|
ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() كفكفة لـ "دموع الرجال" صدقي البيك دراسة لديوان الشَّاعر فيصل الحجِّي يغلب على مفاهيمنا وثقافتنا، في حاضرنا وماضينا، أن البكاء وذَرْف الدُّموع من صفات النِّساء الغالبة واللاحقة بهنَّ: "ابكِ مثل النساء.... تبكي خناس.... فلتبكيِنَّ لك النساء.... وما بكت النساء على قتيلٍ" وما أكثر الباكيات. وأما الرجال فإنهم: وَلا يَبْكِي عَلَى نَفْسِهِ حُرٌّ ![]() وَلَكِنَّ دَمْعِي فِي الْحَوَادِثِ غَالِ ![]() نعم، هذا صحيحٌ، ولكنَّ المواقف الإنسانية العاطفية، مِنْ فَقْد وَلَدٍ أو والدةٍ أو عظيمٍ أو وطنٍ تطؤه أقدام الغُزاة – تَفْطِرُ القلوبَ المرهفة، وتَعتصرُ الدموعَ من العيون؛ فيسكبها الشُّعراء عبراتٍ على ألسنتهم. وشاعرنا الأستاذ فيصل الحجي من هؤلاء الذين يتجلَّدون في مواقف الرُّجولة، ولا ينحنون للعواصف، ولا تلين لهم قَناةٌ في مواجهة الشَّدائد، ولكنهم تَرِقُّ نفوسُهم، وترهف أحاسيسُهم؛ فيَذرِفون الدموعَ الغاليةَ عند فَقْد مَنْ يحبُّون وما يحبُّون. ومن هُنا جاء ديوانه "دموع الرِّجال"، الذي يضمُّ خمسًا وثلاثين قصيدةً، بكى فيها ذويهِ وإخْوانَه ورفاقَ دَرْبه وزملاءَه، كما رثى المفاهيمَ والقيم التي اندثرتْ في هذا الزَّمان، وأجزاءً من وطنه يبست أشجارُها، وجفَّت أنْهارها بفعل الإنسان المتحضر. وإذا كانت هذه الدموع الغالية تُذْرَف في مواقف الحزْن والأسى، فإنَّ شاعرَنا يذرِفُها أيضًا في مواطِن الفرَح الشَّديد الممزوج بغُربةٍ عنِ الوطن، أو ببُعْد عن سائر الأهل. وهكذا كثُرت مواقفُه المفجِّرة لدموعِه الغزيرة، وكثُرت قصائدُه في ديوانِه هذا مع كثرة الأحْداث التي تهزُّ كيان الإنسان، وطالتْ مع عمْق التِّجربة الشُّعوريَّة التي يعيشُها. وقد حرَص الشَّاعر على أن يقدم لكلِّ قصيدةٍ من ديوانه بمقدِّمة نثْرية، تضع السَّامع والقارئ في الجوِّ المحرِّك للمشاعر قبل أن تبدأ القصيدة، وهو بذلك يحدِّد المناسبة، وكلُّ شعْره في هذا الدِّيوان مرتبِط بِمناسبة إنسانيَّة، وقد تطول المقدِّمة بعرْض تفصيلاتٍ يُمكن الاستِغْناء عنها. ولكوْن شاعرِنا يقرُّ لذوي الفضْل، وللعلماء الذين غرسوا فيه العلم الديني، والأدب، والسلوك، والشعر - بفضلِهم، فإنَّه بدأ ديوانَه برثاء هؤلاء، فكانت قصائده الأولى في الديوان "عالِم فقدناه" ورثاء عالم، ورثاء شاعر، وفريق - هو الأديب يحيى المعلمي – وصديق، كما أنَّه ألْحق بهذه القصائد رثاءَه لِمن زاملَه في التَّدريس، الذي أمضى فيه نحوَ نصف قرن من