مع التتار وسقوط بغداد سنة 656هـ وتدميرها ونهب كنوزها، بقيت مصر والشام جبهة صامدة ضد بربرية التتار ووحشيتهم؛ هذا ما دفع الكثير من العلماء الانتقال إلى مصر والشام؛ فأُثري النشاط العلمي وحركة التعليم والتأليف، وأنشئت مدارس ومكتبات وقفية متنوعة، واستوعبت تلك الأوقاف من المدارس والكتاتيب والمكتبات العلماء على اختلاف اهتماماتهم ومذاهبهم، ورعتهم خير رعاية كأمثال العلامة الحافظ ابن رجب الحنبلي (736-795هـ)؛ فقد كان في عهده في دمشق آنذاك ثلاثمائة وخمسون مدرسة فقهية، ومن أهمها المدرسة السُكّرية التي كان يسكنها -رحمه الله-.
رعاية الفقراء من الطلاب
من الأوقاف المشهورة التي رعاها أئمة الدعوة في المملكة العربية السعودية، وأثر في النهضة العلمية الشرعية ما عرف بـ(بيوت الإخوان)التي بنيت في دخنة قريبًا من مسجد سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله-، يسكن فيها طلاب العلم الذين يقدمون للدراسة على الشيخ وأخيه الشيخ عبداللطيف وغيرهم من أهل العلم؛ حيث كانت ظروف الطلاب ضعيفة اقتصاديا؛ فأسهم هذا الوقف في مساعدة هؤلاء الطلاب.
الوقف على إثراء البعثات العلمية
وقف الأميرة، فاطمة هانم كريمة الخديوي إسماعيل التي وقفت جميع أطيانها، وكان مساحتها (أربعة عشر سهماً، وأربعة عشر قيراطاً، وثلاثة آلاف وسبعة وخمسين فداناً) وهذه الأطيان كائنة بمديرية الجيزة والدقهلية، كما وقفت جميع أراضي وبناء السراي الكائنة في بولاق الدكرور، وما احتوت عليه من الأثاث والمفروشات، والمنافع الأخرى، والآلات الزراعية، وإسطبل الخيول وقد جعلت الواقفة هذا الوقف على نفسها في حياتها، ثم من بعد مماتها خصصت الواقفة مائة سهم من جميع الوقف ينفق ريعها على مؤسسات علمية عدة ، وبعثات ترسل إلى الخارج.
وقف الكتاتيب
بلغت الكتاتيب التي مُوِّلت بأموال الوقف عدداً كبيراً، فمثلاً: عد ابن حوقل منها ثلاثمائة كُتاب في مدينة واحدة من مدن صقلية، وذكر أن الكُتَّاب الواحد كان يتسع للمئات أو الألوف من الطلبة، وينقل الرحالة العربي المشهور ابن جبير انبهاره مما شاهد في القاهرة في مدرسة الإمام الشافعي التي وقفها ووقف بيته عليها ، كما انبهر من إحدى مدارس الإسكندرية، أما ابن بطوطه فيقول عن مصر والعراق وسوريا: إنها عامرة بالمعاهد العلمية الموقوفة ، ويذكر أنه استفاد منها، كما وصف أحوال عشرين مدرسة جامعة في دمشق، عاشت على أموال البر، والخير والوقف، أما في بغداد فلا يختلف عدد المدارس عما شاهده في دمشق، وبعض الأوقاف شملت الإنفاق على المدارس بما تتطلبه من مصروفات للعاملين من معلمين وخدم وتجهيزات وغيرها ، كما أن بعض الأوقاف خصصت للصرف على المعلمين فقط.
الأوقاف والكُتاب
«الكُتَّاب» في بعض البلدان كان من السعة؛ بحيث يضم مئاتٍ وآلافاً من الطلاب، ومما يروى عن أبي القاسم البلخي أنه كان له كتَّاب يتعلم به ثلاثة آلاف تلميذ، وكان كتّابه فسيحاً جدا؛ ولذلك كان أبو القاسم يحتاج إلى أن يركب حماراً ليتردد بين طلابه وليشرف على شؤونهم. وكانت هذه الكتاتيب تمول بأموال الأوقاف.
تعليم العميان
في المدرسة العمرية الشيخة التي تقع في الصالحية بدمشق، وتنسب إلى منشئها الشيخ محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي؛ حيث بدأ بإنشائها عام 603هـ/1306م، وأوقف المدرسة في البداية على علوم القرآن، وعمل لها ترميمات وإضافات في العهود المختلفة، وضمت بعد الزيادات 360 غرفة، وفيها 500 طالب من طلاب العلم، وكان فيها قسم لتعليم العميان، وآخر لتعليم الأطفال.
مدرسة السبعيين
أسس هذه المدرسة أبو الحسن المريني، وسبب تسميتها بالسبعيين، أنها كانت خاصة بالطلبة الذين يقرؤون بالروايات السبع.
مدرسة الوادي
أسسها السلطان أبو الحسن المريني في سنة 721 هـ، وسميت مدرسة الوادي؛ لأن وادياً كان يشق صحنها، وهي من أهم مدارس فاس، وقد ذكر أبو علي اليوسي: أن هذه المدرسة تحتوي على نحو سبعُمئة أستاذ، وقال: كان لا يعطي البيت فيها إلا لمن يحفظ جميع المختصر الحاجبي أي مختصر ابن الحاجب.
ثانيًا: الكراسي العلمية الوقفية في المغرب
وفي مجال التعليم العالي ازدهرت الكراسي العلمية في المغرب بمال الوقف، فقد كانت الكراسي العلمية ظاهرة تربوية تعليمية تميزت بها الجوامع والمدارس في المغرب، وكان التنافس قويا بين العلماء في التفرد بكرسي علمي أو بمجموعة من الكراسي، ولا سيما الكراسي الخاصة بالتعليم العالي التي كان يحفرها الطلبة والعلماء والمختصون، ولا يتم ذلك للعالم إلا إذا كان مرجعاً وحجة في مادته، وقد اشتهرت كراسي عديدة بأسماء أصحابها، ومن أبرز العلماء الذين كانت لهم كراسي علمية مشهورة: الونشريسي أبو الربيع سليمان الفارس ( ت705هـ)، والفقيه محمد بن أحمد العارمي السليماني (ت771هـ )، وعبدالعزيز الورياغلي (ت880هـ )، وانو الغازي المراكشي أبو محمد (ت919هـ ) والخطيب أبو محمد عبدالله بن على بن أحمد العاصي (ت908هـ).
الكراسي العلمية للفقيه أبي العباس المنجور
وممن كانت لهم كراسي علمية عديدة لسعة معارفهم الفقيه أبو العباس أحمد بن على المنجور (ت995هـ)، الذي كانت له كراسي التفسير والسيرة، وكانت أجور هؤلاء العلماء وغيرهم مما اعتلوا الكراسي العلمية تؤدى من مال الوقف، وكانت هناك ظاهرة علمية أخرى في الجوامع والمدارس انتعشت ونمت بفضل مال الوقف، وهي ظاهرة المجالس العلمية؛ حيث كان العالم يلقي دروسه وهو جالس على الأرض بدلاً من الكرسي، والظاهرتان معاً - أي الكراسي والمجالس العلمية- ما زالتا قائمتين في المساجد في عصرنا الحاضر.
ازدهار الكراسي العلمية
ولم تكن لتزدهر الكراسي العلمية بمعزل عن المدارس، التي كانت تبنى من مال الوقف ويرفق معها مرافق أساسية من سكن الطلبة وأساتذتهم، وتخصص منح للطلبة المنتسبين للمدرسة وهي كالأحياء الجامعية بكل متطلباتها، وكان لنماء مال الوقف دور في الإنفاق الباهظ على تلك المدارس ومرافقها، وكانت أجور المدرسين مناسبة لمعيشتهم حتى لا يبحثوا عن عمل آخر ليكملوا حاجاتهم المعيشية، فقد كفتهم أحوال الوقف عن التفكير في أمر تدبير المعيشة لهم ولأسرهم. وفي المغرب بلغ حرصهم في المحافظة على المدارس أنهم كانوا ينقشون الموقوفات على رخام كان يبنى في جدرانها حفاظاً على استمرار إنفاقه عليها، وكانت المدارس في المغرب تستقبل الطلبة بعد حفظهم للقرآن الكريم في الكتاتيب دون أن يشترط تحديد السن، وهذا ما جعل إقبال الطلبة عليها من البوادي والحواضر ؛ فقد رعت الأموال الوقفية عمليه التعليم، وأسهمت في إصلاحها واستمرارها من مرحلة الطفولة حتى المراحل الدراسية العليا المتخصصة، وإن أغلب فقهاء المسلمين وعلماء دينهم ترعرعوا ونشؤوا على ما وضعته أموال الوقف تحت تصرّفهم.
الأوقاف على فتيان القرى والأرياف
وتحدث ابن خلدون في مقدمته عن الفتيان الذين ولدوا وترعرعوا في القرى والأرياف البعيدة عن المدن والعمران، ولكن لم تتوافر لهم الفرصة للتعليم والارتقاء في مجتمعاتهم المتواضعة فكان لزامًا عليهم الهجرة والسفر من أجل الحصول على تعليم يحقق لهم طموحهم العلمي والفني، يقول ابن خلدون: «إن ما ساعد مثل هؤلاء الشباب هو ترف ما أُغدق على معاهد التعليم والتدريب في المدن من موقوفات، جعلت الهجرة إلى مراكز الحضارة من أجل طلب العلم أمراً مشروعاً»، ثم يعطى أمثلة على ذلك في بغداد وقرطبة والكوفة والبصرة والقيروان، وكل ذلك بما وفرته الأموال الموقوفة.


اعداد: عيسى القدومي






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.63 كيلو بايت... تم توفير 2.17 كيلو بايت...بمعدل (3.21%)]