عمره، فرثى المدير، والمدرِّس، والمرشد الطلابي، بل رثى منِ اخترمه الموتُ من تلاميذه النُّجباء، رثاء طالب، ورثاء تلميذ. ومن حقِّ هذه القصائد الرثائيَّة الأخيرة أن يضمَّها ديوانه عن معاناة المعلِّم، وما يلاقيه ويُقاسيه في هذه المهنة الجليلة، والمهمَّة السَّامية التي لا تُدانيها وظيفة. وكان الشَّاعر حريصًا في رثائِه لِهؤلاء الأعلام المؤثِّرين في حياته، على أن يبرز أنَّ ممَّا يحزُّ في نفسِه عدم تمكُّنه من حضور مأتمِهم، وتشْييع جنائزهم وتوديعِهم، فيطلب ممَّن يزور ديارَ الأهل التي قضى فيها الشَّيخ سليم الرِّفاعي أن يقوموا عنْه بهذه المهمَّات: فَأَقْرِؤُوهُ تَحِيَّاتٍ مُعَطَّرَةً ![]() مِمَّنْ تَجَرَّعَ صَابًا فِي تَنَائِيهِ ![]() مَا لِي نَصِيبٌ بِأَنْ أَلْقَاهُ فِي عُمُرِي ![]() هَذَا، فَهَلْ أَنَا بِالأُخْرَى مُلاقِيهِ؟ ![]() ويعزِّي نفسه عن كلِّ ذلك بأن: يَرْضَى الحَزِينُ بِآمَالِ اللِّقَاءِ وَلَوْ ![]() بَعْدَ المَمَاتِ فَفِيهَا مَا يُوَاسِيهِ ![]() كما أنَّه يبرز فيهم الصِّفات الإسلاميَّة، التي كانت تشدُّه إليهم وتربطُه بهم، فهو يقول في رثائه للشَّاعر عمر بهاء الدين الأميري: أَمِيرَ طَوَائِفِ الشُّعَرَاءِ فَرْدًا ![]() وَمَا أَلْفَيْتُ بَعْدَكَ مِنْ أَمِيرِ ![]() وَكُنْتَ لَنَا لَدَى (البَنَّا) سَفِيرًا ![]() لِتَبْنِيَنَا، فَأَكْرِمْ بِالسَّفِيرِ ![]() دعاء وحكم: وهو في كلِّ رثائه لهؤلاء يَختم رثاءَه بالدُّعاء إلى الله أن يغفِرَ لَهم، ويتغمَّدهم برحْمته، وأن يكْرِم نُزُلَهم، وأن يُسْكِنهم فسيح جنَّاته. إِلَهِي تَغَمَّدْهُ بِوَاسِعِ رَحْمَةٍ ![]() وَشَفِّعْ بِهِ عِنْدَ الحِسَابِ المُشَفَّعَا ![]() سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ تَحْيَا سَعِيدًا ![]() حَيَاةَ الخُلْدِ يَا عُمَرُ الأَمِيرِي ![]() يَا رَبَّ (يَحْيَى) إِنَّ يَحْيَى قَدْ غَدَا ![]() فِي ظِلِّكَ الحَانِي فَخَفِّفْ وَارْحَمِ ![]() ♦ ♦ ♦ يَا رَبِّ يَا رَحْمَنٌ ارْحَمْ (هَاشِمًا) ![]() وَاجْعَلْ لَهُ سُكْنَى الجِنَانِ مَصِيرَا ![]() وقصائدُه هذه حافلةٌ بالحِكَم التِي يستخلِصُها من تَجاربه في الحياة، فها هو يَحثُّ على تحمُّل المشاعر الشَّديدة: فَمَا الصَّبُورُ بِمَنْ مَاتَتْ مَشَاعِرُهُ ![]() بَلِ الَّذِي يَتَلَظَّى ثُمَّ يُخْفِيهِ ![]() مَا مَاتَ مَنْ غَادَرَ الدُّنْيَا إِلَى جَدَثٍ ![]() إِذَا اسْتَمَرَّتْ بِدُنْيَانَا أَيَادِيهِ ![]() يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |